موائد الحيس في فوائد القيس
المؤلف
سليمان بن عبد القوي بن الكريم الطوفي الصرصري، أبو الربيع، نجم الدين (المتوفى: ٧١٦ هـ)
المحقق
مصطفى عليان
الناشر
وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية الكويت
الطبعة
الأولى سنـ ١٤٣٥ ـة هـ
1 / 159
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.
الحمد للهِ مُعَلِّمِ البيان، ومُلْهِمِ التِّبيانِ، الذي جَعَلَ الأَدبَ مَرْكَبًا غَيْرَ كابٍ، ومَضْرَبًا غَيْرَ نَابٍ، يَرْفَعُ الوَضِيْعَ، ويَضَعُ الجَهْلُ بهِ الرَّفِيْعَ، حَتَّى إِنَّهُ مِيزانُ الأَفْكارِ، وعُنوانُ الأَقْدارِ، ومُعَرِّفُ قِيْمَةِ الإِنْسَانِ، والمُمَيِّزُ بَيْنَ الإِسَاءةِ والإِحسَان، لم يَتَحَلَّ بهِ إلا فُحولُ الرِّجالِ، ولم يَتَخَلَّ مِنْهُ إلَّا مَنْ هو سَواءٌ وَربَّاتِ الحِجَالِ. والصلاةُ والسَّلامُ على سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ، سَيِّدِ الأَواخِرِ والأَوائِلِ، والمُبَرِّزِ بِفَضْلِهِ على كُلِّ فاضِلٍ، أَفْصَحِ مَنْ نَطَقَ بالضَّادِ، وأَبْلَغِ مَنْ نَزلَتْ عليه الأَعْوادُ، وعلى آلهِ الأُدَباءِ الأَفاضِلِ المُجَلِّينَ في حَلَبَةِ الفضائِلِ، والفَواضِلِ على كل حافٍ وناعِلٍ، ورابحٍ ونائلٍ.
أَمَّا بَعْدُ، فهذا إِملاءٌ في الأَدَبِ، سَمَّيْتُهُ «موائِدَ الحَيْسِ في فوائِدِ امرئ القَيْسِ»، أَلَّفْتُهُ حَسَبِ سُؤالِ سائلٍ ذي نباهَةٍ في الأَدَبِ، ورَغْبَةٍ في الطَّلَبِ، ورَتَّبْتُهُ على مُقَدِّمَةٍ وأَبْوابٍ خَمْسَةٍ:
البَابُ الأَولُ: في مُتَشابِهِ كلامِ امِرْئِ القَيْسِ بَعْضِهِ بِبَعْضِ.
1 / 161
البَابُ الثَّاني: في مُتَشَابِهِ شِعْرِهِ بِشِعْرِ غَيْرِهِ.
البَابُ الثَّالِثُ: في سَبَبِ اشتِباهِ كلامِهِ بعضِهِ ببَعْضٍ.
البَابُ الرابعُ: في مَحَاسِنِ تَشْبِيهَاتِهِ وأَشْعَارِهِ وأَمْثَالِهِ.
البَابُ الخامِسُ: في فوائِدِ كَلامِهِ، من كَشْفِ مُشْكِلٍ ونَحْوِهِ.
وعلى الله ﷿ اعتِمَادِي، وإِليه نَجَاتِي وإِسنادي، عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وإِليهِ أُنِيْبُ.
القَوْلُ في المُقَدِّمَةِ:
وهي تَشْتَمِلُ على تَفْسِيرِ اسْم هذا الكِتَابِ، ولِمَ اختَرْتُ تَسْمِيَتَهُ بهِ، ولِمَ خَصَصْتُ امرأَ القَيْسِ بالكَلامِ على فوائدِهِ دونَ غَيْرِهِ.
أما اسمُ الكِتابِ، فالموائِدُ جَمْعُ مائِدَةٍ، وهي الخُوانُ عَليهِ الطَّعامُ، فإِنْ لم يَكُنْ عليهِ طَعَامٌ فهو خُوانٌ فَقَطْ، وأما الحَيْسُ: فهو أَخلاطٌ من خُبْزٍ وسَمْنٍ وحلاوَةٍ، وإذا أُتقِنَ عَمَلُهُ، واستُجِيْدَتْ موادُّهُ، كانَ من جَيِّدِ الحَلاواتِ. والفوائِدُ جمعُ فائِدَةٍ، وهي المَعْنَى المُدْرَكُ بالفُؤادُ، وهو القَلْبُ؛ لأَنَّهُ مَحَلُّ القُوَّةِ المُدْرِكَةِ، وهي العَقْلُ عِنْدَ كَثيرٍ مِنَ النَّاسِ.
وامرؤُ القَيْسِ: هو ابنُ حُجْرٍ، بِضَمِّ الحاء وسُكونِ الجِيْمِ، الكِنْدِيُّ، وأَمَّا أَوْسُ بنُ حَجَرٍ فبفَتْحِهِما، وهو واحِدُ الأَحْجارِ،
1 / 162
وامرؤُ القَيْسِ: مُضافٌ ومُضافٌ إِليهِ، فالمُضافُ امرؤُ وهو مُذَكَّرُ امرأةٍ، كما أَنَّ المَرْءَ مُذَكَّرُ مَرْأَةٍ، يُقَالُ: امْرَةٌ وامرَأَةٌ ومَرْأَةٌ، والمُضَافُ إليه القَيْسُ، وهو مَصْدَرُ قاسَ يَقِيسُ قَيْسًا وقِياسًا، وهو الاسْتِدلالُ والاعتِبَارُ. وأَخْذُ أَحكامِ الأَشْياءِ بَعْضِها مِنْ بَعْضٍ، ومِنْهُ قَوْلُ عُمَرَ لأَبِي مُوْسَى: «قِسِ الأُمورَ بِرَأْيكَ، واعرِفِ الأَشْبَاهَ والنَّظائِرَ» أو كَما قَالَ. فامرؤُ القَيْسِ إذًا بِمَعْنَى قَوْلِهم: قيسُ الرَّأْيَ، فَمَعْنَاهُ، إِنْسَانُ الرَّأْيِ؛ لِأَنَّ رَأَيَهُ ومَعْرفَتَهُ بالأُمور كان جَيِّدًا، وقد دَلَّ على ذلكَ جَوْدَةُ شِعْرِهِ، وإبداعُهُ فيه، ولِأَنَّهُ كَانَ مَلِكًا،
1 / 163
ولا يُسْتَنْكَرُ لَهُ جَوْدةُ الرَّأْي والمَعْرِفَةِ، ثُمَّ قِيْلَ: امرؤُ القَيْسِ اسمُهُ العَلَم، وقيل: اسمُهُ عمرٌو أَوْ غَيْرُهُ، وامرؤُ القَيْسِ: لَقَبٌ، وإِعرابُهُ مِنْ مَوْضِعَيْنِ؛ الراءِ والهَمْزَة، فَنَقولُ: هذا امرُؤُ القَيْسِ بِضَمِّهِما، ورَأَيْتُ امرَأَ القَيْسِ بِفَتْحِهِمَا، ومَرَرتُ بامرِئ القَيْس بِكسْرِهما.
وأما اختياري تَسْمِيَةَ الكِتابِ بهذا الاسمِ، فلأَنِّي كُنْتُ مَرَّةً في سَفَرٍ، ومَعَنَا قَوْمٌ حُجَّاجٌ، وقد تَزَوَّدوا بزادِ الحَجِّ، ومن جُمْلَتِهِ حَيْسٌ، فَرَمَى إِليَّ بَعْضُهم قِطْعَةً فَأَكَلْتُها، فلم أَجِدْني أَكَلْتُ أَطْيَبَ منها، فَلِذلِكَ سَمَّيْتُ هذا الكِتَابَ بِذلكَ، وأَيْضًا تَحْصيلًا للتَّناسُبِ في فاصِلَتَيْ الاسمِ.
وأَمَّا تَخْصِيْصي امرأَ القَيْسِ بالكَلامِ على فَوائِدهِ، فلِوجُوهٍ؛ أَحَدُها: الإِجْمَاعُ على أَنَّهُ من الطَّبَقةِ الأولى مِنَ الشُّعراءِ، وإِنْ كانَ قد اختُلِفَ في أَيُّهُمْ أَشْعَرُ؟ فقالَ قَوْمٌ: امرؤُ القَيْسِ وهو الأَكْثَرُ، وقِيلَ: النَّابِغَةُ، وقِيْلَ: زُهَيْرٌ، وقِيْلَ: الأَعْشَى، وكان عُمَرُ يُفَضِّلُ
1 / 164