6
إذا كانت مهمة الفيلسوف الحقيقية هي تحليل معارف عصره تحليلا ينتهي به إلى المبادئ الأولية التي إليها تستند تلك المعارف، فإنه بهذه المهمة إنما يقوم بعمل المؤرخ الذي يسجل لعصره مبادئه، إنه لا يشرع لعصره تلك المبادئ، ولا هو يتصدى للحكم على تلك المبادئ بصدق أو كذب، بل هو يحلل ليكشف الغطاء عنها لا أكثر ولا أقل، وإذا رأينا فيلسوفا يتناول هذه المبادئ نفسها بتأييد أو بتفنيد أو بتغيير وتحوير، علمنا أنه قد جاوز بذلك مهمة الفيلسوف كما ينبغي لها أن تكون.
بهذا المعنى التاريخي وحده نقبل «الميتافيزيقا»، وهذا المعنى التاريخي للميتافيزيقا هو الذي نزعم أن «كانت» قد أداه بعمله، وإن لم يكن هو الذي قصد إليه عند اعتزامه القيام بذلك العمل.
فالفيلسوف إذا ما انتهى من تحليله للفكر في عصره، واستخراجه للفروض المطلقة التي ينطوي عليها ذلك الفكر، هو بمثابة من يقول: إن هذا العصر المعين يعتقد في هذا المبدأ وهذا وذاك، إن أهل هذا العصر المعين لا يقبلون مناقشة في هذا الفرض وهذا وذاك، هم يبرهنون صدق أقوالهم بالمبدأ الفلاني، أما المبدأ نفسه فهو عندهم فرض مطلق لا يقبل البرهنة عليه، وبالطبع يجوز للفيلسوف أن يحلل الفكر في أي عصر غير عصره، ويستخرج المبادئ الكامنة في ذلك الفكر، وهو هنا أيضا يعمل عمل المؤرخ الذي يسجل عن عصر ما حقيقة معينة بناء على وثائق، وما الوثائق هنا إلا ما خلفه ذلك العصر من مدونات اشتملت على تفكيرهم.
ولنضرب مثلا بمبدأ السببية
23
نوضح به ما نقول: (أ)
في علم الطبيعة عند «نيوتن» افتراض تنبني عليه أقواله في هذا العلم، وهو أن لبعض الحوادث أسبابا، وأما بعضها الآخر فبغير أسباب، وهذا النوع الأخير يخضع في حدوثه إلى قوانين، أي إن «نيوتن» يبني كلامه في علم الطبيعة على افتراض سابق، هو أن السببية شيء والقوانين الطبيعية شيء آخر، فإذا تحرك جسم حركة خالية من المؤثرات الخارجية، منتقلا في خط مستقيم ومارا بالنقط ن
1 ، ن
2 ، ن
Unknown page