على أن الكلام لا يكون مفهوما عند السامع، إلا إذا كان في مستطاع هذا السامع أن يتصور طريقة لتحقيقه وتصديقه إذا أراد؛ فإذا قلت لصاحبي: «إن في هذا الصندوق أربع برتقالات.» ثم إذا كان صاحبي هذا متفقا معي على مدلولات «صندوق» و«أربعة» و«برتقالة» - فضلا عن مدلولات الكلمات البنائية «إن» و«في» و«هذا» - كان في إمكانه أن يحقق هذا الذي أزعمه له، فإن وجد القول مطابقا للواقع صدقه، وإلا فهو قول كاذب، وفي كلتا الحالين - حالتي صدقه أو كذبه - يكون القول كلاما مفهوما؛ لأنه رسم لسامعه الصورة التي يتوقع أن يجدها في عالم الواقع.
لكن قارن هذا بكل من العبارتين الآتيتين: (1)
إن في هذا الصندوق أربع مشقرات. (2)
الإنسان حرارة لها زاويتان قائمتان.
تجد أن العبارة الأولى غير ذات معنى؛ لاحتوائها على كلمة «مشقرات» التي لا مدلول لها فيما اتفق عليه الناس من رموز دالة، فلا يعلم السامع ماذا عساه واجد في الصندوق إذا أراد أن يتثبت من صدق ما قاله القائل، والعبارة الثانية غير ذات معنى كذلك، على الرغم من أن كل لفظة منها ذات مدلول متفق عليه؛ لأن الألفاظ قد وضعت في غير سياقها الذي يجعلها ذات معنى؛ فماذا أنت صانع مثل هاتين العبارتين لو صادفتهما فيما تقرأ أو تسمع؟ إنك لن تتردد في حذفهما وإهمال شأنهما؛ لأنه من العبث أن تقف عندهما متفكرا متدبرا.
ونحن زاعمون لك الآن أن كل عبارة ميتافيزيقية هي من أحد هذين النوعين؛ فهي إما مشتملة على كلمة أو كلمات لم يتفق الناس على أن يكون لها مدلول بين الأشياء المحسوسة، أو مشتملة على كلمة أو كلمات اتفق الناس على مدلولاتها، لكنها وضعت في غير السياق الذي يجعلها تفيد معناها؛ وإذن فالعبارات الميتافيزيقية فارغة من المعنى، وليس لنا بد من حذفها.
3
وانظر إلى هذه الأمثلة الآتية مما يقوله الميتافيزيقيون، نسوقها لك متعجلين؛ ليتضح المعنى المراد، على أننا سنعود في بقية الكتاب إلى تفصيل القول في طرائق التحليل التي تكشف لنا عن خبيء العبارات الميتافيزيقية؛ لأنه كثيرا جدا ما نتوهم للوهلة الأولى أن عبارة معينة ذات معنى مفهوم، حتى إذا ما حللتها وأمعنت في تحليلها؛ وجدتها منطوية على خلاء، بل على ما هو شر من الخلاء؛ لأنها تخدع خديعة إيجابية حين توهمنا أنها ذات معنى ودلالة، وقد يستتبع معناها الوهمي كثيرا من أوجه النشاط والعمل، والأمر كله ضلال في ضلال. •••
فليس على الفيلسوف الميتافيزيقي من بأس في أن يقول مثلا: إن «الروح عنصر بسيط.»
4
Unknown page