92

Mawarid al-Dhaman li-Durus al-Zaman

موارد الظمآن لدروس الزمان

Edition Number

الثلاثون

Publication Year

١٤٢٤ هـ

Genres

وَنَسِيَ المنزِلةَ التي هِيَ مَصيرُهُ وَمَكَانُه. وَكَانَ جَاهِلًا غَيْرَ عَاقلٍ. وَإِنمَّا العاقلُ الذِّي لاَ يَشْتَغِلُ في دُنْياهُ إِلا لاِسْتِعْدَادِهِ لِمَعادِهِ وَيْكَتَفِي مِنْهَا بِقدَرِ الحاجةِ وَمَهْمَا جَمَعَهُ فَوقَ كِفَايَتِهِ كَانِ سُمًّا نَاقِعًا وَيَتَمَنَّى أَنْ تَكُونَ جَميعُ خَزَائِنِهِ وَسَائِرِ ذَخَائِرِهِ رَمَادًا وَتُرَابًا لاَ فِضَّةً ولاَ ذَهَبًا وَلَوْ جَمَعَ مَهْمَا جَمَعَ. فَإنَّ نَصِيبَهُ مَا يَأْكُلَهُ وَيَلْبِسُهُ لا سِوَاهُ وَجَمِيعُ مَا يُخلّفهُ يَكُونُ عَلَيْهِ حَسْرَةً وَنَدَامَةً وَيَصْعُبُ عَلَيْهِ نَزْعُهُ عِنْدَ مَوْتِهِ فَحلاَلُهَا حِسَابٌ. وَحَرامُهَا عَذَابْ. إِنْ كَانَ قَدْ جَمَعَ المَالَ مِنْ حَلاَلٍ طُلِبَ مِنْهُ الحِسَابَ. وَإِنْ كَانَ قَدْ جَمَعَ مِنْ حَرَامٍ وَجَبَ عَلَيْهِ العَذَابُ. وَكَانَ أَشَدَّ عَلَيْهِ مِنْ حَسْرَتِهِ حُلُولُ العَذَابِ في حُفْرَتِهِ وَمَعَ هَذَا جَمِيعُهُ إِذَا كَانَ إِيمانُه صَحِيحًا سَالِمًا لِحَضْرَةِ الدَّيَانِ. فَلا وَجْه لِيَأْسِهِ مِنْ الرَّحْمَةِ والرضوان. فَإِنَّ الله جَواد كَريمٌ غَفُورٌّ رَحِيم. واعْلَمْ أَنَّ رَاحَةَ الدُّنْيَا أَيامٌّ وَأَكْثَرُهَا مُنَغَصٌّ بالتّعب مَشُوبٌ بِالنَّصبَ. وَبِسَبَبِهَا تَفُوتُ رَاحَة الآخرةِ التي هِيَ الدائمةُ والمُلْكُ الذي لاَ نِهَايَةَ لَهُ وَلا فَنَاء. فَيَسْهُلَ عَلَى العاقل أنْ يَصْبِرَ في هذهِ الأَيَّامِ القَلاَئِل لِينالُ رَاحةً دَائِمَةً بِلا انقضاء. شِعْرًا: وَمَنْ يَصْطَبِرْ لِلْعِلْمِ يَظْفَرْ بِنَيْلِهِ ... وَمَنْ يَخْطُبُ الحَسْنَاءَ يَصْبِر عَلَى البَذْلِ وَمَنْ لاَ يُذِلُّ النَّْفَس في طَلَبِ العُلَى ... يَسِيرًا يَعَشْ دَهْرًا طَوِيلًا أَخَاذْلُ قَالَ ابْنُ القَيِّم ﵀: كُلُّ مَنْ أَثَرَ الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ العِلْمِ واسْتَحَبَّهَا فَلا بُدَّ أنْ يَقُولَ عَلى اللهِ غَيرَ الحقّ في فَتْوَاهُ وَحُكْمِهِ في خَبَرِهِ وَإِلزَامِهِ لأِنَّ أَحكامَ الربِّ سُبْحَانَهُ كَثِيرًا مَا تَأْتِي عَلى خِلافِ أَغْراضِ النَّاسِ، وَلاَ سِيَّمَا أهلُ الرِّيَاسَةِ والذِّين يَتَّبِعُون الشُّبُهاتِ فإِنَّهُمْ لا تَتِمُّ لَهُمْ أَغْرَاضُهُمْ إَلا بِمُخَالَفَةِ الحقِّ وَدَفْعِهِ كَثِيرًا فَإِذَا كَانَ العَالِمُ والحَاكِمُ مُحِبِّينَ لِلرِّيَاسَةِ مُتَّبِعِينَ لِلْشَهَوَاتِ

1 / 91