CHECK [[NO TITLE]]
مقدمة الشارح
(محمد الإفراني)
التعريف
بالوشاح والموشحات
[ص51]
باسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد
يقول العبد الحقير، المخطئ الفقير، المرتجي عفو مولاه، محمد الملقب بالصغير ابن محمد بن عبد الله الإفراني نجارا، المراكشي دارا، تاب الله عليه، ووجه قلبه إليه:
Page 1
Page 2
الحمد لله الذي وشح جيد أهل الأدب بعقود البيان التي [هي] على الشرف عنوان، وسرح عيون أفكارهم في حدائق كلام العرب فقطفوا أزهار المعاني من أكمام الألفاظ "صنوان وغير صنوان"(¬1)[1]، وتوج مفارقهم بإكليل التبيان، وحلى لباتهم في المقامات بعقيان القلائد، وقلائد العقيان(¬2)[2]، وأطلع في سماء عقولهم من ملح البديع شموسها، وراض لهم جموح التراكيب، فذلل من لطائف الأساليب شموسها، فسبحوا في بحري المديح والهجاء بأجمل إشارة وأكمل احتجاج، ف "هذا عذب فرات سائغ شرابه، وهذا ملح أجاج"(¬3)[3]. وتلفعوا بثوب الافتنان في فنون الأغراض، ورموا بسهم الإصابة مستهدف الأغراض(¬4)[4]، وغاصوا في قاموس اللغة(¬5)[5] على صحاح الجوهر(¬6)[6]، واقتعدوا سفينة الغزل في تيار المعاني [ص52] فغنموا كل معنى أزهر(¬7)[ 7]، وتلونوا في حلل الكلام تلون الحربا، وتخيروا من بدائع المحسنات كل مقصد سما وأربى، فمن مجاز للفصاحة مجاز، وحقيقة تزري بشقائق ابن الشقيقة(¬1)[8]، وإيجاز تقلد بدلائل الإعجاز(¬2)[9]، وتشبيه بلا شبيه، وتقسيم وسيم، وتلميح مليح، وغلو في غاية العلو، وجناس موصول بالإيناس، وتمثيل بلا مثيل، وإبهام يحير الأ[فها]م، و[تف]ريق في الحسن عريق، وحسن ختام، كشف عن وجوه البدائع اللثام، فسبحان من آتاهم الحكمة وفصل الخطاب(¬3)[10]، وجعل ألسنتهم لزبد البلاغة أحسن وطاب، وحسن بهم خمائل القريض، فكأنهم في فم الأشعار ابتسام. وخص كلمتهم برقية النفوس، فلو رقوا بها مريضا ما طرق ساحته السام، وأدار عليهم راح الملح، في حان الخلاعة فأصبحوا حيارى، "وترى الناس سكارى وما هم بسكارى"(¬4)[11]؛
هم القوم فاجهد في اتباع سبيلهم
Page 3
وإن لم تكن شبها لهم فتشبه اللهم كما رفعتهم من سماء الشرف مكانا عليا، وألبستهم من برود السعد والقبول حليا، فاجعلنا من التابعين لهم بإحسان، المتمسكين بما كان لجموح المعاني في أيديهم من محكم الأرسان، بجاه من إذا ختم الدعاء بالصلاة عليه أسرعت بالإجابة، مولانا محمد بن عبد الله، الذي ظهرت على أسرة وجهه، وهو في المهد، مخاييل النجابة، أفضل الأنبياء والأملاك، فغيرهم أولى وأحرى، القائل، "وما ينطق عن الهوى"(¬1)[12]: "إن من البيان
[ص53] لسحرا(¬2)[13]"، والآخذ من البراعة بالترائب، حين أخذ الناس بالعراقيب والأعضاد، الناطق بجوامع الكلم، ولا غرو فهو أفصح من نطق بالضاد. صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين هم براعة استهلال هذه الشريعة، المعتنون(¬3)[14] بنقد جواهر كلام العرب في الجد والهزل، مع عظيم حرصهم على سد الذريعة، والرضا عن كل من كمل نوع إنسانيته بخاصة الأدب، ففضل بها عن أبناء جنسه، وبذل في افتضاض أبكار القصائد وعرائس مخدرات الأراجيز حشاشة نفسه، علما منه بأن الأدب به تتفاوت المقامات [في المشاهد]، ويستحق الغائب التقدم على الشاهد. ولعمري إن كل من لا يتعاطى الأدب، ولا ينسل لاجتلاء غرره، واجتلاب درره من كل حدب، ما هو إلا صورة ممثلة، أو بهيمة مرسلة.
Page 4
ولما كان توشيح إبراهيم بن سهل ريحانة كل من له إلى الأدب انتساب، وذخ[يرة] أهل الجزيرة التي هي من أجل الذخائر وأفضل الاكتساب، فقد أ[جمعت] كلمة أرباب البلاغة، واتفق رأي من نهض لتصفية إبريز المعاني من الصاغة، على أنه عنقاء مغرب، الذي لا يؤتى بسورة من مثله في مشرق ولا في مغرب،
وشرق حتى ليس للشرق مشرق
وغرب حتى ليس للغرب مغرب
فلو تصدى لمعارضته النابغة، لأقر بإعجاز محاسنه السا[بغة]،أو ألحد في آياته شاعر بني أسد(¬1)[15]، لشد لسانه بحبل من مسد(¬2)[16] ولو بصر به حبيب بن أوس، لم يمكنه للمناضلة إنضاء قوس، أو المتنبي، كانت معجزته مقرونة بالتحدي، أو أبو العلاء، أقر على نفسه [ص54] بما لم تستطعه الأوائل بالتعدي(¬3)[17]، أو ابن بسام، لما سام في مضمار المساجلة سل حسام. فيا له من توشيح رد عيون أعيان هذه الصناعة من الحياء مطرقة، تالية آياته على من قاسها بامرىء القيس، "فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة(¬4)[18]". وفيه وفيه، مما لا أعده ولا استوفيه.
Page 5