132

Mawarid al-Dhaman li-Durus al-Zaman

موارد الظمآن لدروس الزمان

Edition Number

الثلاثون

Publication Year

١٤٢٤ هـ

Genres

سبحانه نَفْسَهُ بالعِلمِ، وأنه أحاطَ عِلمُهُ بِظاهِرِهِمْ وَبَاطِنِهمْ وَبِغيبِ السَّماواتِ وَالأرضِ، فَتَعَرَّفَ إَلَيْهِمْ بِصِفَةِ الْعِلْمِ، وَعَرَّفَهُمْ فَضْلَ نَبَيِّهِ وَكَليمِهِ بالعِلْمِ وَعَجْزَهُمْ عَمَّا آتَاهُ آدمَ مِنْ العِلْمِ وَكَفَى بِهَذَا شَرَفًا لِلْعِلْمِ. وَبَيَانُ فَضْلِ العِلْمِ مِنْ هذه القصةِ مِنْ وُجُوهٍ. أَحَدُهَا: أنَّهُ سُبْحَانَهُ جَعَلَ في آدَمَ مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ مَا كَانَ بِهِ أَفْضَل مِنْ غَيْرِهِ مِنَ الْمَخْلُوقاتِ، وأرادَ سُبْحَانَهُ أَنْ يُظْهِرَ لِمَلائِكَتِهِ فَضْلَهُ وَشَرَفَهُ فَظَهَرَ لَهُمْ أَحْسَنَ مَا فِيهِ وَهُوَ عِلْمُهُ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْعِلْمَ أَشْرَفُ مَا فِي الإِنْسَانِ وَأَنَّ فَضْلَهُ وَشَرَفَهُ إِنَّمَا هُو بَالْعِلْمِ وَنَظِيرُ هذا ما فَعَلَهُ بِنَبِيِّهِ يُوسُفَ ﵇ لَمَّا أَرَادَ إِظْهَارَ فَضْلِهِ وَشَرَفِهِ عَلَى أَهْلِ زَمَانِهِ كُلِّهِمْ أَظْهرَ للمَلِكِ وأَهلِ مِصرَ مِنْ عِلْمِهِ بتأْويلِ رؤياهُ مَا عَجَزَ عَنْهُ علماءُ التعبيرِ فَحينئذٍ قَدَّمَهُ وَمَكَّنَهُ وَسَلَّم إليهِ خزائنَ الأرْضِ، وَكَانَ قَبلَ ذَلِكَ قَدْ حَبَسَهُ عَلى ما رآهُ مِنْ حُسْنِ وجهِهِ وَجَمَالِ صُورتِهِ، ولَما ظَهَرَ لَهُ حُسْنُ صُورةِ علمِهِ وَجَمالُ مَعْرِفَتِهِ أَطْلَقهُ مِنْ الْحَبْسِ وَمَكَّنَهُ في الأرْضِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ صُورَةَ الْعِلْمِ عِنْدَ بَنِي آدَمَ أَبْهَى وَأَحْسَنُ مِنْ الصورةِ الْحِسِّيَّةِ ولو كانتْ أجْملَ صُورةٍ. وَهَذا وجهٌ مستقلٌّ في تَفْضِيلِ الْعِلْمِ مضافٌ إِلى مَا تَقَدَّمَ فَتَمَّ بِهِ ثَلاثين وَجْهًا. الوجهُ الحادِي والثلاثون: أنَّهُ سُبْحَانَهُ ذَمَّ أَهْلَ الْجَهْلِ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرةٍ مِنْ كِتَابِهِ. الوجهُ الثانِي والثلاثون: أنَّ الْعِلْمَ حَياةٌ وَنُورٌ، وَالْخَيْرُ كله سَبَبُهُ النَّورُ والْحَياةُ، فَإنَّ النورَ يكشِفَ عَنْ حقائِقِ الأشْيَاءِ وَيُبَيِّنُ مَرَاتِبَها، وَالْحَياةُ هي الْمُصَحِّحَةُ لِصفاتِ الْكمالِ الْمُوجِبَةُ لِتَسْدِيدِ الأَقْوَالِ وَالأعْمَالِ فَكُلَّمَا تَصَرَّفَ مِنَ الْحياةِ فَهُوَ خَيْرٌ كلُهُ كالْحَياءِ الذي سببُهُ كمالُ حياةِ القلبِ وَتَصَوُّرُهُ حَقيقةَ القُبْحِ وَنُفرتُهُ مِنْهُ وَضِدُّهُ الوَقاحةُ والفُحْشُ وَسَبَبُهُ موتُ

1 / 131