Masirat Masrah Fi Misr
مسيرة المسرح في مصر ١٩٠٠–١٩٣٥ : فرق المسرح الغنائي
Genres
مثلت بالأمس في بني سويف رواية «ماري تيودور» بمعرفة جوق أحمد الشامي، وشهد التمثيل كثيرون من الطبقة الراقية والعائلات المعروفة. وما كاد المتفرجون يستتمون ثناءهم على الممثلين لإجادتهم، وبالأخص على مدير الجوق الذي ألقى منولوجا مملوءا بالنصائح للشبان، حتى فوجئوا بفصل هزلي في نهاية الرواية كان في غاية الوقاحة. ظهر فيه فتى وفتاة بمظهر المستبيحين الدائسين على كل فضيلة، فمثلت الفتاة دور الخداع والغش لوالدها، ومثل الفتى دور الغش الفاسد والحب الأثيم، الأمر الذي يجب أن يحرم تمثيله على المراسح؛ لأن الغرض من فن التمثيل إنما هو غرس الفضائل لا الرذائل، وتعويد النفوس على ملابسة الصفات الحسنة والأخلاق الفاضلة، لا على الخلال الشريرة والطباع المرذولة، والجري وراء الأهواء الفاسدة، وخصوصا أن التمثيل أصبحت تشهده العذارى والسيدات والشبان والأولاد، فمن الجريمة أن تعرض على أنظارهم وتلقى على مسامعهم فصولا وألفاظا تؤثر على عفتهم وطهارة قلوبهم؛ ولذلك بقدر ما كان لدى الجمهور من استحسان موضوع رواية «ماري تيودور» بقدر الاستياء الذي عقبه من هذا الفصل الهزلي. فنحول أنظار ولاة الأمور إلى مراقبة التمثيل لمنع عرض الروايات التي من هذا القبيل.
غلاف مخطوطة مسرحية «ماري تيودور ملكة إنجلترا».
ومسرحية «ماري تيودور» تدور أحداثها حول جلبرت العامل الفقير صانع الأسلحة، الذي ربى الفتاة اليتيمة جان، وعندما كبرت أحبها وخطبها لنفسه. ولكن جان وقعت في حب أحد الأثرياء، الذي بهرها بجماله وبماله، ومن ثم سلبها شرفها. وهذا الثري كان يقابل جان في منزل جلبرت عندما يكون متغيبا. وفي ذات ليلة حضر هذا الثري متخفيا في عباءة كي يقابل جان في منزل جلبرت كالعادة، فاستوقفه أحد الغرباء وطالبه بورقة معينة مختومة وموقعة على بياض من الملكة ماري تيودور ملكة إنجلترا، يحتفظ بها هذا الثري دائما. وهذه الورقة إذا أعطاها حاملها إلى الملكة تنفذ له ما يشاء. أما المقابل الذي عرضه الغريب على الثري، فهو كتمان ما يعرفه عنه من أسرار.
وهذه الأسرار تتمثل في أن هذا الثري ما هو إلا فبيانو عشيق الملكة، الذي استولى على أملاك وميراث اللورد تلبوت بعد موته، وعندما علم أن تلبوت أنجب فتاة اعتقد الجميع بأنها ماتت، إلا هو لأنه يعلم أنها جان التي رباها جلبرت؛ لذلك سلبها شرفها كي لا تطالب بميراث والدها منه لأنها من الساقطات. وأمام هذه المعلومات قام فبيانو بقتل الغريب ثم هرب. هنا يأتي جلبرت فيرى القتيل وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة، فيحاول إنقاذه دون جدوى، ولكن القتيل استطاع أن يطلع جلبرت على سر جان وفبيانو . ومن جهة أخرى نجد أن أعوان الملكة ماري، وخصوصا سيمون رنار سفير البرتغال في إنجلترا، لا يميلون إلى فبيانو، ويناصبونه العداء. واستطاع سيمون أن يطلع الملكة على خيانة فبيانو لها، وقصته مع الفتاة جان، فتقوم الملكة بالاتفاق مع جلبرت على الانتقام من فبيانو.
وأمام مجلس القضاء تتهم الملكة جلبرت بأنه أراد أن يقتلها بإيعاز من فبيانو، فيقر جلبرت بذلك بعد أن وعدها بأن يقدم روحه انتقاما من فبيانو. وأخيرا يحكم القاضي على فبيانو وجلبرت بالحبس في برج لندن انتظارا لتنفيذ الحكم عليهما بالإعدام. وتمر عدة أيام دون أن ينفذ الحكم، فيتضجر الشعب ويثور، ويتجمع حول البرج مطالبا برأس فبيانو. هنا تحضر الملكة إلى البرج وتتفق مع السجان بأن يضع جلبرت بدلا من فبيانو حتى يعدم أولا وبذلك تنقذ فبيانو لأنها ما زالت تحبه.
وتقتضي مراسم الإعدام أن يرتدي المتهم رداء يغطيه من الرأس إلى القدم، وتطلق ثلاث طلقات من المدفع؛ الأولى: عندما يصعد إلى التل أمام الناس، والثانية: عندما يستعد الجلاد ويرفع سيفه، والثالثة: عندما تقطع الرأس. وتجلس الملكة بعيدة عن هذا المشهد لتستمع إلى الطلقات، فتأتي لها جان وتطالبها بإنقاذ جلبرت الذي سيعدم في الغد بعد فبيانو، ولكن الملكة تقول لها إن جلبرت هو الذي سيعدم الآن، فترد عليها جان بأن الذي سيعدم الآن هو فبيانو. وأمام تردد كل واحدة منهما أمام شخصية الذي سيعدم الآن، تسمع الطلقة الأولى ثم الثانية وأخيرا الثالثة تأكيدا على قطع الرأس، وهنا يدخل عليهما جلبرت، فتصرخ الملكة لأنها تأكدت بأن الذي أعدم هو حبيبها الخائن فبيانو. وتنتهي المسرحية.
وفي سبتمبر 1913 وجدنا الفرقة بالقاهرة، حيث مثلت مسرحية «شهداء الغرام» بتياترو كازينو حلوان، بعد أن انضمت إليها بديعة مصابني. وفي مارس 1914 قرأنا عن تمثيلها في بني مزار.
4
وفي أبريل 1916 حضرت الفرقة إلى القاهرة، وظلت بها فترة من الوقت استطاعت الصحف فيها متابعة نشاطها، وقد كانت جريدة «الأخبار» سباقة إلى الحديث عنها، حيث قالت في 5 / 4 / 1916 تحت عنوان «في عالم التمثيل جوق أحمد الشامي»:
الشيخ أحمد الشامي ممثل مشهور، يعرفه الأدباء الذين كانوا يترددون على تياترو إسكندر فرح بشارع عبد العزيز، ولحوادث لا داعي لذكرها انفرط عقد الجوق وانفرد الشيخ الشامي بجوقة ألفها وبرح القاهرة، وأخذ يتنقل في الريف فيلاقي الإقبال ويزدحم مرسحه بالأعيان. وقد عاد إلى العاصمة وسيمثل عن قريب رواية «أسرار القصور» لمؤلفها عباس علام
Unknown page