إهداء
مقدمة
تمهيد
فرق المسرح الغنائي الكبرى
فرقة سلامة حجازي
فرقة أولاد عكاشة
فرقة منيرة المهدية
فرق المسرح الغنائي الصغرى
فرقة أحمد الشامي
فرقة الشيخ سيد درويش
فرقة فكتوريا موسى
فرق المسرح الغنائي المغمورة
المسرح في الصالات
صالة بديعة مصابني
صالة رتيبة وأنصاف رشدي
صالة ببا عز الدين
صالات أخرى
ملحق
بعيدا عن أخطاء التاريخ ... من رائد المسرح المصري؟ يعقوب صنوع ... المحتال ... الموهوم ... والمفترى عليه!
تعقيبا على محمد يوسف نجم
المستر جمس يعود إلى الأضواء ويجدد القصف المتبادل
إلى د. يوسف نجم: هل كان صنوع يعيش في كوكب آخر؟!1
الخاتمة
المصادر والمراجع
إهداء
مقدمة
تمهيد
فرق المسرح الغنائي الكبرى
فرقة سلامة حجازي
فرقة أولاد عكاشة
فرقة منيرة المهدية
فرق المسرح الغنائي الصغرى
فرقة أحمد الشامي
فرقة الشيخ سيد درويش
فرقة فكتوريا موسى
فرق المسرح الغنائي المغمورة
المسرح في الصالات
صالة بديعة مصابني
صالة رتيبة وأنصاف رشدي
صالة ببا عز الدين
صالات أخرى
ملحق
بعيدا عن أخطاء التاريخ ... من رائد المسرح المصري؟ يعقوب صنوع ... المحتال ... الموهوم ... والمفترى عليه!
تعقيبا على محمد يوسف نجم
المستر جمس يعود إلى الأضواء ويجدد القصف المتبادل
إلى د. يوسف نجم: هل كان صنوع يعيش في كوكب آخر؟!1
الخاتمة
المصادر والمراجع
مسيرة المسرح في مصر 1900-1935
مسيرة المسرح في مصر 1900-1935
فرق المسرح الغنائي
تأليف
سيد علي إسماعيل
إهداء
إلى أستاذي العزيز ... ووالدي الحبيب
الأستاذ الدكتور
إبراهيم عبد الرحمن محمد
مع تمنياتي لك بدوام الصحة والعافية.
مقدمة
«مسيرة المسرح في مصر» منذ عام 1900 حتى 1935، حلم كان يراودني من سنين، عندما نشرت كتابي «تاريخ المسرح في مصر في القرن التاسع عشر»، فأردت استكمال هذا الكتاب بمشروع ضخم، يبدأ من عام 1900 وينتهي عند عام 1935، من حيث التفاصيل، حيث إنني تجاوزت عام 1935 بشيء من التلخيص عن أخبار بعض الفرق وأصحابها حسب مقتضى الحال. وأحمد الله أنني أتممت الجزء الأول الخاص بفرق المسرح الغنائي، وإن شاء الله سأعمل على إنهاء بقية الأجزاء الخاصة بفرق المسرح الكوميدي والمسرح التراجيدي ... بالإضافة إلى المسرح المدرسي والأندية والجمعيات التي كانت تهتم بالمسرح.
وهذا الجزء قسمته إلى تمهيد وثلاثة أقسام وملحق. ففي التمهيد تحدثت عن فرقة القباني في آخر أعوامها، ثم عن فرقة إسكندر فرح. أما القسم الأول، فكان بعنوان «فرق المسرح الغنائي الكبرى»، وهي فرق سلامة حجازي، وأولاد عكاشة، ومنيرة المهدية. والقسم الثاني كان بعنوان «فرق المسرح الغنائي الصغرى»، وهي فرق أحمد شامي، وسيد درويش، وفكتوريا موسى. والقسم الثالث كان بعنوان «فرق المسرح الغنائي المغمورة»، وهي فرق الصالات الغنائية والاستعراضية التي كانت تهتم بالعروض المسرحية، مثل صالات بديعة مصابني ورتيبة وأنصاف رشدي وببا عز الدين. أما الملحق، فخصصته لقضية شغلت الحياة الثقافية المسرحية - وما زالت - عن أكذوبة ريادة يعقوب صنوع للمسرح العربي في مصر، وما دار بيني وبين د. محمد يوسف نجم من مقالات حول هذا الموضوع.
أما مصادري ومراجعي في هذا الكتاب، فكانت المخطوطات الأصلية لبعض المسرحيات غير المنشورة، وكذلك الصحف والمجلات المعاصرة لفترة الكتاب، هذا بالإضافة إلى بعض الوثائق المهمة، وبالأخص الإعلانات والبروجرامات والتقارير الرقابية، وقد أثبت صورا كثيرة منها.
وقد أفادتني مخطوطات المسرحيات في التعرف على أسماء ممثلي بعض الفرق بصورة كاملة، وذلك من خلال صفحات توزيع الأدوار، أو من خلال إشارات المخرجين التي تشير إلى دخول وخروج الممثلين بأسمائهم المعروفة، هذا بالإضافة إلى إثبات ملخص لأغلب موضوعات المسرحيات الممثلة من قبل الفرق المسرحية الغنائية منذ عام 1900.
وأهم صعوبة قابلتني في هذا الكتاب هي الحصول على الصحف والمجلات المعاصرة لفرق المسرح الغنائي بصورة مستمرة، فهناك مجلدات لصحف كثيرة مفقودة في دار الكتب المصرية، وهذا الفقد أثر سلبا على تتبع نشاط الفرق المسرحية بصورة دقيقة.
ولا يسعني في هذا المقام، إلا أن أشكر الدكتور سامي عبد الحليم، الأستاذ بأكاديمية الفنون، الذي أعارني مجموعة قيمة من إعلانات الفرق المسرحية، فله مني جزيل الشكر.
والله ولي التوفيق.
القاهرة في: 27 / 6 / 2002
دكتور سيد علي إسماعيل
تمهيد
كانت السنوات الأولى من بداية القرن العشرين مرحلة انتقال فني، بالنسبة للفرق المسرحية التي شهد الثلث الأخير من القرن التاسع عشر أمجادها، وبين نفس الفرق التي أصبحت تلفظ أنفاسها الأخيرة مع بداية القرن العشرين، وكأنها سنة الحياة، فكل شيء يصير إلى زوال، ولكنه في الوقت نفسه يترك لنا بذورا من بقاياه، لتنبت نبتا جديدا، يكتسب صفات زمنه، مع المحافظة على بعض أصوله المكتسبة من الماضي.
ومن أهم هذه الفرق: فرقة القباني، فرقة سليمان الحداد، فرقة سليمان القرداحي، فرقة إسكندر فرح. وإذا كنا قد تحدثنا عن نشاط هذه الفرق المسرحية في القرن التاسع عشر في دراسة تفصيلية سابقة،
1
إلا أننا في هذا المقام سنلقي الضوء على فرقة إسكندر فرح، مرورا بفرقة القباني، باعتبارهما أساس المسرح الغنائي العربي في مصر، ذلك الأساس الذي أفرز لنا أشهر الفرق المسرحية الغنائية بعد ذلك.
وتعتبر فرقة القباني أول فرقة مسرحية تتوقف عن النشاط الفني في أول أعوام القرن العشرين، وذلك عندما بدأت عدة رحلات فنية في أقاليم مصر. ففي يناير 1900 شدت الفرقة رحالها إلى المنيا، ومثلت بها رواياتها الشهيرة، وبالأخص مسرحية «الأمير محمود، نجل شاه العجم»، تأليف القباني، وقامت ببطولتها الممثلة لبيبة ماللي.
2
غلاف مسرحية «الأمير محمود».
ومسرحية «الأمير محمود» مستوحاة من حكايات ألف ليلة وليلة، تلك الحكايات التي كانت تلقى إعجابا كبيرا من الجمهور المسرحي في تلك الفترة، خصوصا قطعها الشعرية والغنائية. وهذه المسرحية تدور حول الأمير محمود، الذي تقع في يده صورة لفتاة جميلة، فيهيم على وجهه في مشارق الأرض ومغاربها بحثا عن صاحبة الصورة، وتقع له حوادث كثيرة في كل بلد، وأخيرا تقوده المصادفة إلى معرفة هذه الفتاة؛ حيث إنها زهر الرياض ابنة ملك الصين حسان، وعندما يذهب الأمير لطلب الزواج يجد الفتاة مصابة بالجنون بفعل شيطان اسمه سحاب، وأن والدها على استعداد لزواجه منها إذا استطاع شفاءها وقتل الشيطان سحاب، وبالفعل يفلح الأمير محمود في هذه المهمة، ويتزوج من الأميرة وتنتهي المسرحية.
وفي فبراير 1900 رحلت الفرقة إلى الإسكندرية، وتقول جريدة «المقطم» عن هذه الرحلة:
سافر اليوم جوق حضرة الأديب الشيخ أحمد أبي خليل القباني إلى الإسكندرية، ويمثل في مسائه رواية «عائدة» المشهورة بكثير مناظرها وبديع ألحانها، ويتلوها تمثيل فصل مضحك جديد من تأليف الأديب حنا نقاش.
3
بعد ذلك مباشرة عادت الفرقة إلى المنيا، واستكملت عروضها هناك،
4
ومن ثم عادت إلى مقرها في القاهرة، وبدأت عروضها المعتادة بمسرح القباني بالعتبة، فمثلت بعض العروض، منها مسرحية «مطامع النساء»، تعريب توفيق كنعان.
5
وفي أبريل 1900 رحلت الفرقة إلى الفيوم، وقدمت عروضا ناجحة، قال عنها مكاتب جريدة «مصر» بالفيوم:
لا ينكر أحد أهمية التمثيل وفوائده، إذ إن فيه إعادة الحوادث الماضية في قالب التشخيص والتمثيل، سيما إذا كانت الأقوات مديرة بقوم أكفاء كجوق أبي خليل القباني، الذي أجاد بتمثيل رواياته المفيدة لنا من حيث الوضع والتمثيل؛ حتى أقبل الكل عليه مسرورين.
6
وفي مايو 1900 كانت آخر رحلات الفرقة في الأقاليم المصرية، وكانت في الوقت نفسه آخر عروضها المسرحية على الإطلاق. فقد اتفق الخواجة جورج كرنيتوس مع القباني على إحياء خمس حفلات مسرحية بتياترو التوفيق بالمنيا،
7
وبالفعل سافر الجوق وبدأ عروضه، وفي إحدى الليالي جاءهم النبأ المفزع، فقد احترق مسرح القباني بالعتبة، ولم يبق منه شيء!
وقد وصفت جريدة «المؤيد» هذا الحادث قائلة في 19 / 5 / 1900:
شبت النار شبوبا هائلا في الساعة العاشرة وربع من مساء أمس في تياترو الشيخ أبي خليل القباني المجاور لسوق الخضار، وساعدت الريح الشديدة وقتئذ على اشتعالها، حتى رجفت القلوب خيفة من شر هولها، وخشي الناس جميعا زيادة امتدادها، غير أن رجال المطافي أخذوا يبذلون قصارى جهدهم في إطفاء الحريق حتى أطفئوه في نصف الليل، بعد أن دمر التياترو بأجمعه وبعض القهاوي والحوانيت المجاورة، وبلغت الخسائر 2420 جنيها، وقيد الحادث قضاء وقدرا.
وأمام هذا الحادث حل القباني فرقته، فتفرق أعضاؤها وانضموا إلى الفرق الأخرى، وعاد القباني إلى بلده سوريا، وأصيب بالمرض والفقر، وباع منزله ليتداوى بثمنه، وظل هكذا لمدة عامين حتى عطفت عليه الحكومة وخصصت له راتبا شهريا، وأعادت إليه منزله،
8
فعاش أياما معدودة حتى مات في 19 / 12 / 1902.
وقد قال عنه كامل الخلعي: «كان مرسحه موردا عذبا يؤمه الكبراء والأمراء والشعراء والأدباء؛ لمشاهدة رواياته وجلها من منشآته، لما جمعت بين جزالة الألفاظ وعذوبتها ورقة المعاني ودقتها، أرهفت نواحيها بالتهذيب، وطرزت حواشيها بكل فكر غريب، شهد بحسنها الكثير من أئمة البلاغة ومتقني الصياغة، كما شهد من قبل أكابر الموسيقيين وفطاحل الملحنين بما له من بديع التلاحين الرقيقة لأناشيد الطرب الأنيقة، ما يزري برنة الدينار ويذهب بصوت الناي والأوتار، ويطوح بالهموم والأتراح ويغني بلذته عن الراح، فكم له من قطعة رافعة للقدر، ومدحة شارحة للصدر، ومرثية مبكية للعيون، ومقطعات مختلفة الفنون. هذا ما يتعلق بالإنشاد والإنشاء ... ومن أجل مزاياه أنه كان خصيصا بطريق من طرق الغناء، وتفرد بها تفرد القمر في السماء، فكان بعد انتهاء كل رواية يلقي من القطع الموسيقية شذورا تنزو لها الأكباد، ويتحرك لحسن وقعها الفؤاد.»
9
وقارئ مسرحيات القباني يلاحظ أن حوارها الفصيح مزيج من النثر المسجوع والشعر الراقي، ذلك الشعر الذي كان يلقيه الممثلون بصورة غنائية موسيقية، وهذا اللون عرف فيما بعد باسم «الأوبريت». وأسلوب الكتابة المسرحية بهذه الطريقة اتبعه القباني إرضاء لذوق جماهيره العربية والمصرية التي كانت متعلقة بالغناء، وكمثال على هذا نورد هنا قول محمود لأبيه الملك من مسرحية «الأمير محمود نجل شاه العجم» للقباني: «مذاهب العشق يا والدي تختلف، يدركها كل مشوق كلف، فقد يكون باللمس ويكون بالنظر، ويكون باستحسان بعض الصور، ويكون يا والدي بالسماع، فيوقع المحب في النزاع، وقد يكون بمجرد الوصف، فيورد العاشق موارد الحتف، ومنهم من أصابه في الأحلام فانتبه مرعوبا من الوجد والهيام، ومنهم من عشق باللثم فكابد كل غم وهم، وقد يكون العشق اختياري، ويكون بمسارقة النظر اضطراري، وللعشق يا والدي مراتب وأحكام، يعرفها كل من عشق فهام، والخلاصة يا والدي الحنون، أن الجنون فيه فنون:
جنون العشق والبلوى فنون
إذا عبثت بذي لب عيون
وتلك عن القلوب لها حديث
وأسرار تدق لها شئون
وما حركاتها إلا معان
بما يبديه تنبعث الشجون
فتنطق عن خبايا في الزوايا
بما تبدو به السر المصون
فيطمع بالمنى صبا تعنى
بمعناه وغايته المنون»
10
ويرجع الفضل الأول للقباني في إدخال عنصر الغناء بين فصول المسرحية أولا، ومن ثم إدخاله ضمن المشاهد التمثيلية ثانيا، وذلك في المسرح العربي في مصر؛ حيث كان المطربون يقدمون الغناء في الحفلات الخاصة والعامة بمصاحبة التخت الموسيقي بصورة منفردة، وقد كسر القباني هذه القاعدة عندما قدم بين فصول مسرحياته قطعا غنائية لعبده الحامولي وألمظ، ثم ضم إلى فرقته المطربين أمثال: محمد عبد العزيز، إبراهيم أحمد الإسكندراني، نديم الآلاتي، ليلى الشامية، ملكة سرور. ومن هؤلاء من كون فرقة مسرحية غنائية بعد ذلك، مثل الشيخ إبراهيم أحمد الإسكندراني الذي ألف جوق الترقي الأدبي عام 1902، ومنهم من كون تختا موسيقيا، مثل محمد عبد العزيز الذي عمل بمصاحبته في تياترو الشانزليزيه 1919.
أما في مجال التمثيل، فقد أخرج القباني عناصر تمثيلية، كان لها شأن كبير في حركة المسرح العربي في مصر، ومنهم الممثل الكوميدي محمد بهجت، الذي ألف فرقة خاصة به عام 1920، وعمل بها في كازينو دي باري، وكونها مرة أخرى عام 1928، وعمل بها في مسرح بيرة الأهرام، هذا بالإضافة إلى عمله كأحد العناصر الأساسية في عدة فرق مسرحية أخرى، ومنها: فرقة جورج أبيض، عكاشة، منيرة المهدية، علي الكسار، أمين صدقي، فكتوريا موسى.
وكمثال آخر نجد الممثل والمطرب عمر وصفي - أحد أهم ممثلي فرقة القباني في عهدها الأخير - الذي ألف فرقة مسرحية، عمل بها على مسرح منيرفا عام 1917، ثم كون فرقة أخرى عام 1927، وأيضا ألف فرقة ثالثة بالاشتراك مع عبد الرحمن رشدي عام 1920، وفرقة رابعة بالاشتراك مع الشيخ سيد درويش عام 1921. هذا بالإضافة إلى عمله كممثل أساسي وكمدير فني لفرق مسرحية عديدة، مثل: فرقة سلامة حجازي، جورج أبيض، عبد الرحمن رشدي، عكاشة، علي الكسار، جماعة أنصار التمثيل، منيرة المهدية، أمين صدقي، الفرقة القومية المصرية.
فرقة إسكندر فرح
مع بداية القرن العشرين كانت فرقة إسكندر فرح هي الفرقة المسرحية العربية الوحيدة المهيمنة على الساحة الفنية في مصر، وذلك بالرغم من وجود فرق عربية وأجنبية أخرى، هذا بالإضافة إلى ظهور فن الأشرطة السينمائية، بجانب الفنون الأخرى التي كادت أن تختفي مثل فن خيال الظل.
إسكندر فرح.
سلامة حجازي.
ولا يخفى علينا أن سبب هيمنة فرقة إسكندر فرح راجع إلى وجود الشيخ سلامة حجازي فيها، وانجذاب الجمهور المصري إلى الغناء والطرب. وإذا كانت الفرق العربية حاولت منافسة إسكندر فرح في جذب الجمهور نحو التمثيل المسرحي، فإن المطربين والمنشدين كانوا أيضا في منافسة أخرى مع الشيخ سلامة حجازي، ولكن من حيث الطرب والغناء، فإن كان الشيخ سلامة يطرب الجمهور كل يوم من خلال فرقة إسكندر فرح، فإن المطربين والمنشدين كانوا يطربون الجمهور من خلال الاحتفالات العامة والاحتفالات الخاصة. وفي مناسبات قليلة كانت المنافسة تجمع معظم المطربين في مباراة فنية واحدة، مثل احتفالات عيد الجلوس الخديوي التي كانت تقام كل عام في حديقة الأزبكية.
عبده الحامولي.
الشيخ يوسف المنيلاوي.
قالت جريدة «مصر» في 3 / 1 / 1900:
تقرر إقامة مهرجان حافل في حديقة الأزبكية مساء 7 الجاري، إحياء لتذكار جلوس الجناب الخديوي المعظم، وأن راياته وزينته ابتدأ تنسيقها منذ الآن، ونزيد على ذلك أن ألعابا نارية مختلفة ستجري في تلك الليلة، وتجري الزوارق في بحيرة الحديقة. وسيطرب الجمهور بلبل الغناء عبده الحامولي، وزميله المبدع الشيخ يوسف المنيلاوي.
11
وتمثل في تياترو الحديقة رواية عربية يشخصها جوق إسكندر فرح، الذي تغني شهرة جوهرته الشيخ سلامة حجازي عن وصفه، ويتخللها فصول غناء تلقيها السيدة ملكة سرور.
وفي هذا الاحتفال مثلت الفرقة مسرحية «محاسن الصدف»، وشاهدها السردار الإنجليزي، وقد أبدعت في تمثيلها وغنائها الممثلة والمطربة ملكة سرور.
12
غلاف مسرحية «محاسن الصدف».
ومسرحية «محاسن الصدف» تأليف محمود واصف، تدور حول الوزير الماكر إبراهيم، الذي يحقد على الوزير شمس الدين، فيزين لملك مصر ابنة شمس الدين، فيجعل الملك يطلب يدها من وزيره شمس الدين رغم علمه أنها مخطوبة لابن عمها الأمير حسن وزير بغداد، وعندما يطلب الملك الزواج من شمس الصباح يخبره والدها أنها مخطوبة لابن عمها، فيعتبرها الملك إهانة له، فيأمر بتزويج شمس الصباح من سايسه الأحدب المخيف انتقاما لكرامته، ويرسل الجند للقبض على حسن في بغداد، ولكن أحد الأتباع ممن يذكرون مآثر الوزير «قمر الزمان» والد حسن يسبق الجند ويساعد حسن على الهرب، وبعد تعب شديد من كثرة السير ينام حسن بجوار قبر أبيه، فتأتي الجن وتعلم بحاله، فتقوم بنقله وهو نائم إلى قصر الوزير شمس الدين ليلة زفاف ابنته على الأحدب، وتقوم أيضا بإبعاد الأحدب ووضع حسن مكانه، فيقع حسن في حب العروس، ثم تنقله الجن مرة أخرى إلى الشام ليفيق ويظن أن ما حدث كان حلما. أما شجرة الدر والدة حسن فتتنكر في زي رجل وتبحث عن ابنها في مصر، فتقابل مصادفة الوزير شمس الدين، وتعلم أنه شقيق زوجها وتطلعه على الحقيقة، فيحاولان معا البحث عن حسن، ويجدوه في الشام، ويرجع الجميع إلى مصر ويطلعون الملك على الحقيقة بكاملها، فيبارك الملك زواج حسن بشمس الصباح، ويوقع العقاب بالوزير إبراهيم.
وإذا كان صوت الشيخ سلامة حجازي هو أكبر عامل من عوامل نجاح فرقة إسكندر فرح، فإن العامل الثاني كان وجود مسرح ثابت للفرقة، وهو مسرح شارع عبد العزيز - الذي أقيم بأرض علي باشا شريف رئيس مجلس الشورى في ذلك الوقت، وهو سينما أولمبيا الآن - الذي شهد أمجاد الفرقة في القرن التاسع عشر. وعلى هذا المسرح، وبصوت الشيخ سلامة الشجي، أعادت الفرقة عروضها المسرحية الناجحة، هذا بالإضافة إلى عروضها الجديدة. وقد ساعد في نجاح هذه العروض فريق من الممثلين، منهم: أحمد فهيم، حسين حسني، ميليا ديان، وردة ميلان، أمين الأزهري، أحمد أبو العدل، مصطفى محمد، عمر فايق، إبراهيم أبي السعود، محمود حبيب، أحمد فهمي، إبراهيم رجب، الشربيني، ملكة سرور، لبيبة ماللي، محمود حجازي. وذلك في الفترة من يناير 1900 وحتى فبراير 1905.
ومن هذه العروض مسرحية «أبو الحسن المغفل» لمارون النقاش، وكانت تختم بفصول كوميدية وصور سينماتوجرافية،
13
وكذلك مسرحية «الاتفاق الغريب»،
14
و«أنيس الجليس» للقباني، وقد خصص دخل بعض حفلاتها لأشخاص معينين، أمثال توفيق فرح، مع عرض للصور السينماتوجرافية.
15
أما مسرحية «البرج الهائل» لإسكندر ديماس، وتعريب فرح أنطون،
16
فكانت المسرحية الأثيرة لدى فرقة إسكندر فرح، فقد كانت أكثر المسرحيات تمثيلا،
17
وكانت المقدمة على بقية المسرحيات في الاحتفالات المهمة، ولا سيما احتفالات الفرقة بمناسبة بداية موسمها السادس عشر.
قالت جريدة «المؤيد» في 1 / 10 / 1903:
مضى على جوق مصر العربي خمسة عشر عاما، وهو سائر في طريق التقدم والنجاح، حتى بلغ درجة عظيمة واكتسب رضاء الجمهور، كيف لا يكون ذلك وحضرة البارع الشيخ سلامة حجازي الممثل الفريد بمصر هو القابض على زمام هذا الجوق والمتولي أمر تهذيب المشخصين وتعليمهم. وبمناسبة دخول هذا الجوق في السنة السادسة عشرة، سيبدأ في هذا المساء بتشخيص رواية «البرج الهائل»، وهي رواية غرامية تظهر ضروب الخلاعة والترف والانغماس في الشهوات، الصادر من مرجريت ملكة فرنسا وزوجة الملك لويس السادس عشر، ونتيجة انتصار الفضيلة وسقوط الرذيلة. ومتى علم القراء أن هذه الرواية من أحسن الروايات التي ألفها الروائي الشهير دوماس، وأن حضرة الشيخ سلامة حجازي سيكون له أعظم دور في هذه الرواية، لا شك وأنهم يبادرون إلى مشاهدتها.
وبعد العرض قالت الجريدة أيضا في 4 / 10 / 1903:
أتقن المشخصون أول أمس تمثيل رواية «البرج الهائل»، حتى إن المغرمين بمشاهدة مراسح التشخيص قد عرفوا أهمية هذه الرواية، فغص التياترو بالمتفرجين ولم يبق لمتأخر مكان عند رفع الستار. أما حضرة البارع الشيخ سلامة حجازي، فقد أعجب الحاضرون ببراعته في تمثيل دوره، وكذلك مشخصة دور الملكة مرجريت التي أجادت كل الإجادة، واقتدى بها غيرهم من المشخصين الذين استحقوا ثناء الجمهور.
غلاف مسرحية «البرج الهائل».
ومسرحية «البرج الهائل» تدور أحداثها في فرنسا في أوائل القرن الرابع عشر. فعلى نهر السين وأسفل برج نسل يجد الناس كل يوم ثلاث جثث غارقة لثلاثة شبان، دون أن يعلم أحد سر هذه الجثث. وفي إحدى الحانات يتقابل الشقيقان فيليب وكوتيه مع الضابط الإيطالي «بوريدان»، ونعلم من الحوار أن الشقيقين وجدا منذ طفولتهما على باب إحدى الكنائس، وعلى اليد اليسرى لكل منهما وشم لصليب أحمر. ومن خلال الحوار أيضا نعلم أن فتاة مقنعة قابلت فيليب وضربت له موعدا في برج نسل، وحدث نفس الأمر مع بوريدان، ولكن من امرأة أخرى، وعندما ذهب فيليب وبوريدان وشخص ثالث إلى البرج تقابلوا مع ثلاث سيدات، فذاقوا منهن شهوات كثيرة، فأراد فيليب قبل الانصراف أن يتعرف على السيدة المقنعة، ولكنها رفضت، فأخذ دبوسا من ملابسها وجرحها في وجهها المختفي أسفل القناع حتى يتعرف عليها في الصباح. وعندما هم الرجال الثلاثة بالانصراف حكى فيليب لبوريدان حكاية الجرح والدبوس، وفي هذه اللحظة انقض عليهم رجال مسلحون فقتلوا أحدهم، وحاول فيليب وبوريدان الهرب دون جدوى، فتعاهدا على أن يثأر كل منهما للآخر إذا كتبت النجاة لأحدهما، وكتب فيليب ورقة بدمه وبالدبوس وأعطاها لبوريدان، وهنا يهجم المسلحون على فيليب فيقتلوه، ويستطيع بوريدان الهرب.
وفي الصباح نعلم أن المرأة التي جرحت بالدبوس أمس، ما هي إلا الملكة مرجريت ملكة فرنسا، ويتعرف عليها من خلال الجرح بوريدان الذي تنكر في زي عراف، وذهب إليها وهددها بورقة فيليب، وبما يعلمه من سر برج نسل. وتتوالى الأحداث بين تهديد بوريدان للملكة، ومحاولة الملكة التخلص منه بكل الوسائل، ولكنها تفشل. ثم نعلم بعلاقة حب شديدة بين الملكة وبين كوتيه شقيق فيليب، ومدى غيرته من بوريدان، ومع توالي الأحداث نكتشف أن بوريدان هذا ما هو إلا خادم الملكة مرجريت وعشيقها عندما كانت صبية، وقد حملت منه، وعندما علم والدها بالأمر أمر أن تسجن في الصباح، ولكنها اتفقت مع خادمها وعشيقها على قتل والدها في المساء، وبالفعل قامت بهذه الجريمة واعتلت هي العرش بعد أن أبعدت عشيقها عن البلاد، وكتبت له رسالة تعترف فيها بكل شيء. ومع تهديد بوريدان للملكة بكشف الرسالة القديمة لزوجها ملك فرنسا تعترف له بأنها أنجبت منه طفلين، أعطتهما لخادم لها كي يقتلهما، وعندما يجد بوريدان هذا الخادم ويسأله عن الطفلين، يقول له إنه عطف عليهما وتركهما على باب كنيسة بعد أن وشمهما بصليب أحمر على اليد اليسرى. وهنا تقع الطامة الكبرى، فإن فيليب الذي قتلته الملكة في برج نسل ما هو إلا ابنها، وأن كوتيه عشيقها ما هو إلا ابنها الثاني، فيحاول بوريدان أن ينقذ كوتيه من الموت؛ لأنه دبر له مكيدة لقتله غيرة على الملكة، ولكن بعد فوات الأوان، فيموت الابن الثاني . وأمام هذه الأهوال وغيرها يقرر بوريدان والملكة الانتحار.
ومسرحية «البرج الهائل» المطبوعة عام 1899 تحمل بين صفحاتها وثيقة هامة، تظهر مدى اهتمام فرقة إسكندر فرح بإقحام الأشعار والألحان والأغاني في بعض المسرحيات دون ضرورة فنية، ولكن لضرورة تجارية ومزاجية، يتحكم فيها ذوق الجمهور الذي يعشق الغنائيات والألحان. ونص هذه الوثيقة عبارة عن بضعة أشعار، وتعليق من فرح أنطون جاء هكذا:
18
مرجريت :
لام فيكم عذوله وأطالا
كم إلى كم أعالج العذالا
أيها المنكر الغرام علينا
حسبك الله قد جحدت الجمالا
لك نصحي وما عليك جدالي
آفة النصح أن يكون جدالا
هب من العقل أنني أنا أسلو
ما من العقل أن تروم المحالا
بوريدان :
ما محال ما قد طلبت ولكن
أنت تبغين في الغرام الضلالا
إنما الملك يقتضي المجد
والإعظام والحب يقتضي الإذلالا
وهما في الوجود عرشان لكن
قد تدانى هذا وذاك تعالى
بين ملك سما وبين غرام
هان قد أوسع الإله المجالا
فاسمعي النصح واطلبي أرفع العر
شين فالعقل يقتضي ذاك
مرجريت : ... لا لا
لست أسلو الهوى ولا الملك أسلو
فلي الملك والهوى إجمالا
أنا ذات العرشين بل ربة التا
جين أكسوهما سنا وجمالا
فقلوب تطيعني ورقاب
ذاك مجدي فمن كما نلت نالا
وعند قول «بوريدان» في الحوار الشعري السابق وضع المعرب فرح أنطون هامشا قال فيه: «أنشئ للرواية هذه الأبيات، والتي ترد بها مرجريت عليها، حضرة الشاعر العصري المجيد إلياس أفندي فياض مكاتب جريدة «البصير» الغراء في العاصمة. أما الأبيات التي تقدمتها ومطلعه: «لام فيكم» فهي من نظم شاعر المعية السنية حضرة أحمد بك شوقي، صناجة مصر وبلبل القطر. ويغتنم المعرب هذه الفرصة لا ليعتذر عن قلة النظم وقلة الألحان في الرواية، فإنه يرى أن الشعر والغناء لا دخل لهما في هذا النوع من الروايات، وحسبه حجة على ذلك تجرد الأصل منهما، ولكن الأمر الذي يريد الاعتذار عنه ضعف كثير من المنظوم واستخدامه في سياق الرواية بضعة أبيات للشعراء الغابرين دعت إليها العجلة، ولا حاجة للدلالة عليها لظهورها بين أخواتها ظهور الشعرات البيض في الثور الأسود. على أنه لا أكثر سوادا من غناء الملكة مع بوريدان في ختام الفصل الثالث؛ لأنه ليس من الطبيعة في شيء، ومع ذلك فالعامة وكثيرون من الخاصة على استحسانه وطلبه؛ حتى إن جدران التياترو العباسي كادت تميد من تصفيق الحاضرين، وصراخهم عند استعادتهم هذا الغناء. وقد ذكرت تلك الأبيات، وما كان من بابها في هذه النسخة، مراعاة لذوق الجمهور أيضا، وإن كان فيها مخالفة للطبع والوضع.»
19
وإذا عدنا إلى مسرحيات فرقة إسكندر فرح بصورة إجمالية؛ سنجد أن مسرحية «تليماك» لسعد الله البستاني كانت تعرض بمصاحبة الصور السينماتوجرافية، وتسحب مع تذاكرها نمر اليانصيب، وخصص دخل إحدى لياليها لسليم فرح.
20
وكانت مسرحية «ثارات العرب» تأليف فيكتور هوجو وتعريب نجيب الحداد من المسرحيات المهمة لدى الفرقة، مثلها مثل مسرحية «حمدان» تأليف فيكتور هوجو وتعريب نجيب الحداد.
21
وكانت مسرحيات إسماعيل عاصم الثلاث، من المسرحيات ذات الأثر الطيب عند جمهور الفرقة، وخصوصا مسرحية «حسن العواقب».
22
ومسرحية «ثارات العرب» تدور حول ظهور أبي قابوس، جد المناذرة ملوك الحيرة، بعد اختفائه زمنا، واجتهاد معشوقته شمطاء أو حسناء في أخذ ثأره من أخيه، لتوهمها أنه قتله. وكانت شمطاء هذه ساحرة ماكرة تحمل كثيرا من العقاقير والأدوية، فربت ابنا لغضوب أخي أبي قابوس، الذي بويع بالملك على العرب لما أظهره من البسالة والإقدام، واتخذته وسيلة لينتقم لها من أبيه؛ لذلك أعطته دواء يحيي به حبيبته ليلى، على شرط أن يكون طوع أمرها. وبعد أحداث كثيرة متداخلة يتم الوئام بين الجميع، فتعود شمطاء إلى حبيبها بعد تأكدها من عدم موته.
غلاف مخطوطة مسرحية «ثارات العرب».
أما مسرحية «حمدان» لنجيب حداد، فتدور حول المنافسة على الخلافة بين أنصار عبد الرحمن الناصر وبين أتباع خلافة بغداد، كما يقع صراع عاطفي بين حمدان، وهو زعيم متمرد، وبين الأمير نصر الدين على حب شمس. ومن خلال الأحداث نتعرف على شمس التي ترتبط بعاطفة حب مع حمدان، وحمدان شاب في مقتبل العمر، فيه نضرة الشباب وعنفوان الصبا، بعكس منافسه نصر الدين الرجل الكبير، الذي نالت الأيام والسنون من جسمه الكثير. ويقوم حمدان بالتنكر في زي الحجاج ويهبط دار الأمير المنافس نصر الدين متسولا، ويكون الأمير مشغولا في تجهيز معدات العرس ليتزوج من شمس، فيكرم الأمير ضيفه حمدان الذي خلع تنكره، وهنا نجد الأمير يحميه من خدمه الذين أرادوا الفتك به، فيحضر الملك للقبض على حمدان، ولكن الأمير نصر الدين يرفض ذلك لأنه ضيفه، فيطلب الملك منه إما تسليم حمدان أو تسليم الأميرة شمس، فيرضى الأمير بتسليم شمس ويبقي على حمدان. وبعد ذلك يتفق الأمير مع حمدان على قتل الملك، وتجري بينهما القرعة فتصيب حمدان، ولكن الملك يعلم بالمؤامرة فيعفو عنهما، ويقلد حمدان الوزارة ويزوجه من شمس.
غلاف مسرحية «حمدان».
أما مسرحية «حسن العواقب»، فتدور حول موضوع الحب والغرام بين حبيبين هما سعيد وسعاد، ولكن والد سعيد وهو أحد الوزراء لا يرغب لابنه إحدى بنات عامة الشعب مثل سعاد، بل يريد له إحدى بنات الأسر العريقة؛ لذلك حاول الأب إبعاد سعاد عن ابنه، فدبر حيلة لإتمام هذا الإبعاد بأن ألحق سعيدا بالخدمة العسكرية، وفي نفس الوقت دبر محاولة لقتل سعاد، ولكن سعيد ينقذها في آخر لحظة ويقتل المجرم، ويتهم هو بقتله، وعندما يعلم أن المدبر الحقيقي والده يصمت عن دفع التهمة عن نفسه أثناء المحاكمة حفاظا على والده. ولكن في النهاية تظهر الحقيقة من خلال تبني السلطان لهذه القضية، ويتم الزواج بين الحبيبين، مع إنعام السلطان على سعيد بمضاعفة رتبته العسكرية.
غلاف مسرحية «حسن العواقب».
وإذا عدنا إلى مسرحيات الفرقة مرة أخرى؛ سنجد أن مسرحية «حفظ الوداد» لسليم خليل النقاش كانت الفرقة تعرضها في أحيان كثيرة باسم «الظلوم»، وهو اسمها الأصلي المطبوعة به عام 1902 بالإسكندرية،
23
وكانت أيضا تعرضها في القرن التاسع عشر باسم «سليم وأسما» والسبب في وضع الفرقة أكثر من اسم للمسرحية الواحدة راجع إلى محاولة إيهام الجمهور بأنه سيرى عرضا جديدا لمسرحية جديدة؛ لذلك نجد الإعلانات تجتهد في انتقاء الألفاظ لجذب الجمهور عندما تعرض اسما جديدا لإحدى المسرحيات، ومثال على ذلك إعلان جريدة «المؤيد» في 11 / 10 / 1904 عن مسرحية «حفظ الوداد»، وفيه قالت:
كل من شاهد جوق مصر العربي وتمثيله في هذا العام يشكر حضرة النشيط إسكندر فرح وأشقاءه، الذين لم يألوا جهدا في تحسين وإحياء فن التمثيل الجليل في هذه الديار أجمل الشكران، فإن مدير هذا الجوق قد انتقى جوقته من الشبان الأذكياء الذين يتقنون هذا الفن الجميل أجمل إتقان، خصوصا رئيس هذه الجوقة الطائر الصيت، ألا وهو المطرب الشهير الممثل البارع الشيخ سلامة حجازي، الذي ينتقي من الروايات أحسنها موقعا وأبهاها منظرا. ومن هذه الروايات الجليلة رواية «حفظ الوداد» التي ستمثل في هذا المساء، واسمها يغني عن شهرتها. ويقوم بأهم أدوارها حضرة الشيخ سلامة، فنحث الأدباء على مشاهدتها ومشاهدة ألعاب الصور المتحركة الجميلة.
وتعتبر مسرحية «حلم الملوك» - أو «عدل القيصر» أو «سينا»، تأليف كورني، وترجمة نجيب الحداد - من أقل المسرحيات تمثيلا بالنسبة لفرقة إسكندر في هذه الفترة.
24
وكذلك مسرحيات: «حيل الرجال» أو «عطيل» لشكسبير،
25
و«خليفة الصياد» أو «هارون الرشيد مع قوت القلوب وخليفة الصياد» لمحمود واصف،
26
و«الرجاء بعد اليأس» أو «أفيجينيا» تأليف راسين وتعريب نجيب الحداد،
27
و«السر المكنون» أو «السر المكتوم في الظالم والمظلوم» لإلياس صيداوي،
28
و«السيد» أو «غرام وانتقام» لكورني تعريب نجيب الحداد،
29
و«شهداء الغرام» أو «روميو وجوليت» لشكسبير تعريب نجيب الحداد،
30
و«صدق الإخاء» لإسماعيل عاصم،
31
و«صلاح الدين الأيوبي» أو «السلطان صلاح الدين الأيوبي مع ريكاردوس قلب الأسد» لولتر سكوت وتعريب نجيب الحداد.
32
وكمثال على موضوعات هذه المسرحيات نجد مسرحية «هارون الرشيد مع قوت القلوب وخليفة الصياد» تدور أحداثها - من خلال حكايات ألف ليلة وليلة - حول غيرة الملكة زبيدة من الجارية قوت القلوب لشغف الرشيد بها، فتنتهز فرصة خروجه للصيد وتضع لها مخدرا في شرابها، ثم تأمر عبدين بوضعها في صندوق وبيعه في السوق مغلقا بشرط ألا يفتحه المشتري إلا في بيته، ولا يخبر أحدا بما يجده فيه. وفي رحلة هارون الرشيد يلتقي عند نهر دخلة بخليفة الصياد الفقير، الذي يظن أن الرشيد زمار فيدعوه للعمل، على أن يقتسم معه ما يصيده من الأسماك. ويشارك في هذه اللعبة حاشية الرشيد التي كانت ترافقه، وبعد أن يعود الرشيد تخبره زبيدة بوفاة قوت القلوب، فيحزن عليها حزنا شديدا، وتفشل جميع الوسائل للتسرية عنه، حتى يحضر الصياد إلى القصر ويفلح في إزاحة الهم عن الرشيد، فيعطيه الرشيد مالا وفيرا، يذهب به الصياد إلى السوق ويستطيع في مزايدة شديدة أن يشتري الصندوق ويفتحه في بيته، فيجد قوت القلوب التي تحكي له الحكاية وترسله برسالة إلى الرشيد، وبالفعل يذهب الصياد إلى الرشيد ويخبره بالحقيقة، فيجزل له الرشيد العطاء، وتأتي قوت القلوب إلى القصر مرة أخرى، ويحاول الرشيد معاقبة زبيدة ولكن قوت القلوب تتشفع لها فيعفو عنها الرشيد.
ومن مسرحيات فرقة إسكندر في هذه الفترة أيضا مسرحية «ضحية الغواية» أو «شارلوت»، تأليف خليل كامل،
33
و«عايدة» لسليم خليل النقاش،
34
و«عظة الملوك» لبشارة كنعان،
35
و«العفو القاتل» لسليم ميخائيل فرنيني،
36
و«غانية الأندلس» لخليل كامل،
37
و«محاسن الصدف» لمحمود واصف،
38
و«الغيرة الوطنية»،
39
و«اللص الشريف» لطانيوس عبده،
40
التي قالت عنها جريدة «الإخلاص» في 20 / 2 / 1901:
قد كان لرواية «اللص الشريف» تأثير عظيم على عقول الحاضرين، الذين خرجوا يشكرون حضرة كاتبها الفاضل طانيوس عبده،
41
فقد كانت أشعاره الجميلة تفعل فعل صوت حضرة المطرب المعجب الشيخ سلامة حجازي في قلوب السامعين، وهذا ليس بكثير على الشعراء في مصر. ويجدر بنا أن نوجه في هذا الموقف كلمة إلى الحكومة المصرية، التي تضن على هذا المرسح الوطني بدرهم، تجود بآلاف من مثله على الأجانب، ولنا أمل أن الصحف المصرية تنهض قليلا وتعضد هذا المشروع بأسطر وجيزة تسرقها من أعمدة الصين وأخبار الترنسفال.
غلاف مسرحية «هارون الرشيد مع قوت القلوب وخليفة الصياد».
طانيوس عبده.
ومسرحية «اللص الشريف» تدور أحداثها حول عصابة من اللصوص يموت زعيمهم، فيقترعون فيما بينهم لاختيار زعيم آخر، وفي أثناء ذلك وعلى مقربة منهم تحدث مبارزة بين شخصين تنتهي بفوز فرنند دي توريلاس، فيهجم الجنود عليه لأنه قتل صديقه في مبارزة دون شهود، فيحاول فرنند الخلاص منهم، ويظهر اللصوص فيساعدونه على الهرب ويجعلونه زعيما على عصابتهم عوضا عن زعيمهم المقتول، فيوافق فرنند ويعيش مع اللصوص كزعيم شريف. وفي إحدى هجماتهم يأسرون أحد أغنياء إسبانيا، وهو يوليكوس مع ابنته فلورا، ولكن فرنند يعاملهما بنبل وشرف ويطلق سراحهما، فيعده يوليكوس بأن يطلب من الملك العفو عنه، وبعد عدة هجمات من اللصوص يأتي جيش من الجنود ويحاصر اللصوص، ولكن الفتاة جناستا تنقذهم بعد أن خبأتهم داخل مغارة سرية في الجبل.
وفي قصر الملك نجد يوليكوس ورويكس والد فرنند ومرسيداس والدة فرنند يلتمسون عفو الملك عن فرنند دون فائدة، وهنا تحضر جناستا وتنفرد بالملك وتطلعه على سر، مفاده أنها أخته، ثم قدمت له الدليل على ذلك، ومن ثم طالبته بالعفو عن فرنند لأنها تحبه. وبالفعل يصدر الملك عفوه عن فرنند، الذي يعود إلى البلاد ليعيش بها نبيلا شريفا، ويرتبط بعلاقة حب مع فلورا ابنة يوليكوس التي تبادله العاطفة نفسها. ولكن راميرو أحد نبلاء إسبانيا كان يحب فلورا أيضا، وفي إحدى المبارزات بين فرنند وراميرو يتدخل رويكس والد فرنند كي يثنيه عن المبارزة، فيقوم فرنند بصفعه أمام الناس، فيقبض على فرنند ويحكم عليه بالإعدام، وقبل تنفيذ الحكم يضعه الملك في السجن مع سجين آخر محكوم عليه بالإعدام أيضا. وأثناء فترة السجن يتضح أن فرنند لم يصفع أباه؛ لأن والده الحقيقي هو يوليكوس، وأن حبيبته فلورا في الحقيقة أخته، فيقوم الملك بإعدام السجين الآخر أمام الناس على أنه فرنند بعد أن ستر وجهه بقناع، ثم يفرج عن فرنند ويطالبه بالابتعاد عن البلاد لأنه ميت في نظر الناس، ويرسله إلى المكسيك التي يئول حكمها إلى يوليكوس الوالد الحقيقي لفرنند، ويرسل معهما أخته جناستا كزوجة لفرنند، وأخيرا يرسل معهم فلورا شقيقة فرنند كزوجة لراميرو. وبذلك تنتهي المسرحية.
غلاف مسرحية «اللص الشريف»، وصورة كاتبها طانيوس عبده.
ومن مسرحيات الفرقة أيضا في هذه الفترة مسرحية «مطامع النساء» أو «كاترين هوار»، تعريب توفيق كنعان،
42
وقد أعلنت عنها جريدة «المؤيد» قائلة في 22 / 12 / 1904، «يمثل جوق حضرة الأديب إسكندر فرح في هذا المساء رواية من أشهر الروايات الأدبية، وهي رواية «مطامع النساء» الشهيرة الجميلة المناظر والوقائع. وسيقوم بأهم أدوارها حضرة الممثل الفريد والمطرب الشهير الشيخ سلامة حجازي، حيث يطرب الجمهور بصوته الرخيم. ولا شك أن هذا الجوق أصبح اليوم في درجة راقية بفضل ما يبذله رؤساؤه من الهمة في تقديمه وتحسينه يوما بعد يوم، مما يكون أكبر واسطة لترقي فن التمثيل في هذه الديار. ويعقب الرواية ألعاب الصور المتحركة الجميلة المناظر التي أعجبت الجمهور، فنحث الأدباء على مشاهدتها.»
ومسرحية «مطامع النساء» تدور أحداثها في عام 1542، حول رغبة هنري الثامن ملك إنجلترا في الزواج من فتاة مخلصة، بعد أن ذاق طمع النساء وخداعهن في صورة زوجته الأولى التي أعدمها بسبب خيانتها. وفي يوم ما يرى الملك فتاة بسيطة في إحدى المزارع الريفية تدعى كاترين هوار، فيقع في حبها، ويطلب من اللورد أتلود أن يخطبها له. ومع الأحداث نعلم أن اللورد أتلود هو في الحقيقة زوج كاترين، فقد تزوجها سرا خوفا من الملك الذي يريد تزويجه من شقيقته الأميرة مرجريت، ويقوم أتلود بالاتفاق مع فلمنك الكيميائي بتحضير شراب طبي يظهر الإنسان بمظهر الميت، ويأخذ أتلود هذا الشراب ويسقي نصفه لكاترين فتموت ظاهريا، ويبكيها الملك كثيرا، ويلبسها خاتم الزواج وهي في القبر.
وبعد فترة يعود أتلود إلى القبر مرة أخرى ويوقظ كاترين، ويحكي لها القصة كاملة، وهنا تظهر تطلعات كاترين، وتأمل في أن تكون زوجة الملك هنري، وبالتالي تكون هي ملكة إنجلترا. وتخرج كاترين من قبرها إلى قصر زوجها، وهي تفكر كثيرا في حلم كونها ملكة إنجلترا. وفي الصباح يأتي الملك إلى أتلود فجأة، ويعرض عليه زواجه من شقيقته مرجريت، فيرفض أتلود هذا العرض، مما يجعل الملك يتهمه بالخيانة ويتوعده بالموت. وهنا يتفق أتلود مع كاترين على خداع الملك مرة أخرى، وذلك بأن يشرب أتلود بقية الشراب الطبي فيموت ظاهريا، على أن تفتح له كاترين باب القبر بعد أن يفيق، ويخبرها أن للقبر مفتاحين؛ الأول يعطيها إياه أما الثاني فسيئول إلى الملك. ويقوم أتلود بتناول الشراب الطبي ويموت ظاهريا ويدفن في القبر، ولكن كاترين تغدر به، وتظهر للملك وتبلغه أنها على قيد الحياة، فيفرح الملك ويقرر الزواج منها، فتقوم كاترين بإلقاء مفتاح القبر في البحيرة.
ثم تأتي مرجريت وتطلب من الملك مفتاح القبر الآخر؛ حيث إنها أصبحت وريثة لقبر حبيبها، وتذهب مرجريت إلى القبر فيستيقظ أتلود ليجد مرجريت بجانبه، ويعرف أن كاترين خانته. وفي اليوم المخصص لعرس الملك على كاترين يظهر لها أتلود في غرفتها، فتفزع منه وتحاول الخلاص، ولكن أتلود كان يحدثها بصوت مرتفع حتى يسمعه الملك، وبالفعل جاء الملك وهرب أتلود، فشك الملك في كاترين، وتأكد من خيانتها دون أن يعرف عشيقها، فيحكم عليها بالموت. وفي يوم التنفيذ تساوم كاترين السياف على ترك المدينة مقابل خاتم زواجها أملا في تأجيل الحكم، فيوافق السياف. ويقوم منادي المدينة بإعلان مكافأة كبيرة لمن يتطوع ويقوم بعمل السياف، فيأتي رجل مقنع ويقبل المهمة، وقبل أن يضرب عنق كاترين يهمس في أذنها بكلمات الانتقام والتشفي، ويكشف لها عن حقيقته، فتصرخ عندما تعلم أنه أتلود فيضرب عنقها، ثم يكشف أتلود عن شخصيته للملك ويسرد له القصة بكاملها، وتنتهي المسرحية بزواج أتلود من مرجريت.
غلاف مسرحية «مطامع النساء».
أما مسرحية «مظالم الآباء» أو الابنة المظلومة لخليل كامل،
43
فقد قالت عنها جريدة «الوطن» في 30 / 7 / 1904:
التمثيل فن أدبي صارت شهرته في بلاد الفرنجة، وبلغ محترفوه أسمى درجة من الاعتبار في عيون الأمة. أما في مصر فلا يزال شأنه غير كذلك، إلا في أعين الذين ينزلون الأمور منزلتها ويقدرونها حق قدرها. وقد تألف في مصر جوق للتمثيل منذ سنوات خلت بإدارة حضرة الفاضل الأديب إسكندر فرح، بينه الكثيرون من أهل الفضل والنباهة، وأخصهم حضرة المطرب المبدع المطرب الشيخ سلامة حجازي، فأخذ في نيل رواياته الأدبية تمثيلا متتابعا صادف إقبالا كبيرا. وقد مثل في الأسبوع الماضي رواية «غانية الأندلس»، وفي مساء أمس رواية «مظالم الآباء»، فأبدوا الممثلون من ضروب البراعة في التمثيل ما أذهل الحاضرين وجعلهم أن يثنوا على هذا الجوق بكل شفة ولسان، ويتمنون له مزيد النجاح والفلاح. ونحن نضيف صوتنا إلى صوتهم مرددين ما رددوه، وسائلين أهل الفضل والأدب تنشيط هذا الجوق الأدبي وتعضيده بجميع الوسائل حتى يؤم نفعه للبلاد.
ومسرحية «مظالم الآباء» لخليل كامل تدور أحداثها حول يوسف الذي ينقذ الفتاة كوكب من موت محقق، فيقع في حبها، كما وقعت كوكب في حبه أيضا، ولكن جورج والد كوكب لم يقبل بهذا الحب، وأصر على تزويجها من رجل عجوز صاحب مكانة مرموقة في المجتمع، وهنا يهرب الحبيبان، ويقتفي أثرهما الوالد جورج وابنه بديع، ويستطيع الحبيبان أخيرا أن يهربا إلى أحد الأديرة فيزوجهما القسيس، ومن ثم يواصلان رحلة الهرب، فتقع كوكب أسيرة في أيدي عصابة من قطاع الطريق. وفي هذا الوقت نجد الفتاة نور شقيقة يوسف تبحث عنه، وأيضا بديع يبحث عن شقيقته كوكب، فيهاجم دب متوحش نور فينقذها بديع، ولكنهما يقعان في أسر اللصوص أيضا، وبعد فترة يقبض اللصوص على الوالد جورج. ويجتمع الجميع تحت أسر هذه العصابة، وتستطيع كوكب بحيلة ماكرة أن تفلت من العصابة، وبالتالي تنقذ بقية الأسرى ويجتمع شمل الجميع أخيرا.
ومن مسرحيات الفرقة أيضا في هذه الفتر، «مغائر الجن» لميشيل مرشاق،
44
و«ملك المكامن»،
45
و«هملت» لشكسبير تعريب طانيوس عبده،
46
و«هناء المحبين» لإسماعيل عاصم،
47
وأخيرا مسرحية «وفاء الغانيات»،
48
التي أعلنت عنها جريدة «المقطم» قائلة في 20 / 10 / 1900:
يمثل هذا المساء جوق حضرة الأديب إسكندر فرح رواية «وفاء الغانيات»، وهي رواية جديدة وذات ستة فصول، يقوم بأهم أدوارها الممثل الشهير والمطرب المبدع الشيخ سلامة حجازي. ولا ريب أن الإقبال عليها سيكون عظيما؛ نظرا لما اشتهر به هذا الجوق من حسن التمثيل.
وإذا كانت فرقة إسكندر فرح عرضت جميع هذه المسرحيات على مسرحها بشارع عبد العزيز، والقليل منها على مسرح كازينو حلوان، إلا أن أقاليم مصر لم تحرم من هذه العروض في هذه الفترة، وبالأخص الإسكندرية التي شاهد جمهورها مسرحيات كثيرة، منها، «ضحية الغواية»، «غانية الأندلس»، «مغائر الجن»، «شهداء الغرام»، وقد تم عرضها بمسرحي عباس وزيزينيا.
49
وعن ذلك قالت جريدة «المؤيد» في 27 / 4 / 1904:
إجابة لطلب الكثيرين في الإسكندرية، يسافر إلى الثغر الإسكندري جوق مصر العربي بإدارة حضرة الأديب إسكندر فرح، صباح يوم الأحد أول مايو؛ ليقوم بتمثيل رواية «روميو وجوليت»؛ أو «شهداء الغرام» بتياترو زيزينيا في مساء اليوم المذكور. وسيكون لحضرة المطرب المبدع الشيخ سلامة حجازي الدور المهم في هذه الرواية. وقد اجتهد حضرة جورجي غرزوزي بإعداد كل ما فيه راحة المتفرجين في هذه الليلة، وتحصيل من إدارة التياترو على إذن خصوصي بعرض المناظر المدهشة من الصور المتحركة عقب التمثيل. فنحث الجمهور على اغتنام هذه الفرصة.
ومسرحية «روميو وجوليت» أو «شهداء الغرام» لشكسبير، تعريب نجيب الحداد، تدور أحداثها في مدينة فيرون بإيطاليا؛ حيث العداء المستحكم بين أسرة مونتاكو وأسرة كابوليت. وفي إحدى حفلات أسرة كابوليت يتخفى البطل روميو مونتاكو في ملابس لا تبين عن شخصيته، فيقابل جوليت كابوليت ويراقصها فيقع الحب بينهما. وبعد عدة مقابلات يتفق العاشقان على الزواج سرا خوفا من أسرتيهما، وبالفعل يقوم الكاهن لوريان بتزويجهما سرا. وفي إحدى المشاحنات بين الأسرتين يقتل تيبالد - ابن عم جوليت - ابن عم روميو، فيقوم روميو بأخذ الثأر ويقتل تيبالد، فيحكم على روميو بالنفي المؤبد. وفي أثناء ذلك يتقدم الأمير الكونت دي باريز بخطبة جوليت، فتهرع جوليت إلى الكاهن ليخلصها من هذا المأزق، فيقوم الكاهن بإعطائها دواء يميتها ظاهريا، على أن يذهب إلى قبرها فيفيقها بدواء مضاد. وتنفذ جوليت ما أمر به الكاهن، وبعد دفنها يرسل الكاهن إلى روميو رسالة يخبره فيها تفاصيل الخطة، ولكن روميو كان قد علم بموت جوليت قبل وصول رسالة الكاهن، ونجده يذهب إلى قبرها كي ينتحر ويدفن بجوارها، وعند القبر يرى الأمير المركيز، فتدور بينهما معركة تنتهي بموتهما. هنا يحضر الكاهن ويسقي جوليت الشراب المضاد، وعندما تفيق وترى روميو قتيلا تنتحر بخنجره، فيحزن الكاهن ويشعر بوخز الضمير؛ لأنه كان السبب في كل ذلك، فينتحر هو أيضا، وتنتهي المسرحية.
الصفحة الأولى والأخيرة من مخطوطة مسرحية «شهداء الغرام» منسوخة بخط كامل الخلعي 1896.
وبخلاف مدينة الإسكندرية نجد فرقة إسكندر فرح تطوف بعروضها في أنحاء الأقاليم المصرية، ومنها المنصورة؛ حيث عرضت فيها مسرحيات «الخل الوفي» لمحمد المغربي و«ضحية الغواية» و«مطامع النساء» و«غانية الأندلس» و«هناء المحبين». وإقليم طنطا وعرضت فيه مسرحيتي «صلاح الدين الأيوبي» و«صدق الإخاء». ومصيف رأس البر، وعرضت فيه مسرحيتي: «غانية الأندلس» و«غرام وانتقام». وأخيرا المنيا، وعرضت فيها مسرحيتي: «ضحية الغواية» و«هناء المحبين».
50
وعن رحلة الفرقة إلى المنيا قالت جريدة «الوطن» في 29 / 8 / 1904:
ستلبس مدينة المنيا حلل الزينة في مساء الخميس والسبت 15، 17 سبتمبر؛ حيث يمثل جوق حضرة الأديب إسكندر فرح روايتي: «ضحية الغواية» و«هناء المحبين» بناء على طلب جمعية الاتفاق الوطني. وهاتين الليلتين ستكونان من الليالي المعدودة التي لم تر مثلها من ثلاث سنوات. وفضلا عن شجي ألحان حضرة المطرب المبدع الشيخ سلامة حجازي الذي سيقوم بأهم الأدوار، ستزدان الرواية الأخيرة التي هي من قلم حضرة الأصولي الفاضل عزتلو إسماعيل عاصم المحامي الشهير،
51
بخطابات علمية وأدبية يلقيها اثنان من أفاضل الخطباء في مصر. فعسى أن تلاقي هذه الجمعية إقبالا عظيما تعضيدا للآداب والمشروعات الخيرية.
الصفحة الأولى من مخطوطة مسرحية «هناء المحبين».
ومسرحية «هناء المحبين» تدور حول علاقة غرام بين «لطيف» أحد أعوان الوزير نعيم وبين «لطيفة» ابنة الوزير، الذي رفض زواج ابنته من لطيف رغم توسلات شقيقه صالح والطبيب عاقل الفيلسوف الحكيم. وفي الوقت نفسه نجد الوزير يوافق على خطبة الوجيه حسيب ابن وزير التجارة من ابنته لطيفة دون موافقتها، وبسبب هذا الأمر تموت لطيفة حزنا على نفسها وعلى حبيبها لطيف، ويجن جنون لطيف، ويذهب إلى قبرها يوم دفنها ويتفق مع اللحاد على أخذ جثتها إلى منزله في المساء، على أن يعيدها إلى قبرها في الصباح مقابل خمسين دينارا. وفي منزل لطيف نجد الأنوار والأزهار وجثة لطيفة مزينة وجالسة على كرسي العرس، فقد أقام لطيف حفلة زواج وهمية، ولكن الحكيم عاقل يحضر أثناء غياب لطيف ويكتشف الجثة، فيتوهم أن الفتاة ماتت رعبا عندما رأته فيحاول علاجها طبيا، فتفيق من إغمائها الشديد. ومع توالي الأحداث يعلم الحكيم تفاصيل القصة، فيذهب إلى السلطان ويخبره بكامل الأمر طالبا عدله. وتنتهي المسرحية بزواج لطيف من لطيفة، بعد أن أنعم السلطان على لطيف بلقب وزير، حتى يرتقي إلى مقام زوجته ابنة الوزير.
ومن مظاهر التفوق الفني لفرقة إسكندر فرح في هذه الفترة أنها كانت الفرقة الأولى التي تحيي الحفلات الخاصة لأكبر الجمعيات في مصر، خصوصا الجمعيات الدينية. فقد عرضت الفرقة مسرحية «صلاح الدين الأيوبي» لجمعية الشبيبة المصرية الوطنية بتياترو عباس بالإسكندرية، ومسرحية «مغائر الجن» لجمعية النهضة الحديثة بطنطا، وهما من الجمعيات الإسلامية.
52
وكمثال للموضوعات المسرحية المقدمة في هذه الفترة، نجد مسرحية «مغائر الجن» تأليف محمد المغربي،
53
تدور أحداثها حول الدون جان غلياس الذي يرسل بإيعاز من زوجته كاترين ابن أخيه كاميل لحرب الأعداء بدلا من ابنه جان ماريا؛ حتى تتخلص كاترين من كاميل، الذي يحق له العرش بعد موت الدون جان، وحتى تبعده عن ابنتها فرجيني التي تحبه، ثم تزوجها من فرانسوا ابن محظيها بريفارا. وبعد سفر كاميل نجد كاترين تقتل زوجها الدون بالسم بمساعدة بريفارا عشيقها، ويئول العرش إلى ابنها جان ماريا، الذي يصدر أمرا بسجن كاميل في سجن مغائر الجن، ذلك السجن الذي لا ينجو منه سجين أبدا، ثم بعد ذلك أشيع في المدينة موت كاميل. وبعد عدة أحداث ينجح بعض أصدقاء كاميل من فك أسره، والفرار به من سجن مغائر الجن. وعندما يعلم جان ماريا بمقتل أبيه على يد أمه يأمر بسجنها أولا، ومن ثم يأمر بقتلها. ويستطيع كاميل أن يحصل على هذا الأمر من الرسول الذي حمله، ويذهب بنفسه إلى سجن كاترين ويسقيها السم بيده انتقاما منها، وعندما يعود إلى المدينة ويسأل عن خطيبته فرجيني يجدها جاثية على قبره، وكادت أنت تنتحر لتلتقي بحبيبها كاميل في دار الآخرة. ويستطيع كاميل أن ينقذها في اللحظات الأخيرة، ومن ثم يتناجيان بأشعار الحب والغرام، وبعد فترة يحضر والد فرجيني فيجد ابنته متعانقة مع كاميل بلا حراك؛ حيث إنهما ميتان على القبر.
أما الجمعيات المسيحية فكانت لها القدر الأكبر من عروض الفرقة، وبالأخص جمعيتا المساعي الخيرية والتوفيق القبطية، ومن عروض الفرقة لهما: «حلم الملوك»، «غانية الأندلس»، «صلاح الدين الأيوبي»، «هملت».
54
أما جمعية الروم الكاثوليك فعرضت لها «شهداء الغرام»، كما عرضت «البرج الهائل» لجمعية النشأة القبطية، و«شهداء الغرام» للجمعية الخيرية الأرتوذكسية السورية، وعرضتها أيضا للجمعية الخيرية للروم الأرتوذكس، و«غرام وانتقام» للجمعية المارونية، و«روميو وجوليت» لجمعية الأرمن.
55
أما الجمعيات اليهودية فكان لها نصيب أيضا من عروض الفرقة، ومنها مسرحية «البرج الهائل» لجمعية المقاصد الخيرية الإسرائيلية، ومسرحية أخرى مساعدة ليهود كشنيف.
56
ومن الجدير بالذكر أن فرقة إسكندر فرح كانت تخصص بعض لياليها المسرحية كتبرع منها للأعمال الخيرية، مثل تبرعها بإحياء ليلة بحديقة حلوان مساعدة منها لمدرسة حلوان، وعرضها لمسرحية «صدق الإخاء» لصالح محفل الاتحاد بالمنصورة لبناء مدرسته، ومسرحية «غرام وانتقام» كمساعدة لبعض الأيتام، و«شهداء الغرام» و«صدق الإخاء» و«ملك المكامن» للأعمال الخيرية، و«البرج الهائل» مساعدة لمدرسة بولاق، و«هناء المحبين» للمدرسة الوطنية الإسلامية، و«صلاح الدين الأيوبي» تبرعا للسكة الحديد الحجازية.
57
والفرقة كانت دائمة التجديد في تجهيزاتها وعروضها الفنية لجذب الجمهور. ومن ذلك قيام إسكندر فرح بالسفر إلى فرنسا لحضور معرض باريس، واستحضار ملابس فنية جديدة، ووصفت لنا جريدة «المقطم» هذا الأمر قائلة في 28 / 9 / 1900:
مثل البارحة جوق حضرة الأديب إسكندر فرح رواية «شهداء الغرام»، فأجاد الممثلون كثيرا، وكانوا مرتدين الملابس الجديدة التي أتى بها مدير هذا الجوق من باريس، وأجاد حضرة المطرب الشهير سلامة حجازي حتى سحر الألباب، فاستعاده الناس مرارا، فنشكر همة مدير هذا الجوق وممثليه ونتمنى له مزيد التقدم والنجاح.
وقد وصفت لنا جريدة «مصر» في 26 / 3 / 1902 تجديدا آخر قالت عنه:
حاز جوق مصر العربي بإدارة إسكندر فرح شهرة عظيمة، وأصبح يضارع أحسن مراسح التمثيل في أوروبا؛ لأن حضرة مديره لا يدخر وسعا في إدخال التحسينات الحديثة على جوقه، وعنده الآن أحسن الممثلين والممثلات، يرأسهم حضرة شيخ التمثيل الشرقي الطائر الصيت الشيخ سلامة حجازي. وبين ممثليه الممثلة البارعة السيدة ميليا وأحمد أبو العدل وغيره ممن يعدون زهرة رجال التمثيل في الشرق بلا استثناء. وخدمة للمتفرجين أوجد حضرة النشيط إسكندر فرح مكتبة في مدخل الجوق، فيها أنفس الكتب وأحسنها. فيا حبذا لو أن الحكومة وهي لا تبخل بمساعدة الفنون الجميلة، تعين مبلغا لمعاضدته فيزداد نشاطا.
ومن الأساليب المالية المتبعة في ذلك الوقت قيام فرقة إسكندر فرح بتخصيص إيراد بعض الليالي لبعض الممثلين والمؤلفين والإداريين كتشجيع مادي لهم، ومن هذه الليالي ليلة 7 / 12 / 1900 ومثلت فيها الفرقة مسرحية «مغائر الجن»، وخصص دخلها لكاتبها ميشيل مرشاق،
58
وليلة 15 / 4 / 1902؛ حيث مثلت مسرحية «صنع الجميل» أو «العلم المتكلم» لصالح الممثل محمود حجازي شقيق الشيخ سلامة،
59
وليلة 6 / 10 / 1903 التي قالت عنها جريدة «المؤيد»:
إذا كانت ليالي التمثيل في مرسح جوق مصر العربي الذي يديره حضرة الأديب إسكندر فرح، معاهد أنس وأدب ومسارح أفراح وطرب، فكيف تكون الحال في هذه الليلة التي تمثل فيها رواية «شهداء الغرام»؛ حيث يكون إيرادها مخصصا لحضرة نابغة التمثيل في مصر المطرب المتفنن الشيخ سلامة حجازي؟ فمن شاء أن لا تفوته هذه الفرصة السانحة فلا يتأخر عن حضور التمثيل في هذه الليلة الزاهرة، ترويحا للنفس وتشجيعا لهذا الممثل البارع.
ومن هذه الليالي أيضا ما خصص للممثلة ميليا ديان، وللممثلين سلامة حجازي ومحمود حبيب، وللإداريين أمثال سليم فرح وتوفيق فرح.
60
هذا النشاط المتنوع من قبل فرقة إسكندر فرح لاقى استحسان الجميع، ووصل بمكاتب جريدة «المؤيد» بالإسكندرية أن يصفه بالمدرسة الأدبية، قائلا في 21 / 11 / 1900:
قصدت ذات ليلة بالقاهرة التياترو المصري العربي الذي يديره حضرة إسكندر فرح، ويحييه الشيخ سلامة حجازي، فسرني ما شاهدته من الحضور الذين كانوا في غاية السكون والاستعداد لسماع تمثيل الممثلين، حتى خيل لي أني أشاهد التشخيص من أعظم جوقة أوروبية، وأرى أمامي قوما غير من أشاهدهم في الثغر الإسكندري. ما ذلك إلا من مثابرة هذا الجوق واستمراره على التشخيص في معظم الأيام، فوجوده بهذه الحالة كان أعظم مدرسة لسكان القاهرة يتعلمون منها آداب فن التمثيل.
ونجد أيضا ناقد جريدة «المحروسة» يعتبر هذه الفرقة بآدابها ومعارفها الوسيلة الوحيدة لمحاربة الفجور والخلاعة، قائلا تحت عنوان «التمثيل العربي» في 9 / 4 / 1904:
القاهرة على اتساعها وغناها وكثرة سكانها، لا يوجد فيها سوى ثلاثة مراسح، اثنان منها للحكومة والآخر لأحد الرعايا، وكلها مشغولة بالأجواق الأوروبية، ما عدا واحدا منها، فإنه يتراوح بين الجنسين، وكأن الغيرة على التمثيل أبت أن تفقد من ذويها أنصارا، فتمثلت في شخص حضرة الفاضل إسكندر فرح صاحب الجوق العربي في مصر، فشاد مسرحا في شارع عبد العزيز، وجعل يمثل فيه أهم الروايات الأدبية التي عني أبناء اللغة العربية في تأليفها، وجعل ثمن تذاكر الدخول زهيدة؛ حتى لا يحرم أحد فائدة هذا الفن فنجح ... فأصبح الإقبال عليه أعظم من ذي قبل. ولو كان شبابنا يسعون وراء الفضل والفضيلة واقتباس فوائد المدنية الصحيحة، ويرغبون في فائدة البلاد وترقيتها، لكانوا يعضدون هذا الفن تعضيدا يجعله ذا شأن عظيم. ولكن كيف يتركون قهاوي الرقص ومنتديات الخلاعة وحانات السكر وبيوت الميسر ومنازل الفجور ويحضرون إلى التياترات؛ حيث تمثل الآداب والفضائل وتقتبس الفوائد وتهذب العقول؟! نراهم يرمقون إعلانات التمثيل ويطرحونها دون أن يطالعوا ما تتضمن، أما إعلانات منتديات الخلاعة التي لا تخلو من رسوم ربات الفجور فإنهم يطالعونها بإمعان ... ترى الفرد من شبان هذه البلاد لا هم له سوى إتقان بزته وبذل جهده في سبيل الرذيلة، كأن البلاد لا تطلب منه غير ذلك. وقد كنا نود لو سنت الحكومة لائحة لإقفال جميع منتديات الخلاعة، ونفي أصحابها، حتى لا يبقى في البلاد أثر لهم، ويضطر الشبان إلى اتباع ما فيه الصالح لأنفسهم، ولكن أنى لحكومتنا أن تفعل ذلك ما دامت لا تريد أن تتعرض للحرية العمومية، ولو كان فيها خراب البلاد! ولعل انتشار المعارف في هذا العصر يساعد على إقفال هذه المحلات الشريرة، فتكون الشبيبة قد وجدت من نفسها خير زاجر وواعظ.
ومن الملاحظ أن نشاط فرقة إسكندر فرح، والذي حددناه بالفترة من يناير 1900 وحتى فبراير 1905، هو نشاط ثابت لا يتغير في مضمونه أو شكله أو تأثيره في أية فترة سابقة، بعكس ما حدث بعد فبراير 1905. فهذا التاريخ هو تاريخ آخر نشاط فني معتاد لفرقة إسكندر فرح، بكل ما تمتلكه من إمكانيات فنية وبشرية سابقة، وبالأخص وجود أكبر وأنشط عنصر فني بها، وهو الشيخ سلامة حجازي.
فالشيخ سلامة حجازي قرر في فبراير 1905 الانفصال عن فرقة إسكندر فرح، وتكوين فرقة مسرحية خاصة به؛ بسبب خلاف حاد وقع بينه وبين قيصر فرح مدير الفرقة وموزع الأدوار، ولأن ممثلي فرقة إسكندر فرح يعلمون جيدا أن سلامة حجازي هو أساس الفرقة، وبدونه تتوقف الفرقة ويتشرد أفرادها، قرروا بالإجماع ترك فرقة إسكندر فرح، والانضمام إلى فرقة سلامة حجازي الجديدة.
61
وبدأت الفرقة أول عروضها من خلال مسرحية «صلاح الدين الأيوبي» بمسرح حديقة الأزبكية في 16 / 2 / 1905.
62
وهذا التاريخ يعتبر البداية الحقيقة لأول فرقة مسرحية مصرية كبرى على الإطلاق.
أما إسكندر فرح فقد ابتعد قليلا عن الساحة الفنية ليتدبر أمره، ولم يكمل موسمه المسرحي، فأجر مسرحه بشارع عبد العزيز لبعض الجمعيات والفرق المسرحية، ومنها مجتمع التمثيل العصري الذي مثل مسرحية «الحب الشريف» والمجتمع الأخوي الذي مثل «طارق بن زياد» تأليف الشاعر التركي عبد الحق حامد وتعريب فتحي عزمي، ومجتمع الهلال الأدبي الذي مثل «الملك المتلاهي» لفكتور هوجو تعريب أحمد كمال رياض، وجمعية زهرة الأفراح الأدبية التي مثلت مسرحية «خيانة الأصحاب»، وفرقة «سليمان القرداحي» التي مثلت مسرحية «أوتلو».
63
وفي ذلك الوقت ظهرت «شركة التمثيل الكبرى»، وكان ممثلها ومطربها الأول الشيخ أحمد الشامي، وقد عرضت مسرحية «تنازع الشرف والغرام» بمسرح إسكندر فرح بشارع عبد العزيز. وكان لظهور هذا المطرب الجديد أثر كبير في الغناء المسرحي، حيث عده البعض خليفة المطربين عبده الحامولي ومحمد عثمان.
64
أمين عطا الله.
عاد إسكندر فرح مرة أخرى ليبدأ موسمه المسرحي الجديد، وليثبت من خلاله أنه قادر على الاستمرار الفني بدون سلامة حجازي، وبدون ممثليه السابقين ممن انضموا إلى فرقة الشيخ سلامة. وبدأ إسكندر فرح في تجديد مسرحه واستحداث بعض المناظر، وتشجيع الكتاب على التأليف والتعريب، فكون فرقة مسرحية على رأسها أمين عطا الله، والمطرب رحمين بيبس.
65
وكان أول عرض لهذه الفرقة مسرحية «الطواف حول الأرض»، تأليف جول فرن، ومن تعريب نجيب كنعان.
66
وقد قالت جريدة «الوطن» في 6 / 11 / 1905:
احتشد التياترو المصري بشارع عبد العزيز مساء أول أمس بعدد كبير من السراة والأدباء؛ لمشاهدة تمثيل رواية «الطواف حول الأرض في ثمانين يوما»، وهي الرواية الأولى التي بدأ بها الجوق الجديد - الذي ألفه حضرة الفاضل إسكندر فرح - تمثيله، فسر الناس سرورا كبيرا بما رأوه من إتقان المناظر والملابس والإجادة في التمثيل والألحان، إجادة تدعو إلى الإعجاب والتنشيط، الذي يقوي العزائم ويمهد الصعاب لهذا الجوق في المثابرة على الخطة الحرجة التي عزم على اتباعها، وهي تمثيل الروايات العصرية التي تمثل للعالمين مفاسد هذا العصر ومحاسنه وأخلاق أهله في كل حدب ومكان. ولقد أجاد الممثلون والممثلات كثيرا، خصوصا حضرة أمين عطا الله ممثل دور باسبارتو، فقد خرج الناس وكلهم معجب بذكائه وخفة روحه. وقد عزم الجوق على إعادة تمثيل هذه الرواية غدا إجابة لطلب الكثيرين.
وبعد هذا العرض أعادت الفرقة مسرحياتها القديمة، ومنها: «أوتلو»، «الأفريقية»، «البرج الهائل»، «العواطف الشريفة» تأليف جورج أونه، تعريب إلياس فياض.
67
ولكن هذه العروض لم تلق النجاح المأمول، ولم يستطع صوت المطرب رحمين بيبس وحده أن يجذب الجماهير مثلما كان يجذبهم صوت الشيخ سلامة فيما سبق. وفكر إسكندر فرح كثيرا فلم يجد مطربا آخر غير الشيخ أحمد الشامي ليكون خير منافس للشيخ سلامة حجازي، فضمه إلى فرقته بجانب رحمين بيبس، وبعد فترة قصيرة ضم إلى فرقته أيضا الممثلتين ماري صوفان وإيزابيل أستاتي، والممثلين عزيز عيد وعلي سري. هذا بالإضافة إلى إدخاله بعض التجديدات الاستعراضية لتصاحب العروض المسرحية جذبا للجمهور، مثل فصول لعب السيف والترس، والطبل البلدي، والسينماتوجراف، والفصول المضحكة، والتنويم المغناطيسي للمسيو دور لايلان وزوجته.
وبدأت الفرقة عروضها المسرحية بهذا الشكل الجديد لمدة خمسة أشهر، وكانت الصحف تثني كثيرا في إعلاناتها وتعليقاتها على الشيخ أحمد الشامي، مكتفية بذكر اسمه فقط باعتباره رئيس الممثلين في فرقة إسكندر فرح، وهو نفس المنصب السابق للشيخ سلامة حجازي. ومن هذه العروض التي بدأت في ديسمبر 1905، «الأفريقية»، «الطواف حول الأرض»، «الرجل الهائل» أو «شجاع فينيسيا»، «العواطف الشريفة» أو «صاحب معامل الحديد» أو «البريئة المتهمة» أو «خداع الدهر»، «ربيعة بن زيد المكدم» أو «ربيعة مع عنترة بن شداد»، «ماري تيودور» لفولتير تعريب إلياس فياض، «حمدان»، «البرج الهائل»، «الانتقام الدموي»، «تليماك»، «ابنة حارس الصيد»، «انتقام الجريمة».
68
وفي أبريل 1906 حدث خلاف بين أحمد الشامي وبين إسكندر فرح، لم يذكره التاريخ، ولكن يستطيع القارئ أن يستشعره من أقوال الصحف مثل: جريدة «المقطم» في 12 / 4 / 1906 عندما تحدثت عن تمثيل مسرحية «ابنة حارس الصيد» قائلة في الختام:
وقد مثلت الممثلة الشرقية الأولى، وواسطة عقد ممثلات مصر، السيدة ماري دور مرجريت. أما حضرة رحمين بيبس فقد قام بدور لاندره، وهو دور شيخ قروي حمل عار ابنته وقاسى أشد الآلام من جراء ذلك. ومثل حضرة علي سري دور المسيو دي مارلييه فأجاد. ومثل حضرة أمين عطا الله دور فرنسوا، وهو دور فتى قروي ساذج فأبدع فيه. ومثلت السيدة إيزابلا دور مدام دي مارلييه ودور امرأة من نساء الهوى، فأبدعت في الأول ولم تسئ كثيرا في الثاني. ومثل حضرة الشيخ أحمد الشامي دور جاك ابن مرجريت، وهو دور من أدق أدوار الرواية وأهمها، غير أن ممثله لم يقدره حق قدره، وظنه من الأدوار الواهية فمثله وهو غير راغب فيه.
وكانت نتيجة هذا الخلاف خروج أحمد الشامي من الفرقة، وعدم ذكر اسمه في الإعلانات الصحفية الخاصة بها التي كانت تذكر رحمين بيبس كرئيس للممثلين. واستمرت الفرقة بدون مطربها الأول أحمد الشامي فترة من الوقت، أعادت خلالها عروضها السابقة وأبدلت أسماءها، واستعانت بمسرحيات تركية مثل مسرحية «أمير بك» و«بنات الغجر»، ووصل الأمر إلى الاستعانة بأعضاء فرق أخرى، مثل جوق المسرة العثماني.
69
وعلى الرغم من كل هذا الجهد، إلا أن الجمهور لم يقبل على عروض الفرقة الإقبال الذي كان موجودا أثناء وجود أحمد الشامي بها؛ مما اضطر إسكندر فرح إلى الابتعاد عن المسرح فترة بلغت ستة أشهر، تلك الفترة التي استغلها أحمد الشامي - خصوصا وأن فرقة سلامة حجازي سافرت إلى الشام - فجمع أشتات فرقة إسكندر المتوقفة، وأجر مسرح شارع عبد العزيز، وبدأ عروضه في يونية 1906، ومنها: «الشرف والغرام»، «عجائب الأقدار»، «الانتقام الدموي»، «ضحية القسم» تأليف محمود عبده، «مكايد الغرام»، «أمي قاتلتي» أو «غرام واحتيال» لطانيوس عبده، «مدهشات الانتقام» أو «شهداء المشنقة».
70
وفي نوفمبر 1906 زال الخلاف بين إسكندر والشامي، فقررا استئناف اتحادهما التمثيلي وعودة فرقة إسكندر فرح مرة أخرى، وفي ذلك الوقت قالت جريدة «مصر» في 16 / 11 / 1906:
شكل حضرة النشيط الفاضل إسكندر فرح صاحب التياترو المصري جوقا عربيا جديدا لتمثيل الروايات في مرسحه، وسيبدأ منذ الغد في تمثيل هذه الروايات، التي سيقوم بأهم أدوارها حضرة الممثل البارع الشيخ أحمد الشامي وحضرة الممثلة الوحيدة المدموازيل ماري، التي اشتهرت برخامة صوتها وحسن تمثيلها. ولا حاجة بنا إلى الإطناب على هذا الجوق، فقد حضر الجمهور لياليه وسر مما رآه حتى كان إقباله عليه عظيما.
وبالفعل بدأت الفرقة هذا الموسم بإعادة مسرحياتها القديمة مع تبديل بعض أسمائها مع عرض القليل من المسرحيات الجديدة، هذا بالإضافة إلى إدخال تجديدات أخرى في العروض، مثل دعوة بعض الأدباء لإلقاء القصائد والمحاضرات أمثال أحمد الكاشف وإمام العبد، وغناء المطربة توحيدة والمطربة التركية روزالي هانم بين الفصول، ووجود الأوركستر الموسيقي الذي وصفته جريدة «المقطم» في 10 / 1 / 1907 قائلة:
يمثل هذا المساء جوق مصر العربي في تياترو شارع عبد العزيز بإدارة حضرة إسكندر فرح، رواية «الولدين الشريدين» جديدة. ويطرب حضرة الشيخ أحمد الشامي الجمهور بصوته الرخيم في أثناء التمثيل، ويشنف الأسماع جوق الطرب المسمى الأوركسترا الوطني المؤلف من نخبة الشباب الأدباء البارعين في الضرب على الكمنجة والعود والبيانو بألحان شرقية، موقعة بالعلامات الإفرنجية، وستكون هذه الليلة من أبهج الليالي، والمنتظر إقبال الجمهور عليها.
ومن عروض الفرقة في هذه الفترة: «ابن السفاح»، «الطواف حول الأرض»، «سيفيرو توريللي»، «عداوة الأميرين»، «الولدين الشريدين»، «عدل الخليفة»، «العواطف الشريفة»، «ابنة حارس الصيد»، «عبرة الأبكار»، «غرام واحتيال».
71
وكانت آخر مسرحية جديدة مثلتها الفرقة في هذه الفترة: «الإرث المغتصب» أو «الكابورال سيمون» تعريب فؤاد سليم.
72
أما آخر عرض شارك فيه أحمد الشامي مع فرقة إسكندر فرح على الإطلاق فكان «الولدين الشريدين» في 1 / 6 / 1907.
73
بعد ذلك ترك أحمد الشامي فرقة إسكندر فرح بصورة نهائية، وانضم إلى فرقة عوض فريد المتجولة في الأقاليم المصرية،
74
وخلت إعلانات فرقة إسكندر من اسمه، تلك الفرقة التي ما كادت تفيق من صدمة خروجه كمطربها الأول حتى تلقت صدمة وفاة ماري صوفان ممثلة الفرقة الأولى.
ماري صوفان.
وعن وفاة هذه الممثلة قالت جريدة «المؤيد» في 2 / 7 / 1907:
تحتفل مساء الجمعة القادم في التياترو المصري بأول شارع عبد العزيز بإحياء ليلة خصوصية ممتازة إكراما لفقيدة التمثيل العربي المأسوف عليها ماري صوفان.
75
وقد تبرعت المغنية المشهورة الست توحيدة بإحياء هذه الليلة، ويمثل فصل مضحك من عشرة أشخاص بواسطة رجل واحد، وفصل آخر من الممثلين، وفصل من الصور المتحركة، ويلقي بعض الشعراء قصائد التأبين، فنسأل لهذه الحفلة نجاحا وندعو الناس إلى الإقبال عليها.
لم يستطع إسكندر فرح تحمل هاتين الصدمتين، فحل فرقته وأخذ يؤجر مسرحه لعروض الفصول المضحكة والأشرطة السينمائية والسيرك.
76
واختفى اسم إسكندر فرح عن الساحة المسرحية لمدة عام ونصف تقريبا حتى ظهر مرة أخرى بمقالة كتبها إسكندر فرح بنفسه، وهي عبارة عن بيان وإعلان لبداية جديدة لفرقته المسرحية، نشرتها جريدة «الوطن» في 3 / 2 / 1909، تحت عنوان «التمثيل العربي بقلم خبير»، ومما جاء فيها: ... أصدق دليل على رقي فن التمثيل العربي هو أننا سائرون مع أوروبا خطوة بخطوة، فنحن اليوم نمثل في مراسحنا عين ما تمثله هي في مراسحها، وإذا كنا في حاجة إلى الأبنية الضخمة والدور الشاهقة، فليس تقصيرنا في ذلك ناشئا من إهمالنا نحن القائمين بخدمة هذا الفن، وإنما هو يرجع إلى سببين لا ثالث لهما؛ الأول: غض طرف الحكومة عن أخذها بيد القائمين بأعباء هذا الفن، وإحجامها عن مساعدتهم بشيء من فضلاتها. وإنه لمن العجب أن نراها تبسط يدها في مساعدة التمثيل الإفرنكي وشد أزره، بينما هي تضن على التمثيل العربي، ولربما لا تعترف له بوجود، وهذا لعمري من الألغاز التي يعسر حلها حتى على الحكومة نفسها.
أما السبب الثاني فهو توجيه نظر الكثيرين ممن ولعوا بمشاهدة التمثيل وانصرافها إلى غير ما يراد منه؛ ولذلك لم يكن الإقبال على مشاهدة الروايات التي مرت الإشارة إليها كما كنا ننتظر، وهي الروايات التي لها في أوروبا مكانة لا تعلوها مكانة. هذان هما السببان اللذان حالا دون وصول التمثيل العربي إلى الدرجة المطلوبة، وأننا لا رجاء لنا برجوع الحكومة عن تعنتها وإصرارها على إهمال فن التمثيل العربي، غير أنه يسرنا أن عشاق هذا الفن قد توجهت أفكارهم إلى سماع المفيد منه، وهذا ما حدا بنا إلى استئناف العمل الذي كنا آلينا على نفسنا القيام به منذ سنين، وظهر إذ ذاك أن الاستعداد له غير تام. أما الآن فقد تبدلت الحال، وظهر من دلائل الحياة في الأمة المصرية الكريمة ما دل على أنه تطلب ذلك النوع من الروايات الراقية؛ ولذلك بات أملنا وطيدا ورجاؤنا قويا في الوصول إلى الدرجة التي يطمح إليها من كرس نفسه لخدمة هذا الفن الجليل، فعقدنا النية على التصدي لخدمته بهمة لا يتطرق إليها الملل، ولا يتسرب إليها الفتور والكسل، فاخترنا جوقة من خيرة الشبان المتعلمين المهذبين الذين مارسوا هذا الفن وأمهر الممثلات المهذبات، وسنبتدئ بعون الله بالتمثيل في مساء الخميس؛ أي ليلة الجمعة الموافق 4 فبراير سنة 1909. والله نسأل أن يعضدنا ويأخذ بيدنا، إنه سميع الدعاء مجيب النداء.
توقيع
إسكندر فرح مدير جوق مصر العربي
ورغم هذا التصريح الحماسي من إسكندر فرح، إلا أنه فشل فشلا كبيرا في جذب الجمهور إليه؛ بسبب عدم وجود العنصر الإداري الخبير لوفاة المدير قيصر فرح، وأيضا لعدم وجود العناصر البشرية المحترفة في التمثيل؛ حيث كان أفراد فرقته من الهواة. والدليل على ذلك عدم ذكر أي اسم من أسماء الممثلين في الإعلانات الخاصة بالفرقة في هذه الفترة، هذا بالإضافة إلى أن الفرقة لم تعرض أية مسرحية جديدة، بل أعادت مسرحياتها القديمة، ومنها: «الإرث المغتصب»، «ابنة حارس الصيد»، «الطواف حول الأرض».
77
ونتج عن هذا قيام إسكندر فرح بحل فرقته بعد شهر واحد، واعتزل الفن المسرحي اعتزالا نهائيا، ولم نسمع عنه طوال سبع سنوات صمتت الصحف عنه وعن أخباره الفنية، حتى عادت في أغسطس 1916 فذكرته وذكرت أخباره وتاريخه الفني بعد أن أصبح اسمه الجديد «المرحوم إسكندر فرح»!
78
فرق المسرح الغنائي الكبرى
فرقة سلامة حجازي.
فرقة أولاد عكاشة.
فرقة منيرة المهدية.
فرقة سلامة حجازي
قال سلامة حجازي عن بدايته المسرحية:
1
حملني على اختيار فن التمثيل ميل تولد في صدري، وأنا لا أزال منشدا قارئا للقرآن الشريف، وذلك من ترددي على دور التمثيل الإفرنجية مع بعض أصدقائي من كرام السوريين الخبيرين بأصول هذا الفن الجميل، وهم الذين كانوا يزينون لي أن أظهر على مرسح التمثيل ليلة واحدة على الأقل، فلبيت طلبهم وقمت بتمثيل دورين معا من رواية «مي» مع جوق سليمان الحداد، وهما دور كورياس ودور الملك. وكان مراد الناس بتلذذ سماع صوتي لا رؤية تمثيلي، فجاء الأمر على عكس ما أرادوا؛ لأن تمثيلي كان الغالب على صوتي، والسبب في ذلك أن أهل الإسكندرية كانوا قد سمعوا صوتي وألفوا إنشادي، أما تمثيلي فكان غريبا في أعينهم كما كان غريبا علي أنا أيضا. فقد طالما رأوني في النهار بجبة وقفطان وعمامة، أمشي الهويناء والسبحة بيدي، وإذا بهم يروني ليلا على ظهر المرسح، والسيف بيدي أسرح وأمرح تحت اسم البطل الهمام والأسد الضرغام كورياس، ثم رأوني في الفصل الثالث ظاهرا بالهيبة والوقار أمثل دور الملك. حين رأيت نفسي على كرسي الملك ووزراء اليونان وعلماءها وكبار المملكة والخدم والحشم أمامي وحولي آمر وأنهى، ظننت أنني في منام. فقلت في نفسي ما قاله «أبو الحسن»: يا ليتني أبقى نائما إلى يوم القيامة. هذا، وما انتهى التمثيل في تلك الليلة التي نلت فيها استحسان الكبار والأدباء، حتى شعرت بغبطة وسرور في نفسي، وأنست مني ميلا إلى هذا الفن الجميل. ثم دعيت بعد أشهر قليلة إلى تمثيل 4 ليال في الأوبرا الخديوية بصحبة صديقي سليمان القرداحي، فلما وقفت لأول مرة على مرسح الأوبرا العظيم، وأجلت نظري ورأيت مليك البلاد المغفور له توفيق باشا، ودرويش باشا المندوب السلطاني، وعرابي باشا ورجاله، ونظار الحكومة ورجالها، وكبار كل أمة وطائفة في مصر من مصريين وسوريين وإسرائيليين؛ راعني الموقف وجرت إلي دهشة غريبة خشيت معها أن أفشل وأن يرتج علي، إلا أن الاستحسان كان يتلو الاستحسان، والهدية تتلو الهدية، والتنشيط للمثابرة على التمثيل من كل من عرفني ورآني، فاعتقدت حينئذ بشرف هذا الفن وفوائده لي ولبلادي، ثم عدت إلى الإسكندرية للتمثيل، ولكن لم نمثل - لسوء الحظ - إلا ليلة واحدة، ثم حدثت الحادثة المشئومة حادثة 11 يونيو،
2
فانقطعنا عن التمثيل وفي قلبي منه أجمل ذكرى، وبعد الحادثة العرابية ألف المرحوم يوسف الخياط مع أخيه المقاول الشهير أنطون الخياط جوقا كبيرا، كان فيه نفر من أفاضل الممثلين السوريين، فلما توسما في الميل وبعض الاستعداد بصوتي وتمثيلي سألاني الانضمام إلى الجوق فلبيت الدعوة مسرعا. وقد استفدت وقتئذ - والحق يقال - فوائد عظيمة، وكان تمثيلي إذ ذاك متواليا بين الأوبرا الخديوية في مصر وبعض تياترات الإسكندرية. وانقطعت إلى التمثيل تماما لما حضرت إلى مصر، واتفقت مع حضرة الفاضل إسكندر فرح، وقد ثبتنا سويا على ممارسته أعواما طوالا؛ إذ رأينا من سكان البلاد ميلا إليه ورغبة في الإقبال عليه.
3
الشيخ سلامة حجازي.
ويعتبر غناء الشيخ سلامة حجازي - كما قلنا في موضع سابق - السبب الأول في ازدهار فرقة إسكندر فرح طوال تاريخها الفني، وكان سلامة يعلم هذا علم اليقين، وقد حاول في عام 1897 ترك الفرقة بحجة المرض ولكنه تراجع.
4
ولعله أراد وقتئذ أن يكون فرقة مستقلة به ولكنه لم يستطع، ومن ثم أخذ يعد العدة لهذا الانفصال الذي جاء عام 1905؛ ليبدأ سلامة حجازي بداية فنية تاريخية جديدة، وليكتب في تاريخ المسرح المصري السطور الأولى لميلاد أول فرقة مسرحية مصرية كبرى.
5
ترك الشيخ سلامة حجازي فرقة إسكندر فرح، وبدأ تكوين فرقته المسرحية بصورة فعلية في فبراير 1905، وذلك بسبب خلاف وقع بينه وبين قيصر فرح، وكانت نتيجة هذا الخلاف خروج الشيخ سلامة من الفرقة. وقد ذهب إسكندر فرح إلى محامي الشيخ وكتب خطاب الانفصال قائلا فيه:
عزتلو أفندم حضرة الفاضل محمد بك صادق المحترم. بناء على طلب سعادتكم إعطاء ورقة تعلن ما أفدتمونيه من أن حضرة الشيخ سلامة حجازي سيترك الشغل في الجوق في 14 فبراير سنة 1905 صار تحرير هذه بمعلوميتي برغبة حضرة الشيخ المومأ إليه وتقديمها لحضرتكم أفندم. كاتبه إسكندر فرح: 19 يناير سنة 1905.
6
وقبل يوم واحد من الانفصال رسميا وزع الشيخ سلامة إعلانا عن بداية فرقته الجديدة، وعزمه على تمثيل مسرحية «صلاح الدين الأيوبي» بمسرح حديقة الأزبكية يوم 16 فبراير، وقال في الإعلان أيضا: «وقد بذلت لذلك وقتا طويلا وجهدا عظيما، وأنفقت مالا وفرته من سهر الليالي ومن تعب التمثيل. كل ذلك توصلا لتحقيق أمنية عمومية أدبية أقصد بها خدمة البلاد والأمة.»
7
كما قالت جريدة «مصر» في 13 / 2 / 1905:
أتتنا عريضة ممضاة من رجال جوقة مصر العربي وممثليه، يقولون فيها إنه لمناسبة انفصال حضرة رئيسهم الشيخ سلامة حجازي من رئاسة هذا الجوق ابتداء من 15 الجاري، وشروعه في تشكيل جوق آخر تحت إدارته، قد عزموا جميعا على الانضمام إليه لما له عليهم من حقوق التربية والتعليم.
وهكذا خرج سلامة من فرقة إسكندر فرح، وكون فرقة مسرحية من أعضائها، وجدد في أدواتها وملابسها المسرحية، ولكنه لم يجدد في موضوعات مسرحياتها، حيث أعاد مسرحيات فرقة إسكندر فرح لمعرفته بها وبقصائدها الغنائية؛ ولأنها معتادة التمثيل بالنسبة لبقية الممثلين. وقد أصاب الشيخ سلامة عندما اختار مسرحية «صلاح الدين الأيوبي» لنجيب الحداد
8
كي يفتتح بها عروض فرقته؛ لأنها من المسرحيات الأثيرة لدى الجمهور، لما فيها من قصص العشق والغرام مع كثرة أشعارها وألحانها. هذا بالإضافة إلى ضمان نجاحها، حيث إن عروضها منذ تأليفها عام 1893
9
تلقى إقبالا كبيرا من محبي تمثيل وغناء الشيخ سلامة.
ومسرحية «صلاح الدين الأيوبي» تدور أحداثها أثناء الهدنة التي أقيمت بين صلاح الدين وريتشارد قلب الأسد، وقت نشوب الحروب الصليبية بينهما. ونعلم من الأحداث أن الهدنة تمت بسبب مرض ريتشارد، ذلك المرض الذي كاد أن يتفرق ملوك أوروبا بسببه طمعا في قيادة الجيوش الصليبية، مما جعل ريتشارد يطلب السلام من صلاح الدين. وبالأخلاق العربية الإسلامية يوافق صلاح الدين على السلام، بل ويذهب إلى ريتشارد متنكرا في هيئة طبيب، ولا يتركه حتى يمثل للشفاء. وأثناء وجود صلاح الدين في معسكر الأعداء يشهد خيانة المركيز دي منسرات لوليم حارس راية ريتشارد، الذي يدبر له مكيدة يسرق من خلالها الراية، وذلك بسبب طمع المركيز في الأميرة جوليا شقيقة ريتشارد، والتي تحب الفارس وليم. وعندما يعلم ريتشارد باختفاء الراية يحكم بالموت على حارسها، ولكن جوليا تستعطف شقيقها دون جدوى، وهنا يتدخل الطبيب «صلاح الدين» ويطلب مكافأته عن شفاء الملك بأن يهبه الملك حياة وليم. وبذلك أنقذ صلاح الدين هذا الفارس؛ لأنه يعلم ببراءته. وبمرور الأحداث يتفق صلاح الدين وريتشارد على عقد الصلح والسلام، وفي أثناء هذا الاجتماع يكشف صلاح الدين عن حقيقة الطبيب، ويكشف أيضا خديعة المركيز سارق الراية، ويثبت براءة حارسها وليم. وهنا يحضر سفير اسكوتلندا رسالة إلى ريتشارد، فيرى وليم، فيبهت ويصرخ قائلا: «الأمير داود ولي عهد أسكوتلندا!» وهكذا يتضح أن الجندي وليم حارس الراية ما هو إلا أحد الأمراء، وتنتهي المسرحية بحلول السلام، وبزواج الأمير داود من جوليا.
10
غلاف مسرحية «صلاح الدين الأيوبي».
وقد نجحت فرقة الشيخ سلامة في أول عروضها المسرحية، ولاقت استحسان الجميع، ومن ذلك قول جريدة «المقطم» في 20 / 2 / 1905:
أتقن حضرة الممثل الشهير الشيخ سلامة حجازي جوقه الجديد بإتقانه لكل رواية لبسا جديدا يوافق الزمان الذي كانت فيه، فيمثل للحاضرين الحالة كما هي. وقد أقبل الناس إقبالا عظيما على الليلتين اللتين مثلهما في تياترو حديقة الأزبكية، وحدث أنه لما مثل قلب الأسد تأثر الحاضرون عندما هجم ليقتل أخته، فظنوا المسألة واقعية، فنهضوا وقالوا لا تفعل. ولما مثل ثاني ليلة رواية «هملت» بكى كثيرون من شدة التأثير. وقد مثل البارحة في تياترو حلوان رواية «السيد» فغص المكان بالحضور وسروا من حسن الملابس الجديدة، والإتقان الذي شاهدوه مع حسن التمثيل، وتمنوا لهذا الجوق التوفيق والنجاح. وسيمثل يوم الأحد القادم في حلوان رواية «غانية الأندلس».
توالت بعد ذلك عروض الفرقة الناجحة، ومنها: «مطامع النساء» و«شهداء الغرام» و «البرج الهائل»، وقد خطب في ليلة المسرحية الأخيرة توفيق عزوز صاحب مجلة المفتاح خطبة ثناء على الفرقة.
11
بعد ذلك سافرت الفرقة إلى الإسكندرية، وعرضت مسرحية «صلاح الدين الأيوبي» بالمسرح العباسي في مارس 1905، فكانت آخر عروضها على هذا المسرح قبل احتراقه.
12
تنقلت الفرقة بعد ذلك ولمدة ثلاثة أشهر بين عدة مسارح في العاصمة والأقاليم، منها: مسرح حديقة الأزبكية، ومسرح كازينو حلوان، ومسرح زيزينيا بالإسكندرية، ومسارح الفيوم وطنطا والمنيا والزقازيق، فأعادت المسرحيات القديمة التي كانت تمثل أيام فرقة إسكندر فرح، مع تجديد في الملابس والمناظر، وإضافة عنصر الإضحاك والتسلية من خلال الفصول المضحكة، وعزف الموسيقى، وسحب أرقام اليانصيب. ومن أهم ممثلي الفرقة في ذلك الوقت: إبراهيم أرسلان، أحمد أبو العدل، أحمد حافظ، أحمد فهمي، أحمد فهيم، جراسيا قاصين، حسين حسني، السيد الأزهري، صالحة قاصين، عبد الرازق البرقوقي، عبد الله عكاشة، عبد المجيد شكري، عمر وصفي، ماتيل نجار، ماري إبراهيم، متولي السيد، محمد بسيوني، محمد العراقي، محمد بهجت، محمد عبد الرازق، محمود حبيب، محمود حجازي، محمود رحمي، مريم سماط، مصطفى محمد، ميليا ديان، وردة ميلان، والملقن حسن إبراهيم.
13
ومن عروض الفرقة في هذه الفترة، سواء لحسابها أو لحساب بعض الجمعيات أو لحساب بعض المتعهدين في الأقاليم: «السر المكنون»، «الظلوم»، «هملت»، «صدق الإخاء»، «صلاح الدين الأيوبي»، «روميو وجوليت»، «مطامع النساء»، «هناء المحبين»، «البرج الهائل»، «اللص الشريف»، «غرام وانتقام»، «حسن العواقب».
14
وكمثال لموضوعات هذه المسرحيات نجد مسرحية «السر المكنون» أو «السر المكتوم في الظالم والمظلوم» لإلياس صيداوي، تدور أحداثها في القرن الخامس عشر حول ظلم كارلس ملك فرنسا لبعض البلاد المجاورة، وبالأخص جمهورية بيشة. وفي إحدى غزواته ينشق عن كارلس قائد جنوده لويس، الذي يدافع عن الأمير توماس رئيس جمهورية بيشة، وبعد فترة من مكوث لويس في بيشة يقع في حب ملكة ابنة توماس، ويطلب من والدها الزواج، فيوافق توماس، ولكن ملكة تطلب شرطا محددا لإتمام هذا الزواج، وهو أن يقوم خطيبها بالقبض على الأمير برونو الشرير، وأن يأتي به مكبلا بالأغلال، فيوافق لويس، ولكن برونو يكشف هذا الأمر ويقبض على لويس، ومن ثم يهرب لويس من السجن بمساعدة الأمير يوسف زعيم الكومندوتير. وبعد عدة أحداث متشابكة استغرقت أربع عشرة سنة يتم زواج ملكة من لويس بعد أن تم التخلص من برونو، وعاد شقيقا ملكة إليها وإلى والدهما، بعد أن فقدتهما الجمهورية سنوات طويلة.
غلاف مسرحية «السر المكتوم».
وهكذا نجحت فرقة سلامة حجازي نجاحا كبيرا طوال هذه الأشهر الثلاثة، فأراد الشيخ أن يكون له مسرح مستقل ثابت بدلا من التنقل بين المسارح المختلفة؛ ليعيد أمجاده السابقة عندما كان يعمل على مسرح شارع عبد العزيز، فوقع اختياره على تياترو فردي بحديقة الأزبكية، عندما مثل عليه مسرحية «ضحية الغواية» يوم 29 / 6 / 1905 أثناء عودته من رحلته الفنية بالمنيا.
15
وعن هذا الأمر قالت جريدة «مصر» في 13 / 7 / 1905:
يسر جميع المحبين لترقية فن التمثيل في القطر أن عدد الملاعب والأجواق العربية يزداد، وأن أولها وأكملها هو جوق حضرة المتفنن الفريد الشيخ سلامة حجازي قد أصبح له مرسح في وسط العاصمة، في أحسن موقع من مواقعها. وذلك أن حضرة صاحب هذا الجوق ومديره قد أجر التياترو المعروف بتياترو فردي لمدة أربع سنين، وشرع في تحليته وزخرفته بما لم يسبق له مثيل في المراسح العربية. وأنفق على ذلك مالا طائلا، بحيث لا يمضي هذا الشهر، إلا ويكون ذلك الملعب على أجمل استعداد، ولا يفوقه في الإتقان والاتساع إلا دار الأوبرا الخديوية. وقد أفرد فيه جانبا للسيدات وبابا خاصا بحيث يجئن ويبعدن في أحسن حال من أحوال الصيانة، وسماه اسما عربيا جميلا وهو «دار التمثيل العربي».
استمر العمل على قدم وساق في تهيئة دار التمثيل العربي لمدة شهر تقريبا، بمساعدة - صهر الشيخ سلامة - الثري عبد الرازق بك عنايت،
16
وافتتحته الفرقة بمسرحية «هملت» - ترجمة طانيوس عبده - في 8 / 8 / 1905، ووصفت جريدة «الوطن» هذا العرض قائلة في 10 / 8 / 1905:
مثل جوق الشيخ سلامة حجازي مساء أول أمس رواية «هملت» الشهيرة، فظهرت في ثوب قشيب لم تلبسه من قبل؛ لأن إتقان الملابس والمناظر زاد في رونقها، حتى حال الحاضرون أن الرواية ليست رواية «هملت» التي طالما شهدوها قبل الآن، مما دل بوضوح تام أن وراء سويداء التمثيل في مصر رجالا يعملون على ترقيته، وأن القابض على دفة مركبه هو الشيخ سلامة حجازي مدير هذا الجوق الجديد.
ومسرحية «هملت» كما كتبها شكسبير تدور حول وفاة ملك الدانمارك في ظروف غامضة، فيخلفه على العرش شقيقه كلوديوس، ومن ثم يقترن بأرملة الملك. وهذه الأمور أثارت شكوك ولي العهد هملت، فعانى من اضطراب نفسي عنيف. بعد ذلك يظهر لهملت شبح والده المتوفى ويخبره بأنه مات مقتولا على يد شقيقه كلوديوس، ويطالبه بأخذ الثأر. فيعيش هملت بعد ذلك حالة من الجنون، وأثناء استجوابه لأمه الملكة في حجرة نومها يشعر بأن هناك من يتجسس على حديثهما من وراء الستار، فيقتله فإذا به بولونيوس الوزير الأول ووالد أوفيليا، ثم ينتهز هملت حضور فرقة تمثيلية إلى القصر فيتفق معها على تمثيل مسرحية يقوم بطلها باغتيال شقيقه الملك ليستولي على عرشه وزوجته، وعندما يشاهد كلوديوس التمثيل يثور على الممثلين ويخرج بعد أن قرر التخلص من هملت بإرساله إلى إنجلترا برفقة خائنين، معهما خطاب إلى ملك إنجلترا، فيه أمر بقتل هملت فور وصوله. ولكن هملت يكتشف المؤامرة ويخدع رفيقيه ويعود إلى الدانمارك، ثم يحاول كلوديوس تدبير مؤامرة أخرى للتخلص من هملت، وذلك بإقامة مبارزة بين هملت وبين لايريتس ابن الوزير بولونيوس. وقبل المبارزة يقدم الملك كأسا مسمومة لهملت، ولكنه يعتذر عنها فتشربها أمه وتموت، فتقوم المبارزة ويقتل كل منهما الآخر وتنتهي المسرحية. ولكن المترجم طانيوس عبده غير في النهاية حيث أبقى على حياة هملت.
ثم توالت بعد ذلك عروض الفرقة بدار التمثيل العربي - بنظام ثلاثة أيام أسبوعيا: السبت والثلاثاء والخميس - ومنها: «غانية الأندلس»، «صلاح الدين الأيوبي»، «ضحية الغواية»، «السر المكنون»، «مغائر الجن»، «شهداء الغرام»، «ملك المكامن»، «اللص الشريف»، «مطامع النساء»، «هناء المحبين».
17
وبعد مرور سبعة أشهر - منذ بداية عمل الفرقة وحصولها على مسرح ثابت وإعادتها للمسرحيات القديمة - كان لا بد من تقديم الجديد، وإلا أصبحت الفرقة نسخة مكررة من فرقة إسكندر فرح القديمة. وقد تمثل هذا الجديد في عرض مسرحية «ابن الشعب» لإسكندر ديماس وتعريب فرح أنطون. وقد أعلنت عن هذا الأمر جريدة «مصر» قائلة في 12 / 9 / 1905:
يمثل مساء اليوم جوق الشيخ سلامة حجازي لأول مرة بدار التمثيل العربي رواية «ابن الشعب»، وهي سياسية أدبية ذات حوادث واقعية جرت في البلاد الإنكليزية، تأليف الكاتب الفرنساوي إسكندر دوماس، وتعريف حضرة الأديب فرح أنطون، وقد عودنا هذا الأخير أن لا ينقل من الروايات الإفرنجية إلى اللغة العربية إلا ما كان من خيرة الروايات وأهمها مثل رواية «البرج الهائل» ونحوها، فنؤمل أن يكون الإقبال عظيما.
وموضوع مسرحية «ابن الشعب» يدور حول فتاة أحبت وتزوجت وحملت دون أن يعلم والدها الثري صاحب الجاه؛ لأنه كان رافضا لهذا الزواج لعدم التكافؤ بين ابنته وزوجها. وعندما علم الأب طارد الزوجين برجاله، ولكن الزوجين هربا، ودخلا منزل طبيب. وعندما يرى الطبيب حالة الزوجة، وهي تكاد تنزف، يسعفها، فيكتشف أنها على وشك الولادة فيقوم بولادتها بمساعدة زوجته. وهنا يحضر والد الفتاة ورجاله، فيهرب الزوج بعد أن أوصى الطبيب وزوجته بالاهتمام بالأم والطفل، ويحاول الأب أخذ ابنته عنوة فيمنعه الطبيب، إلا أن الابنة توافق على الخروج مع والدها بعد أن أودعت طفلها أمانة عند الطبيب وزوجته. وتمر 26 سنة على هذه الأحداث، ونجد الطفل أصبح شابا مرموقا، تحبه ابنة الطبيب أو والده بالتبني لأنها تعلم حقيقته، ويدخل الشاب الذي أصبح اسمه «ريشار» إلى البرلمان، ويرشح للوزارة ضد شخص آخر، وفي أثناء الحملة الانتخابية يعيره الآخر بعدم نسبه إلى الطبيب. وبعد حدوث مواقف كثيرة نجد ريشار وقد تبدل وأصبح مرتشيا ووصوليا بعد أن فاز بمنصب الوزير، كما أصبح أيضا ظالما للجميع حتى لأقرب الناس إليه، وتحدث مفاجآت كثيرة، منها زواجه من ابنة الطبيب وتعذيبها ومحاولة قتلها، ثم خطبته لفتاة أخرى من أجل مركزها فيتضح في النهاية أنها شقيقته، وأخيرا محاولة قتله لأحد الأشخاص فيتضح له أنه والده، وبظهور هذه الحقائق تنتهي المسرحية.
ومن الغريب أن هذه المسرحية لم تمثل إلا ليلة أو ليلتين فقط ، رغم أنها أول مسرحية جديدة تعرضها الفرقة، وهذا التصرف يعتبر شاذا بالقياس إلى ما هو متبع عند جميع الفرق عندما تعرض مسرحية جديدة لأول مرة! والأغرب من ذلك أن أغلب الصحف صمتت ولم تعلق على عرض المسرحية! والسر في ذلك أن المسرحية لم تنجح لسببين؛ الأول: قلة القصائد الغنائية الموجودة في النص، وبالتالي عدم سماع الجمهور لغناء الشيخ سلامة بالقدر الذي تعود عليه، فالشيخ سلامة كان يقوم بدور «ريشار» في هذه المسرحية، ولم تتعد الأبيات الشعرية المغناة من قبله سوى 25 بيتا طوال خمسة فصول في 108 صفحات،
18
وهذا القدر الضئيل من الغناء لم يعالجه الشيخ سلامة بالأسلوب المتبع في ذلك الوقت، وهو إقحام بعض القصائد ضمن المواقف التمثيلية، حتى ولو لم يكتبها المؤلف في نصه إرضاء لذوق الجمهور.
19
أما السبب الآخر فيتعلق بموضوع المسرحية، الذي يختلف عن الموضوعات المسرحية المألوفة عند الجمهور، والتي تدور حول حكايات ألف ليلة وليلة، بما فيها من قصص الملوك والأمراء، وعذاب المحبين، والعادات الشعبية، وخصال العرب وشجاعتهم ... إلخ. هذا بالإضافة إلى أن شخصية ريشار كانت تمثل الظلم والطمع والحقد والكره ونكران الجميل والإساءة إلى أولي القربى ... إلخ هذه الصفات التي جعلت الجمهور لا يقبل على رؤية الشيخ وهو يمثل هذه الشخصية، مما جعل المسرحية تسقط جماهيريا وغنائيا.
استطاع الشيخ سلامة معالجة هذا الأمر سريعا، وذلك بعودته إلى عرض المسرحيات القديمة بعد يوم واحد فقط من سقوط مسرحية «ابن الشعب» فعرض مسرحية «مظالم الآباء» يوم 14 / 9 / 1905،
20
ومن ثم توالت العروض المعادة لمدة شهرين، ومنها: «الاتفاق الغريب»، «ثارات العرب»، «ملك المكامن»، «غرام وانتقام»، «مطامع النساء»، «حسن العواقب»، «صلاح الدين الأيوبي»، «محاسن الصدف»، «ضحية الغواية»، «الرجاء بعد اليأس»، «السر المكنون»، «البرج الهائل»، «أنيس الجليس»، «أوديب»، «مغائر الجن»، «حمدان»، «شهداء الغرام»، «صدق الإخاء».
21
أما مسرحية «ابن الشعب» فقد عرضتها الفرقة في هذه الفترة مرات قليلة.
22
وفي 11 / 11 / 1905 قدمت فرقة سلامة حجازي تجربتها الثانية، وهي عرض مسرحية «تسبا» أو «شهيدة الوفاء» لأول مرة، وهي من تأليف فيكتور هوجو وتعريب زاكي مابرو.
23
وكان توزيع أدوار الممثلين - كما جاء في نص المسرحية المطبوع - هكذا: الشيخ سلامة حجازي «رودولف» شريف متنكر عاشق كاترين، أحمد فهيم «أنجلو» حاكم مدينة بادو، محمد بهجت «أوميد» زعيم جواسيس مجلس العشرة، السيد الأزهري «كاليوفا» صديق رودولف، محمد بسيوني ومحمود حبيب «أفار وجيار» خفراء، عبد الله عكاشة «لافو» صانع سلال وصديق أوميد، محمد عبد الرازق «توريلو» حاجب الحاكم، مصطفى محمد «كاهن أول»، متولي السيد «كاهن ثاني»، ميليا ديان «كاترين» امرأة الحاكم أنجلو وحبيبة رودولف، مريم سماط «تسبا» ممثلة عاشقة رودولف وخليلة الحاكم، وردة «روجينا» خادمة كاترين، ماتيل «لولو» خادمة كاترين.
وفي هذه المسرحية مثل الشيخ سلامة حجازي شخصية «رودولف» التي غنت أشعارا أكثر بقليل من شخصية ريشار في مسرحية «ابن الشعب»، وكأن الشيخ سلامة تعلم الدرس، فجعل جورج طنوس يضيف إلى المسرحية بعض الأبيات التي لم توجد في أصل النص ولم يؤلفها المعرب، وعندما تمت طباعة المسرحية نشرت هذه الأبيات وكتب في أسفلها:
بينما كان جوق حضرة الشيخ سلامة يدرس هذه الرواية في مصر، كان المعرب متغيبا في بر الشام، فنظم حضرة الأديب جورج أفندي طنوس هذه الأبيات الرقيقة عن لسان تسبا، فآثر المعرب حفظها ونشرها في ختام هذا الفصل، إقرارا بفضل الناظم، حفظه الله.
وهذه الأبيات هي:
بين انتقامي والفؤاد غدوت في
نكد فيا لله من ذا الموقف
فإذا انتقمت قضى الذي أحببته
وقضيت من أسفي غدا وتلهفي
وإذا رضخت إلى الفؤاد وحكمه
أضحى نصيبي منه حظ المدنف
فأنا على الحالين مائتة أسى
يحيا الحبيب إذن وإن لم ينصف
رودولف حبك سوف يبلغني المنى
ويميتني كي لا تكون معنفي
فإذا قضت تسبا فقل هذي قضت
كي لا تخون وإن حلفت ولم تف
24
غلاف مسرحية «تسبا».
ومسرحية «تسبا» لاقت استحسان بعض الصحف المعاصرة التي قرظتها، واستحسنت تمثيلها بعد أن لخصت موضوعها، ومنها جريدة «الوطن» التي قالت في 17 / 11 / 1905:
أحبت كاترين امرأة أنجلو حاكم بادو قبل اقترانها به فتى نبيلا يدعى رودلف، ثم اقترن بها الحاكم بلا حب لأغراض سياسية له، فلم يكن يسمعها سوى الوعيد والتهديد، ثم جاء بإحدى الممثلات محظية له ووضعها في قصره، وبعد حين علم أن امرأته عاشقة، وأن عاشقها زارها في منزله، فقضى عليها بالموت، ولما كانت محظيته وهي الممثلة تسبا عالمة بهذا الغرام، وأن عاشق امرأته هو معشوقها بادو الذي جاء مستترا بأنه أخوها، سعت سعيها الأوفى حتى أنقذت امرأة الحاكم سرا حبا بمن تهواه، وحملت معشوقها على قتلها انتقاما منها؛ لظنه أنها السبب في موتها، وذلك لتتخلص من عناء الغرام. ثم ندم القاتل في حين لا ينفع الندم، لما علم أن حبيبته حية لم تقبر، بفضل من أوردها كأس الحمام. هذه خلاصة موضوع الرواية التي مثلها أمس جوق الشيخ سلامة حجازي، وهي رواية وإن مثلت على المراسح يوما، فهي تمثل كل يوم في كثير من القصور الشامخة؛ لذلك كان تأثير الشعب من سماعها عظيما، حتى بكى الأكثرون من الحاضرين، خصوصا عندما جادت تسبا بحياتها؛ لأن ممثلة دورها وهي السيدة مريم سماط أبدعت في التمثيل إبداعا نادرا حتى لقبها الشعب بزهرة دار التمثيل، وصفق لها التصفيق المتواتر لما ظهر عليها من التأثر، الذي اتصلت شرارة كهربائه إلى نفوس المتفرجين عموما. وكذلك السيدة ميليا ديان فإنها أجادت في تمثيل دورها أيضا، خصوصا عندما أخذت تعنف زوجها على طلبه إعدامها بأن لا حق له في ذلك، وأن الرجل الذي يأتي بخليلته إلى منزله ويفضلها على حليلته، لا بدع إذا اضطرت زوجته إلى حب غيره، فلم تخلق المرأة إلا للرجل ولم يخلق الرجل إلا للمرأة. أما أفراد الممثلين، فقد ظهروا أمس بمظهر جديد من الإبداع والإتقان، خصوصا حضرة الممثل مدير الجوق وأحمد فهيم ممثل دور أنجلو ومحمود حبيب وبهجت وسواهم، مما سرنا وجعلنا نؤمل بوصول التمثيل في هذا العصر إلى حال لم ير من قبل. والفضل في ذلك كله راجع إلى الشيخ سلامة حجازي، الذي لا يدخر وسعا في ترقية هذا الفن وتعليم أفراد جوقته الشهيرة، ولا يسعنا في الختام إلى أن نثني الثناء الجميل على حضرة الكاتب الألمعي زاكي مابرو معرب هذه الرواية الحسناء.
مريم سماط ممثلة دور تسبا.
بعد نجاح فرقة سلامة حجازي في تجربتها الثانية من خلال مسرحية «تسبا» أعادت الفرقة عروضها القديمة بدار التمثيل العربي، ومنها: «مظالم الآباء»، «ضحية الغواية»، «عائدة»، «مطامع النساء» - وقد خصص إيرادها لمساعدة طائفة الإسرائيليين القرائيين في 20 / 11 / 1905 - «اللص الشريف»، «الظلوم»، «هناء المحبين»، «ابن الشعب»، «السر المكنون» - وخصص دخلها لصالح جمعية الاتحاد الأخوي الإسرائيلية في 27 / 12 / 1905 «البرج الهائل»، «صدق الإخاء»، «غرام وانتقام»، «هملت»، «ملك المكامن»، «صلاح الدين الأيوبي».
25
غلاف مخطوطة مسرحية «مظالم الآباء».
أما عروض الفرقة خارج مسرحها - دار التمثيل العربي - فتمثلت في عرضين؛ الأول: «ابن الشعب» بمسرح زيزينيا بالإسكندرية، والآخر: «غانية الأندلس» بالأوبرا لصالح الجمعية الخيرية الإسلامية في 1 / 12 / 1905.
26
هذا بالإضافة إلى بعض التجديدات التي أدخلت في نظام ديكور عروض الفرقة، ومنها ما أخبرتنا به جريدة «الوطن» قائلة في 16 / 12 / 1905:
يمثل جوق حضرة الممثل الشهير والمطرب المبدع الشيخ سلامة حجازي رواية «ضحية الغواية» الشهيرة في دار التمثيل العربي. وقد أضاف إليها منظرا جديدا جليا من أوروبا، تظهر فيه شارلوت وراعول صاعدين إلى السماء، فلا غرابة إذا كان الإقبال مستمرا على هذا الجوق الفريد.
وفي 23 / 1 / 1906 مثلت الفرقة بدار التمثيل العربي ثالث مسرحياتها الجديدة، وهي «الجرم الخفي» تعريب فليتش أندريوني وفؤاد سليم.
27
وبالرغم من استخدام الملابس الجديدة البراقة، وبعض مناظر الديكور المستحدثة، إلا أن المسرحية لم تلق الإقبال الجماهيري المنتظر، ولم يستمر عرضها سوى ليلتين عند بداية تمثيلها لأول مرة،
28
ومن ثم عرضت خمس مرات طوال ثلاثة أشهر. وفي هذه الأشهر أعادت الفرقة عروضها القديمة، ومنها: «مطامع النساء»، «هملت»، «تليماك»، «صدق الإخاء»، «غانية الأندلس»، «مغائر الجن»، «عائدة»، «تسبا»، «خليفة الصياد»، «ابن الشعب»، «ضحية الغواية»، «ملك المكامن»، «شهداء الغرام»، «صلاح الدين الأيوبي»، «حسن العواقب»، «البرج الهائل»، «السر المكنون».
29
فؤاد سليم.
وقد عرضت الفرقة في هذه الفترة بعض العروض لصالح الجمعيات الخيرية، ومنها: مسرحية «غرام وانتقام» بالأوبرا الخديوية يوم 28 / 1 / 1906، لجمعيتي المساعي الخيرية والتوفيق القبطية. ومسرحية «السيد» بدار التمثيل العربي، لصالح الجمعية الخيرية للسريان الكاثوليك. ومسرحية «تليماك» بالأوبرا الخديوية لصالح جمعية المساعي الخيرية المارونية.
30
أما عروض الفرقة بالأقاليم فقد تمثلت في: مسرحية «حمدان» لصالح المدرسة الوطنية بالمنصورة في ليلتها الخيرية يوم 20 / 3 / 1906. ومسرحية «تسبا» بتياترو المنصورة، وعرضتها مرة أخرى بالتياترو المصري بطنطا في مايو 1906.
31
ومن أهم عروض الفرقة في هذه الفترة مسرحية «السيد» التي عرضتها في ليلة خاصة بسليم سركيس،
32
صاحب مجلة «سركيس»، التي أقيمت في أول مايو 1906. وفي هذه الليلة ألقى بعض الشعراء والأدباء عدة قصائد وخطب بين الفصول، ومنهم: خليل مطران، حافظ إبراهيم، إبراهيم شدودي، مسيو أرمان لوريلا، نسيب مشعلاني.
33
غلاف مسرحية «السيد».
سليم سركيس.
ومسرحية «السيد» أو «غرام وانتقام»، تعريب نجيب الحداد، تدور أحداثها في إشبيلية حول البطل رودريك ابن الدون دياك، الذي يحب شيمان ابنة الدون جومس، ومدى استعداد الأسرتين بزفافهما. وقبل أيام من هذا الزفاف يقوم فرنان ملك كستيليا باختيار مؤدب لابنه من بين دياك وجومس، فيقع اختياره على الدون جومس، مما أثار الحقد في نفس الدون دياك، فتدور مناقشة مثيرة بينهما حول اختيار الملك، فيقوم جومس بصفع دياك الذي يطلب عدل الملك من جراء هذه الصفعة، ومن ثم يثير ابنه رودريك ضد والد حبيبته كي يأخذ بثأر أبيه. وبالفعل تتم مبارزة بين رودريك وبين جومس، تنتهي بموت جومس. وهنا نجد صراعا عنيفا تولد عند شيمان، بين حبها لرودريك وبين ثأرها منه؛ لأنه قتل أباها، فيذهب إليها رودريك ويطلب منها أن تقتله، ولكنها لا تفعل بسبب حبها وتطالب الملك بالعدل. وهنا يقترح دياك على ابنه رودريك أن يذهب لمحاربة أعداء البلاد لعله يموت شهيدا دفاعا عن الوطن، بدلا من أن يموت بسبب انتقامه لشرف أبيه، ويمتثل رودريك لنصيحة أبيه، ويبلي بلاء حسنا في المعركة، ويعود منتصرا فيخلع عليه الملك لقب «السيد» أي سيد الناس. وتشعر شيمان بأن ثأرها ضاع أمام بطولة ولقب رودريك، فتطلب من الملك العدل لمقتل أبيها، وتنشر بين الناس أن من يبارز رودريك ويقتله سيصبح زوجها. ويتقدم لهذا الأمر الدون صنش طمعا في شيمان، ولكن رودريك ينتصر عليه في المبارزة ويعفو عنه في النهاية ، وهنا يأمر الملك بزواج رودريك من شيمان، ولكن شيمان تؤجل هذا القران حتى تنتهي من حزنها على أبيها، وأيضا حتى ينتهي رودريك من انتصاراته، وهكذا تنتهي المسرحية.
بعد ذلك أعد الشيخ سلامة فرقته إعدادا جيدا، وقام بأول رحلة فنية إلى الشام، فلاقت فرقته نجاحا كبيرا طوال أشهر صيف 1906.
34
وبعد عودة فرقته في أول سبتمبر 1906، استمرت في إعادة عروضها القديمة بدار التمثيل العربي حتى أول فبراير 1907، مع إضافة بعض المشاهد الترفيهية والموسيقية، مثل: الصور المتحرك (السينماتوجراف)، والفصول المضحكة، والأوركستر الموسيقي بقيادة عبد الحميد علي، هذا بالإضافة إلى إدخال آلة تليفون رقم 1965 لسهولة تقديم الخدمات وحجز المقاعد. ومن هذه العروض: «عظة الملوك» أو «الطبيعة والزمن»، «صلاح الدين الأيوبي»، «تسبا»، «الجرم الخفي»، «تليماك»، «روميو وجوليت»، «عائدة»، «هملت»، «ملك المكامن»، «ضحية الغواية»، «البرج الهائل»، «ابن الشعب»، «كاترين هوار»، «صدق الإخاء»، «مغائر الجن»، «السر المكنون»، «غانية الأندلس»، «مظالم الآباء»، «مطامع النساء»، «هناء المحبين»، «الرجاء بعد اليأس»، «اللص الشريف»، «الاتفاق الغريب»، «حمدان».
35
غلاف مسرحية «عظة الملوك» أو «الطبيعة والزمن» المخطوطة والمطبوعة.
وكمثال لموضوعات هذه المسرحيات نجد «عظة الملوك» أو «الطبيعة والزمن»، تأليف بشارة كنعان، تدور أحداثها حول قدرة الطبيعة والزمن على التحكم في تصرفات البشر على الأرض، وذلك من خلال قصة تاريخية تدور أحداثها في الهند، حيث يقوم سلطانها فيروزاد بخطف أنوش زوجة نرباس قائد جيوش البلاد، حقدا عليه بسبب حب الشعب له. وعندما تخطف أنوش تسجن في قصر السلطان، وتجبر على الزواج من سلطان البلاد ولكنها ترفض وفاء لزوجها نرباس. وتدور أحداث كثيرة حول محاولة السلطان التخلص من نرباس، وإجبار أنوش على الرضوخ له والزواج منه، وفي المقابل نجد محاولات كثيرة من نرباس للحصول على زوجته والخلاص من مطاردة السلطان وجنوده. وتنتهي المسرحية بتدخل الطبيعة، وتعنيفها للسلطان لأنه لم يحكم بالعدل، وأخيرا يعود السلطان إلى رشده، ويبتعد عن ظلمه، وتعود أنوش إلى زوجها وتنتهي المسرحية.
أما عروض الفرقة بالأقاليم في هذه الفترة، فتمثلت في مسرحية «مغائر الجن» بمسرح زيزينيا بالإسكندرية في 21 / 10 / 1906، ومسرحية «ضحية الغواية» بزيزينيا أيضا في 4 / 11 / 1906، وآخر عرض كان بمسرح التفريح بالمنصورة لصالح المدارس الأهلية في 29 / 1 / 1907.
36
وفي هذه الفترة أيضا قدمت الفرقة عدة عروض لصالح بعض الجمعيات والأشخاص، مثل: مسرحية «تليماك» التي قدمت بدار التمثيل العربي في ليلة مجلة «سركيس» الخيرية في 10 / 12 / 1906، ومسرحية «صلاح الدين الأيوبي» لجمعية الاتحاد الأخوي الإسرائيلي في أول يناير 1907 بدار التمثيل العربي، ومسرحية «هملت» لمحفل الصدق الماسوني، وخصص دخلها لصالح مشروع الجامعة المصرية في 7 / 1 / 1907 بدار التمثيل العربي، ومسرحية «ضحية الغواية» لجمعيتي المساعي الخيرية والتوفيق للأقباط الأرتوذكس في أول فبراير 1907 بدار الأوبرا الخديوية.
37
وتميزت عروض الفرقة في هذه الفترة باستحسان بعض الصحف: ومنها جريدة «المؤيد» التي تحدثت في 15 / 9 / 1906 عن مسرحية «تليماك»، وما أدخله فيها الشيخ سلامة من القصائد الغنائية وبعض المناظر الجديدة، خصوصا تجسيد مشهد جهنم. أما جريدة «مصر» في 22 / 10 / 1906، فقد تحدثت عن مسرحية متميزة أيضا هي مسرحية «ضحية الغواية»، ووصفت أحد مشاهدها قائلة:
لقد أبدع الممثلون والممثلات غاية الإبداع، حتى استحقوا استحسان جميع الحاضرين عموما، وخصوصا منظر دار النعيم الذي كان في انتهاء الفصل الخامس، وكان الحاضرون يشاهدون صعود راءول وشارلوت إلى دار النعيم كأنه تماما وليس تمثيلا، وكان في غاية من الإبداع.
غلاف مسرحية «ضحية الغواية».
ومسرحية «ضحية الغواية» أو «شارلوت» لخليل كامل، تدور أحداثها حول ملك يحتضر، فيأخذ عهدا من ابنه فيكتور عندما يصبح ملكا أن يزوج ابن عمه راءول من ابنة عمهما شارلوت، فيعطي الابن العهد إلى أبيه رغما عنه بسبب حبه لشارلوت، رغم أن الملك المحتضر يعلم بهذا الحب. وأخيرا يطلب الملك الانفراد بوزيره ريشار، ويأخذ منه عهدا أيضا بأن يعمل على إتمام زواج راءول من شارلوت، وأن يبعد عنهما ظلم ابنه فيكتور. وعندما يستفسر الوزير من الملك عن سبب هذا العهد، ولماذا لم يجعل فيكتور ابنه زوجا لشارلوت، يطلعه الملك على سر خطير وهو أن شارلوت أخت فيكتور من علاقة آثمة كانت بينه وبين امرأة من عامة الشعب عندما كان شابا، وقد ربى شارلوت في قصره على أنها ابنة أخ له مات في بلاد بعيدة . وبعد ذلك يموت الملك، وينكث فيكتور بعهد أبيه بعد أن أصبح الملك، فينفي راءول من البلاد، ويرغم شارلوت على الزواج منه، ولكنها ترفض وتصمد أمام إغرائه. فلم يجد فيكتور إلا أن يسجنها في دير القديسة حنة، وكان يزورها كل ليلة ويضربها بالسوط حتى فقدت عقلها من شدة التعذيب، فيقوم الوزير ريشار بإبلاغ راءول بما آلت إليه حالة شارلوت، فيحضر من منفاه متخفيا ويدخل الدير ويقابل فيكتور ويتبارز معه ويقتله، وعندما يحاول رؤية شارلوت تعده إحدى الراهبات بأن تدبر له هذا اللقاء غدا. وعندما يحضر في اليوم التالي تأخذه الراهبة إلى حديقة الدير، حيث يوجد قبر شارلوت، فيرتمي راءول عليه ويبكي حتى يسمع صوت شارلوت تناديه ليلتقي بها في الآخرة، ويلبي راءول هذا النداء ويموت على قبر شارلوت وتنتهي المسرحية.
بعد ذلك قدمت الفرقة مسرحيتها الجديدة الرابعة، وهي «اليتيمتين» تعريب زاكي مابرو، وقد قالت جريدة «المقطم» عنها في 9 / 2 / 1907:
لا يزال حضرة المطرب المبدع والممثل الشهير الشيخ سلامة حجازي يتحف أبناء مصر بأحسن الروايات، فيمثلها برئاسته في دار التمثيل العربي، فيشهد كل ذي ذوق سليم برخامة الصوت وحسن الإلقاء وجودة الملابس. وسيتحف الجمهور الليلة فيمثل رواية جديدة اسمها «اليتيمتين»، وتمثل الحب الطاهر والفضيلة وعزة النفس والوفاء بمعناه الحقيقي، إلى غير ذلك من المزايا، ويتخلل فصولها أدوار موسيقية مطربة وتختم بفصل مضحك جديد. وأسعار الدخول على حالها، فنتمنى لهذا الجوق ولحضرة مديره التوفيق والنجاح.
وقد مثلت الفرقة هذه المسرحية عدة مرات طوال عشرة أشهر،
38
قبل أن تمثل أية مسرحية جديدة أخرى. وطوال هذه الأشهر أعادت الفرقة مسرحياتها القديمة بدار التمثيل العربي، ومنها: «العفو القاتل»، «شهداء الغرام»، «تسبا»، «أنيس الجليس»، «محاسن الصدف»، «الظلوم»، «تليماك»، «الجرم الخفي»، «عايدة»، «هناء المحبين»، «مغائر الجن»، «عظة الملوك»، «ضحية الغواية»، «هملت»، «غانية الأندلس»، «الرجاء بعد اليأس»، «غرام وانتقام»، «مطامع النساء»، «صلاح الدين الأيوبي»، «الاتفاق الغريب»، «ابن الشعب»، «البرج الهائل»، «ملك المكامن»، «حسن العواقب»، «صدق الإخاء»، «خليفة الصياد».
39
غلاف مخطوطة مسرحية «العفو القاتل».
وكمثال على موضوعات هذه العروض نجد مسرحية «العفو القاتل»، تأليف سليم ميخائيل فرنيني، تدور أحداثها حول الأمير أبي العلاء، الذي ورث عن أبيه خصلة الإحسان على الفقراء، والإنفاق عل أعمال الخير، ولكن هذه الأفعال لا ترضي عمه أبا دياب، ولا ترضي أمه الربيعة. وبمرور الأحداث نجد أبا دياب يدبر الخطط لقتل الأمير أبي العلاء بمساعدة والدته، أملا في زواجها من أبي دياب. وأخيرا تنجح الأم في وضع دواء معين في طعام الأمير حتى إذا ما تناوله يظهر بمظهر الأموات، وعند ذلك أعلن أبو دياب موت الأمير وتقلد هو الحكم، ولكن أبا دياب أراد شيئا آخر، وهو مكان كنز ثمين لا يعلمه إلا الأمير أبو العلاء؛ لذلك أظهره أمام الناس بالمتوفى، وهو في الحقيقة في سبات يشبه الموت، وفي المساء ذهب أبو دياب مع الربيعة وبعض الخدم إلى قبر الأمير، ومن ثم قام بإفاقة الأمير المسجى بدواء خاص، وحاول الضغط عليه من أجل إفشاء سر الكنز، ولكن أبا العلاء امتنع عن الكلام، فأغلق أبو دياب باب القبر عليه على وعد تكرار المحاولة مرة أخرى في الغد. وفي هذا الوقت كان يراقب الموقف سائح هندي كان الأمير يعطف عليه، فعرف الحقيقة، وبعد انصراف الأشرار استطاع السائح أن يفتح القبر وينقذ الأمير. وفي اليوم التالي يظهر الأمير أبو العلاء وسط شعبه ويعفو عن الخونة؛ لأنهم من أهله، ولكنهم رفضوا هذا العفو وانتحروا الواحد بعد الآخر. وهنا يكشف السائح عن أسرار خطيرة، وهي أن الربيعة لم تكن والدة الأمير؛ لأنها إحدى أسيرات جده، وأن أبا دياب أيضا لم يكن عمه، بل هو أحد أسرى والده، وهكذا تنتهي المسرحية.
ومن الجدير بالذكر أن الشيخ سلامة ضم إلى فرقته في هذه الفترة بعض العناصر الفنية، مثل: أمين عطا الله الذي تخصص في تمثيل الفصول المضحكة، والمطربين: سيد الصفتي وبولس صلبان للغناء بين الفصول، والمسيو أورست لمبو لتقديم الألعاب السحرية، هذا بالإضافة إلى موسيقى عبد الحميد علي، وعروض الفصول المضحكة وأشرطة السينماتوجراف وألعاب السيف والترس.
40
أما عروض الفرقة في الأقاليم في هذه الفترة فتمثلت في عرض مسرحية «شهداء الغرام» بطنطا في 18 / 6 / 1907، و«غانية الأندلس» بتياترو التفريح بالمنصورة في 23 / 6 / 1907، و«تسبا» أو «شهيدة الوفاء» بزيزينيا بالإسكندرية في 8 / 9 / 1907.
41
هذا بالإضافة إلى العروض الخيرية، والعروض الخاصة بالجمعيات والنوادي والمحافل، ومنها: عرض مسرحية «غانية الأندلس» لمحفل الصدق الماسوني لمساعدة مشروع الجامعة المصرية، وعرض «هملت» الذي خصص دخله لمنكوبي روسيا في مارس 1907، وعرض مسرحي لصالح الجمعية الخيرية للأقباط الكاثوليك في 17 / 4 / 1907، وعرض «اللص الشريف» لجمعية المساعي الخيرية بالأوبرا، وعرض «اليتيمتين» لنادي طلبة المدارس العليا لإعانة منكوبي حريق المطرية، وعرض «غرام وانتقام» الذي خصص دخله لمدرسة أيتام، وخطب فيه إسماعيل عاصم خطبة عن الجامعة المصرية، وخطب نجيب هواويني خطبة عن اليتيم، وخطبة ثالثة لخليل مطران في مايو 1907، وأخيرا عرض «روميو وجوليت» لجمعية الشبيبة الوطنية الخيرية بالإسكندرية بتياترو زيزينيا في 2 / 6 / 1907.
42
وكانت مسرحية «نتيجة الرسائل» تعريب سامي نوار، المسرحية الخامسة الجديدة التي مثلتها فرقة الشيخ سلامة حجازي في 14 / 12 / 1907 بدار التمثيل العربي،
43
وقد أعادت الفرقة عرضها أكثر من مرة طوال سبعة أشهر.
44
كما أعادت في هذه الفترة معظم مسرحياتها السابقة، ومنها: «الولدين الشريدين»، «الاتفاق الغريب»، «تليماك»، «العفو القاتل»، «الجرم الخفي»، «السر المكنون»، «اليتيمتين»، «عظة الملوك»، «هملت»، «عائدة»، «ضحية الغواية»، «تسبا»، «ثارات العرب»، «أنيس الجليس»، «هناء المحبين»، «شهداء الغرام»، «صلاح الدين الأيوبي»، «الرجاء بعد اليأس»، «غانية الأندلس»، «حسن العواقب»، «البرج الهائل»، «مظالم الآباء»، «ملك المكامن»، «اللص الشريف». وبجانب هذه العروض كانت الفرقة تقدم صور السينماتوجراف،
45
والموسيقى الوترية برئاسة عبد الحميد علي، والقطع الغنائية للمطرب عبده البغدادي، وبعض الفصول المضحكة مثل فصل «الشاعر والشيطان» وفصل «فتاة العصر».
46
عبد الحميد علي.
أما عروض الفرقة الخاصة بالجمعيات في هذه الفترة، فتمثلت في: مسرحية «صدق الإخاء» لجمعية المساعي الخيرية الإسرائيلية يوم 5 / 1 / 1908 بدار التمثيل العربي، ومسرحية «غانية الأندلس» لجمعيتي المساعي الخيرية والتوفيق القبطية يوم 26 / 1 / 1908 بالأوبرا، وقد حضرها حسين باشا محرم الياور الأول للخديو، ومسرحية «شهداء الغرام» لجمعية المساعي الخيرية المارونية يوم 22 / 3 / 1908 بالأوبرا، وقد حضرها ياور الخديو أيضا، ونقولا قصيري عن قنصل فرنسا، وسليم لاخوس عن الجمعية، وأطرب الحضور محمد السبع .
47
هذا بالإضافة إلى بعض عروض الفرقة الخيرية مثل عرض مسرحية «هناء المحبين» يوم 21 / 1 / 1908 الذي أطرب الجمهور فيه المطرب أحمد إدريس، وخصص دخل هذه الليلة لمساعدة عائلة فقيرة،
48
وعرض آخر قالت عنه جريدة «الشرق» في 27 / 3 / 1908:
فكر جماعة من الأدباء بمساعدة بعض الأطباء الغيورين، بأن ينشئوا بثغرنا عيادة طبية مجانية، يعالج فيها الفقراء على اختلاف أجناسهم وأديانهم بمزيد العناية، فانتقوا لذلك مركزا متوسطا في المدينة، وهو الدائرة الإلهامية (وقف راتب باشا) الكائنة بشارع نوبار نمرة 18. وقد رأوا أن يحيوا ليلة تمثيلية فوق العادة، فانتقوا رواية «اليتيمتين» ليمثلها حضرة الممثل البارع الشيخ سلامة حجازي بمرسح زيزينيا، ويخصص صافي دخلها لابتياع الأدوات الطبية والأثاثات اللازمة للمشروع. وعين لهذه الحفلة مساء أول أبريل القادم مع بقاء أسعار الدخول على حالها مثل الليالي العادية. فأملنا من محبي الخير أن يشاركوا أصحاب هذا المشروع في خدمتهم الإنسانية ... والتذاكر تباع بمكتبة الإسكندرية «توكيل اللواء» لصاحبها محمد الكلزة، وبيد حاملها وعلى شباك التياترو ليلة التمثيل.
بعد ذلك قامت الفرقة برحلتها الثانية إلى الشام في يولية 1908، وقبل عودتها أشيع أن الشيخ سلامة حجازي مات مقتولا في غربته، ثم بعد ذلك ظهر أنه على قيد الحياة.
49
ولم يجد الشيخ سلامة تكذيبا لهذا الخبر أفضل من أن يظهر أمام الجمهور فور عودته من الشام، وعن هذا الأمر قالت جريدة «المؤيد» في 12 / 8 / 1908:
رأى حضرة الشيخ سلامة حجازي مدير دار التمثيل العربي أن يحيي محبيه وأصدقاءه، الذين احتفوا بمقدمه وأظهروا السرور بسلامته بإحياء ليلة يمثل فيها رواية «صلاح الدين» الشهيرة. وقد اختار لها هذه الليلة؛ أي ليلة الجمعة مساء الخميس، ويتخلل فصولها الموسيقى الوترية، وتختم بفصل مضحك، وأسعار الدخول كالعادة. وهذه الليلة هي الوحيدة في هذا الشهر، حتى إذا انقضى عاد الجوق إلى عادته من موالاة التمثيل.
بعد ذلك أراد الشيخ سلامة أن يلحق بفرقته بعض الهواة، فأعلنت جريدة «مصر» عن ذلك قائلة في 22 / 10 / 1908:
يطلب حضرة الشيخ سلامة حجازي مدير إدارة التمثيل العربي من كل راغب في صناعة التمثيل، عارفا من مبادئ اللغة العربية بما يساعده على حفظها والنطق بها جيدا، أن يقدم طلبا لإدارة دار التمثيل العربي بمصر، والإدارة مستعدة لقبوله بعد الاختبار.
ظلت الفرقة تعمل بعد ذلك طوال عام كامل، قبل أن تقوم برحلتها الثالثة إلى الشام، وطوال هذا العام قدمت الفرقة مسرحيتين جديدتين؛ الأولى: «النجم الآفل» أو «غادة الكاميليا» تأليف إسكندر ديماس الابن، تعريب عبد القادر المغربي المحرر بجريدة المؤيد، وإميل شبطيني، وعرضت لأول مرة يوم 3 / 10 / 1908. والأخرى مسرحية «عواطف البنين» أو «الشهيدة» تأليف الكاتبين الفرنسيين دانري وتربي، تعريب إلياس فياض، وعرضت لأول مرة في 22 / 12 / 1908.
50
وقد تكرر عرض هاتين المسرحيتين كثيرا طوال هذا العام.
51
ومسرحية «النجم الآفل» أو «غادة الكاميليا» تدور حول علاقة الشاب أرمان دوفال ابن الأسرة الريفية متوسطة الحال بمرجريت جوتييه الغانية الباريسية الحسناء، ومن ثم تطورت هذه العلاقة إلى حب قوي لم يرض عنه المجتمع؛ لأن مرجريت كانت من الغواني صائدات المال تحت ستار الصداقة والحب، كما أنها على صلة بأكثر من شاب ورجل. وبالرغم من ذلك أحبت مرجريت أرمان، وكاد أن يصل هذا الحب إلى الزواج. وفي هذا الوقت تقدم شاب ثري لخطبة شقيقة أرمان، وقبل أن يتم زفافه وصلت إلى مسامعه قصة شقيق خطيبته مع مرجريت، فيقوم بتهديد أسرة أرمان بفسخ خطبته إذا تزوج أرمان من مرجريت. وهنا يتدخل والد أرمان خوفا على ابنه من هذه المرأة اللعوب، وخوفا على مستقبل ابنته مع خطيبها، فيذهب إلى مرجريت ويسرد عليها مخاوفه ناشدا ضميرها، وهنا يتأزم الصراع عند مرجريت، فتفضل الابتعاد عن أرمان، وأن تحطم قلبها بيدها قبل أن يتحطم مستقبله ومستقبل أسرته، فتقوم بإيهامه بأنها كانت تلعب بعواطفه، وتدلل على ذلك بأفعال كثيرة حتى يهجرها، فتحزن عليه وتمرض بمرض خطير يذهب بحياتها.
أما مسرحية «عواطف البنين» أو «الشهيدة»، فتدور أحداثها حول قيام نصاب بالاشتراك مع شقيقته الراقصة بتزوير في الأوراق الرسمية، وانتحال هذا النصاب لاسم بالميري المتوفى، حتى يستولى على ثروته في الهند، وبعد إتمام هذا الأمر سافرا إلى فرنسا لتكوين صداقات مع كبار القوم، حتى يكونا اسما مرموقا متصلا بالعائلات الكريمة، ويقع اختيارهما على الكونت روجي، وينزلا ضيفين عليه وعلى زوجته لورانس. وبعد فترة تقوم الراقصة شقيقة النصاب - بعد أن أطلقت على نفسها اسم الفرغونية - بإغراء الكونت حتى أوقعته في حبها، ثم يقوم بالميري بمراقبة زوجة الكونت لورانس فيعلم أنها قابلت شابا في إحدى الكنائس، واتفقت معه على دفع مبلغ كبير مقابل رسائل غرامية لديه، ويقوم بالميري بمساعدة شقيقته بكشف هذا الأمر لزوجها، الذي يقوم بمواجهة بين زوجته وهذا الشاب في وجود الأميرالة والدة لورانس والأميرال والدها.
وبعد مناقشة شديدة هدد الكونت هذا الشاب شاهرا في وجهه المسدس إذا لم يعطه الرسائل، ولكن الشاب رفض تسليم الرسائل ورمى بها في نار المدفأة، فقام الكونت بقتله رميا بالرصاص. ومن ثم اتهم الكونت زوجته لورانس بالخيانة وطلقها في المحكمة بعد أن اعترفت بجريمة الخيانة أمام القاضي. وبسبب هذا الحكم حرم الأميرال ابنته لورانس من أن ترى أمها بعد أن طردها من منزله، أما الكونت فقد تزوج من الفرغونية. وبعد عدة أشهر من هذه الأحداث تحضر بوليت ابنة الكونت ولورانس من سفرها برفقة دراك قنصل إيطاليا في الهند، الذي لازمها أثناء السفر، وتعهد برعايتها حتى تصل إلى أهلها. وتتعرف بوليت على ما أصاب أسرتها من النوائب، وتطالب دراك بمساعدتها، وبالفعل استطاع أن يدبر لها لقاء مع أمها، وأن يجعل هذه الأم تعود لتعيش مع والدها الأميرال ووالدتها. وفي هذا الوقت استطاع بالميري أن يتآمر على الكونت وأن يفقده ثروته دون أن يعلم الكونت من وراء هذا الأمر، ثم نجد بالميري يعرض على الكونت مبلغا كبيرا من المال كي يستطيع أن يحافظ على اسمه وشرفه، مقابل أن يزوجه من ابنته بوليت، فيوافق الكونت مرغما بشرط ألا تعلم ابنته بهذا الأمر، فيوافق بالميري.
أما بوليت، فنجدها ترفض هذا الزواج، فيضطر بالميري أن يخبرها بأمر إفلاس والدها، وهي بهذا الزواج تستطيع إنقاذه، وبذلك استطاع بالميري أن يرغمها على الزواج. وفي ليلة عقد القران تكتب بوليت رسالة إلى والدتها، تخبرها بأنها ستنتحر بعد عقد القران مباشرة، وبعد أن يسترد والدها شرفه بالمال الذي سيمنحه له بالميري بعد كتابة عقد الزواج. وتطلب من دراك إيصال هذه الرسالة غدا، ولكن دراك شعر بأن في الأمر شيئا، فأرسل الرسالة في اليوم نفسه، وقبل عقد القران بلحظات تحضر لورانس مع والدتها ووالدها أملا في إنقاذ ابنتها، وتطلب من زوجها السابق الكونت روجي أن يقبل أموالها كي ينقذ شرفه بدلا من التضحية بابنته، ولكنه يرفض لأنها خائنة، فتطلب منه أن يختار أحد المدعوين ويقبل حكمه، إذا حكم ببراءتها من تهمة الخيانة فيختار والدتها الأميرالة. وهنا تطلب لورانس الانفراد بأمها، وفي هذا الانفراد تسرد لورانس على أمها دليل براءتها، وهو أن الشاب الذي قتل بعد أن أحرق الرسائل الغرامية ما هو إلا شقيقها الذي أنجبته الأميرالة سفاحا في لحظة ضعف وهي شابة. وما هذه الرسائل إلا رسائل الأميرالة لعشيقها والد هذا الشاب، وما قامت به لورانس كان حفاظا على شرف أمها وأبيها، فتخرج الأميرالة إلى الكونت وتثبت براءة ابنتها أمامه وأمام الجميع. وهنا يظهر دراك عدة وثائق تثبت قيام بالميري بانتحال اسم أحد المتوفين والاستيلاء على ثروته، وكذلك يكشف عن حقيقة الفرغونية، ويتم القبض عليهما ويعود الهناء إلى أسرة الكونت من جديد، وتنتهي المسرحية.
غلاف مسرحية «عواطف البنين».
وفي هذه الفترة قامت الفرقة بإعادة عروضها القديمة، كما هو معتاد، سواء بدار التمثيل العربي أو بكازينو حلوان، ومنها: «أبو الحسن المغفل»، «صلاح الدين الأيوبي»، «شهداء الغرام»، «اليتيمتين»، «عايدة»، «تليماك»، «ضحية الغواية»، «تسبا»، «عظة الملوك»، «الجرم الخفي»، «العفو القاتل»، «هناء المحبين»، «هملت»، «البرج الهائل»، «مطامع النساء»، «محاسن الصدف»، «أنيس الجليس»، «السر المكنون»، «ابن الشعب»، «مغائر الجن»، «مظالم الآباء»، «اللص الشريف»، «ثارات العرب»، «نتيجة الرسائل»، «حمدان»، «غرام وانتقام»، «غانية الأندلس».
52
ومثال لموضوعات هذه المسرحيات نجد مسرحية «أبو الحسن المغفل» لمارون النقاش مستوحاة من حكاية «النائم واليقظان» الموجودة في حكايات ألف ليلة وليلة. وتدور حول قصة رجل اسمه «أبو الحسن» يتبرم من أحوال الناس والحياة المحيطة به، ويتمنى أن يكون حاكما على البلاد ولو ليوم واحد حتى يقيم العدل ويصلح الأحوال، وتشاء الظروف أن يسمع أمنيته حاكم البلاد هارون الرشيد عندما كان متنكرا لتفقد الأحوال، فيقوم بخدعة، إذ خدر أبا الحسن ونقله إلى القصر، وعندما استيقظ أبو الحسن وجد الخدم والأمراء والوزراء من حوله، ينتظرون أوامره، فيظن أنه في حلم جميل، فيسير بالحلم إلى منتهاه، ولكنه يفاجأ أنه في يقظة وأنه أصبح بالفعل الحاكم، وتحدث مفارقات كثيرة، يعجز فيها أبو الحسن عن إقامة العدل وإصلاح المعوج الذي كان يتمنى إصلاحه. فيقوم الرشيد بتخديره مرة أخرى ويرجعه إلى حالته الأولى.
أما عروض الفرقة في الأقاليم طوال هذا العام، فتمثلت في عرض مسرحية «غانية الأندلس» بتياترو زيزينيا في 6 / 9 / 1908، ومسرحية «تسبا» أو «شهيدة الوفاء» بزيزينيا أيضا يوم 18 / 10 / 1908، ومسرحية «العفو القاتل» بالإسكندرية يوم 8 / 11 / 1908، ورحلة الفرقة إلى المنيا في يناير 1909، وعرض مسرحية «عواطف البنين» لأول مرة بالإسكندرية على مسرح زيزينيا يوم 21 / 2 / 1909.
53
هذا بالإضافة إلى عروض الفرقة لصالح بعض الجمعيات، ومنها: عرض مسرحية «الجرم الخفي» لجمعية الاتحاد القبطية الخيرية في 27 / 9 / 1908 بمسرح الهمبرا - بجوار محطة الرمل - بالإسكندرية.
54
وعرض «عظة الملوك» لجمعية الاتحاد الأخوي الخيرية الإسرائيلية، في 10 / 1 / 1909 بدار التمثيل العربي. وعرض «عواطف البنين» لجمعيتي المساعي الخيرية والتوفيق القبطية في 14 / 2 / 1909 بالأوبرا، وقد حضرها سعيد ذو الفقار التشريفاتي الخديوي الأول. وعرض «ضحية الغواية» لجمعية المساعي الخيرية المارونية بالأوبرا في مارس 1909.
55
ومن أشهر عروض الفرقة في هذه الفترة، مسرحية «غانية الأندلس» التي عرضت بمناسبة الاحتفال بعيد الجلوس السلطاني، وقد وصفت جريدة «المؤيد» هذا الاحتفال قائلة تحت عنوان «لجنة الاحتفال بعيد الجلوس السلطاني» في 30 / 8 / 1908:
في يوم الثلاثاء أول سبتمبر سنة 1908، «حديقة الأزبكية»: زينة بديعة في جميع الحديقة - موسيقات متنوعة - مزمار وطبل بلدي - ألعاب بهلوانية - ألعاب سيماوية - خيال الظل - أم الشعور البهلوانية - أغاني عربية بمعرفة المطربين الشهيرين. باب الحديقة الغربي الذي بمواجهة شارع بولاق، مفتوح من الساعة التاسعة بعد الظهر للسيدات فقط، وتفتح أبواب الحديقة من الساعة أربعة بعد الظهر للرجال إلى نهاية الاحتفال. تذاكر دخول الحديقة ثمنها خمسة قروش صاغ على أبواب الحديقة. مسموح لحضرات ضباط جيش الاحتلال والجيش المصري، وعساكر جيش الاحتلال والجيش المصري، بالدخول في الحديقة بدون تذاكر ما داموا بالملابس العسكرية، «تياترو الحديقة»: يشخص به رواية «محاسن الصدف» بمعرفة جوق مصري شهير، «تياترو الأوبرا»: يشخص به رواية «غانية الأندلس» بمعرفة جوق حضرة الممثل الشهير الشيخ سلامة حجازي. تذاكر تياترو الحديقة والأوبرا تباع بشباك الأوبرا، وبمحل تجارة سعادة حسن باشا مدكور بالأزبكية. وفي يوم الاحتفال تقدم المدليات الذهبية المخصوصة في حديقة الأزبكية لمن اكتتب هذا الاحتفال من السيدات بمبلغ ثلاثة جنيهات على الأقل بواسطة سيدات كلفن بذلك من قبل اللجنة.
ومن الجدير بالذكر أن فرقة سلامة حجازي تلقت في هذه الفترة نقدا لاذعا وهجوما شرسا من بعض الصحف: ومنها جريدة «الأخبار» التي قالت في 22 / 1 / 1909، تحت عنوان «التمثيل العربي»:
بدأ التمثيل العربي منذ أربعين سنة، ولا يزال حتى اليوم وهو في عهد الطفولية، ولا فرق في ذلك بين القاهرة وبين بيروت. والحقيقة أنه لا يوجد ممثلون في اللغة العربية يستحقون أن يطلق عليهم هذا الاسم. أما الروايات فليس في اللغة المذكورة شيء منها يجدر بالذكر؛ لأن كل ما هنالك روايات تافهة لا مغزى لها، نعم، إن بعض الكتبة ترجموا شيئا من شكسبير ومن كورنيل ومن هيجو، ولكن تلك الترجمات لم تكتب إلا ليدفع بها إلى الشيخ سلامة فيمسخها بتمثيله السيئ، أو ليغني فيها بضعة أشعار ليس إلا.
غلاف مسرحية «أبو الحسن المغفل».
وفي صيف عام 1909 سافر الشيخ سلامة وفرقته إلى الشام في رحلة فنية ثالثة، وكأن القدر كان يقف له بالمرصاد! ففي رحلته السابقة أشيع عنه أنه مات مقتولا، أما في هذا العام فقد أشيع أيضا أنه مات، وبعد أيام من شيوع الخبر ظهرت الحقيقة بأنه أصيب بالشلل. وعن هذا الأمر قالت جريدة «المؤيد» في 26 / 7 / 1909 تحت عنوان «الشيخ سلامة حجازي حي والحمد لله»:
روت جرائد بيروت الواردة مع بريد اليوم أن حضرة الممثل الشهير والمطرب المجيد الشيخ سلامة حجازي أصيب في دمشق الشام بفالج في جنبه الأيسر، فأقام على معالجته الدكتور هورد شيانو. وأشاعت جريدة «المفيد» وفاته، على أن جريدة «الأحوال» روت بعد ذلك أن الشيخ سلامة حجازي أرسل إلى داوود نقاش تلغرافا يقول فيه: «الخطر زال، الحالة أحسن، فنطمئنكم.» فحمدنا الله على سلامة الشيخ سلامة حجازي، وسألنا له حياة طويلة مقرونة بالهناء.
وظلت الصحف العربية تتابع أخبار الشيخ سلامة الصحية يوما بعد يوم،
56
حتى قالت صحيفة «المؤيد» في 13 / 8 / 1909:
جاءنا من حضرة إسماعيل الديب بالزقازيق، وهو صديق حميم للشيخ سلامة حجازي، أنه لم يفارقه في مصيفه بالشام إلا بعد أن شفاه الله وعافاه. ويقول هذا الصديق إنه كان معه في أحد شوارع دمشق عندما فاجأه ذلك الداء العضال، وقد كاد يموت حزنا عليه، لولا أن الله لطف بالمريض وبجميع أصدقائه، وأدركه بعنايته الصمدانية فعافاه مما به ابتلاه بعد علاج أيام شداد، وأنه لم يفارقه حتى اطمأن عليه تمام الاطمئنان، ولم يبق على عودته لمصر ممتعا بتمام الصحة والعافية إلا بضعة أيام؛ ولذلك كلفه أن ينشر هذا الخبر السار إلى مصر.
ولكن الشيخ المريض ظل فترة من الوقت في سوريا، وعادت فرقته بدونه إلى مصر، وقرر أفرادها أن يحافظوا على اسم الشيخ وفنه من خلال الاستمرار في عملهم بمسرح دار التمثيل العربي. وبالفعل عرضت الفرقة خمس مسرحيات فقط في شهري سبتمبر وأكتوبر 1909، هي: «أتلو» أو «حيل الرجال»، «حفظ الوداد»، «تليماك»، «البخيل»، «تسبا».
57
وكأن هذه العروض كانت تقام من أجل إطعام الفرقة فقط؛ لأن الجمهور لم يقبل على مشاهدتها الإقبال المطلوب لعدم وجود الشيخ سلامة فيها.
وكمثال لموضوعات هذه المسرحيات نجد مسرحية «البخيل» لمارون النقاش، تدور أحداثها حول الأرملة هند التي ستتزوج رغما عنها من البخيل قراد، ويحاول شقيقها غالي أن يبعد فكرة هذا الزواج عن رأس أبيه الثعلبي، ويتمنى أن يوافق هذا الأب على الشاب عيسى الذي يحب شقيقته، ولكن الوالد يصر على زواجها من قراد؛ لأنه من الأغنياء رغم بخله، ونعلم بعد ذلك أن الثعلبي أيضا بخيل، ويريد الانتفاع من هذا الزواج. وتحاول هند مع شقيقها وحبيبها أن تمنع هذا الزواج بالحيلة، عندما عرفت أن قرادا بخيل، فنجدها تطالبه بالملابس الغالية وبالجواهر والهدايا الثمينة، وأمام هذه المطالب يقع قراد مغشيا عليه، وعندما يفيق يحاول إبعاد هند عنه بعد أن أبعد فكرة الزواج بها من رأسه. وبعد فترة يفكر قراد في أمر يستطيع به أن يبتز الثعلبي وينتقم منه، فنجده يتفق مع شخصين على هذا الانتقام، ولكن عيسى وغالي يتنكران وينجحان في إيهام قراد بأنهما يستطيعان الانتقام من الثعلبي، ولكن بعد قبض الثمن، فيوافق قراد ويعطيهما المال المطلوب، فيكشفان له عن حقيقتهما، وتنتهي المسرحية.
وفي هذا الوقت أخذ الشيخ سلامة يتنقل بين بيروت ودمشق من أجل الاستشفاء دون جدوى، فعاد إلى القاهرة، ونصحه الأطباء بالامتناع عن التمثيل فترة طويلة.
58
ومع مرور الوقت واشتداد المرض وحاجة الشيخ إلى المال قرر سلامة حجازي تأجير مسرحه دار التمثيل العربي لفرق الأكروبات والجمباز والسيرك دون استشارة أعضاء الفرقة، مما جعل أكثرهم يتخلى عنه وعن فرقته.
وتفسر مريم سماط - الممثلة بالفرقة - هذا الأمر في مذكراتها قائلة: «رجعنا من الشام وكلنا كالبنيان يشد بعضه بعضا. أجمعنا الكلمة على العمل تحت رعاية الشيخ وإشرافه، وإن كان لا يستطيع العمل إلا أنه أبى علينا ذلك، ولا يعلم إلا الله سبب هذا الإباء، فذهب - دون أن يعلمنا - وأجر دار التمثيل إلى قوم يسابقون بالخيل، أطلقوا عليها اسم «سيركل». فكبر على الممثلين أن يضحك منهم ويلعب بهم بعد وفائهم، فأجمعوا أمرهم على العمل خارج دائرة الشيخ سلامة، فاستأجروا تياترو شارع عبد العزيز، وجعلوا عبد الله عكاشة مديرا عليهم. ومن هذا الوقت عرف الناس اسم عبد الله عكاشة.»
59
ويشاء القدر أن يتجرع الشيخ سلامة حجازي نفس الكأس التي تجرعها إسكندر فرح من قبل! فقد انشق عبد الله عكاشة عن فرقة الشيخ سلامة، وأخذ معه معظم أفراد فرقته، وأجر لهم مسرح شارع عبد العزيز، وأطلق على الفرقة الجديدة اسم «شركة التمثيل العربي» - لتصبح فيما بعد فرقة أولاد عكاشة - التي أعادت معظم مسرحيات الشيخ سلامة أكثر من عامين، ومنها: «مغائر الجن»، «البخيل»، «عواطف البنين»، «تسبا»، «العفو القاتل»، «هملت»، «العواطف الشريفة»، «حفظ الوداد»، «محاسن الصدف»، «غانية الأندلس»، «البرج الهائل»، «صدق الإخاء»، «صلاح الدين الأيوبي»، «ضحية الغواية»، «شهداء الغرام»، «مطامع النساء»، «عائدة»، «عظة الملوك»، «مظالم الآباء»، «نتيجة الرسائل»، «تليماك»، «اللص الشريف». هذا بالإضافة إلى بعض العروض الجديدة، مثل: «شهداء الوطنية»، «القضية المشهورة» أو «القاتل أبي»، «تبكيت الضمير».
60
أما الشيخ سلامة، فقد التف حوله بعض المخلصين من أعضاء فرقته القدامى، وكانوا يقدمون العروض البسيطة بناء على طلب بعض الأعيان، وكان الشيخ يساعدهم تبعا لحالته الصحية، تارة بالحضور وتارة بالإنشاد. ومثال على ذلك قيامهم بتمثيل مسرحيتي «شهيدة الوفاء» و«شهداء الغرام» في يناير 1910 بناء على رغبة بعض أعيان المنيا،
61
وأيضا حضور الشيخ سلامة لرؤية مسرحية «سوء المنقلب» أو «عاقبة الخيانة» لجوق الشرف الجديد.
62
وبعد أكثر من عام تحسنت صحة الشيخ بعض الشيء، وساءت الأحوال الإدارية لشركة التمثيل العربي، فعاد أفرادها صاغرين إلى الشيخ سلامة مرة أخرى، فعفا عنهم بروح الأبوة وضمهم إليه مرة أخرى، فعادت فرقة الشيخ سلامة حجازي إلى عهدها الأول، تعمل تحت قيادته رغم مرضه. وبدأت العروض في مارس 1911، ومنها: «نتيجة الرسائل»، «الظلوم» أو «حفظ الوداد»، «صلاح الدين الأيوبي»، «تبكيت الضمير»، «شهداء الغرام»، «تسبا»، «القضية المشهورة».
63
وفي مايو 1911 قرر الشيخ سلامة أن ينهي موسمه ويسافر إلى الشام كعادته، ولكن عبد الله عكاشة وأفراد شركة التمثيل العربي رفضوا هذا وانفصلوا عن الشيخ للمرة الثانية؛ لذلك أراد سلامة حجازي أن يودع جمهوره بعرض يظهر فيه، ويطرب الجمهور بصوته الشجي، حتى ولو كان بين الفصول. وعن هذا الأمر قالت جريدة «المؤيد» في 21 / 5 / 1911:
في مساء الخميس المقبل يمثل جوق حضرة المطرب الشهير والممثل البارع الشيخ سلامة حجازي رواية «عواطف البنين» الشهيرة، ويقوم حضرة الشيخ سلامة بنفسه بتمثيل «الطفلين»، وهي شعرية غنائية تمثيلية. وهي أول بشرى نزفها لمحبي التمثيل بعد نقاهة الشيخ من مرضه، وبعد أن احتجب عن التمثيل مدة طويلة. وهذه الليلة لوداع محبيه الكرام قبل سفره لتمضية فصل الصيف خارج القطر، فنحث العموم بالإقبال عليها.
بعد ذلك، عاد الشيخ من الشام في آخر سبتمبر 1911، وبدأ عروضه بدار التمثيل العربي التي تحددت بأيام السبت والثلاثاء والخميس من كل أسبوع. وتمثلت مشاركة سلامة حجازي في إلقائه بعض القصائد الغنائية بين الفصول تارة، وإلقائها من خلف الستار تارة أخرى. أما مطرب الفرقة الأساسي في هذه الفترة فكان زكي مراد. ومن هذه العروض: «ماري تيودور»، «عبرة الإبكار»، «صلاح الدين الأيوبي»، «ضحية الغواية»، «عواطف البنين»، «القضية المشهورة»، «العواطف الشريفة»، «ابنة حارس الصيد»، «أنيس الجليس».
64
وبنفس أسلوب مشاركة الشيخ سلامة في إلقاء القصائد أثناء التمثيل عرضت الفرقة مسرحية «القضية المشهورة» بمسرح التفريح بالمنصورة، وأيضا بالإسكندرية، في فبراير ومارس 1912، وألقى من خلالها الشيخ سلامة قصائد: الطفلين، والهلال الأحمر، وسارقة القلوب.
65
هذا بالإضافة إلى عروض الفرقة الخاصة بالجمعيات، ومنها مسرحية «عواطف البنين» لصالح الجمعية الخيرية الإسلامية، وقد حضرها حسنين باشا كامل في 3 / 1 / 1912، ومسرحية أخرى لجمعية الاحتفالات والأعياد المختلطة بطنطا بتياترو حديقة المجلس البلدي في 30 / 1 / 1912، ومسرحية «عواطف البنين» لجمعية المساعي الخيرية المارونية بتياترو عباس في فبراير 1912، ومسرحية «القضية المشهورة» لجمعية جامعة المحبة في 7 / 2 / 1912.
66
ويقول محمد تيمور عن طريقة إنشاد الشيخ: إنها «كانت تختلف عن طريقة المغنيين، وكانت ألحانه توافق المواقف المسرحية، فإذا لحن لحنا للجحيم سمعت منه عزيف الجن، وإذا لحن لحنا غراميا سمعت منه أرج الحب، وإذا لحن لحنا دينيا دخلت في نفسك الهيبة والجلال إذا سمعته.»
67
وفي أوائل مارس 1912 اقتضت الظروف والمصلحة انضمام فرقة عبد الله عكاشة مرة أخرى إلى فرقة الشيخ سلامة حجازي،
68
تحت إدارة عبد الرازق بك عنايت، وأطلق على هذا الانضمام «الجوق العربي الجديد» الذي بدأ بداية قوية من خلال عرض مسرحي جديد هو «سارقة الأطفال» تأليف الكاتبين الفرنسيين أوجين جرانجيه ولامبير تيبوست، وتعريب عبد الحليم دلاور. وتم العرض بدار التمثيل العربي يوم 2 / 3 / 1912، وألقى الشيخ سلامة عدة قصائد بين فصوله،
69
وكان هذا العرض من تمثيل: سليم عطا الله، أمين عطا الله، عبد الله عكاشة، عزيز عيد، عمر وصفي، محمود رضا، عبد الحميد عكاشة، عبد المجيد شكري، منسي فهمي، عبد العزيز خليل، أبريز أستاتي، ألمظ أستاتي، جراسيا قاصين، صالحة قاصين، أحمد فهيم، محمد بهجت، محمود حبيب، مريم سماط.
ومسرحية «سارقة الأطفال» تدور أحداثها حول السيدة سارة واترز، التي أنجبت الطفلة جان من البحار أدامس دون أن تقترن به، وقد أودعت سارة هذه الطفلة عند إحدى المربيات. وكانت سارة تعمل بمساعدة اللص أتكنس على سرقة الأطفال، ومن ثم تبيعهم للمتسولين كي تجمع ثروة تضمن بها مستقبلا سعيدا لابنتها. وفي إحدى الليالي جاءها رجل مقنع وطلب منها طفلة عمرها عام، وسيدفع لها مبلغا كبيرا نظير ذلك إذا استطاعت أن تأتي بالطفلة في غضون ساعة فتوافق سارة، وفي هذه اللحظة يحضر أتكنس ويرى الرجل خارجا فيعرفه، وتتفق سارة مع أتكنس على أن يسرق طفلة في غضون نصف ساعة؛ لأن الشرطة تراقبها، فيوافق أتكنس ويذهب، ثم تخرج سارة لبضعة دقائق فيحضر إلى غرفتها عشيقها أدامس بعد أن أحضر ابنته جان من المربية كي يفاجئ سارة بقدومها وعزمه على الاقتران بها، ولكي يجعل المفاجأة مؤثرة ترك لها الطفلة على سريرها، وخرج للحظات. هنا تحضر سارة فتظن أن أتكنس سرق الطفلة ووضعها على سريرها، فيحضر الرجل المقنع ويأخذ الطفلة ويعطيها المال.
وبعد لحظات يداهم المكان رجال الشرطة ويقبضون على سارة بعد أن قبضوا على أتكنس حاملا طفلة مسروقة، وقد اعترف أنه سرق طفلة الجيران بإيعاز من سارة. وعندما ترى سارة الطفلة المسروقة ينتابها الشك، وهنا يدخل أدامس ويسأل عن ابنته جان، فتصرخ سارة بعد أن تأكدت أنها باعت ابنتها وقبضت الثمن من الرجل المقنع. ويحكم على سارة بالسجن خمس عشرة سنة، وبعد مرور هذه السنوات تخرج سارة لتبحث عن ابنتها، بعد أن كفرت عن جريمتها في السجن، وبعد أن أصبحت تقية متدينة، وتنجح سارة أخيرا في معرفة الرجل المقنع الذي اشترى ابنتها، وهو اللورد تريفليان الذي أطلق على جان اسم اللادي هيلين، وبعد عدة أحداث تستطيع سارة أن تعمل خادمة عند ابنتها كي تصبح قريبة منها.
وفي يوم يحضر أتكنس لمقابلة اللورد ويطلب منه الزواج بهيلين، ويهدده بكشف سر خطير إذا امتنع عن قبول هذا الزواج، وهذا السر يتمثل في أن اللورد تريفليان كان متزوجا من سيدة ثرية كتبت ثروتها إلى ابنتها الوليدة، ولكن هذه الأم ماتت وما زالت ابنتها طفلة، وبعد أيام ماتت الطفلة أيضا، فقام اللورد بدفنها في حديقة قصره، وقد شاهد هذا الأمر أتكنس مصادفة عندما كان يحاول سرقة القصر. وبعد ذلك اتفق اللورد مع سارة على سرقة طفلة عندما جاءها مقنعا كي يوهم الجميع بأن ابنته على قيد الحياة، وبذلك يستطيع أن يكون الواصي على ثروتها. وأمام هذه الحقائق يوافق اللورد على زواج أتكنس من هيلين. واستطاعت سارة أن تسمع حوار اللورد مع أتكنس باعتبارها خادمة، فقامت بخطف ابنتها من القصر والاختفاء بها في أحد الفنادق البسيطة، وبعد أحداث كثيرة حول مطاردة أتكنس واللورد لسارة وابنتها، تنتهي المسرحية بالقبض على أتكنس، وندم اللورد على ما فعل وعودة هيلين إلى أمها بعد أن اتفق الجميع على العيش في سعادة مجتمعين بعد نسيان الماضي وكتمانه خوفا على شرف أسرة اللورد.
غلاف مخطوطة مسرحية «سارقة الأطفال».
وبهذا الانضمام بين حجازي وأولاد عكاشة بدأت الفرقة في إعادة عروضها السابقة مع بعض العروض الجديدة حتى أوائل ديسمبر 1912، وتنوع مجهود الشيخ سلامة حجازي في هذه العروض بين إلقاء القصائد الغنائية خلال الفصول وبين إلقائها من خلف الستار، ومنها قصائد: إن كنت في الجيش، سلام على حسن، الاستقبال، النسيم العاشق. وفي حال تحسن صحته كان يظهر على خشبة المسرح بملابس التمثيل أثناء إلقاء القصائد، وفي أحسن الأحوال كان يقوم ببعض المشاهد التمثيلية، التي وصلت في بعض الأحيان إلى قيامه بتمثيل فصل كامل. أما عبد الله عكاشة فكان المطرب الأول للفرقة.
ومن عروض الفرقة المعادة في هذه الفترة: «تسبا»، «القضية المشهورة»، «ماري تيودور»، «أنيس الجليس»، «غانية الأندلس»، «مغائر الجن»، «صدق الإخاء»، «عائدة»، «شهداء الغرام»، «صلاح الدين الأيوبي»، «حفظ الوداد»، «عظة الملوك»، «مظالم الآباء»، «ضحية الغواية»، «تليماك»، «العفو القاتل»، «محاسن الصدف»، «العواطف الشريفة». ومن العروض الجديدة: مسرحية «سميراميس» تأليف فولتير وتعريب سامي نوار.
70
هذا بالإضافة إلى الفصول المضحكة من محمد ناجي، وعزف الكمنجة من سامي الشوا، والموسيقى الوترية برئاسة محمود عزت.
71
سامي الشوا.
أما عروض الفرقة في أقاليم مصر في هذه الفترة، فتمثلت في خمس مسرحيات كاشتراك واحد بالمنصورة في سبتمبر 1912، ومنها كانت «غانية الأندلس»، واشتراك آخر لعشر مسرحيات بالفيوم في نوفمبر 1912، ومنها كانت «خداع الدهر» و«تليماك».
72
وفي أوائل ديسمبر 1912 انتقلت الفرقة إلى تياترو حديقة الأزبكية بسبب وجود بعض الإصلاحات في دار التمثيل العربي. وعن هذا الأمر قالت جريدة «مصر» في 4 / 12 / 1912 تحت عنوان «من دار التمثيل إلى تياترو الأزبكية»:
ما أبعد أمس من اليوم! فقد كان بالأمس دار التمثيل العربي مقصدا لكل أديب وفاضل، وإذ أصبح اليوم يخلفه تياترو حديقة الأزبكية الذي يمثل فيه مساء اليوم رواية «صلاح الدين الأيوبي»، وفي مساء الغد رواية «عظة الملوك» الشهيرة. وسيتوالى التمثيل بعد مدة شهر لحين نهو الإصلاحات الجارية بدار التمثيل. ويقوم بأهم أدوارها حضرة عبد الله عكاشة، ويفوه الشيخ سلامة حجازي بقصيدة «إن كنت في الجيش»، وقد أهدانا إلى هذه الحقيقة الراجل الفاضل الشيخ عبد الباقي رئيس مالية هذا الجوق. وتباع التذاكر في باب الجنينة القبلي تجاه الأوبرا، ودخول الحديقة مجانا لحامليها.
وبعد هذا العرض بأسبوع واحد انفصل إخوان عكاشة عن فرقة سلامة حجازي للمرة الثالثة،
73
فاضطر الشيخ بعد أن تحسنت صحته أن يقوم ببطولة مسرحياته بنفسه دون مساعدة من أحد المطربين. وقد أشارت إلى ذلك جريدة «المؤيد» في 21 / 12 / 1912 قائلة:
تقدم جوقة الشيخ سلامة حجازي في مساء هذا اليوم رواية «غانية الأندلس»، وسيقوم بتمثيل أهم أدوار الرواية حضرة المطرب الشهير الشيخ سلامة حجازي بذاته، حيث يقوم بتمثيل هذا الدور في جميع فصول الرواية. وهذه المرة الثانية التي نرى فيها هذا المطرب المبدع يقوم بتمثيل رواية بأكملها، بعد أن كان قد شغله المرض عن مزاولة هذا الفن الجميل.
وهكذا قام الشيخ سلامة ببطولة عروضه المسرحية حتى مارس 1913 متنقلا بين مسارح عديدة، مثل مسرح حديقة الأزبكية ومسرح كازينو حلوان وتياترو عباس بشارع جلال ومسرح برنتانيا. وقد أعادت الفرقة بعض عروضها القديمة، ومنها: «صدق الإخاء»، «غانية الأندلس»، «اليتيمتين»، «تليماك»، «العفو القاتل»، «الاتفاق الغريب»، «شهداء الغرام»، «ضحية الغواية»، «صلاح الدين الأيوبي»، «ملك المكامن»، «عايدة».
74
ولعل الشيخ سلامة لم يرض بتنقله الدائم بين المسارح، فاستأجر مسرح «مرجريتا»
75
بشارع جلال، وقام بتجهيزه وزخرفته، وأطلق عليه اسم «دار التمثيل العربي الجديد»، وافتتحه يوم 7 / 3 / 1913. وعلى هذا المسرح أعاد الشيخ سلامة عرض مسرحياته السابقة، مثل: «الاتفاق الغريب»، «تسبا»، «صلاح الدين الأيوبي»، «شهداء الغرام»، «البرج الهائل»، «ضحية الغواية»، «هملت»، «هناء المحبين»، «تليماك»، «خداع الدهر»، «عواطف البنين». وكانت تغني بين الفصول المطربة توحيدة.
76
لم يستطع الشيخ سلامة أن يقود فرقته كما كان يقودها في السابق بسبب ظروفه الصحية، وفي هذا الوقت قل الإقبال على فرقة جورج أبيض لخلو عروضها من العنصر الغنائي؛ لذلك وجدنا تعاونا مبدئيا بين سلامة حجازي وجورج أبيض، تمثل في قيام الشيخ بإلقاء القصائد الغنائية بين فصول العروض الخاصة بفرقة جورج أبيض. وهذا التعاون بدأ يوم 10 / 6 / 1913 في الإسكندرية، عندما عرضت فرقة جورج أبيض مسرحيات «نابليون» و«مصر الجديدة» و«بنات الشوارع» بتياترو الهمبرا، وألقى الشيخ غناءه بين فصول هذه المسرحيات.
77
وهذا التعاون استمر فترة قصيرة حتى نهاية الموسم،
78
وفيه قام الشيخ سلامة بتمثيل بعض المشاهد وبعض الفصول، ووصل الأمر إلى سفرهما معا إلى الشام في الصيف وإحياء بعض الليالي في مدينتي القدس ويافا.
79
بعد عودة الشيخ من الشام بدأ موسما مسرحيا مضطربا، فوجدنا الشيخ سلامة ينضم إلى فرقة عكاشة التي خرجت من عباءته، ليلقي بعض القصائد بين فصول مسرحياتها، أو ليمثل بعض مشاهدها - كما فعل مع جورج أبيض في السابق - وأول هذا الانضمام كان يوم 3 / 1 / 1914 من خلال مسرحية «عائدة» بتياترو الهمبرا، ومن ثم توالت العروض المماثلة لهذا التعاون.
80
وفي فبراير 1914 نجد الشيخ سلامة بفرقته يشترك في احتفالات كازينو الكورسال، التي وصفتها جريدة «الأفكار» في 12 / 1 / 1914 قائلة تحت عنوان «للرجال والسيدات أعظم احتفال مصري في كازينو الكورسال بجانب التلغراف المصري ببولاق»:
في مساء الثلاثاء 3 فبراير القادم يقام احتفال هائل في كازينو الكورسال، فيمثل في خلاله جوق الشيخ سلامة حجازي رواية «تليماك » الشهيرة، ويقوم بأهم أدوارها تمثيلا وتلحينا بلبل مصر الوحيد الشيخ سلامة حجازي، ويعرض للمرة الأولى في مصر منظر الجحيم أي جهنم بشكله الحقيقي الذي حضر حديثا من أوروبا. وتقدم إدارة الكورسال خمسة فصول من ألعابها خلال فصول الرواية، وهي أعظم فصول جديدة مدهشة لم تمثل للآن في مصر، ويلقي الشيخ سلامة قصيدة «حديث قديم» ومنولوج «فتى العصر». ويلقي أحد الأدباء «خطابا لأعضاء الجمعية التشريعية»، ويلقي حضرة الشيخ محمد يونس القاضي زجلا فكاهيا عن «الكرنفال». وفي الساعة الخامسة بعد الظهر لغاية الساعة الثامنة مساءا تقام حفلة خصوصية للسيدات، لا يدخلها أحد من الرجال مطلقا، فتقدم فيها الألعاب التي تقدم في المساء، وتطرب الحضور مغنية ألف ليلة الست «توحيدة» المغنية. تطلب التذاكر من الآن من الحاج مصطفى حفني بجريدة «الأفكار» بأول حارة قواديس، وترسل في البوستة لمن يطلبها. وحامل تذكرة المساء له الحق بأخذ مثلها من حفلة السيدات بنصف الثمن. بروجرام الحفلة مزين بالصور ويرسل مجانا لمن يطلبه.
وبعد أيام قليلة نجد فرقة عكاشة تحيي احتفال مجلة «سركيس»، ذلك الاحتفال الذي كان قاصرا على فرقة الشيخ سلامة في السابق، ولكن في هذا الاحتفال وجدنا الشيخ سلامة يشارك فيه من خلال إلقاء القطع الغنائية.
81
ووصل الأمر بالشيخ أن البعض اتخذه وسيلة للنصب على الجمهور، وعن هذا الأمر قالت جريدة «الأفكار» في 19 / 2 / 1914:
أعلن من يدعى عزيز نقولا أنه سيقيم حفلة خصوصية في سينماتوغراف أولمبيا يوم 20 الجاري، وسيطرب الحضور فيها حضرة الأستاذ الشيخ سلامة حجازي. وقد جاءنا اليوم من حضرة الشيخ سلامة حجازي أنه لا يحضر هذه الحفلة، وهو يحذر الجمهور من أمثال هذه الإعلانات الكاذبة.
المطربة توحيدة.
ومع ضعف فرقة الشيخ سلامة وعدم قدرتها على منافسة الفرق الموجودة، أمثال عكاشة وجورج أبيض، شدت رحالها إلى الأقاليم طوال شهري مارس وأبريل 1914، فعرضت عدة مسرحيات، منها: «شهداء الغرام»، «عظة الملوك»، «ضحية الغواية»، «عايدة»، في منوف والإسكندرية وطنطا والمنصورة.
82
ولم تقدم الفرقة في العاصمة سوى ثلاث مسرحيات، هي: «اليتيمتين» يوم 6 يناير، و«شهداء الغرام» يوم 2 أبريل، و «عايدة» يوم 15 أبريل 1914 بمسرح برنتانيا.
83
وهكذا أصبحت فرقة الشيخ تلفظ أنفاسها الأخيرة، وقبل أن تنهار بأيام قليلة جاءها في أوائل مايو 1914 صاحب مسرح روسيني بتونس؛ ليتعاقد مع الشيخ سلامة على إقامة عدة حفلات بالمدن التونسية، فكانت زيارته بمثابة الأمل الأخير في إنقاذ الفرقة من الانهيار المنتظر. وفي يوم 13 / 5 / 1914 وصلت الفرقة إلى تونس، وكانت متكونة من: سليم عطا الله، أمين عطا الله، رحمين بيبس، حسين حسني، علي يوسف، محمود رضا، محمد حسني، صادق أحمد، محمد صادق، محمد علي، كامل الخلعي، حسن كامل، حسين نجيب، محمد الكسار، حسن الفلاح، محمود حسني، محمد طلعت، محمد أمين، محمد بسيم، صالح كريم، زكي غزال، ماري إبراهيم، سرينا إبراهيم، وردة ميلان، لطيفة أمين، ماري أنطون، ماري دبس.
بدأت الفرقة أول عروضها بمسرحية «صلاح الدين الأيوبي» على مسرح روسيني بالعاصمة يوم 16 مايو، ثم مسرحية «غانية الأندلس» يوم 19 مايو، ومن ثم توالت بقية المسرحيات، ومنها: «هناء المحبين»، «ماري تيودور»، «الاتفاق الغريب»، «اليتيمتين»، «ضحية الغواية»، «هملت»، «أنيس الجليس»، «عائدة»، «خليفة الصياد»، «صدق الإخاء». وكان الشيخ سلامة يلقي قبل التمثيل مقطوعات غنائية ترحيبا بالجمهور من أهل تونس، ومنها هذه الأبيات التي ألقاها قبل عرض أولى مسرحيات يوم 16 / 5 / 1914:
يا آل تونس السلام عليكم
إن السلام تحية الإسلام
أقبلت من أرض الكنانة نحوكم
فحللت بين أفاضل وكرام
يا نعم يوم قد وصلت به إلى
أرجائكم هو غرة الأيام
غضوا النواظر عن خطاي فإن لي
أملا بحلمكم يزين كلامي
والله أسأل أن يضاعف أجركم
عما لقيت بكم من الإكرام
لا زلتم للفضل جسما خالدا
بين الملا والباي مثل الهام
وفي يوم 20 يونية عرضت الفرقة مسرحية «صلاح الدين الأيوبي» أمام حاكم تونس وكبار الدولة بقصر المرسى، وقد وصفت جريدة «الزهرة» التونسية هذه الليلة قائلة في 23 / 6 / 1914 تحت عنوان «في القصر الملوكي»:
مساء يوم السبت الفارط، أقامت الحضرة العلية دام علاها بقصر المرسى العامر ليلة أنس وانبساط، دعت إليها جوق التمثيل العربي، حيث قام المطرب المبدع الشيخ سلامة حجازي مدير الجوق بتشخيص رواية «صلاح الدين الأيوبي » بطل الحرب الصليبية الثالثة. وقد أجاد الشيخ سلامة في هذه الآونة، وأتى بالعجب العجاب، فكان صوته الرخيم يحاكي في إنشاده مزمارا من مزامير داود. وفي نهاية الحفلة استدعت الحضرة العلية الشيخ سلامة حجازي، فأنعمت عليه مباشرة بالصنف الثالث من نيشان الافتخار، كما أنعمت على عضديه السيد حسين حسني كاتب الجوق، والسيد علي يوسف وكيل الجوق، بالصنف الرابع منه. وقد أبلغت عبارات ثنائها الجميل لكافة رجال الجوق، وأحسنت إليهم بجائزة سنية. وقد حضر هذه المؤانسة اللطيفة سمو ولي العهد وجناب الوزير المقيم العام وعائلته المحترمة، وجناب الكاتب العام والمصونة مدام بلان زوجته، وجناب الوزير الأكبر، وجناب وزير القلم.
الشيخ سلامة حجازي جالسا وسط فرقته في أحد العروض المسرحية بتونس.
وفي مصر قالت جريدة «المؤيد» في 8 / 7 / 1914:
اليوم جاءنا من تونس أن سمو الباي أنعم على حضرة الشيخ سلامة حجازي الممثل المصري الشهير بالوسام الثاني من درجة أوفيسيه، وهو الذي قضى حياته في مصر فلم ينل من الحكومة أدنى مساعدة مادية أو أقل وسام.
بعد هذا التقدير الفني طافت الفرقة المدن التونسية، وحصدت نتائج النجاح حصدا، وبدأت في الاستعداد للانتقال إلى بلاد المغرب في أواخر يولية 1914. وفي ذلك الوقت أعلنت الحرب العالمية الأولى، فخشي الشيخ على فرقته من قطع سبل المواصلات، وعدم الأمل في عودة الفرقة إلى مصر إذا أصر على الذهاب إلى بلاد المغرب، فقرر العودة إلى مصر على الفور، ولكن بعض أعضاء الفرقة فضلوا الاستمرار في تونس، والتنقل في بلاد المغرب في رحلات فنية خاصة، ومنهم: أمين عطا الله، حسن كامل، كامل الخلعي، جبران نعوم وزوجته.
84
عادت فرقة الشيخ من تونس في أغسطس 1914، واتخذت مسرح برنتانيا مقرا لها، وعرضت به أيام عيد الفطر مسرحيات: «صلاح الدين الأيوبي»، و«عايدة»، و«حمدان».
85
وخصصت الفرقة أيام السبت والثلاثاء والخميس من كل أسبوع لعروضها. وبناء على هذا النظام توالت عروض الفرقة، ومنها: «غانية الأندلس»، «روميو وجوليت»، «اليتيمتين»، «الاتفاق الغريب»، «هملت»، «ملك المكامن»، «هناء المحبين»، «مغائر الجن»، «صلاح الدين الأيوبي».
86
أما عروض الفرقة خارج مسرح برنتانيا في هذه الفترة، فتمثلت في إقامة عدة عروض خيرية لإعانة العمال بتياترو دار الفنون الجميلة بالمحلة الكبرى في أوائل أكتوبر 1914، وعرض آخر لصالح لجنة الشبيبة الإسرائيلية بتياترو عباس في 7 / 10 / 1914، وعرض مسرحية «شهداء الغرام» في احتفال كازينو الكورسال يوم 23 / 10 / 1914.
87
وفي هذه الفترة أيضا اشتدت الحرب العالمية الأولى، وبدأ الكساد الفني للفرق المسرحية، وقل إقبال الجمهور على عروضها، فحاولت كل فرقة أن تشق طريقا ينقذها من الانهيار، فاتفقت ميول فرقتي الشيخ سلامة وجورج أبيض، وحاولا أن يعيدا تعاونهما السابق، ولكن بصورة اتحاد تام بين الفرقتين، ذلك الاتحاد الذي كان ميلادا ل «جوق أبيض وحجازي»، والذي أعلن بصورة عملية من خلال عرض مسرحية «صلاح الدين الأيوبي» يوم 24 / 10 / 1914 بمسرح برنتانيا،
88
وكان الجوق بإدارة سليم أبيض.
وقد رحبت الصحف المصرية بهذا الاتحاد، ومنها جريدة «مصر» التي قالت في 5 / 11 / 1914 تحت عنوان «التمثيل في مصر: أبيض وحجازي»:
إذا افتخرت الأمة بممثليها، فإنما تفتخر بالذين يجب الافتخار بهم. فتثني على من يستحق الثناء، وتعضيد من يستحق التعضيد. ولا شك أن مهنة التمثيل في هذا العصر قد انحطت بعض الانحطاط، فإنه لا يوجد بين المصريين الآن من شاع ذكرهما بين العالم، في مشارق الأرض ومغاربها، وهما الممثلان الوحيدان اللذان يجب على الأمة أن تعضدهما وتثني عليهما: «جورج أبيض والشيخ سلامة حجازي». فأولهما قد تعلم هذا الفن في أوروبا على نفقة مولانا سمو الخديوي، وثانيهما شهرته تغني عن الإطناب، فقد حاز الشرف ونال الرتب العالية. فلا غرابة إذا قلنا إنه يجب على الأمة أن تعضدهما في عملهما، خصوصا وأن إدارتهما صارت الآن واحدة، فقد اتفقا على الاتحاد مع بعضهما.
ظل جوق أبيض وحجازي يعمل لمدة عامين متواصلين، حتى أواخر أغسطس عام 1916،
89
وكان من أبرز ممثليه: مصطفى أمين، أحمد فهيم الفار، عبد العزيز خليل، عمر وصفي، محمود رضا، أحمد ثابت، توفيق ظاظا، ألمظ أستاتي، أبريز أستاتي، نظلي مزراحي، أستر شطاح، وردة ميلان، ماري كفوري، ماري إبراهيم. وكانت أدوار البطولة مشتركة بين الشيخ سلامة وبين جورج أبيض، فمثلا عند يمثل الجوق مسرحية «عائدة» يقوم جورج أبيض بدور عمو ناصر ويقوم الشيخ سلامة بدور رداميس. وعندما يمثل مسرحية «صلاح الدين الأيوبي» يقوم جورج أبيض بدور وليم ويقوم الشيخ سلامة بدور قلب الأسد، وهكذا. وأيضا كانت المسرحيات الخاصة بكل فرقة قبل الانضمام تمثل بالتساوي تبعا لأيام الأسبوع على التوالي، والمسرحيات التي مثلها الجوق طوال العامين.
90
تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
الأول:
مسرحيات قديمة كانت تمثل من قبل فرقة سلامة حجازي، ومنها: «عائدة»، «صلاح الدين الأيوبي»، «عظة الملوك»، «اليتيمتين»، «ضحية الغواية»، «تليماك»، «هناء المحبين»، «هملت»، «الجرم الخفي»، «شهداء الغرام»، «حمدان»، «أنيس الجليس» أو «علي نور الدين»، «الرجاء بعد اليأس»، «صدق الإخاء»، «غانية الأندلس»، «حسن العواقب»، «غرام وانتقام»، «أجاممنون».
91
الثاني:
مسرحيات قديمة كانت تمثل من قبل فرقة جورج أبيض، ومنها: «لويس الحادي عشر»، «أوديب الملك»، «عطيل»، «نابليون»، «مضحك الملك» أو «الملك يلهو»، «الشرف الياباني»، «مصر الجديدة»، «الشيخ متلوف»، «الأفريقية»، «مدرسة النساء»، «مدرسة الأزواج»، «الإيمان»، «عروس النيل»، «قيصر وكليوباترا».
92
الثالث:
مسرحيات جديدة، لم تمثل من قبل، ومثلها جوق أبيض وحجازي، ومنها: «السلطان صلاح الدين ومملكة أورشليم»، «الحاكم بأمر الله»، «فقراء باريس»، «قلب المرأة»، «حسناء العرب» أو «قلب بين سهمين»، «خوناتون نبي الفراعنة»، «مدام سان جين»، «في سبيل الوطن».
93
نموذج من إعلانات «جوق أبيض وحجازي».
ومن الملاحظ أن جورج أبيض كان المهيمن الأول على هذا الجوق، رغم أنه يحمل اسم الشيخ سلامة أيضا، ولكنه اسم على سبيل الدعاية. فكان جورج أبيض يحتاج إلى جمهور الشيخ ممن يطربون لسماع صوته، وكان يحتاج أيضا إلى خبرة ممثليه القدامى. وكدليل على ذلك نجد الجوق قام في مارس 1916 بتمثيل مسرحية «الرجاء بعد اليأس» أو «إيفجنيا» تأليف راسين وتعريب نجيب الحداد.
وهذه المسرحية من المسرحيات الأثيرة لدى الشيخ سلامة، منذ أن مثلها لأول مرة في 16 / 4 / 1890 بتياترو زيزينيا بالإسكندرية، ولكنه عندما مثلها ضمن «جوق أبيض وحجازي» لاقى هجوما شديدا من الكاتب عباس حافظ.
94
وقبل الحديث عن هذا الهجوم نذكر ملخصا لهذه المسرحية.
غلاف مخطوطة مسرحية «الرجاء بعد اليأس».
تدور أحداث مسرحية «الرجاء بعد اليأس » حول استعداد جيش أجاممنون بقيادة آشيل لفتح طروادة، وعندما يذهب أجاممنون إلى معبد الآلهة لاستشارتهم في فتح المدينة يخبره الكاهن كلكاس بأن الآلهة تريد دما ذكيا يراق لها كقربان لفتح طروادة، ومن ثم يحدد الكاهن هذا القربان بإيفجنيا ابنة أجاممنون. وأمام هذه النبوءة يقع أجاممنون في حيرة، كيف ينقذ ابنته من قدرها المحتوم؟ وكيف يبعدها عن حبيبها آشيل الذي وعده بالزواج منها؟ وقد أرسل بالفعل يحث ابنته على الحضور إلى موقع الجيش كي يزوجها منه؟ وكيف يبعدها عن أمها كليتمنستر التي تحبها وتدافع عنها؟ وبعاطفة الأبوة ينهي أجاممنون صراعه بأن أرسل رسالة إلى إيفجنيا وطلب منها عدم الحضور؛ لأن آشيل عدل عن الزواج منها بسبب حبه لأريفيليا الأسيرة.
ولكن القدر وقف بالمرصاد ضد رغبة أجاممنون؛ حيث إن إيفجنيا قد أتت بالفعل مع أمها قبل أن تصلها الرسالة، وتتقابل مع الأسيرة أريفيليا، وتفهم منها أن آشيل قد أسرها وأحضرها معه إلى موقع تجمع الجيش كي تقابل الكاهن ليطلعها على أصلها النبيل المجهول كما قيل لها، ولكن إيفجنيا تعلم بحبها إلى آشيل فتطردها، ومن ثم تحضر كليتمنستر وتخبر ابنتها بأمر الرسالة، فيقررا العودة والابتعاد عن المكان. وفي أثناء ذلك تقابل إيفجنيا آشيل، ومن خلال الحوار تفهم إيفجنيا أن آشيل لا علم له بأمر الرسالة، ويعدها بالبحث في الأمر.
وبعد عدة أحداث تعلم كليتمنستر وإيفجنيا وأريفيليا أمر النبوءة، ولا بد لإيفجنيا من الرضوخ لرغبة الآلهة، ولكن أجاممنون رغم حرصه على تنفيذ النبوءة إلا أن عاطفة الأبوة غلبته مرة أخرى، فاتفق مع زوجته أن تأخذ ابنته وتهرب بها دون أن يعلم أحد، ولكن أريفيليا أرادت أن تنشر فتنة بين جنود الجيش كي تنتقم ممن أسروها، ولكي تتخلص من إيفجنيا حتى تفوز بآشيل، فقامت بإبلاغ الجنود أمر النبوءة، وأن إيفجنيا تريد الهرب لينهزم الجيش ولا تفتح طروادة. وهنا هاج الجيش ضد أجاممنون وآشيل، ومنع إيفجنيا من الهرب، وطالب بتنفيذ النبوءة. وأمام هذا الأمر لم يجد أجاممنون بدا من تنفيذ النبوءة، وقبل ذهاب إيفجنيا إلى المعبد لتذبح جاء الكاهن بنبوءة أخرى تقول: إن الآلهة تريد بديلة عن إيفجنيا، وهي أريفيليا لأنها خائنة، هذا بالإضافة إلى أنها ابنة الإلهة هيلانة من الزنى. وهكذا عادت السعادة مرة أخرى إلى أسرة أجاممنون، وتنتهي المسرحية.
وقد كتب عباس حافظ سلسلة مقالات نقدية - عندما مثل جوق أبيض وحجازي هذه المسرحية - كانت بمثابة المرآة العاكسة لحقيقة هذا الجوق رغم قسوة عباراتها، ولنكتف هنا بذكر المقالة الأخيرة المنشورة في جريدة «المنبر» في 20 / 3 / 1916؛ لأنها تخص الشيخ سلامة حجازي، وفيها قال عباس حافظ تحت عنوان «الروح العامية في آداب المسرح المصري»:
نحن يحزننا أن نقول إن أهل المسرح الآن لا يعتمدون في إمساك أرزاقهم إلا على حنجرة رجل مريض يسند في حدود الشيخوخة، كان أخلق به أن يكون اليوم في عزلته، يرفه عن نفسه أثر الآلام والمتاعب التي عاناها في صناعته. وكان أحق أن يكون بعد هذه الحياة العملية المستطيلة يسكن الآن مبنى أنيقا بهيجا في بلد صامت هادئ، كما يفعل أهل الفنون عندما يرون الفن قد أصبح في غناء عنهم، وأنهم لا يستطيعون أن يتحملوا الجهد الذي تستلزمه فنونهم. ولكن الرجل يأبى ألا أن يحمل على نفسه، ويحبس روحه في جثته، ويغالب ضعفه وفتور قوته؛ لكي يظهر على المسرح أمام الجمهور الذي طالما احتشد له وصف وابتهج بصوته البديع الحنون؛ لأنه يريد أن يعيش؛ إذ كان لم يستطع أن يدخر شيئا من عمله لشيخوخته. ولكن ظهوره فوق المسرح على أعين الناس هو أكبر ضربة لهم، وهو إعلان مخيف على قسوة الناس وأنانيتهم وفساد قلوبهم، وهو دليل محزن على الحياة المتعبة المكدودة التي يلقاها صاحب الفن في هذا الوسط المادي الموحش، مهما اشتغل وكد ودأب. ونحن لا نزال نقول إن الرجل كان خليقا من الحكومة والأمة بشيء من الرثاء والعطف، وكان جديرا بأن ينال منهما معاشا سنويا يكفل له العيش في ظلال الراحة وكنف العزلة الهادئة، حتى يأخذ الفن على أيدي غيره في سبيل حياة مهذبة صالحة، وينطلق في دور الرقي والاكتمال. ونحن لشد ما ثار في فؤادانا الحزن وتملكتنا الموجدة عندما شاهدنا الرجل في رواية «أجاممنون» يأخذ دور آخيلا فاتح طروادة وشيطان القوة، والجندي المخوف الرهيب، فرأينا أكبر مريض يمثل أكبر قوي، وشهدنا كيف يقتل صاحب الفن نفسه لكي يظفر بشيء من النقود لمطالب العيش والطعام. وكنا نسمع إلى أغنياته ونشائده، فنتبين في تضاعيف جرسه صوتا محزونا باكيا، صوتا يخرج من قلب كله سخط على الناس وعتب وتقريع، فكأنه يصرخ في الوسط صائحا: أيها الناس، ابكوا لي واستعبروا، هذا أنا فارقت السرير وجئت أسليكم بالأشعار والألحان، ولكن ألا تنظرون إلي؟! أنا مريض يا سادة، وأريد أن أنام وأستريح، ولكنكم لا تزالون تريدونني لصوتي، وأنا لا أزال أريدكم لكرمكم، يا للقسوة! ويا للعذاب! إني أصبحت يا سادة شيخا متهدما خليقا بالعزلة والحياة الناعمة الهادئة، فما بالكم لا تفهمون ولا تشعرون؟ وكذلك يعيش هذا الرجل ويعيش معه أهل المسرح، وكذلك بفضل حنجرة واحدة تفتح بيوت، وتأكل أفواه، وتملأ بطون وأجواف. ولكنا مع تقديرنا لمتاعب الرجل ورثائنا لأمره، نقول إن حياة المسرح ستظل بذلك مريضة ضعيفة؛ لأنها تكون إذ ذاك وسيلة من وسائل استعطاف القلوب واستجداء الأكف واستبكاء العيون، ونحن لا نعلم أين يقع هذا الضرب من التمثيل، ولا نظن أن في مسارح الدنيا كلها مسرحا شبيها له وضريبا. ونحن لا ننكر أن الشيخ هو الذي أوجد المسرح وحده، ولكنا ننكر منه مع هذا عناده وإصراره على أن يبقى المسرح هكذا عاميا آخر الدهر، وأن يظل هكذا غنائيا حتى تخفت هذه الحنجرة، وإذا لم يبق له صوته، والجمهور لا يزال يصبو إليه ويخف لسماعه، فإنه أجدى عليه وعلى حياة المسرح أن يلتمس الرزق من قصائده وألحانه، ويستحث عصبة الكتاب والشعراء العموميين الذين كانوا يلتفون حوله على أن يضعوا له جملة من المنولوجات والقصائد الجديدة المبكية المشجية، ولا حاجة به إلى الظهور على المسرح؛ لأن المهذبين قد بدءوا يشمئزون من الروح العامية المتفشية في التمثيل، ويريدون أن يكون لأصحاب المذهب الجديدة الكفة العليا والنفوذ الأكبر.
وبدلا من أن ينسحب الشيخ سلامة من ساحة الفن ويقبع في داره - كما قال عباس حافظ - أو على أقل تقدير يستمر في عمله ضمن الجوق تحت وصاية جورج أبيض، وجدناه كالعنقاء يرفض الاستسلام للواقع المفروض عليه، ويصدر بيانا مطبوعا تم توزيعه، ونشرته الصحف في أول سبتمبر 1916، قال فيه تحت عنوان «بيان إلى الأمة المصرية»:
قضت ظروف بأن أنفصل عن حضرة شريكي الأستاذ جورج أبيض، وأن أعود إلى عالم التمثيل مستقلا بجوقي المؤلف من كبار الممثلين والممثلات، الذين قضوا الأعوام الطوال مجاهدين معي في خدمة التمثيل العربي، بعد أن انضم إليه طائفة من الأدباء الراقين، الذين قضوا السنين في تلقي العلم وخدمة الأدب، فأصبح الجوق بهؤلاء جميعا فرقة تمثيلية راقية قادرة على خدمة الأمة الكريمة من ناحية التمثيل، ولا يسعني هنا إلا أن أشكر لزميلي الأستاذ جورج أبيض ماضي عمله معي، سائلا الله أن يوفقه إلى ما فيه الخير والنجاح.
95
وهكذا انفصل الشيخ سلامة عن جورج أبيض، كما عادت إليه ممثلته الأولى ميليا ديان بعد أن اعتزلت التمثيل بعد مرضه، مما شجعه وساعده على تقديم آخر مواسمه المسرحية بصورة مشرفة، تليق باسم سلامة حجازي. وقد بدأه بعرض مسرحية «صلاح الدين الأيوبي» ببرنتانيا يوم 2 / 9 / 1916،
96
ومن ثم توالت العروض القديمة على مسرحي برنتانيا والكورسال، ومنها: «اليتيمتين»، «هملت»، «مطامع النساء»، «شهداء الغرام»، «شهيدة الوفاء»، «الأفريقية»، «ثارات العرب»، «ملك المكامن»، «ضحية الغواية»، «صلاح الدين الأيوبي»، «هناء المحبين»، «أنيس الجليس»، «القضية المشهورة»، «غانية الأندلس»، «عائدة»، «حفظ الوداد»، «البرج الهائل».
97
وبعد شهر ونصف من انفصال الشيخ عن جورج أبيض وجدناه يصدر بيانا ثانيا نشرته صحيفة «الوطن» في 14 / 10 / 1916، قال فيه تحت عنوان «بيان ورجاء إلى الأمة المصرية الكريمة»:
لم أعد إلى الانفراد بإدارة جوقي الحاضر إلا في آخر أغسطس الماضي، ولم يشجعني على هذا إلا نزوعي إلى تحقيق ما رميت إليه منذ ثلاثين عاما. فقد أخذت على نفسي أن يرقى فن التمثيل، وأن يتمشى على ما يتفق مع أخلاقنا وعاداتنا، وجاهدت في هذا السبيل كل ذلك الزمن، ولا بد لي أن أثبت إلى أن أظفر بتحقيق هذا الأمل إن شاء الله. وقد والى جوقي عمله بعد أن زدته قوة بمن ضممتهم إليه من ممثلين وممثلات، لم يرغبهم في الفن إلا شغفهم به، ولم يرغبني فيهم إلا ما توسمته فيهم من الذكاء وحسن الاستعداد.
كما أعلن الشيخ سلامة أيضا عن تمثيل عدة مسرحيات جديدة، منها: «بنت الإخشيد» لإبراهيم رمزي،
98
و«العذراء المفتونة» لهنري باتاي تعريب عباس حافظ، و«غرائب الأسرار» لجورج طنوس.
99
وبالفعل مثلت الفرقة مسرحية «بنت الإخشيد» يوم 14 / 11 / 1916، وقام ببطولتها: أحمد فهيم، عبد المجيد شكري، حسين حسني، ميليا ديان.
100
الصفحة الأولى من مخطوطة مسرحية «بنت الإخشيد».
ومسرحية «بنت الإخشيد» تدور أحداثها حول الأميرة نجلاء ابنة الإخشيد، عندما كانت تتنزه في قارب مع جاريتها زينب في المنطقة الخاصة بالقصر من النيل. وفي أثناء حديثهما نعلم أن ابن عمها الأمير ظافر يحبها وهي تبغضه، وفي تلك اللحظة يستمعان لغناء أحد الغرباء، وقد كان هذا الغريب في انتظار قارب مساعده مبروك، الذي ضل الطريق. وهنا يظهر الأمير ظافر فيتوهم أن الغريب كان يختلس النظر لنجلاء ابنة الإخشيد، فيعنفه، ولكن الغريب يعامله بكل احترام. وعندما احتدم الأمر بينهما يطعنه ظافر فيقع الغريب ملطخا بالدماء. وهنا تصل نجلاء وزينب في قاربهما ويشاهدا الغريب وهو صريع، وعندما يستفسران عما حدث يتهم ظافر نجلاء أن بينها وبين هذا الغريب موعد غرام، وفي تلك اللحظة يحضر مبروك ويشاهد سيده قتيلا، فيعنف الأمير ظافر؛ لأنه قتل أميرا من أمراء الشام. ومن ثم نعلم أن الغريب ما هو إلا الأمير مزاحم ابن ملك الشام، الذي حضر إلى مصر للاستشفاء بمياه حلوان. وهنا يخاف ظافر من تأنيب الإخشيد إذا علم بموت ابن صديقه ملك الشام، فيتفق مع مبروك ونجلاء وزينب على تكتم الخبر، وإرسال الخبر إلى ملك الشام بأن ابنه مات ميتة طبيعية، وعندما يستعد ظافر ومبروك لإتمام مراسم الدفن تأخذ نجلاء جثة الأمير مزاحم إلى غرفتها بالقصر، وهناك يفيق الأمير مزاحم؛ لأن الطعنة أفقدته الوعي فقط، وعندما يحضر مبروك يفرح بحياة أميره، وهنا يطلب ظافر من مزاحم ترك مصر والعودة إلى الشام فورا، ويرسل معه بعض الأعوان لمساعدته ومراقبته حتى يتأكد من سفره؛ لأنه شعر بوجود الحب والعاطفة بين مزاحم ونجلاء.
وبمرور الوقت نجد أن الحب كبر بين القلبين، وهنا يوغر ظافر صدر الإخشيد ضد ابن رائق ملك الشام، فتقوم الحرب بينهما. وأثناء الحرب يأسر الأمير مزاحم فصيلة من طلائع جيش الإخشيد، ولكن قائد الفصيلة الملثم يرفض التسليم إلا بعد منازلة الأمير مزاحم، فيوافق مزاحم ويتبارز القائدان، ويسقط اللثام ونجد أن قائد الفصيلة هو الأمير ظافر. وهنا يتوقف مزاحم عن المبارزة؛ لأنه خشي أن يقتل ابن عم محبوبته فترفض الزواج منه، ولكن الأمير ظافر لم يعطه الفرصة وواصل المبارزة فيقتله مزاحم. ويحضر ملك الشام ابن رائق ويعلم أن ابنه قتل الأمير ظافرا فيغضب، ويرسل ابنه إلى الإخشيد فداء لظافر؛ لأن من المستنكر أن يقتل الأمير أميرا آخر من نفس الأسرة الإخشيدية. ويذهب مزاحم إلى الإخشيد ويسلم نفسه، ولكن القائد خالد ابن الوزير ومساعد الأمير ظافر يحكي للإخشيد عن بطولة مزاحم وكيف أنه كان رحيما بظافر، ولكن الأمير ظافر استمر في المبارزة مما عجل بموته. وهنا يعلم الإخشيد الحقيقة فيعفو عن مزاحم، ويوافق على زواجه من ابنته نجلاء، وتنتهي المسرحية.
وبعد عرض مسرحية «بنت الإخشيد» أعادت الفرقة مسرحياتها القديمة، ومنها: «هملت»، «عظة الملوك»، «القضية المشهورة»، «روميو وجوليت»، «غانية الأندلس»، «تسبا»، «حفظ الوداد»، «عواطف البنين»، «سارقة الأطفال»، «ضحية الغواية»، «صدق الإخاء»، «اليتيمتين».
101
وفي 17 / 12 / 1916 مثلت الفرقة مسرحيتها الجديدة الثانية «العذراء المفتونة» على مسرح الحمراء بالإسكندرية، ثم مثلتها ببرنتانيا يوم 21 / 12 / 1916.
102
وهذه المسرحية كما كتبها هنري باتاي تدور حول المحامي أرموري، الرجل الناضج الذي يعتبر من أشهر المحامين في فرنسا، والذي أحب الفتاة العذراء ديانا، البالغة من العمر ثماني عشرة سنة. ووصلت العلاقة الغرامية إلى العبث بعفة الفتاة مما جعل الفضيحة تنتشر بين أسرة ديانا، فما كان من والد الفتاة الدوق تشارلز إلا أن لجأ إلى قسيس الكنيسة يطلب المشورة، فأبلغه القسيس بوجوب إحضار الفتاة، وفي هذه اللحظة تحضر زوجة المحامي فاني أرموري إلى الكنيسة وتعلم بأمر زوجها مع الفتاة بعد أن أطلعها والد ديانا على خطابات زوجها إلى ابنته.
وفي أثناء تباحث الزوجة لحل هذه المشكلة مع أسرة الفتاة خوفا على سمعة زوجها، وحفاظا على بيتها، نجد المحامي قد اتفق مع الفتاة على الهرب إلى لندن، وضرب للفتاة موعدا في المكتب ليكون نقطة الانطلاق، ولكن الزوجة وشقيق الفتاة يعلمان بهذا الأمر، فيباغتان العاشقين في المكتب. وبعد عدة مواقف يستطيع المحامي الفرار بالفتاة إلى لندن. ومن ثم يطارده شقيقة الفتاة حاملا مسدسا لينتقم لشرفه. وفي مواجهة حاسمة جمعت هذا الشقيق بأخته والمحامي وزوجته أشهر المسدس في وجه المحامي، فوقفت الفتاة والزوجة أمام المحامي لافتدائه. وهنا تطلب الفتاة من المحامي أن يختار بينها وبين زوجته فيفضلها على زوجته. وفي هذه اللحظة تشعر ديانا بمدى جرمها حيال هذه الزوجة، التي ما زالت تدافع عن زوجها، وتحاول افتداءه، فأخذت المسدس من شقيقها وأطلقته على نفسها كي يعود حبيبها إلى زوجته وتنتهي المسرحية.
وعلى الرغم من تمثيل الفرقة لهذه المسرحية أكثر من مرة طوال شهرين،
103
إلا أنها لم تحظ بالنقد إلا في فبراير 1917، عندما كتب «محمد إبراهيم» مقالة بجريدة «الأفكار» في 28 / 2 / 1917 نثبتها هنا كاملة؛ لأنها صورة حية لأحد عروض فرقة سلامة حجازي في آخر مواسمه المسرحية.
قال الكاتب:
إن جوق سيدنا الشيخ مفتون بحب هذه العذراء، ولكن لم يكن لديه من الهبات والوسائل ما يمكنه من إظهار هذا الافتتان الغريب والتقتل الكاذب، كذلك حضرة المعرب، فقد كان لا يقل عن الجوق افتتانا. شاهدته يروح جيئة وذهابا وسط البهو كأنه أحد القواد العظام يدير رحى معركة من أشد المعارك حمي وطيسها وتسعرت نارها. ولكن لم تكن تظهر على محياه هيئة ذلك القائد المفكر المدرك لحقيقة موقفه، بل كانت تبدو عليه آيات الاستسلام للفرح والبهجة، كأنه واثق من حسن نتيجة عمله. إن الرواية في شكلها الإفرنجي شائقة جليلة المغزى - كما يرى من معانيها الغامضة في الترجمة العربية - ولكن التعريب جاء فطمس نورها وأزال بهجتها. ولست أعني بهذا سقم اللغة أو ضعف التعريب، بل أعني بهذا ذلك الوجدان الراقي الذي يجب أن يكون خلة لاصقة بالمعرب، وذلك الخيال السامي وقوة العارضة وحسن التعبير، إلى غير ذلك مما يساعده على أن يلبس الرواية تلك الحلة المبهجة التي تناسب ذوق المسارح العربية. إن من يحظ بمشاهدة هذه الرواية على المسارح الغربية، ويشاهد تمثيلها بشكلها الحالي، يقف على مقدار البون الشاسع والفرق البين بين المشهدين. ليس على المعرب حرج إذا تصرف في بعض التحريف في مواقف الرواية؛ لا سيما الختامية منها، جاعلا ذوق الجمهور الشرقي يطيب عينيه، بشرط أن لا يذهب التبديل والتحريف برونق الرواية وحلاوتها. إن المواقف الختامية للمناظر على المسارح الإفرنكية تختلف اختلافا بينا عن الحالة التي تكون عليها في المسارح العربية. ففي بعض هذه المواقف على المسارح الغربية نرى أن الهدوء والسكينة أوفق من الثورة والحدة، بينما نراه في المسارح الشرقية يجب أن يكون عكس ذلك. أنا الذي كادت تخنقني العبرات أثناء تمثيل الفصل الرابع وجدت نفسي أضحك مقهقها في نهايته؛ لأني خلت أن الفصل لم ينته، وأن الستار نزل عرضا بغير قصد. إن الموقف في حقيقته كان مؤثرا، وكان يجب أن تتجلى فيه محاسن الرواية بأكملها، ولكن البراعة المنطقية والمهارة الفنية لم يظهرا على ذلك الحين بالمظهر اللائق بهما؛ وبذلك ضاعت على المعرب والمؤلف الغاية التي كانا يتوخينها ويرجونها في هذا المشهد. وجدت الأب يتكلم على وتيرة واحدة، فصوته دائما يتهدج غضبا ويتميز حنقا، ومما زاد موقفه ضعفا ذلك التلجلج الذي كان يعتريه في كل آونة. أما ديانا تلك العذراء المفتونة، التي هي بطلة الرواية تقريبا، فكان صوتها منخفضا هادئا ناعما، يجري على وتيرة واحدة، ولم تكن في حركاتها ونبراتها ما يدل على مقدار ما غلب عليه من الأسى، وما تقاسيه من آلام الوجد والصبابة. بل كانت عجولة في كلماتها، كأنها كانت تكرر درسا. أما العاشق - والأكثر أنه محام - فلم تظهر عليه تلك الهيبة المقرونة بالعزم والحزم عند مواجهة الطوارئ القاسية والعوامل الشديدة المحزنة، بل كان في حركاته كأنه الطفل يتآمر مع أترابه ولداته. أما الأم، ويا لها من أم! شفيقة كما يظهر من كلماتها، ولكن، يا للأسف! فإن حركاتها ولفتاتها كانت منافية لما يبدو من عواطف الشفقة والتأثر، كأنها غير مكترثة ولا متأثرة بما يعرض أمامها من مشاهد الحزن والأسى. أما الخادم، فلولا سكرتيرته الخصوصية لظننته من أبطال الرواية العظام، فكان يتكلم بلهجة خشنة كلهجة الآمر المتعجرف، وحسب الجوق والمعرب ما صادفاه من إقبال الجمهور على مشاهدة هذه الرواية، فقد كان لا يتعدى العشرات، وهذا أسطع شاهد على مقدار مكانة الرواية التي افتتن بها حضرة المعرب، وهام بها الجوق ومجها الجمهور.
وهذا النقد فسره البعض بأنه هجوم على تاريخ الشيخ سلامة ومقدرته الفنية، فتصدى له حمدان الناقد الفني لجريدة «المنبر»، وكتب مقالة في 11 / 3 / 1917، قال فيها:
من الذي نهض بالتمثيل؟ سل من تشاء من الخبيرين بأحوال التمثيل وتطوراته وتواريخ جوقاته، عن البضاعة التي يعرضها غالب الجوقات التمثيلية الآن على أنظار الشهود؛ يجيبك على الفور: إنها بضاعة رجل واحد نهض بالفن ولا يزال ناهضا به إلى الآن. وذلك الرجل غير خاف على أحد، وهل يخفى الشيخ سلامة حجازي؟ سل سطور كل رواية، وغنات كل قصيدة تنشد، وضروب كل الألحان التي تقال، تجيبك كلها بلسان واحد أنها أخرجت من لدن الملحن النابغ والمعلم التمثيلي الكبير الشيخ سلامة حجازي. أنفق الرجل عندما بدأ بالتمثيل في دار التمثيل العربي بضعة عشر ألفا من الجنيهات على شراء الملابس ومكافأة الكتاب الروائيين. فأين ذهبت تلك الملابس؟ ومن ذا الذي دفع قرشا واحدا ثمنا لما يمثله من روايات شتى، مثل «ثارات العرب» و«السيد» و«صلاح الدين» و«اليتيمتين» و«البرج الهائل» و«روميو وجوليت» و«عواطف البنين»؟ سلهم ألم يكن الشيخ سلامة وحده هو الذي كافأ معربي تلك الروايات كلها، ثم تناهبتها الجوقات، وهو ساكت لا يبدي ولا يعيد؛ لأنه لا يؤلمه أن يكثر عدد جوقات التمثيل، ولكن الذي يؤلمه أنها تفسد ما ابتكر، وتذهب بجمال ما لحن ، ووضع من الأناشيد والألحان. بل سل كل ممثل عربي أوتي حظا من الشهرة ونصيبا من الكفاءة: أين تمرنت؟ وعلى يد من تخرجت؟ إنه يجيبك على الفور بأنه تمرن في مدرسة الشيخ سلامة حجازي، وتعلم على يد الشيخ سلامة حجازي. من هنا تعلم - أعزك الله وأبقاك - أن إلى هذا الرجل الكبير ورئيس دولة الغناء وكبير أهل المسرح يرجع الفضل في تخريج الممثلين والممثلات، وشراء الروايات وإظهارها، وابتكار الألحان والأناشيد وتوقيعها، ووضع الملابس الفاخرة التي يزهى بها الممثلون، ويعزون كل ثمرة نبوغه وإخلاصه للفن، وجوده بوافر الأموال على رقيه. ولكن هل قنع بعض الأجواق بما نهبوا من نبوغ الأستاذ؟ أقول: كلا، ثم كلا ... وأبعد من كل ما تقدم في الغرابة أن بعض الذين تعودوا تعريب الروايات وإنشاءها، أو رغبوا في أن تذكر أسماؤهم في إعلانات الجوقات التمثيلية، إذا عربوا رواية أو ألفوا قصة، يهرعون أول وهلة إلى الشيخ سلامة حجازي؛ لأنه صاحب أكبر جوقة، وأكرم من جاد في سبيل إظهار طيب الروايات. فإذا قدر سوء حظ الشيخ أن لا يرى في الرواية ما يشفع في تقديمها، رأيت صاحبها معولا صاخبا، مترددا على إدارة الأجواق الأخرى، فلا يجد منها إلا التحريض على الشيخ والنقد عليه، أو العمل على تنزيله من عرش سلطان فن الغناء، وأمير التعليم في الإلقاء والإيماء، وهو عرش لم يصعد عليه إلا بالكفاءة ورضى الأمة. وهكذا قل عن كل من احتك بالأجواق من طريق الروايات، ولم ير من الأستاذ سلامة حجازي صدرا رحبا ورضى عما يريد. وأغرب من كل ما تقدم أن بعضهم تسول له نفسه أن يحارب الشيخ سلامة حجازي من وراء ستار، وهو لو عقل الفهم أن الشيخ سلامة الذي لم ينهض ولم يفز إلا بحب الأمة على بكرة أبيها له، وإكبارها إياه وتقديرها عمله، لا تهمه وشاية واش بالنميمة، ولا دسيسة أستاذ من أساتذة الدسائس. أضف إلى هذا أن الشيخ قضى ما قضى من السنين الطويلة في عالم التمثيل، فلم يذكر أولوا الأمر له هفوة، والنابغ الذي يحصل على رضى الحكومة
104
والأمة معا، لا تؤثر فيه السعايات ولا تنجح معه الدسائس والوشايات، وندر من حصل على رضى الهيئتين الحاكمة والمحكومة، بل قل: هيهات.
وفي هذه الفترة أعادت الفرقة مسرحياتها القديمة، ومنها: «شهيدة الوفاء»، «السيد»، «صدق الإخاء»، «عظة الملوك»، «عائدة»، «سارقة الأطفال»، «عواطف البنين»، «شهداء الغرام»، «هناء المحبين»، «ابنة حارس الصيد»، «هملت»، «غانية الأندلس»، «اليتيمتين»، «مطامع النساء»، «أنيس الجليس».
105
وكانت أغلب هذه العروض تقام بمسرح كازينو الكورسال، لتعطل تياترو برنتانيا بعض الوقت بسبب سقوط الأمطار.
106
كما ظهر في هذه العروض جورج طنوس
107
كممثل في الفرقة لا كصاحب جريدة «المنبر».
وفي أوائل أبريل 1917 أعلن الشيخ سلامة عن عدة اشتراكات لتمثيل مجموعة من المسرحيات بدار الأوبرا تتنوع بين القديم والجديد، ومن المسرحيات الجديدة «غرائب الأسرار» لجورج طنوس و«قسوة الشرائع» لعباس حافظ و«شقاء العائلات» لعباس علام.
108
ومسرحية «غرائب الأسرار» لجورج طنوس تدور أحداثها حول نبوءة من الآلهة تقضي بذبح فتاة عذراء كل عام من أجل ظهور سر البريء مختلس الصولجان. وفي كل عام يقوم الملك بوضع أسماء كل العذارى في المملكة في إناء الاقتراع، ليتم اختيار واحدة كقربان للآلهة. وقبل حدوث الاقتراع نجد دريجيا ابنة الوزير تستعطفه كي يستثنيها من الاقتراع هذا العام، ولكنه يرفض متألما؛ لأنه لا يستطيع مخالفة الملك أو الآلهة. ومع مرور الأحداث نعلم أن دريجيا ليست عذراء؛ لأنها متزوجة سرا من طيمانطة ابن الملك وولي العهد، وقد أنجبت منه طفلا، ونعلم أن الزواج تم سرا؛ لأن قوانين المملكة تقضي بعدم زواج أبناء الملوك من العامة وإلا حكم على الزوجين بالموت. ومن ناحية أخرى نجد الملك يستقدم كاريوسة أميرة فرجيا كي يزوجها من ابنه طيمانطة بناء على اتفاقه مع والدها الملك. وعندما تتقابل كاريوسة مع طيمانطة تشعر منه بالنفور، بعكس الحب والحنان الذي أظهره لها كرينتور شقيق طيمانطة. وفي يوم الاقتراع يتم اختيار دريجيا ذبيحة هذا العام، فيقوم طيمانطة بإنقاذها ويعترف أمام الجميع أنها ليست عذراء، وهذا مخالف للنبوءة، كما يعترف بزواجه منها وبطفله أيضا، وأمام هذا الاعتراف يأمر الملك بسجنهما تمهيدا لقتلهما.
وبمرور الوقت يكتشف الوزير والد دريجيا وثيقة مكتوبة بخط زوجته المتوفاة، تعترف فيها بأن دريجيا ليست ابنتها، بل هي ابنة الملك، وأن هذا السر هو نصف الحقيقة، أما النصف الآخر فمكتوب في وثيقة أخرى مخبأة في المعبد، ولا يحق لأحد أن يطلع عليها إلا الملك بنفسه. وعندما يعلم الملك بذلك يذهب لاستخراج الوثيقة الأخرى، فيجدها مكتوبة بخط زوجته المتوفاة، وفيها تعترف بأن طيمانطة ليس ابنها، بل هو ابن الوزير، وتقول إن أول مولود أنجبته أثناء سفر الملك كانت الطفلة دريجيا. وبعد ولادتها حزنت لأنها تعلم أن الملك يريد ولدا لولاية العهد. وفي هذا الوقت وضعت زوجة الوزير ابنا هو طيمانطة أثناء سفر الوزير مع الملك، فاتفقت الملكة معها على تبديل الأطفال وكتابة هاتين الوثيقتين وعدم إظهارهما إلا إذا تعرض طيمانطة للخطر أو تعرضت دريجيا للخطر أيضا. وأمام هذه الأسرار يتولى كرينتور ولاية العهد ويتزوج من الأميرة كاريوسة، ويتم الجمع بين طيمانطة وزوجته دريجيا وابنه، وتنتهي المسرحية.
غلاف مخطوطة مسرحية «غرائب الأسرار».
وبعد تمثيل هذه المسرحية كتبت عنها جريدة «الأفكار» في 3 / 4 / 1917 كلمة قالت فيها:
مثل جوق شيخ الممثلين وأستاذ الأناشيد والألحان الشيخ سلامة حجازي في مساء أمس الأحد رواية «غرائب الأسرار»، فرأى جمهور المتفرجين من جمال التمثيل وشهي الألحان ما جعلهم يعتقدون أن عناية الشيخ سلامة بالتمثيل في شيخوخته لا تقل عن عنايته به وهو في عنفوان الشباب ومرح الفتوة، وأن ذلك الصوت الشجي الذي اجتذب المصري إلى التمثيل قبل عرفانه إياه، لم تزده الأيام إلا جمالا. أما أعضاء فرقته فكلهم من خيرة الممثلين والممثلات، أجاد كل منهم دوره إجادة تشهد له بالبراعة، نذكر منهم حضرات: حسين حسني ممثل دور الملك، وعبد المجيد شكري ممثل دور الوزير، وأحمد حافظ ممثل دور كرينتور، والممثلة البارعة السيدة ميليا ديان ممثلة دور كاريوسة، والسيدة ماري إبراهيم ممثلة دور دريجيا. وبالجملة فقد كانوا جميعا موضع إعجاب المتفرجين، وإن كان الإقبال على شهود هذه الرواية لم يكن بالدرجة التي تستأهلها محاسنها وإجادة تمثيلها، فإننا نرجو أن يكون الإقبال على شهود تالياتها أضعاف ما كان في تلك الليلة تشجيعا للعاملين على خدمة التمثيل. وسيحيي الجوق الليلة الثانية في دار الأوبرا مساء يوم الخميس القادم بتمثيل رواية «شقاء العائلات»، التي يكفي أن نقول عنها إنها رواية اجتماعية عصرية تمثل صورة من حياتنا. وستكون تلك الليلة ختام الاشتراك الأول.
وبالفعل مثلت الفرقة مسرحيتي «شقاء العائلات» و«قسوة الشرائع» بالأوبرا، كما أعادت تمثيل مسرحية «غرائب الأسرار».
109
ومسرحية «شقاء العائلات» لعباس علام تدور أحداثها حول امرأة غنية متعلمة تزوجت من شاب صغير، ساعدته على التعليم حتى حصل على شهادة الحقوق، وبالتالي على وظيفة مرموقة، كما انتشلت أخاه من الحضيض وساعدته حتى أصبح مقاولا كبيرا. بعد ذلك بدأ الزوج يتعالى على زوجته ويتغيب عن منزله تاركا زوجته وحيدة مع طفلهما والخادم الأمين، وأخيرا يقرر الزوج تطليق زوجته، ويقوم أخوه المقاول بمهمة إخبار الزوجة بهذا الخبر الأليم. وعندما يعود الزوج إلى المنزل تحاول الزوجة استعطافه وتذكره بأيامهما الحلوة وبابنهما ... إلخ هذه الكلمات، إلا أن الزوج أصر على موقفه وأخرج لها ورقة الطلاق. هنا انقلبت الزوجة إلى وحش كاسر، فانهالت على طليقها بالشتم والسباب، وذكرته بأصله، وكيف أنها وقفت بجانبه حتى أصبح مرموقا، وكيف أنها انتشلت أخاه من الفقر. وعندما حاول الزوج أن يأخذ طفله من بين أحضانها عنوة، وهي تقاومه، أخرج الخادم مسدسا وهدد به الزوج، فتحدث مشاحنات كثيرة تنتهي عندها المسرحية.
وبخلاف المسرحيات الجديدة أعادت الفرقة تمثيل المسرحيات القديمة ببرنتانيا والكورسال، ومنها: «العفو القاتل»، «مطامع النساء»، «تليماك»، «البرج الهائل»، «الأفريقية»، «مغائر الجن».
110
وفي يوم الثلاثاء 2 / 10 / 1917 مثلت الفرقة مسرحية «اليتيمتين» ببرنتانيا، فكانت آخر مسرحية يقف فيها الشيخ سلامة على خشبة المسرح. وفي اليوم التالي سافرت الفرقة إلى المنصورة لتمثيل ثلاث روايات بها، وتخلف عن السفر سلامة حجازي بسبب أزمة صحية اشتدت عليه، ولم تستكمل الفرقة عروضها بالمنصورة؛ لأنها تلقت نبأ وفاة الشيخ سلامة حجازي يوم الخميس 4 / 10 / 1917، فعادت إلى القاهرة لتشيعه إلى مثواه الأخير.
111
تصدر خبر وفاة الشيخ سلامة حجازي معظم الصحف المصرية في اليوم التالي، التي نشرت مقالات كثيرة عن فنه وتاريخه، وأتت بمعلومات جديدة، منها أنه سافر إلى إيطاليا ومثل بعض المسرحيات العربية في نابولي وروما وتورينو، وأن صورته محفوظة بالمتحف الإيطالي،
112
وأن الحكومة المصرية أنعمت عليه بالنيشان المجيدي الرابع.
113
وفي يوم الجمعة 5 / 10 / 1917 دفن جثمان الفقيد في قبر متواضع بمقابر السيدة نفيسة، كتب عليه:
فنم في جوار الله مؤتنسا به
يا خير مرتحل لخير جوار
فنم في جوار الله وأهنأ بقربه
وحسبك منا طيب الحمد والذكر
114
وبعد دفن الشيخ سلامة حجازي تشكلت لجنة للاحتفال بتأبين الفقيد
115
يوم 30 / 11 / 1917 في الأوبرا السلطانية برئاسة إسماعيل عاصم. أما أعضاء اللجنة فهم: محمد تيمور، عمر سري، إسماعيل وهبي، د. منصور فهمي، حسين رمزي، عبد الرحمن رشدي، وسكرتير اللجنة جورج طنوس. وقد حضر هذا التأبين عدلي باشا يكن وزير المعارف. وألقى إسماعيل عاصم كلمة الافتتاح نثرا وشعرا، وتلاه د. منصور فهمي فتحدث عن نبوغ الفقيد، وبعده تحدث حسين رمزي في موضوع «لماذا نكرم الفقيد»، ثم جورج طنوس الذي ألقى كلمة خليل مطران، ثم ألقى عبد الحليم المصري قصيدة شعرية، ثم خطب محمد لطفي جمعة خطبة عن عبقرية الفقيد، ثم ألقى محمد تيمور قصيدة، ثم ألقى جورج طنوس قصيدة لعمر عارف، ثم ألقى أسعد داغر قصيدة. بعد ذلك وقفت الممثلة ميليا ديان وألقت موشحا بالنيابة عن جميع الممثلات، ثم تلاها عبد الرحمن رشدي وألقى خطبة بالنيابة عن جميع الممثلين، ثم عزف سامي الشوا بعض أبيات من قصيدة للفقيد، وعزف تأبينا موسيقيا له على الكمنجة، ثم ألقى عبد الحميد حمدي خطبة مناسبة، ثم ألقى محمد تيمور خطبة إبراهيم جلال، ثم خطب عبد العزيز حمدي بالنيابة عن الجمعيات التمثيلية، وألقى مجد الدين حفني ناصف قصيدة، ثم تلاه عزيز بشاي وإبراهيم الدباغ وتوفيق عزوز.
116
واختتم إسماعيل عاصم الحفلة موجها أنظار الجمهور إلى التماثيل الثلاثة، التي صنعها تخليدا لذكر الفقيد، عثمان الدسوقي، ومحمد شاكر من مدرسة الفنون الجميلة، وأنطون حجار ويوسف طاهر. وبعد أقل من عام نشر جورج طنوس أغلب هذه الخطب والقصائد في كتابه «الشيخ سلامة حجازي وما قيل في تأبينه».
وهكذا رحل الشيخ سلامة حجازي ولم يبق من ذريته غير حفيدته الطفلة عائشة، التي أنجبتها ابنته الوحيدة «سيدة» التي ماتت بمرض السل قبل أن تبلغ العشرين من عمرها، وهي زوجة محمد فؤاد عنايت ابن عبد الرازق بك عنايت، صديق الشيخ سلامة وساعده الأيمن ومموله المالي. كما أن زوجة الشيخ سلامة ماتت قبله بسنوات قليلة، وهذا ما يذكره لنا التاريخ عن أسرة الشيخ.
ومن الجدير بالذكر أن هناك سرا خفيا ظل مجهولا فترة طويلة، أشار إليه د. محمد فاضل - صديق الشيخ الحميم - في عام 1932، ويتمثل هذا السر في أن للشيخ سلامة حجازي ابنا، قال عنه د. محمد فاضل: «أما نجله الذي عاش له بعد فقد أولاده جميعا، فقد خرج عن طاعته بعد وفاة أمه، ويعلل المتصلون بأسرة الشيخ أن سبب هذا الخروج كان يرجع إلى تأثيرات أمه، وما كانت تبثه فيه من أنواع الكره والضغينة نحو والده، وشب هذا الولد وهو لا يحمل بين جنبيه المحبة البنوية إزاء أبيه. وقد حاول الوالد أن يسترجع ولده إلى حظيرته ويدخله تحت كنفه، وبذل في ذلك ما بذل من الوسائل والوسائط، إلا أن الولد كان عنيدا وكان على جانب كبير من قوة الشكيمة، ففشل الوالد فيما حاول، واندفع الولد في طريق غوايته، وما زال يشطح على أراجيح اللهو والعبث حتى أغرم بحب فتاة إسرائيلية حبا أنساه نفسه، فتزوج منها، وكان هذا الزواج مقابل شرط أليم هو أن يرتد عن دينه ويعتنق دين حبيبته.»
117
وهذه المعلومات رغم أهميتها إلا أنها مبهمة، فلم يذكر د. محمد فاضل اسم هذا الابن، ولم يشرح لنا كيف كانت نهاية هذه الجفوة بين الابن والأب، ولم يوضح هل الابن تزوج من الفتاة الإسرائيلية واعتنق اليهودية وترك دين الإسلام أم لا؟ وهل هذا الابن مات قبل أبيه أم بعده؟
سيدة ابنة سلامة حجازي.
الطفلة عائشة حفيدة سلامة حجازي مع والدها.
وبناء على ذلك أخذنا على عاتقنا الإجابة على هذه الأسئلة بما لدينا من وثائق ومخطوطات وأقوال صحفية نشرت في حينها، وهي تقول إن هذا الابن هو عبد القادر حجازي، صاحب فرقة مسرحية مغمورة كانت تعرف بجوق عبد القادر حجازي. وهذه الفرقة كانت تزاول نشاطها الفني منذ عام 1910 - على وجه التقريب - لأننا وجدنا مخطوطة مسرحية مؤرخة في 3 / 2 / 1910 لنص «السجين الأخرس» تأليف الكاتب الفرنسي ج. بوشاردي، تعريب زاكي مابرو، وعليها خاتم مكتوب عليه: «جوق عبد القادر حجازي»، وهذا الخاتم يدل على أن هذه الفرقة كانت تزاول نشاطها قبل ذلك.
وفي 24 / 6 / 1915 نشرت جريدة «الأفكار» إعلانا تحت عنوان «جوق عبد القادر حجازي» قالت فيه:
سيمثل لأول مرة في مساء الخميس 24 يونية على مرسح دار التمثيل العربي رواية جديدة من أهم الروايات، وهي رواية «لازار الراعي» أو «البريء المتهم». وسيقوم بتمثيل أهم أدوارها عبد القادر حجازي نجل الأستاذ الشيخ سلامة حجازي. فنحث محبي التمثيل على حضور هذه الحفلة تشجيعا لهذا الممثل الجديد، ولجوقته المؤلفة من أفراد الشعب المتعلمة.
ومن الوثائق التي بين أيدينا ثلاثة إعلانات غير منشورة في الصحف
118
عن عبد القادر حجازي، الأول مطبوع بعد وفاة الشيخ سلامة حجازي عام 1917، ويعلن أن فرقة عبد القادر حجازي ستمثل مسرحية «المجرم البريء» بتياترو برنتانيا، وهي من تمثيل عبد القادر حجازي نجل المرحوم الشيخ سلامة حجازي، وتوفيق إسماعيل، وإبراهيم عباس ومحمد مصطفى، والممثلات نور، دولت، هنية، أديل، ماري. ويغني بين الفصول محمد عبد الوهاب،
119
وزينب وجدي. ويحدد الإعلان مقر الفرقة بدرب العنبة رقم 9 بشارع محمد علي.
أما الإعلان الثاني فمؤرخ في 26 / 12 / 1917، والثالث مؤرخ في 6 / 1 / 1918، وفيهما نجد أن عبد القادر حجازي هو أحد المطربين بفرقة جامعة الفنون الجميلة، التي ستمثل مسرحية «الشريط الأحمر» لعباس علام، وهي من تمثيل: روز اليوسف، فوزي الجزايرلي، علي يوسف، مصطفى وهبي، فيليب كمال، وآخرين.
ظل عبد القادر حجازي يعمل في المجال الفني فترة قصيرة بعد ذلك، حتى أحب فتاة مسيحية حبا جما جعله يترك الإسلام ويعتنق المسيحية ليتزوجها، وبعد فترة من الهناء والسعادة الزوجية أصيب بمرض السل مثل شقيقته، فخاف أهل زوجته من إصابتها بالمرض، ومن ثم نصحوها بالابتعاد عنه، ولكنها هربت به إلى غرفة متواضعة بالقلعة، فعاش فيها عبد القادر مريضا سنوات طويلة حتى مات عام 1929، ودفنته زوجته في مقبرة أبيه.
120
وهكذا جمع القبر الضيق بين الأب وابنه بعد أن ضاقت بهما الحياة على اتساعها. وبالرغم من ذلك أبى القدر أن يجمع هذا القبر جسدي الأب والابن معا مدة طويلة، حيث تم نقل رفات الشيخ سلامة إلى قبر آخر عام 1931 ليكتب على الابن والأب الفراق في الحياة والموت.
وإذا عدنا إلى الشيخ سلامة مرة أخيرة سنجد لجنة أخرى قد تشكلت برئاسة الدكتور محمد فاضل عام 1930 لتخليد ذكرى الفقيد، وظلت هذه اللجنة تعمل على إحياء ذكراه بكل السبل، ومن أهم إنجازاتها التي تمت على نفقة رئيس اللجنة الخاصة شراء قطعة أرض بمقابر الإمام الشافعي لبناء مقبرة فخمة تليق باسم وتاريخ الشيخ سلامة حجازي، وكذلك القيام بطبع كتاب عن الشيخ.
وفي يوم الجمعة 24 / 4 / 1931 نقلت اللجنة رفات الشيخ من قبره بالسيدة نفيسة بعد فصلها عن رفات ابنه عبد القادر حجازي، ووضعت في نعش ملفوف بالعلم المصري، وسارت الجنازة في موكب مهيب يتقدمهم: عبد الحميد باشا راغب، العلامة أحمد زكي باشا، اللواء علي شوقي، اللواء محمد فاضل باشا، فؤاد بك أباظة، عمر بك سري، عبد الرحمن رشدي، جورج أبيض، يوسف وهبي، التفتازاني، أحمد علام، أولاد عكاشة، حسين رياض، نجيب الريحاني، سامي الشوا، إسماعيل وهبي، عمر وصفي، بديع خيري، فؤاد سليم، محمد عبد القدوس، منسي فهمي، عباس فارس، فاطمة رشدي، حكمت فهمي، زينب صدقي، علية فوزي، علوية جميل، صالحة قاصين، فكتوريا موسى، سيدة فهمي، أمينة رزق.
ووصل هذا الموكب إلى مقبرة الشيخ الجديدة بمدافن الإمام الشعبي في شارع أطلق عليه اسم «شارع الشيخ سلامة حجازي». والمقبرة محاطة بسور من الحديد بباب روماني فخم محلى بالنحاس الأصفر، كتب عليه: «مقبرة العظماء». ووضعت اللجنة رفات الشيخ فيها وقد بنيت على الطراز الروماني الفخم، وهو عبارة عن أربعة أعمدة رومانية، أمامها عمودان أقصر منهم، فوقهما زهريتان ملأى بالرياحين. وكل جسم المقبرة من الجرانيت الرخامي الأبيض، تعلوه قيثارة رومانية محفورة على رأس الأعمدة كرمز لفن الموسيقى. وفي الواجهة لوحة تذكارية كبيرة مكتوب عليها:
أطربتنا حيا بصوتك شاديا
واليوم يطرب ذكرك الأجيالا
قبر الشيخ سلامة حجازي
مؤسس النهضة الغنائية المسرحية
ولد بالإسكندرية سنة 1852، وتوفي بالقاهرة سنة 1917، ونقلت رفاته إلى هذا الضريح بواسطة لجنة تخليد ذكراه. وقد شيد هذا التذكار على نفقة رئيس اللجنة الدكتور محمد فاضل بدمنهور.
121
قبر الشيخ سلامة حجازي.
وهكذا كانت نهاية هذا الفنان صاحب الفرقة المسرحية التي ضمت أعلاما فنية أصبح لها شأن كبير، ومنهم: إبراهيم أرسلان، أبريز أستاتي، أحمد أبو العدل، أحمد إدريس، أحمد ثابت، أحمد حافظ، أحمد فهمي، أحمد فهيم، أستر شطاح، ألمظ أستاتي، أمين عطا الله، بولس صلبان، توفيق ظاظا، جبران نعوم، جراسيا قاصين، جورج طنوس، حسن إبراهيم، حسن الفلاح، حسن كامل، حسين حسني، حسين نجيب، رحمين بيبس، زكي عكاشة، زكي غزال، زكي مراد، سرينا إبراهيم، سليم عطا الله، السيد الأزهري، سيد الصفتي، صادق أحمد، صالح كريم، صالحة قاصين، عبد الحميد عكاشة، عبد الحميد علي، عبد الرازق البرقوقي، عبد العزيز خليل، عبد الله عكاشة، عبد المجيد شكري، عبده البغدادي، عزيز عيد، علي يوسف، عمر وصفي، كامل الخلعي، لطيفة أمين، ماتيل نجار، ماري إبراهيم، ماري أنطون، ماري جبران، ماري دبس، ماري كفوري، متولي السيد، محمد أمين، محمد العراقي، محمد الكسار، محمد بسيم، محمد بسيوني، محمد بهجت، محمد حسني، محمد صادق، محمد طلعت، محمد عبد الرازق، محمد عبد الغني، محمد علي، محمد ناجي، محمود حبيب، محمود حجازي، محمود حسني، محمود رحمي، محمود رضا، مريم سماط، مصطفى أمين، مصطفى محمد، منسي فهمي، ميليا ديان، نظلي مزراحي، وردة ميلان.
فرقة أولاد عكاشة
عبد الله عكاشة، زكي عكاشة، عبد الحميد عكاشة، عبد الباقي عكاشة، أربعة أشقاء أحبوا التمثيل والغناء، فانضموا إلى فرقة الشيخ سلامة حجازي عام 1905، كمساعدين للشيخ في إلقاء نشيدي الافتتاح والختام في بعض الروايات،
1
وكان أكثرهم ظهورا عبد الله عكاشة الذي لمع نجمه عندما مثل في مسرحية «تسبا» أو «شهيد الوفاء»، وعندما طبعت هذه المسرحية عام 1906 كتب فيها اسم عبد الله عكاشة لأول مرة في صفحة توزيع الأدوار.
2
صفحة توزيع الدوار في نص مسرحية «تسبا».
عبد الله عكاشة.
استمر أولاد عكاشة في عملهم بفرقة الشيخ سلامة حتى رحلة الشام في صيف 1909، وعندما أصيب الشيخ بالفالج - كما مر بنا - عادت الفرقة ومثلت بعض العروض البسيطة بدار التمثيل العربي. وبعد فترة قصيرة أجر الشيخ مسرحه لآخرين دون استشارة أفراد الفرقة، مما جعلهم يتخلون عن الشيخ، ويكونون فرقة مسرحية بقيادة عبد الله عكاشة.
الموسم الأول 1909-1910
التف معظم أفراد فرقة الشيخ سلامة حول قائدهم الجديد عبد الله عكاشة، الذي استأجر مسرح إسكندر فرح بشارع عبد العزيز، وأطلق على فرقته اسم «شركة التمثيل العربي»، وافتتح عملها بمسرحية «تسبا» في أول ديسمبر 1909، ثم عرضت الفرقة مسرحيتي «مغائر الجن» و«البخيل».
3
ومن الملاحظ أن الفرقة بدأت عملها بمسرحيات قديمة، مثلتها أغلب الفرق من قبل، وبالأخص فرقة سلامة حجازي، ولكنها بعد أيام قليلة، وتحديدا في 9 / 12 / 1909 مثلت أول مسرحية جديدة لها وهي «شهداء الوطنية»، تأليف فكتوريان ساردو، تعريب زاكي مابرو.
4
والحقيقة أن هذه المسرحية تم تجهيزها والتدريب عليها قبل انفصال أولاد عكاشة عن الشيخ سلامة، وكان مقررا لها أن تمثل من قبل فرقة الشيخ سلامة حجازي في هذا الموسم.
5
ومسرحية «شهداء الوطنية» تدور أحداثها عام 1568 في بلاد الفلمنك (هولاندا وبلجيكا)، عندما استولى عليها الدوق ألبا قائد عام الجيش الإسباني، ومحاولة أمير أورانج غليوم الفلمنكي استعادة بلاده من يد المستعمر بمساعدة بعض الثوار، ومن هؤلاء الثوار الكونت ريزور الذي رسم خطة لإنهاء هذا الاحتلال بمساعدة صديقه كارلو قائد الحرس الوطني. وفي إحدى الليالي يتم القبض على ريزور بتهمة التآمر ضد المستعمر، بدليل عدم وجوده ليلا في منزله، ولكن أحد الجنود الإسبان بالمصادفة يدلي بشهادة تنقذه عندما قال إنه كان سكيرا أمس، وذهب إلى منزل ريزور فخرج من المنزل رجل واصطدم به، وعندما حاول أن يوقفه وأشهر في وجهه السيف اختطفه هذا الرجل فجرحت يده ، وما كان هذا الرجل إلا ريزور.
وهكذا أفلت ريزور من الموت، ولكنه وقع في صراع نفسي كبير، حيث تأكد أن زوجته تخونه؛ لأنه لم يبت في منزله أمس، فمن يكون هذا العشيق الذي اصطدم بالجندي؟ وأقسم ريزور على الانتقام منه ومن زوجته دولوريس، خصوصا بعد أن عرف أن غريمه مجروح في يده. وعندما ذهب إلى منزله واجه زوجته، فاعترفت بالخيانة كما اعترفت أنها تكرهه لأنه مشغول بقضايا وطنه والثوار أكثر من اهتمامه بها، وهنا يحضر صديقه كارلو، ويتفق الاثنان على الخطة الموضوعة من قبل الأمير غليوم، وأن إشارة الهجوم هي قيام جوناس بقرع الأجراس بنغمة مفرحة، وإذا قرع النغمة الحزينة فمعناها الابتعاد والفرار. وتسمع دولوريس تفاصيل الخطة - دون أن تسمع إشارة قرع الأجراس - فتسرع لإبلاغها إلى المستعمر الدوق ألبا، بشرط أن يمنحها حياة حبيبها ويقتل زوجها، فيوافق ألبا على ذلك بعد أن علم منها ساعة الهجوم.
وفي مكان آخر استعد الثوار للهجوم على المستعمر، وفي أثناء مراجعة الخطة بين ريزور وكارلو، يرى ريزور جرحا في يد كارلو، فيسأله عنه ويحاصره في الحديث، فيجعل كارلو يعترف له كارلو بأنه الخائن الذي يبحث عنه، ولكن ريزور يعفو عنه؛ لأن الوطن في حاجة إلى كل ثائر، ويقسم له كارلو بأنه سيكفر عن هذه الخيانة. وهنا يهجم على المكان جنود الدوق ألبا ويقبضون على طليعة الثوار، ويطلب ألبا منهم ذكر إشارة هجوم بقية الثوار بقيادة الأمير غليوم، فيتقدم جوناس لإبلاغه بالإشارة، فيتهمه الثوار بالخيانة فلا يبالي، ويذهب لقرع الأجراس فيقرع النغمة الحزينة، فيفرح الثوار، وعندما يستفسر ألبا عن السبب يقولون له إن هذه النغمة إشارة لبقية الثوار بالفرار، وهنا يطلق الجنود النار على جوناس ويأمر ألبا بحرق طليعة الثوار في الغد. وفي صباح اليوم التالي تحضر دولوريس إلى ألبا وتطالبه بوعده لها كي يطلق سراح حبيبها كارلو، فيوافق ويعطيها إذنا باسمها للسفر إلى مدينة ليل، كما يعطي لقائد جنده إذنا آخر باسم كارلو للسفر إلى المدينة نفسها.
وأثناء تحضير الثوار المقبوض عليهم للحرق في النار يحضر قائد الجند، ويطلق سراح كارلو ويعطيه الإذن الخاص به، فيتهمه باقي الثوار بالخيانة. وعبثا يحاول كارلو إثبات براءته، ولكنه استطاع أن يعرف أن من خانهم كان امرأة أفشت سر خطتهم إلى الدوق ألبا، وأن معها إذنا بالسفر إلى مدينة ليل. وهنا أقسم كارلو على قتلها، ولا بد له من معرفتها؛ لأنها ستسافر في نفس توقيت سفره، وستذهب إلى نفس المدينة التي سيسافر إليها. ولكن قبل ذلك لا بد له من وداع دولوريس، فيذهب إليها وتفرح بحضوره وتبشره بأنها ستسافر إلى مدينة ليل اليوم، ومع توالي الحوار بينهما تنكشف له الحقيقة، حيث إن حبيبته وزوجة صديقه هي الخائنة التي باعت وطنها إلى الأعداء، فيقتلها، وتنتهي المسرحية.
غلاف مسرحية «شهداء الوطنية».
وبعد عرض هذه المسرحية قامت الشركة بتمثيل مجموعة كبيرة من مسرحيات الشيخ سلامة، منها: «مغائر الجن»، «البخيل»، «العواطف الشريفة»، «عواطف البنين»، «تسبا»، «شهداء الغرام»، «العفو القاتل»، «هملت». وكانت الشركة تقدم بين فصول هذه المسرحيات الموسيقى الوترية والفصول المضحكة من محمد ناجي. كما قدمت بعض العروض لصالح عدة جمعيات، منها: جمعية جامعة المحبة المركزية، وجمعية التوفيق القبطية، وجمعية المساعي الخيرية المارونية، وجمعية رعاية الأطفال. وكان أولاد عكاشة يستغلون اسم الشيخ سلامة في إعلاناتهم، فيقولون عن فرقتهم تارة: «جوق الشيخ سلامة حجازي سابقا»، وتارة أخرى يقولون: «شركة التمثيل العربي التي أسسها أفراد جوق الشيخ سلامة حجازي.»
6
وفي أبريل 1910 بدأ اسم عبد الحميد عكاشة - الشقيق الثاني من أولاد عكاشة - يظهر في إعلانات الفرقة، ومن ذلك إعلان جريدة «المؤيد» في 9 / 4 / 1910، الذي جاء فيه:
ستمثل شركة التمثيل العربي بالتياترو المصري، بأول شارع عبد العزيز، في مساء السبت 9 أبريل سنة 1910، الساعة تسعة إفرنكي مساء رواية «حفظ الوداد»، وهي رواية أوبريت كوميدي مشحونة بالألحان والأناشيد، سيقوم بتلحينها المطرب الجديد الشيخ عبد الحميد عكاشة، فنحث الجمهور على اغتنام هذه الفرصة تشجيعا لهذا الممثل الجديد ولفنه الجميل. وستمثل شركة التمثيل العربي أيضا يوم الأحد 10 الجاري في التياترو المصري رواية «ماري تيودور» الشهيرة، وهي ليلة خصوصية يخصص دخلها لحضرات القائمين بالموسيقى الوترية، فنحث الجمهور أيضا على الإقبال عليها لأهمية الرواية ومساعدة لأولئك المطربين.
ومسرحية «ماري تيودور» رغم تمثيلها أكثر من مرة بواسطة فرقة إسكندر فرح، إلا أنها تعتبر أول مسرحية جديدة تمثلها الشركة، قبل أن تمثلها فرقة سلامة حجازي بفترة كبيرة. بعد ذلك عرضت الشركة بمسرح شارع عبد العزيز وبدار التمثيل العربي مجموعة أخرى من المسرحيات القديمة حتى نهاية الموسم، ومنها: «محاسن الصدف»، «العواطف الشريفة»، «شهداء الوطنية»، «غانية الأندلس»، «البرج الهائل»، «عواطف البنين»، «عبرة الإبكار». بجانب تقديم الموسيقى الوترية والفصول المضحكة، هذا بالإضافة إلى تقديم عرض بتياترو الحمراء بالإسكندرية، وعرض آخر لصالح جمعية الترغيب في التهذيب المركزية. وفي هذه الفترة ضمت الشركة إلى أعضائها كلا من: عزيز عيد، مصطفى أمين، ميليا ديان، والموسيقي عبد الحميد علي.
7
واختتمت الشركة موسمها الأول - قبل سفرها إلى سوريا في الصيف - بتمثيل مسرحيتين؛ الأولى: «صلاح الدين الأيوبي»، والأخرى: «البرج الهائل»، بعد أن أطلقت على الأخيرة عنوانين مختلفين هما: «الأم المجرمة» أو «برج نيل». وعن هذين العرضين قالت جريدة «المؤيد» في 21 / 5 / 1910:
ستمثل شركة التمثيل العربي مساء اليوم بتياترو شارع عبد العزيز رواية «صلاح الدين الأيوبي»، وهي ليلة خصوصية. والرواية غنية عن الإطراء والمدح، لما حوته من المناظر الجميلة والمواقف المؤثرة. وما فيها يدل على شهامة العرب وتسامحهم وكرم أخلاقهم، فنحث الجمهور على الإقبال عليها، خصوصا وأنه سيتخلل فصولها نغمات الموسيقى الوترية إدارة عبد الحميد علي. وستمثل الشركة في مساء الغد الأحد؛ أي ليلة الإثنين 22 مايو سنة 1910 رواية «الأم المجرمة» أو «برج نيل» وهي رواية شائقة تمثل مخازي القرون الوسطى في أوروبا، وفيها من العظات الشيء الكثير. وسيقوم بتمثيل أهم أدوارها حضرة الممثل البارع عزيز عيد المشهود له بطول الباع، ويقوم حضرة مصطفى أمين بدور جوتيه، فنحث الجمهور على اغتنام هذه الفرصة قبل انقضاء فصل التمثيل.
موسم 1910-1911
عادت شركة التمثيل العربي من رحلتها الصيفية بالشام، وبدأت موسمها الثاني في دار التمثيل العربي بعرض مسرحية جديدة، هي «القضية المشهورة» أو «القاتل أبي» تعريب إلياس فياض، في أول أيام العيد يوم 4 / 10 / 1910.
8
وقد لاقت هذه المسرحية من الاستحسان ما جعل ناقد جريدة «المؤيد» في 23 / 10 / 1910 يكتب عنها كلمة مطولة قال فيها:
الآن عاد إلي ما شرد من نومي، خوفا على التمثيل العربي أن ينقضي عهده، بانقضاء عهد رجل هذا الفن الشيخ سلامة حجازي. فقد علمت أن تلاميذه الذين تربوا في مدرسته قد أجمعوا أمرهم على الاستمرار في التمثيل بنفس العزيمة التي كانت لهم من قبل، فكونوا جوقة منتقاة منهم، وممن يعرفون البراعة في هذه الصناعة من غيرهم. فذهبت ليلة الجمعة الماضية إلى دار التمثيل العربي وأنا بين مصدق ومكذب؛ لمشاهدة رواية جديدة اسمها «القضية المشهورة» من مترجمات حضرة الروائي الفاضل إلياس فياض. فرأيت من جلال المكان، وفخامة المنظر، وجمال الأزياء، وبراعة التمثيل، وحسن الأداء، ودقة التصوير، ما كدت أكذب نظري فيه. لولا أني رأيت أنه إجماع عام من جميع الحاضرين الذين كانوا يملئون الألواج والمقاعد جميعها، حتى لم تبق زيادة لمستزيد. ولقد سرني وملأ نفسي ابتهاجا وارتياحا، أني رأيت هناك الدليل قائما واضحا وضوح الشمس في صحوتها، على بطلان ما كان يزعم بعض الناس من أن المصريين لا يهتمون بالتمثيل من حيث هو، وأنهم إنما كانوا يذهبوا إلى التمثيل بسائق الصوت الرائع، لا بسائق التمثيل البارع. فلقد رأيتهم هنالك هادئين مصغين متنبهين إلى حركات الممثلين وسكناتهم، كأنما يحاولون أن ينتبهوا بأنظارهم، ورأيتهم متأثرين في موضع التأثر، باكين في موضع البكاء، متحمسين في موقف الحماسة؛ فحمدت الله - تعالى - على بلوغ التمثيل هذه الدرجة في نفوس الأمة، مما يدل على أنها قد ربحت منبرا ثالثا فوق منبري الكتاب والخطباء، تتلقى منه رشدها وهداها، وأنه قد أصبح للكرماء والمحسنين الذين يهمهم الإنفاق على سبيل تقدم الأمة وارتقائها مجال واسع في هذه الجوقة النافعة، بالمعونة الصالحة، وتشجيعها على ما أخذت نفسها به من الاجتهاد في ترقية فن التمثيل، وإبلاغه في مصر مبلغه في البلاد الغربية. ولا ريب أن تمثيل الروايات الجديدة المؤلفة أو المترجمة بأقلام فضلاء الكتاب يحتاج إلى نفقات كثيرة تعجز عنها تلك الجوقة الحديثة في عهدها الجديد، فليمد إليها المحسنون أيدي المساعدة، وليعلموا أن الممثل في مرسحه أعظم نفعا وأقوم أثرا في تقويم النفوس وتهذيب الأخلاق من مائة كاتب وألف خطيب.
وبعد تمثيل هذه المسرحية أعادت الشركة بدار التمثيل العربي عرض مجموعة كبيرة من المسرحيات القديمة التي قدمتها في السابق، أو التي قدمتها الفرق الأخرى، ومنها: «ماري تيودور»، «عواطف البنين»، «ضحية الغواية»، «صلاح الدين الأيوبي»، «ابنة حارس الصيد»، «شهداء الغرام»، «تسبا»، «الكابورال سيمون» أو «الإرث المغتصب»، «تليماك»، «مغائر الجن»، «العواطف الشريفة»، «صدق الإخاء»، «القضية المشهورة»، «مطامع النساء»، «عائدة»، «غانية الأندلس»، «عظة الملوك»، «مظالم الآباء»، «نتيجة الرسائل»، مع تقديم الموسيقى الوترية والفصول المضحكة. وقد عرضت الشركة بعض هذه العروض بأقاليم طنطا وبور سعيد والمنصورة. وكانت الشركة مستمرة في استغلال اسم الشيخ سلامة في إعلاناتها، فتقول مثلا: «شركة التمثيل العربي المؤلفة من عموم أفراد جوق الشيخ سلامة حجازي.» أو تقول: «الجوق المؤلف من أفراد جوق الشيخ سلامة حجازي.»
9
وفي 26 / 1 / 1911 قدمت الشركة بدار التمثيل العربي مسرحية «تبكيت الضمير» تعريب إلياس فياض،
10
وهي المسرحية الجديدة الثانية في هذا الموسم. وظلت الشركة بعد ذلك تقدم العروض القديمة أكثر من شهر، ومنها: «تليماك»، «مطامع النساء»، «اللص الشريف»، «القضية المشهورة»، «عظة الملوك».
11
وفي مارس 1911 ساءت الأحوال الإدارية للشركة، فانضم أفرادها إلى فرقة سلامة حجازي مرة أخرى، ولكن هذا الاتحاد لم يستمر أكثر من شهرين، قدمت الفرقة فيهما مسرحيات: «نتيجة الرسائل»، «حفظ الوداد»، «صلاح الدين الأيوبي»، «تبكيت الضمير»، «شهداء الغرام»، «تسبا»، «القضية المشهورة».
12
ومن الملاحظ أن بعض هذه المسرحيات كانت تخص شركة التمثيل العربي فقط، وهذا يعني أن للشركة بصمة واضحة لم يستطع الشيخ سلامة إنكارها، هذا بالإضافة إلى أن عبد الله عكاشة كان يقوم بأدوار البطولة، التي كانت مخصصة للشيخ سلامة من قبل. ومن ذلك ما جاء في جريدة «المؤيد» بتاريخ 14 / 5 / 1911 عندما قالت:
يمثل في مساء اليوم جوق الشيخ سلامة حجازي رواية «تسبا» الشهيرة، وهي ذات خمسة فصول. ويقوم بأهم أدوارها حضرة الممثل الشهير عبد الله عكاشة، ويلقي منولوج فتى العصر. وستلقي الست ميليا ديان منولوج فتاة العصر، وتختم الرواية بفصل مضحك. فنحث الأدباء على مشاهدة هذه الرواية الجميلة.
وبعد انفصال أولاد عكاشة عن فرقة الشيخ سلامة حجازي كونوا فرقة مسرحية بإدارة عبد الله عكاشة، أطلقوا عليها اسم «الجوق العربي الجديد». وقد عرض هذا الجوق مجموعة من المسرحيات اختتم بها موسمه، ثم سافر إلى الشام في الصيف. ومن هذه المسرحيات: «روميو وجوليت»، و«الكابورال سيمون» بتياترو عباس، و«تسبا» بمسرح حديقة الأزبكية.
13
وقد قالت جريدة «المؤيد» في 18 / 6 / 1911 عن تمثيل مسرحية «الكابورال سيمون»: ... إن من رأى منظر الواقعة الحربية بين الجيشين الفرنساوي والنمساوي ما كان يشك أنها واقعة حقيقية، تدوي رصاصاتها، وتتقاذف قنابلها، وتتألق أسلحتها، وترن أناشيدها، وتزحف صفوفها، وتتساقط القتلى والجرحى في ساحتها. وما أظن أن براعة الممثلين الأوروبيين تزيد كثيرا على براعة الممثل العربي عزيز عيد في تمثيل دور الأخرس، فقد كان في تشنج أعضائه واختلال أعصاب نطقه عندما أهين في شرفه، وحركاته وإشاراته الناطقة، وانحلال عقدة لسانه، حينما فاجأه منظر انتحار ولده، مثالا للبراعة الفائقة في التمثيل الطبيعي، البعيد عن التكلف والتصنع. كما لا أظن أن كثيرا من الممثلين يستطيعون مجاراة ممثل دور «بروشار» في تصوير الخسة والدناءة والتكلف والتنطع، وأمثال ذلك من الصفات التي تلازم الرجل السافل الذي ينتقل دفعة واحدة إلى الطبقات العليا، بحادث فوق الأسباب الطبيعية. أما رئيس الجوق، فقد كان نصيب المتفرجين منه، فوق جمال تمثيله وحسن تصويره، بتلك النغمات البديعة التي تأخذ بمجامع القلوب، وتملك على النفوس ميولها وأهواءها.
موسم 1911-1912
عاد الجوق العربي الجديد من رحلة الشام الصيفية، وبدأ الاستعداد للموسم الجديد بتجهيز مسرح شارع عبد العزيز، من حيث الفرش وزينة الجدران والصور، بالإضافة إلى تحضير الملابس التمثيلية الجديدة. وقد اتفق مدير الجوق مع الكاتب إلياس فياض،
14
على تعريب مسرحية جديدة للجوق كل شهر. وتم افتتاح الموسم بالمسرحية الجديدة «عيشة المقامر» تعريب إلياس فياض في 16 / 9 / 1911.
15
ثم أعاد الجوق المسرحيات القديمة حتى ديسمبر 1912، ومنها «ماري تيودور» و«تليماك»، هذا بالإضافة إلى عرض لصالح جمعية التهذيب الخيرية بالقللي.
16
وفي يناير 1912، قدم الجوق مسرحيته الجديدة الثانية لهذا الموسم «الخداع والحب»، تأليف شيلر وتعريب د. نقولا فياض، بدار التمثيل العربي. وكانت من غناء زكي مراد وزكي عكاشة وعبد الله عكاشة، وقدمت ميليا ديان ومريم سماط بعض المنولوجات، وأيضا عزف سامي الشوا على كمنجته عزفا جميلا. كما لمع من الممثلين جورج طنوس صاحب جريدة «الرقيب».
17
وعن هذا العرض قال الممثل أحمد فهمي في جريدة «الأخبار» بتاريخ 6 / 1 / 1912:
بالأمس مثل صاحب «الرقيب» ونفر من إخوانه رواية «الخداع والحب»، فرأينا لأول مرة تمثيلا متقنا وإبداعا في الإلقاء والإيماء، ولا سيما من ممثلي دوري الحاكم وسكرتيره «وارم». كما سمعنا ثلاثة من خير المطربين في حفلة واحدة، وهم زكي مراد وزكي عكاشة والبلبل المغرد. أما صاحب «الرقيب» الذي مثل بطل الرواية، فقد شهدنا منه إبداعا في تمثيل المعاني وتصويرها، وصوتا مقتدرا على التنقل من نغمة الحزن إلى نغمة الحب فاليأس فالغضب فالانتقام، ولفظا عربيا فصيحا؛ ولذلك كان التصفيق له حادا والإعجاب عظيما. ولا عجب فهو أقدر ممثل شهدته المراسح العربية في العهد الأخير، وقد سر الأفاضل من الرواية، ولا عجب؛ فالمؤلف شولر والمعرب الدكتور نقولا فياض.
قام الجوق بعد ذلك بتمثيل مسرحيات قديمة، منها «شهداء الغرام» و«عائدة»، مع تقديم الفصول المضحكة من محمد ناجي، وعزف سامي الشوا، هذا بالإضافة إلى عرض أقيم في المنصورة.
18
وفي 13 / 2 / 1912 قدم الجوق مسرحيته الجديدة الثالثة لهذا الموسم، وهي «الملك العادل»،
19
رغم تمثيلها من قبل جمعية الاتحاد الشرقي عام 1904.
20
بعد ذلك استمر الجوق في إعادة المسرحيات القديمة، مثل: «ضحية الغواية»، «صلاح الدين الأيوبي»، «عظة الملوك»، «السيد»، «عائدة»، «ماري تيودور»، «صدق الإخاء»، «مغائر الجن»، مع تقديم الفصول المضحكة والعزف الموسيقي.
21
وفي أوائل مارس 1912 انضم مرة أخرى الجوق العربي الجديد بإدارة عبد الله عكاشة إلى فرقة الشيخ سلامة حجازي بإدارة عبد الرازق بك عنايت، وأطلق على هذا الاتحاد اسم «الجوق العربي». وبذلك انتقل أولاد عكاشة من مسرحهم بشارع عبد العزيز إلى مسرح دار التمثيل العربي.
22
وافتتح هذا الجوق عمله في 2 / 3 / 1912 بمسرحية جديدة هي «سارقة الأطفال»، وقد تحدثنا عنها من قبل.
وعلى دار التمثيل العربي استمر الجوق العربي حتى نهاية الموسم في إعادة المسرحيات القديمة الخاصة بأولاد عكاشة، والخاصة بفرقة الشيخ سلامة حجازي أيضا، ومنها: «تسبا»، «القضية المشهورة»، «ماري تيودور»، «أنيس الجليس»، «غانية الأندلس»، «الخداع والحب»، «مغائر الجن»، «صدق الإخاء»، «ثارات العرب»، «عائدة»، «شهداء الغرام»، «صلاح الدين الأيوبي»، «حفظ الوداد»، «عظة الملوك»، «مظالم الآباء». هذا بالإضافة إلى تقديم العزف الموسيقي والفصول المضحكة وخطب الأدباء، وكان الشيخ سلامة يلقي قصائده الغنائية بين الفصول.
23
وفي هذه الفترة قام الجوق بتمثيل مسرحية جديدة أخرى هي «سميراميس» تأليف فولتير وتعريب سامي نوار،
24
كما قام جوق عكاشة بالاشتراك مع فرقة جورج أبيض، وفرق فولي، بتمثيل مسرحيتي «أوديب الملك» و«عطيل» في يونية 1912 بتياترو عباس في حفلات خاصة تحت رعاية الأمير طوسون باشا. وفيها ألقى بعض الخطباء والشعراء مجموعة من القصائد والخطب، منهم: خليل مطران، نعوم شقير، سليم ثابت، رفيق العظم، إسكندر طراد.
25
وفي آخر عرض لهذا الموسم، قالت جريدة «مصر» في 4 / 7 / 1912 تحت عنوان «ليلة الوداع الأخيرة»:
يمثل الجوق العربي مساء اليوم رواية «سارقة الأطفال» الشهيرة. وسيطرب الجمهور في خلال الفصول حضرة الممثل البارع الشيخ سلامة حجازي بصوته الرخيم، وسيقوم بأهم فصولها حضرة المبدع الشهير عبد الله عكاشة، وتصدح موسيقى الأوبرا بين كل فصل وآخر. وفي الختام فصل مضحك جميل، فنحث الجمهور للإقبال عليها، وخصوصا لأنها ليلة الوداع الأخيرة.
موسم 1912-1913
ظل الجوق العربي - المكون من أفراد فرقتي سلامة حجازي وعكاشة - يعمل بنشاط، منذ بداية هذا الموسم وحتى ديسمبر 1912. وقد بدأ الموسم بتمثيل مسرحية «عظة الملوك» بتياترو الهمبرا بالإسكندرية يوم 17 / 8 / 1912، بطولة عبد الله عكاشة، مع إلقاء سلامة حجازي لبعض القصائد الغنائية بين الفصول. بعد ذلك انتقل الجوق إلى مدينة المنصورة، ومثل بها عدة مسرحيات في أوائل شهر سبتمبر، منها مسرحية «غانية الأندلس».
26
عاد الجوق إلى العاصمة، ومثل بدار التمثيل العربي مجموعة كبيرة من المسرحيات القديمة، حتى أوائل ديسمبر 1912، منها: «عائدة»، «القضية المشهورة»، «صلاح الدين الأيوبي»، «مغائر الجن »، «ضحية الغواية»، «مظالم الآباء»، «شهداء الغرام»، «تليماك»، «عظة الملوك»، «خداع الدهر»، «العفو القاتل»، «غرام وانتقام»، «محاسن الصدف»، «أنيس الجليس». وكان عبد الله عكاشة بطلها الأول. أما الشيخ سلامة فكان يقوم بإلقاء القصائد والمنولوجات الغنائية بين الفصول، وكان يقوم أيضا بتمثيل بعض المشاهد عندما يشعر بتحسن في صحته.
27
وفي هذه الفترة أيضا مثل الجوق بمدينة الفيوم، في نوفمبر وديسمبر 1912، مجموعة مسرحيات منها: «عائدة»، «غانية الأندلس»، «خداع الدهر»، «تليماك».
28
وفي 4 / 12 / 1912 انتقل الجوق من مسرح دار التمثيل العربي إلى مسرح حديقة الأزبكية، بسبب بعض الإصلاحات الجارية بدار التمثيل، ومثل على مسرح الحديقة مسرحيات: «صلاح الدين الأيوبي»، «عظة الملوك»، «صدق الإخاء»، «غانية الأندلس».
29
وفي يوم 19 / 12 / 1912 قالت جريدة «مصر»:
علمنا اليوم أن حضرة عبد الله عكاشة وشقيقيه زكي وعبد الحميد قد انفصلوا عن جوق حضرة الممثل الشهير الشيخ سلامة حجازي، ولا نعلم الحقيقة بعد، غير أننا علمنا أن حضرات الثلاثة سينضموا إلى جوق جورج أبيض.
ولحين يتم هذا الانضمام قامت فرقة أولاد عكاشة بالسفر إلى الإسكندرية لتمثيل مسرحية «عظة الملوك» بمسرح الحمراء، لصالح جمعية الاتحاد القبطية.
30
ثم عادت إلى القاهرة ومثلت بتياترو عباس بشارع جلال المسرحية نفسها، وكانت من تمثيل: أحمد فهيم، محمد بهجت، محمود حبيب، علي يوسف، مريم سماط،
31
وأخيرا مثلت مسرحية «شهداء الغرام» لصالح جمعية الشبيبة القبطية بمسرح عباس أيضا يوم 22 / 2 / 1913.
32
بعد ذلك أعلنت الصحف في منتصف مارس عن انضمام أولاد عكاشة إلى فرقة جورج أبيض،
33
وأن هذا الانضمام سيمثل في نهاية مارس عدة مسرحيات بالأوبرا، منها: «نابليون»، «مصر الجديدة»، «عيشة المقامر»، «عائدة».
34
وقبل إتمام هذه العروض قامت فرقة جورج أبيض بتمثيل مسرحية «الساحرة» يوم 20 مارس بتياترو برنتانيا، واشترك فيها بالغناء عبد الحميد عكاشة وزكي عكاشة كتجربة عملية لهذا الانضمام. وبعد يومين مثل أولاد عكاشة مسرحية «ضحية الغواية» بتياترو برنتانيا أيضا.
35
بدأت فرقة جورج أبيض بمشاركة أولاد عكاشة عروضها بالأوبرا بمسرحية «نابليون» يوم 29 / 3 / 1913.
36
وكانت الفرقة بهذه المشاركة تتكون من: جورج أبيض، عبد الله عكاشة، عبد الحميد عكاشة، زكي عكاشة، عزيز عيد، فؤاد سليم ، أحمد فهيم، محمد بهجت، علي يوسف، عبد العزيز خليل، محمود حبيب، حسن وصفي، عمر وصفي، محمود رضا، منسي فهمي، محمد إبراهيم، مريم سماط، فيكتوريا موسى، سرينا إبراهيم، صالحة قاصين، أستر شطاح، نظلي مزراحي، ماتيل نجار، روز اليوسف، جسماني شماس.
غلاف بروجرام مسرحية «الأفريقية».
صفحة الممثلين في البروجرام.
وفي أول أبريل 1913 عرضت الفرقة بالأوبرا أيضا مسرحية «الأفريقية» ليوسف حبيش، وكانت من تمثيل: عبد الله عكاشة، أحمد فهيم، محمد بهجت، حسن وصفي، زكي عكاشة، محمود رحمي، محمود حبيب، منسي فهمي، نجيب فهمي، مريم سماط، فكتوريا موسى، صالحة قاصين، حنة.
بعد ذلك مثلت الفرقة عدة مسرحيات بالأوبرا، منها: «لويس الحادي عشر»، و«مصر الجديدة»، وشارك فيها أولاد عكاشة أيضا،
37
وهكذا انتهى موسم الفرقة بالأوبرا، وبالتالي انتهى انضمام أولاد عكاشة إلى فرقة جورج أبيض في نهاية أبريل 1913. وذكرت صحيفة «الوطن» في 10 / 5 / 1913 آخر خبر عن أولاد عكاشة في هذا الموسم، قائلة:
عزم جوق التمثيل المصري الذي يديره سليم عطا الله وأخواه على إحياء ليلة تمثيلية بدار التمثيل العربي في مساء الإثنين ليلة الثلاث الموافقة 12 مايو سنة 1913، وسيمثل بها رواية «دموع البائسة»، وهي جديدة عصرية من نوع الروايات التي اعتاد تقديمها، والتي نالت استحسان كل من حضرها. وسينشد زكي وعبد الحميد عكاشة قصائد غنائية، وتختم الحفلة بتقديم فصل مضحك يقوم به أحد مديري الجوق أمين عطا الله.
موسم 1913-1914
قبل بداية هذا الموسم بستة أشهر ترددت أقوال بأن فرقة عبد الله عكاشة ستتخذ مسرح دار التمثيل العربي، الخاص بفرقة سلامة حجازي، الكائن بشارع الباب البحري لحديقة الأزبكية، مقرا تمثيليا لها لمدة عشر سنوات.
38
ومع بداية هذا الموسم تأكدت هذه الأقوال، عندما اهتم عبد العزيز باشا عزت وأحمد فؤاد باشا - وهما من أصحاب هذا المسرح الخاص بدائرة المرحوم عبد الله باشا عزت - بتجهيزه كمساعدة لفرقة عكاشة، وإيجاره لمدة خمس سنوات، وسيتم افتتاحه في أكتوبر 1913.
39
ولكن هذا الافتتاح لم يتم في موعده، فبدأت الفرقة موسمها بتياترو برنتانيا، في أواخر نوفمبر 1913 بمسرحية «شهداء الغرام».
40
ومن ثم سافرت إلى الإسكندرية فعرضت مجموعة من المسرحيات على مسرحي الهمبرا والحمراء، ساهم فيها الشيخ سلامة حجازي بغنائه، وقالت جريدة «الأهالي» عن أحد هذه العروض في 17 / 12 / 1913:
سيمثل بتياترو الهمبرا جوق الممثل البارع عبد الله عكاشة في مساء السبت 3 يناير سنة 1914 رواية «عائدة» الشهيرة، بعد أن استحضر جميع الملابس اللازمة لها من أوروبا، بما يزيد عن ماية وخمسين منظرا. وستظهر لأول مرة على المراسح العربية بثوبها القشيب ومنظرها المبهج، وسيكون جميع الجوق المؤلف من سبعين ممثلا حاضرا في هذه الليلة، وستكون المناظر جميعها جديدة لم يسبق استعمالها. وسيطرب الحضور في خلال التمثيل بلبل مصر وأستاذ التمثيل العربي في هذه الديار حضرة الشيخ سلامة حجازي.
وبعد عودة الفرقة إلى العاصمة عرضت «صلاح الدين الأيوبي» ببرنتانيا، وشارك فيها سلامة حجازي بالغناء والتمثيل.
41
وفي يوم 9 / 2 / 1914 أحيت الفرقة الليلة السنوية لمجلة «سركيس» ببرنتانيا، فمثلت مسرحية «الشيخ متلوف»، وشارك فيها الشيخ سلامة بالغناء.
42
وفي 7 مارس أقامت الفرقة ببرنتانيا حفلة لصالح جمعية الاتحاد الخيرية - التي تقوم بتزويج البنات الفقيرات - فمثلت مسرحية «البرج الهائل»، وقام جورج طنوس بالمشاركة في التمثيل، وألقى خليل مطران قصيدة عصماء.
43
وفي أواخر مارس 1914 أقامت الفرقة ثلاث حفلات بالأوبرا برعاية الخديو، مثلت فيها مسرحيات جديدة، هي «فتح الأندلس»
44
تأليف عبد الحق حامد، و«القضاء والقدر» ترجمة خليل مطران، و«نعيم بن حازم» تأليف عبد الحليم دلاور.
45
غلاف مسرحية «فتح الأندلس».
ومسرحية «فتح الأندلس» أو «طارق بن زياد» تأليف الشاعر التركي عبد الحق حامد بك، وتعريف فتحي عزمي، تدور أحداثها حول الحادثة التاريخية المشهورة، عندما قام طارق بن زياد بفتح الأندلس بأمر من موسى بن نصير أيام خلافة الوليد بن عبد الملك، وذلك من خلال قصص عاطفية، أهمها قصة حب طارق لزهراء ابنة موسى بن نصير. فعندما تولى طارق مهمة فتح الأندلس طلب من موسى أن يزوجه بابنته زهراء، فوافق موسى بشرط أن يكون المهر رأس رودريق ملك الإسبان. وبناء على هذا الشرط ذهب طارق لفتح الأندلس، وبالفعل هزم الأعداء وحصل على رأس رودريق وأرسلها لموسى. ولكن فتوحات طارق لبقية المدن الأندلسية دون أخذ الإذن بفتحها، وحب الجند والشعب الأندلسي لسماحته وبطولته، جعل موسى يحقد عليه ويحسده. وأمام هذه المشاعر أمر موسى بوضع طارق في السجن، وبعد فترة حاسب موسى نفسه واعترف بخطئه فأفرج عن طارق وزوجه من ابنته زهراء.
غلاف بروجرام مسرحيتي «القضاء والقدر» و«نعيم بن حازم».
وقد اختتمت الفرقة موسمها هذا بتمثيل عدة مسرحيات ببرنتانيا، كان آخرها مسرحية «القضية المشهورة» يوم 7 / 5 / 1914،
46
بعدها سافرت في رحلة صيفية فنية إلى الشام.
موسم 1914-1915
عادت فرقة عبد الله عكاشة من رحلتها الصيفية إلى الشام أثناء الحرب العالمية الأولى، في منتصف أغسطس 1914،
47
وبدأت موسمها بمسرح حديقة الأزبكية أيام عيد الفطر. وعن هذا الأمر قالت جريدة «المؤيد» في 19 / 8 / 1914:
نزف إلى عشاق التمثيل الراقي ومحبي الطرب أحسن بشرى تسر خواطرهم وتقر نواظرهم، ألا وهي أن جوق عبد الله عكاشة وإخوته قد عزم على تمثيل ثلاث روايات من أحسن وأجمل رواياته الأدبية، في تياترو حديقة الأزبكية، لمناسبة أيام عيد الفطر المبارك. حيث يقدم في الليلة الأولى رواية «طارق بن زياد»، وفي الثانية رواية «الكابورال سيمون»، وفي الثالثة رواية «هملت» الشهيرة. ويتخلل التمثيل مونولوجات جديدة ينشدها عبد الله عكاشة وإخوته زكي وعبد الحميد، مما يعهده فيهم الجمهور من رخامة الصوت وحسن الإنشاد. فضلا عن مناظر الصور المتحركة الجميلة «سينماتوغراف». وتطلب التذاكر من الآن من دار التمثيل العربي، وفي أيام التمثيل من الباب الغربي لحديقة الأزبكية.
وعلى مسرح حديقة الأزبكية أعادت الفرقة تمثيل بعض المسرحيات، منها: «عظة الملوك»، «ماري تيودور»، «شهداء الغرام»، «القضاء والقدر».
48
كما عرضت مسرحيتين جديدتين في سبتمبر 1914، هما: «بائعة الخبز» ترجمة إلياس فياض، و«منقذ اليتامى» تأليف عبد الحليم دلاور.
49
ثم تركت الفرقة مسرح الحديقة وانتقلت إلى مسرح برنتانيا طوال شهر أكتوبر، تمهيدا لافتتاح مسرحها الجديد. وعلى مسرح برنتانيا قدمت الفرقة عدة مسرحيات، منها: «بائعة الخبز»، «القضية المشهورة»، «اليتيمتين»، «البريئة المتهمة»، «سارقة الأطفال».
50
وفي أكتوبر أيضا قدمت الفرقة مسرحية «بائعة الخبز» لصالح نقابة عمال الصنائع اليدوية بالإسكندرية مساعدة للعمال العاطلين.
51
وبعد طول انتظار تم افتتاح مسرح دار التمثيل العربي الجديد كمقر جديد لفرقة عكاشة، فكان افتتاح خير على الفرقة، حيث قدمت أقوى موسم لها حتى الآن. وعن هذا الافتتاح قالت جريدة «مصر» في 28 / 10 / 1914:
سيحتفل في الساعة التاسعة من مساء اليوم بافتتاح دار التمثيل العربي الجديد، لأصحابه حضرات الأفاضل آل عكاشة، الكائن أمام الباب البحري لحديقة الأزبكية، باحتفال حافل، بعد تشييده مثل المراسح الأوروبية، من حيث الترتيب والزخرفة، وقد أعدوا له مناظر وملابس جديدة من الخارج. ولا يسعنا في هذا المقام إلا الثناء على حضراتهم. وسيمثل في حفلة اليوم فصل واحد من إحدى روايات الجوقة الأدبية، وبعض قصائد يلقيها بعض الخطباء، وقصائد ينشدها أفاضل الشعراء. ولا شك أن هذه الحفلة التي يفتح بها هذا الجوق ستكون بالغة منتهى الأبهة والجمال. ولا يفوتنا الثناء على حضرة الفاضل محمد عبد الغني، صاحب اليد البيضاء في تقدم هذا الجوق، فهو يقابل الزائرين بما جبل عليه من كرم الأخلاق وحسن الذوق، فنتمنى لهذا الجوق النجاح.
وعلى هذا المسرح قدمت الفرقة طوال هذا الموسم مجموعة كبيرة من المسرحيات القديمة والجديدة في حفلاتها النهارية والليلية، ومن المسرحيات القديمة: «عائدة»، «بائعة الخبز»، «اليتيمتين»، «صلاح الدين الأيوبي»، «عظة الملوك»، «اللص الشريف»، «البرج الهائل»، «عواطف البنين»، «القضاء والقدر»، «ماري تيودور»، «تسبا»، «ضحية الغواية»، «هملت»، «مغائر الجن»، «سارقة الأطفال»، «البريئة المتهمة»، «تليماك»، «غانية الأندلس»، «شهداء الغرام»، «القضية المشهورة».
52
أما المسرحيات الجديدة التي قدمتها الفرقة، فهي: «شهادة الميت»، «لأجل الشرف» أو «هكذا عدل الناس» تعريب إلياس فياض، «نجلاء العين»، «عفيرة» تأليف عبد الحليم دلاور، «بريد ليون» أو «عبرة القضاء» تعريب محمود صادق حسن، «الحب والحيلة» تأليف حافظ نجيب، «أورلنده ملكة بولونيا» تأليف كاتول مانديس وتعريب حسن ثابت،
53 «جناية الملكة»، «السلطان صلاح الدين ومملكة أورشليم» تأليف فرح أنطون، «النساء العالمات» لمحمد عثمان جلال، «ورقة الآس» تأليف الشاعر أحمد شوقي، «بنات الشوارع» تأليف فرح أنطون، «أبو الحسن المغفل» لمارون النقاش.
54
وكأمثلة لموضوعات هذه المسرحية نجد مسرحية «عفيرة» تدور أحداثها حول الأشعث بن الضحاك، الذي أحب غادرة زوجة صديقه ، فرزق منها عفيرة، وكانت ذات جمال ودلال، فأحبها نحيح بن معن أخوها من أمها، على غير علم منه بذلك. فحالت غادرة بين الحبيبين مخافة الارتباط المحرم، فأرغمت عفيرة على الرحيل، ففارقت الأم والأخ والحبيب وتزوجت بشرزق، الذي قتل سليما أخا نحيح وعفيرة من الأم أيضا، الذي التجأ إلى خباء نحيح طالبا الغوث والنجدة من طالبي ثأر سليم، فأمنه نحيح على حياته، من غير أن يعلم بما جنته يد شرزق، ومن غير أن يعلم أنه ساحق فؤاده، ومزاحمه في عشيقته عفيرة، فما علم نحيح بالأمر الأول لم يشأ أن يغدر في أمانه، ولا أن يخل بشرف العهود طالبا لثأر أخيه، ولما علم بالأمر الثاني وهو في خلوة مع عفيرة التي جاءت تشكره لحمايته بعلها من الثائرين ضده، صار يضمها إلى صدره مرة بعد الأخرى وشرزق يناديها من الخارج. فلما جاءت لتودعه الوداع الأخير أراد الانتقام لأخيه ومن أجلها، غير أن عفيرة ذكرته بما وعد من الأمان، فعصى الحب وأطاع الشرف. ثم اجتمع نحيح بعفيرة ثانية، فأخذ يداعبها كالمرة الأولى. وفيما هو كذلك فاجأهما شرزق، فثارت عنده ثائرة الغضب لهذا المنظر المؤلم، فطالب نحيحا بالقتال ليغسل عاره، فجاءت غادرة وحالت بينهما ومنعتهما عن المبارزة، فسألها نحيح عن السبب، فأخبرته بحقيقة الأمر، فقتلها جزاء خيانتها، ثم قتل الأشعث بن الضحاك لخيانته، ثم وأد عفيرة.
أما مسرحية «أورلنده ملكة بولونيا» فتدور أحداثها حول مؤامرة من رهبان مملكة بولونيا بمساعدة جورجيو، للتخلص من الملكة أورلنده، بسبب فجورها وعلاقاتها الغرامية. وكان الهدف الأساسي من قتل الملكة اعتلاء زوجها جورجيو العرش؛ حيث إنه من أنصار الرهبان، ويتم اختيار الراهب الشاب دانيلو للقيام بمهمة اغتيال الملكة يوم السادس من أبريل. ونعلم أن دانيلو دخل الدير لأنه كان متسولا هو وأخوه، وأثناء نومهما في الطريق مرت امرأة وأخذت أخاه. وعندما يحضر دانيلو أمام الرهبان، ويعلم أنه سيقتل امرأة يرفض المهمة؛ لأنه يعشق امرأة، ومن أجلها يرفض إيذاء أية امرأة أخرى. فلم يجد كبير الرهبان إلا أن يخبره بأن المرأة المراد قتلها هي المرأة التي أخذت أخاه وقتلته، وأمام هذه الحقيقة يقبل دانيلو المهمة. وتنتقل الأحداث إلى قصر الملكة أورلنده، حيث نراها تتنكر في شكل خادمة، وتذهب ليلا لمقابلة حبيبها في حديقة القصر، ونفاجأ بأن حبيبها هذا ما هو إلا دانيلو، وبعد لقاء غرامي تطلب أورلنده من دانيلو أن يذهبا إلى كوخ بعيد عن القصر.
غلاف مخطوطة مسرحية «أورلنده ملكة بولونيا».
وفي هذا الكوخ يعيش الحبيبان ليلة كاملة، وفي الصباح تحضر إحدى الجاريات وتخبر الملكة بأن امرأة تريدها في أمر مهم، وتقابل الملكة المرأة وتعلم أنها فتاة إحدى الحانات، ساقتها الظروف لأن تسمع مؤامرة تدبر ضد الملكة من قبل زوجها وبعض الرهبان، وأنها ستقتل غدا بيد شاب من الرهبان. وفي أثناء حديثهما يتقلب دانيلو أثناء نومه، فتراه المرأة وتصرخ للملكة بأن هذا الشاب النائم هو الشاب الذي سيقتلها غدا. وفي الغد تقوم الملكة بتسهيل الأمور حتى يستطيع دانيلو أن ينفذ خطته، وعندما يهم بطعنها وهي تتصنع النوم يكتشف أنها حبيبته، فيتراجع عن القتل أول مرة، وعندما يتذكر أخاه ومقتله على يد هذه المرأة يحاول طعنها مرة أخرى، ولكنها تستيقظ وتواجهه وتقسم له أن أخاه ما زال حيا، وهو زوجها الآن جورجيو، وأمام هذه الحقيقة يتراجع عن قتلها. ولكن جورجيو وبقية الرهبان يحضرون في هذه اللحظة، ويتهمون الملكة بجريمة الخيانة الزوجية مع دانيلو، ويأمرون بقتلها مع عشيقها بضربة واحدة، ومن ثم تنتهي المسرحية.
الصفحة الأولى من مخطوطة مسرحية «أورلنده ملكة بولونيا».
أما مسرحية «السلطان صلاح الدين ومملكة أورشليم» لفرح أنطون،
55
فتدور أحداثها حول انتصارات صلاح الدين، وحقد ملوك أوروبا عليه، ومحاولة التخلص منه عن طريق المؤامرات، أملا منهم في الاستيلاء على القدس. فنجد الأميرة ماريا - أخت رنولد دي شاتيليون أمير الكرك والشوبك - تتنكر في زي صبي مملوك، وتدخل قصر السلطان صلاح الدين على أنها هدية من أحد الملوك. وفي هذا القصر تقوم ببعض الفتن دون جدوى، وفي النهاية ينكشف أمرها فيعفو عنها السلطان، إلا أنها كانت عازمة على الانتقام؛ لأن صلاح الدين قتل أخاها الأمير بسبب إهانته للإسلام؛ لذلك نجدها تتفق تارة مع القائد المملوك أياز على الزواج منه إذا قتل السلطان، ثم تتفق تارة أخرى مع مجد الدين ابن السلطان على هذا الأمر أيضا، ولكنها في كل مرة تفشل. ومن جانب آخر نجد الأمير الأوروبي برنار يتنكر في زي أحد النساك، ويطلق على نفسه اسم برنت، وبهذه الحيلة يستطيع أيضا أن يدخل قصر السلطان، وينجح في تأليب جنود السلطان على ملوك أوروبا، ومن ناحية أخرى يثير ملوك أوروبا ضد السلطان صلاح الدين، وذلك من أجل نقض الهدنة بين الطرفين. وبعد أحداث كثيرة، منها خطف الأميرة أخت السلطان ومن ثم الإفراج عنها، ينجح السلطان في هزيمة الأعداء في موقعة حطين، وتنتهي المسرحية بخبر موت سلطان بربروسا أمل الأوروبيين في النصر، مع نجاة السلطان صلاح الدين من محاولة ماريا لقتله بالخنجر.
غلاف نص مسرحية «السلطان صلاح الدين ومملكة أورشليم».
أما مسرحية «ورقة الآس» لأحمد شوقي - وهي في الأصل قصة - فتدور أحداثها حول حب النضيرة ابنة ملك العرب لسابور قائد الفرس وعدو وطنها، وبدافع هذا الحب تساعد النضيرة القائد سابور في الاستيلاء على مدينة أبيها، وكانت مكافأتها الزواج من سابور. ولكن الأحداث بين الزوجين تتغير، مما يجعل النضيرة تنقلب على زوجها، وتنكشف خيانتها لوالدها وللعرب. وبعد أحداث كثيرة يتم الصلح بين ملك العرب وبين القائد سابور، وتنتهي المسرحية بمقتل النضيرة جزاء خيانتها.
وإذا عدنا إلى فرقة عكاشة مرة أخرى سنلاحظ أنها لم تتقيد بمسرح دار التمثيل العربي بصورة مطلقة في هذا الموسم، بل كانت تعرض أيضا بعض المسرحيات القليلة على مسرح حديقة الأزبكية ومسرح كازينو حلوان، منها: «مغائر الجن»، «البريئة المتهمة»، «البرج الهائل».
56
هذا بالإضافة إلى العروض الخاصة بالجمعيات والأندية الأدبية، مثل مسرحية «البريئة المتهمة»، لصالح نادي موظفي الحكومة بالقاهرة - مقر جمعية أنصار التمثيل - في ديسمبر 1914، ومسرحية «القضية المشهورة» للنادي نفسه في يناير 1915، ومسرحية «هملت» لصالح جمعية التقدم للعميان بالإسكندرية في مارس 1915.
57
كما خصصت الفرقة إيراد بعض حفلاتها لصالح أسرى وجرحى الجيش العثماني .
58
وبجانب هذه العروض كانت الفرقة تقدم الفصول المضحكة من محمد كمال المصري (شرفنطح)، وفوزي الجزايرلي، والمقطوعات الغنائية من توحيدة والسيدة اللاوندية وزكي مراد، والقطع الموسيقية من سامي الشوا وعبد الحميد علي، هذا بالإضافة إلى ألعاب التنويم المغناطيسي. وفي هذا الموسم ظهر بعض الممثلين ضمن أفراد الفرقة، ومنهم: حافظ نجيب، محمد يوسف، حسين حسني، ماري إبراهيم، لبيبة فارس.
وعلى الرغم من أن الفرقة عرضت مجموعة كبيرة من المسرحيات الجديدة، التي لاقت استحسان البعض، إلا أن مسرحية «عفيرة» لعبد الحليم دلاور لاقت هجوما من أحد المغرمين بالتمثيل، فكتب كلمة نشرتها جريدة «الأفكار» في 19 / 1 / 1915، جاء فيها: ... رأينا فيها عيوبا فاضحة ألجأنا الحق إلى إظهارها، وقع المؤلف والممثلون في غلطات وصمت العرب، وخالفت عوائدهم. وغريب جدا ألا يختار المؤلف مما اشتهر به العرب، كما يشهد التاريخ، إلا الحب والغرام، وليته كان عذريا بل حب أدى إلى الزنى وسفك الدماء ... ومن ذلك يظهر جليا أن الرواية لم تمثل العرب، إلا في الحب والخيانة ووأد البنات أحياء. فهل ضاق أمام المؤلف أمثال شجاعتهم النادرة، وكرمهم الجم، وقوة إرادتهم، وشدة ذكائهم، وغيرها من الأمثال التي وسعت نطاق ملكهم، فجعله يمتد من الهند والصين إلى حدود فرنسا شرقا. وكان بودي أن أبين الانتقادات واحدة بعد الأخرى، غير أنها لكثرته الخاصة بالرواية لا أرى إلا أن المؤلف إما أن يصلح موضوعها وإما أن يجعلها في سلة المهملات. أما انتقاداتي بخصوص الممثلين، فإني أبسطها ليتلافوها؛ إذ جل أمانينا أن يسيروا إلى الأمام خطوات واسعة، فأقول إن أبا صخري كان لكبر سنه البالغ على ما قدره بعض الظرفاء لطول ذقنه تسعين سنة على الأقل، كان يمشي مشية الرجولية دون أي انحناء ولو قليلا، مع أنه يمسك عكازا في يده ما كان إلا ليتوكأ عليه، وكان يتكلم بصوت الشباب، وأؤكد أن ممثل هذا الدور هو حسين حسني لولا هذه الدقائق لنال استحسانا عظيما، كما نال محمود حبيب ممثل دور الأشعث بن الضحاك. أم شرزق وهو زكي عكاشة، فنأمل منه مراعاة لذوق التمثيل أن يخلع خاتمه الألماس مرة أخرى إذا مثل عربيا في «عفيرة» و«القضاء والقدر». أما بقية الممثلين فكانوا لابسين أحذيتهم العادية، وهذا ما لم تعهده العرب، فنرجوهم مراعاة ذلك حتى لا ينتقدهم منتقد. وإذ ذكرنا الممثلين فلا ننسى ممثلة دور عفيرة، فإنها لم تلحظ ذوق نساء العرب في ملابسهن وكلامهن وحركاتهن؛ إذ كانت مرتدية ثيابا تبين زنديها، وكانت جامدة في حركاتها، وصوتها فكان خافتا جدا، بخلاف الست مريم سماط التي ألبست دور غادرة لبوسا جليلا، فأعجب بها الجميع أيما إعجاب، وبرهنت حقيقة على أنها الأولى بين زميلاتها.
ومن أهم الأحداث الخاصة بفرقة عكاشة في هذا الموسم الصراع مع فرقة جورج أبيض حول مسرحية «صلاح الدين وفتوحاته» تأليف فرح أنطون. وتتلخص القضية في أن فرح أنطون تعاقد مع جورج أبيض بخصوص هذه المسرحية في أبريل 1914، مقابل أقساط مالية محددة، وتمثيل ليلة خاصة للمؤلف. ولكن الأقساط لم تدفع بكاملها، ولم تمثل الفرقة الليلة الخاصة بالمؤلف، ولم تمثل المسرحية على الإطلاق. وعندما طالب فرح أنطون بحقه أبلغه جورج أبيض بأنه باع المسرحية لمتعهد إيطالي لمدة سنتين، وعليه مطالبة المتعهد بباقي الأقساط.
وفي مارس 1915 باع فرح أنطون المسرحية نفسها لفرقة عكاشة، التي أعلنت عن تمثيلها بدار التمثيل العربي يوم 16 / 3 / 1915، وقبل العرض اقتحم محضر المحكمة المختلطة ومأمور قسم الأزبكية المسرح؛ لينفذا حكم قاضي الأمور المستعجلة بالحصول على جميع نسخ المسرحية من المخرج والممثلين والملقن؛ للحفاظ على حق المتعهد الإيطالي. فخرج المؤلف إلى الجمهور وشرح لهم الأمر، وأعلن أن المسرحية ستمثل اليوم. وبالفعل قام الممثلون بالتمثيل دون نسخ ودون ملقن، معتمدين على الذاكرة والتدريبات السابقة.
وفي يوم 18 / 3 / 1915 أعلنت فرقة جورج أبيض تمثيل المسرحية بالأوبرا مساء فقامت فرقة عكاشة بتمثيلها في نفس اليوم نهارا وخفضت الأسعار انتقاما من فرقة أبيض. وفي المساء وأثناء تمثيل فرقة أبيض للمسرحية بالأوبرا استصدر فرح أنطون من قاضي محكمة عابدين حكما بالحجز على إيراد الليلة ليستكمل أقساطه المتأخرة، وبالفعل حدث ذلك. واستمر الصراع حول هذه المسرحية فترة طويلة حتى صرحت نظارة الداخلية بتمثيلها، فعرضتها فرقة عكاشة بدار التمثيل العربي يوم 22 / 4 / 1915.
59
موسم 1915-1916
اشتدت الحرب العالمية الأولى، وظهرت نتائجها على الفن المسرحي. ففرقة عكاشة أنهت موسمها الماضي قبل موعده، وبدأت موسمها الحالي بصورة متأخرة، ولم تستطع أن تسافر إلى الشام كعادتها كل صيف. وقد بدأت الفرقة هذا الموسم يوم 3 / 10 / 1915 بتمثيل مسرحية «الشيخ متلوف» بدار التمثيل العربي،
60
ثم مثلت مسرحيات: «القضية المشهورة»، «عائدة»، «تسبا»، «بائعة الخبز»، أيام 20-23 أكتوبر بمناسبة العيد، مع تقديم الموسيقى الوترية والفصول المضحكة من محمد ناجي.
61
ومع مرور الوقت قل إقبال الجمهور على عروض فرقة عكاشة، التي فكرت في إيجاد وسيلة لجذبه مرة أخرى بالرغم من ظروف الحرب، فوجدت ضالتها في العروض الفودفيلية، التي بدأت تجذب الجماهير، وأصبحت حديث الصحافة سواء بالمدح أو بالقدح. ومن أهم الفرق التي كانت تقدم هذه العروض جوق الكوميدي العربي لعزيز عيد، وكان هذا الجوق تألف في مايو 1915، وقدم عروضه ببرنتانيا وبمسرح الشانزليزيه بالفجالة. فقامت فرقة عكاشة بضم أفراده إليها تحت اسم «جوق عبد الله عكاشة»، وكانت الفرقتان تقدمان عروضهما في دار التمثيل العربي بالتناوب وبصورة شبه مستقلة ابتداء من أوائل نوفمبر 1915 وحتى أبريل 1916. وهذه العروض تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
الأول:
عروض قديمة أعادت فرقة عكاشة عرضها، وشارك في تمثيلها عزيز عيد، ومنها: «عبرة الإبكار»، «اليتيمتين»،
62 «الكابورال سيمون»، «عائدة»، «العواطف الشريفة»، «تسبا»، «غانية الأندلس»، «القضية المشهورة»، «عواطف البنين» أو «الزوجة الطريدة»، «ابنة حارس الصيد»، «تليماك»، «خليفة الصياد»، «القضاء والقدر»، «صدق الإخاء»، «عظة الملوك»، «عائدة»، «طارق بن زياد»، «البريئة المتهمة»، «شهداء الغرام»، «هملت»، «صلاح الدين الأيوبي»، «عبرة القضاء».
63
الثاني:
عروض جديدة قدمتها فرقة عكاشة ولم يمثلها جوق الكوميدي من قبل، وشارك فيها أيضا عزيز عيد، ومنها: «الطواف حول الأرض»، «حادثة جرنجوار مع الملك لويس الحادي عشر» ترجمة عزيز عيد، «اليد السوداء» تعريف محمد توفيق، «الفرسان الثلاثة» تأليف إسكندر ديماس وتعريب ميخائيل بشارة، «الميت الحي» لمحمد لبيب أبي السعود، «مصرع الزباء» تأليف محمد عبد المطلب،
64 «زفاف النوتي».
65
الثالث:
عروض فودفيلية، خاصة بجوق الكوميدي العربي، وقدمتها فرقة عكاشة، ومنها: «خلي بالك من أميلي» تأليف جورج فيدو تعريب أمين صدقي، «الزوج ذو الوجهين»، «المدموازيل جوزيت مراتي»، «الابن الخارق للطبيعة»، «عندك حاجة تبلغ عنها»، «حماتان على رجل واحد» أو «مباغتات الطلاق»، «يا ستي ماتمشيش كده عريانة»، «القرية الحمراء» تعريب أمين صدقي.
66
وكمثال لموضوعات المسرحيات الجديدة لفرقة عكاشة في هذا الموسم نجد مسرحية «الميت الحي»، تأليف محمد لبيب أبي السعود أمين الكتبخانة الخديوية، تدور أحداثها حول الشيطان، وكيف يزين الشهوات للناس وذلك من خلال وسوسته لإحدى السيدات التي تحاول إيقاع طبيب مستقيم في حبائلها، فقامت بادعاء المرض ومن ثم أرسلت له خادمتها، وعندما حضر حاولت أن تستميله باسم الحب، ولكنه قاوم. وقبل انصرافه طلبت منه أن يحضر إلى حفلة ستقيمها في منزلها، وبعد يومين نجد الطبيب مريضا في منزله حيث دب الحب في قلبه، وأصبح لا يقوى على العمل من شدة تفكيره في هذه السيدة، وازدادت عاطفته حتى مات. وعندما دفن جاءه الشيطان واتفق معه أن يعيده إلى الحياة ليعيش حبه من جديد مع هذه المرأة، بشرط إذا نفخ في بوق معين ثلاث مرات، لا بد له أن يعود إلى قبره مرة أخرى، فيوافق الطبيب وتعود إليه الحياة. ويذهب الشيطان مع الطبيب إلى إحدى الحانات، وفيها نجد الشيطان يوسوس للحاضرين، فهو في هذا الركن يوسوس للمقامرين، فيقتل أحدهما الآخر، ثم يوسوس لضابط الشرطة فيأخذ الضابط رشوة مقابل ترك القاتل ... إلخ هذه الأفعال. وفي النهاية يذهب الطبيب إلى حفلة السيدة ويتبادل معها لذة الحب والغرام، وفي أثناء ذلك يسمع نفخات البوق الثلاث، فيعلم أن متع وشهوات الحياة ما هي إلا لحظات قصيرة، وفي النهاية يلبي النداء ويعود إلى قبره. وتنتهي المسرحية.
67
غلاف مسرحية «الميت الحي».
أما عروض الفرقة الخاصة بالجمعيات في هذا الموسم، فتمثلت في عرضين؛ الأول: مسرحية «القضاء والقدر» لصالح الجمعية السورية المصرية للروم الأرتوذكس بالأوبرا، في مارس 1916، وقد غنت في هذه الليلة المطربة توحيدة، وعزف الموسيقى سامي الشوا، وقد حضر التمثيل صادق وهبة مندوب السلطان، والأمير إسماعيل داود صهر السلطان، والمستر لورنس قنصل فرنسا. أما العرض الآخر فكان مسرحية «غانية الأندلس» لصالح جمعية التوفيق الخيرية القبطية، بمسرح الحمراء بالإسكندرية، في أبريل 1916.
68
وبالإسكندرية أيضا قدمت الفرقة عدة مسرحيات بتياترو الهمبرا، في أبريل 1916، منها: «القرية الحمراء»، «يا ستي ما تمشيش كده عريانة»، «الشاعر جرنجوار».
69
وقد ظهر في هذا الموسم بصورة لافتة للنظر بعض الممثلين، سواء من جوق الكوميدي العربي أو من فرقة عكاشة. فمن ممثلي الجوق الكوميدي ظهر: نجيب الريحاني، محمد يوسف، محمد بهجت، أمين عطا الله، روز اليوسف. ومن فرقة عكاشة ظهرت: نهوى حسني، مريم سماط، عمر وصفي.
وإذا كان الموسم الماضي مر على فرقة عكاشة كأفضل موسم لها حتى الآن، فإن هذا الموسم جاء على النقيض تماما! وذلك بسبب وجود عزيز عيد وأفراد جوقته ضمن فرقة عكاشة، فعزيز عيد كان يشارك في تمثيل وإخراج مسرحيات عكاشة التاريخية والتراجيدية الغنائية، بأسلوبه الكوميدي والفودفيلي! مما جعل الكاتب عبد الحليم دلاور ينتقده بشدة في إحدى مقالاته، عن مسرحية «الفرسان الثلاثة»، بجريدة «المنبر» في 9 / 3 / 1916، قائلا فيها: ... لقد بولغ في الإعلانات عن مأساة «الفرسان الثلاثة»، ونوه بذكرها إلى حد جعل أهل المعرفة من أرباب التمثيل يعتقدون الاعتقاد الثابت بأن الإقبال عليها سيكون عظيما، وفاتهم أن الصديق عزيز عيد قد كاد لهم كيدا كبيرا، ومكر بهم مكرا، فإنه وضع اسمه المفخم «الأستاذ معلم التمثيل!» إزاء اسم البطل «دارتانيان»، فظن عشاق التمثيل المقبلون عليه أن الرواية ستمثل في صورة مضحكة ... فلم يقبلوا عليها. أما الذين شهدوا تمثيلها وهم القليل،
70
فقد خرجوا ساخطين لاغين يتساءلون، إذا كان الممثلون قد أرادوا جدا في هزل، أم هزلا في جد؟ على أننا إن استحسنا من الصديق عزيز عيد دأبه على قبر هذه المآسي الساذجة، فقد لا نوافقه على متابعة لحد كل المآسي التي تصادفه. بل أننا نستنكر عليه تمثيل «لاندري» في رواية «ابنة حارس الصيد». فقد كان فيه مسخة هزءة، على أنه أب وقور خليق بالاحترام والاعتبار ... وما فعله الصديق عزيز عيد في هذه المأساة جرأه على فعل مثله في رواية «الطواف حول الأرض».
عزيز عيد.
أما المشكلة الكبرى التي تعرضت لها فرقة عكاشة في هذا الموسم، فتمثلت في تمثيل المسرحيات الفودفيلية، الخاصة بجوق عزيز عيد، باسم فرقة عكاشة، وعرضها بدار التمثيل العربي. وعلى الرغم من تمثيل هذه المسرحيات، من قبل فرقة عزيز عيد عام 1907، إلا أنها لم تهاجم وقتها، بمثل ما هوجمت به في هذا الموسم. وترتب على ذلك قضية رأي عام، شاركت فيها معظم الجرائد المصرية، بمجموعة كبيرة من المقالات، بصورة يومية لمدة شهرين، وبالأخص في جريدتي «المنبر» و«الوطن» حيث تحولت القضية فيهما إلى معارك فنية وأدبية.
روز اليوسف.
فجريدة «المنبر» خصصت صفحة لتلقي المقالات والرد عليها تحت عنوان «الباب المطلق». وقد بدأت في نشر مقالاتها حول الفودفيل يوم 14 / 2 / 1916، وظلت تنشر الردود بصورة شبه يومية حتى توقفت في 10 / 3 / 1916. وبدأت المعركة عندما نشرت الجريدة خطابا بتوقيع «آنسة متفرجة» تحت عنوان «التمثيل مفسدة الأخلاق». وفي هذا الخطاب أبانت الآنسة أنها شاهدت مسرحية «يا ستي ماتمشيش كده عريانة»، فلاحظت أن بطلة المسرحية الممثلة روز اليوسف تظهر على المسرح بملابس البحر «المايوه»، وأن موضوع المسرحية يشرح كيف تكون الدعارة وكيف السبيل إليها، ومن ثم فهي تناشد عبد الله عكاشة بأن يمنع هذا النوع من المسرحيات، وأن يحذو حذو أستاذه الشيخ سلامة حجازي عندما منع عزيز عيد من أن يمثل إحدى مسرحياته الفودفيلية على مسرحه، وألقى بإعلاناتها إلى الأرض، وأغلق المسرح في وجه هذا النوع من المسرحيات المخلة بالآداب.
71
وفي 19 / 2 / 1916 نشرت الجريدة مقالة أخرى بتوقيع «بهلول»، وفيها عضد الكاتب ما كتبته الآنسة موضحا بعض الأمور المهمة التي كانت خافية عن القراء، قائلا: ... إن بعض دور الصور المتحركة (السينما) كانت تحظر في بعض الحفلات على السيدات والآنسات شهود بعض المناظر، هكذا يفعلون في دور الصور المتحركة، ولكن في دار التمثيل العربي لإخوان عكاشة تمثل أمامنا مناظر الفضائح مجسمة ناطقة بخلاعة مستنكرة. وقد يلتمس بعض العارفين لعبد الله عكاشة عذرا له في تمثيل هذه الفضائح في داره؛ إذ يقولون إن الحظ العاثر قد أدركه، والأزمة أخذت بخناقه ، حتى إنه في تمثيل لياليه العادية إنما يتفرج هو وممثلوه وموزعو إعلاناته على التمثيل، يضم إليهم نفر، لا يكادون يعدون على أصابع اليدين والرجلين. وبهذه الوسيلة تدركه الخسارة، حتى إن دخل ليلته لا يوازي قيمة طبع الإعلانات التي يلصقها أو يوزعها. ويقولون إن بعض أصدقائه زين له انضمام جوقة الكوميدي إليه، تحايلا على العيش والكسب، ولكن الحياة الفاضلة تدعو إلى القناعة بالقليل من الكسب مع الشرف والفضيلة، دون الكثير مع الفضائح والعار والرذيلة. وعندي أنه لأسلم له والخير أبقى أن ينقطع إلى عقر داره، لا أن يكون عونا ونصيرا لتفشي وباء هذه الرذيلة الجانية.
وفي 21 / 2 / 1916 نشرت الجريدة أول مقالة تناصر الفودفيل، وتهاجم خطاب الآنسة المتفرجة، بتوقيع محمود خيرت المحامي. فقامت الآنسة بكتابة مقالين كرد عليه في 23 و24 فبراير تحت عنوان «نعم، الفودفيل مفسدة الأخلاق»، أتت فيهما ببعض الأقوال المنطقية، مثل قولها: «مسرحيات «خلي بالك من أميلي»، و«يا ستي ما تمشيش كده عريانة»، و«عندك حاجة تبلغ عنها»، و«ليلة الزفاف» فيها من المشاهد المخزية الظاهرة ما تتحرج له الصدور الكريمة، ومن الألفاظ الفاحشة والمشاهد الشائنة ما لا يسوغ أي ذوق مهما بلغ من الجمود. بل كيف يجوز في نظر حضرته ولو لأحوال خاصة أن يمثل السرير بمن فيه بالمرسح، وأن تلقى على الأسماع ألفاظ لو سمعها المار في الطريق من السوقة أو الرعاع للعن قائليها ألف مرة ومرة.»
وفي 25 فبراير نشرت الجريدة مقالة لمحمد طاهر المخزنجي، حذر فيها الناس من المسرحيات الفودفيلية، وحثهم على مشاهدة التمثيل الراقي. وفي اليوم التالي كتب عبد الحليم دلاور مقالة في الموضوع تحت عنوان «ما هو الفودفيل؟ وهل هو مفيد؟»، قال فيها:
هذا النوع من التمثيل ليس من الأدب في شيء، بل هو شائن له، مزر بكل عالق كلف به من الأدباء ... إن الفودفيل مضيع للفضائل، عابث بالأخلاق، مكسب للرذائل. وفي ذلك ما فيه من سوء المغبة، وقبح الغاية، وإفساد وإضلال الأفراد والجماعات ... إن القائمين بأمر الفودفيل اليوم ... لجئوا إلى شر الروايات، وأقذرها، وأشدها خطرا على الآداب، أمثال: «عندك حاجة تبلغ عنها»، و«خلي بالك من أميلي»، و«يا ستي ما تمشيش كده عريانة». ففي الأول يتباهى الممثلون بخلع أثوابهم، وتبادلها أمام الجمهور. وفي الثانية ينعم عزيز عيد بلذة النوم مع ممثلته الأولى في فراش واحد، وفي الثالثة ... ولكن ماذا عسى أن أفعل؟ أأدنس قلمي بسرد حوادث تلك الموبقات؟ إني لأخجل من ذكرها، وأخشى أن أسبب للقارئ انزعاجا أو اشمئزازا.
وفي 28 فبراير كتب محمود خيرت المحامي مقالة ثانية دافع فيها عن الفودفيل، وهاجم فيها أقوال الآنسة المتفرجة، فكتب عبد الحليم دلاور في اليوم التالي مقالة، قال فيها:
روايات الفودفيل حاضة على الرذائل المثيرة للشهوات ... لا يعنى بها ناقد، ولا يعيرها كاتب أهمية. فإن الناقد يربأ بقلمه أن يدنسه بنقد فضائحها، والكاتب يتنزه عن أن يخط كلمة في وصفها، وأما ما نقرؤه أحيانا في مدحها، فإنه مدح مأجور يكتبه فريق من الكتاب والنقاد. ولكن بضاعتهم المزجاة، لا تروج إلا على نفر من السذج، وطائفة من الجهال. أما مؤلفو الفودفيل أنفسهم، فهم فئة نبذتهم الإنسانية الكاملة، ولفظتهم الآداب الفاضلة، لا فرق بينهم وبين أصحاب دور الميسر ... ولو جدت الحكومات في محاربة الميسر واستئصاله من البلاد ... فأخلق بها أن تكون جادة كذلك، في منع تمثيل هذا النوع من التمثيل الشائن الساقط، صيانة للآداب ... إن الفودفيل نوع من التمثيل الساقط، وليس من الأدب في شيء. وأنه في حلته العربية العامية، أسمج وأقبح منه في أية حلة سواها. وليفخر عزيز عيد بعد ذلك، بأنه مبتكر فن الفودفيل في مصر ... وليفخر من يعرب الفودفيل، بأنه محيي اللغة العامية على المسارح ... فكلاهما عاملان مجدان، على أعفاء أثر البقية الباقية من أخلاقنا وكرامتنا، اللهم إلا إذا أثارت النخوة في النفوس، وعاونت الحكومة الجمهور، في إيقاف هذا الفساد العاجل.
وفي أول مارس أضاف عبد الحليم دلاور مقالة أخرى، قال فيها تحت عنوان «الفودفيل خطر على الآداب»:
إذا شهدت تمثيل رواية «عندك حاجة تبلغ عنها» شاهدت ... حثا على الزنا، وحضا على الفحشاء. يقارب هذا ما جاء في رواية أخرى من هذا النوع الساقط، من أن الإنسان الذي يريد أن يكون من أهل الكياسة والمعرفة، ملزم بتجريب طبقات ثلاث من النساء، فيتخذ عشيقاته من الخادمات أولا، ومن المومسات ثانيا، ومن المتزوجات ثالثا. بأمثال هذه الآراء الفاسدة، والمبادئ الساقطة، تستثار الشهوات، وتحبذ المساوئ، ويحض على المخازي، ويحث على الموبقات. على أن ما حوته هذه الرواية من الفضائح، لا يعد بجانب ما تحويه رواية «خلي بالك من أميلي» ورواية «يا ستي ما تمشيش كده عريانة»، فإن مؤلفهما قد أربى فيهما على القحة والفحش. أفبعد هذا لا يقال بأن الفودفيل خطر على الآداب؟
وفي يوم 3 مارس كتب عبد الحليم دلاور مقالة أيضا، قال فيها تحت عنوان «واجب الحكومة إزاء الفودفيل منعه ومصادرته»:
ننشد معونة الحكومة، وننبهها إلى الخطر الداهم، حتى تفل تلك الأيادي العاملة على تضليل العقول وإفساد النفوس بنشر هذا النوع من التمثيل الساقط ... ليس إلا واجب واحد، على الحكومة إزاء الفودفيل وهو منعه ومصادرته! ... وإذا كان المنع من شأنه، إبعاد مضرة عن الجمهور، فأخلق بالحكومة أن تباعدنا شرا تستطيره هذه الروايات العابثة بالآداب، المفسدة للأخلاق، المثيرة للشهوات. إن فعلت الحكومة ذلك، ولا نخالها إلا فاعلة، فقد تطمئن نفوسنا.
وفي يوم 6 مارس كتب علي ذو الفقار مقالة، قال فيها:
أطلب من أجواق التمثيل عامة، ومن عبد الله أفندي عكاشة وعزيز أفندي عيد خاصة، أن يبطلوا تلك الروايات، ويمثلوا لنا القصص التاريخية التي تبعث في النفس التمسك بالفضيلة، والتخلي عن الرذيلة، وهم على ذلك قادرون، إن شاءوا، أن يأخذوا بيد أمتهم الضعيفة إلى مراقي الفلاح، وليعلموا بأن ذلك النوع «الفودفيلي» لا يلائم أحوال بلادنا لما يأتيه الممثلون مع الممثلات على المراسح من الأعمال، التي يحمر لها وجه الفضيلة خجلا، والله مع العاملين.
وفي يوم 8 مارس كتب محمود خيرت المحامي مقالة أخيرة له دافع فيها عن الفودفيل دفاعا مستميتا، فاختتمت الآنسة المتفرجة هذه المعركة بمقالة يوم 10 مارس قالت فيها، كرد منها على المحامي، تحت عنوان «نعم الفودفيل مفسد الأخلاق »:
لا يمكن للأستاذ خيرت أن ينكر ذلك، وهو يعلم أن عبد الله عكاشة عطل غير مرة تمثيل رواياته لعدم الإقبال عليه. ولعل السبب في عدم هذا الإقبال راجع، على ما أدري إلى تسويفه تمثيل هذه الروايات المخجلة الفاضحة، في دار يقال لها دار التمثيل العربي. فأنف الفضلاء والفضليات من الآنسات والسيدات تشجيع دار يقال إنها مدرسة للفضيلة، والرذائل تمثل فيها مكشوفة عارية مجسمة.
وهكذا أوقفت جريدة «المنبر» متابعة القضية، فتلقتها جريدة «الوطن» ونشرت عدة مقالات بدأتها بمقالة لميخائيل أرمانيوس في 8 / 3 / 1916، دافع فيها عن الفودفيل. فرد عليه فرح أنطون بمقالة يوم 10 مارس، قال فيها:
الكتاب والأدباء الذين كتبوا في هذا الموضوع يخطئون في طلب مداخلة الحكومة لمنع هذه الروايات، ويجب الاكتفاء بمداخلة الرأي العام، وقد كان الرأي العام ذا تأثير فعال في هذه القضية؛ لأن جوق حضرات عبد الله عكاشة وإخوته، اضطروا أن يوقفوا وقتيا تمثيل روايات الفودفيل، بعد ما شهدوه من قيام الناس عليهم ... إن كان الربح هو المقصود فقط، بقطع النظر عن الفن والأدب ورقي الأخلاق التي هي أغراض المراسح، فالأفضل إذن أن تجعل المراسح قهوات تمثيلية، تسقي فيها النساء البيرة، ويكون الربح أعظم بكثير. إن مجرد الربح وحده لا يكفي في تبرير الأعمال الشاذة في وسط شرقي كوسطنا.
وفي يوم 14 مارس كتب ميخائيل أرمانيوس مقالة ثانية تحت عنوان «نحن والنابغة فرح أنطون»، حاول فيها تفنيد آراء فرح أنطون، فلم يستطع، فانحرف بالقضية إلى مسار آخر. فكتب فرح أنطون ردا عليه في آخر مقالاته يوم 15 مارس قائلا فيها:
أذكر لحضرته أن الممثل الفني عزيز أفندي عيد، منشئ نوع الفودفيل في مصر، قد أخبرني بعد تمثيل روايته الأخيرة التي قامت عليها القيامة، إنه وجوق حضرات عبد الله عكاشة وإخوته، عقدوا النية على ترك الفودفيل غير الأدبي، والاقتصار فيما يمثلونه من الروايات الجديدة، على الفودفيل الأدبي، مثل رواية «مباغتات الطلاق» و«الابن الطبيعي» و«حادثة شارع لورسين»، أي إن رواياتهم الجديدة تكون أدبية، وقد سمعت مثل هذا الخبر أيضا، من فم حضرة الأديب أمين أفندي صدقي الذي يعرب للجوق رواياته. وسمعته أيضا من أحد أصحاب جوق عكاشة وإخوته، المنشد اللبق زكي أفندي عكاشة. وبناء على ذلك لا يبقى خلاف أو نزاع في هذا الموضوع، وكل حق أصبح مصونا: حق حرية التمثيل، وحق الأدب، وحق الجوق الذي يمثل الفودفيل. وإذا أبطل جوق عكاشة وعزيز عيد ذلك النوع، واستمر الأدباء يتناقشون في هذا الموضوع، بعد هذا النبأ كان للمسألة وجوه أخرى لست ممن يدخلون فيها.
والتزم فرح أنطون بذلك فلم يكتب في هذا الموضوع، ولكن ميخائيل أرمانيوس استمر في مقالاته، فكتب يوم 16 مارس مقالة، جاء فيها بأقوال لنجيب الريحاني وروز اليوسف كدفاع منهما عن التمثيل الفودفيلي. وفي يوم 18 مارس كتب مقالة أخرى هاجم فيها أقوال فرح أنطون، ودافع فيها أيضا عن الفودفيل، فرد عليه آخر بمقالة في يوم 20 مارس جاءت بتوقيع بنتاءور. فكتب ميخائيل أرمانيوس ثلاث مقالات متتالية، في أيام 23 و24 و30 مارس هاجم فيها فرح أنطون، ومدافعا فيها عن الفودفيل.
انتهت القضية أخيرا، وتوقفت الصحف عن نشر المقالات، فقد انتصر الرأي العام، وامتنع الجمهور عن الإقبال على مشاهدة المسرحيات الفودفيلية، وامتنعت الفرق عن تقديمها وبالأخص فرقة عكاشة التي عادت إلى سيرتها الأولى في تقديم المسرحيات الغنائية والتاريخية. وأمام هذا لم يجد عزيز عيد مفرا من أن ينسحب بجوقته من فرقة عكاشة، ويلجأ إلى تقديم مسرحياته في مكان آخر. وبذلك توقف التعاون بين الجوق الكوميدي العربي بقيادة عزيز عيد، وبين فرقة عكاشة في مايو 1916.
موسم 1916-1917
حاول بعض الأجانب بالاشتراك مع بعض المصريين في مارس 1916 إقامة مشروع استثماري بالإسكندرية، من خلال استئجار تياترو زيزينيا من مالكه الأمير يوسف كمال، بغرض ترقية التمثيل المسرحي، وذلك بجلب الفرق الأجنبية. وبالفعل تكونت لجنة قامت بالتفاوض مع الأمير، وأطلقت على هذا المشروع اسم «شركة ترقية التمثيل»، وظل التفاوض بين أخذ ورد ما يقرب من شهرين، استطاعت الصحف المصرية أن تتابعه باهتمام بالغ حتى توقف المشروع، بسبب إصرار كل جانب على شروطه.
72
وفي 14 / 7 / 1916، قالت جريدة «الوطن» تحت عنوان «مشروع العاصمة بعد مشروع الإسكندرية»:
رأى جماعة من وجوه العاصمة وأفاضلها الحالة التي صار إليها فن التمثيل العربي، وسمعوا بخبر الشركة التي أرادت في الإسكندرية ترقية التمثيل الإفرنجي، فأخذتهم الغيرة على هذا الفن الجميل، الذي هو وسيلة من وسائل الرقي والنهوض وترقية الشعب. فاجتمعوا وقرروا إنشاء شركة رأس مالها يتراوح بين 4 آلاف جنيه و6 آلاف جنيه، وغرضهم إحياء فن التمثيل العربي بإنشاء جوق جديد يعمل بحسب أصول الفن، ويكون هذا الجوق مستقلا عن الأجواق الموجودة، ومسمى باسم جديد ... وقد شاع في وسط التمثيل، أن الشركة تنوي طلب تياترو حديقة الأزبكية، لكي تصلحه وتتخذه مرسحا لها ... وقد شرعت الشركة في كتابة صيغة عقد الاتفاق ... والأسماء التي شرعت في تأسيس هذا العمل العمومي المفيد كفيلة بنجاحه؛ لأن أصحابها من أهل الكفاءة والفضل والشهرة في الاقتصاد والتجارة.
وبعد أيام قليلة تابعت الجريدة الموضوع، فأضافت معلومات أخرى تمثلت في أن الشركة وقع اختيارها على إحدى الفرق المسرحية، وفاوضتها في شروط الاتفاق، وبدأت في جرد الملابس والمناظر الموجودة في مخازنها. كما أن الشركة طلبت من الشيخ سلامة حجازي أن يفيدها بخبرته الإدارية والفنية، ولمحت الجريدة إلى أسماء بعض مؤسسي هذه الشركة، ومنهم: مالي مشهور صاحب شركة مالية، وعضو في الجمعية التشريعية، واقتصادي مصري شهير، وتاجر وطني من أكبر تجار العاصمة، وموظف كبير أديب.
73
وعلى الرغم من أن هذه المعلومات مبهمة، ولا تدل على حقيقة هذه الشركة، ولا أسماء أصحابها، ولا تشير إلى الفرقة التي وقع عليها الاختيار. إلا أننا سنعلم فيما بعد، أن هذه المعلومات، تخص فرقة أولاد عكاشة.
وإذا تركنا هذا الأمر بصفة مؤقتة، ونظرنا إلى فرقة عبد الله عكاشة، نجدها بدأت موسمها بتمثيل مسرحية «الشيخ متلوف» بدار التمثيل العربي، يوم 23 / 9 / 1916، ومسرحية «تليماك» يوم 26 سبتمبر. بعدها سافرت إلى المنيا بدعوة من أعيانها، ومثلت مسرحية «البخيل» على مسرح بلاس في أواخر سبتمبر، ثم عادت إلى العاصمة، ومثلت «عائدة» يوم 3 أكتوبر بدار التمثيل العربي.
74
وعلى دار التمثيل العربي عرضت الفرقة أربع مسرحيات في عيد الأضحى أيام 8-11 أكتوبر ، أعادت فيها ثلاث مسرحيات قديمة، هي: «البخيل»، «القضاء والقدر»، «مصرع الزباء». أما المسرحية الرابعة فكانت جديدة وهي «حرب البسوس»
75
أو «المهلهل بن ربيعة» تأليف محمد عبد المطلب وعبد المعطي مرعي.
وظلت الفرقة تعيد عرض مسرحياتها على دار التمثيل العربي، حتى أواخر يناير 1917؛ ليكون آخر موسم تعرض فيه الفرقة مسرحياتها، على هذا المسرح، ومنها: «الأفريقية»، «القضاء والقدر»، «عظة الملوك»، «البريئة المتهمة»، «تليماك»، «البخيل»، «غانية الأندلس»، «عواطف البنين»، «هملت»، «الشيخ متلوف»، «اليتيمتين»، «القضية المشهورة»، «مصرع الزباء»، «اليد السوداء»، «محاسن الصدف»، «ضحية الغواية».
76
وقد قدمت الفرقة في هذه الفترة مسرحيتين جديدتين؛ الأولى: مسرحية «ليلة في بغداد» في 21 / 12 / 1916، والثانية: «شمس الصباح» ببرنتانيا في 24 / 1 / 1917.
77
غلاف مخطوطة مسرحية «الأفريقية».
هذا بالإضافة إلى إحياء الفرقة ليلة تمثيلية لصالح جمعية ثمرة الاتحاد الخيرية المركزية، مثلت فيها مسرحية «القضية المشهورة» بدار التمثيل العربي في أكتوبر 1916. كما أحيت الفرقة ليلتين خيريتين، ببندر سنورس، تحت رعاية أحمد حمدي سيف النصر مدير الفيوم، في منتصف نوفمبر 1916، حيث مثلت مسرحية «مصرع الزباء». وأخيرا أحيت الفرقة ليلة خيرية بدار التمثيل العربي خصصت دخلها لإعانة صالح شكري، أحد رجال جريدة «المؤيد»، فعرضت مسرحية «الأفريقية»، واختتمتها بفصل مضحك من عمر وصفي يوم 3 / 2 / 1917.
78
وبجانب العروض السابقة كانت الفرقة تقدم الفصول المضحكة من محمد ناجي، والقطع الموسيقية من محمود خطاب، والغناء من زكية الشامية، وبعض ألحان محمود رحمي. وتميز من الممثلين في هذه العروض: أحمد فهمي، عبد الله عكاشة، محمد يوسف، عبد الحميد عكاشة، محمد بهجت، نهوي حسني، محمد أمين، حسن حبيب، علي حمدي، الشيخ إبراهيم أبي السعود، حسن كامل، السيد جمال الدين، عثمان حلمي، أحمد ناجي. أما الملقن فكان محمد أبو عمة.
وفي يناير 1917 ظهرت أخبار جديدة بخصوص شركة ترقية التمثيل العربي، ونشرت جريدة «الأفكار» إعلانا في 21 / 1 / 1917، جاء فيه الآتي:
شركة ترقية التمثيل العربي، شركة توصية بأسهم، عبد الله عكاشة وإخوته وشركاؤهم
تتشرف بإعلان الجمهور بأنها اتخذت مؤقتا محلا بمكتب إدارتها، بشارع الخليج خلف الكتبخانة السلطانية، في شارع محمد علي في الدور الثالث، تليفون 3405، وأنها ستحيي في دار الأوبرا تحت رعاية حضرة صاحب العظمة مولانا السلطان، اثنتي عشرة ليلة، تبدأ يوم 8 فبراير المقبل، تمثل فيها جملة روايات. وأخذت تستعد من الآن لإتقانها، حتى تحوز رضى الجمهور، واستحسان محبي الأدب، وأنصار التمثيل، والله - تعالى - ولي التوفيق. والمخابرة حضرة محمود عزت، مأمور إدارة الشركة.
وهكذا علمنا أن أصحاب مشروع الشركة وقع اختيارهم على فرقة عكاشة، وأن رئيس هذه الشركة هو عبد الخالق مدكور باشا، ويساعده طلعت حرب بك وفؤاد سلطان، ويوسف قطاوي باشا. وبلغ رأس مال الشركة ألفي جنيه، أودعت في بنك حسن سعيد باشا، وقد ابتاع أسهم الشركة بعض أعيان المصريين والسوريين. وقد رفض الشيخ سلامة حجازي الانضمام إلى هذا المشروع، وقد سعت الشركة لدى وزارة الأشغال العمومية، من أجل أخذ حق التمثيل في مسرح حديقة الأزبكية،
79
وبالفعل أخذت الشركة امتياز المسرح لمدة 50 سنة بإيجار سنوي 12 جنيها.
80
وقد ذكر «الدليل المصري» لسنة 1917 معلومات تفصيلية عن هذه الشركة، منها أن الشركة مسجلة بالمحكمة المختلطة، وأن مأمور إدارتها محمود عزت. أما سكرتيرها فهو أحمد ثابت، ومدير المرسح محمود رحمي، والصراف أسعد سعد، ومديري المخازن الشيخ عبد الباقي عكاشة وصالح محمد. ومركز إدارة الشركة يقع في شارع عبد العزيز بأول حارة ترب المناصرة منزل مختار ممتاز.
81
هذا هو الجانب الإداري لشركة ترقية التمثيل، أو لفرقة عكاشة. أما الجانب الفني في هذه الفترة، فقد بدأته الفرقة في أوائل فبراير 1917، حيث مثلت بعض المسرحيات في الأوبرا - بناء على الإعلان السابق - بدأتها بمسرحية «القرصان» أو «لصوص البحر»، ترجمها عن الفرنسية يوسف حبيش. وكان إقبال الجماهير على رؤية هذه المسرحية قليلا، رغم إجادة الممثلين لأدوارهم، وذلك راجع إلى أن المسرحية لم تكن حديثة، بل كانت قديمة العهد.
82
وممن قاموا بتمثيلها: توفيق ظاظا، محمد بهجت، محمد يوسف، أحمد فهمي، محمود وهبي، مريم سماط، لبيبة فارس، نهوى حسني، لطيفة حجازي.
83
أما المسرحية الثانية «أبو الحسن المغفل»، فكانت أكثر حظا من سابقتها من حيث الإقبال الجماهيري. فقد كتبت جريدة «الأفكار» في 18 / 2 / 1917 كلمة عنها، قالت فيها:
شهد الجمهور ليلة الجمعة الماضية، تمثيل رواية «أبي الحسن المغفل» في الأوبرا السلطانية، وكانت غاصة به. فخيل إليه أنه يرى حقائق واقعية؛ ذلك لأن الممثلين والممثلات أبدعوا في تمثيلها إبداعا، ملأ أفئدة الحضور سرورا، وجعلهم يوقنون أو «الجوق العكاشي» نهض نهضة كبرى، لم تكن متوقعة في ذلك الأمد القصير. وأنه على قاب قوسين أو أدنى من الكمال، الذي نتمناه ونرغب فيه. لم تكن الرواية حديثا الوجود، ولا عظيمة المغزى، ولا رائعة المناظر، ولا قوية اللغة. ولكن براعة الممثلين أكسبتها جمالا جعلها خيرا من الروايات العظيمة بذاتها، وكذلك يفعل التمثيل الصحيح. رأينا النابغة محمد بهجت بطل الرواية يمثل أبا الحسن المغفل، فرأينا الغفلة الفطرية، والسذاجة الطبيعية، وأمعنا النظر في جميع حالاته علنا نجد عيبا نرشده إليه ليتجنبه حين يعود لتمثيله مرة أخرى، فلم نجد غير الإبداع في جميع أدوراه، سكرانا ومفيقا، مؤملا ويائسا، خليفة وصعلوكا، ذكرا أو أنثى، عاشقا مؤملا ومعرضا عنه قانطا. وإذا ذكرنا بهجت وإجادته، فلا ننسى أبدا حضرة أحمد فهمي، ممثل دور عرقوب خادم أبي الحسن، وحضرة الممثل المطرب عبد الله عكاشة وأخويه الممثلين المطربين، ومحمد يوسف وتوفيق ظاظا، والممثلات فكتوريا موسى ومريم سماط ونهوى حسني وجراسيا قاصين، فلقد أجاد كل منهم دوره إجادة دلت على أنه خليق للتمثيل. وإذ نحن أثنينا على التمثيل، فلن يفوتنا الثناء على حضرة الموسيقار البارع محمود خطاب رئيس الموسيقى الوترية، ومحمود رحمي واضع ألحان الرواية، فقد أبدعا إبداعا جعل الحضور يقولون إن في مصر موسيقيين.
محمود رحمي.
أما المسرحية الثالثة «الاتجار بالأزواج»، فكانت إحدى مسرحيات الفرقة الجديدة التي مثلتها بالأوبرا، وقد ألفها من واقع المجتمع المصري حسين محمود الطالب بمدرسة الحقوق السلطانية.
84
وهي تدور حول محمود بك، الذي تزوج من فتاة غنية، وبعد أن استنزف ثروتها طردها من منزله، وهي تحمل في أحشائها ابنا له. ثم نراه يلهو ويعربد مع الغانيات وأصدقاء السوء بين كئوس الخمر وضحكات الغواني. وهنا ترمي الراقصة زكية شباكها حوله فتتزوجه ومن ثم تستنزف ماله، وبعد عدة سنوات طويلة نجد مطلقة محمود بك أصبحت أما لشاب محامي ناجح في عمله، بعد أن تعذبت في تربيته، حيث عملت عدة أعمال شاقة من أجل لقمة العيش، ومن أجل تربية وتعليم ابنها. وعلى الجانب الآخر نجد زكية الراقصة بعد أن أفلست زوجها محمود ألقت بشباكها على أحد أصدقائه فأصبح عشيقها. وفي ذات يوم يحضر الزوج في غير موعده، ويضبط زوجته في أحضان صديقه، فيقوم بقتلهما ويتم القبض عليه. وفي السجن يأتي ابنه المحامي للدفاع عنه، وفي المحكمة يستطيع الابن أن يثبت أن القتل جاء كدفاع عن الشرف، وبذلك يحصل الأب على البراءة، وتنتهي المسرحية بلم شمل الأسرة من جديد.
محمد عبد القدوس.
وهذه المسرحية لاقت نقدا دقيقا منظما من قبل أحمد أبي الخضر منسي، الذي راح يعدد عيوب تأليفها، من حيث عدم تتابع الأحداث المتسلسلة، والانتقال المفاجئ من زمن إلى آخر دون وجود الدليل على هذا الانتقال، وسرد بعض الأحداث كان التمثيل أفضل لها من سردها، وعدم ملائمة لغة الحوار لبعض الشخصيات تبعا لطبقاتهم الاجتماعية. ثم عرج الناقد إلى الموسيقى، فطلب من محمود خطاب أن يسمع الجماهير الألحان الشرقية المعروفة لا الألحان الغربية. وأخيرا تحدث عن الممثلين، فأثنى على كل من: عبد الله عكاشة، زكي عكاشة، توفيق ظاظا، فكتوريا موسى، لطيفة حجازي، محمود وهبي.
85
وقد أعادت فرقة عكاشة تمثيل مسرحية «الاتجار بالأزواج» بالإسكندرية وببني سويف في أبريل 1917، وكتب عبده أحمد الجرجاوي كلمة نقد مادحة عن عرض بني سويف.
86
وفي شهر أبريل أيضا أعلنت جريدة الأفكار أن فرقة عكاشة ستمثل خمس مسرحيات بالأوبرا، تتنوع بين العروض الجديدة والقديمة، هي «معارك الحياة» تأليف أوجين سو، تعريب خليل مطران وخليل مرشاق، «القضية المشهورة»، «المرأة الفاتنة» لمصطفى ممتاز، «الشيخ متلوف»، «البريئة المتهمة».
87
ولكن واقع الفرقة في ذلك الوقت خالف هذا الإعلان بعض الشيء، حيث وجدنا الفرقة تقيم حفلات نهارية بالأوبرا حيث مثلت مسرحيات: «أبو الحسن المغفل»، «مصرع الزباء»، «محاسن الصدف»، ثم «البريئة المتهمة» في حفلة مسائية.
88
وظلت الفرقة تتنقل بعروضها بين مسرحي الكورسال وبرنتانيا طوال شهر مايو، وفي نهاية هذا الشهر ضمت محمد عبد القدوس إلى ممثليها، حيث قام ببطولة مسرحية «عواطف البنين» ببرنتانيا يوم 20 يونية، وألقى منولوج «حلوة حلوة خالص دي العروسة» في عرض مسرحية «اليتيمتين» ببرنتانيا أيضا يوم 25 يونية.
89
وفي أوائل يولية 1917 قدمت الفرقة موسما صيفيا بمسرح الحمراء بالإسكندرية، وقد أعلنت أنها ستمثل مسرحيات: «معارك الحياة»، «الأفريقية»، «تليماك»، «مصرع الزباء».
90
ولكنها في الحقيقة مثلت مسرحيات: «الشيخ متلوف»، «عائدة»، «مصرع الزباء».
91
بعد ذلك استكملت الفرقة موسمها الصيفي في رأس البر، فمثلت بقية مسرحياتها المعلنة.
92
موسم 1917-1918
عادت الفرقة من موسمها الصيفي في منتصف سبتمبر 1917، وبدأت بتمثيل عروضها السابقة ببرنتانيا، ومنها: «معارك الحياة»، و«أبو الحسن المغفل».
93
وفي موسم عيد الأضحى مثلت عدة مسرحيات، منها: «طارق بن زياد» بمسرح الحمراء بالإسكندرية.
94
وبعد عودتها قدمت عروضا سابقة على مسرحي الشانزليزيه بالفجالة وبرنتانيا، منها: «مصرع الزباء»، و«طارق بن زياد».
95
والمسرحية الأولى قدمتها أيضا في إمبابة مساعدة منها لجمعية الصليب الأحمر البريطاني، وكانت تحت رعاية مدير الجيزة أحمد حمدي سيف النصر.
96
أما مسرحية «القضاء والقدر»، فقدمتها الفرقة بالأوبرا السلطانية في ليلة جمعية القديس جاورجيوس الخيرية السورية المصرية الأرتوذكسية في نوفمبر 1917.
97
وفي أوائل ديسمبر 1917 مثلت الفرقة عدة مسرحيات بالأوبرا السلطانية، منها: «طارق بن زياد»، «عظة الملوك»، «بنت حارس الصيد»، «مصرع الزباء»، «مي وهوراس». كما مثلت مسرحيتين جديدتين، هما: «أنجومار المتوحش»، تعريب مصطفى ممتاز، و«الراهب المتنكر» أو «الحضارتين» تأليف الشيخ أمين الخولي.
98
كما عرضت الفرقة من أواخر ديسمبر 1917 وحتى فبراير 1918 عروضا خاصة بالجمعيات الخيرية والمدارس، منها: مسرحية «مصرع الزباء» لجمعية المساعي الخيرية المارونية بالأوبرا، و«أبو الحسن المغفل» لجمعية رعاية العميان بالإسكندرية بمسرح الحمراء، و«مصرع الزباء» لمدرسة شيكولاني للبنات بشبرا، بالأوبرا السلطانية، تحت رعاية صاحب الدولة حسين رشدي باشا.
99
وفي أواخر فبراير 1918 عادت الفرقة إلى الأوبرا لاستكمال عروضها السابقة، فعرضت مسرحيات: «الراهب المتنكر»، «أنجومار المتوحش»، «القضية المشهورة». كما مثلت مسرحية جديدة أخرى، هي «الأمير الظافر» أو «الخليفة الظافر» أو «مأساة ابن تميم» تأليف إبراهيم حداد.
100
ومسرحية «الخليفة الظافر» تدور أحداثها حول حب نشأ بين الأمير الظافر وبين غصن البان شقيقة ابن تميم، وتدور أيضا حول حب آخر نشأ بين نصر بن تميم وبين أسماء ابنة الظافر. ولكن أطماع ابن تميم دمرت هذا الحب؛ حيث إنه طمع في عرش الظافر؛ لذلك دبر خطة بمساعدة ابنه نصر كي يستدرجا الظافر إلى منزلهما، واحتالا على ذلك بخطاب وقعت عليه أسماء دون أن تعلم فحواه؛ لأن ابن تميم أغراها بعقد من اللؤلؤ حيث إنها مغرمة بالجواهر. وهذا الخطاب عبارة عن استنجاد من أسماء إلى أبيها، تخبره بأن بعض اللصوص خطفوها، وسجنوها في منزل ابن تميم ولابد من نجدتها. وبالفعل يحضر الأمير ويتم قتله بيد ابن تميم ونصر. بعد ذلك يذهب ابن تميم إلى قصر الظافر ويخبر الجميع بأن الظافر قتل بخنجر وجده في غرفة الأميرين يوسف وجبريل شقيقي الظافر. وهكذا استطاع ابن تميم أن يعتلي العرش بعد أن تخلص من الظافر وشقيقيه. وأمام هذه الأمور تستنجد غصن البان بالأمير الصالح بن زريك، حتى يخلص البلاد من ظلم شقيقها ابن تميم، ولينتقم لحبيبها المقتول الظافر. كما نجد نصرا وقد تزوج من أسماء، ولكنه أصيب بالجنون، حيث إن دم الظافر يطارده في كل مكان، وبعد عدة أيام استطاع فيها ابن تميم أن يتنعم بملذات الحياة، جاء الصالح بن زريك لنجدة البلاد، فهرب ابن تميم مع ابنه نصر. وبعد مطاردة كبيرة لهما من قبل جنود الصالح يتم القبض عليهما، فيصاب ابن تميم بالجنون، حيث إن دم الظاهر يطارده أيضا، وبعد صيحات الجنون وتصرفات النادم على أفعاله يموت ابن تميم، وتنتهي المسرحية.
غلاف مخطوطة مسرحية «مأساة ابن تميم» أو «الخليفة الظافر».
بعد ذلك عرضت الفرقة طوال شهر أبريل بمسرح الكورسال مسرحيات: «عظة الملوك»، «الشيخ متلوف»، «الأفريقية»، «أبو الحسن المغفل»، «اليد السوداء».
101
وفي 4 / 5 / 1918 مثلت الفرقة بمسرح الحمراء بالإسكندرية، مسرحية جديدة هي «الزنبقة الحمراء». بعدها عادت الفرقة ومثلت ببرنتانيا «الطواف حول الأرض» في منتصف مايو،
102
ثم بدأت موسمها الصيفي بالإسكندرية، ومثلت عدة مسرحيات بمسرح الحمراء، منها: «مغائر الجن» و«الراهب المتنكر ».
103
وبذلك انتهى موسمها التمثيلي الذي كان مضطربا بعض الشيء؛ لعدم وجود مسرح ثابت للشركة باستثناء عروضها في الأوبرا.
موسم 1918-1919
بدأت الفرقة موسمها هذا في أوائل أكتوبر 1918، بعرض عدة مسرحيات على أكثر من مسرح منها «القضاء والقدر» بمسرح كازينو الكورسال، و«اليتيمتين» ببرنتانيا، و«القضاء والقدر» مرة أخرى بمسرح برنتانيا، في ليلة خيرية لصالح عمال المطابع.
104
ومن أواخر أكتوبر حتى ديسمبر 1918 قدمت الفرقة مجموعة كبيرة من المسرحيات بالأوبرا، منها: «الراهب المتنكر»، «الزنبقة الذهبية»، «القضاء والقدر»، «أنجومار المتوحش»، «زفاف النوتي»، «طارق بن زياد»، «البريئة المتهمة»، «أبو الحسن المغفل»، «ضحية الغواية»، «غانية الأندلس»، «اليتيمتين»، «معارك الحياة»، «الاتجار بالأزواج».
105
وفي 4 / 1 / 1919 قررت الجمعية العمومية لمساهمي شركة ترقية التمثيل القيام بتنفيذ أعمال بناء تياترو حديقة الأزبكية، كما قررت زيادة رأس المال لمواجهة متطلبات بناء المسرح وتجهيزه، كما قررت أن مدة هذه الشركة هي 35 سنة.
106
وفي الفترة من منتصف يناير وحتى نهاية الموسم الشتوي في مايو 1919 مثلت الفرقة عدة مسرحيات ببرنتانيا، اقتطعت منها عدة أيام، ومثلت بالمنيا ثلاث مسرحيات، في فبراير 1919، هي: «القضاء والقدر»، «اليد السوداء»، «غانية الأندلس».
107
أما المسرحيات التي مثلتها ببرنتانيا، فهي: «الطبيعة والزمن»، «تسبا»، «البريئة المتهمة»، «مصرع الزباء»، «الاتجار بالأزواج».
108
وفي يولية وأغسطس 1919 أحيت الفرقة موسمها الصيفي بتياترو الكونكورديا بالإسكندرية، بالاشتراك مع جوق الأوبريت كوميك، لأصحابه سليم وأمين عطا الله وكاميل شامبير، حيث مثلت عدة مسرحيات، منها، «الأمير سليم» لإبراهيم رمزي،
109
وهي من مسرحيات الفرقة الجديدة. وبذلك انتهى هذا الموسم، الذي تميز بالقصر وعدم الاستقرار بسبب الثورة المصرية بقيادة سعد زغلول.
موسم 1919-1920
بدأت الفرقة موسمها هذا مع بداية الاحتفال بالعيد في سبتمبر 1919، وذلك بتمثيل عدة مسرحيات على مسرح برنتانيا، منها: «الأمير سليم»، «اليتيمتين»، «شهداء الغرام»، «أنجومار المتوحش»، «مصرع الزباء»، «مغائر الجن».
110
وفي يوم 6 / 4 / 1920 قدمت الفرقة أولى مسرحياتها الجديدة لهذا الموسم بالأوبرا السلطانية، وكانت مسرحية «الشريط الأحمر» أو «مصارع الشهوات» لعباس علام، وكانت من تمثيل: زكي عكاشة، محمد يوسف، محمود رحمي، عبد الله عكاشة، فكتوريا موسى، لبيبة فارس، ألمظ أستاتي، عبد الحميد عكاشة، صالح محمد ، أحمد فهمي، أمين عفيفي ، حسن حبيب، يوسف خليل، متولي السيد، حامد المغربي.
إعلان مسرحية «الشريط الأحمر» أو «مصارع الشهوات».
ومسرحية «الشريط الأحمر» تدور أحداثها حول أسرة عاكف بك قائمقام في البوليس، وهي أسرة متكونة من زوجته لبيبة هانم وابنته حكمت، ويعيش معهم أيضا حقي بك القاضي بالمحاكم الأهلية، المتزوج من إحسان هانم شقيقة لبيبة، والشيخ عبد الحق والد حقي، وعبد التواب عسكري المراسلة لعاكف، وزوجته ظريفة خادمة المنزل. وهذه الأسرة تعيش في سعادة وهناء، رغم تأخر عاكف كل ليلة حتى الفجر، وعندما تسأله زوجته عن سبب هذا التأخير يقول لها إن السبب هو ظروف عمله في البوليس، حيث كان يضبط واقعة ما. وفي ليلة أرادت الأسرة أن تذهب إلى المسرح، فاعتذر عاكف بسبب عمله، كما اعتذرت ظريفة الخادمة لأن أعمال المنزل كثيرة. وفي الصباح نجد ظريفة تدخل على عاكف مكتبه في المنزل وتقدم له القهوة، فيمسك يدها بدلال، ويحدث تقبيل وضم بينهما، ونفهم من الحوار أن لقاء محرما تم بينهما في الليلة الماضية، على غرار ليال أخرى سابقة، بل وكانت ظريفة تذكره بمحمد ابنهما، الذي نسبته إلى زوجها العسكري عبد التواب.
غلاف مخطوطة مسرحية «الشريط الأحمر» أو «مصارع الشهوات».
وفي أثناء ذلك كان عبد التواب يتسمع لحوارهما، فيدخل عليهما فيرى زوجته في أحضان سيده، فيظهر لهما بلاهة وغباء كأنه لم يسمع ولم ير شيئا، فيقوم عاكف بإنهاء الموقف سريعا وهو مضطرب، فيقع منه خطاب على الأرض. وبعد انصراف الجميع تدخل لبيبة وترى الخطاب، ومن ثم تقرؤه فتجده خطابا غراميا من سيدة متزوجة إلى زوجها عاكف تعتذر له عن موعد سابق كان بينهما في تياترو البدع، ولكنها لم تستطع الحضور؛ لأن زوجها لم يترك لها مجالا للخروج. وفي المساء نجد عاكف بك مع أصدقائه في تياترو البدع في حالة سكر شديدة، وبجوارهم يجلس رجل متنكر، وهو مدير البوليس الذي كان في مهمة رسمية لمراقبة تصرفات عاكف. وبعد قليل تدخل التياترو سيدة ذات برقع على وجهها، فيتراهن الجميع على الإيقاع بها، ومن ثم يتقدم إليها عاكف ، وبعد حوار طويل بينهما يشكو لها عاكف من قبح منظر زوجته وغبائها، ويقارن ذلك بجمالها وذكائها، وأخيرا يطلب منها أن ترفع البرقع، وعندما تفعل ذلك يجد عاكف زوجته لبيبة أمامه.
وفي اليوم التالي يوقف عاكف عن العمل ويتم وقف راتبه أيضا بأمر من مديره، كما تطلب لبيبة منه الطلاق والتنازل عن حضانة ابنته، ولكنه يرفض ويحاول أن يستدر عطفها وشفقتها على أمل نسيان الماضي، ولكنها كانت تصده. ثم بعد ذلك تعلم لبيبة بعلاقة زوجها مع الخادمة ظريفة، وأنه أنجب منها ولدا نسبه إلى العسكري عبد التواب. وتظل القطيعة بين الزوجين فترة، فتفكر لبيبة في طريقة لإرغام عاكف على الطلاق والتنازل عن ابنته، خصوصا وأنها تعلم أنه ما زال يخونها مع الخادمة. وفي إحدى الليالي تختبئ لبيبة في غرفة الخادمة بعد أن اتفقت مع حقي زوج شقيقتها إحسان أن ينتظر أسفل النافذة كي يكون شاهدا على جريمة زوجها، ويساعدها في طلب الطلاق وحضانة الابنة. وبعد لحظات يحضر عاكف ومن بعده تحضر سيدة، وعندما يلتهب اللقاء في الظلام تظهر لبيبة وتضيء النور؛ لتكتشف أن السيدة التي بين أحضان زوجها ما هي إلا شقيقتها إحسان. وأمام هول هذه المفاجأة تموت إحسان ويكتب عاكف إقرارا بطلاق زوجته والتنازل عن حضانة ابنته، وبذلك تنتهي المسرحية.
وفي أبريل 1920 أيضا قدمت الفرقة مجموعة من مسرحياتها السابقة بالأوبرا السلطانية، منها: «معارك الحياة»، «مغائر الجن»، «تليماك»، «الأمير سليم»، «غانية الأندلس»،
111
كما قدمت مسرحية جديدة ثانية هي «الشريف الطريد» لمصطفى ممتاز، وألحان محمود رحمي، وقد برز في تمثيلها كل من: عبد الله عكاشة، زكي عكاشة، محمد يوسف، أحمد فهمي، ألمظ أستاتي، وردة ميلان.
وفي أول يونية 1920 عادت الفرقة إلى تقديم عروضها ببرنتانيا، فقدمت مسرحيات: «الطبيعة والزمن»، «مظالم الآباء»، «اليتيمتين»،
112
وكلها من المسرحيات القديمة، كما قدمت مسرحيتها الجديدة الثالثة لهذا الموسم، وهي مسرحية «شجرة الدر» بطولة محمد ناجي.
113
وبذلك انتهى هذا الموسم القصير أيضا؛ لتنطلق الفرقة انطلاقتها الكبرى بعد ذلك.
موسم 1920-1921
بدأت الانطلاقة الكبرى والحقيقية لفرقة عكاشة في هذا الموسم، الذي بدأ متأخرا؛ وذلك لافتتاح مسرح حديقة الأزبكية أو المسرح الدائم لشركة ترقية التمثيل العربي. وأخذت الصحف المصرية منذ منتصف ديسمبر 1920 تعلن عن افتتاح هذا المسرح، ومدى استعداد الفرقة لتقديم مسرحياتها الجديدة، خصوصا بعدة عودة الممثلة «لبيبة ماللي» للتمثيل. ومن المسرحيات المعلن عنها: «هدى» تأليف عمر عارف وتلحين الشيخ سيد درويش، و«عبد الرحمن الناصر» تأليف عباس علام وتلحين سيد درويش، و«ألا مود» لعباس علام، و«عدل المأمون» لزكي يوسف.
114
كان يوم 30 / 12 / 1920 يوما مشهودا في تاريخ فرقة عكاشة، ففيه تم الاحتفال بافتتاح مسرح حديقة الأزبكية بعد تجديده وتجهيزه من قبل أعضاء الشركة. وقد حضر هذا الاحتفال جمهور كبير من أعضاء الوزارة والأدباء والفنانين. ثم عزفت الموسيقى الوترية بقيادة عبد الحميد علي، ثم خطب خليل مطران خطبة عن تاريخ التمثيل في مصر والشام حتى وصل إلى فرقة آل عكاشة. ثم ألقى الشاعر محمد الهراوي
115
قصيدة في فضل التمثيل، ثم تلا بعض الممثلين قصيدة «مناجاة أبي الهول» لأحمد شوقي.
116
بدأت فرقة عكاشة تمثيلها بمسرح الحديقة في أول يناير 1921 بمسرحيتها الجديدة «هدى»، تأليف عمر عارف، وتلحين سيد درويش، ومن تمثيل: المدير الفني (المخرج) عبد العزيز خليل، أحمد ثابت، بشارة واكيم، عبد الله عكاشة، محمد يوسف، زكي عكاشة، فكتوريا موسى.
وتدور أحداثها حول هدى التي افترقت عن عريسها ملك الجن، ومن ثم تقابل رضا المصري فتحبه، وتهديه حجابا به طلسم لسر أبي الهول، إذا اقترب منه أو مسه أحد الجان يهلك في الحال. وكان يتلصص عليهما في ذلك الوقت الجني زوبعة، الذي يخبر ملك الجان بأمر حب هدى للإنسي رضا المصري، فيغضب ملك الجان ويأمر بسجن الحبيبين، كما يأمر زوبعة بإحضار الحجاب. وبالفعل يستطيع زوبعة إحضار الحجاب، ولكنه يموت لأنه مسه وأمسكه بيده؛ لأن رضا رفض فك رموز الحجاب. بعد ذلك يحاول الملك إرغام هدى على الزواج، ولكنها ترفض، فيأمر بإحضار رضا المصري لإعدامه، كما أمر بمسخ هدى وصاحباتها. وفي يوم الزفاف يحضر والد ليلى، ويعقد قرانها على حبيبها، وعندما يعلم الملك بهذه الخديعة يقوم بتحويل الجميع إلى تماثيل حجرية، ولكن رضا المصري يستطيع الهرب قبل مسخه، ومن ثم يعود ومعه الحجاب والطلسم، ثم يفك رموزه، فيتحول ملك الجان إلى تمثال حجري، ويفك أسر الجميع من تحجرهم، فتعود إليهم الحياة مرة أخرى، وتنتهي المسرحية بزواج هدى من رضا المصري.
ومسرحية «هدى» هاجمها الكاتب
117
كيرلس تادرس المنقبادي في مقالة بجريدة «مصر» في 14 / 1 / 1921، قال فيها:
رواية «هدى» قدمها إخوان عكاشة، وهي أول رواياتهم فجاءت خالية من المغزى، ليس فيها عبرة تذكر، أو حادثة تترك أثرا في النفس ... فهي خليط من الألحان والأسجاع العقيمة البالية ... اهتم إخوان عكاشة بالألحان كل الاهتمام، فانصرف نظرهم عن جوهرة الرواية وموضوعها إلى المغنى والطرب، زعما أن في ذلك إرضاء الجمهور ... كان غرض أولاد عكاشة إرضاء الجمهور بأي شكل، كأن يصرفوا النظر عن فائدتهم اكتفاء بالغناء والألحان فقط. فحري بهم أن يصرفوا جهدهم إلى تكوين جوقة طرب وتخت ومغنى، ولا ينتحلوا لأنفسهم اسم ممثلين بدون وجه حق. إن الجمهور ساخط كل السخط على هذه الرواية، فهي عديمة الجدوى في نظره، وليس لها غرض معين يرمي إليه المؤلف. وعلى شركة ترقية التمثيل أن تحسن انتقاء الروايات وتدرس قيمتها وفائدتها، وهذا أهم غرض يجب أن توجه الشركة إليه جل همها.
بعد عرض الافتتاح توالت العروض الجديدة لفرقة عكاشة، ومنها، «عدل المأمون» لزكي يوسف، وقام بتمثيلها: عبد الله عكاشة، أحمد فهيم، محمد يوسف، بشارة واكيم، جميلة إلياس، ماري كفوري. وقد قال الناقد حسن الهلالي عنها: «فالذي لاحظته على المؤلف أنه أدخل في دور إبراهيم بن المهدي، الذي قام بتمثيله عبد الله عكاشة، الغناء، وكان هذا في غير موضعه؛ لأنه لا يعقل أن يعمد خائف، والعسس يفتش عنه وقد اختفى في دار فقير، إلى الغناء وهو على مقربة منهم. دع ما كان يصدر من بعض الممثلين من اللحن في العربية، وهذا يرجع إلى أن الأدوار توزع دون أن تضبط بالشكل.»
118
أما المسرحية الجديدة الثالثة، فكانت مسرحية كوميدية باسم «ألا مود» لعباس علام ، وقام بتمثيلها كل من : عبد العزيز خليل، أحمد فهيم، بشارة واكيم، زكي عكاشة، أحمد ثابت، محمد يوسف، فكتوريا موسى. وتدور أحداثها حول سنية هانم المتحررة، التي تزوجت من شوكت بك الشاب المتحرر، بعد أن رفضت ابن خالها مهدي وابن عمها الدكتور مختار؛ لأن الأول أبله والثاني فظ. كما قامت سنية بكتابة خطابات غرامية على لسان شاب إلى صديقتها عزيزة كنوع من التسلية، بعد أن أوهمتها بأن كاتب هذه الخطابات هو ابن خالها مهدي. وبسبب هذه الخطابات تزوجت عزيزة من مهدي، وبعد مرور سنتين نجد سنية تقرر الانفصال عن زوجها لأنه متحرر زيادة عن اللزوم، وأيضا نجد عزيزة تريد الانفصال لأن مهدي غير متحرر بصورة كافية. وتقوم والدة سنية بإسداء النصائح المفيدة لها كي لا تهدم بيتها، ويحاول ابن عمها الدكتور مختار التدخل في الأمر، لا من أجل الإصلاح بل من أجل مراودة سنية عن نفسها. وبعد عدة أحداث ومواقف كثيرة تنتهي المسرحية بجمع شمل الأسرتين، حيث عادت سنية إلى شوكت، كما عادت عزيزة إلى مهدي.
وقد قال حسن الهلالي عن تمصير مسرحية «ألا مود» بعد ذكر ملاحظاته عليها: «على أنه إذا كانت حاجتنا إلى تمصير بعض الروايات الغربية شديدة، فحاجتنا أشد إلى روايات مصرية بحتة، روايات تصف الحالة المصرية والروح المصري، وتتمشى مع الرقي في كل منحى من مناحي القومية المصرية. وإذا كان لنا ما نتقدم به إلى المعربين والنقلة من أية لغة إلى لغة الضاد، فذلك ألا يشغلهم واجب الأمانة في التعريب عن واجب مراعاة القومية المصرية والخلق المصري. وقد انقضى الزمن الذي كان فيه مشاهدو الروايات يصفقون طربا لكل شيء، ونحن الآن في زمن نضجت فيه الأفكار، واتجهت إلى طلب الكمال المستطاع، فعسى معربونا أن يلحظوا ذلك. إن مصر كلها الآن في دور انتقال، دور تطور جدي، يناسب أن كل شيء يعرض على الجمهور يجب أن يكون كاملا.»
119
وكانت مسرحية «عبد الرحمن الناصر» المسرحية الرابعة الجديدة لفرقة عكاشة في انطلاقتها الفنية الكبيرة بمسرح الحديقة، وهي من تأليف عباس علام،
120
وتلحين سيد درويش ، وديكور المسيو كازولي، وإخراج محمد تيمور،
121
وقام بتمثيلها كل من: أحمد فهيم، زكي عكاشة، عبد العزيز خليل، عبد الله عكاشة، بشارة واكيم، فؤاد فهيم، عبد الحميد عكاشة، أحمد عبد الرحمن، حسن حبيب، أحمد ثابت، أحمد فهمي الكبير، أحمد فهمي الصغير، محمد يوسف، لبيبة ماللي، لبيبة فارس، ماري كفوري. وقد وضع مصطفى ممتاز كلمات أغاني الفصول الثلاثة الأولى للمسرحية.
غلاف مسرحية «عبد الرحمن الناصر».
ومسرحية «عبد الرحمن الناصر» تدور أحداثها في الأندلس أيام حكم عبد الرحمن الناصر، وذلك من خلال محاولة ابن الحجاج التخلص من الناصر عن طريق دس الفتن والمؤامرات. فقد استطاع ابن الحجاج أن يجمع حوله فريقا من المتآمرين، ممن لهم مصلحة في التخلص من الناصر، ومن هؤلاء كبير الفتيان «يأسر» الذي يخون مولاه الناصر انتقاما من جاريته الزهراء التي تهينه دائما، ومنهم أيضا الأمير عبد الله بن الناصر، الذي يطمع في الخلافة بدلا من أخيه الحكم، ومنهم الفقيه ابن عبد البر، الذي طرح العلم وراء ظهره وتآمر على الناصر كي يحصل على منصب قاضي الجماعة. هذا بالإضافة إلى قادة الجيش المعزولين الذين يريدون العودة إلى مناصبهم. أما رأس الفتنة ابن الحجاج فأراد من التآمر عودته كأمير لإشبيلية بدلا من منصبه المتواضع الحالي كصاحب الشرطة.
ومن خلال الأحداث تتشكل المؤامرة على الناصر بأكثر من صورة، فنجد الفقيه ابن عبد البر، يؤلب الأمير عبد الله على أبيه الناصر وعلى أخيه الحكم، وذلك من خلال منافسة الشقيقين حول اقتناء الكتب والمخطوطات الثمينة، وكانت هذه المنافسة تنتهي دائما بفوز الحكم على عبد الله، مما جعل عبد الله ينضم إلى المتآمرين. ثم نجد ابن عبد البر يقول للناصر إن خطيبا أساء إلى الناصر في خطبة يوم الجمعة؛ لأن الناصر امتنع عن صلاة الجمعة مرتين؛ لذلك فهو لا يصلح للخلافة. وعندما حضر هذا الخطيب، وكان منذر بن سعيد، نجد الناصر يشكره على شجاعته ويوليه منصب قاضي الجماعة. وعندما أراد الناصر أن يحارب مدينة سمورة للجلالقة، نجده يعطي قيادة الجيش لنجدة الصقلبي، وهنا يشعل ابن الحجاج الفتنة قائلا للمتآمرين: إن الناصر يفضل الصقالبة على قادة العرب. أما الحادث الرئيسي الذي جمع هذه المؤامرات بعضها ببعض، فكان ظهور «سيف النقمة» وإعلانه العصيان وتحدي الناصر.
وعندما تسأل الجارية الزهراء مولاها الناصر في إحدى الليالي عن سبب تكدره يقول لها إنه أخطأ مرة واحدة في حياته، عندما مات ابن حفصون وتم دفنه، فقام هو بإخراج أشلائه من القبر ثم صلبها أمام ابنه وابنته. وتدور الأيام ونعلم أن سيف النقمة هذا ما هو إلا أذفونش بن حفصون، الذي رأى أشلاء والده مصلوبة. كما نعلم أن الجارية الزهراء ما هي إلا شقيقة أذفونش بن حفصون. وهنا يلتف المتآمرون حول سيف النقمة والزهراء من أجل التخلص من الناصر. وكانت الخطة الموضوعة تتمثل في أن الزهراء تستدرج الناصر إلى مخدعها، وتدس له المخدر، حتى ينام في سريرها فيأتي المتآمرون ويطعنوه. ولكن الزهراء ترفض أن يموت الناصر، فتتنكر في زيه وتنام في سريره، وتتفق مع الأمير عبد الله وشقيقه الحاكم على إنقاذ الناصر. ولكن الناصر علم بالمؤامرة فاختفى في الغرفة ليشاهد الأحداث، ويأتي المتآمرون وقبل طعنهم النائم يظهر الأمير عبد الله والأمير الحكم والناصر أيضا، وتحدث مقاومة تنتهي بالقبض على المتآمرين. ويعفو الناصر عن سيف النقمة، ولكن سيف النقمة يرفض هذا العفو ويصر على الموت مع بقية أعوانه. أما الأمير عبد الله فيقتل نفسه بالسيف؛ لأنه في لحظة ما اتفق مع المتآمرين على قتل والده، وتنتهي المسرحية ببكاء الناصر على ولده عبد الله.
وقد كتب إسكندر شلفون مقالة عن المسرحية قال فيها: «شاهدت رواية «عبد الرحمن الناصر»، فأعجبني ما ابتكره فيها مؤلفها عباس علام من المواضيع الموسيقية الجديدة. ففي لحن «هذي الرياض الناضرة» قدم للفن والتلحين نوعا جديدا، هو مخاطبة الرياض ومناجاة الأزهر ومحادثة الورد والرياحين. كذلك في اللحن الذي ألقته الصبايا عند بركة الماء، قدم للملحنين مقالا يرشدهم إلى أن الموسيقى لا تقف عند معاني الغزل والتشبيب، بل تتناول كل شيء، وأنه يجب على الملحن أن يبحث لنغماته الموسيقية على معان أخرى غير التي تعود أن يتخيرها حتى اليوم. منذ زمن بعيد وأنا أنادي بهذا المبدأ الموسيقي الجميل، وأخاطب أهل الفن باللسان واليراع ليزيدوا لنا أنواعا جديد ومعاني عصرية حديثة في دائرة التلحين، ويسكتوا ولو يوما واحدا عن ترديد تلك النغمة المملة نغمة العشق والغرام، التي مجتها الأسماع واستجارت منها الموسيقى.»
122
وظلت فرقة عكاشة حتى أواخر فبراير 1921 تعيد تمثيل هذه المسرحيات الأربع بمسرح حديقة الأزبكية، ومن ثم انتقلت بها إلى المسارح الأخرى داخل وخارج العاصمة، مثل: برنتانيا، والحمراء بالإسكندرية، وعدن بالمنصورة.
123
بعد ذلك قامت الفرقة بإعادة تمثيل مسرحياتها القديمة مع مسرحياتها السابقة بمسرح الأزبكية حتى أول مايو 1921، سواء في حفلاتها النهارية أو الليلية. ومن هذه المسرحيات: «القضاء والقدر»، «طارق بن زياد»، «الأفريقية»، «مصرع الزباء»، «اليتيمتين»، «الشيخ متلوف»، «عظة الملوك»، «غانية الأندلس»، «تليماك»، «عائدة»، «أبو الحسن المغفل»، «الراهب المتنكر»، «معارك الحياة»، «أنجومار المتوحش».
124
وطوال هذه الفترة لم تمثل الفرقة إلا مسرحيتين جديدتين: الأولى «الزوبعة» ابتداء من منتصف مارس 1921، وهي كوميدي درامتيك، اقتبس فكرتها عباس علام عن
GASTON DEVORE
في روايته
LA CONSCIENCE DE L’ENFANT .
125
وهي تمثل معركة من معارك الحياة بين القديم والحديث، وتشيد بفضائل الاعتماد على النفس والكفاح من أجل تنمية الثروة الوطنية، كما تبين مساوئ الخيانة الزوجية وأثرها على الأسرة.
126
عباس علام.
ويقول عباس علام عن ظروف تأليف هذه المسرحية: إن موضوعها «يدور حول تحليل نفسية امرأة هي طاهرة بطبيعتها، ولكنها معجبة بنفسها وبجمالها، وقد ساقتها الظروف إلى أن تحوم حول الحب فضعفت وأغمضت عينيها وتدهورت، فلم تفق إلا وهي تتخبط بين ذراعي رجل ليس حليلها، فثار ضميرها عليها وقضت حياة كلها آلام. وكان طبيعيا - وهذا هو موضوع الرواية - أن أختمها بالعفو عن مثل هذه الخاطئة التائبة، على أني لقيت اعتراضا على هذه الفكرة من كل من قرأت عليهم روايتي. قدمتها في سنة 1917 إلى الأستاذ عبد الرحمن رشدي فرفض أن يمثلها ما لم أختمها بقتل هذه المرأة. طلبت تحكيم أستاذي الدكتور منصور فهمي وحسين بك رمزي، فانضما إلى رأي عبد الرحمن، فحفظت الرواية لدي. وفي سنة 1920 قدمتها لشركة ترقية التمثيل العربي، وكان للشركة لجنة جمعت بين فحول العلماء والفلاسفة والمفكرين، فأجمع الكل على ضرورة قتل المرأة. بل قال لي أحدهم، وهو من خيرة شبيبتنا المفكرة: «لو مثلت روايتك على حالها وعلمت أن قرينتي شاهدتها، فإني أقتلك.» طلبت التحكيم مرة أخرى، وكان الحكم الأستاذ كامل بك البنداري، فانضم إلى رأي اللجنة. وأخيرا قال لي المرحوم محمد تيمور: ما دامت النفوس لم تتهيأ لقبول فكرتك فليس أمامك إلا أن تقتل هذه المسكينة خيرا من تعطيل روايتك ... فقتلتها! ثم مثلت «الزوبعة» ومثلت فكتوريا دور الخاطئة. فرأيت ورأى الناس، ومنهم كل من قرءوا الرواية قبل تمثيلها، رأينا شيئا غير الذي كتبته! ... الألفاظ والعبارات هي هي، ولكن الروح الذي ظهرت به فكتوريا كان شيئا آخر لم يطرأ حتى على بالي أنا! بلغت فكتوريا رسالتي إلى الناس بروح أقوى مما كتبت.»
127
أما المسرحية الجديدة الثانية، فكانت مسرحية «الهاوية» أو «أنا الجاني»، تأليف محمد تيمور، ومثلتها الفرقة لأول مرة يوم 3 / 3 / 1921 بمسرح حديقة الأزبكية، وقام بتمثيلها: أحمد فهيم، بشارة واكيم، عبد الله عكاشة، عبد العزيز خليل، وردة ميلان، فكتوريا موسى، روز اليوسف، أحمد ثابت، سيد جمال الدين، عثمان حلمي.
128
ومسرحية «الهاوية» تدور أحداثها حول الشاب أمين بك بهجت، الذي يعيش حياة استهتار وإدمان للكوكايين، مع صديقين هما شفيق ومجدي، وهما من أصدقاء السوء، فلا هم لهما إلا استغلال هذا الصديق واستنزاف ماله. وبسبب إدمان أمين بك تنهار ثروته، ويعرض عزبته للبيع. أما رتيبة هانم زوجته، فكانت لاهية في حياتها، بسبب إهمال زوجها لها، وهذا الإهمال أدى إلى وقوعها في براثن شفيق صديق زوجها، فأحاطها بالكلام المعسول حتى وقعت في حبه، وبعد إلحاح كبير من شفيق توافق رتيبة على مقابلته في منزله. وفي اليوم الموعود يتصل أمين بشفيق يدعوه لسهرة إدمان، ولكن شفيق يعتذر لأنه مريض، وأخيرا تحضر رتيبة وقبل أن تجلس يحضر مجدي فيقوم شفيق بإخفائها في غرفة النوم، ويحاول أن يخرج مجدي بكل وسيلة، مما جعل مجدي يشك في وجود سيدة في المنزل، فيقول له شفيق فعلا هناك سيدة ولكنها متزوجة ومن عائلة، ولا يريده أن يعرفها. وأمام هذا يصر مجدي على رؤيتها، وبالفعل يراها فيبهت عندما يعلم أنها رتيبة زوجة صديقهما أمين بك.
وأخيرا استطاع شفيق أن ينهي هذا الأمر بأن دفع مبلغا لمجدي حتى يصمت وينصرف. وبعد قليل يحضر أمين بك كي يطمئن على صحة شفيق، فيحاول شفيق صرفه دون جدوى، وهنا يشك أمين في تصرفات شفيق، ويفهم أن هناك امرأة في المنزل، فيعترف له شفيق بأن هناك امرأة بالفعل، وهي شقيقة صديقهما مجدي، ويطلب من أمين كتمان الأمر، وبهذا المنطق انصرف أمين. وتخرج رتيبة وتشكر ربها لأنها كادت أن تفضح، وأن تسقط في الهواية، وتعتريها نوبة من صحوة الضمير، فتنهال على شفيق بالسب واللعن، وتقسم بأنها لن تعرفه بعد الآن. وفي اليوم التالي يأتي مجدي إلى أمين في منزله، وبسبب الكوكايين يصل الصديقان إلى درجة كبيرة من الإدمان، وصلت حد قذف التهم والشتائم، فيقوم أمين بمعايرة مجدي لأن شقيقته كان بالأمس في منزل شفيق، فيقوم مجدي بمعايرته بالمثل قائلا له إن زوجتك كانت بالأمس عند شفيق. وهنا يواجه أمين زوجته بما قاله مجدي، فنجدها تنهار وتعترف له بجريمتها، ولكنها تقول له أيضا إنها السبب لأنه زوج غير جدير بها، وغير جدير بأن يحيا حياة الرجال. وهنا تتأزم حالة أمين النفسية، خصوصا بعد تعاطيه كمية كبيرة من الكوكايين، فتنتهي المسرحية بموته.
غلاف مخطوطة مسرحية «الهاوية» أو «أنا الجاني».
أما نشاط فرقة عكاشة منذ أوائل مايو، وحتى آخر الموسم في سبتمبر 1921، فقد تمثل في عرض مسرحيات جديدة بجانب العروض السابقة والقديمة أيضا. وقد بدأت الفرقة هذه الفترة بنشر إعلان قالت فيه: «تعلن شركة ترقية التمثيل العربي بأنها أعدت بوفيه خارج التياترو، في ليالي شهر رمضان المبارك، به أفخر المرطبات وأجود المشروبات. وستشنف الآذان فيه جوقة الموسيقى الوترية برياسة حضرة النائب عبد الحميد علي في كل ليلة بين الساعة الثامنة والتاسعة. وابتداء حفلات التمثيل بالتياترو في شهر رمضان يكون الساعة التاسعة والنصف.»
129
غلاف مخطوطة مسرحية «المنافقين».
مصطفى ممتاز.
وكانت مسرحية «المنافقين» أول مسرحية جديدة تمثلها الفرقة في هذه الفترة، ابتداء من 12 مايو 1921. وهي اقتباس مصطفى ممتاز،
130
وتمثيل: عبد العزيز خليل، عبد الحميد عكاشة، أحمد فهيم، أحمد ثابت، حسن حبيب، بشارة واكيم، محمد يوسف، أحمد فهمي الكبير، أحمد فهمي الصغير، فؤاد فهيم، فكتوريا موسى، فكتوريا سويد.
131
ومسرحية «المنافقين» تدور أحداثها حول حسن بك، وهو موظف في المعاش، يعيش في رغد في قصره بالريف، ويتميز بالكرم والعطاء، ويعشق الأصدقاء. وتعيش معه في المنزل زوجته أمينة هانم، وابن عمه فريد، وهو شاب مريض، وكان يعالجه الدكتور زكي. وفي يوم ما قام حسن بك بدعوة بعض الأصدقاء القدامى ليقضوا معه بضعة أيام في الريف، وبالفعل يحضر الأصدقاء، وهم: مرسي وشعبان ورمضان، ثم يحضر أيضا صاغ متقاعد في الجيش لأنه من الأصدقاء، ولكن حسن لم يتذكره، وخجل أن يسأله عن اسمه، وهكذا انضم هذا الصاغ إلى صحبة الأصدقاء. ومن خلال وجود هذه المجموعة في منزل حسن بك تحدث أحداث كثيرة تتسم بالنفاق والرياء للاستفادة القصوى من عطف حسن بك وخيرات منزله. وفي أثناء ذلك يحضر الدكتور زكي ليباشر علاج فريد، فيلاحظ عليه تغيرات كثيرة بسبب الحب.
وأخيرا يعلم الدكتور أن فريد يحب أمينة هانم زوجة ابن عمه حسن بك، فيجتهد في إنهاء هذا الحب الذي سيقضي على سعادة هذا المنزل. وفي لحظة انفراد فريد بأمينة، نجده يبثها أشواقه وحبه ممسكا يدها، وهي في ذهول مما تسمع، حيث إنها تعامله معاملة الأخ، وهنا يدخل عليهما أصدقاء حسن بك فيرتبكان. وفي اليوم التالي نجد الأصدقاء يخبرون الزوج بما شاهدوه، وبذلك أدخلوا الشك في قلبه، ونصحوه بأن يفاجئ العشيقين متلبسين، وذلك بأن يخبرهما بسفره المفاجئ إلى العاصمة، وأنه سيأتي غدا، وفي الليل يحضر ليضبطهما. وبالفعل يقوم حسن بتنفيذ خطة أصدقائه، وبعد عدة مواقف مؤثرة ومتناقضة بين الشك واليقين استطاع الدكتور زكي الذي يعلم حقيقة الأمر أن ينقذ أمينة هانم، وينقذ فريد أيضا، وتنتهي المسرحية بسفر فريد ليباشر عمله الجديد في أسيوط، كما سافر جميع الأصدقاء الذين كانوا السبب في زلزلة سعادة المنزل، وبالأخص الصاغ الذي يكتشف أن حسن بك ليس صديقه القديم حيث تشابهت عليه الأسماء.
أما المسرحية الجديدة الثانية التي مثلتها فرقة عكاشة، فكانت مسرحية «قابيل» اقتباس عباس حافظ، ومثلت بمسرح الأزبكية ابتداء من 13 / 6 / 1921. وقد برز من ممثليها: عبد العزيز خليل وبشارة واكيم وعبد الله عكاشة.
132
والمسرحية الثالثة كانت «صباح» ترجمها حامد الصعيدي عن رواية «مينيون»، ومن تلحين داود حسني، ومثلت ابتداء من 9 / 7 / 1921.
133
والمسرحية الرابعة كانت «الرئيس بولمان» تعريب بشارة واكيم، وعرضت في 2 / 9 / 1921.
134
والمسرحية الأخيرة كانت «العمدة»، تأليف القاضي إبراهيم جلال. وقد كتبها من واقع عمله بالقضاء الأهلي، ومثلتها فرقة عكاشة ابتداء من 23 / 9 / 1921، وكانت من تمثيل: عبد الله عكاشة، محمد يوسف، أحمد ثابت، فؤاد فهيم، جميلة إلياس، فكتوريا سويد، وردة ميلان.
135
وقد نشر إبراهيم جلال مضمون مسرحية «العمدة» بجريدة «الأخبار» في 13 / 9 / 1921، قائلا: (أردت أن أصور) المشاهد التي تنوء بها القرى، تلك المشاهد التي خبرتها أربعة عشر عاما كاملة استعرضت فيها كثيرا من أمراض مصر الاجتماعية، وتبينت أن العمدة علة الأمن العام، فإذا أحسنوا اختياره فلم يرهقوه أو يورطوه، وكان له من نفسه وازع الخير وكف يده ولسانه عن المحارم، واستمع لكل شاك؛ عاش أهل القرية بسلام وامتنع الكثيرون عن الإجرام. أما إذا اتخذ العمدة وظيفته موردا للرزق، واستعان بأعوانه على ابتزاز المال؛ قضى بعمله على السلامة والسلام وأيقظ في أعوانه شهوة الإجرام. فترى الصيرفي يغالط عامة أهل القرية في حساب الضرائب، ودلال المساحة يظاهر الأقوياء من أصحاب المزارع على ضعافهم، والقابلة تعمل على إجهاض كل حامل وإخفاء آثار جرائم الأعراض، وترى الخفراء وشيخهم في الأسواق العامة يضربون المكوس على الدجاج والسمن والبيض والبقل، لا يخافون الله ولا يستحون؛ ذلك لأنهم أشركوا العمدة فيما كسبت أيديهم فأمنوا حسابه واتخذوه شاهد نفي إذا علت الأصوات بالشكوى فبلغت مسامع الحكومة. وسيرى الناس في عرض الرواية كيف ينتقم العمدة وأنصاره من الرجل الشريف الذي تصدى لهم، وكيف يقتل شيخ الخفراء رجلا آمنا في داره ثم يلصق الجريمة بذلك الرجل الشريف، ثم يظهر الحق بعد ذلك ناصعا أبلج. هذا هو مدار رواية «العمدة» ومحور وقائعها.
وفي هذه الفترة أيضا اشتركت الفرقة بعروض خاصة للأعمال الخيرية، منها مسرحية «عبد الرحمن الناصر» ضمن مهرجان الجمعية الخيرية الإسلامية بحديقة الأزبكية في أول مايو.
136
كما شاركت بنفس المسرحية أيضا في ليلة خيرية مساعدة منها لقسم التعليم المجاني بكلية مصطفى كامل في منتصف مايو. وقد ألقى علي فهمي كامل شقيق الزعيم مصطفى كامل خطبة مناسبة لهذا الاحتفال.
137
وأخيرا قدمت الفرقة مسرحية «الزوبعة» لصالح نادي التجارة العليا، وكانت تحت رعاية الأمير محمد علي، في 22 / 5 / 1921.
138
وبخلاف المسرحيات الجديدة والعروض الخيرية، أعادت الفرقة على مسرح حديقة الأزبكية منذ مايو وحتى نهاية الموسم مجموعة من مسرحياتها القديمة والسابقة، منها: «تليماك»، «عظة الملوك»، «اليتيمتين»، «مغائر الجن»، «القضاء والقدر»، «هدى»، «ألا مود»، «أنجومار»، «القضية المشهورة»، «اليد السوداء»، «الناصر»، «الشيخ متلوف»، «غانية الأندلس»، «عائدة»، «مصرع الزباء»، «أنس الجليس»، «هملت»، «ضحية الغواية»، «الراهب المتنكر»، «أبو الحسن المغفل»، «الكابورال سيمون»، «الأمير سليم»، «القضاء والقدر».
139
موسم 1921-1922
لم تبدأ فرقة عكاشة موسمها هذا كبداية أي موسم سابق، حيث إنها لم تتوقف لتفصل بين الموسمين، بل ظلت تعمل باستمرار. وفي هذا الموسم، ومن الناحية الإدارية والتنظيمية، كانت تقدم حفلات نهارية بمسرحها بالأزبكية يومي الجمعة والأحد، ولكنها أوقفت هذه الحفلات في شهر رمضان، واكتفت بالحفلات المسائية فقط.
140
كما زودت الفرقة مسرحها بعشرين مروحة كهربائية من أجل راحة الجمهور.
141
أما من الناحية الفنية فقد قدمت الفرقة في هذا الموسم ثماني مسرحيات جديدة؛ الأولى: «أبطال المنصورة»، تأليف إبراهيم رمزي، وبدأ تمثيلها في أواخر أكتوبر 1921.
142
ومسرحية «آه يا حرامي» اقتبسها عباس علام من رواية
، وبدأ تمثيلها في أواخر ديسمبر 1921، وهي من تلحين كامل الخلعي،
143
ومن تمثيل: عبد الله عكاشة، عبد العزيز خليل، فؤاد فهيم، عبد الحميد عكاشة، لبيبة ماللي، فكتوريا سويد، فاطمة سري، روز اليوسف، وردة ميلان، بشارة واكيم، أحمد ثابت، محمد يوسف، حسن كامل، عبد الرحمن شعراوي.
144
غلاف مخطوطة مسرحية «آه يا حرامي».
ومسرحية «آه يا حرامي» تدور أحداثها حول كمال بك، وهو متعلم ومن الأغنياء، ومؤمن بحرية المرأة، وكان يكتب مقالات كثيرة في هذا الموضوع. وبسبب هذه المقالات تزوجته بهيجة هانم المتحررة. وفي يوم يأتي إلى منزلهما ظريف، وهو شاب يريد أن يتزوج ودائما يغازل النساء، لعله يجد عروسة مناسبة. وعندما أراد ظريف مقابلة كمال لم يجده فقابل زوجته بهيجة، التي استحسنت كلامه، فطلب أن يرسم لها صورة فوافقت. وبعد انتهاء الصورة يحضر كمال، ويتعرف على ظريف. ونعلم من حوارهما أن ظريف أحضر خطاب توصية من أحد أصدقاء كمال، كي يجد كمال له وظيفة. وعندما يقرأ كمال الخطاب، يعلم من كاتبه أن ظريف يبحث عن عروسة، وفي سبيل ذلك يغازل كل امرأة يقابلها. وهنا يشك كمال في زوجته وظريف، خصوصا عندما رأى صورتها المرسومة بيد ظريف. وفي اليوم التالي نجد ظريف يحضر إلى المنزل مرة أخرى، فيجد الآنسة فكرية جارة بهيجة، وقد حضرت كي تعرف اسم اللوكاندة التي ستذهب إليها بهيجة في أسوان لقضاء الشتاء، وذلك كي تذهب إليها مع خالها المتمارض فضلي بك.
وبذلك عرف ظريف اسم اللوكاندة، فقرر الذهاب إليها قبل الجميع؛ لأنه أعجب بفكرية وصمم على الزواج منها. وفي أسوان تحدث مواقف كوميدية كثيرة، بسبب سوء التفاهم. فمثلا نجد كمال بك يتنكر في زي تاجر ريفي، كي يراقب زوجته؛ لأنه يشك في وجود علاقة بينها وبين ظريف، خصوصا وأنه رأى ظريف مقيما في نفس اللوكاندة، ويتقابل كثيرا مع زوجته بهيجة. والحقيقة أن بهيجة صادقت ظريف عندما علمت منه أنه يحب فكرية، فوعدته بالمساعدة. كما نجد فكرية تميل إلى ظريف، ولكنها خائفة منه لأنها رأته يسرق منديلا من التاجر الريفي. والحقيقة أن ظريف سرق المنديل، بإيعاز من بهيجة، عندما رأت التاجر وشكت في أنه كمال زوجها. وفي المسرحية مواقف كثيرة مماثلة، وأخيرا تنتهي هذه المواقف باتهام ظريف بأنه حرامي، ولكن الحقيقة تظهر للجميع، وتتم خطبة ظريف على فكرية، ويندم كمال لأنه شك في زوجته، وبذلك تنتهي المسرحية.
أما المسرحية الثالثة فكانت أوبرا «شمشون ودليلة»، تعريب بشارة واكيم، وتلحين داود حسني، وديكور مسيو لوريه رسام الأوبرا، وملابس مسيو كباريني خياط الأوبرا، وبدأ تمثيلها في أوائل يناير 1922.
145
ومسرحية «الثقلاء» كانت الرابعة، وهي من تأليف موليير، وتعريب محمد عثمان جلال، وبدأ تمثيلها في أواخر فبراير 1922.
146
والمسرحية الخامسة كانت «شيك»، تأليف حامد الصعيدي، وتلحين داود حسني، وإخراج عبد العزيز خليل. وبدأ تمثيلها في أواخر أبريل 1922.
147
ومسرحية «ملاك وشيطان» أو «أسرار القصور»
148
لعباس علام، كانت السادسة، وبدأ تمثيلها في أوائل يولية 1922.
149
غلاف مخطوطة مسرحية «ملاك وشيطان».
أما المسرحية السابعة فكانت أوبريت «الدموع» أو «الدموع الجديدة»، لوصفي عمر وأحمد حلمي سلام، وتلحين داود حسني، وإخراج عبد العزيز خليل، وتمثيل وغناء فاطمة سري، وبدأ تمثيلها في أواخر يولية 1922.
150
أما مسرحية «العقد الذهبي» التي بدأت الفرقة تمثيلها في أواخر سبتمبر 1922،
151
فكانت آخر مسرحية جديدة تقدمها فرقة عكاشة في هذا الموسم.
إعلان مسرحية «الدموع».
أما حفلات الفرقة التي قدمتها لصالح الأعمال الخيرية في هذا الموسم، فكانت متنوعة، منها: عرض مسرحية «صباح» يوم 26 / 2 / 1922، وخصصت الفرقة إيرادها لصالح الممثل أحمد فهيم، الذي انقطع عن التمثيل بسبب مرضه. ويشاء القدر أن يتوفى هذا الممثل بعد هذا الاحتفال بأيام قليلة.
152
كما مثلت الفرقة المسرحية نفسها يوم 17 مارس وخصص إيرادها لصالح المدرسة الإعدادية الثانوية.
153
وفي 11 أبريل مثلت الفرقة مسرحية «عبد الرحمن الناصر» بالأوبرا، وخصصت دخلها لصالح ملجأ الأيتام واللقطاء التابع لجمعية رعاية الأطفال المصرية.
154
وقد عرضت الفرقة أيضا هذه المسرحية بالأوبرا في شهر أبريل، وخصصت إيرادها لجمعية القديس جاورجيوس الأرتوذكسية الخيرية.
155
كما عرضت الفرقة بالأوبرا، وفي أبريل أيضا أوبرا «شمشون ودليلة» لصالح جمعية التوفيق القبطية، ومسرحية «هدى» لصالح قسم التعليم المجاني بكلية مصطفى كامل.
156
ولم تبرح الفرقة العاصمة طوال هذا الموسم، إلا في الأسبوع الأول من سبتمبر 1922، حيث قامت برحلة فنية إلى الإسكندرية، فعرضت بتياترو الهمبرا، معظم مسرحياتها الجديدة: ومنها: «شمشون ودليلة»، «آه يا حرامي»، «الدموع»، «شيك»، «ملاك وشيطان».
157
لم يتبق من نشاط فرقة عكاشة في هذا الموسم سوى ما قامت به من إعادة عرض مسرحياتها القديمة ، ومسرحياتها من المواسم السابقة، ومنها: «صباح»، «هدى»، «الرئيس بولمان»، «الزوبعة»، «العمدة»، «ألا مود»، «محاسن الصدف»، «ضحية الغواية»، «عائدة»، «مصرع الزباء»، «الشيخ متلوف»، «اليتيمتين»، «عبد الرحمن الناصر»، «عظة الملوك»، «أبو الحسن المغفل»، «القضاء والقدر»، «الطبيعة والزمن»، «الهاوية»، «الكابورال سيمون»، «الراهب المتنكر»، «تليماك»، «المنافقين»، «أنجومار المتوحش» أو «تنازع الرئاسة»، «قابيل»، «أنيس الجليس»، «شهداء الوطنية».
158
موسم 1922-1923
يعتبر هذا الموسم هو ثالث موسم تحييه فرقة عكاشة دون توقف، وهذا دليل على نجاحها ومدى إقبال الجماهير على عروضها. ومن الناحية الإدارية أعادت الفرقة في هذا الموسم نظام الحفلات النهارية، ظهر كل يوم أحد وجمعة، ابتداء من أول أكتوبر 1922. كما حددت أسعار الدخول بصورة ثابتة للحفلات الليلية والنهارية، وذلك للمسرحيات التي مثلت في المواسم الماضية. فأسعار الحفلات الليلية تم تحديدها بالقروش كالآتي: 120 بنوار، 200 لوج ممتاز، 150 ألواج منمرة، 100 لوج، 25 كرسي فوتيل مخصوص، 20 كرسي فوتيل، 15 كرسي بلكونة مخصوص، 10 كرسي بلكونة. أما أسعار الحفلات النهارية، فكانت كالآتي: 100 بنوار، 150 لوج ممتاز، 120 ألواج منمرة، 100 لوج، 20 كرسي فوتيل مخصوص، 15 كرسي فوتيل، 10 كرسي بلكونة مخصوص، 8 كرسي بلكونة. أما المسرحيات الجديدة فلها أسعار أخرى.
159
وفي 3 / 1 / 1923 نشرت جريدة الأفكار خطابا من محمد سعيد باشا رئيس الوزراء إلى طلعت حرب، بمناسبة زيارته إلى مسرح حديقة الأزبكية، قال فيه:
عزيزي طلعت بك ... أهديك خالص التحية والسلام وبعد؛ فإني أحمد الله - تعالى - على تلك الفرصة، التي أتاحت لي بناء على دعوتك، زيارة ذلك المعهد الأخلاقي «تياترو الأزبكية». فقد سرني ما رأيته من إتقان البناء وإبداء النظام، فضلا عن البراعة التي أظهرها الممثلون في زمن قريب كهذا، وإني وإن شكرت لك هذه الدعوى، فإنما أحيي فيك همة الرجال العاملين في هذا البلد، وهو أحوج البلاد إلى مجهود أبنائه. فالحمد لله الذي وفقك لوضع أساس الاستقلال المالي في «بنك مصر»، وألهمك وضع أساس الاستقلال الأخلاقي في «معهد التمثيل». والأمم لا ترقى إلا بالرجال، تحليها الأخلاق ويؤيدها المال. جزاك الله عن مصر خير الجزاء، ووفقك وإيانا لسواء السبيل. آمين.
وإذا نظرنا إلى النشاط الفني للفرقة في هذا الموسم، سنجده يتمثل في عرض أربع مسرحيات جديدة، تألق فيها ممثلون انضموا حديثا للفرقة، وهم: عمر وصفي، حسين رياض، عبد المجيد شكري.
160
وكانت مسرحية «الخطيئة»، أولى المسرحيات الجديدة، وهي بقلم مصطفى ممتاز وأحمد حلمي سلام، وبطولة عبد العزيز خليل وفكتوريا موسى، وبدأ تمثيلها يوم 19 / 10 / 1922.
161
وهذه المسرحية تبحث في كثير من أمراض المجتمع الإنساني، وبالأخص ما يتعلق بسقوط المرأة، ذلك السقوط الذي يقضي على حياتها وسمعتها.
طلعت حرب.
أما المسرحية الجديدة الثانية فكانت أوبرا «اللؤلؤة» تلحين كامل الخلعي، وإخراج عبد العزيز خليل، وتمثيل: فاطمة سري، زكي عكاشة، عبد الله عكاشة، عبد الحميد عكاشة، وبدأ تمثيلها أواخر أكتوبر 1922.
162
والمسرحية الثالثة كانت «24 ساعة» تأليف وصفي عمر وسليمان نجيب، وبدأ تمثيلها في منتصف ديسمبر.
163
والمسرحية الأخيرة كانت «المحامي المزيف»،
164
وتم تمثيلها في أواخر يناير 1923.
165
وكمثال لموضوعات هذه المسرحيات الجديدة نجد مسرحية «اللؤلؤة» تدور أحداثها في جزيرة سيلان، حيث يتجمع الصيادون في أحد الشواطئ لاختيار رئيسهم الجديد، ويعتبر هذا الشاطئ فريدا في نظامه المعيشي، حيث لا يسكنه إلا الرجال فقط تبعا لتعاليم الإله برهمة. وبعد محاولات كثيرة لهذا الاختيار يتفق الجميع على «زورجا» كرئيس للصيادين، وبعد عدة أيام يحضر إلى الجزيرة «نادر»، وهو من ألد أعداء زورجا في الماضي، ولكنه الآن أتي له كصديق. وبالفعل يتم الوفاق بينهما على أساس الوفاء والإخلاص. وفي يوم ما تحضر إلى الجزيرة الفتاة ليلى، وتطلب من الصيادين أن تعيش بينهم، فيوافق زورجا بشرط ألا تعشق أي إنسان على هذا الشاطئ تبعا لتعاليم برهمة، فتوافق ليلى على هذا الشرط. وفي أثناء تواجدها على الشاطئ يراها نادر ويعرف شخصيتها، وهنا يتذكر قصته معها، حيث كان منذ سنوات مطاردا من جماعة أشرار، فاستنجد بكوخ في الطريق، وكانت ليلى صاحبة الكوخ، وقد ساعدته على الهرب. وبعد انصراف الأشرار خرج نادر وشكر ليلى وأعطاها عقدا هدية لها بعد أن شعر بحبه نحوها.
وفي أثناء تذكر نادر لهذه الأحداث يرى ليلى مرتدية العقد، وبعد أحداث كثيرة تتعرف ليلى على نادر، وتخبره بحبها له منذ أن التقت به في الكوخ ، كما يبوح نادر لها بحبه أيضا، ولكن ليلى تخشى من انتقام الإله برهمة ومن رئيس الصيادين زورجا؛ لأنها أحبت رجلا يعيش في هذا الشاطئ. وفي لحظة عناق بين نادر وليلى يحضر الصيادون ويشاهدون هذا المنظر، فيحكم الكاهن على العاشقين بوضعهما في أتون النار الموجود في معبد برهمة كقربان له. وفي يوم تنفيذ هذا الحكم يحضر زورجا إلى المعبد، ويصيح في الحاضرين بأن النار تلتهم منازلهم ومزارعهم، فيترك الجميع المعبد ويذهبون لإخماد النار، وهنا يقوم زورجا بفك قيد العاشقين ويساعدهما على الهرب؛ لأنه مؤمن بالصداقة والحب. وبعد هرب العاشقين يحضر الصيادون إلى زورجا بعد أن علموا بأنه هو الذي أضرم النار في منازلهم ومزارعهم، فيحكم الكاهن عليه بالموت حرقا، وتنتهي المسرحية بأن ألقى زورجا بنفسه في أتون نار الإله برهمة.
أما عروض فرقة عكاشة الخيرية، فتمثلت في عرض مسرحية «عبد الرحمن الناصر» يوم 10 نوفمبر 1922 لصالح لجنة التجار السوريين الخيرية، وأوبرا «شمشون ودليلة» يوم 26 ديسمبر لصالح جمعية الإيمان القبطية الأرتوذكسية، ومسرحية «هدى» يوم 10 أبريل 1923 بالأوبرا لصالح جمعية التوفيق القبطية.
166
ولم تبرح الفرقة مسرحها بالعاصمة إلا يوم 20 / 12 / 1922 لتمثيل مسرحية «العمدة» بتياترو المجلس البلدي بالمنصورة، ولم يبق من نشاط الفرقة في هذا الموسم إلا إعادتها لبعض مسرحياتها من المواسم السابقة، ومنها: «أبطال المنصورة»، «شمشون ودليلة»، «عظة الملوك»، «آه يا حرامي»، «الزوبعة»، «الدموع»، «عبد الرحمن الناصر»، «شيك»، «ملاك وشيطان»، «ألا مود»، «عائدة»، «العقد الذهبي»، «أبو الحسن المغفل»، «تليماك»، «مصرع الزباء»، «صباح»، «الشيخ متلوف»، «البخيل»، «غانية الأندلس»، «هملت»، «هدى»، «العمدة»، «اليتيمتين»، «اليد السوداء».
167
ومن الملاحظ في هذا الموسم أن بعض النقاد بصحيفة الأفكار بدءوا يوجهون أقلامهم نحو عروض الفرقة، حتى ولو كانت هذه العروض لمسرحيات تم عرضها في المواسم السابقة. فمثلا نجد محمود عماد بوزارة الأوقاف يكتب مقالة في 25 / 3 / 1923 عن مسرحية «شمشون ودليلة» بمناسبة تمثيلها في ليلة عيد ميلاد ملك مصر، قال فيها:
مؤلف هذه الرواية أو واضعها على الأصح لم يحسن إعدادها للمسرح ... ولم يبرز من حوادث شمشون الجبار المدهشة الشاذة ما يستفز اهتمام الجمهور وانتباهه. واكتفى منها بحادثة عادية، هي قتل رجل من الفلسطينيين، مع أن له من حوادث البطولة في عدائه لهؤلاء، ومن حادثة شطر الأسد إلى شطرين وغيرها، ما هو أدعى إلى إظهار شخصيته العظيمة وتقريبها من عقول الناس، حتى يعجبوا من ضعفه واستكانته بعد قص شعره، ويروا في الرواية شيئا من المفاجآت الروائية المشوقة التي هي رأس مال التمثيل. ولولا حادثة زحزحة العمودين التي أدت إلى هدم المعبد، وختمت به الرواية؛ لرأى الناس في شمشون رجلا عاديا لا يعتد به ... والغريب أن فترات الانتظار خلال الفصول كانت أطول من الفصول نفسها. أضف إلى ذلك أن القائم بدور شمشون الجبار هو الشاب الرقيق الأنيق زكي عكاشة، صاحب الصوت الذائب الأغن، وأن عبارة الرواية من صوغ الممثل الماجن الخفيف بشارة واكيم، الذي عرفناه ممثلا فقط، ولم نعرفه كاتبا ومعربا. وزد على ما تقدم أن الرواية نثرية وأنها أوبرا (تلحينية)، وأن ملحنها داود حسني الذي لا يعرف من الموسيقى إلا الموال والمذهب والدور ... وإذا ضربنا صفحا عن كل ما سردناه من عيوبها، فلا نصفح أبدا عن سوء ذوق الفرقة في اختيارها تمثيل هذه الرواية التي تنتهي بالهدم والتخريب في عيد ميلاد مليك البلاد، ولا يخفى أن ذلك ليس من التأديب والتفاؤل في شيء.
بعد نشر هذه المقالة بيوم واحد كتب الصحفي عبد العزيز توفيق مقالة أخرى بعنوان «تاريخ رواية «شمشون ودليلة»» بدأت بتعضيد كل ما قاله محمود عماد في مقالته السابقة، ثم زاد عليه كما هائلا من الذم والسب في رجال فرقة عكاشة، حتى وصل إلى غرضه الأساسي، وهو أن إبراهيم رمزي ترجم لفرقة عكاشة هذه المسرحية منذ سبع سنوات، وأن الفرقة لم تأخذ بها، وعهدت لبشارة واكيم بترجمتها حتى يستطيع أن يقحم القطع الغنائية بصورة ترضي الفرقة، حتى ولو كانت هذه الأغاني لا تتفق مع الموضوع، وهو الأمر الذي لم يقم به إبراهيم رمزي.
168
فاطمة سري.
وفي 16 / 4 / 1923 كتب محمود طاهر مقالة ثالثة عن مسرحية «آه يا حرامي»، قال فيها : «أصل «آه يا حرامي » مهزلة إنجليزية اسمها «بيبوكيت»؛ آه النشال، لكاتب إنجليزي يدعى «جورج بهاوتراي»، مثلت للمرة الأولى على مسرح جلوب بلوندرا (لندن) يوم 24 / 4 / 1886؛ لذلك لا أرى ما يبرر لعباس علام إغفاله ذكر المؤلف بتاتا، وإيهام الجمهور بأن الرواية «بقلمه»
169 ... فأما من ناحية التمصير فالحق يقال، إن علام قد أجاد إعداد الشخصيات الأصلية للمسرح المصري - من حيث هي شخصيات في مهزلة - إجادة تشهد له بالشيء الكثير من الحذق والمهارة في هذا المضمار، كما تشهد له نكاته فيها بخفة الروح وسلامة الذوق ورقة المزاج، وإن المشاهد ليشعر بالروح المصرية منتشرة على المسرح، الشيء الذي لم يوفق إليه أغلب الممصرين ... وكان مجهوده في هذه الرواية على وشك الكمال، لولا كبوة كباها كنا نظنه أكثر احتراسا منها وأبعد عن مواطنها. فالظاهر أنه خضع للفكرة المتسلطة على عقول القائمين بأمر مسرح حديقة الأزبكية، فكرة وجوب إيجاد الألحان في الروايات التي تقدم إليهم ... أراد علام أن يجاري هذه الفكرة، فنحا نحو أمين صدقي في تمصير رواياته فحشر مواضع الأغاني حشرا بمناسبة وبغير مناسبة! ... وإن كان وجود الغناء والرقص حتما، فمن الواجب على المؤلف أو الممصر أن يوجد لهما المناسبات الصالحة، التي تربط بينهما وبين صلب السياق، فلا يكونان دخيلين فضوليين ... بقي الممثلون: فأما عبد العزيز خليل فقد أبرز شخصية الرجل المتمارض كاملة غير منقوصة، فهو لذلك يستحق الثناء كاملا غير منقوص. «بشارة يواكيم»: قام بدور ظريف بما عهدناه فيه من حذق وخفة روح، ولكنه كان كثير الحركات سريع اللهجة أكثر مما يجب، «عبد الله عكاشة»: كان إذا تكلم كمن يحاول أن يغني، وإذا غنى كان كمن يحاول أن يتكلم، «السيدة فاطمة سري»: لولا جمال صوتها لاتضح ضعف التلحين، ولكانت الموسيقى في هذه الرواية أول عناصر سقوطها، «ثابت أفندي»: قام بدور «البربري» وأضحك المشاهدين في مواطن كثيرة. ولقد عجبنا من أمره في الفصل الثالث، إذ لم يأبه بالحائط الفاصلة بين غرفتي الفندق، فكان يخترقها بسهولة وبدون أي مجهود، حتى ليحسبه المشاهد أنه من الشياطين السود.»
موسم 1923-1924
لم نقف بصورة دقيقة على بداية هذا الموسم بالنسبة لفرقة عكاشة، وذلك بسبب قلة أخبارها وإعلاناتها في الصحف. تلك الصحف التي وجهت اهتمامها منذ مارس 1923 إلى ظهور أحدث فرقة في ذلك الوقت، وهي فرقة يوسف وهبي. وبالرغم من ذلك - وبناء على ما بين أيدينا من أخبار وإعلانات ووثائق - فقد بدأت أخبار فرقة عكاشة في الظهور منذ منتصف ديسمبر 1923.
وهذه الأخبار دلتنا على وجود شقاق بين إخوان عكاشة، عبرت عنه مجلة «التمثيل» قائلة: «من المضحكات المبكيات أن فرقة عكاشة منقسمة إلى حزبين؛ حزب على رأسه عبد الله عكاشة وفكتوريا موسى وعبد العزيز خليل، والآخر على رأسه زكي عكاشة وحاشيته. فرئيس الحزب الأول يحاول جهده إخراج الروايات الكوميدية والدراما، لتمثل فيها زوجته فكتوريا موسى الدور الأول. ورئيس الحزب الثاني لا يمثل إلا الأوبريت، وهكذا فالمسألة مسألة شهرة وحب ظهور، أما الفن فعليه السلام ورحمة الله.»
170
ومهما يكن من أمر هذا الانقسام، فإن فرقة عكاشة عرضت في هذا الموسم مجموعة مسرحيات جديدة، منها: «معروف الإسكافي» تمصير محمد عبد القدوس ومحمد محمد، ومثلت في أواخر ديسمبر 1923.
171
ومسرحية «زبيدة» تأليف محمد حلمي الحكيم ومحمد فريد أبو حديد، ومن تلحين داود حسني، ومن إخراج زكي عكاشة، ومن تمثيل: محمد بهجت، أحمد فهمي، علية فوزي، زكي عكاشة. وقد عرضتها الفرقة في مارس 1924. ومضمونها يقوم على أن الفتاة الفقيرة التي لا نصيب لها من رفاهية الحياة وزخرفها، يجب ألا يغض البصر عنها الشاب المتعلم العاقل الغني، ولا يجب أن يجعل من فقرها فاصلا بينها وبينه، يمنع عواطفه نحوها من الانطلاق في مجراها الطبيعي، خصوصا إذا كانت هذه الفتاة من أصل طيب، ومن بيئة عرفت كيف تهذبها وتغرس في نفسها بذور الفضيلة والخير.
وقد كتب الناقد عدلي جرجس كلمة عن مسرحية «زبيدة»، قال فيها: «هي رواية من النوع الغنائي، الذي يسود فيه التلحين على جوهر الرواية نفسها ... ولقد حاول زكي عكاشة جهد استطاعته أن يغني دوره جيدا ويمثله كذلك، فكان في الحالة الأولى موفقا أكثر منه في الثانية. إلا أننا نأخذ عليه بعض الحرارة في غير موضعها ... ولنا كذلك ملاحظة نبديها على الأستاذ محمد بهجت، الذي كان له الفضل في إخراج هذه الرواية، فلقد أجاد دوره كل الإجادة، ولكنه تصرف فيه تصرفا كبيرا، وأضاف عليه ألفاظا من عندياته، ليست من الرواية في شيء، كما علمنا من مصدر وثيق. غير أننا نهنئ أحمد فهمي على تمثيله الكوميدي اللطيف، فهو ممثل خفيف الظل حلو الروح، قد يبلغ شأوا بعيدا، لو أنه اعتنى بإلقاء الكلام جيدا وتقوية مخارج اللفظ. أما الآنسة علية فوزي، فقد أدهشتنا أيما اندهاش وأجبرتنا على الإعجاب بها، والنظر إليها نظرة خاصة من حيث إنها حديثة العهد بالمسرح، وعلى رغم حداثتها هذه، أبدعت كل الإبداع في معظم مواقفها. والذي سرنا للغاية هو أنها كانت لا تغني دورها فقط، بل تمثله تمثيلا يكاد في بعض الأحايين يفوق غناءها وقعا وتأثيرا ... والآن لنا كلمة عن تلحين الرواية، وعن أسلوب داود حسني الذي اتخذه لذلك، فنقول إن مزاجه الموسيقي شط به في مواضع كثيرة من الرواية، وإن هناك بضعة ألحان لا تتفق مع المعنى الذي تؤديه، خصوصا في الفصل الأول الذي كان يستلزم كمية كبيرة من الطرب، ما دامت أشعاره عبارة عن موشحات أندلسية. وفي الختام نلفت نظر حضرة المدير الفني زكي عكاشة، إلى أن الفصل الأول طويل جدا، وأنه يحسن به شطره إلى قسمين، ينتهي أولهما عند رقصة «أحلام العاشقة»، التي لحنتها بمهارة نادرة، صاحبة العصمة خديجة هانم فخري، فإن فعل لك كانت الرواية أشد وقعا على المتفرج.»
172
أما المسرحية الجديدة الثالثة فكانت مسرحية «سوسو هانم»، وهي من تأليف حسين سعودي، ومن تمثيل: عبد العزيز خليل، فكتوريا موسى، وردة ميلان، وبدأ تمثيلها في أواخر مارس 1924. وتدور أحداثها حول سوسو هانم، وهي فتاة خليعة لها أخ يدعى محسن بك، متزوج إلا أنه مستهتر. وكانت سوسو تحب ضابطا، هو شقيق إحدى صديقاتها، له أب مجرم بدد مبلغا من النقود، واتهم أحد الموظفين وهو علوي بك شقيق عفت هانم زوجة محسن بك، إلا أن علوي بك لاذ بالفرار فثبتت عليه التهمة. وكانت أخته تقابله سرا، فارتابت حماتها في سيرها، وأوعزت إلى أخيها خليل بك بمداعبة الزوجة لامتحان إخلاصها، إلا أن خليل يعود بالصد والتحقير. ويبيت خليل بك عند أخته في حجرة ابنها محسن بك. وفيما هو نائم يحضر ابن أخته سكرانا مترنحا، وينهال على خاله ضربا بالعصا، مشتبها فيه، بعد أن رأى حذاءه، فظن أن امرأته خانته مع عشيق لها. وفي النهاية تتألم سوسو هانم من أن حبيبها الضابط رفض أن يعيد إليها رسائلها الغرامية وصورها، مهددا إياها بإرسالها لأخيها إذا لم تؤثر على أهلها بقبوله زوجا لها. وبالفعل استطاع هذا الحبيب أن يرسل هذه الرسائل، ولكن عفت هانم تحايلت على زوجها وأخذت منه الرسائل وأنقذت سوسو. ثم لم تطق عفت شكوك حماتها نحوها، فأوعزت إلى أخيها علوي بالمجيء، وكاد يقتله زوجها محسن بك، إلا أنه يدرك في النهاية أنه شقيق زوجته، وأنه بريء. وتنتهي المسرحية بزواج علوي من سوسو هانم.
وقد كتب عدلي جرجس مقالة عن هذه المسرحية قال فيها: ««سوسو هانم» قطعة مؤلفة بالمعنى الصحيح، لا أثر فيها للنقل أو الاقتباس؛ لذا فقد جاءت على قدر ذهن كاتب شرقي، لا دراية له بالمؤلفات المسرحية الأوروبية، كي ينسج على منوالها، ويستعين بها على تفهم أسرار مهنته وكيفية حبك رواية ... موضوع الفصل الأول أوهى بكثير من مادته الكلامية ... ثم إن الأشخاص لا يتكلمون في دائرة الموضوع، بل على هوامشه، فيخطبون ويعظون وعظا اجتماعيا، ويرشدون الناس إلى فضائل كان يجب أن تكون نتيجة لحوادث الرواية. وهناك مسألة المنولوجات، فالفصل الأول وحده مملوء بأربعة أو خمسة منها، وهي مكتوبة بأسلوب شعري مرصوص كأسلوب المواويل البلدية، تدخل سوسو هانم في الفصل الثاني بدون أي مناسبة (كما تدخل وتخرج بقية أشخاص الرواية جميعا) لتلقي منولوجا وتنصرف ... هذه بعض المآخذ. وهناك أفظع منها إلا أننا لا نبالي فهي أول عمل لكاتب مصري يجب علينا تنشيطه وتشجيعه.»
173
أما مسرحية «فتاة الأناضول»، فكانت المسرحية الجديدة الرابعة، وهي من اقتباس سليمان نجيب ،
174
وبطولة: عبد العزيز خليل ، وفكتوريا موسى، وأستر شطاح. وقد بدأ تمثيلها في أول أبريل 1924. وخلاصتها أن فتاة الأناضول أوصى لها خالها بثروته، على شريطة أن تترك أباها وتذهب إلى القاهرة للسكن مع خالتها، فتصل الفتاة إلى القاهرة ويبدأ سوء التفاهم بينها وبين الوسط الغريب، الذي تراقبه مراقبة شديدة، وتقف في كل لحظة على عيوبه ومخازيه. وتساعدها الظروف في أن تنقذ ابنة خالتها من خطر الهروب مع عشيق لها متزوج ورب عائلة. وفي النهاية لا تطيق فتاة الأناضول شذوذ أخلاق خالتها واستبدادها فتعتزم الرحيل، إلا أنها تدرك أن رحيلها سيوقع العائلة في ضنك شديد، فتبقى وتتزوج من قاض قد مالت إليه لرزانته ورجولته.
وقد كتب عدلي جرجس مقالة عن مسرحية «فتاة الأناضول» قال فيها: «هي كوميدية خفيفة الموضوع، لا أثر فيها للملاحظة الأخلاقية ولا للتفكير العميق. اقتبسها صديقنا الفاضل صاحب العزة سليمان نجيب عن رواية
pag my heart
لأحد الكتاب الإنجليز المعاصرين ... فالمقتبس لم يهتم بتصوير شخصيات حية صحيحة ... وأكبر عيب في الرواية أن كاتبها لم يعبأ بغير شخصية فتاة الأناضول فجعلها محور الحوادث ... والذي نعيبه على المقتبس أيضا هو تركيب الرواية وحبكها من حيث خروج الأشخاص ... وفي الختام نتقدم إلى مسرح حديقة الأزبكية بكلمة ثناء وتشجيع، راجين منه تحويل وجهة نظره نحو أنواع الكوميديا والدرامة من الروايات، بنفس العناية التي يبديها في الأوبريت والأوبراكوميك؛ لأنه من الواجب عليه أن يدرك في النهاية أنه من المستحيل عليه إخراج رواية أوبريت أو أوبراكوميك بالمعنى الصحيح لفقر موسيقانا الشرقية وضئولة أذهان ملحنينا. وأن أنواع الكوميديا والدرامة هي الوحيدة التي مارسها ممثلون جيدا، وعالجوا إخراجها كثيرا، وهي الأقرب إلى الفن، والأشد رابطة بحقائق الحياة.»
175
أما آخر مسرحية جديدة في هذا الموسم فكانت مسرحية «الميت الحي»، تأليف سليمان نجيب، ومن تمثيل: عبد العزيز خليل، عبد المجيد شكري، محمد يوسف، فؤاد فهيم، محمد بهجت، فكتوريا موسى. وبدأ تمثيلها في يولية 1924.
176
وهي مسرحية هزلية، تصور جناية بعض الأسر المصرية على بناتها، عندما تتسرع هذه الأسر في زواج بناتهن من أزواج أغنياء، بغض النظر عن طبيعة أعمالهم، التي لا تتفق مع أخلاق وعادات هذه الأسرة. وتوضح المسرحية أيضا نتيجة هذه الأفعال وكثرة مشاكلها.
177
أما عروض فرقة عكاشة الخيرية في هذا الموسم، فقد تمثلت في عرض مسرحية «عبد الرحمن الناصر» لصالح جمعية الاتحاد والإحسان الخيرية السورية في طنطا، تحت رعاية حلمي باشا عيسى مدير الغربية، وذلك في منتصف ديسمبر 1923. وأيضا عرض مسرحيتي «معروف الإسكافي» و«شمشون ودليلة» يومي 24 و25 ديسمبر 1923، مساعدة من الفرقة لمنكوبي السيول في المنيا، تحت رعاية يحيى باشا إبراهيم رئيس الوزراء. وأخيرا قدمت الفرقة مسرحية «هدى» لصالح طلاب التعليم المجاني بمدارس الجامعة الإسلامية الخيرية، تحت رعاية حسن حسيب باشا، في 22 / 5 / 1924.
178
أستر شطاح بطلة مسرحية «فتاة الأناضول» ومقتبسها سليمان نجيب.
موسم 1924-1925
في هذا الموسم لم يطرأ أي تغيير في نظام الفرقة وخط سيرها الإداري، إلا في مارس 1925، عندما أعلنت عن اتباع أسلوب جديد نشرته في الصحف قائلة: «إحياء لذكرى فقيد فني التمثيل والغناء، المرحوم الشيخ سلامة حجازي، تعلن شركة ترقية التمثيل العربي، جوق عكاشة وشركاهم، أنها عزمت على إحياء مساء الأربعاء ليلة الخميس من كل أسبوع بتياترو حديقة الأزبكية، بتمثيل رواية تمثيلية غنائية من روايات الشيخ المرحوم، اعترافا بفضله وتخليدا لذكراه، وتكون أسعار الدخول في هذه الليلة بنصف القيمة المقررة في باقي ليالي الأسبوع.»
179
كما أعلنت الفرقة في مايو عن افتتاح بوفيه فصل الصيف لتقديم المرطبات مع سماع الموسيقى.
180
وإذا تطرقنا إلى المسرحيات الجديدة التي أخرجتها الفرقة في هذا الموسم سنجدها تسع مسرحيات؛ الأولى: «الدنيا وما فيها»، وبدأ تمثيلها بمسرح حديقة الأزبكية يوم 13 / 11 / 1924،
181
وهي من تأليف الشيخ محمد يونس القاضي،
182
ومن تلحين داود حسني، ومن تمثيل: زكي عكاشة، عبد الحميد عكاشة، علية فوزي، وردة ميلان، لبيبة ماللي، محمد يوسف، منسي فهمي، عبد المجيد شكري، عبد العزيز خليل، حسن حبيب، أحمد فهمي، محمد المغربي، محمد حسن ... أما الملقن فكان محمد حجازي.
ومسرحية «الدنيا وما فيها» تدور أحداثها حول حب وقع بين الشوفير خليل وبين الخادمة حميدة، وبالرغم من ذلك فحميدة دائما تصد محاولات خليل للتقرب منها . وبجانب عمل خليل كسائق نجده أيضا كاتم أسرار إحسان بك ابن متولي، الوصي على أموال عم فولي بعد أن تم الحجر عليه، والذي يعيش حياة مهينة فقيرة، بعكس حياة متولي الذي يتمتع بأمواله. وبمرور الوقت يحضر جابر على أنه سباك لإصلاح حنفية القصر، فيشاهد متولي يعنف الفولي فيتدخل في الأمر، ونكتشف أن جابر ما هو إلا عريس ابنة فولي، وقد جاء كي يهدد متولي إذا لم يعط الفولي حقوقه. ولكن متولي يصر على موقفه، فيفكر جابر في تنفيذ حيلة ماكرة، وتمثلت هذه الحيلة في أن بمبة زوجة الفولي تحضر إلى القصر وتصمم على البقاء فيه، وتنجح الحيلة وتعيش بمبة والفولي في مكان فوق سطح القصر.
بعد ذلك نجد جابر يعمل سفرجيا في القصر، ويتودد إلى إحسان ابن متولي من أجل توفير الخمر، والتغطية عليه أمام أبيه. بعد ذلك تحضر لويزة عشيقة إحسان، ونفهم من دورها أن إحسان عرض عليها كتابة بعض الأطيان مقابل زواجها منه، ولكن جابر يتدخل ويوضح لها أن الأطيان كلها ملك الفولي، وأن إحسان ووالده وصيان عليها؛ لذلك تتركه لويزة. وعندما حاول إحسان منعها تضربه بالرصاص، وبذلك نجح جابر في إشعال الفتن داخل القصر وفي صميم أسرة متولي. وفي المحكمة تظهر أسرار كثيرة، منها أن جابر ما هو إلا الأخ الأصغر لفولي، وأن حميدة الخادمة وخليل الشوفير من أبناء فولي، بعد أن أبعدهما متولي عن أبيهما طوال عشرين سنة، بعد أن أخذ الوصاية على أموال الفولي. وأخيرا يحكم القاضي برد جميع أموال الفولي إليه، وتنتهي بذلك المسرحية.
أما المسرحية الجديدة الثانية فكانت مسرحية «المشكلة الكبرى» اقتباس سليمان نجيب، وبدأ تمثيلها يوم 16 نوفمبر 1924.
183
والمسرحية الثالثة كانت «العريس» اقتباس حسين توفيق الحكيم، وبدأ تمثيلها في نوفمبر 1924، وكانت الفرقة تستعين بغناء منيرة المهدية بين فصولها لخلوها من الغناء.
184
وقد قام بتمثيلها: زكي عكاشة، عبد العزيز خليل، محمد بهجت، عبد المجيد شكري، أستر شطاح، سرينا إبراهيم، علية فوزي.
غلاف مخطوطة مسرحية «الدنيا وما فيها»، ومؤلفها الشيخ محمد يونس القاضي.
ومسرحية «العريس » تدور أحداثها حول عزيز فهمي الشاب الوسيم، الذي تعرف على الأرملة فردوس هانم في مصيف رأس البر، فنشأت بينهما علاقة حب. ولكن عبد الله التركي شقيق زوج فردوس المتوفى يلح دائما عليها كي تتزوجه، ولكنها تصده بسبب حبها لعزيز. وبعد عودة الجميع من المصيف نجد عزيز وقد أعجب بالفتاة الثرية أفادات ابنة تاجر غلال الفيوم أبي الدهب، فيطلب يدها من أبيها الذي يوافق على الزواج. وبدأ عزيز يتهرب من إلحاح فردوس التي تصمم على استمرار علاقتهما خصوصا عندما أصرت على الحضور إلى منزله. وقبل موعد حضورها قام عزيز بالاتفاق مع خادمه بيومي على تبادل الأدوار أمام فردوس؛ أي يقوم عزيز بدور الخادم ويقوم بيومي الخادم بدور سيد المنزل. وعندما تحضر فردوس ويخبرها عزيز بهذه الحقيقة نجدها تتعلق به أكثر، وتطلب من بيومي أن يتنازل لها عن خادمه عزيز كي يعمل لديها سائقا.
وهكذا أصبح عزيز يعيش في منزل فردوس كسائق، مما زاد شعور الغيرة عند عبد الله التركي، الذي لاحظ اهتماما غريبا من فردوس لهذا السائق. وتشاء الظروف أن يكون في منزل فردوس خادمة اسمها بهية، كان قد غرر بها منذ زمن بيومي خادم عزيز، وتشاء الظروف أن يحضر بيومي إلى منزل فردوس كي يطمئن على سيده، فتراه بهية وتهجم عليه وتحدث مشاحنات كثيرة، اشترك فيها عبد الله التركي الذي تسلم خطابا من مراقب له كان قد كلفه بمراقبة فردوس، أبلغه فيه إنها زارت عزيز في منزله وكانت مرتدية ثوبا أحمر، فعندما رأى عبد الله التركي بيومي يزور السائق ظنه عزيز بك فهجم عليه بالكرباج، وانتهى هذا الموقف بهروب بيومي وعزيز عن منزل فردوس.
وبعد أيام وفي الفيوم نجد الزينات معلقة والأغاني تتردد، ابتهاجا بزواج عزيز من أفادات، ولكن في هذا اليوم تحضر فردوس من القاهرة لتعمل خادمة عند أبي الدهب، كي تنتقم من عزيز الذي سيتزوج من غيرها، وأيضا تحضر بهية للانتقام من بيومي الذي غرر بها، وأخيرا يحضر عبد الله التركي كي ينتقم لشرفه من عزيز بك. وفي هذا اليوم تحدث مواقف كثيرة بسبب تضارب أقوال وتصرفات الجميع أمام عزيز وبيومي، حتى أصبح أبو الدهب لا يعلم من منهما خطيب ابنته. وتنتهي المسرحية بإيضاح الأمر للجميع، وبزواج عزيز من أفادات، وزواج بيومي من بهية، وأخيرا زواج فردوس من عبد الله التركي.
وكانت مسرحية «خاتم سليمان» المسرحية الجديدة الرابعة، وهي اقتباس مصطفى ممتاز وحسين توفيق الحكيم، وتلحين كامل الخلعي،
185
وبدأ تمثيلها يوم 21 / 11 / 1924،
186
وكانت من تمثيل: زكي عكاشة، عبد الحميد عكاشة، محمد بهجت، علية فوزي.
ومسرحية «خاتم سليمان» تدور أحداثها في إحدى المدن العربية القديمة، حول الفارس الشجاع سليمان الذي يتمتع بخفة روح عالية، جعلته يعيش في لهو ودعابة دائمة مع النساء والفتيات. وفي إحدى المرات يقع في حب الجارية بدور، وأثناء تقبيله لها يضبطه الأمير فيأمر بزواجهما، ويوافق سليمان على مضض؛ لأن الزواج سيحرمه من حياته اللاهية. وفي هذا الوقت يرسل الأمير ولي عهده إلى ميدان القتال، بشرط أن يرافقه سليمان ومؤدب ولي العهد أيضا، وهنا تحدث مواقف كوميدية كثيرة؛ حيث إن هذا المؤدب كان متزوجا سرا ببهانة، وهي امرأة لعوب تعشق الإيقاع بالرجال ومغازلتهم. وعندما يقوم سليمان بمغازلتها أمام زوجها المؤدب، نجد هذا المؤدب يكظم غيظه، ولا يقدر أن يبوح بأنه زوجها. وعلى الجانب الآخر نجد بدور تصر على الذهاب مع سليمان إلى المعركة كي تتزوجه، ولكن يهرب منها قائلا إذا استطعت أن تحصلي على الخاتم الموجود في أصبعي سأتزوجك، وأمام هذا التحدي نجد بدور تتنكر في زي فارس وترافق سليمان باعتبارها الأخ الأكبر لبدور.
وأمام الشبه الكبير بين بدور وهذا الفارس نجد سليمان يحتار في هذا الأمر، ولكن بدور أو الفارس يستطيع أن يكسب صداقة سليمان، ويوهمه بأنه على استعداد لأن يمهد الطريق بينه وبين بهانة فيوافق سليمان. وهنا تتفق بدور مع بهانة على لقاء خارج منزلها؛ لأن بهانة معجبة بهذا الفارس؛ أي بدور، وتتفق في الوقت نفسه مع سليمان بأن بهانة تنتظره في منزلها. وفي الموعد المحدد، وعندما تتأكد بدور من خروج بهانة من منزلها، تدخل هي وتتنكر في زي بهانة، فيحضر سليمان ويقضي وقتا غراميا معها على أنها بهانة، التي طلبت منه خاتمه الثمين دليلا على حبه لها. وهكذا استطاعت بدور أن تحصل على خاتم سليمان، وبعد مواقف مضحكة كثيرة قامت على سوء الفهم تظهر الحقيقة ويعلم سليمان أنه قضى وقت غرامه مع بدور، وتنتهي المسرحية بزواج سليمان من بدور.
غلاف مخطوطة مسرحية «خاتم سليمان»، وإيصالات كامل الخلعي بخصوص تلحين المسرحية.
والمسرحية الخامسة كانت «السلطان قلاوون»، تأليف عبد الحليم دلاور المصري، وبدأ تمثيلها في يناير 1925،
187
بعد أن منعتها الرقابة عشر سنوات.
188
وهي تحكي عن تاريخ قلاوون، ذلك المملوك الشركسي الذي حكم مصر، وبلغ من استبداده أنه أمر بتحكيم السيف في الرقاب ثلاثة أيام، حتى جرت الدماء أنهارا في القاهرة، وقد قصد المؤلف بتأليفها إظهار استبداد المماليك ومعايب حكمهم في عصر السلطان قلاوون.
أما المسرحية السادسة، فكانت مسرحية «التوبة» أو «سالومي» تأليف ريشار ستروس، ترجمة محمد مصطفى سامي، وبدأ تمثيلها في يناير 1925.
189
وهي تدور حول زوجة جميلة أغراها جمالها فقامت بخيانة زوجها، دون أن تضع في حسبانها أنها زوجة وأم؛ حيث كان سلطان شيطانها أقوى عليها من ضميرها. وبعد فترة أرادت أن تكفر عن خطيئتها، بعد أن استيقظ ضميرها، فعادت إلى بيتها تسترحم زوجها، ولكنه طردها، فلم تجد هذه الزوجة غير العمل في فرقة مسرحية، فاشتهرت في أدوار فنية، خصوصا دورها في رواية «سالومي»، حيث قامت بدور الراقصة، التي طلبت رأس يوحنا المعمدان من الملك هيرو ثمنا لرقصها.
أما المسرحية السابعة فكانت «محمد علي الكبير وفتح السودان»، تأليف بديع خيري، وغناء أم كلثوم، وتمثيل كل من: عبد العزيز خليل، عبد الله عكاشة، محمد يوسف، عبد المجيد شكري، زكي عكاشة، محمد بهجت، حسن حبيب، أحمد فهمي، علي حمدي، فكتوريا موسى، عبد الحميد عكاشة، محمد المغربي، محمد فهمي أمان، أبو العلا، محمد هلال، علي حسن، لطيفة حجازي، وبدأ تمثيلها يوم 5 / 2 / 1925.
190
غلاف مخطوطة مسرحية «محمد علي» وصفحة شخصيات المسرحية.
ومسرحية «محمد علي» تدور أحداثها في عهد محمد علي باشا الكبير، حيث أرسل حملته على السودان بقيادة ابنه الأمير إسماعيل باشا، وذلك من خلال أحداث تدور في مدينة شندي بالسودان، حيث يقوم الأهالي بالتبرع للمجاهدين بكل ما في حوزتهم من مؤن ومجوهرات وأموال ... إلخ هذه الأشياء. ومن ناحية أخرى نجد نادية تتبرع بكل مصاغها من أجل المجاهدين، وهي ابنة أبي المعاطي شيخ مدينة شندي، وزوجة خير الدين الضابط في الحملة المصرية التي تغزو السودان. ومع الأحداث نفهم أن الحملة استطاعت أن تستولي على مدينة بربر، ثم دخلت إلى مدينة شندي. بعد ذلك نجد الأمير إسماعيل (الخديو إسماعيل فيما بعد) يحضر لمقابلة النمر ملك مدينة شندي، ويطالبه بجزية الحرب، ولكن النمر ومعه أعيان المدينة يرفضون هذه الجزية؛ لأن المدينة لا تستطيع أن تتحمل دفعها، وتحدث مناقشات كثيرة حول هذا الأمر دون الوصول إلى حل، فالأمير إسماعيل مصر عليها والنمر يرفضها. وبعد انصراف إسماعيل نجد النمر يقرر أمرا فرديا، لا يأخذ فيه مشورة أحد. وتنتهي المسرحية بصراخ من الأهالي لأن النار أضرمت في منازل المدينة، ونكتشف أن الذي أضرمها هو ملكها النمر، حيث أراد أن يبيد المدينة بيده، بدلا من وقوعها في يد الأمير إسماعيل.
وكانت مسرحية «الأعمى المصور» المسرحية الجديدة الثامنة في هذا الموسم، وقد عرضتها الفرقة في مارس 1925، وغنت بين فصولها أم كلثوم.
191
أما آخر مسرحية جديدة فكانت مسرحية «بثينة»، وهي من تأليف محمد يوسف، وبدأت الفرقة في تمثيلها يوم 4 / 6 / 1925.
192
ومن حيث الحفلات الخيرية في هذا الموسم، فقد عرضت فرقة عكاشة مسرحية «شمشون ودليلة» يوم 18 / 2 / 1925 مساعدة لمستشفيات اللادي كرومر. وعرضت أيضا مسرحية «معروف الإسكافي» يوم 18 / 4 / 1925 مساعدة لجمعية أمهات المستقبل.
193
لم يبق من نشاط الفرقة في هذا الموسم، سوى عروضها المعادة من المواسم السابقة، والتي كانت تغني بين فصولها بعض المطربات، مثل: منيرة المهدية، وأم كلثوم، والمطربة ملك؛ وذلك بسبب توقف مطربة الفرقة فاطمة سري عن الغناء لزواجها. ومن هذه المسرحيات: «شمشون ودليلة»، «عائدة»، «الميت الحي»، «القضاء والقدر» أو «حسن الفقير وكريمته نعمى»، «معروف الإسكافي»، «أنجومار المتوحش»، «آه يا حرامي»، «سوسو هانم»، «غانية الأندلس»، «الزوبعة»، «ملاك وشيطان»، «عبد الرحمن الناصر»، «صباح»، «تليماك»، «هدى»، «24 ساعة»، «فتاة الأناضول»، «العمدة».
194
ومن الجدير بالذكر أن فرقة عكاشة أحيت موسما صيفيا فنيا بالإسكندرية في شهر يولية، ثم استكملته في سوريا حتى نهاية سبتمبر 1925، أملا في تعويض خسائرها التي تكبدتها في هذا الموسم.
195
ولكن الفشل - بكل أسف - كان من نصيبها أيضا في سوريا، وهناك اتسعت فجوة الخلاف بين إخوان عكاشة، ذلك الخلاف الذي أصاب أيضا ممثلي الفرقة، مما جعل إشاعة قوية تتردد مفادها أن فرقة عكاشة سوف تحل، أو ستنقسم إلى فرقتين، ولكن أعضاء شركة ترقية التمثيل قاموا بمجهود ضخم في لم شمل الفرقة مرة أخرى حتى تبدأ موسمها الجديد.
196
موسم 1925-1926
بعد عودة الفرقة من الشام وقبل أن تبدأ موسمها الجديد أعلنت عن حاجتها إلى ملحنين وملحنات من ذوي الأصوات الرخيمة.
197
وهذا الإعلان يدل على أن الخلاف ما زال قائما بين إخوان عكاشة؛ حيث إن زكي عكاشة المهيمن على إدارة الفرقة يميل إلى إنتاج عروض الأوبرا والأوبريت، أما عبد الله عكاشة وزوجته فكتوريا موسى بطلة الفرقة، فيميلان إلى إنتاج عروض الدرام والكوميدي درامتيك. والإعلان السابق يدل على إصرار زكي عكاشة على رأيه، وكان من نتيجة هذا الإصرار والاستمرار فيه خروج عبد الله عكاشة وزوجته من الفرقة نهائيا في أول فبراير 1926، ومن ثم تكوينهما لفرقة فكتوريا موسى في صيف هذا الموسم.
198
وكان من أثر هذا الانقسام، اهتمام زكي عكاشة ببوفيه الفرقة الصيفي المقام أمام المسرح.
199
وقد كتب عبد الوهاب البرعي المحامي مقالة في نهاية هذا الموسم هاجم فيها زكي عكاشة قائلا: «إن شخصا محروما من كل كفاية علمية، إذا ألقيت إليه مقاليد مسرح هائل كمسرح الحديقة استبد به، وأخر استبداده بالفن لأنه استبداد جهول، أراد زكي أن يكون مسرح الحديقة ذا صبغة مصرية بحتة. ولكن سوء تصرف المدير مع الكتاب ومع غيرهم جعل إنتاج هذا المسرح قليلا، بل جعله عقيما، ونفر الكتاب من الكتابة. والفرقة التي عمادها والتي يأخذ أهم أدوارها زكي عكاشة ، كيف تريد من الجمهور أن يقبل عليها؟ ... عيوب كثيرة جدا وحمق كان من نتائجها أن دب دبيب الشقاق بين الإخوان وبينهم وبين الجمهور، فأقفر المسرح وهجره الجمهور، ونبذ الكتاب الكتابة من تصرف زكي معهم ... أرادت (الفرقة) أن تستقر إلى ما يسميه مديرها جهلا الأوبرا العربية، وهي قطع ليست فنية، وكل ما وضع فيها، هي بعض ألحان تلقى كما كانت تلقى القصايد القديمة في رواية «صلاح الدين» و«شهداء الغرام» في المدرسة القديمة أيام المرحوم الشيخ سلامة حجازي. فكأن كل جهود شركة ترقية التمثيل العربي، إنما أنتجت رجوعا بالفن إلى الوراء ثلاثين سنة، ثم بدا لهم من بعد ما تبين، أن هذا الطريق ليس فيه غير موت مسرحهم أن يشطروا الفرقة شطرين ... والخلاصة أن مسرح الحديقة الفخم، ورأس المال الذي أنفق في سبيله، لم يقدم التمثيل قيد شعرة؛ ولذلك يرى جمهور الكتاب وكثير من النقاد أن يعتبره كأنه غير موجود.»
200
زكي عكاشة.
وبالرغم من هذا الهجوم، فإن فرقة عكاشة استطاعت أن تقدم خمس مسرحيات جديدة في هذا الموسم، الذي تأخر بدؤه، كما أنها مثلت مسرحية «ملاك وشيطان»، ولكن تحت اسم «أسرار القصور» يوم 23 / 6 / 1926، في ثالث أيام عيد الأضحى.
201
وكانت المسرحية الجديدة الأولى «ليلة كليوباترا»، وبدأ تمثيلها في 5 / 11 / 1926 بمسرح حديقة الأزبكية، اقتبسها د. حسين فوزي، وقام بتلحينها داود حسني، ومثلها كل من: زكي عكاشة، عبد العزيز خليل، عبد المجيد شكري، علية فوزي. وقد مثلت أكثر من مرة في هذا الموسم، وكانت تلقي أم كلثوم وفتحية أحمد القطع الغنائية بين فصولها.
202
صورة من عرض مسرحية «ليلة كليوباترا».
ومسرحية «ليلة كليوباترا» تدور أحداثها حول شاب يدعى ميامون، أحب الملكة كليوباترا وترقب خروجها من المعبد، فقدم إليها باقة من الزهور رمزا لحبه وإخلاصه، فقبض عليه الحراس، فأمرتهم الملكة بإخلاء سبيله، محذرة إياه من العودة إلى مثل هذا العمل. ولكن الغرام ملك عليه مشاعر نفسه، فترقبها مرة أخرى وهي في الحمام مع جواريها، وقذفها بسهم وضع فيه رسالة يشرح فيها هواه. فأوعزت كليوباترا إلى بعض أتباعها ، بالبحث عمن ألقى هذا السهم ، فجيء بميامون وشرح لها ما يعانيه من الآلام في حبها، فأجابته أن ليلتها بحياته، فهي تهبه ليلة ينعم فيها بكل ما يريد، وفي الصباح تقدم له كأسا من السم يشربه فتنتهي حياته. وبالرغم من قسوة هذا الشرط إلا أن ميامون قبله مسرورا، ولكن الملكة أحبته في ليلتها هذه، حتى إنها عدلت عن تنفيذ الشرط وطلبت منه البقاء بقربها. ولم تكد تعلنه بعزمها هذا حتى جاء رسول أنطونيوس، يدعوها كي تذهب إلى مولاه خاضعة، فترى حينئذ كليوباترا أن الواجب يقضي عليها الذهاب إلى ذلك الجبار، الذي يهدد ملكها كي تأسره بجمالها، فتطلب من ميامون أن ينساها وأن يرحل عن البلاد، ولكنه أبى الرحيل، ومن ثم تناول الكأس فشرب السم، مفضلا الموت على فراقها، وبذلك تنتهي المسرحية.
وقد قدم حسين فوزي مسرحيته هذه بمقدمة قال فيها: «ليست هذه رواية تاريخية عن كليوباترا، ولا هي بحث أخلاقي أو تحليل عن شخصية الملكة الفتانة، التي قضت حياة ملأى بالعواصف السياسية، وانتهت بتلك المأساة المشهورة. فهي رواية غنائية، والرواية الغنائية ليست مجالا للأبحاث التاريخية، ولا موضعا للتعمق في درس الشخصيات. وإنما هذه حادثة بسيطة في حياة الملكة كليوباترا، تلك الحياة المملوءة بالغرائب والأعاجيب، وقد تغلبت عليها طبيعتها النسائية، حين تشعر في بعض اللحظات بعبء الحياة العامة، فتطرح عنها ذلك العبء قليلا من الزمن، لتترك نفسها لنوع من التمتع، قد لا يرحم التاريخ في الحكم عليه، ولكنها حقيقة واقعة في حياة أكثر الملكات، اللائي اشتهرن في التاريخ، وعلى الأخص من عاش منهن في عصور الانحلال وشيخوخة الأمم. والرواية مبنية على قصة صغيرة للكاتب الكبير «بنوفيل جوتيه» ... فعزمت أن أتخذها موضوعا لرواية غنائية. ولكن قبل أن أقدم على ذلك ذهبت إلى ما قاله التاريخ عن كليوباترا ... بدأت في وضع روايتي غير مقيد بشيء مما ورد في قصة جوتيه، بل متتبعا ما يقضى به علي التأليف الغنائي المسرحي، وقسمتها إلى ثلاث فصول، ونظمتها كلها شعرا حتى أرسم للموسيقي طريق تأليف ألحانه، وحتى يتاح له أن يلحنها من أولها إلى آخرها، ووضعت موضوعات الرقص بنفسي، كي لا يخرج معلم الرقص عن فكرتي، محتذيا في كل ذلك بالأوبرات الأوروبية. وأشرفت على عمل الملابس والمناظر واللوازم المرسحية، مستنيرا في كل ذلك بالمؤلفات التاريخية، فأنا أعد نفسي مسئولا عن كل كلمة، وكل حركة ومنظر في هذه الرواية. فليس هنا ترجمة أو تمصير أو اقتباس، وبذلك أكون قد تمشيت مع الفكرة الجليلة التي أنشئ من أجلها تياترو حديقة الأزبكية، وهي إظهار روايات مؤلفة خصيصا للمسرح المصري.»
203
وقد لاقت هذه المسرحية استحسان معظم النقاد، فكتبوا عنها مدحا عظيما،
204
باستثناء كتابات قليلة، توجه أصحابها نحو بعض العيوب، مثل قول محمد علي حماد، بجريدة «البلاغ»، في 16 / 11 / 1925:
يحق لنا أن نقول إنها بدأت في مصر تاريخ الأوبرا المصرية الصميمة الخالصة. وكان الفضل في ذلك للدكتور حسين فوزي أولا، ولمسرح حديقة الأزبكية ثانيا ... أما عن الموسيقى وتلحين الرواية، فقد كان غير موفق ولم يفرق الملحن الأستاذ داود بين ألحان من المدرسة الموسيقية القديمة، وما يتطلبه تلحين هذه الأوبرات من الموسيقى المسرحية، التي وإن كانت تتفق مع موسيقى الأدوار والتخت في القواعد والأصول، إلا أنها تختلف عنها في اللون والصبغة. وعلى ذلك نقول إن موسيقى «ليلة كليوباترا» لا يعتد بها كثيرا ... وقد يعذر الرجل، فقد ظل طوال عمره يمارس نوعا خاصا من الموسيقى، كالتواشيح والأدوار والطقاطيق وما إليها، فكان من المستحيل عليه بعد هذا العمر الطويل، على أسلوب ووتيرة واحدة أن يغير من الشيء الذي ألفه واعتاد عليه، وكان من الخطأ البين أن يعهد إليه بما لا يحسن القيام به.
أما المسرحية الجديدة الثانية فكانت «سهام» مصرها عباس علام، عن رواية جورج فيدو «حانة مكسيم»
LA DAME DE CHEZ MAXIME ، وقال عباس في مقدمتها: «رأيت هذه الرواية تمثل في السينما، باسم «غادة ملهى مكسيم»، فراقني ما فيها من المواقف المضحكة، وفكرت في تقديمها للمسرح العربي. الأصل فيها الفودفيل، ولكني أمقت هذا النوع لمخالفته للفن والآداب. فاستخرت الله وكتبتها من عندي، وجعلتها من نوع الكوميدي القائم على التمثيل والأخلاق، وذلك بعد أن طهرتها من الفحش وابتعدت بها عما هو غير معقول، وأنا في هذا أحاول أن لا أحرم جمهورنا من الضحك، والضحك المتواصل. لحسن الحظ أن أحد مسارحنا المصرية سبقني إلى إخراج هذه الرواية، منذ أسابيع قليلة (يقصد مسرح رمسيس)، ولكن على أصلها الإفرنجي، وكما كتبها جورج فيدو، عساي أن أكون قد وفقت في عملي، وهو ما أرجو من الله.»
205
غلاف مخطوطة مسرحية «سهام».
وهذه المسرحية مثلتها الفرقة ابتداء من 26 / 11 / 1926،
206
وكانت من تمثيل: عبد العزيز خليل، عبد الله عكاشة، عبد المجيد شكري، محمد بهجت، محمد يوسف، فكتوريا موسى. وقد لاقت هذه المسرحية نقدا لاذعا شديدا، من حيث نصها، وما قام به عباس علام من عبث بنص المؤلف جورج فيدو. وهذا النقد اللاذع قابله نقد مادح شديد للممثلين وللمناظر، ولباقي عناصر العرض المسرحي.
207
ومسرحية «سهام» تدور أحداثها حول الراقصة سهام، التي تجذب بجمالها جميع الزبائن إلى ملهى النوفوتيه، فيقوم هؤلاء الزبائن بإرضائها بشتى الطرق، إلا أنها لا ترضى بأحد منهم. ومن الملاحظ أن كل زبون كان يمني نفسه بحبها، ولكنها لا تحب إلا شخصا واحدا هو عزيز بك، وفي الوقت نفسه نجدها لا تصرح له بهذا الحب، رغم وجوده كل يوم في الملهى. وفي ليلة حضر عزيز وأخبر الجميع أنه سيتزوج من فتاة في أسيوط، فجن جنون سهام وحاولت أن تثير غيرته، ويشاء القدر أن يحضر في هذا الملهى ولأول مرة الدكتور سماحة مع صديقه سمري. وكان الدكتور سماحة مستقيما لا يقرب الخمر ولا يلهو، ولكنه جاء بضغط من صديقه. هنا وجدت سهام ضالتها، فغازلت الدكتور، واستطاعت أن تسقيه الخمر وتشرب معه، رغم أنها لم تجالس زبونا واحدا من قبل، فثارت غيرة عزيز، وقام بضرب الدكتور سماحة، وحدثت مشادة عنيفة، فر على أثرها سمري، وترك صديقه الدكتور.
فكتوريا موسى في دور سهام.
وفي الصباح استيقظ سماحة فوجد نفسه نائما أسفل الكنبة، وأن صوتا غريبا يصدر من غرفة النوم، وعندما يتفقد هذا الصوت يجده لسهام وقد ارتدت بجامته، فيفزع منها وتحكي له ما حدث بالأمس، وأنه كان مصابا ومخمورا فنقلته إلى منزله، وعندما تبحث عن فستانها لم تجده، فتعلم أن سكينة هانم زوجة سماحة أخذته، ظنا منها أنه هدية من زوجها، فقامت سهام بارتداء أحد فساتين الزوجة، وعندما بدأت تهم بالخروج يحضر عم الدكتور من الصعيد، ليدعو سماحة وزوجته لحضور حفل زواج ابنته. وعندما يرى سهام يظن أنها سكينة زوجة ابن أخيه، حيث إنه لم يرها من قبل، وتتعقد الأمور، ويضطر سماحة أن يأخذ سهام إلى أسيوط لحضور حفلة الزواج على أنها زوجته، وفي الحفلة يتضح أن العريس هو عزيز بك حبيب سهام، وبالمصادفة تحضر الحفلة سكينة زوجة الدكتور الحقيقية، فتتعقد الأمور أكثر. وبعد مواقف كوميدية كثيرة يتضح الأمر للجميع، وتستطيع سهام أن تتزوج من حبيبها عزيز بك.
أما مسرحية «كوثر» فكانت المسرحية الجديدة الثالثة، ومصرها عباس علام،
208
عن رواية «السارق»
LE VOLEUR
للكاتب الفرنسي هنري برنشتين، وبدأت الفرقة تمثيلها منذ 17 / 12 / 1925، وكانت من تمثيل: فكتوريا موسى، أستر شطاح، محمد يوسف، عبد الله عكاشة، محمد بهجت، عبد المجيد شكري. وهذه المسرحية كسابقتها، لاقت نقدا لاذعا انصب على تمصيرها وتشويه أصلها الفرنسي
209
رغم كثرة عرضها في هذا الموسم.
210
وقد كتب عباس علام كلمة عن مسرحية «كوثر» في بروجرامها، قال فيها: «هذه ابنة من بنات هنري برنشتين، سجلها في دفاتر مواليد فرنسا باسم «السارق»، وقدمتها إلى التياترو الفرنسي مدام سيمون باعتبارها والدة لها، كان ذلك في عام 1906. أناشيد الإعجاب بهنري برنشتين، وبأولاده الذين أنجبهم، والذين يجري في عروقهم دمه الحار، المملوء بالنشاط والقوة والحياة. ولطالما تاقت نفسي لأن أقدم ولدا من أولاده إلى أبناء وطني الأعزاء كمثال للتربية الفرنسية وللأدب الفرنسي وللتفكير الفرنسي، على أني أعلم أن الجو في مصر لا يوافق مزاج أبناء برنشتين، فلو نقلت أحدهم إلى بلدنا دون وقاية، فمصيره أن يذبل في الطريق، وأن يموت ساعة تطأ قدمه أرض مصر. وحرام أن نأخذ أبناء الناس أحياء لنعيدهم إليهم في نعيش وكفن. لم أجد من أبناء برنشتين من هو أقرب إلى بيئتنا غير هذه البنت، ولم أجد للمحافظة على حياتها من أن أتبناها. اتخذتها ابنة لي، وسجلتها في دفاتر مواليدنا باسم «كوثر»، ولم أجد من تصلح لإرضاعها وتغذيتها بلبانها، فتقوم نحوها بما قامت به مدام سيمون، غير السيدة فكتوريا موسى. وقد ألبست كوثر الملابس الموافقة للطقس المصري، وغذيتها بالأغذية المصرية وأشربتها بالذوق المصري، وعلمتها التعليم المصري، وجعلتها تفكر وتتكلم كما يفكر المصريون ويتكلمون. لست أدعي أني بالغ بكوثري ما بلغ برنشتين بسارقه، ولا أنا طامع أن يعترف للسيدة فكتوريا موسى بمثل ما اعترف الفرنسيون لمدام سيمون، ولكني أرجو بمثل هذا التبني أن أمهد الطريق لأخ من إخواني المصريين يكون له ما كان لهنري برنشتين، ولأخت من أخواتنا المصريات أن يكون لها ما كان لمدام سيمون.»
211
ومسرحية «كوثر» تدور أحداثها في قصر الباشا الثري، صاحب مزارع البن في البرازيل، وله زوجة هي أسما هانم، تهتم بالمجوهرات والملابس الفاخرة وتنفق دون حساب، وله ابن من زوجة أخرى هو فكري، وهو شاب عاطفي رقيق المشاعر. وفي يوم يحضر إلى القصر نجيب وزوجته كوثر، ونجيب هذا هو وكيل أعمال الباشا في البرازيل، ويمكث الجميع في القصر عدة أيام، فيقع فكري في حب كوثر، التي كانت تمنيه وترغبه دون أن تسلمه نفسها، فما كان منه إلا أن يكتب لها خطابا كل ليلة ويتسلل إلى غرفتها ويتركه، فتأتي هي وتقرؤه وتحتفظ به. وبعد أيام لاحظت أسما هانم نقصا ملحوظا في أموالها، فأخبرت زوجها بذلك، فقام الزوج بإبلاغ الشرطة سرا، فجاء له مخبر سري متنكر في شخصية الشيخ رضوان، ومكث معهم في القصر بصفته أحد أصدقاء الباشا. وقام المخبر بعمله حيث وضع نقودا معلومة بعلامات معينة، وبعد فترة استطاع أن يحدد الجاني، وجمع كل من في القصر لتحديده، وأمام الجميع اتهم المخبر ابن الباشا فكري، وأخرج من جيبه الأوراق المالية المعلومة. واعترف فكري بجريمته وسط دهشة الجميع خصوصا كوثر.
جزء من الصفحة الأولى لمخطوطة مسرحية «كوثر».
وفي الليل يكتشف نجيب أوراقا مالية معلومة أيضا في دولاب زوجته، وعندما ضيق عليها الخناق في أسئلته اعترفت له أنها السارقة. وهنا جن جنونه، وأخذ يتساءل لماذا اعترف فكري على نفسه، إذن زوجته خائنة، وما اعتراف فكري إلا لينقذ عشيقته. وحاولت كوثر تبرير موقفها، وفسرت وجود الأموال مع فكري، بأن زوجة أبيه تحرمه من المال، فأعطته كوثر بعضا مما سرقت، ولسوء الحظ كانت من الأموال المعلومة. وفسرت السرقة بأنها خافت عليه من أسما هانم؛ لأنه دائما يتحدث عن جمالها وثرائها، فأرادت أن تكون ثرية مثلها. ويرضى الزوج بهذا التبرير الواهي، حيث قامت الزوجة بإغرائه في هذه الليلة. وفي الصباح يحكم الباشا على ابنه بالنفي إلى مزارعه في البرازيل، وتحاول كوثر منع ذلك، ولكنها لا تستطيع فينفرد بها زوجها ويتهمها بالخيانة، وعدم احتمالها بعد عشيقها عنها، فتصرخ في وجهه، فيحضر جميع من في القصر وتعترف كوثر أمامهم بأنها السارقة، ويتهمها زوجها بالخيانة، فلم تطق هذا الضغط من حولها فقامت بإطلاق الرصاص على نفسها.
ورابع مسرحية جديدة كانت «طيف الخيال»، وتم تمثيلها ابتداء من 24 / 12 / 1925، وهي من تأليف حامد الصعيدي، وتلحين كامل الخلعي. ومن الغريب أن هذه المسرحية لم تلق أي اهتمام من قبل النقاد،
212
رغم إعادة عرضها أكثر من مرة في هذا الموسم.
213
ومسرحية «طيف الخيال» تبدأ أحداثها في عزبة الباشا، حيث نجد جميع من في قصره يستعد لاستقبال محروس بك ابن الباشا، الذي أنهى دراسته في الهندسة. ونلاحظ أن دنيا ابنة ناظر الزراعة تبدي اهتماما أكثر من الجميع، حيث نعلم أنها تكن كل حب لمحروس منذ صغرها، ولكنها لا تستطيع أن تبوح بذلك الحب، بسبب الفارق الاجتماعي بينها وبين سيدها محروس. وبعد قليل يحضر محروس من القاهرة، فيستقبله الجميع بالأغاني والأفراح، وبالأخص جاره فلان بك البرطماني، الذي يخبره بأنه اتفق مع عمه على أن يزوجه من ابنته علية. وهنا يبهت محروس حيث لا علم له بأمر هذا الاتفاق، وتحضر علية ويعجب بها محروس. ومن جهة أخرى نجد مظهر بك، وهو جار فلان بك، يحاول تدبير المؤامرات لإفشال زواج محروس من علية؛ حيث إنه قد خطبها من والدها من قبل، ولكن والدها فسخ هذه الخطبة قبل حضور محروس بأسبوع.
الصفحة الأولى من مخطوطة مسرحية «طيف الخيال».
والسبب في ذلك أن فلان بك يتاجر بابنته علية، من أجل الحصول على رتبة الباشوية، فقد وافق فلان على زواج ابنته علية من مظهر، عندما علم أن خال مظهر في يده منح رتب الباشوية. ولكن بعد أيام حدثت مشاحنات بين فلان وخال مظهر، اضطر بسببها هذا الخال أن ينهي علاقته بفلان، وبالتالي عدم منحه رتبة الباشوية؛ لذلك فسخ فلان الخطبة، ووافق على زواج ابنته من محروس لأنه من الأغنياء، وعندما تعلم دنيا بأن مظهر يدبر المؤامرات لحبيبها محروس، نجدها تلتحق بالعمل لديه، كي تطلع على أسراره ومؤامراته، ومن ثم تحذر محروس منها. وبالفعل قامت دنيا بذلك، وكانت ترسل الرسائل إلى محروس وتوقع باسم طيف الخيال، واستمرت دنيا على هذا المنوال كثيرا، ومحروس في حيرة من أمر هذه الرسائل، لدرجة أنه عشق طيف الخيال قبل أن يعلم من هي. وبعد أحداث كثيرة يعلم محروس أن دنيا هي طيف الخيال، التي أنقذته أكثر من مرة، فيفسخ خطبته من علية ويتزوج من دنيا، وتنتهي المسرحية.
أما المسرحية الجديدة الخامسة والأخيرة في هذا الموسم، فكانت مسرحية «الثائرة» أو «فتاة الإسكندرية»، وهي من اقتباس مصطفى صادق، وغناء أم كلثوم، وتم تمثيلها ابتداء من 13 / 5 / 1926. وكانت من تمثيل: دولت أبيض، أمينة محمد، عبد العزيز خليل، عبد المجيد شكري، منسي فهمي، حنا وهبة، محمد يوسف.
214
ومسرحية «الثائرة» تدور أحداثها حول سعيد بك، وهو متزوج من حورية هانم المرأة الطيبة ذات الحسب والنسب، والتي تطيع زوجها في كل شيء. وما كان من هذا الزوج إلا أن يقوم بخيانتها كل ليلة مع مدام أنطوان، في الغرفة رقم 16 ببنسيون مدام كلاريس، ثم يعود فيقص على زوجته في فخر قصص مغامراته الليلية. وكانت الزوجة تسمع منه وتكتم غيرتها وغيظها، وهو يزيد في عذابها، وعندما كانت تتبرم من قصصه كان ينهال عليها بوابل من الشتائم والتجريح وهدر الكرامة، ويصفها بأنها قطعة أثاث في المنزل ، لا تستطيع أن تتحرك من مكانها إلا بإذنه، ولا تستطيع أن تخرج من المنزل إلا إلى قبرها. وبمرور الأيام نجد الزوجة تثور على جميع الرجال في صورة زوجها، وتتبرم بالقوانين، وتجادل زوجها في قيمة الأحكام التي لا تعدل بين المرأة والرجل ... إلخ هذه الأمور.
وفي يوم من الأيام خرجت الزوجة دون إذن من زوجها، وتعمدت أن تعود بعد حضوره، وعندما سألها عن سبب خروجها وغيابها قالت له إنها تعرفت على رجل آخر، فتمتعت معه كامرأة بما لم تتمتع به من قبل، حيث استأجرت الغرفة رقم 14 في بنسيون مدام كلاريس. بل وأتت له بدلائل قوية حيث سردت عليه ما حدث بينه وبين مدام أنطوان في الغرفة رقم 16، وأسمعته نصوصا من كلامه وكلام عشيقته، حتى يتيقن من أنها بالفعل خانته في هذه الليلة. هنا ثار الزوج وحاول قتلها، ولكن الجيران تجمعوا على الصراخ والعويل، ومنعوه من ارتكاب تلك الجريمة. وبعد أن هدأت النفوس حاولوا أن يفهموا الموضوع من الزوجة، فقصت عليهم مغامرتها مع عشيقها، وكانت تتفنن في الوصف، والزوج يغلي ويتمتم، حتى انتهت من روايتها، بعد أن وصل الزوج إلى درجة الانهيار. وهنا صرحت الزوجة بالحقيقة الخفية، حيث إنها زوجة شريفة، فقد لفقت هذه القصة كي تعطي زوجها درسا قاسيا، ولكي يشعر بما كانت تشعر به هي كل ليلة عندما كان يخونها، ويقص عليها قصص خيانته. وتنجح الزوجة في تلقين زوجها هذا الدرس، فيطلب منها الغفران، ويقسم بأنه سيمحو في المستقبل سيئاته بحسنات كثيرة.
ومن الملاحظ في هذا الموسم أن فرقة عكاشة حاولت تعويض عدم وجود العنصر النسائي الغنائي بها، بسبب زواج فاطمة سري - كما مر بنا - وذلك بالاستعانة ببعض المطربات، أمثال: أم كلثوم، التي رفضت التمثيل، ولكنها وافقت على الغناء فقط بين الفصول أو في ختام العروض. ولأن أم كلثوم بدأ نجمها يسطع في هذا الوقت، وافقت الفرقة على شروطها، ومن ثم أخذت تعلن عن عروضها المسرحية المشتملة على غناء أم كلثوم بصورة خاصة.
فعلى سبيل المثال نجد جريدة «السياسة» في 18 / 2 / 1926 تقول:
من أراد أن يضيف إلى عمره أعمارا جديدة، كي يشاهد أكبر معرض فني، ويسمع أطرب الألحان، من أعظم مغنية مصرية، احتجبت بضع أسابيع فشاقت الجمهور إلى حنان صوتها الساحر. تياترو حديقة الأزبكية، يوم السبت 20 فبراير سنة 1926، هناك تشاهد أجمل المناظر الفرعونية، وتسمع أرق الألحان الجديدة وأشجاها، من مغنية الشرق «الآنسة أم كلثوم». وستمثل شركة ترقية التمثيل العربي، جوق عكاشة وشركاهم، الرواية الأوبرا الجديدة «عروس الفراعنة كليوباترا». إبداع مدهش، مناظر أثرية، ألحان مطربة، مغاني شجية، رواية فرعونية، تياترو شرقي، مجتمع أدبي، «ليلة كليوباترا»، ليلة حب وهيام، ليلة مغنى وطرب ... وفي جنة الفراعنة، تظهر عروس المطربات «الآنسة أم كلثوم»، فتملأ القلوب فرحا والصدور ابتهاجا، إذ تغني كل مطرب وجديد، فتعوض عشاق صوتها الساحر ما فاتهم في مدة احتجابها، وتملأ ذلك الفراغ الفني الذي أحدثه في مدة غيابها.
وقالت أيضا جريدة «البلاغ» في 17 / 3 / 1926:
إلى الشرقيين عامة والمصريين خاصة، أدعوكم جميعا يا خير شعب، لا فرق بين كبير وصغير، فكلكم في الوطن سواء. تعالوا لتشاهدوا رواية بطل الشرق والتاريخ، أكبر شاهد على مسرح تياترو حديقة الأزبكية، يوم الثلاثاء 16 مارس ... باستعداد عظيم جوق عكاشة وشركاهم، الرواية المصرية السودانية، رواية المصلح الكبير المغفور له والي مصر «محمد علي باشا وفتح السودان.» في هذا اليوم يتجلى التاريخ أمام كل مشاهد لهذه الرواية، وفي هذا اليوم يعلم كل مصري أن من حقه المبادرة إلى التياترو، وليشترك في هذا المهرجان الوطني ... ويتخلل الرواية مقطوعات غنائية جميلة، من ربة الصوت الساحر، مغنية أرض مصر المقدسة، الآنسة «أم كلثوم». تغني كل ما يطرب ويشجي، تغني أجمل المغاني وأطرب الألحان، تغني فتستهوي القلوب وتخلب الألباب.
وأخيرا قالت جريدة «الأهرام» في 9 / 5 / 1926:
جوق عكاشة وشركاهم لأول مرة رواية «الثائرة» ... إنها أول رواية وضعت في الأخلاق ... وخير ما جادت به قرائح الروائيين ... ولكثرة حوادث الرواية ومفاجآتها ومدهشاتها ومضحكاتها ومبكياتها، وما يتخللها من المواقف المهمة، ستغني القوم بأجمل ما كان يغني به أسحق النديم في مجلس الخليفة الرشيد، الموسيقية الفنانة الآنسة «أم كلثوم». تغني فتجعل القوم سكارى من الطرب، وتحملهم على طلب الإعادة، تغني فتنسي المهموم همومه، والمحزون أحزانه، تغنيهم حتى يختلط الحابل بالنابل من لذيذ النغم، ويتساوى الجميع في موقف الأشجان، فلا نسمع إلا صرخات وتأوهات صادرة من أعماق القلوب، وتصفيق الاستحسان يصم الأذان.
215
المطربة أم كلثوم.
وإذا نظرنا إلى عروض الفرقة الخيرية في هذا الموسم، سنجدها تتمثل في عرض مسرحية «شمشون ودليلة» في 15 / 11 / 1925 لصالح الجمعية الخيرية للروم الكاثوليك، ومسرحية «ليلة كليوباترا» يوم 14 / 1 / 1926 لصالح نقابة كتبة وموظفي المصالح الأهلية، والفصل الأول من مسرحية «عبد الرحمن الناصر»، والفصل الثاني من مسرحية «ليلة كليوباترا» يوم 20 يناير لإعانة المنكوبين السوريين، ومسرحية «طيف الخيال» يوم 25 فبراير لصالح نادي الكشافة النوبية بالإسكندرية، ومسرحية «المشكلة الكبرى» يوم 22 أبريل لصالح الجمعية الخيرية الإسلامية، وأخيرا مسرحية «ليلة كليوباترا» في منتصف مايو 1926 لصالح جمعية تحسين حالة العمياوات بالزيتون.
216
أما عروض فرقة عكاشة في الأقاليم لهذا الموسم، فقد تمثلت في مسرحية «الناصر» ببني مزار في 29 / 1 / 1926، و«طيف الخيال» بميت غمر في 5 مارس، و«ليلة كليوباترا» بكوم أمبو في 18 مارس، وبأسيوط في 22 مارس، وببور سعيد يوم 29 مارس، و«شمشون ودليلة» ببور سعيد أيضا يوم 30 مارس 1926.
217
وفي هذا الموسم أعادت الفرقة تمثيل كثير من مسرحياتها السابقة، مثل: «صباح»، «هدى»، «اللؤلؤة»، «معروف الإسكافي»، «شمشون ودليلة»، «التوبة» أو «سالومي»، «المشكلة الكبرى»، «الزوبعة»، «العريس»، «خاتم سليمان»، «فتاة الأناضول»، «عائدة»، «آه يا حرامي»، «العمدة»، «السلطان قلاوون»، «24 ساعة»، «غانية الأندلس»، «عظة الملوك»، «محمد علي باشا وفتح السودان»، «سوسو هانم»، «الدنيا وما فيها».
218
موسم 1926-1927
قبل بداية هذا الموسم كتبت مقالات كثيرة عن المشاكل التي تتعرض لها الفرقة،
219
والتي تنبأت بنهايتها.
220
وبعد نهاية الموسم السابق وعودة الفرقة من رحلتها الصيفية أعلنت عن حاجتها إلى ممثلات للعمل بالفرقة بعد خروج فكتوريا موسى وتكوينها لفرقة خاصة بها وبزوجها عبد الله عكاشة.
221
ورغم هذا فقد قدمت فرقة عكاشة في هذا الموسم أكبر كم من المسرحيات الجديدة، بدأتها بمسرحية «علي بابا» في افتتاح الموسم يوم 4 / 11 / 1926، والمسرحية تأليف حسين توفيق الحكيم، وأزجال بديع خيري، وتلحين زكريا أحمد، وإخراج عمر وصفي، ومن تمثيل: علية فوزي، زكي عكاشة، عمر وصفي، عباس فارس، محمد يوسف، لطيفة نظمي، بشارة واكيم، محمد بهجت، أحمد فهمي، عبد الحليم القلعاوي، حسن حبيب، حسين عسر. وقد لاقت هذه المسرحية استحسان بعض النقاد،
222
وتكرر تمثيلها كثيرا في هذا الموسم.
223
إعلان مسرحية «علي بابا».
ومسرحية «علي بابا» تدور أحداثها في جو من حكايات ألف ليلة وليلة، حيث نجد علي بابا الذي يحب جاريته مرجانة، ولكنه لا يستطيع العيش في سعادة بسبب ديونه المتراكمة، خصوصا دينه لابن عمه قاسم، الذي يتصف بالبخل رغم ثرائه. وفي لحظة يأس يقرر علي بابا الانتحار، فيذهب إلى الغابة وقبل أن ينتحر تأتي مرجانة وتطلب منه أن يبيعها حتى يسدد دينه، ولكنه يرفض، فتذهب مرجانة يائسة. وفي هذه اللحظة تأتي عصابة من اللصوص، وتقف أمام مغارة في الغابة، ويصيح قائدها بعبارة: «افتح يا سمسم»، فيفتح باب المغارة. وفي أثناء ذلك كان علي بابا مختبئا خلف الشجرة، وقد عرف سر فتح باب المغارة، وبعد انصراف اللصوص قام علي بابا بدخول المغارة، فوجد فيها كمية كبيرة من المجوهرات، فحمل منها ما يستطيع حمله وذهب به إلى مرجانة. وبعد أيام لاحظ قاسم الثراء الفاحش الذي يتمتع به علي بابا، فبدأ يراقبه كي يعلم السر، وبالفعل استطاع قاسم أن يعرف سر المغارة.
غلاف بروجرام مسرحية «علي بابا».
وفي اليوم التالي ذهب قاسم إلى المغارة ودخلها، وحمل منها مجوهرات كثيرة، ولكنه لم يفلح في الخروج لأنه نسي كلمة السر. هنا تحضر العصابة وتقبض عليه، ويقرر رئيس العصابة قتله، ولكن أحد أفراد العصابة، وهو زريق، يطلب من الرئيس تولي هذه المهمة؛ لأنه في الماضي كان عاملا لدى قاسم، فقام الأخير بطرده لسبب تافه. ولكن قاسم أخذ في استرحام زريق، فوافق زريق على عتقه بشرط أن يصبح من العصابة، فيوافق قاسم الذي تغيب عن منزله وعن زوجته زبيدة أياما كثيرة، فظن الجميع أنه مات. وبعد أيام لاحظ رئيس العصابة أن أموال المغارة نقصت، فيعلم أن علي بابا هو الذي استولى عليها ، فتقوم العصابة بتدبير خطة لقتل علي بابا، وكان موعد التنفيذ هو يوم زفاف علي بابا على زبيدة زوجة قاسم. وفي اليوم المحدد استطاعت مرجانة أن تفسد خطة العصابة، وأن تنقذ علي بابا من الموت، وتعود زبيدة إلى زوجها قاسم بعد أن علمت بأنه على قيد الحياة، وتنتهي المسرحية بالقبض على العصابة وزواج علي بابا من مرجانة.
صورة من عرض مسرحية «علي بابا».
والمسرحية الجديدة الثانية كانت «المرأة الجديدة»، تأليف حسين توفيق الحكيم أيضا، وبدأ تمثيلها في أوائل نوفمبر 1926، وهي من تمثيل: علية فوزي، عمر وصفي، بشارة واكيم، عباس فارس، زكي عكاشة، عبد الحليم القلعاوي، أحمد فهيم، وردة ميلان، عفيفة خوري، عائدة حسن. وقد مثلت هذه المسرحية عدة مرات في هذا الموسم،
224
كما وجه النقاد نقدا عنيفا إلى مؤلفها توفيق الحكيم.
225
إعلان مسرحية «المرأة الجديدة».
ومسرحية «المرأة الجديدة» تدور أحداثها حول رجل غني كبير في السن، هو محمود بك لمعي، الذي يعيش في حرية تامة ولذة محرمة، ولا يحب القيود لدرجة أنه ترك ابنته ليلى تعيش عند عمتها حتى يتنصل من مسئوليته تجاهها، وحتى يستطيع أن يعيش بحرية مع ملذاته المحرمة. وبعد أن تموت العمة تضطر ليلى إلى العيش مع أبيها، ولكنه يتضجر من وجودها؛ لأنها تقيد حياته، فيفكر في الخلاص منها بتزويجها، ويطلب من وكيله البحث عن عريس لها. وينجح الوكيل في إيجاد نجيب الشاب المستهتر ليكون هو زوجها المرتقب. وفي أول لقاء بين نجيب وليلى نكتشف أنهما من دعاة السفور، وكل منهما يرفض الزواج والارتباط بالآخر، طالما يستطيع كل منهما أن يصادق الآخر وينفرد به دون زواج بدعوة السفور والتحرر. وهنا تحضر نعمت صديقة ليلى، ويدور بينهما حوار، نفهم منه أن نعمت هي خليلة نجيب، رغم أنها متزوجة من سامي، الذي تركته عندما اكتشفت علاقته بليلى، وهي الآن تعيش مع إبراهيم. وتتطور الأحداث ليصبح نجيب من أصدقاء الأسرة، ويذهب معهم إلى عزبة محمود بك، وتلحق به نعمت، ويلحق بها زوجها سامي الذي يعنفها على سلوكها مع نجيب، فتخبره أنها فعلت ذلك بسبب علاقته مع ليلى، ويسمع هذا الحوار نجيب، فيقرر عدم الزواج من ليلى؛ لأنها فتاة تفرط في شرفها، فيخرج غاضبا حانقا لاعنا السفور والسفوريين، وتنتهي المسرحية.
ومسرحية «ناهدشاه والمغفلين الثلاثة» كانت المسرحية الجديدة الثالثة، وبدأ تمثيلها يوم 18 / 11 / 1926، وهي من تأليف محمد عبد القدوس، وتلحين داود حسني، وتمثيل: زكي عكاشة، علية فوزي، بشارة واكيم، عمر وصفي، عبد الحليم القلعاوي، وردة ميلان، عباس فارس. وقد أعادت الفرقة تمثيلها عدة مرات في هذا الموسم.
226
ومسرحية «ناهدشاه» تدور حول اجتماع مجلس الكهنة والأمراء في بلاد الدند لاختيار السلطان الجديد، وكان المتوقع أن يكون ولي العهد هو السلطان المنتخب، ولكن المجلس عدل عن هذا الرأي لغباء ولي العهد وسوء تصرفه. وهنا يظهر الكاهن الأعظم، ليقرأ على الجميع وصية الحكيم هنكا بن تاووس، وفيها يبشر الأهالي بفتح الباب الجنوبي للعاصمة دندابارا، وأول من يدخل منه يكون هو السلطان ويتزوج الأميرة ناهدشاه، وهذا حسب الوصية المكتوبة. وبالفعل يتم فتح باب العاصمة، وفي هذه اللحظة يصل إلى الباب ثلاثة أشخاص من مصر؛ الأول: حسن، والثاني: حسون، والثالث: الشيخ حواش. والأول حضر للتجارة، والثاني حضر بحثا عن ناهدشاه حبيبته، والثالث أخذه معه حسون ليتبارك به في رحلته. ويشاء القدر أن يدخل حسن أولا، فيهلل الأهالي وينصبونه سلطانا عليهم، ويحددون لهذا التنصيب يوما محددا، ليكون أيضا يوم زفافه على ناهدشاه. وفي صباح يوم التنصيب تتعرف ناهدشاه على حبيبها حسون، وتتفق معه على خطة لإبعاد حسن عن التنصيب وعن زواجه منها. وبالفعل تقابل ناهدشاه حسن، وتخبره أن التنصيب هذا سيكون سببا لأن يأكله الأهالي حيا، وهذا حسب عوائد أهل هذه البلاد، والحل أنه يتنحى عن هذا المنصب. وهكذا يعلن حسن تنازله عن السلطنة، وبالتالي يئول التنصيب إلى من دخل المدينة من بعده، وهو حسون. وبالفعل يتم تنصيب حسون كسلطان على البلاد ويتزوج من ناهدشاه، وسط تهليل الأهالي ووسط حسرة المغفلين.
إعلان مسرحية «ناهدشاه والمغفلين الثلاثة».
وقد كتب الناقد محمد توفيق يونس كلمة عن هذه المسرحية، قال فيها: «لعل «ناهدشاه » أقوى ما أخرجه مسرح الحديقة من الروايات حتى الآن. فهي أوبراكوميك رائعة الجمال، محكمة البناء، قوية التأثير، تسير في جو بديع من الخيال الواسع، والفكاهة الرقيقة، والظرف الكثير. اجتمع في هذه الرواية كثير من عوامل النجاح، فقد ملأها المؤلف الأستاذ محمد عبد القدوس بالشخصيات الفكهة والحوادث الغريبة والأحاديث اللذيذة، فلم يمل الجمهور طول الوقت، من عامل يبعث فيه السرور والانشراح، ويحمله على الانتباه والإصغاء، حتى نهاية الفصل الأخير، دون أن يفتر اهتمامه ويقل ابتهاجه. كان ظهور هذه القطعة بعد خيبة الأمل في كثير من الروايات المؤلفة تبريرا لما ملأ قلوبنا من اليأس، وتجاوز المدى المرجو من القريحة المصرية في هذا الفن الحديث. فإن نجاح هذه الرواية ذلك النجاح الباهر طمأن القلوب على أننا لا نقل عن أبناء الغرب ذكاء ونبوغا إذا داومنا العمل وواصلنا الدرس وتركنا الغرور الأحمق والادعاء الباطل.»
227
وفي يوم 25 / 11 / 1926، بدأت الفرقة تمثيل مسرحيتها الجديدة الرابعة، وهي «بنت نابليون» أو «نابليونيت»، تأليف أندريه دي لوردوجان مارسيل، تعريب إسماعيل رشدي، ومن تمثيل: عزيزة أمير، زكي عكاشة، عمر وصفي، بشارة واكيم، محمد يوسف، عباس فارس، عبد الحليم القلعاوي، أحمد فهمي، حسن حبيب، عفيفة خوري، وردة ميلان، فكتوريا سويد، لطيفة نظمي، عائدة حسن. وقد استقبل النقاد انضمام عزيزة أمير للفرقة استقبالا حسنا،
228
خصوصا عند تكرار تمثيل المسرحية.
229
عزيزة أمير.
إعلان مسرحية «بنت نابليون».
ومسرحية «بنت نابليون» تدور أحداثها حول انتقال جماعة من أعوان نابليون إلى خدمة ومعاونة لويس الثامن عشر، الذي خلفه في الحكم، بعد موقعة واترلو الشهيرة. وكان من بين هذه الجامعة نابليونيت ابنة الكولونيل دي سيرينان، الذي قتل في موقعة واترلو، فأصبحت نابليونيت تحت وصاية عمها المركيز دي سيرنيان ناظر قصر الملك لويس، والذي يطمع في ثروتها، ويريد أن يزوجها من ابنه الضابط روجيه. ولكن روجيه كان يحب إحدى الوصيفات في القصر، وكانت نابليونيت تحب الضابط شالندري، الذي ضمد جراحها عندما أصيبت في موقعة واترلو. وتنعم نابليونيت بعيشة رغدة، حتى تعلم بخبر مؤامرة ضد الملك، سيقوم بها أعوان أخيه شارل. وتنجح نابليونيت أخيرا في إخفاق هذه المؤامرة، ويحاول المتآمرون خطف الملك نفسه، وتنجح هي أيضا في إخفاق هذا الأمر بعد أن أصيبت بطعنة غير قاتلة. وبعد اكتشاف هذا الأمر برمته يجازيها الملك بتزويجها من حبيبها الضابط، ويرضي عمها بأن يزوج ابنه إلى الوصيفة، بعد أن دفع صداقها من ماله الخاص، وبذلك تنتهي المسرحية.
إعلان مسرحية «أحب أفهم».
أما مسرحية «أحب أفهم» فكانت المسرحية الجديدة الخامسة، وبدأ تمثيلها يوم 2 / 12 / 1926. وقد مصرها بشارة واكيم عن مسرحية «حلاق إشبيلية» لبومارشيه، وهي من تلحين داود حسني، وإخراج عمر وصفي، ومن تمثيل: زكي عكاشة، علية فوزي، بشارة واكيم، عبد الحليم القلعاوي، عمر وصفي. وقد لاقت المسرحية نقدا لاذعا وجه إلى ممصرها،
230
بالرغم من كثرة تمثيلها في هذا الموسم.
231
ومسرحية «أحب أفهم» تدور أحداثها حول رأفت ابن الباشا الذي يقع في حب لواحظ، بعد أن شاهدها كثيرا واقفة في الشباك بجانب زوجها مظهر. وأثناء تردد رأفت على شارع لواحظ تنشأ بينه وبين الأسطى علي صداقة، فيبوح له رأفت بحبه، فيساعده الأسطى علي، خصوصا بعد أن وضح لرأفت أن من يعيش مع لواحظ هو الواصي على أموالها وليس زوجها. وهكذا تم التعاون بين الأسطى علي وبين رأفت. وبعد فترة يتم تبادل الأخبار بين رأفت ولواحظ عن طريق الأسطى علي، فنعلم أن مظهر قرر الزواج من لواحظ سرا حتى يستولي على ميراثها. وهنا يتفق الأسطى علي مع رأفت على خطة لتخليص لواحظ، فيقوم رأفت بالتنكر في زي شيخ أزهري يدعى الشيخ مؤنس، جاء كي يعطي الدرس إلى لواحظ بدلا من شيخها الأصلي الشيخ عبد العاطي، الذي أصابه مرض مفاجئ. وبعد عدة مواقف مضحكة ومعقدة في نفس الوقت يستطيع رأفت أن يتزوج من لواحظ بعد أن تنازلت عن ثروتها لمظهر.
وفي يوم 9 / 12 / 1926 بدأت فرقة عكاشة تمثيل مسرحيتها الجديدة السادسة «الحماة»، تأليف عباس رحمي، وإخراج عمر وصفي، ومن تمثيل: زكي عكاشة، علية فوزي، عائدة حسن، بشارة واكيم، عباس فارس، محمد يوسف، أحمد فهمي، عمر وصفي. وقد عرضتها الفرقة أكثر من مرة في هذا الموسم .
232
إعلان مسرحية «الحماة».
ومسرحية «الحماة» تدور أحداثها حول الطالب إبراهيم الذي يدرس بعيدا عن أهله، وهو في نفس الوقت متيم بحب قريبته نظلة. وفي يوم يأتيه خبر قراءة فاتحة نظلة على شفيق، فيذهب إبراهيم في هذا اليوم باعتباره من الأهل، فيشاهد في صالة الاستقبال نظلة، التي تتنحى به جانبا وتخبره عن عدم موافقتها على الارتباط بشفيق، ولكنه يخالفها الرأي، ويؤكد لها ضرورة موافقتها طالما هذه رغبة الأهل، وقبل أن ينصرف يقبل يدها لحظة دخول والدها وخطيبها شفيق، فتثور ثورة الجميع على إبراهيم ظنا منهم أنه على علاقة بنظلة. وتمر أربع سنوات لنجد نظلة في منزل زوجها شفيق، يجرعها هو ووالدته مر العذاب، رغم إشفاق والد زوجها عليها، ولكنه مغلوب على أمره بسبب سطوة ابنه وزوجته عليه. وفي يوم يشتد النقاش بين العائلة فتصر الأم على أن يطلق ابنها شفيق زوجته نظلة، وبالفعل يطلقها، ثم يندم ندما شديدا. وبعد الطلاق تستنجد نظلة ووالد طليقها - الذي طرد من المنزل - بإبراهيم، الذي أصبح ملازما أول في الجيش، فيكرمهما إكراما كبيرا، ولكن شفيق كان يراقب والده ومطلقته حتى علم بمكانهما، فينجح في اختطاف مطلقته، ولكن بعض الخفر يستطيعون الإمساك به وإعادة نظلة إلى إبراهيم.
وقد كتب الناقد محمد توفيق يونس كلمة عن هذه المسرحية، قال فيها: «... حشر المؤلف في روايته كثيرا من الحديث الطويل والحوار الممل، مع أنه لا عمل له في الرواية ولا أثر، غير أنه لجأ إليه لتطول فصولها. إن أهم ما نأخذه على المؤلف أنه لم يترك حوادث روايته تسير حسب الطبيعة، فكنا نتخيله واقفا أمام أشخاص روايته على المسرح يسحبهم ويدفعهم، وليس هناك أسوأ من التصنع والتعمد إذا ما استثنينا الغموض والإيهام ... كذلك ملأ المؤلف روايته بالسباب والشتائم، التي تخدش الأذن ويتنزه عنها المسرح.»
233
أما مسرحية «المجاهدين» فكانت المسرحية الجديدة السابعة، وبدأ تمثيلها يوم 16 / 12 / 1926، وهي من تأليف شارل موريه، وتعريب إسماعيل رشدي، وإخراج عمر وصفي، ومن تمثيل: عزيزة أمير، بشارة واكيم، عباس فارس، عبد الحليم القلعاوي، محمد يوسف، عمر وصفي .
234
وتدور أحداثها حول المسيو براندون، رجل الأعمال الثري الذي يحاول أن يحصل على كل شيء، ويساعده في ذلك ولداه روبير وجورج. وتصل أطماع براندون إلى أن يحصل على جميع الأملاك من حوله كي يهدمها ويبني مطارا خاصا له. ورغم ذلك لم يستطع الحصول على قصر جاره هنري دبلمون، رغم علمه بقيمة هذا القصر عند صاحبه، الذي لا يفرط فيه بسهولة؛ لأنه ميراث آبائه وأجداده. وتشاء الظروف أن يحب هذا الجار الفتاة جان ابنة براندون، ويعلم بذلك الأب فيفاجأ ابنته بين أيدي حبيبها، فيخيرها بين أن تأتي معه، أو أن تعيش منبوذة مع عدوه ولو كان حبيبها، فترفض الابنة الذهاب وتصر على البقاء مع الحبيب. ويقوم الأب بمساعدة ولديه على خطف جان، ومن ثم أخذوا في مساومة الحبيب، إما التنازل عن القصر مقابل عودة الفتاة إليه، وإما احتفاظه بالقصر مقابل عدم رؤية الحبيبة، ويرضخ الحبيب للأمر الواقع، فيوقع التنازل وحضر جان وتأخذ في تعنيف ومعاتبة والدها وشقيقيها، فتوقظ ضمير أبيها، فيعتذر عما فعله، ويصرح بأنه ظل أربعين سنة يعمل لنيل السعادة، ولكنه في الحقيقة نال الشقاء.
وكانت المسرحية الجديدة الثامنة مسرحية «شهوزاد» لعزيز عيد،
235
وقد عرضتها الفرقة إحياء لذكرى الشيخ سيد درويش، يوم 28 / 12 / 1926،
236
وهي من إخراج عمر وصفي، وتمثيل: زكي عكاشة، عزيزة أمير، علية فوزي، لطيفة نظمي، صوفي يوسف، بشارة واكيم، عباس فارس، محمد يوسف. وقد قالت عنها مجلة «العروسة» في 5 / 1 / 1927:
من الناس عظماء يعيشون في عزلة وسكون، ويعملون في غير ضجة ولا ضوضاء، فإذا ما طواهم الموت أدرك الناس بعد فقدهم سر عظمتهم، وأحسوا بنبوغهم العجيب، فعضوا عليهم بنان التلهف والحسرة، وتمنوا لو قدروهم في حياتهم بما هم به جديرون. ولكن تلك سنة الله في خلقه، ولم تجد لسنة الله تبديلا! وقد عاش المرحوم الشيخ سيد درويش الموسيقي الفذ مجهولا، إلا من نفر قليل من أصدقائه، وكانت ألحانه التي تفيض بشتى العواطف تستقر في كل قلب ويتغنى بها كل لسان، والناس تطرب منها وتبكي، وهم لا يعرفون من أمره شيئا حتى مات، وظهر في عالم الموسيقى ذلك الفراغ الكبير، فارتفع شأنه بموته وذاع صيته، وتجلت مظاهر عظمته الفنية العجيبة. ومن آثاره الخالدة رواية «شهوزاد» الذي سكب في ألحانها روحه العظيمة، فأخرج منها معجزة فنية، تمر السنون وتفنى الأجيال، وهي باقية لا تفنى ولا تزول! مثلها بنفسه منذ سنين ثم طويت بوفاته، إلى أن اشتراها مسرح الحديقة من ورثته، وأخرجها في الأسبوع الماضي، فعاد الناس يسمعون تلك الموسيقى الآخذة بالنفوس ويخشعون باهتين أمام ذلك الفيض السماوي الساحر، وهم في نشوة الطرب والإعجاب. وقد أتقن أفراد الفرقة تمثيل الرواية وغناءها إتقانا يشهد لهم بالمقدرة في فنهم، ويبين جليا مقدار النهضة التي ينهضها هذا المسرح.
إعلان مسرحية «البروكة».
وفي 23 / 12 / 1926 بدأت الفرقة تمثيل مسرحيتها الجديدة التاسعة، وهي «إحسان بك»، تأليف محمد عبد القدوس، وإخراج عمر وصفي، ومن تمثيل: عزيزة أمير، علية فوزي، لطيفة نظمي، عفيفة خوري، فكتوريا سويد، عائدة حسن، أحمد فهمي، بشارة واكيم، عباس فارس، محمد يوسف، عبد الحليم القلعاوي، عمر وصفي. وقد أعادت الفرقة عرضها أكثر من مرة في هذا الموسم.
237
وهذه المسرحية تتشابه إلى حد كبير مع مسرحية «المرأة الجديدة»؛ حيث عالج فيها المؤلف قضية السفور، ولكن من خلال سفور المرأة المتزوجة، التي سمحت لصديق زوجها أن يكون أكثر من صديق. والمسرحية تثير سؤالا مهما، هل العيب في الزوجة التي سمحت بذلك لإيمانها بالسفور؟ أم العيب في الزوج الذي سمح لصديقه أن يدخل بيته، ويتعرف على زوجته بحرية مطلقة لإيمانه بالتحرر والسفور أيضا؟!
أما المسرحية العاشرة فكانت أوبرا «البروكة»، تأليف محمود مراد، وتلحين الشيخ سيد درويش،
238
وبدأت الفرقة تمثيلها يوم 27 يناير 1927، وكانت من إخراج عمر وصفي، ومن تمثيل: عزيزة أمير، محمد يوسف، بشارة واكيم، علية فوزي، عباس فارس، عمر وصفي.
239
واختتمت فرقة عكاشة مسرحياتها الجديدة لهذا الموسم بمسرحية «فرنسيسكو» أو «ابن الأعمى»، تعريب محمود سعيد، وبدأ تمثيلها يوم 14 / 2 / 1927.
240
وهذا الكم من المسرحيات الجديدة أثر بلا شك على مقدار ما أعادته الفرقة من مسرحيات، التي تم تمثيلها في المواسم السابقة، ومنها: «طيف الخيال»، «عبد الرحمن الناصر»، «هدى»، «ليلة كليوباترا»، «معروف الإسكافي»، «شمشون ودليلة».
241
وفي موسم الصيف لم تعرض الفرقة أية عروض مسرحية، وتفرغت للاهتمام ببوفيه الحديقة في الهواء الطلق، حيث الموسيقى والمشروبات والمأكولات، وعرض المناظر والأفلام السينمائية التي تتغير كل أسبوع، وكان منها في هذا الصيف فيلم «الممثل كين» وفيلم «خطيبته الصغيرة».
242
إعلان عن بوفيه مسرح حديقة الأزبكية.
موسم 1927-1928
يعتبر هذا الموسم هو آخر موسم تمثيلي شبه منتظم في تاريخ حياة فرقة عكاشة على الإطلاق، فمع بدايته كثرت المشاكل وساءت الإدارة. هذا بالإضافة إلى خروج ودخول الكثير من الممثلين. ووصل الأمر بفرقة عكاشة - ذات رأس المال الضخم في السابق - أن تؤجر مسرحها للفرق الأجنبية! ومنها كانت فرقة مدام ماري تيريزا الفرنسية، التي مثلت على مسرح الحديقة في يناير 1928 عدة مسرحيات، منها: مسرحية «الماريونيت» لبيير وولف.
243
ولم يقف الحال عند هذا الحد، بل وجدنا الفرقة تهجر مسرحها بالأزبكية فترات طويلة؛ لتعرض مسرحياتها بالأقاليم.
إعلان مسرحية «فاتنة بغداد».
وهذه الأمور بلا شك أثرت على الإنتاج الفني، فلم تعرض الفرقة في هذا الموسم إلا مسرحيتين جديدتين فقط؛ الأولى «فاتنة بغداد» ومثلتها في افتتاح هذا الموسم يوم 19 / 12 / 1927، وهي بقلم أحمد زكي السيد، وتلحين داود حسني، وإخراج عمر وصفي، وتمثيل: علية فوزي، لطيفة نظمي، زكي عكاشة، محمد بهجت، محمد يوسف، أحمد فهمي، أحمد ثابت. وقد أعادت الفرقة تمثيل هذه المسرحية عدة مرات.
244
وتدور أحداث مسرحية «فاتنة بغداد» في جو من حكايات ألف ليلة وليلة، حيث نجد الشاب علي الذي أفلس بعد ثراء كبير يذهب إلى سوق الجواري والعبيد كي يبيع عبده فيروز ليعيش بثمنه. وفي السوق تراه الجارية بدر البدور أو فاتنة بغداد، فتتعلق به وتحبه، وتعطيه مالا كي يشتريها من سيدها لتعيش معه. وبالفعل يقوم علي بذلك، وتعيش معه بدر البدور كزوجة في سعادة غامرة، كدرها بعض الحاقدين، فقاموا بخطف بدر البدور. وبعد حوادث كثيرة تعود بدر مرة أخرى إلى علي، بعد أن أصبحت ذات شأن كبير في الدولة، فتجعله أميرا .
وقد كتبت مجلة «المصور» كلمة في 30 / 12 / 1927 تحت عنوان «فرقة عكاشة ورواية فاتنة بغداد»، قالت فيها:
قضى الله أن يحل الشقاء بين عناصر هذه الفرقة ... كون عبد الله أكبرهم فرقة كان نصيبها الفشل لقلة المال، وها هو جبارهم زكي لم شعثه وكون فرقته هذه للموسم الجديد، الذي افتتحه برواية «فاتنة بغداد». وهي قصة مقتبسة من ألف ليلة، تدور حول اختطاف جارية من دار إلى دار، ومن كهف إلى مغار، لصوص تقتل لصوصا جارية تفر من بغداد، فتصبح في الهند أميرة تعثر على حبيبها، فيتعانقان ويعيشان في «التبات والنبات ويخلفون صبيانا وبنات، وتوتة توتة فرغت الحدوتة.» هكذا الأوبراكوميك وإلا فلا. والفرقة جديرة بالتهنئة على حسن اختيارها، وقد استحق الأستاذ زكي السيد مؤلف الرواية عظيم الشكر ورقيق التهاني على مجهوده، أما الإخراج فقد كان في غاية الدقة وحسن الذوق، والمناظر بديعة غالية، مما يدل على سخاء الفرقة على الفن، وهذا يرجع إلى مقدرة المدير الفني الأستاذ عمر وصفي، ولحن الأستاذ داود حسني الرواية تلحينا مطربا. وكان الأستاذ زكي مطربا حنونا مشجعا كعادته، وقد حلى أناشيده ببحات في صوته، كادت تأخذ بأرواح النظارة، لولا لطف الله، فاستحق كل إعجاب. وبهجت «العبد سرور» الهزلي الشهير، مثل لأول مرة عبدا فنجح فيه نجاحا أعجب به الحاضرون. وفي جد نهنئ الآنسة علية فوزي على قيامها بتمثيل «بدور» تمثيلا فنيا وغناء مشجيا، مما يدل على أن هذه المطربة في تقدم مطرد. وكذا الآنسة «لطيفة» قامت بدور الأميرة برشاقة وخفة ودعة وكبرياء، كما لو كانت من بيت الإمارة.
زكي عكاشة وعلية فوزي في عرض مسرحية «فاتنة بغداد».
أما المسرحية الجديدة الثانية والأخيرة في هذا الموسم، بل وآخر مسرحية جديدة تعرضها فرقة عكاشة طوال تاريخها الفني، فكانت مسرحية «لص بغداد»، وتم عرضها بمناسبة العيد في 23 / 3 / 1928. وقد اقتبسها - من فيلم سينمائي عرضته سينما المتروبول عام 1925 - أحمد زكي السيد، ولحنها كامل الخلعي، وأخرجها عمر وصفي، ومثلها كل من: زكي عكاشة، علية فوزي، عائدة حسن، عمر وصفي، محمد بهجت، محمد يوسف، حسين عسر ، لطيفة نظمي. وقد أعادت الفرقة تمثيل هذه المسرحية أكثر من مرة في هذا الموسم.
245
إعلان مسرحية «لص بغداد».
أما رحلات الفرقة في الأقاليم لهذا الموسم، فقد تمثلت في عرض مسرحيات «ناهدشاه»، «معروف الإسكافي»، «علي بابا» بسينما الأمريكان بالمحلة الكبرى، و«فاتنة بغداد»، «ناهدشاه» ببنها، وأيضا بسينما الباتيناج بطنطا، وذلك في شهر يناير 1928. ثم مسرحية «علي بابا» ببني سويف والفيوم، وبسرادق أقيم بجوار مدرسة مجلس مديرية بني مزار، وتم عرضها أخيرا بسينما أبولون بالزقازيق، وذلك في شهر فبراير 1928.
246
لم يبق من عروض الفرقة في هذا الموسم غير مسرحياته المعادة من المواسم السابقة، ومنها: «علي بابا»، «ناهدشاه»، «هدى»، «معروف الإسكافي»، «شمشون ودليلة»، «صباح»، «ليلة كليوباترا».
247
وفي موسم الصيف عادت فرقة عكاشة إلى الاهتمام بسينما بوفيه الحديقة، فعرضت بعض الأفلام، مثل فيلم «جريدة باتيه» لمكس لندر، وفيلم «دون جوان».
248
موسم 1928-1929
لا يعتبر هذا الموسم موسما تمثيليا بالمعنى المعروف والمعتاد كمواسم الفرقة السابقة! ولكنه كان آخر موسم قرأنا فيه إعلانات تذكر اسم «فرقة عكاشة»، حيث توقفت نهائيا عن العمل المسرحي فيما بعد. والسبب في ذلك أن إدارة زكي عكاشة وصلت إلى حد كبير من الاضطراب، ومخالفة شروط الشركة. بل ووصل الأمر بين إخوان عكاشة إلى رفع القضايا فيما بينهم أمام المحاكم، من أجل نصيب كل منهم في أسهم الشركة.
249
هذه الأمور أثرت على الفرقة من الناحية الفنية، فلم تقدم أية مسرحية جديدة في هذا الموسم، واقتصرت على عروضها بمسرح الحديقة على إعادة مسرحياتها السابقة لصالح بعض الجمعيات والمدارس، ومن هذه العروض مسرحية «عبد الرحمن الناصر» لصالح جمعية النجاح بالقللي في يناير 1929. والمسرحية نفسها عرضتها لصالح مدرسة النجاح الأدبية في فبراير 1929،
250
لتكون آخر مسرحية عرضتها فرقة عكاشة في تاريخها. بعد ذلك مباشرة انحلت الفرقة وتفرق ممثلوها، وتوقفت نهائيا عن العمل المسرحي، وتفرغ زكي عكاشة لإدارة بوفيه الحديقة، حيث العروض السينمائية، ومنها فيلم «باتاشون بوليس سري» وفيلم «بنت الشعب».
251
وهكذا أسدل الستار على فرقة عكاشة، التي عملت ما يقرب من عشرين سنة بسواعد نوابغ الفن التمثيلي المسرحي، حيث ضمت الفرقة من الكوادر الفنية والإدارية عددا كبيرا نذكر منهم: إبراهيم أبي السعود، أبريز أستاتي، أبو العلا، أحمد ثابت، أحمد عبد الرحمن، أحمد فهمي الصغير، أحمد فهمي الكبير، أحمد فهيم، أحمد ناجي، أستر شطاح، أسعد سعد، ألمظ أستاتي، أمين عطا الله، أمين عفيفي، أمينة محمد، بشارة واكيم، توفيق ظاظا، جراسيا قاصين، جميلة إلياس، جورج طنوس، حافظ نجيب، حامد المغربي، حسن حبيب، حسن كامل، حسن مرعي، حسين حسني، حسين رياض، حسين عسر، حنا وهبة، روز اليوسف، زكي عكاشة، زكي مراد، زكية الشامية، سرينا إبراهيم، سليم عطا الله، سيد جمال الدين، صالح محمد، صالحة قاصين، صوفي يوسف، عائدة حسن، عباس فارس، عبد الباقي عكاشة، عبد الحليم القلعاوي، عبد الحميد عكاشة، عبد الحميد علي، عبد الرحمن شعراوي، عبد العزيز خليل، عبد الله عكاشة، عبد المجيد شكري، عثمان حلمي، عزيز عيد، عزيزة أمير، عفيفة خوري، علي حسن، علي حمدي، علي يوسف، علية فوزي، عمر وصفي، فؤاد إبراهيم، فاطمة سري، فكتوريا سويد، فكتوريا موسى، فوزي الجزايرلي، لبيبة فارس، لبيبة ماللي، لطيفة حجازي، لطيفة نظمي، ماري إبراهيم، ماري كفوري، متولي السيد، محمد أبو عمة (ملقن)، محمد أمين، محمد المغربي، محمد بهجت، محمد حجازي (ملقن)، محمد حسن، محمد عبد القدوس، محمد فهمي أمان، محمد كمال المصري «شرفنطح»، محمد ناجي، محمد هلال، محمد يوسف، محمود حبيب، محمود خطاب، محمود رحمي، محمود رضا، محمود عزت، محمود وهبي، مريم سماط، مصطفى أمين، منسي فهمي، ميليا ديان، نجيب الريحاني، نهوى حسني، وردة ميلان، يوسف خليل.
فرقة منيرة المهدية
ولدت سلطانة الطرب «منيرة المهدية» عام 1888 بالإسكندرية، واسمها الحقيقي «زكية حسن منصور». توفي والدها وهي صغيرة، فقامت برعايتها أختها الكبرى، فأدخلتها المدرسة. ولكن زكية كانت دائمة المرح، وكانت تجمع زميلاتها لتغني لهن بعض الأغاني، مما جعلها تهمل الدراسة، ومن ثم تركت المدرسة وانتقلت إلى القاهرة.
1
منيرة المهدية.
وعن بداية نشاطها الفني في القاهرة قالت مجلة «المسرح» في 27 / 6 / 1927:
بدأت حياتها الفنية كمغنية في قهاوي الرقص المعروفة، ثم بزغ نجمها وذاع صيتها، فانتقلت إلى قهوة نزهة النفوس التي اشتهرت بحلولها فيها. وظلت تشجي الجمهور وتطربه في تلك القهوة ... كان المرحوم الشيخ سلامة حجازي في أوج مجده وعظمته حين أصيب بمرضه المعروف، الذي حرم الجمهور منه أشهرا عديدة. وشعر الناس بفراغ شديد عقب ذلك، رغما من قيام عبد الله عكاشة بأدوار الشيخ سلامة. وألح الكثيرون على السيدة منيرة بأن تعتلي المسرح لكي تملأ ذلك الفراغ، ولكنها كانت ترفض. وكان الأستاذ عزيز عيد أول الذين ألحوا عليها بذلك الأمر، إذ كان وقتئذ بلا عمل ... لم تسمع السيدة منيرة لإلحاح الناس، بل ظلت تعمل في نزهة النفوس، وهي مغتبطة سعيدة، يحيط بها هالة من المعجبين. وأصدرت السلطة العسكرية أمرها بإغلاق القهاوي والبارات من الساعة العاشرة مساءا وسرى هذا الأمر طبعا على نزهة النفوس. وانتهز عزيز عيد هذه الفرصة وأعاد الكرة على السيدة منيرة، وما زال يزين لها الآمال ويمنيها بالمجد حتى قبلت أخيرا.
موسم 1915-1916
حاولت منيرة المهدية في أغسطس 1915، أن تبدأ عملها بالغناء على مسرح دار التمثيل العربي - الذي أجره لها زوجها محمود جبر - ولكنها فشلت في ذلك، بسبب عدم استكمال المعدات الواقية من الحريق بهذا المسرح.
2
فاتفق معها عزيز عيد كي تقوم بالغناء في لياليه التمثيلية بمسرح برنتانيا فوافقت، وفي يوم 25 أغسطس 1915 أعلنت جريدة «الأخبار» هذا الحدث الفني قائلة تحت عنوان «أول ممثلة مصرية»:
تحيي في مساء يوم الخميس ليلة الجمعة 26 الجاري في تياترو برنتانيا، ليلة يحتفل فيها بدخول المغنية المشهورة الست منيرة المهدية التمثيل العربي، فتنشد قصيدة استقبال من تلحين الموسيقي المبدع كامل الخلعي، تستمر ثلثي ساعة. ثم تمثل لأول مرة دور وليم في الفصل الثالث من رواية «صلاح الدين الأيوبي»، ويمثل في هذه الليلة أيضا جوق الكوميدي العربي رواية من نوع الكوميدي، وهي رواية «مدموازيل جوزيت امرأتي» الشهيرة الجديدة التي لم تمثل بعد.
وظلت منيرة تطرب جمهور المسرح بقصائد الشيخ سلامة حجازي حتى منتصف سبتمبر 1915، وفي كل يوم يزداد الجمهور حضورا، فعلمت منيرة أن الجمهور لا يحضر إلا لسماع صوتها، وعلى الفور اتفق معها الممثلان علي يوسف وحسين حسني على تكوين فرقة خاصة بها،
3
ولكن الاتفاق لم يتم في ذلك الوقت. وظلت منيرة تعمل بالغناء والتمثيل، بجانب عروض عزيز عيد المسرحية بتياترو سينما باتيه بجانب التلغراف المصري بشارع بولاق.
نالت منيرة شهرة لا بأس بها في هذا الوقت، مما جعل إدارة كازينو الكورسال تتفق معها على إحياء بعض الليالي الغنائية والتمثيلية، بجانب أشهر الفرق المسرحية في ذلك. ففي 11 / 11 / 1915 قالت جريدة «الأفكار» تحت عنوان «أعظم حفلة على مسرح الكورسال»:
أشهر ممثلي وممثلات العصر، ثلاث روايات في حفلة واحدة، رواية «صلاح الدين» دور وليم الست منيرة المهدية، رواية «الزوج ذو الوجهين» من الأستاذ عزيز عيد، رواية «الطفلين» من المطرب المبدع عبد الحميد عكاشة لحنا وتمثيلا. ألعاب الكورسال لم يسبق تقديمها. وهذه الليلة تعتبر من معجزات ومدهشات الكورسال، والدور الثاني بأجمعه مخصص للسيدات المصريات ولهن باب خصوصي. ولكي لا يحرم أحد من مشاهدة هذه الحفلة جعلنا أسعار الدخول مخفضة.
ويعتبر شهر يناير عام 1916 هو الميلاد الفني الحقيقي لفرقة منيرة المهدية، فلأول مرة نقرأ إعلانات بها عبارة: «جوق الست منيرة المهدية» ففي هذا التاريخ كونت منيرة فرقتها المسرحية، وبدأت عروضها بمسرح سينما باتيه، حيث مثلت مسرحية «أنيس الجليس» يوم 6 / 1 / 1916، وانتقلت بها إلى مسرح المجلس البلدي بطنطا يوم 8 يناير، وأيضا إلى مسرح الهمبرا بالإسكندرية يوم 15 يناير.
4
وفي يوم 15 / 1 / 1916 قالت جريدة «البصير»:
السيدة منيرة المهدية هي صاحبة الأناشيد المطربة، ورئيسة الجوقة التمثيلية، التي أقر لها أهل الذوق والأدب بالمكانة العليا في هذين الفنين الجميلين. وقد حركت عبرتها اليوم عاطفة إنسانية في هذه الضائقة الشديدة، فأرادت أن يكون لها باع طولى في إغاثة المنكوبين بالفقر، فتبرعت بليالي تمثيلية لبعض الجمعيات الخيرية، منها ليلة لجمعية الإسعاف، وثانية لجمعية الروم الأرتوذكس، وثالثة لجمعية خير المواساة الإسلامية. وكتبت لنا تقول إنها مستعدة لتحذو هذا الحذو الجميل مع كل جمعية خيرية على اختلاف الأديان، بشرط أن تخابرها الجمعية قبل تحديد الميعاد بعشرة أيام. والمخابرة معها رأسا بمنزل زوجها الفاضل محمود جبر بالفيلا نمرة 108 في مصر الجديدة. وفي هذه الليلة تمثل للإسكندريين في مسرح الحمراء رواية «أنيس الجليس»، وفصلا من رواية «شهداء الغرام». فنشكر هذه السيدة على غيرتها، التي أنالت الجنس اللطيف قصب سبقه على الرجال في ميدان المكرمات.
ومسرحية «أنيس الجليس» مستوحاة من ألف ليلة، وتدور حول الفضل بن خاقان، الذي اشترى الجارية أنس الجليس ليهديها إلى سيده ابن سليمان. وكان للفضل ابن يسمى علي نور الدين وقع في حب الجارية، فطلب من أبيه أن يستبقيها ولا يهديها إلى سيده. وعلم بالأمر المعين بن ساوى، وهو من أشد الحاقدين على الفضل، فيذهب إلى ابن سليمان ويوغر صدره على الفضل، الذي آثر ابنه على سيده. فيحاول ابن سليمان الانتقام من «علي نور الدين»، الذي يهرب بالجارية إلى الخليفة هارون الرشيد، ويقص عليه الأمر. فيعطيه الرشيد خطابا إلى ابن سليمان كي يرفع عنه الضرر. وعندما يصل علي إلى ابن سليمان ويقدم له الخطاب يحضر المعين بن ساوى ويجعل ابن سليمان يشك في أمر خطاب علي نور الدين؛ لأن المعين أبرز خطابا آخر من الرشيد يأمر فيه ابن سليمان بقتل الفضل وابنه. وقبل تنفيذ الحكم تظهر الحقيقة ويحضر الرشيد فيأمر بسجن ابن سليمان والمعين، ويزوج علي نور الدين بالجارية أنس الجليس.
بعد ذلك، عادت فرقة منيرة من رحلتها الإقليمية إلى مسرحها بسينما باتيه في فبراير 1916، فمثلت مسرحية «صلاح الدين الأيوبي»، وكانت من تمثيل: حسين حسني، الشيخ أحمد عفيفي، مريم سماط، صالحة قاصين.
5
بعد ذلك أخذت الفرقة تتنقل بين عدة مسارح، كان أكثرها مسرح كازينو الكورسال، حيث أحيت الفرقة عدة عروض مسرحية في حفلات الكازينو النهارية، ومنها مسرحيات: «صلاح الدين الأيوبي»، «صدق الإخاء»، «أنيس الجليس»، «ضحية الغواية».
6
وعندما مثلت فرقة منيرة المهدية مسرحية «ضحية الغواية» ببرنتانيا،
7
كتب أحد النقاد كلمة عنها بجريدة «المنبر» في 6 / 3 / 1916، قال فيها:
أقول كلمة حق في جوق الممثلة الرجل السيدة منيرة المهدية. شهدت رواية «ضحية الغواية» التي مثلها هذا الجوق في مسرح برنتانيا، فهزني ما رأيته من إتقان التمثيل والمشاهد، مما دل على براعة حضرة مدير الجوق الفني حسن ثابت. وجميل جدا أن يصبح جوق السيدة منيرة من الأجواق الكبرى، التي تضم أمثال أمين عطا الله وأحمد حافظ وعبد المجيد شكري وحسن ثابت وسواهم؛ لأن هذا دليل صادق على أن صاحبة الجوق وحضرة مديره الفاضل محمود جبر، يرميان إلى ترقية جوقهما قبل أن يرميا إلى الكسب وجر المغانم. وسنرى لأول مرة الست منيرة تمثل دور سيدة يوم 23 الجاري في رواية «السارق»، ونحن نعد القراء بإثبات ما يعن لنا، بعد تمثيل هذه الرواية من الملاحظات بعيدا عن الأغراض.
وتعتبر مسرحية «شاترتون» أو «شقاء الشاعر» هي أول مسرحية جديدة تقدمها فرقة منيرة المهدية، وقد مثلتها ببرنتانيا في 18 / 5 / 1916، وهي من تأليف الكاتب الفرنسي ألفريد دوفيني، ومن تعريب عباس حافظ.
8
ومسرحية «شاترتون» تدور أحداثها حول شاعر شاب يدعى شاترتون، انعزل عن الأصدقاء والناس؛ لأنهم لم يقدروا موهبته الشعرية، فعاش يائسا بائسا في غرفة في منزل جون بل، بعد أن أخفى عنه اسمه وعمله. وبمرور الأيام تنشأ عاطفة طاهرة بين شاترتون وبين كيتي بل زوجة صاحب البيت، وهذه العاطفة لاحظها الأستاذ، وهو رجل متدين وأحد سكان المنزل، وكان دائما يحذر شاترتون من الاستمرار في هذه العاطفة، باعتباره من الشعراء مرهفي الحس. وبمرور الوقت، وأمام الحاجة إلى المال، قام شاترتون بتأليف عدة قصائد قام بنشرها في الصحف، على اعتبار أنها من نظم شاعر قديم، فقامت ضجة نقدية كبيرة حول ظهور هذه القصائد، وقام النقاد باكتشاف الحقيقة، فانهالوا بالتجريح على شاترتون، رغم أنهم مدحوا هذه القصائد عندما اعتقدوا أنها من نظم الشاعر القديم. وفي يوم يأتي بعض الأصدقاء إلى المنزل لزيارة جون بل، فيتعرف أحدهم على شاترتون، ويقص على الموجودين قصته. هنا لم يجد شاترتون ملاذا غير حب كيتي بل وعطف الأستاذ، ولكنه كان يعلم أن حبه لكيتي هو حب من طرف واحد، وعندما شعر بأنها تبادله الحب انتحر لكي يحافظ على أسرتها، ولكي ينهي حياته البائسة. ولكن كيتي بل حزنت عليه حزنا شديدا حتى ماتت، وهكذا تنتهي المسرحية.
الصفحة الأولى من مخطوطة مسرحية «شاترتون» أو «شقاء الشاعر».
انطلقت بعد ذلك فرقة منيرة المهدية تمثل أغلب مسرحيات الشيخ سلامة حجازي، وتطرب جمهورها بقصائده، وتنتقل من مسرح إلى آخر ومن إقليم إلى إقليم حتى نهاية الموسم. ومن عروضها في هذه الفترة: «ضحية الغواية»، «علي نور الدين»، «صلاح الدين الأيوبي»، «السارق» لهنري برنشتين، «روميو وجوليت». وذلك بمسارح ببرنتانيا، والكورسال، والحمراء بالإسكندرية، وكانت البطولة لعبد العزيز خليل.
9
كما قامت الفرقة بإحياء حفلة كبيرة في الزقازيق، برئاسة علي جمال الدين باشا مدير الشرقية، خصص إيرادها لمنكوبي الحريق في سلامون القماش، وعرضت فيها الفرقة مسرحية «أنيس الجليس» يوم 27 / 4 / 1916.
10
موسم 1916-1917
بدأت فرقة منيرة هذا الموسم بعرض مسرحية «عائدة» لسليم النقاش، يوم 8 / 10 / 1916، بمسرح برنتانيا في أول أيام عيد الأضحى، وكانت من تمثيل: عبد العزيز خليل، سرينا إبراهيم، ماري كفوري، ألحان عبد العزيز بشندي. ثم عرضت الفرقة المسرحية نفسها مع مسرحية «هملت» بمسرح الحمراء بالإسكندرية بقية أيام العيد.
11
إعلان وغلاف مسرحية «عائدة».
ومسرحية «عائدة» تدور أحداثها في العصر الفرعوني، حول أسر عائدة ابنة ملك أثيوبيا، وقيامها بخدمة الأميرة المصرية أمنيريس، وأن الاثنتين تتنافسان على حب الضابط راداميس، رغم حبه لعائدة دون الأخرى. ومن الأحداث نجد أن أثيوبيا تغير على مصر، فيطلب فرعون من راداميس قيادة الجيش، مع تمني عائدة له بالانتصار على أبيها وجيش وطنها. وبعد ذهاب راداميس تختبر الأميرة أمنيريس شعور عائدة تجاهه، فتخبرها بنبأ موته في المعركة، ثم تنفي لها الخبر بعد أن علمت بحبها له. ويعود راداميس منتصرا ويجر خلفه الأسرى، فتقع أنظار عائدة على أبيها أسيرا ومكبلا بالأغلال، رغم تنكره، فيطلب منها أن تكتم خبر حقيقته. بعد ذلك يأمر فرعون بزواج عائدة من راداميس، ولكن راداميس يطلب من فرعون العفو عن الأسرى، فيوافقه البعض ويخالفه رجال الدين. وفي لقاء غرامي تذهب عائدة لمقابلة راداميس فيعترضها والدها، ويطلب منها سؤال راداميس عن طريق الجيش المصري الذي سيلاقي الأثيوبيين، ولكنها ترفض، فيضغط عليها والدها فتوافق مرغمة. وعندما تلتقي براداميس تتفق معه على الهرب إلى موطنها، فيوافق ويخبرها عن الطريق الذي سيسلكه الجيش ، وهنا يظهر له عموناصر ويقبض عليه، ويقدم راداميس للمحاكمة، فيحكم عليه بالسجن في قبو حتى الموت جزاء لخيانته، ولكن عائدة تسبقه إلى هذا القبو متخفية حتى تلقى معه المصير نفسه.
بعد هذا الافتتاح واصلت الفرقة طوال هذا الموسم تمثيل عروضها من مسرحيات الفرق الأخرى، ومنها: «ضحية الغواية»، «صلاح الدين الأيوبي»، «عائدة»، «علي نور الدين»، «شهداء الغرام»، «صدق الإخاء»، «الكابورال سيمون»، «مدرسة الأزواج». وهذه العروض أغلبها تم عرضه بمسرح برنتانيا، والجزء الأقل بمسرح كازينو الكورسال، وعروض نادرة تمت بمسرح الإجبسيانة. وكانت الفرقة تعرض بجانب مسرحياتها العديد من الفصول المضحكة من قبل محمد ناجي وأمين عطا الله وفوزي الجزايرلي وجوق كشكش بك، ومن هذه الفصول: «العمدة العبيط»، «محكمة الجنح»، «خلاعة النساء».
12
وكانت فرقة منيرة في هذا الوقت تتكون من: عبد العزيز خليل، عبد المجيد شكري، أحمد حافظ، أمين عطا الله، إسكندر كفوري، أحمد عفيفي، محمد أحمد، محمد إبراهيم، فوزي الجزايرلي، عبد القادر بكر، حامد حمدي، بباوي فرج الله بباوي، ماري كفوري، ماتيل نجار، ماري فوزي، فكتوريا كوهين، سرينا إبراهيم.
وكمثال لموضوعات هذه المسرحيات نجد مسرحية «صدق الإخاء» لإسماعيل عاصم، تدور أحداثها حول وفاة الأب الوزير رشيد وتبديد ثروته بعد وفاته من قبل ابنه العاق نديم، الذي بددها في الحانات على الغانيات، كما تسبب في القطيعة بين أخته عزيزة وخطيبها عزيز بن صديق، الصديق الأوحد لوالده رشيد. وبمرور الوقت يعيش نديم مع أخته ووالدته ليلى في فقر شديد، وعندما يطلب مساعدة «صديق» يقابله الأخير بكل نفور. وفي يوم من الأيام تأتي إليهم السيدة مباركة المغربية وتعطيهم ثروة كبيرة على سبيل الأمانة؛ لأنها ستسافر لقضاء فريضة الحج. وهذا كان دأبها مع رب الأسرة المرحوم رشيد، فيأخذ نديم الأموال ويتاجر بها ويكسب أموالا كثيرة، فتعود إليه ثروة أبيه وأكثر منها عن طريق التجارة. وفي إحدى رحلاته التجارية ينقذ الملكة وابنتها نعمى من قطاع الطرق، ويتم الإعجاب بين نديم ونعمى ويصل إلى درجة الحب الجارف. وعندما يشكو همه لأسرته ينصحونه بالذهاب إلى «صديق» لمساعدته، فيتذكر معاملته السيئة، فيصمم على الذهاب لتأنيبه. وفي منزل صديق تظهر الحقيقة، بأن مباركة المغربية ما هي إلا والدة صديق، وأن الأموال أمواله، وقام بهذا الفعل كي يساعد نديما. وتنتهي المسرحية بتدخل السلطان، وموافقته على زواج ابنته نعمى من نديم مكافأة له على شهامته، بعد أن خلع عليه رتبة الوزارة، كما بارك السلطان أيضا زواج عزيز بعزيزة بعد أن خلع عليه وظيفة كاتب سر الصدارة.
غلاف مسرحية «صدق الإخاء».
وفي هذا الموسم أيضا قدمت الفرقة عدة حفلات بالأقاليم، وبالأخص في الفيوم، حيث عرضت مسرحيتي «علي نور الدين» و«ضحية الغواية» في أواخر ديسمبر 1916. كما أحيت الفرقة بعض الحفلات الخيرية، كان من أهمها الجمعية الخيرية المارونية في 18 / 8 / 1917، وكانت تحت رعاية أحمد زيور باشا محافظ الإسكندرية.
13
وفي هذا الموسم بدأت الانطلاقة المسرحية الحقيقية لفرقة منيرة المهدية، حيث قدمت للجمهور مسرحيتها الجديدة الثانية «كرمن»،
14
اقتباس فرح أنطون، وتلحين كامل الخلعي، وإخراج عبد العزيز خليل. وتم تسجيلها بالمحكمة المختلطة باسم محمود جبر مدير الفرقة. وبدأ تمثيلها في 16 / 12 / 1916 بسينما كليبر، وبمسرح الحمراء بالإسكندرية يوم 10 / 2 / 1917. وقد أعادت الفرقة تمثيلها كثيرا، وكانت من تمثيل: منيرة المهدية، سرينا إبراهيم، عبد العزيز خليل، منسي فهمي.
15
ومن الغريب أن الصحافة لم تلتفت إلى هذه المسرحية في بداية تمثيلها، ولكن عندما مثلت يوم 22 / 3 / 1917 بمسرح الكورسال أقامت حولها جريدة «الأفكار» حملة نقدية شديدة الوطأة، كانت كفيلة بإنهاء أمر هذه الفرقة، ففي يوم 27 مارس نشرت الجريدة كلمة لأحد المشاهدين قال فيها:
رفع الستار واتجهت الأنظار إلى المسرح لمشاهدة تمثيل رواية «كرمن»، التي طالما تمنينا وتشوقنا لحضورها. وما انتهينا من الرواية كان الناس ساخطين على ما خاب من أمل، وما ضاع من مال ووقت. شعرت وكثير معي بأن الرواية تعريبا وتمثيلا وتلحينا وغناء كانت عكس ما كانوا ينتظرون وما كانوا يتوقعون، وشعرت أيضا بأن بين روح التعريب والتأليف كل التباين، من أن المعرب لم يوفق توفيق المؤلف، وكذلك الممثلون وهم الذين أظهروا الفرق بين التعريب والتأليف، هم الذين ألبسوا رواية «كرمن » العربية ثيابا غير ثيابها الإفرنجية الجميلة، وأورثوها حركات غير حركاتها الرشيقة، وأبدلوا نغماتها الشجية بنغمات، بعدا لها من نغمات ... كفوا عن تمثيل هذه الروايات التي تحتاج إلى درس طويل ومجهود عظيم، وعلم بالموسيقى وفنونها، وخفة روح واستعداد فطري ... بقي غناء كرمن وجمال صوتها، وما كنا ننتظره منها في هذه الرواية. لقد سمعتها قبل أن تكون ممثلة، فكانت آية في غناء «الطقاطيق»، ويمكنني أن أقول إني لم أسمع أحسن من صوتها، ولم أطرب من مغنية طربي منها. فلما انقلبت ممثلة كانت نفس سماع صوتها في التمثيل، وكنت كلما سمعتها مرة ازددت اقتناعا بأن صوتها لم يخلق إلا لما نشأت عليه، وأن التمثيل قد يحتاج إلى طبقات أعلى من طبقات صوتها، فخيرا لها وللجمهور أن تعود إلى سابق عهدها.
وفي أول أبريل 1917 كتب الناقد مصطفى إسماعيل القشاش كلمة عن المسرحية بالجريدة نفسها، قال فيها:
كنا نقرأ في إعلانات رواية «كرمن» الطويلة العريضة المزوقة قبل تمثيلها مساء 22 مارس الماضي بكازينو الكورسال، من أنها أول أوبرا مصرية، صرف على إعداد ملابسها مئات الجنيهات، ويقوم بتمثيلها 40 ممثلا و50 ممثلة، وبها 180 لحنا، حتى خدع الناس بما قرءوه وتسابقوا على شهود تلك الرواية ... ولكن سرعان ما خاب أملهم، وتحول اعتقادهم إلى الضد، وتحققوا من أنهم خدعوا، حيث رأوا عند رفع الستار أن ليس على المسرح من الخمسين ممثلة و40 ممثلا إلا بضعة أشخاص معظمهم «كمبرس» ... وأن الثمانين ومائة لحنا ليست إلا بضعة أبيات من «المواويل الخضر والحمر»، موقعة على الموسيقى، لا تختلف في شيء عن الأغاني التي كان ينشدها «فلفل الحاوي» في الأسواق منذ بضعة أعوام. ثم إن مواقف الرواية مفسدة للأخلاق مخلة بالآداب، حيث بها «ضم وتقبيل ورفع وخفض»، ليس في رواية «أيوة ولا لأ» التي صادرتها الحكمدارية منذ أسبوعين ... ولست أدري من نلوم على ظهور تلك الرواية فوق مسارحنا ... الحق أقول، إنه يجب أن لا نلوم إلا أنفسنا؛ لأننا سرعان ما نخدع بتزويق الإعلانات، ونصدق ما كتبه فيها المغرضون كأنه تنزيل من عزيز حكيم.
وأخيرا حدد الناقد ميخائيل أرمانيوس بالجريدة أيضا في 9 / 4 / 1917 أسباب سقوط المسرحية قائلا:
أولا: خفيت مقاصد مؤلف الرواية الأصلي عن المعرب أو المقتبس أو الناسخ، فنقلها جزافا بالشعر المشوش المنثور، وإن شئت فقل بالسجع الغليظ المهجور، لخلوه من الشاعرية والإحساسات الوجدانية. ثانيا: جعل ملحن الرواية ألحانها على نمط الطقاطيق، والطقطوقة تغنيها العوالم عادة في الأعراس، والراقصات في القهوات. ثالثا: تكلف حضرة المعرب أو المقتبس أو المخترع في تأليف بعض الألحان العربية، إذا صح أن ننسب إلى هذه اللغة - وفقا للنوتة - الإفرنكية التي وضعها المسيو «بيزيه» ملحن «كرمن»، مما اقتضى معه مزج الموسيقى الشرقية بالإفرنكية، فانعدمت بذلك وحدة السياق. رابعا: تلحين بعض أجزاء الرواية، وترك البعض الآخر وهو المهم بلا تلحين. فترى هذا ينشد مع الموسيقى قطعة تلحينية أوبرا، وذلك يجاوبه بمونولوج عادي، مما أضاع رونق هذه الرواية الإفرنكية الجميلة، وشوه محاسنها وطمس معالمها وأفقدها ميزتها.
موسم 1917-1918
كان أهم حدث إداري في هذا الموسم هو حصول فرقة منيرة على مسرح ثابت لها، وهو «دار التمثيل العربي» الذي أسسه المرحوم الشيخ سلامة حجازي، ومن ثم حصلت عليه فرقة عكاشة، ولكنها تخلت عنها لاهتمامها بتجهيز مسرح حديقة الأزبكية؛ لذلك طرح هذا المسرح في مزاد علني يوم 16 / 3 / 1918، فحصل عليه الحاج مصطفى حفني مقابل أجر شهري قدره 75 جنيها، ومن ثم تنازل عن حق استغلال المسرح لمحمود جبر المدير المالي لفرقة منيرة. وتم افتتاحه يوم 25 / 4 / 1918 بأوبرا «تاييس».
16
أما أهم حدث فني في هذا الموسم، فكان تمثيل منيرة المهدية مسرحية «كرمن» بالأوبرا السلطانية يوم 15 / 1 / 1918، لتكون أول مرة تمثل فيها الفرقة بدار الأوبرا، كدليل على تقدمها. وكانت المسرحية في ذلك الوقت من تمثيل: منيرة المهدية، سرينا إبراهيم، عبد العزيز خليل، عباس فارس، بباوي فرج بباوي، محمد سعيد، حسن موسى.
17
وإذا كانت منيرة مثلت «كرمن» في الموسم الماضي ولاقت هجوما عنيفا، فإن هذا الهجوم لم يثنها عن عزمها بتكرار المحاولة مرة ثانية وثالثة. فقد عرضت فرقتها مسرحيتين جديدتين هذا الموسم على غرار أوبرا «كرمن»، الأولى كانت أوبرا «تاييس» لأناتول فرانس، اقتباس فرح أنطون، وتم تمثيلها في افتتاح دار التمثيل العربي يوم 25 / 4 / 1918، ومن ثم تكرر تمثيلها عدة مرات طوال هذا الموسم.
18
أما المسرحية الثانية فكانت أوبرا «أدنا» اقتباس فرح أنطون أيضا، وتم تمثيلها بدار التمثيل العربي يوم 1 / 8 / 1918، ثم تكرر تمثيلها كثيرا في هذا الموسم.
19
ثم قامت فرقة منيرة في هذا الموسم أيضا بعرض بعض العروض لصالح الجمعيات والأعمال الخيرية، ومنها حفلة يوم 16 / 11 / 1917 لصالح الجمعية الخيرية لطائفة الروم الكاثوليك، وفيها مثلت مسرحية «ضحية الغواية». ثم حفلة يوم 14 / 12 / 1917 لصالح طلاب القسم المجاني بكلية مصطفى كامل، وفي هذا اليوم مثلت الفرقة فصلين من مسرحية «صدق الإخاء»، وقام أحمد فهيم كبير الممثلين بتمثيل فصل «الكنز الدفين». كما عرضت الفرقة يوم 24 / 2 / 1918 مسرحية «تليماك» لصالح جمعية اتحاد عمال فابريكة كمبتن المصرية. ثم عرضت مسرحية «كرمن» يوم 18 أبريل لصالح جمعية صدق الوفاء الخيرية الإسلامية. وأخيرا مثلت «تليماك» يوم 12 مايو لصالح طلاب كلية مصطفى كامل مرة أخرى.
20
وفي هذا الموسم زاد نشاط الفرقة من حيث عروضها خارج العاصمة، وقد تمثلت في مسرحية «شهداء الغرام» ببني سويف في نوفمبر 1917، ومسرحيات: «صدق الإخاء»، «كرمن»، «ضحية الغواية»، «صلاح الدين الأيوبي» بمسرح الحمراء بالإسكندرية في ديسمبر 1917 ويناير وفبراير 1918، ومسرحيات: «صلاح الدين الأيوبي»، «تليماك»، «كرمن» بأسيوط في مايو، ومسرحيات: «تليماك»، «علي نور الدين»، «أدنا» بالإسكندرية في يونية وأغسطس، وأخيرا مسرحيتي: «علي نور الدين»، «ضحية الغواية» بمركز الفشن يومي 5 و6 أغسطس 1918.
21
وبذلك لم يبق من نشاط فرقة منيرة في هذا الموسم إلا عروضها المعادة من المواسم السابقة، أو المسرحيات الجديدة والمأخوذة من الفرق الأخرى. ومن هذه العروض: «غانية الأندلس»، «تليماك»، «كرمن»، «شهداء الغرام»، «ضحية الغواية»، «علي نور الدين» أو «أنيس الجليس»، «مدرسة الأزواج»، «صدق الإخاء». وكانت الفرقة تقدم بجانب هذه العروض بعض الفصول المضحكة من: محمد ناجي، رحمي، أحمد عسكر. بالإضافة إلى موسيقى سامي الشوا.
22
موسم 1918-1919
افتتحت منيرة المهدية موسمها هذا في أول أكتوبر 1918، وذلك بإعادة بعض المسرحيات القديمة، ثم استعدت لتقديم مسرحياتها الجديدة الثلاث لهذا الموسم. وكانت مسرحية «روزينا» أو «العابثة بالرجال»، أو «بائعة الطيب الحسناء»، هي مسرحيتها الأولى، وبدأت عرضها يوم 5 / 12 / 1918 بدار التمثيل العربي. وهي من اقتباس فرح أنطون، وتلحين كامل الخلعي، وديكور مسيو لوريه رسام الأوبرا، ومن تمثيل: منيرة، عزيز عيد، عبد المجيد شكري، أحمد حافظ، ألمظ أستاتي، لطيفة أمين، وردة ميلان، زاهية لطفي. وقد أعادت الفرقة تمثيل هذه المسرحية أكثر من مرة في هذا الموسم.
23
أما المسرحية الجديدة الثانية، فكان الأوبرا العربية «إسحاق النديم»،
24
ومثلتها الفرقة يوم 13 / 2 / 1919.
25
وكانت مسرحية «كرمنينا» أو «بائعة التفاح» هي الثالثة، ومثلتها الفرقة يوم 19 / 6 / 1919 بدار التمثيل العربي، ثم أعادت تمثيلها عدة مرات.
26
وما بين المسرحيتين الثانية والثالثة نفي سعد باشا زغلول إلى مالطة في 8 مارس، فنشبت أحداث ثورة 1919. وقد تفاعلت منيرة مع هذه الثورة، فغنت لها أغنية «أنا منيرة المهدية، حب الوطن عندي غية»، وكانت فرقة منيرة من أكثر الفرق حماسة لكفاح المرأة المصرية في ثورة 1919، فقد كانت منيرة تقف قبل رفع الستار لتغني أغاني وطنية تشيد بالمرأة المصرية. ومن هذه الأغاني أغنية تقول فيها:
الواحدة منا بأدبها
تصون ناموسها وعفافها
تدوس غرامها برجليها
عشان وطنها وشرفها
وقد قامت الفرقة بإحياء حفلتين خيريتين في هذا الموسم؛ الأولى: كانت لصالح قسم التعليم المجاني بكلية مصطفى كامل يوم 27 / 12 / 1918. والثانية: كانت لصالح نقابة عمال شركة هليوبوليس، يوم 22 / 8 / 1919، ومثلت فيها مسرحية «علي نور الدين».
27
أما عروض الفرقة خارج العاصمة فتمثلت في مسرحيتي «كرمن»، «تاييس» بالإسكندرية، ومسرحية «أدنا» بطنطا في أكتوبر 1918، ومسرحية «روزينا» بمسرح الحمراء بالإسكندرية في يناير 1919، ومسرحية «تاييس» بتياترو المنتزه بطنطا في فبراير، ومسرحيات «كرمن»، و«تليماك»، و«إسحاق النديم»، و«كرمنينا» بمسرح الحمراء بالإسكندرية في سبتمبر 1919.
28
كما قامت فرقة منيرة المهدية بإعادة تمثيل مسرحيات قديمة مأخوذة من الفرق الأخرى، أو من عروضها في المواسم السابقة، ومنها: «أدنا»، «تاييس»، «عائدة»، «كرمن»، «صلاح الدين الأيوبي»، «تليماك»، «غانية الأندلس»، «ضحية الغواية»، «علي نور الدين». وكانت الفرقة تعرض بجانب هذه المسرحيات فصولا مضحكة من محمد ناجي.
29
وفي أواخر هذا الموسم، وتحديدا في أوائل سبتمبر 1919، أعلنت الفرقة عن قرب قيامها بأول رحلة فنية إلى سوريا ،
30
حيث ستمثل هناك مجموعة من المسرحيات، هي: «كرمن »، «تاييس»، «أدنا»، «روزينا»، «كرمنينا»، «كلام في سرك»، «الرداء الأسود»، «شارل السابع». وأن أعضاء الفرقة هم: أحمد فهيم، محمد بهجت، عبد المجيد شكري، أحمد حافظ، عبد العزيز بشندي، محمود خطاب رئيس موسيقى الجوق.
31
ولكن هذه الرحلة بهذه الصورة لم تتم؛ لأن الفرقة استمرت في عملها بعد ذلك دون انقطاع. هذا بالإضافة إلى أن مسرحيتي «الرداء الأسود» و«شارل السابع» لم يتم تمثيلهما بعد ذلك.
موسم 1919-1920
بدأت فرقة منيرة هذا الموسم في أوائل أكتوبر 1919، وبصورة مشابهة للموسم الماضي، حيث أعادت تمثيل بعض المسرحيات القديمة. بعد ذلك بدأت في عرض أولى مسرحياتها الجديدة وهي «كلام في سرك» يوم 13 / 11 / 1919 بدار التمثيل العربي، وهي من تأليف الشيخ محمد يونس القاضي، وتلحين كامل الخلعي، وديكور مسيو لوريه رسام الأوبرا، ومن تمثيل: منيرة المهدية، أحمد فهيم، عبد المجيد شكري، أحمد حافظ، منسي فهمي، أبريز أستاتي، أستر شطاح، وردة ميلان، جميلة سالم، زكية إبراهيم، لطيفة أمين، زاهية لطفي. وخلاصة هذه المسرحية تتمثل في الدعوة إلى منافسة المصري للأجنبي، وشرح الطرق المؤيدة إلى إنشاء المصانع المصرية، وتمسك الفتاة بعفافها، وكيف تنهض بشعبها ووطنها، وذلك من خلال الحكمة والفكاهة.
32
أما المسرحية الجديدة الثانية فكانت «كلها يومين»، تأليف الشيخ محمد يونس القاضي أيضا، وتلحين الشيخ سيد درويش. وبالرغم من إعلان الفرقة عن تمثيلها منذ يناير، إلا أنها مثلتها في مايو 1920، ومن ثم تكرر تمثيلها عدة مرات.
33
ومسرحية «كلها يومين» ألفها يونس القاضي ضد الاحتلال الإنجليزي، وبصورة رمزية، حيث تدور أحداثها حول سعيد طالب الطب وشقيقته منيرة، وهما يعيشان سويا في مستوى اجتماعي لا بأس به، وتخدمها ماري الأجنبية ابنة الخواجة ماركو الأجزجي، وأيضا عم شاهين البواب المصري ابن البلد، أما الدكتور زكي فهو من الجيران المخلصين. ونجد الخواجة ماركو يحاول الاستيلاء على كل أملاك سعيد ومنيرة بلا مقابل، فيدفع ابنته ماري إلى مغازلة سعيد بغرض الزواج منه، وعندما يفشل في هذا الأمر يقوم بافتعال حريق في منزل سعيد، فيحرقه بما فيه من أوراق ومستندات، وبالأخص شهادة سعيد الدراسية. ويحاول التظاهر أمام سعيد ومنيرة بأنه متألم لهذه المصيبة، ويمنيهما بدفع بعض الأموال لهما كمساعدة منه، ولكن بشرط أن يكتب سعيد كمبيالة لحين الذهاب إلى البنك. وأمام الاحتياج يكتب سعيد الكمبيالة، ولكن ماركو يخدعه ويكذب عليه ويقول إن منيرة أخذت الأموال، وعندما تسأله منيرة يقول لها إن سعيد أخذ الأموال، وعندما يسأله شاهين يقول له إن سعيد جاء ببواب غيرك. وهكذا استطاع الخواجة الأجنبي طرد المصريين من دارهم. وبعد فترة طويلة نجد سعيد يبيع الفول والطعمية، ومنيرة تبيع الزبدة، وشاهين يبيع الشاي والقهوة. وفي النهاية يتخذون قرارا برفع قضية ضد الخواجة ماركو، ويستطيعون بهذا الاتحاد استرداد حقوقهم ووضع ماركو في السجن.
وتحت عنوان «كافحت الإنجليز بغنائي» قالت منيرة: «كان الشيخ يونس القاضي أثناء ثورة 1919 يمدني بكثير من الروايات الناجحة، التي كانت تدور حول كفاحنا ضد المستعمر البغيض، ولكن بطريق الغمز واللمز والتورية؛ لأن الرقابة التي وضعتها الإنجليز على ما تقدمه دور المسرح والسينما والملاهي في ذلك الوقت، كانت تحول دون مصارحة الإنجليز بكرهنا لهم فيما نقدمه من روايات وأغان. وفي ذلك قدمت على المسرح الذي كنت أعمل فيه - وهو دار التمثيل العربي - مسرحية اسمها «كلها يومين». وفي هذه المسرحية كنت أقوم بدور بائعة زبدة، فأحمل فوق رأسي وعاء به بضاعتي، فأسير بها منادية عليها بأغنية أقول فيها:
صابحة الزبدة
بلدي الزبدة
يا ولاد بلدي
زبدة يا ولدي
اشتري واوزن
عندك واخزن
واوع تبيعها
ولا تودعها
عن اللي يخون
لتعيش مغبون
وإزاي حاتهون
بلدي
وهذا الكلام لم يكن فيه طبعا ما يدعو إلى تدخل الرقابة، ولم يكن الرقيب ليستطيع أن يشطب حرفا واحدا منه. ولكن كان للأغنية معناها الذي يفهمه الجمهور جيدا، وكانت تهدف إلى الحض على كراهية المستعمر الغاصب ... وقد عرف المرحوم الشيخ سيد درويش كيف يضفي على هذه الأغنية من فنه، ما جعل القلوب تهتز عند سماعها، والمشاعر تمتلئ حماسة ضد المستعمر البغيض. ولم تكن هذه هي الأغنية الوحيدة في رواية «كلها يومين» التي تثير الحماس ضد الإنجليز، بل كانت هناك أغنية أخرى، ترددها مجموعة من الكورس لأحد الجناينية، وهو ممسك بالخرطوم يروي به حديقته ... فكان الكورس يقولون للجنايني في لهجة تحذير:
أوع الخرطوم ليروح منك
أوع الخرطوم أوع الخرطوم
وكلمة الخرطوم هنا التي رددها الكورس في هذه الأغنية كانت تورية صريحة إلى مدينة الخرطوم عاصمة السودان، وتحذيرهم عندما يقولون: «أوع الخرطوم» كان مقصودا به وجوب التمسك بالخرطوم العاصمة. والذكرى التي أعتز بها أن المغفور له سعد زغلول كان يتردد على مسرح دار التمثيل العربي بلا انقطاع؛ لمشاهدة تلك الروايات التي كنت أكافح بها الإنجليز.»
وإذا تركنا هذا الأمر سنجد أن فرقة منيرة في هذا الموسم قدمت مجموعة من المسرحيات بالإسكندرية، منها: «روزينا»، «كرمنينا»، «كلام في سرك»، «كرمن»، «روميو وجوليت» بمسرحي الكونكورديا بالمينا الشرقية، والحمراء في شهري يناير ويونية 1920.
34
أما المسرحيات القديمة والمعادة التي قدمتها الفرقة في هذا الموسم، فقد تمثلت في: «غانية الأندلس»، «شهداء الغرام»، «صلاح الدين الأيوبي»، «أبو الحسن المغفل»، «علي نور الدين»، «تليماك»، «تاييس»، «روزينا»، «كرمن»، «عائدة»، «هملت»، «كارمنينا»، «أدنا». مع تقديم الفصول المضحكة من محمد ناجي.
35
موسم 1920-1921
بدأت الفرقة هذا الموسم في أول أكتوبر 1920، بإعادة مسرحياتها الخاصة بها من المواسم السابقة. وشاركت منيرة أعضاء فرقتها في جميع عروض هذا الموسم، حتى أوائل مارس 1921. وأول مسرحية جديدة للفرقة في هذا الموسم كانت «التالتة تابتة»، تأليف الشيخ محمد يونس القاضي، وتلحين كامل الخلعي. وبدأ تمثيلها يوم 6 / 1 / 1921 بدار التمثيل العربي، وقد تكرر تمثيلها أكثر من مرة في شهر يناير.
36
ولم تقدم الفرقة أثناء وجود منيرة بها طوال هذا الموسم إلا هذه المسرحية الجديدة فقط، رغم أنها أعلنت عن مسرحية جديدة أخرى كانت بعنوان «أبو الهول يتحرك» أو «أبو الهول المتحرك» تأليف فرح أنطون.
37
ولكن هذه المسرحية لم تر النور في هذا الموسم، ولا في أي موسم آخر، ولم تظهر في بروجرام أية فرقة مسرحية بعد ذلك، رغم أنها آخر مسرحية كتبها فرح أنطون بل وفاته عام 1922.
ومن عروض الفرقة الخيرية في هذا الموسم مسرحية «روزينا»، التي عرضت يوم 4 فبراير 1921 لصالح قسم التعليم المجاني بكلية مصطفى كامل.
38
أما عروض الفرقة خارج العاصمة فقد تمثلت في مسرحيات: «تاييس»، «كلام في سرك»، «كلها يومين»، وعرضت بتياترو سينما عدن بالمنصورة في نوفمبر 1920، ومسرحيات: «كلام في سرك»، «كلها يومين»، «التالتة تابتة» بمسرح الهمبرا بالإسكندرية في فبراير 1921.
39
أما عروض الفرقة المعادة من المواسم السابقة، فقد تمثلت في: «غانية الأندلس»، «كلها يومين»، «كلام في سرك»، «علي نور الدين»، «تاييس»، «روزينا»، «صلاح الدين الأيوبي»، «عائدة»، «شهداء الغرام»، «كرمن»، «كرمنينا».
40
وفي أوائل مارس 1921 لاحظنا حدوث بعض الاضطرابات في الفرقة، فمثلا وجدنا الفرقة تعلن عن تمثيل مسرحية جديدة هي «الطلاق» لفكتوريان ساردو، تعريب عزيز عيد، وبعد أيام تعلن عن تأجيل تمثيلها دون أن يشير الإعلان إلى اسم منيرة المهدية، بل اكتفى فقط بذكر اسم مسرح دار التمثيل العربي.
41
ومنذ أواخر أبريل 1921 وحتى نهاية الموسم وجدنا جميع إعلانات الفرقة تعلن اسم الفرقة هكذا «أفراد جوق منيرة المهدية»، إدارة حامد مرسي! وهذا الأمر كان بسبب نشوب بعض المشاكل بين منيرة وبين زوجها محمود جبر المدير المالي والإداري لفرقتها. وكان من أثر هذه المشاكل ابتعاد منيرة عن فرقتها، وقيام محمود جبر بإدارة الفرقة وحده بعد أن أعاد تكوينها. وبهذا التكوين الجديد قدمت الفرقة مسرحيتين جديدتين، هما: «الغريب» لبول بورجيه تعريب خليل مطران، و«الطلاق» تعريب عزيز عيد، في آخر أبريل وأول مايو 1921 بتياترو الهمبرا.
42
وقعت الفرقة في مشكلة فنية بعد ذلك، عندما أرادت إعادة تمثيل المسرحيات الغنائية السابقة، وذلك لعدم وجود مغنية في الفرقة تستطيع أن تقوم بأدوار منيرة المهدية. هنا استطاع محمود جبر أن يتفق مع المطربة فتحية أحمد، وبالفعل نجح في ذلك، وكانت الإعلانات تنص على أن فتحية أحمد ستمثل أدوار منيرة المهدية.
بهذا الوضع استطاعت الفرقة أن تستمر في عملها بدار التمثيل العربي، وكانت بداية فتحية أحمد في عروض الفرقة بمناسبة أيام عيد الأضحى في أغسطس 1921، حيث مثلت مسرحيات: «كلها يومين»، «كلام في سرك»، «التالتة تابتة»، «أدنا». وكانت من تمثيل: عزيز عيد، منسي فهمي، أحمد حافظ، عبد المجيد شكري. بعد ذلك مثلت الفرقة مسرحية «الكابورال سيمون» في 30 / 8 / 1921 لتكون آخر عروضها المسرحية لهذا الموسم.
43
وفي 29 / 8 / 1921 أعلن محمود جبر في جريدة «الأفكار» عن قيام الفرقة برحلة فنية إلى سوريا، قائلا: «رحلة جوق دار التمثيل العربي إلى الأقطار السورية، إدارة محمود جبر. الوكيل المفوض للرحلة علي يوسف. تبتدئ من النصف الثاني لشهر سبتمبر. الجوق مؤلف من 40 ممثل وممثلة، وأوركستر كامل من راقصات وجوقات تلحين مختلفة. وتقوم بتمثيل وغناء أدوار السيدة منيرة المهدية الممثلة ذائعة الصيت فتحية أحمد في روايات «كرمن»، «تاييس»، «كارمنينا»، «روزينا»، «أدنا»، «كلام في سرك»، «كلها يومين»، «التالتة تابتة»، «هارون الرشيد»، «علي نور الدين»، «شهداء الغرام». الألحان برئاسة عبد العزيز بشندي، والأوركستر برئاسة: محمود خطاب، كامل الخلعي، سيد درويش. يشترك في «التمثيل» عزيز عيد، عبد المجيد شكري، منسي فهمي، أحمد حافظ.»
وبذلك استطاع محمود جبر أن يبعد منيرة المهدية عن فرقتها وعن فنها، بعد أن شغلها بقضايا كثيرة كانت تنظرها المحاكم في ذلك الوقت. وفي 14 / 9 / 1921 ظهر اسم منيرة المهدية من جديد في جريدة «المقطم» ولكنه لم يظهر في إعلان مسرحي، بل ظهر كتوقيع في نهاية إعلان هذا نصه:
إعلان
إن الحكم الذي أصدرته محكمة مصر الجزئية الشرعية في 6 سبتمبر، في إشكال منيرة المهدية، لم ينته به الخصومة؛ لوجود قضايا هامة أمام هذه المحكمة لا تزال منظورة، ولم يفصل فيها حتى الآن. ومن ذلك القضية المحدد لنظرها جلسة 19 سبتمبر، والقضية المنظورة بجلسة 22 سبتمبر. ولا بد للحق أن ينتصر على الباطل بتوفيق الله - تعالى - للقضاء العادل. (توقيع): «منيرة المهدية».
موسم 1921-1922
بدأت الفرقة هذا الموسم في أوائل أكتوبر 1921 بدار التمثيل العربي، وبدأ اسم منيرة يظهر في إعلاناتها، بعد أن انتهت المشاكل بين الزوجين. ولكن رواسب هذه المشاكل أثرت فنيا على الفرقة، حيث إنها لم تمثل أية مسرحية جديدة طوال هذا الموسم، بالرغم من إعلانها عن مسرحيتين جديدتين،
44
واكتفت بإعادة مسرحياتها السابقة، ومسرحيات الفرق الأخرى أيضا، ومنها: «هملت»، «ابنة حارس الصيد»، «كرمن»، «التالتة تابتة»، «كلها يومين»، «علي نور الدين»، وذلك في شهر أكتوبر 1921.
45
بعد ذلك سافرت الفرقة إلى سوريا في الرحلة المعلنة في نهاية الموسم السابق، وعادت منها في منتصف فبراير 1922.
46
وبعد العودة مارست الفرقة عملها المعتاد بدار التمثيل العربي، وذلك بإعادة المسرحيات السابقة، ومنها: «كلها يومين»، «التالتة تابتة»، «كرمنينا»، «حياة المقامر»، «عواطف البنين»، «روزينا»، «تاييس»، «كلام في سرك»، «علي نور الدين»، «عائدة»، «تليماك»، «ضحية الغواية»، «صلاح الدين الأيوبي»، «كرمن»، «أدنا»، «شهداء الغرام»، «غانية الأندلس»، «عظة الملوك».
47
ومنذ أوائل يولية قامت زينب بدران بأدوار منيرة المهدية في مسرحيات الفرقة التي مثلها كل من: عبد المجيد شكري، أحمد حافظ، أستر شطاح، إحسان كامل.
48
أما عروض الفرقة خارج العاصمة في هذا الموسم، فقد تمثلت في مسرحيات: «روزينا»، «كلها يومين»، «صلاح الدين الأيوبي»، «كرمنينا»، «شهداء الغرام»، «التالتة تابتة» بالإسكندرية، في فبراير ومارس ومايو 1922، كما مثلت الفرقة إحدى مسرحياتها بتياترو البلدية بطنطا في 10 / 5 / 1922.
49
موسم 1922-1923
افتتحت منيرة المهدية هذا الموسم بدار التمثيل العربي في أواخر أكتوبر 1922، وذلك بإعادة مجموعة من مسرحياتها السابقة حتى أوائل ديسمبر، ومنها: «روزينا»، «كلها يومين»، «علي نور الدين»، «كرمنينا»، «كرمن»، «شهداء الغرام»، «التالتة تابتة»، «صلاح الدين الأيوبي»، «تاييس»، «تليماك»، «كلام في سرك»، «عائدة».
50
بعد ذلك قدمت الفرقة مسرحيتها الجديدة الوحيدة في هذا الموسم، وهي «أديني جيت» يوم 7 / 2 / 1922، وهي من اقتباس فرح أنطون، وتلحين كامل الخلعي.
51
بعد تمثيل «أديني جيت» عادت الفرقة إلى عرض المسرحيات القديمة حتى يوم 9 / 2 / 1923. ومن هذه المسرحيات: «ضحية الغواية»، «تاييس»، «الطبيعة والزمن»، «روزينا»، «شهداء الغرام»، «كلها يومين»، «أنيس الجليس»، «كرمنينا» أو «بائعة التفاح»، «كرمن»، «تليماك»، «أدنا».
52
وفي يوم 9 فبراير 1923 نشرت الفرقة إعلانا بجريدة «الأخبار» قالت فيه: «أكبر رواية مصرية ظهرت على المراسح والسينماتوغراف، مساء الخميس 15 فبراير الساعة 9 ونصف. تمثل على مسرح دار التمثيل العربي «كليوباترا» ملكة مصر مع مارك أنطوان. وقد اعتنى بتلحينها الشيخ سيد درويش نابغة الموسيقى. تمثل كليوباترا سلطانة الفن «منيرة المهدية» عروس المراسح. «كليوباترا» أوبرا جميع ألحانها كتب نوتها محمود خطاب. اطلبوا التذاكر من الآن قبل نفادها.» وجاء الموعد، ولكن مسرحية «كليوباترا» لم تمثل، بل ولم تمثل أية مسرحية بعد ذلك طوال هذا الموسم؛ لأن منيرة حلت فرقتها ورحلت إلى الشام هربا من مشاكلها مع زوجها محمود جبر.
موسم 1923-1924
عادت منيرة من الشام، وعملت فترة من الوقت بالغناء في «كافيه ريش»،
53
وظلت أخبارها المسرحية منقطعة فترة طويلة، حتى ظهرت من جديد في أواخر مايو 1924 حيث أعلنت عن عودتها مرة أخرى بمجموعة من المسرحيات، منها: «كليوباترا» اقتباس سليم نخلة، و«توسكا» ترجمة إبراهيم المصري وفايق رياض، و«مدام بترفلاي» ترجمة زكي السويفي. كما أعلنت أن فرقتها الجديدة تضم كلا من: إسكندر كفوري وزوجته ماري كفوري، وعبد الحليم القلعاوي.
54
بدأت منيرة عملها بمسرح دار التمثيل العربي بضعة أيام في شهري يونية ويولية 1924، حيث مثلت عدة مسرحيات منها: «تاييس»، «روزينا»، «التالتة تابتة».
55
وفي يوم 17 / 7 / 1924 حلت فرقتها،
56
ونشرت إعلانا بجريدة «المقطم» بتاريخ 23 / 7 / 1924 قالت فيه:
السيدة منيرة المهدية تعلن العموم، بأن علاقتها مع محمود جبر للشغل بدار التمثيل العربي انقطعت، وأصبحت حرة في عملها، ومستعدة لإحياء ليالي طرب بالمسارح والأفراح. والمخابرة مع الشيخ عبد الرحيم بدوي صاحب مطبعة الرغائب.
موسم 1924-1925
بدأ هذا المواسم وما زالت مشاكل منيرة مع زوجها في تصاعد مستمر، حتى وصلت إلى المحاكم مرة أخرى، وأخيرا تم الطلاق بينهما، فكونت منيرة تختا موسيقيا وعملت بالغناء في كازينو دي باري وتياترو بيجو بالاس حتى مارس 1925.
57
وكانت منيرة في هذه الفترة تساعد فرقة عكاشة - التي كانت في احتياج لعناصر غنائية نسائية - وذلك بالغناء أثناء التمثيل، أو بين الفصول، خصوصا عند تمثيل مسرحية «شمشون ودليلة».
58
بديع خيري.
وفي أوائل مارس 1925 بدأت الصحف والمجلات تنشر أخبارا عن عودة منيرة إلى المسرح من جديد،
59
خصوصا بعد فوزها بالمركز الأول في مباراة الحكومة للغناء المسرحي.
60
وبالفعل عادت فرقة منيرة المهدية مرة أخرى، وبدأت عملها بمسرح برنتانيا يوم 2 / 4 / 1925 بعرض مسرحية جديدة هي «الغندورة»، تأليف بديع خيري، وتلحين داود حسني، وإخراج بشارة واكيم المدير الفني. وقامت الفرقة بإعادة عرضها مرات كثيرة طوال هذا الموسم.
61
وبعد شهر واحد، وتحديدا في 2 / 5 / 1925 مثلت الفرقة مسرحيتها الجديدة الثانية ببرنتانيا، وهي «قمر الزمان»، تأليف بديع خيري أيضا، وتلحين داود حسني، وإخراج بشارة واكيم، وقام بتمثيلها كل من: منيرة، بشارة واكيم، عبد الحميد زكي، فؤاد فهيم، توفيق المردنلي، إسكندر كفوري، محمد مصطفى، ماري كفوري، إحسان كامل، زكية إبراهيم، صوفي كفوري. وقد تكرر تمثيل هذه المسرحية أكثر من مرة طوال هذا الموسم.
62
وبعد تمثيل هذه المسرحية لاقت منيرة المهدية هجوما نقديا من محمد عبد المجيد حلمي،
63
ناقد جريدة «كوكب الشرق» عندما قال عنها في 11 / 5 / 1925: ... عرفت منيرة المهدية حرج موقفها وضعف عملها، فعمدت إلى سد النقص بالرقص! وهكذا وبلا مناسبة أيضا ينقلب المسرح إلى مرقص، والجمهور يصفق على نغمة «الهز»، وهي تضحك! ... أوليس ما تفعله السيدة منيرة مفسدة للأخلاق، وداعية لانتشار الرذيلة؟! أقسم أنه لم يبق من فرق بين مسرحها وبين البارات، إلا أن تنزل إلى الجمهور لتلم النقطة! ... ولنعد إلى السيدة منيرة كممثلة على المسرح، فهي لا تصلح مطلقا للتمثيل، فإنها جامدة كل الجمود على المسرح، ولا شيء فيها غير رفع يديها بين كل كلمة وأخرى كالنساء البلدي ... أما صوت السيدة منيرة، وهو بضاعتها الرابحة، وكل تجارتها في معرض التمثيل، فيحزنني جدا أن أقول إنه بدأ في الخفوت، وأخذ يضعف تدريجيا، حتى إن البحة التي كانت تعجب الجمهور قد أصبحت أشبه شيء بحشرجة المذبوح، أو نغمة «المزكوم»! أذهب إلى أية حفلة من الحفلات التي تحييها الآنسة أم كلثوم، وأسمع هناك الصوت الملائكي الذي ينبعث من قلب حساس يشعر بما في الحياة، والنغمة السماوية التي تسترسل من نفس جياشة بالأمل وفتوة الشباب. الصوت الذي يخرج من حنجرة قوية ذات أوتار عدة، فيرن في جو المكان رنين الذهب الخالص، ويتمشى مع فن الطبيعة، فلا يفسده خطل الصناعة، ولا يعيبه تكلف الوضع، ولا يحط منه التقيد بأوزان التلحين الضعيف. ذلك هو فيض الإحساس ومنبع الشعور، ذلك هو الفن الإلهي الذي تنتشي منه الأرواح وتثمل النفوس. أما سيدتنا منيرة المهدية، فقد كان لها عهد انقضى، وهي تعيش الآن على الشهرة الماضية.
محمد عبدالمجيد حلمي .
وقد قالت مجلة «التياترو» المصورة في نهاية مقالتها عن هذه المسرحية، بتاريخ 1 / 6 / 1925، وبتوقيع «حنظلة»: ... بقي علي أن أقول كلمة في الرقص الذي أبرزته السيدة منيرة على المسرح، فلا يسعني إلا أن أبدي أسفي لذلك؛ لأنه لم يكن لائقا بها أن ترقص مثل هذا الرقص «الخليع» على مسرح تؤمه العائلات.
وبسبب فقرات الرقص هذه أمرت حكمدارية العاصمة إبطاله في هذه المسرحية، وقام بتنفيذ الأمر الصاغ محمد متبولي صفا، مأمور قسم الأزبكية.
64
غلاف بروجرام مسرحية «قمر الزمان».
أما المسرحية الجديدة الثالثة فكانت «حورية هانم»، تأليف بديع خيري، وتلحين داود حسني، وإخراج بشارة واكيم. وقد مثلتها الفرقة بمسرح برنتانيا يوم 4 / 6 / 1925، ومثلها كل من: منيرة، بشارة واكيم، عبد الحميد زكي، فؤاد فهيم، إسكندر كفوري، محمد مصطفى، إحسان كامل، ماري كفوري، زكية إبراهيم. وقد تكرر تمثيلها كثيرا في هذا الموسم.
65
وقد لاقت هذه المسرحية استحسان بعض النقاد، فكتبوا عنها مقالات مدح كثيرة مالت إلى المجاملة،
66
لدرجة أن الناقد محمد عبد المجيد حلمي، الذي هاجم منيرة ومسرحيتها «قمر الزمان»، وجدناه يتراجع ويسير في ركب المجاملة، قائلا في جريدة «كوكب الشرق» بتاريخ 7 / 7 / 1925:
أعترف أنني حملت بشدة، وبشدة متناهية، على السيدة منيرة المهدية، على رواية «قمر الزمان» ... رأيت أن أعلن أنني لم أنقد السيدة منيرة ولم أشتد عليها لخصومة أو حقد أو غيره، وإنما نقدتها ذلك النقد إشفاقا عليها من التدهور السريع، وتنبيها لها إلى ما هي موشكة أن تسقط فيه من العمل غير المثمر والفعل الفاضح على المسرح ... أضف إلى ذلك أننا في حاجة قصوى إلى تهذيب الغناء المسرحي، أو التمثيل الغنائي، أو «الأوبريت». والسيدة منيرة قائدة هذا الضرب من التمثيل في مصر، فكان يجب أن تكون مسئوليتها أعظم، واللوم الموجه إليها أشد وأقوى ... وتلك هي الخصومة التي كانت بيننا، خصومة الإصلاح والتجديد! ... ولنترك كل ذلك لنخلص إلى رواية «حورية هانم»، الرواية عصرية، اعتمد فيها مؤلفها بديع خيري على كثرة الحركة وتتابع المفاجآت، وربط عقدتها فأحكم الربط، وأقول أحكم الربط لأن اتساق الرواية كان بديعا، ولأن سياقها كان محكما متينا، ولأنها كانت قطعة مسرحية من آثار بديع يستطيع أن يمحو بها ما لحقه من وصمة الضعف في «قمر الزمان» ... والذي لاحظته ولاحظه غيري أن دور حورية هانم كان تكميليا في الرواية، ويظهر لي أن بديع خلقه ليوجد للسيدة منيرة موقفين أو ثلاثة، تنشد فيها السيدة لحنين أو ثلاثة أيضا ... وفيما عدا ذلك فالرواية حقا من النوع الذي ننشده دائما لرقي المسرح وتهذيبه ... أما المناظر، أو على الأصح المنظر الواحد، منظر عيادة الدكتور الذي تمت فيه حوادث الرواية في ثلاثة فصول طوال، فقد كان الاستعداد كاملا في العيادة إلى حد كبير.
لم تقدم الفرقة أية مسرحية جديدة بعد ذلك في هذا الموسم، ولكنها أحيت ليلة خيرية يوم 22 / 5 / 1925 لصالح مدارس جمعية صدق الوفاء ببولاق، حيث مثلت «الغندورة» ببرنتانيا.
67
كما قدمت بالإسكندرية مسرحيات: «تاييس»، «كرمنينا»، «الغندورة»، «كرمن» بمسرحي الهمبرا وزيزينيا، في شهري يولية وأكتوبر 1925.
68
وأخيرا أعادت الفرقة بعض عروضها السابقة طوال هذا الموسم، ومنها: «علي نور الدين»، «كرمن»، «تاييس»، «صلاح الدين الأيوبي»، «روزينا».
69
موسم 1925-1926
بدأت الفرقة موسمها هذا في أكتوبر 1925، بعد أن قامت منيرة بإصلاحات وتجهيزات كثيرة في مسرح برنتانيا،
70
أهلها لأن تنجز موسما فنيا مميزا، بخلاف مواسمها السابقة. فقد عرضت الفرقة في هذا الموسم أربع مسرحيات جديدة؛ الأولى: كانت مسرحية الافتتاح وهي «الحيلة»
71
في 15 / 10 / 1925 بمسرح برنتانيا، والمسرحية تعريب بديع خيري، وتلحين داود حسني، وإخراج بشارة واكيم، ومن تمثيل: منيرة المهدية، إحسان كامل، فؤاد فهيم، إسكندر كفوري، عبد الحليم القلعاوي، محمد مصطفى، بشارة واكيم. وعلى الرغم من أن هذه المسرحية كانت مسرحية افتتاح الموسم، إلا أنها لم تستمر في العرض طويلا.
72
وقد كتب محمد عبد المجيد حلمي ب «كوكب الشرق» مقالة في 22 / 10 / 1925، قال فيها:
رواية الحيلة مكتوبة بلغة عربية فصحى، ولكن الإلقاء كان ينحدر من فوق المسرح بلغة عامية ركيكة لا يحسنها الممثلون. هذا ولا شك أسلوب جديد في الروايات المسرحية، ولو سألتني رأيي لقلت لك إنه أسلوب غير ناجح كثيرا، فإن جلال اللغة الفصحى يضيع في اللهجة العامية، وخفة اللهجة العامية تضيع في ضخامة التراكيب العربية الفخمة ... إذ لم يحن الوقت بعد لتوحيد اللغتين ومزجهما تماما! ... كان داود حسني ملحنا قديرا، فرحم الله عهده ... وأصبح الرجل لا يستطيع أن يأتي بجديد، أو يعمل عملا يتمشى به مع النهضة القائمة التي يترأسها الآن الشيخ زكريا أحمد الملحن الطائر الصيت! ... عفوا سيدتي، لقد قضى عليك الملحن «الكبير» داود حسني ... ألم تشعري بذلك؟ كان صوتك يريد أن ينطلق، وكانت حنجرتك تريد أن تعطي الحرية لكل أوتارها، على أن القيود التي وضعها الملحن، كانت تطلق الحرية للأوتار الضعيفة، فتسمعنا النغمة الجوفاء المسئمة. أما الأوتار القوية ذات النغمة الرنانة، فقد كانت مقيدة تماما! ... سيدتي، لا تغتري بالأسماء الضخمة، ولا بالماضي الذي أفسده الحاضر.
أما المسرحية الجديدة الثانية فكانت «البريكول»،
73
وقدمتها الفرقة بمسرح برنتانيا يوم 10 / 12 / 1925. وهي من اقتباس عبد الحليم مرسي، وتلحين كامل الخلعي، وإخراج بشارة واكيم، ومن تمثيل: منيرة المهدية، إحسان كامل، ماري كفوري، فؤاد فهيم، إسكندر كفوري، بشارة واكيم. وكانت هذه المسرحية أكثر حظا من سابقتها من حيث عدد مرات التمثيل في هذا الموسم.
74
وقد أرسل المقتبس عبد الحليم مرسي خطابا إلى ناقد جريدة «كوكب الشرق» بخصوص هذه المسرحية بعد تمثيلها، نشرته الجريدة في 19 / 12 / 1925، ومما جاء فيه: ... لاحظتم طبعا أن في الرواية شيئا من السجع، أو أبياتا من الشعر تقال أثناء التمثيل. وهذه «مودة» عتيقة وأساليب بالية، وما كان لي أن ألجأ إليها. والحقيقة أن تلك العبارات التي تتراءى أسجاعا، وتلك الأبيات التي تظنون إنها وضعت قصدا، كانت موضوعة لتلحن فتغنى، ولكن السيدة منيرة رأت أن يقال ذلك «كلاما»، خيفة ألا يتسع الزمن للرواية، فظهرت كما رأيتم وسمعتم. وللسبب نفسه قد حذفت السيدة منيرة كثيرا من الألحان، واقتضبت البعض الآخر، ولو أنها تركت الرواية على أصلها لكان لها شأن غير الذي ظهرت به.
وكانت مسرحية «المظلومة» هي المسرحية الجديدة الثالثة، وقد عرضتها الفرقة بمسرح برنتانيا يوم 27 / 1 / 1926، وهي من تأليف الشيخ محمد يونس القاضي،
75
وتلحين مشترك بين كامل الخلعي ومحمد عبد الوهاب ومحمد القصبجي . وكانت من تمثيل: منيرة المهدية، عمر وصفي، بشارة واكيم، منسي فهمي، عباس فارس، فؤاد فهيم، سرينا إبراهيم، إحسان كامل، زاهية لطفي. وعرضتها الفرقة كثيرا في هذا الموسم.
76
غلاف مخطوطة مسرحية «المظلومة».
ومسرحية «المظلومة» تدور أحداثها حول أب مريض لا يقوى على اتخاذ أي موقف، تزوج من امرأة طمعت في ماله الوفير، وقد أنجبت له ولدا أرضعته حب المال حتى صار شابا مستهترا؛ ولهذا الشاب أخت من زوجة أبيه الأولى مخطوبة إلى ابن عمها. أما والدتها فقد طلقها الأب منذ سنوات، وهي تعيش بعيدة عن ابنتها. وذات يوم أحضرت الزوجة كاتبا رسميا وأجبرت زوجها على كتابة كل أملاكه، من خلال مبايعة رسمية إلى ابنها، وحرمان ابنته من كل شيء. ويرضخ الأب رغما عنه، فتقوم الزوجة بطرد الابنة وخطيبها، فتذهب الفتاة إلى أمها المطلقة وتعيش فترة من الوقت، وكان خطيبها يرسل لها نقودا كل شهر كي تعيش بها هي ووالدتها. ومر شهران وتأخرت النقود، فقامت الابنة برفع دعوى قضائية ضد أخيها لإثبات حقها في أموال أبيها، فذهب إليها الأخ وهددها، وعند خروجه يراه من الخلف الخطيب فيظن السوء بخطيبته، ويشك في سلوكها، ويبتعد عنها.
أما الأخ أو الشاب المستهتر، فضاق بأبيه وأمه فقام بطردهما من المنزل، ولم يجد الوالدان مكانا إلا منزل الابنة وأمها المطلقة. وبالفعل ترحب الابنة بهما وتنفق عليهما من بيع أثاث منزل والدتها، حتى يتم الحجز على بقية الأثاث بسبب عدم دفع الإيجار، ويعلم الخطيب بهذا الأمر فيأتي في الوقت المناسب ويدفع المال ويوقف الحجز. ويشاء القدر أن يأتي الكاتب الرسمي كي يأخذ الوالد ليسجل المبايعة، حيث إنها لم تسجل حتى الآن بصورة نهائية في الجهات الرسمية، فيفرح الأب ويقوم بإيقاف المبايعة، ويسترد أمواله وأملاكه. وفي هذا الموقف الأسري تختلط المشاعر والأحاسيس والكلمات، بي أسف وبكاء وندم وحنان وعطف وقبلات، وأخيرا يجتمع شمل الأسرة مرة أخرى.
وفي 18 / 2 / 1926 كتب الناقد محمد عبد المجيد حلمي مقالة عن مسرحية «المظلومة» بجريدة «كوكب الشرق»، قال فيها عن ألحانها: «... لحن هذه الرواية ثلاثة من الملحنين، هم الأستاذ كامل الخلعي ومحمد القصبجي ومحمد عبد الوهاب. أما الأستاذ كامل الخلعي فله لحن واحد رائع، هو لحن الافتتاح. وأما القصبجي، فله ألحان رائعة في الرواية، نخص بالذكر منها لحن «دايما غيوم الأسى تحجب شموس الأمل». وهنا لا بد لي من كلمة أخرى عن محمد عبد الوهاب. سمعت له عدة ألحان في دار التمثيل العربي، وكانت كلها على وتيرة واحدة، ونغمة غير مختلفة. وسمعت له اليوم ألحانه الجديدة، فإذا هو قد تطور تطورا كليا. وأفضل ما يلاحظ عليه ويبشر بمستقبل حسن أنه يتمشى مع الروح الإفرنجية في أنغامه.»
وقد لاقت مسرحية «المظلومة» نجاحا كبيرا، استقبله النقاد بابتهاج كبير، مما جعل مؤلفها يونس القاضي، يكتب كلمة نشرتها جريدة «كوكب الشرق» في 26 / 2 / 1926، قال فيها:
كتبت صحف أسبوعية ويومية عن الرواية، وأبدى كل رأيه مستحسنا ما صنعت، وإني أتقبل هذا التشجيع بقلب مغتبط غير مغتر. ولكن اثنين من السادة الأدباء؛ أولهما: الأستاذ الروائي الذائع الصيت الدكتور محمد أسعد لطفي، خصني بكلمة في «كوكب الشرق»، كانت عندي بمثابة تعزية للأديب، وثمنا أدبيا تصغر أمامه المادة، وإنها لكلمة وعيت ما فيها من نصيحة. وتقبلت ما بها من إشارة ... أما عبد المجيد حلمي فقد كتب عن الرواية مقالين؛ الأول: كانت له مقدمة، أطلع عشاق أسلوبه على شيء من مكنون نفسيته. وإنها لصراحة يجمل بي أن أسير على نهجها؛ لأن كلينا يكتب عن «المظلومة». عهدي بعبد المجيد أن يقسو مع من يعرض نفسه لقسوة قلمه، وقد لا أجد كاتبا يعاديه الناس لصراحته. ولا ينهج غير سبيل الحق إلا عبد المجيد؛ لهذا كنت حين التفكير في رواية «المظلومة»، وأنا أستعرض حوادثها قبل كتابتها، وإذا ما تخيلت المسرح والممثلين أرى شخص عبد المجيد أمامي، وما عبد المجيد في نقده إلا معبرا عن رأي الجمهور، الذي يميز بين الغث والسمين. وتحت تأثير هذه الرقابة جلست أكتب هذه الرواية ... ولا يؤاخذني الجمهور والممثلون أيضا، إذا رويت واقعة حدثت أثناء البروفة: أراد بعض الممثلين اختصار موقف حتى لا يطول الفصل الثاني فمانعت محتدا، وأذكر أني قلت: أنا المسئول عن روايتي، ولي يوجه النقد، فلا أرضي فردا لأكون هدفا يمزقه سهم ناقد مسرحي. كل هذه العوامل كانت سببا في أن أقرأ في صحيفة «كوكب الشرق»، صورة الحكم الذي أصدره الأستاذ عبد المجيد حلمي. فإذا به حكم يغتبط به كل إنسان.
أما المسرحية الجديدة الرابعة، فكانت «العذارى»، ومثلتها الفرقة ببرنتانيا في أول أبريل 1926، وهي من تأليف محمد حلمي الحكيم، وتلحين محمد عبد الوهاب، ولم تكرر الفرقة تمثيلها كثيرا في هذا الموسم.
77
وهي تدور حول قاضي قضاة بغداد، الذي يقيم الحد بالجلد على ابنته، فيحاول مهاجمته الشيخ السندسي الفلكي وطلابه، دون أن يفلحوا في منع عقاب الفتاة. بعد ذلك توضع الفتاة في بستان بدر البدور مع بقية العذارى. ويحضر السندسي ويتفق مع من في البستان على السفر إلى مصر، متنكرين في هيئة أطباء يداوون المرضى، وذلك من أجل اجتماع بدر البدور بحبيبها. وقبل السفر يهجم بعض الأعداء على البستان، ولكن السندسي يستطيع أن يهرب بالعذارى، وعندما يصلون إلى مصر يسيرون في الشوارع منادين على الناس بأنهم مستعدون لشفاء العليل. وأخيرا يتم لقاء بدر البدور بحبيبها، ولكن تحدث بعض المعارك والمؤامرات ضد الخليفة، فيستطيع السندسي وحبيب بدر وغيرهم من إفشال المؤامرة، وأخيرا تتزوج بدر البدور من حبيبها.
وقد كتب عن هذه المسرحية الناقد محمد علي حماد مقالة طويلة بجريدة «البلاغ» في 26 / 4 / 1926، قال فيها عن ألحان محمد عبد الوهاب: ... كنت ولا أزال من المعجبين بهذا الشاب الصغير كل الإعجاب، ولا زلت أذكر له بعض ألحانه، التي استطاع فيها أن يتفوق، وأن يظهر استعداده ومقدرته. كما استطاع فيها أن يعطي ألحانه شخصية خاصة مستقلة، ومن السهل أن تميز ألحانه عن غيرها بطريقتها الخاصة ولونها الممتاز ... ويوم علمنا أنه سيلحن «العذارى» بمفرده، انتظرنا أن يجيدها عبد الوهاب، وأن يبذل بها جهده، ولكن خابت آمالنا عندما جلسنا نستمع إلى الألحان ... والذي لاحظته على عبد الوهاب غرامه بنغمة البياتي لدرجة كبيرة جدا، حتى تعمد تغيير النغم في اللحن الواحد ، وقد يجيء أحيانا بلا تمهيد مناسب، فيكون ثقيلا على الأذن نشازا. فمثلا اللحن الأول الذي مطلعه «العدل» في الفصل الأول، قد بدأه من نغم البياتي، ثم انتقل إلى شورى ثم إلى نهوند ... إن هذا التنقل في الأنغام يجب أن يسبقه التمهيد الكافي؛ حتى تستطيع الأذن تحمله والإنصات إليه في نشوة وطرب ... في اللحن الأول للسيدة منيرة المهدية، الذي مطلعه «هويت بخطري»، انتقل من نغم الصبا إلى العجم بشكل لا يريح الأذن، بل نحس معه بنفور غير قليل ... ثم ألاحظ على عبد الوهاب، أنه يكثر من استخدام المجموعة، التي يستظهرها من ألحان المرحوم الشيخ سيد درويش في تلحين قطعه، فمثلا لحن العذارى في الفصل الثاني ومطلعه «يا بدور الدجى»، فإن ابتداء التلحين يقترب كثيرا من ابتداء لحن «دقت طبول الحرب يا خيالة» في رواية «شهوزاد». ولكن هذا قد يغتفر إذا علمنا أن عبد الوهاب يتنزل ليلحن لحنا للسيدة منيرة في الفصل الثالث، يذكرك بطقطوقة «جوز الحمام»، وهذا غريب ومدهش في ملحننا الصغير، الذي نعلق عليه آمالا كبيرة. ولكن من العدل أن نذكر اللحن الذي مطلعه «يا رب ارحم مغرم شاكي»، فإنه بديع حقا، وتمشى فيه عبد الوهاب مع روح الكلام ومعناه، فكان آية في الجمال والذوق الفني الدقيق الذي اشتهر به عبد الوهاب.
وإذا تركنا المسرحيات الجديدة التي قدمتها الفرقة في هذا الموسم، ونظرنا إلى بقية أخبارها؛ سنجد أن منيرة المهدية قد تعرضت لنوبات مرضية كثيرة في هذا الموسم، مما جعل فرقتها تتوقف عن العمل بضعة أيام في شهري أكتوبر 1925 ويناير 1926، وتوقفت أيضا طوال شهر يونية 1926، عندما أشرف على علاجها د. أحمد شفيق.
78
محمد علي حماد.
محمد عبد الوهاب.
وقد قامت منيرة في هذا الموسم أيضا ببعض الأنشطة الموسيقية بجانب أنشطتها المسرحية، حيث كانت تغني بتختها الموسيقي أثناء تمثيل المسرحيات، كما أنها أحيت ليلة غناء وطرب يوم 10 أبريل 1926 بالمعرض الزراعي.
79
وقامت شركة بيضافون بإنتاج أسطوانات لبعض الأغاني والطقاطيق الخاصة بمنيرة المهدية، وعرضتها للبيع في شهر أبريل أيضا.
80
أما الأنشطة المسرحية، فقد تمثلت في اتباع أسلوب إقامة الحفلات النهارية، الخاصة بالعموم يوم الأحد، والخاصة بالسيدات يوم الثلاثاء من كل أسبوع. وهذا الأسلوب اتبعته الفرقة من أوائل نوفمبر 1925، وحتى آخر فبراير 1926.
81
كما أحيت الفرقة ليلة تمثيلية غنائية موسيقية خاصة، تكريما منها للموسيقي السوري محيي الدين بعيون.
82
وأحيت أيضا حفلتين خيرتين لصالح جمعية التعاون الخيرية الإسلامية بتياترو الهمبرا بالإسكندرية، ومثلت فيهما «العذارى» و«قمر الزمان».
83
وقد تمثلت عروض الفرقة خارج العاصمة في تمثيل «قمر الزمان» بطنطا وشبين الكوم في نوفمبر وديسمبر 1925، و«العذارى» و«قمر الزمان» في الإسكندرية وبنها في يونية 1926.
84
وأخيرا أعادت الفرقة طوال هذا الموسم مسرحياتها التي قدمتها في المواسم السابقة، والتي تمثلت في: «كلها يومين»،
85 «صلاح الدين الأيوبي»، «الغندورة»، «قمر الزمان»، «روزينا»، «تاييس»، «كرمن»، «علي نور الدين»، «كرمنينا»، «حورية هانم»، «شهداء الغرام»، «ضحية الغواية».
86
موسم 1926-1927
بدأت الفرقة هذا الموسم في أكتوبر 1926، وذلك بإعادة بعض العروض السابقة، تمهيدا لتقديم المسرحيات الجديدة، والتي بدأتها بمسرحية «حرم المفتش» ببرنتانيا، يوم 14 / 10 / 1926. وهي من تأليف محمد يونس القاضي، وتلحين محمد القصبجي، وإخراج عبد العزيز خليل، ومن تمثيل: منيرة المهدية، عبد المجيد شكري، زاهية لطفي، فؤاد فهيم، إحسان كامل، محمد مصطفى، إسكندر كفوري، عبد العزيز خليل. وقد نجحت هذه المسرحية نجاحا كبيرا، بفضل موضوعها المصري المؤلف، مما جعل النقاد يتسابقون إلى مدحها،
87
فقامت الفرقة بتمثيلها كثيرا.
88
ومسرحية «حرم المفتش» مسرحية تعكس لنا تقاليد الأسر المصرية؛ حيث تدور فكرتها حول كيفية محافظة الأب على قيمه القديمة، وكيف ينقل هذه القيم إلى أولاده، من خلال وسائل التربية الاجتماعية. وكذلك الأمر بالنسبة للزوجة من حيث إخلاصها لزوجها، وكيفية تذليل العقبات المنزلية، ومدى تفانيها في خدمة زوجها وأولادها. وفي المقابل نجد المسرحية تحذر من إفساد الرجل للرجل وإفساد المرأة للمرأة، وكيف أن الفساد يأتي من اختلاط الأسر المتناقضة في القيم والعادات والتقاليد، وكيف يجب عدم تصديق الشائعات والخزعبلات والتنجيم والسحر.
أما المسرحية الجديدة الثانية فكانت مسرحية «حماتي»، وبدأ تمثيلها ببرنتانيا يوم 25 / 11 / 1926، وهي من تأليف محمد يونس القاضي، وتلحين محمد عبد الوهاب ، وإخراج عبد العزيز خليل، ومن تمثيل: منيرة المهدية ، عبد المجيد شكري، فؤاد فهيم، محمد مصطفى، إسكندر كفوري، إحسان كامل، لطيفة أمين، أحمد ثابت، زكية إبراهيم، زاهية لطفي، فهمي أمان، صادق أحمد، حسن موسى، عبد العزيز خليل. وقد تكرر تمثيل هذه المسرحية كثيرا.
89
غلاف مخطوطة مسرحية «حماتي».
ومسرحية «حماتي» تدور أحداثها حول سامي الذي تزوج مرتين، ولم يفلح فيهما بسبب أمه خدوجة التي تريده لنفسها هي فقط، وأن ينصرها على زوجته في كل أخطائها؛ لذلك تمارس كل أنواع حيل الحموات على كل زوجة يتزوجها سامي. وبمرور الوقت يقع سامي في حب جارته منيرة فيتزوجها، وتنجب له طفلا. فنجد خدوجة تمارس مضايقاتها كحماة لمنيرة، فتتهمها بأنها متسلطة على ابنها سامي، وأنها تدخر أمواله دون أن يعلم، ولا تساعده في أعمال المنزل، وتجعله يقسو على أهله. وعندما تشكو الزوجة هذه الأفعال إلى حماها الأستاذ كيلاني نجده لا ينصفها، بل ويوافق زوجته خدوجة على جميع أقوالها وأفعالها. وعندما تشكو إلى فهيمة شقيقة زوجها سامي نجدها أيضا تفعل فعل والدها كيلاني. وتتفاقم المشاكل فيتدخل سالم والد منيرة وأيضا لبيبة والدتها دون جدوى، وتصل المشاكل إلى حد أن ينعزل سامي بأسرته بعيدا عن أهله، رغم معيشة الجميع في منزل واحد، فنجد والدته ترفع قضية من أجل الاستيلاء على جزء من راتبه.
وبعد مرور عشرة أشهر نجد البوليس يقبض على سامي؛ لأن أمه اتهمته بأنه تأخر في سداد شهريتها لمدة عشرة أشهر، ويقول سامي للبوليس إنه كان يدفع الشهرية بانتظام، ولكنه لا يأخذ إيصالا بذلك، وتنكر الأم أمام البوليس كلام ابنها، فتضطر منيرة لبيع مصاغها حتى تنقذ زوجها. وفي المنزل تعترف الأم أمام الجميع أنها اتهمت ابنها ظلما كي تأخذ الشهرية مضاعفة، من أجل مساعدة زوج ابنتها عزت، الذي لا يعمل ويعيش عالة على زوجته التي لا تنجب. وهكذا أصبحت الحياة لا تطاق، فيفكر سامي بأن يبتعد بأسرته نهائيا عن هذا المنزل، ويمنعه من ذلك حادث تصادم تعرض له عزت، فجرح جرحا بسيطا، ولكن الحادث قضى على حياة طفل كان معه، وتظهر الحقيقة أن هذا الطفل هو ابن عزت من زوجة أخرى، وهنا تعترف الأم خدوجة بأنها أخطأت في حق ابنها وزوجته، مقابل تدليلها لابنتها وزوجها الذي تزوج عليها. وبذلك تنتهي المسرحية بأغنية تقول كلماتها:
آدي آخرة كل واحد بين بنين
ربنا من عدله أخلف ظنها
عرفت إن الراحة ويا ابنها
جوز بنتها دا أجنبي
أما ابنها من دمها
وكده الأغراب مالهمش أمان
يفرقوا الأحباب في كل زمان
بيع الغريب واشتري القريب
ويستحيل إن الدخيل زي الأصيل
وانتصار الحق دا الواجب علينا
والسعادة في هناء العائلات
وقد اهتم النقاد بهذه المسرحية فكتبوا عدة مقالات،
90
وكان منهم الناقد محمد توفيق يونس، الذي قال في جريدة «السياسة»، بتاريخ 3 / 12 / 1926: ... لا أستطيع أن أفهم معنى لتلك الأغاني، التي حشرها المؤلف في روايته حشرا دون مناسبة ولا سبب، اللهم إلا تمثيل السيدة منيرة المهدية دورا فيها. فمن الضروري أن تغني؛ لأن نبوغها في الغناء أكثر منه في التمثيل، والعامل الأول الذي يدفع الجمهور إلى مشاهدة التمثيل في مسرح برنتانيا هو صوتها القوي الذي يسحر النفوس، وإزاء هذا نرى أنه لا يليق لهذا المسرح إلا الروايات الغنائية التي يكون الغناء ركنا من أركانها الأساسية ... ومن أهم ما نأخذه على المؤلف خلو الرواية من التوقع الذي لا تنجح رواية بدونه، فلم يكن هناك ما يحمل النظارة على الانتظار ويبعثهم على البقاء، مع أن أول واجبات الكاتب المسرحي أن يحرك في نفوس جمهوره عامل الانتظار والتوقع، فهي مصدر جميع التأثيرات الروائية الناجحة ... كذلك أظهر المؤلف على المسرح أشخاصا دون أن يقدمهم لنا، فكنا نفاجأ بهم مفاجأة بلا إنذار سابق، ثم إن بعضهم لا شأن له في الرواية ولا عمل، وكان في إمكان المؤلف الاستغناء عن أولئك الأشخاص.
أما مسرحية «كليوباترا ومارك أنطوان» - التي أعلنت الفرقة عنها عام 1923، ولم تستطع عرضها في وقتها - هي المسرحية الجديدة الثالثة في هذا الموسم. وقد عرضتها الفرقة ببرنتانيا في 20 / 1 / 1927، وهي من تأليف ماسونيه، واقتباس سليم نخلة ومحمد يونس القاضي، ومن تلحين سيد درويش ومحمد عبد الوهاب، وإخراج عبد العزيز خليل. وقام المسيو بترو جرزا برئاسة الأوركستر، ومحمد فهمي برئاسة الألحان، والمسيو بورجيه برئاسة جوقة الراقصات. ومثلها كل من: منيرة المهدية، محمد عبد الوهاب، عبد العزيز خليل، إحسان كامل، محمد مصطفى. وتكرر تمثيلها كثيرا في هذا الموسم.
91
ومسرحية «كليوباترا ومارك أنطوان» تدور أحداثها حول حب أنطونيو لملكة مصر كليوباترا، التي أغوته بمعسول الكلام وجعلته أسير جمالها، فعاش معها فترة طويلة نسي فيها وطنه روما وزوجته أوكتافيا. وفي يوم يأتي له أسباكوس ليخبره بأن مجلس شيوخ روما قرر عودته إلى الوطن، ولكن أنطونيو يرفض هذا الأمر، ويفضل البقاء في مصر بجانب كليوباترا. وتحاول كليوباترا بكل جهدها أن تجعله يقبل العودة إلى روما دون جدوى. فيقوم أوكتافيوس القائد الروماني وشقيق أوكتافيا بمهاجمة مصر بأسطول ضخم، فتدافع كليوباترا بجيشها عن وطنها، ويساعدها في ذلك أنطونيو بقواده، ولكن أسباكوس استطاع خداع أنطونيو، وبث الفتنة بين قواده، مما جعل أوكتافيوس ينتصر في المعركة. ثم قام أسباكوس بخداع أنطونيو للمرة الثانية، عندما أخبره أن كليوباترا ماتت في المعركة، فيقوم أنطونيو بطعن نفسه بالخنجر، ويذهب أسباكوس إلى كليوباترا ويخبرها بأن أنطونيو مات، ويعرض عليها حبه، ولكنها تصده وتقوم بقتله. ثم نجد أنطونيو وهو في حشرجة الموت يأتي إلى كليوباترا ويناجيها بكلمات عن حبه وإخلاصه لها حتى يموت بين يديها، فتقوم هي أيضا بالانتحار عن طريقة لدغة حية سامة وضعتها في صدرها.
منيرة المهدية في دور كليوباترا.
غلاف مخطوطة مسرحية «كليوباترا ومارك أنطوان».
وقد لاقت هذه المسرحية استحسان معظم من كتبوا عنها من النقاد،
92
عندما مثلت لأول مرة، لدرجة أن فكري أباظة كتب عنها كلمة حماسية بمجلة «الفنون» في 28 / 1 / 1927، قال فيها تحت عنوان «معجزة الموسم»: «الساعة الواحدة بعد نصف الليل، وأنا لا أملك أن أنام قبل أن أؤدي واجبي نحو الحق ونحو الفن! منيرة وعبد الوهاب يغردان تغريد البلابل، والجمهور يضج ضجيج الإعجاب، بعد أن أخذت منه الدهشة كل مأخذ، واستولى عليه ذهول الخاشع أمام السحر الحلال! مجرم في حق نفسه وحق الفن، من لا يشهد رواية «كليوباترا» في الحال، ومجرم في حق النبوغ والعبقرية من لا يبادر بإذاعة خبر هذا النصر الحاسم والنجاح البالغ عنان السماء! البوليس يمنع الزحام عند الباب، وزراء ثلاثة من خيرة الوزراء، نواب من جميع الأحزاب، فضلاء من جميع الطبقات، يجتمعون في حفلة موسيقية خارقة للعادة، في جاذبيتها وخفتها وإحكامها، يهنئ بعضهم البعض الآخر بنجاح ائتلاف مليكة الفن والطرب مع مليك الفن والطرب. أي شيء بعد هذا يمسح عن الإفهام أكدار الحالة الحاضرة، حالة الإفلاس في كل شيء؟! وتلك المفاجأة العجيبة! عبد الوهاب يمثل ... يمثل كأمهر الممثلين ... مخارج الألفاظ، النظرات، الإشارات ... هدوء وثبات الواثق بنفسه، يتجلى لك كل هذا في أول مرة يظهر فيها على المسرح. لا تسألوني عن التفاصيل، ولكني مستعد للرهان، بل مستعد لأكثر من الرهان. اذهبوا جميعا، ومن خرج برأي غير رأيي، فإني أتعهد تعهدا قانونيا صريحا بأن أرد إليه مصاريفه «وعشرة جنيه تعويض». سادتي القراء، الذي حملني على كتابة هذه الكلمة «معجزة الموسم»، أثرت على كل مشاعري، فحركت قلبي، فحركت قلمي فكتبت. أي منيرة، موفقة يا بنيتي بعناية الرحمن، فإلى الأمام، عرشك وعرش عبد الوهاب في عالم الغناء قد توطد وخلد. هنيئا لمصر بالبلبلين، وهنيئا للبلبلين ذلك النصر العظيم.»
ومما سبق يتضح أن محمد عبد الوهاب كممثل مسرحي - يقف لأول مرة على خشبة المسرح - نجح نجاحا كبيرا، مما جعله بعد أيام قليلة يطالب منيرة بأجر باهظ قدره ب 15 جنيها عن كل ليلة تمثيلية في ذلك الوقت، ولكن منيرة رفضت هذا الاستغلال،
93
فخرج عبد الوهاب ولم يعد للمسرح مطلقا، ولم تحاول منيرة أن تمنعه؛ لأنها كانت تريد أن تمثل دوره، وهو دور مارك أنطوان.
94
ومن ثم حاولت التفاوض مع فاطمة سري كي تقوم بدور كليوباترا، ولكن المفاوضات فشلت بسبب الاختلاف على نصوص العقد. وهنا ظهرت بمبة كشر، صديقة منيرة وخالة المطربة فتحية أحمد، فعرضت على منيرة أن تأخذ فتحية دور كليوباترا بدلا من فاطمة سري، وبالفعل تم هذا الاتفاق،
95
واعتلت فتحية أحمد خشبة مسرح برنتانيا، ومثلت دور مارك أنطوان أمام «كليوباترا» منيرة المهدية، ابتداء من 5 / 5 / 1927، ولكن المسرحية لم تلق النجاح الذي أحرزته من قبل، فأوقف تمثيلها بعد أيام قليلة.
96
غلاف بروجرام المسرحية.
وقد قدمت الفرقة بخلاف المسرحيات الجديدة السابقة حفلة خيرية بدار الأوبرا يوم 4 / 5 / 1927 لصالح جمعية المواساة الإسلامية العامة بالقاهرة، تحت رعاية الملك فؤاد، مثلت فيها مسرحية «كليوباترا».
97
أما عروض الفرقة خارج العاصمة، فكانت أغلبها في شهر أبريل 1927، وتمثلت في مسرحيتي «كليوباترا» و«حرم المفتش»، بمسرح البلفدير بالإسكندرية أيام العيد الثلاثة، لحساب الشيخ عبد الرحيم بدوي صاحب مطبعة الرغائب. ومسرحيتي «الغندورة» و«كليوباترا»، بتياترو الألدورادو ببورسعيد، ومسرحية «كليوباترا» بتياترو سينما الزقازيق، وبتياترو الباتيناج بطنطا.
98
لم يبق من نشاط الفرقة في هذا الموسم سوى إعادتها لعروض مسرحياتها السابقة، ومنها: «كلها يومين»، «الغندورة»، «علي نور الدين»، «قمر الزمان»، «العذارى»، «المظلومة»، «صلاح الدين الأيوبي»، «كرمن»، «روزينا»، «شهداء الغرام».
99
وقبيل نهاية هذا الموسم نالت منيرة وساما إيطاليا، قالت عنه جريدة «كوكب الشرق» في 28 / 5 / 1927:
إن لملك إيطاليا كتابا يسمى «الكتاب الذهبي»، يدرج فيه أسماء النوابغ في العالم، والذين لهم مواهب خاصة ترفعهم عن درجة الآخرين. وقد رأت حكومة إيطاليا أن السيدة منيرة المهدية تستحق هذا التقدير لما تبذله من مجهود مستمر، فشهد مندوبوها تمثيل السيدة منيرة المهدية وسمعوا صوتها، ونقلوا أسطواناتها إلى المعارض الإيطالية، ونشرت جرائد روما وميلانو وتورونتو صورها وتحدثت عنها. ثم أنعم عليها بوسام الكتاب الذهبي لتقدير العاملين والميدالية الخاصة به ثم البراءة اللازمة لذلك. وقد تسلمت السيدة منيرة الميدالية والوسام والبراءة. وسيدة يقدرها الغربيون هذا التقدير أولى أن تنظر إليها حكومتها نظرة تقدير أيضا.
وفي صيف هذا الموسم قامت منيرة وفرقتها برحلة فنية إلى فلسطين في أواخر يونية، وعادت منها في أوائل أغسطس 1927، وكانت الفرقة تتكون من: دولي أنطوان، فكتوريا كوهين، صالحة قاصين، عائدة حسن، أستر شطاح، نينا، ماري، إنعام فهمي، عبد العزيز خليل، فؤاد فهيم، إسكندر كفوري، أحمد نجيب، عبد الحليم القلعاوي، محمود حسن الديب، حسين عسر، عبد الحميد زكي، محمد توفيق المردنلي، بيومي محمد، محمد محمد.
وقد تعرضت الفرقة في هذه الرحلة إلى مشاكل عديدة، تمثلت في عراك دائم بين أعضاء الفرقة، خصوصا بين إسكندر كفوري وفؤاد فهيم، وامتناع المدير الفني عن القيام بعمله، مما اضطر منيرة إلى استبدالهم ببعض الممثلين الآخرين. هذا بالإضافة إلى اضطهاد رئيس بلدية نابلس للفرقة، بسبب امتناع منيرة من إحياء حفلة خاصة له، ولكن السلطة الإنجليزية تدخلت وأنقذت الفرقة من اضطهاده.
كل هذا جعل منيرة تقوم بحل الفرقة بعد عودتها من فلسطين،
100
ومن ثم كونت تختا موسيقيا أحيت به بقية موسم الصيف، بكازينو كامب شيزار ومسرح زيزينيا بالإسكندرية، حيث ألقت الطقاطيق والقصائد الغنائية الجديدة في شهري أغسطس وسبتمبر 1927.
101
موسم 1927-1928
بدأت منيرة المهدية في أوائل أكتوبر 1927 تكوين فرقتها المسرحية الجديدة، وذلك بتجميع بعض العناصر القديمة، مع ضم بعض العناصر الجديدة. وكانت الفرقة في بداية هذا الموسم تتكون من: زكي مراد، عبد العزيز خليل، فكتوريا كوهين، دولي أنطوان، بهية أمير، صالحة قاصين، عائدة حسن، عبد الحميد زكي، عبد الحليم القلعاوي.
102
بهذا التكوين الجديد افتتحت فرقة منيرة المهدية موسمها التمثيلي بمسرحية جديدة، هي «صاحبة الملايين» أو «الأرملة الفرحة»،
103
تأليف الموسيقي الألماني فرانز ليهار، اقتباس عبده سعيد لطفي، أشعار وأزجال محمد فخري، تلحين د. أحمد صبري، وإخراج عبد العزيز خليل المدير الفني. وقدمتها الفرقة يوم 3 / 11 / 1927 بمسرح برنتانيا، وقام بتمثيلها كل من: منيرة المهدية، عبد الحميد توفيق، صالحة قاصين، عبد العزيز خليل. ولم يستمر تمثيل هذه المسرحية سوى بضعة أيام قليلة، حيث سقطت سقوطا شديدا، ولم تكرر الفرقة تمثيلها طوال هذا الموسم إلا مرات قليلة.
104
غلاف مخطوطة مسرحية «صاحبة الملايين».
ومسرحية «صاحبة الملايين» تدور أحداثها حول الأرملة الجميلة سونيا، التي ورثت من زوجها خمسين مليونا من الفرنكات، أودعتها في بنك يقوم بإدارته السفير بوبوف. ومن أجل ثراء سونيا نجد الرجال يحومون حولها، أما السفير بوبوف فهو يخشى من هؤلاء الرجال، خوفا من أن تتزوج سونيا بأجنبي يقوم بسحب أموالها من البنك الذي يديره، فيضطر إلى إشهار إفلاسه؛ حيث إن مركزه مرهون على البنك، والبنك لا يعمل إلا برأس مال الأرملة سونيا. وفي إحدى حفلات سونيا يظهر البرنس دانيلو، الملحق الحربي بالسفارة، فيجد الجميع متلهفين على سونيا، فيظهر لها عدم الاهتمام، فيثير فيها الرغبة لإذلاله. وبمرور الوقت نكتشف أن دانيلو ما هو إلا حبيب سونيا القديم، التي تخلت عنه وتزوجت بأحد الأغنياء من كبار السن.
وتدور الأحداث بعد ذلك حول محاولات سونيا للإيقاع بدانيلو، مقابل تجاهله لها وعدم الاكتراث بوجودها. وبعد أحداث كثيرة متنوعة يتقدم بوبوف للزواج من سونيا، ولكنها تخبره أمام الجميع إنها إذا تزوجته ستفقد كل ثروتها؛ لأن زوجها المتوفى كتب وصية تقول إنها إذا تزوجت لا بد لها من التنازل عن أموالها. وأمام هذه الحقيقة نجد بوبوف يسحب رغبته في الزواج منها، وأيضا نجد الجميع يتخلون عنها، إلا دانيلو الذي يعترف لها أخيرا بحبه ورغبته في الزواج منها، فتذكره بأنها ستصبح فقيرة معدمة، فيوافق. وهنا تفجر سونيا مفاجأة أخرى، حيث قالت إن الوصية تقول إنها إذا تزوجت تتنازل عن أموالها إلى من ستتزوجه. وهكذا تنتهي المسرحية بزواج سونيا من دانيلو.
ويكشف لنا محمد فخري - كاتب أشعار وأزجال «صاحبة الملايين» - سبب سقوط هذه المسرحية، في مقالة بمجلة «الناقد»، في 28 / 11 / 1927، قال فيها: ... ظهر البروجرام في ليلة إخراج الرواية ... اطلعت على البروجرام وبه الأزجال، فلم أجد به شيئا من قلمي ... عرفت السر وأدركت سبب كل هذا، فالأستاذ صبري (أي د. أحمد صبري ملحن المسرحية) قد قضى حياته الفنية قبل اليوم في تلحين الطقاطيق، فلما طلبته السيدة منيرة ليلحن هذه القطعة (أي المسرحية)، والله وحده يعلم لماذا وقع اختيارها عليه، هاب أن يقدم وخجل أن يحجم، فعمد إلى لعبة فنية بعيد على السيدة منيرة أن تفطن لها، وعسير على الجمهور أن يدركها بغير إرشاد المطلعين عليها. على أنه حول جميع ألحان القطعة شعرا وزجلا إلى طقاطيق يحسن هو تلحينها، فيخرج من هذا الموقف الحرج فنانا رافع الرأس غير مبال بما يصيب القطعة بعد ذلك من التحوير أو التحريف أو المسخ أو السقوط. وإن شئت فقل إنه لم يحسب حساب الطبقة الخاصة من الجمهور المصري، الذي رأى هذه القطعة عينها على المسارح الإفرنجية. فجاءت النتيجة مطابقة لما كنا ننتظر. وها هي فرقة السيدة منيرة المهدية، تكاد تنتحر لسقوط فاتحة الموسم الجديد بعد خمس ليال.
وظلت الفرقة تعاني هذا السقوط فترات طويلة، حتى أقدمت على عرض مسرحيتها الجديدة الثانية في هذا الموسم، وهي «كيد النساء»، تأليف محمد يونس القاضي، وتلحين محمد القصبجي، وإخراج عبد العزيز خليل. وعرضتها الفرقة يوم 2 / 2 / 1928 بمسرح برنتانيا، وكانت من تمثيل: منيرة المهدية، سيد شطا، بهية أمير، دولي أنطوان، إسكندر كفوري، زاهية لطفي، عبد العزيز خليل. ولكن هذه المسرحية لم تنجح أيضا، فلم تعرضها الفرقة إلا بضعة أيام في فبراير 1928.
105
وفكرة مسرحية «كيد النساء» تدور حول زوج مستهتر مجوني، لا تقف شهواته عند حد، ولا يرعى للحياة الزوجية حقا أو واجبا. أما زوجته، فهي زوجة كبيرة القلب ضعيفة مهيضة الجناح، يدفعها حرصها على حياتها العائلية أن تحسن الظن بهذا الزوج، ولكن الحقيقة الملموسة والدليل القاطع على خيانته تفرق بينهما. وهنا يظهر العاشق الذي يستغل هذا الشقاق فيصل إلى غرضه من الزوجة.
أدى هذا السقوط في مسرحيتي الموسم الجديدتين إلى اتجاه منيرة المهدية نحو الغناء على تختها الموسيقي. ففي منتصف مارس وقفت منيرة على خشبة مسرح برنتانيا، لا لتمثل، بل لتغني الأدوار والطقاطيق وسط تختها الموسيقي، ولترقص الراقصة التركية حكمت هانم على أنغامها. وظلت منيرة هكذا حتى فصل الصيف، فسافرت إلى تركيا لإحياء بعض الحفلات الغنائية.
106
وفي هذا الموسم أيضا قدمت الفرقة عدة عروض خارج العاصمة، تمثلت في عرض مسرحيتي «المظلومة» و«العذارى» بتياترو الباتيناج بطنطا في يناير 1928، ومسرحية «كيد النساء» بتياترو المجلس البلدي بطنطا أيضا في فبراير. وأخيرا قامت منيرة برحلة فنية غنائية إلى الوجه القبلي، حيث أحيت حفلات طرب وغناء بأسيوط وملوي والمنيا في أبريل 1928.
107
أما المسرحيات المعادة، والتي قدمتها الفرقة في هذا الموسم القصير، فقد تمثلت في: «الغندورة»، «كليوباترا ومارك أنطوان»، «المظلومة»، «علي نور الدين»، «حماتي»، «العذارى»، «صلاح الدين الأيوبي »، «كلها يومين»، «حرم المفتش»، «تاييس»، «كرمن»، «كرمنينا».
108
موسم 1928-1929
في هذا الموسم استمرت منيرة في عملها الغنائي بمصاحبة تختها الموسيقي بمسرح برنتانيا، التي كانت تؤجره للفرق الأخرى، وكانت تطرب جمهورها بالغناء بين الفصول. ومن هذه الحفلات ما أخبرتنا به جريدة «كوكب الشرق» قائلة في 2 / 12 / 1928، تحت عنوان «منيرة المهدية وفاطمة رشدي وبحد السيف على مسرح واحد»:
في غروب غد الأحد 2 ديسمبر ومسائه، تقام حفلتان نادرتا المثال في تياترو برنتانيا ماتنيه وسواريه. إذ تمثل فاطمة رشدي الرواية الخالدة «بحد السيف»، وتطرب الجمهور بصوتها الملائكي الساحر كروان مصر المغرد وبلبلها الصداح السيدة منيرة المهدية.
موسم 1929-1930
عادت منيرة مرة أخرى إلى المسرح، وافتتحت هذا الموسم بأوبرا «توسكا»، التي أعلنت عنها من قبل في عام 1924.
109
صالح عبد الحي.
زكريا أحمد.
منيرة المهدية وزوجها أحمد بيه.
وقد ألفها كمسرحية درامية فكتوريان ساردو، وقام بترجمتها إبراهيم المصري وحامد الصعيدي، ولحنها كامل الخلعي، وأخرجها عبد العزيز خليل، وقدمتها الفرقة بمسرح برنتانيا يوم 21 / 11 / 1929.
110
وقام بتمثيلها كل من: منيرة المهدية، صالح عبد الحي، عبد العزيز خليل، محمد عبد المطلب. وظلت الفرقة تمثلها حتى 31 / 12 / 1929.
111
وقد كتب الناقد مجدي مد البر مقالة عن هذه المسرحية، في مجلة «مصر الحديثة» المصورة، بتاريخ 4 / 12 / 1929، قال فيها: ... لغة الرواية ... لغة دارجة، ليس بها قليل ولا كثير من سحر البيان وعوامل البلاغة ... ولا نريد أن نقسو فنطلب من الأدباء الذين يتعرضون للأوبرا أن يلتزموا الشعر، بل نسأل: ألا يوجد شيء اسمه الشعر المنثور، وفيه روعة الشعر وروحه الموسيقية، وإن لم يكن فيه قيد القافية؟ وهذا النوع أليست الأوبرا جديرة به بعد الشعر؛ ليساعد الموسيقى في تأدية واجبها؟ ... ولنتسامح مع الملحن كامل الخلعي في قبوله تلحين أوبرا بهذا الأسلوب، لا نظم بها حتى في المواقف الخطيرة منها، اللهم إلا سجعا سخيفا، جعل منه المعربان طقاطيق صغيرة. ولنسأله بعد هذا: كم نغمة أدخل على ألحان القصة؟ هل يشعر بتغيير في قفلات الجمل على اختلافها، وعلى اختلاف أشخاصها وفصولها؟ هل استطاع أن يظهر براعة السيدة منيرة وقوة صوتها، اللذين يتحدث الناس عنهما في دورها؟ وكذلك صالح، ماذا صنع له من الألحان التي يظهر بها قدرته؟ كل هذا نسأل عنه ما دمنا لم نجد له أثرا، وما كان له من أثر كان سيئا، لا يشرفه كملحن، ولا يشرف الرواية كأوبرا ظهرت على مسرح مصري.
بدأت فرقة منيرة بعد ذلك في إعادة مسرحياتها القديمة، فاختارت مسرحية «كليوباترا ومارك أنطوان»، وبدأت تمثيلها ببرنتانيا في أول يناير 1930، بطولة منيرة وصالح عبد الحي. وظلت الفرقة تمثلها حتى عرض يوم 11 / 1 / 1930، ففي هذا اليوم وأثناء تمثيل منيرة شعرت بدوار فسقطت على خشبة المسرح، وأسدل الستار وتوقف التمثيل.
112
ساءت صحة منيرة بعد ذلك، وزاد الأمر سوءا الأزمة الاقتصادية العالمية، مما جعل منيرة تقوم بحل فرقتها، فقام أعضاء الفرقة بالالتفاف حول صالح عبد الحي، الذي قادهم فترة من الوقت تحت رئاسته، وكون بهم «فرقة صالح عبد الحي»، واستبدل أدوار منيرة بمطربة ناشئة هي «بثينة»، وعرضت فرقه مسرحيتي «عيد البشاير»، تأليف بديع خيري وتلحين زكريا أحمد، و«برج الغرام» لأحمد زكي السيد، وتلحين كامل الخلعي، في فبراير ومارس 1930.
113
أما منيرة، فقد تماثلت للشفاء وعادت إلى الغناء بصحبة تختها الموسيقي، وظلت هكذا حتى أغسطس 1930، فسافرت إلى فرنسا لقضاء شهر العسل مع زوجها الجديد أحمد بيه،
114
بعد أن انفصلت عن زوجها السابق حسن نديم في يناير 1930.
115
موسم 1930-1931
بعد عودة منيرة من فرنسا ظلت تمارس الغناء بمصاحبة تختها الموسيقي طوال الموسم، رغم الخسائر التي أدت إلى إفلاسها، بالإضافة إلى اشتداد الأزمة الاقتصادية، مما اضطرها إلى فتح بعض الصالات كي تمارس عملها الغنائي، ومنها صالة المونت كارلو بالإسكندرية.
116
موسم 1931-1932
في بداية هذا الموسم نشرت مجلة «المصور» في 11 / 9 / 1931 حديثا صحفيا بين منيرة ومحرر المجلة البلقاسي، وفيه أبانت منيرة عن رغبتها في العودة إلى المسرح في هذا الموسم، وأنها تفاوض صاحب أحد المسارح لإيجاره، وأن لديها بعض المسرحيات الجديدة التي لم تظهرها من قبل بسبب مرضها، وأيضا بسبب سوء الأحوال الاقتصادية.
ولكن منيرة لم تنفذ أي شيء من هذا، بل قامت في أكتوبر 1931 بافتتاح صالة أخرى بشارع الألفي أمام البلوك باسك لتقديم الطرب والرقص والتمثيل الفكاهي. فعرضت في هذه الصالة بعض القطع التمثيلية، على شكل فصول أوبرا قصيرة، مثل: «مملكة الحب» و«آدم وحواء» من تأليف محمد يونس القاضي، وتلحين رياض السنباطي. هذا بالإضافة إلى الرقص الشرقي والألعاب البهلوانية، والمنولوجات الضاحكة من حسين المليجي وفتحية المليجي.
117
موسم 1932-1933
عادت منيرة مرة أخرى إلى المسرح في هذا الموسم، وكونت فرقة مسرحية، بدأت عملها في مارس 1933 بتمثيل مسرحية جديدة هي «المخلصة»، تأليف محمد يونس القاضي، وتلحين رياض السنباطي، وإخراج عبد العزيز خليل مدير الفرقة، ومن تمثيل منيرة وعبد الغني السيد وعبد العزيز خليل. وقد عرضتها الفرقة يوم 9 / 3 / 1933 بمسرح حديقة الأزبكية.
118
وبعد شهر تقريبا، وفي أبريل 1933، وعلى مسرح حديقة الأزبكية أيضا قدمت الفرقة مسرحيتها الجديدة الثانية، وهي أوبريت «لولو» من تأليف أمين صدقي وبطولة منيرة وعبد الغني السيد وعبد العزيز خليل.
119
عبد الغني السيد.
وفي 29 / 6 / 1933 قدمت الفرقة مسرحيتها الجديدة الثالثة والأخيرة وهي «الأميرة نورة»، تأليف أمين صدقي، ومن تلحين داود حسني ومحمد القصبجي ورياض السنباطي. وقدمتها الفرقة على مسرحها الصيفي بمدينة رمسيس بالزمالك.
120
تصريح وزارة الداخلية بتمثيل مسرحية «الأميرة نورة».
ومسرحية «الأميرة نورة» تدور أحداثها حول مانوليتا المطربة الجميلة، التي تحب ميجيل مطرب الفرقة، وهما يعملان معا في إحدى الحانات التي يملكها بدرو، والذي يعمل ملقنا للفرقة أيضا. وتساعد بدرو في أعمال الحانة زوجته زيتا. وفي يوم يحضر إلى الحانة اللص كرستوف، ويتقابل مع ألونزا كاتب إحدى المحاكم، ونفهم من حوارهما أن ألونزو يبحث عن ميجيل لأمر مهم، وفي أثناء ذلك يسرق كرستوف محفظة ألونزو، وبعد انصراف الجميع يكتشف كرستوف في المحفظة خطابا من الأميرة نورة الهندية، وفيه تخبر ألونزو بوجوب التخلص من ميجل؛ لأنه ابن أمير هندي، وأنه لا يعلم بذلك، وأن الأمير الهندي مات وترك ثروة كبيرة له، فإذا تخلص ألونزو من ميجيل تئول ثروته إلى الأميرة نورة باعتبارها الوريثة الوحيدة بعد ميجيل، وتنهي الخطاب بأنها ستتزوج ألونزو إذا استطاع أن يتخلص من ميجيل. وهنا يفكر كرستوف في الاستيلاء على هذه الثروة، فيقوم بإيهام مانوليتا بأن ميجيل يحب غيرها؛ لذلك يطلب منها أن تتزوج أحد الأمراء، وهو قد جاء نيابة عن هذا الأمير فتوافق. وتدور الأحداث بعد ذلك في إطار كوميدي حول هذه الثروة، حيث إن الجميع يحاولون الاستيلاء عليها. وتنتهي المسرحية بعودة الميراث إلى ميجيل، ومن ثم يتزوج من مانوليتا، ويتم القبض على اللص كريستوف وألونزو.
بعد ذلك لم تستطع الفرقة تقديم أية مسرحية جديدة، على الرغم من إعلانها عن تقديم مسرحية «سميراميس» يوم 8 / 6 / 1933 على مسرحها بمدينة رمسيس بالزمالك، كما أعلنت أنها تلحين مشترك بين كامل الخلعي وداود حسني ورياض السنباطي، ومن إخراج بشارة واكيم المدير الفني.
121
وظلت فرقة منيرة المهدية مستمرة في عملها المسرحي حتى أغسطس 1933، فأعادت عرض مسرحياتها الجديدة «المخلصة»، «لولو»، «الأميرة نورة» عدة مرات، كما أعادت عرض مسرحياتها القديمة، مثل: «الغندورة»، «صلاح الدين الأيوبي»، «المظلومة»، «كليوباترا ومارك أنطوان»، «قمر الزمان»، «حماتي». وهذه العروض في مجملها عرضتها الفرقة بمسرحي حديقة الأزبكية، ومدينة رمسيس بالزمالك، كما عرضتها أيضا في رحلتها الصيفية برأس البر والمنصورة والمحلة الكبرى ودمنهور والإسكندرية في أغسطس 1933.
122
موسم 1933-1934
بدأت منيرة هذا الموسم بالغناء لا بالتمثيل في مارس 1934، حيث كانت تلقي الأدوار والقصائد والمنولوجات والطقاطيق الغنائية، بكازينو البلدية بحلوان. وكانت تنتقل بتختها إلى بعض الأقاليم، ومثال على ذلك حفلتها الغنائية في شبين الكوم بمساعدة المطربين رمضان عكاشة وحسن محمد.
منيرة المهدية وسط تختها الموسيقي.
وفي أبريل عملت منيرة بكازينو البوسفور، فعرضت بعض المسرحيات الغنائية الخفيفة، مثل: «حاجب الظرف»، «رومية الحب»، «الدجالين»، تأليف يونس القاضي، وتلحين رياض السنباطي. وإسكتش «الزار والشيخ علي»، تأليف أمين صدقي، وتلحين داود حسني. وإسكتش «محكمة الحب»، تأليف نعيم مصطفى، وتلحين داود حسني. كما أعادت مسرحية «العذارى» في يونية 1934.
123
تقرير وزارة الداخلية عن مسرحية «حاجب الظرف».
ومسرحية «حاجب الظرف» تبدأ بشجار بين عبده الخادم وزينب الخادمة على من يرد فيهما على التليفون، ونفهم أن كلا منهما ينتظر من يكلمه رغم أن هذا الأمر مخالف لأوامر القاضي عثمان بك صاحب المنزل. ولكن الحقيقة تتضح أن زينب هي كاتمة أسرار منيرة هانم ابنة عثمان، وكانت منتظرة مكالمة تليفونية من حبيبها حسنين ابن شرفنطح حاجب القاضي. وفي نفس الوقت نجد أن عبده كاتم أسرار القاضي، وكان القاضي أمره بأن ينتظر بجانب التليفون؛ لأنه منتظر مكالمة مهمة من شرفنطح. ولكن التليفون يدق أكثر من مرة، فعندما يتصل حسنين يرد عبده فيغلق السماعة، وعندما يأتي شرفنطح ترد زينب فتغلقه ظنا منها أن النمرة غلط، وأمام هذا الخلط يحضر شرفنطح ويقابل القاضي لإنهاء بعض الأعمال. ثم نعلم أن شرفنطح يعطي دروسا في اللغة العربية لمنيرة، وأيضا ابنه حسنين يعطيها دروسا في الحساب، ويحضر حسنين ويتبادل الغرام مع منيرة التي تخبره بأن والدها يريد أن يزوجها من مرزوق بك، وهو رجل يكبر أباها بخمسة وعشرين سنة، فيتدخل شرفنطح في الأمر ويقوم بحيلة ناجحة كانت نتيجتها في النهاية زواج حسنين من منيرة.
وفي 27 / 7 / 1934 أعلنت جريدة «المقطم» عن بروجرام حفلات غناء وطرب من منيرة المهدية قبل سفرها إلى فلسطين والشام، وذكر الإعلان أن منيرة ستحيي حفلات غنائية في أغسطس 1934 برأس البر والمنصورة والمحلة الكبرى ودمنهور والإسكندرية وبور سعيد والسويس.
ختام
بعد عودة منيرة المهدية من رحلتها السابقة احتجبت عن الأنظار وعن الغناء وعن التمثيل فترة طويلة جدا، بسبب انصراف جمهور هواة الطرب عن الاستماع إلى الغناء القديم، وسيطرة روح الفن الجديد عليه، فلم تقبل منيرة مجاراة هذا التيار لمحافظتها على أصول فنها التي نشأت عليه وتربعت على عرشه سنوات طويلة.
ظل هذا الاحتجاب ثلاث سنوات، حتى عادت منيرة إلى الظهور مرة أخرى في أوائل أبريل 1937، حيث أحيت حفلة غنائية كبرى بمسرح برنتانيا، أثبتت من خلالها أنه ما زال هناك جمهور كبير من هواة فنها يقبل على سماعها.
124
وهذه الحفلة أعادت لمنيرة ثقتها بنفسها وبفنها الغنائي، ولم يبق إلا أن تعيد ثقتها بفنها المسرحي، فأعلنت عن عودتها إلى المسرح.
125
بدأت منيرة في تكوين فرقتها المسرحية الجديدة بعد أن تعاقدت مع المؤلفين والملحنين، وقررت أن تبدأ موسمها المسرحي في 7 / 10 / 1937 بمسرح الماجستيك، وذلك بعرض مسرحيتها الجديدة «عروس الشرق».
126
وجاء الموعد ولم تمثل هذه المسرحية، ولا أية مسرحية أخرى؛ لأن الفرقة توقفت قبل أن تبدأ.
أعادت منيرة محاولة العودة إلى المسرح مرة أخرى في مارس 1938، ونجحت في ذلك عندما عرضت مسرحية «الأميرة روشنارا» ببرنتانيا يوم 3 / 3 / 1938، وهي من تأليف بديع خيري، وتلحين زكريا أحمد، وبطولة منيرة المهدية وإبراهيم حمودة وعبد العزيز خليل المدير الفني.
127
وكانت هذه المحاولة غير ناجحة، مما جعل منيرة تقوم بحل الفرقة وتختفي عن الأنظار لمدة عشر سنوات.
وفي أبريل 1948 بدأ اسم منيرة المهدية يتردد مرة أخرى، حيث أعلنت عن عودتها للمسرح من جديد بإعادة مجموعة من مسرحياتها الخالدة التي قدمتها في أوج مجدها الفني. وبعد أن مثلت أولى مسرحياتها شعرت بأن الجمهور يتأسى لها ويشفق عليها؛ لأنها تحاول أن تعيد الزمن إلى الوراء، ففطنت منيرة أخيرا إلى أنها تمثل أمام الجمهور الآن دور الفتاة المراهقة العاشقة وهي في سن الستين من عمرها. وهكذا ظهرت الحقيقة جلية أمام منيرة، فاعتزلت الفن والناس طوال 17 سنة حتى لاقت ربها في مارس 1965.
منيرة المهدية في سن الشيخوخة.
وهكذا ماتت «سلطانة الطرب» منيرة المهدية بعد أن قادت فرقة مسرحية، جمعت في أعوامها الطويلة نخبة من الفنانين والفنانات وبعض الإداريين، منهم: أبريز أستاتي، إحسان كامل، أحمد ثابت، أحمد حافظ، أحمد عسكر، أحمد عفيفي، أحمد فهيم، أحمد نجيب، أستر شطاح، إسكندر كافوري، أمين عطا الله، إنعام فهمي، بباوي فرج الله بباوي، بشارة واكيم، بهية أمير، بيومي محمد، جميلة سالم، حامد حمدي، حامد مرسي، حسن ثابت، حسن موسى، حسين حسني، حسين عسر، دافيد سليم، دولي أنطوان، زاهية لطفي، زكريا أحمد، زكي مراد، زكية إبراهيم، زينب بدران، سرينا إبراهيم، سيد شطا، صادق أحمد، صالح عبد الحي، صالحة قاصين، صوفي كفوري، عائدة حسن، عباس فارس، عبد الحليم القلعاوي، عبد الحميد زكي، عبد الحميد عسر، عبد العزيز بشندي، عبد العزيز خليل، عبد الغني السيد، عبد القادر بكر، عبد الله عبد الغفار، عبد المجيد شكري، عبد النبي، عزيز عيد، عمر وصفي، فؤاد فهيم، فتحية أحمد، فكتوريا كوهين، فوزي الجزايرلي، لطيفة أمين، ماتيل نجار، ماري فهمي، ماري كفوري، محمد إبراهيم، محمد أحمد، محمد بهجت، محمد توفيق المردنلي، محمد سعيد، محمد عبد المطلب، محمد عبد الوهاب، محمد فهمي أمان، محمد محمد، محمد مصطفى، محمد ناجي، محمد يوسف، محمود جبر، محمود حسن الديب، محمود خطاب، مريم سماط، ألمظ أستاتي، منسي فهمي، نينا، وردة ميلان.
فرق المسرح الغنائي الصغرى
فرقة أحمد الشامي.
فرقة الشيخ سيد درويش.
فرقة فكتوريا موسى.
فرقة أحمد الشامي
عندما كون الشيخ سلامة حجازي فرقته المسرحية، بعد انفصاله عن إسكندر فرح في فبراير 1905، حاول إسكندر أن يجعل من الشيخ أحمد الشامي المطرب البديل للشيخ سلامة. وكان لظهور الشامي أثره في الصحافة المصرية في ذلك الوقت، لدرجة أنها اعتبرته خليفة المطربين عبده الحمولي ومحمد عثمان، فمع بداية ظهور الشيخ الشامي على مسرح إسكندر فرح قالت جريدة «مصر»، في 18 / 8 / 1905:
إذا مات عبده ومات عثمان، وذهب عصر الغناء بذهابهما، فقد سمع أهالي العاصمة بالأمس في التياترو المصري مغنيا جديدا ومطربا متفننا، أعاد دولة الطرب الذاهبة، كما أعاد إلى الأسماع صوت عبده وصوت عثمان، هو حضرة المطرب المبدع والموسيقي المتفنن الشيخ أحمد الشامي، الذي مثل دور العاشق في رواية «تنازع الغرام»، فأجاد وأحسن وأنشد الأبيات والأدوار، فأطرب وأبدع، حتى قال الناس ليس بعد هذا المغني من مثيل في هذه الديار. هذا هو المطرب الجديد الذي ظهر في العاصمة أمس، فكان بلبلا مطربا، وسوف يكون له من الأهمية بين الناس ما كان لعبده في سابق زمانه.
وقد استمر الشيخ الشامي يعمل بفرقة إسكندر فرح حتى أواخر عام 1906، دون أن ينجح في سد الفراغ الذي تركه الشيخ سلامة في فرقة إسكندر. وبعد خروج الشامي من فرقة إسكندر انضم إلى فرقة عوض فريد التي كانت تطوف الأقاليم، فشارك في عروضها المسرحية فترة قصيرة.
وفي عام 1908 كون أحمد الشامي أول فرقة مسرحية خاصة به، وطاف بها أقاليم مصر، وهذه الفرقة استمرت تعمل حتى عام 1930 على وجه التقريب. وكانت تتوقف فترات كثيرة تصل في بعض الأحيان إلى سنوات عديدة، وبسبب هذا التوقف ، بالإضافة إلى تنقلها المستمر في الأقاليم، لم تستطع الصحافة تتبع أخبارها بانتظام؛ لذلك من الصعب علينا الحصول على أخبار هذه الفرقة طوال موسم مسرحي كامل، بل كل ما نستطيع الحصول عليه هو بعض الإشارات هنا وهناك، تعكس نشاطها التمثيلي بين وقت وآخر.
فأول إشارة وجدناها عن فرقة أحمد الشامي كانت منشورة في جريدة «مصر» بتاريخ 12 / 9 / 1908، وفيها قالت الجريدة: «يسرنا كثيرا ما نراه من مهارة وإبداع جوق الممثل الشهير والمطرب المبدع الشيخ أحمد الشامي بأسيوط، فقد مثل فيها عدة روايات من أبدع وأحسن الروايات التي حازت رضا واستحسان جميع الأسيوطيين. هذا وسيوالي تمثيل الروايات الوعظية الحكمية، فنحث الأسيوطيين على تعضيد هذا الجوق والإقبال عليه.» وقد أثبتت جريدة «المؤيد» أن اسم هذه الفرقة هو «جوق دار الفنون الجميلة».
1
وفي يناير عام 1909 وجدنا الفرقة تعرض مسرحياتها بسوهاج، ثم تنتقل إلى قنا وتعرض أعمالها طوال شهر مايو، ثم ترحل إلى بني سويف في شهري يونية ويولية وتعرض بها مسرحيات عديدة. ومن أهم لياليها في بني سويف ليلة تمثيلية أحيتها لصالح أعضاء جمعية وكلاء المحامين الفرعية في بني سويف، وخصص إيرادها لصندوق الجمعية المركزية بالعاصمة.
2
واستمرت الفرقة في بني سويف حتى عام 1912، حيث مثلت عدة مسرحيات، منها: «صلاح الدين الأيوبي»، «هملت»، في شهري أغسطس وسبتمبر 1910. وفي فبراير 1912 مثلت الفرقة مسرحية «صدق الإخاء» بمدينة مغاغة، ثم عادت مرة أخرى إلى بني سويف.
3
وفي يولية مثلت الفرقة مسرحية «ماري تيودور»، وكتب عنها أحد المشاهدين كلمة تحت عنوان «مراقبة التمثيل»، وبتوقيع «متألم» نشرتها جريدة «الوطن» في 11 / 7 / 1912، وفيها قال المشاهد:
مثلت بالأمس في بني سويف رواية «ماري تيودور» بمعرفة جوق أحمد الشامي، وشهد التمثيل كثيرون من الطبقة الراقية والعائلات المعروفة. وما كاد المتفرجون يستتمون ثناءهم على الممثلين لإجادتهم، وبالأخص على مدير الجوق الذي ألقى منولوجا مملوءا بالنصائح للشبان، حتى فوجئوا بفصل هزلي في نهاية الرواية كان في غاية الوقاحة. ظهر فيه فتى وفتاة بمظهر المستبيحين الدائسين على كل فضيلة، فمثلت الفتاة دور الخداع والغش لوالدها، ومثل الفتى دور الغش الفاسد والحب الأثيم، الأمر الذي يجب أن يحرم تمثيله على المراسح؛ لأن الغرض من فن التمثيل إنما هو غرس الفضائل لا الرذائل، وتعويد النفوس على ملابسة الصفات الحسنة والأخلاق الفاضلة، لا على الخلال الشريرة والطباع المرذولة، والجري وراء الأهواء الفاسدة، وخصوصا أن التمثيل أصبحت تشهده العذارى والسيدات والشبان والأولاد، فمن الجريمة أن تعرض على أنظارهم وتلقى على مسامعهم فصولا وألفاظا تؤثر على عفتهم وطهارة قلوبهم؛ ولذلك بقدر ما كان لدى الجمهور من استحسان موضوع رواية «ماري تيودور» بقدر الاستياء الذي عقبه من هذا الفصل الهزلي. فنحول أنظار ولاة الأمور إلى مراقبة التمثيل لمنع عرض الروايات التي من هذا القبيل.
غلاف مخطوطة مسرحية «ماري تيودور ملكة إنجلترا».
ومسرحية «ماري تيودور» تدور أحداثها حول جلبرت العامل الفقير صانع الأسلحة، الذي ربى الفتاة اليتيمة جان، وعندما كبرت أحبها وخطبها لنفسه. ولكن جان وقعت في حب أحد الأثرياء، الذي بهرها بجماله وبماله، ومن ثم سلبها شرفها. وهذا الثري كان يقابل جان في منزل جلبرت عندما يكون متغيبا. وفي ذات ليلة حضر هذا الثري متخفيا في عباءة كي يقابل جان في منزل جلبرت كالعادة، فاستوقفه أحد الغرباء وطالبه بورقة معينة مختومة وموقعة على بياض من الملكة ماري تيودور ملكة إنجلترا، يحتفظ بها هذا الثري دائما. وهذه الورقة إذا أعطاها حاملها إلى الملكة تنفذ له ما يشاء. أما المقابل الذي عرضه الغريب على الثري، فهو كتمان ما يعرفه عنه من أسرار.
وهذه الأسرار تتمثل في أن هذا الثري ما هو إلا فبيانو عشيق الملكة، الذي استولى على أملاك وميراث اللورد تلبوت بعد موته، وعندما علم أن تلبوت أنجب فتاة اعتقد الجميع بأنها ماتت، إلا هو لأنه يعلم أنها جان التي رباها جلبرت؛ لذلك سلبها شرفها كي لا تطالب بميراث والدها منه لأنها من الساقطات. وأمام هذه المعلومات قام فبيانو بقتل الغريب ثم هرب. هنا يأتي جلبرت فيرى القتيل وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة، فيحاول إنقاذه دون جدوى، ولكن القتيل استطاع أن يطلع جلبرت على سر جان وفبيانو . ومن جهة أخرى نجد أن أعوان الملكة ماري، وخصوصا سيمون رنار سفير البرتغال في إنجلترا، لا يميلون إلى فبيانو، ويناصبونه العداء. واستطاع سيمون أن يطلع الملكة على خيانة فبيانو لها، وقصته مع الفتاة جان، فتقوم الملكة بالاتفاق مع جلبرت على الانتقام من فبيانو.
وأمام مجلس القضاء تتهم الملكة جلبرت بأنه أراد أن يقتلها بإيعاز من فبيانو، فيقر جلبرت بذلك بعد أن وعدها بأن يقدم روحه انتقاما من فبيانو. وأخيرا يحكم القاضي على فبيانو وجلبرت بالحبس في برج لندن انتظارا لتنفيذ الحكم عليهما بالإعدام. وتمر عدة أيام دون أن ينفذ الحكم، فيتضجر الشعب ويثور، ويتجمع حول البرج مطالبا برأس فبيانو. هنا تحضر الملكة إلى البرج وتتفق مع السجان بأن يضع جلبرت بدلا من فبيانو حتى يعدم أولا وبذلك تنقذ فبيانو لأنها ما زالت تحبه.
وتقتضي مراسم الإعدام أن يرتدي المتهم رداء يغطيه من الرأس إلى القدم، وتطلق ثلاث طلقات من المدفع؛ الأولى: عندما يصعد إلى التل أمام الناس، والثانية: عندما يستعد الجلاد ويرفع سيفه، والثالثة: عندما تقطع الرأس. وتجلس الملكة بعيدة عن هذا المشهد لتستمع إلى الطلقات، فتأتي لها جان وتطالبها بإنقاذ جلبرت الذي سيعدم في الغد بعد فبيانو، ولكن الملكة تقول لها إن جلبرت هو الذي سيعدم الآن، فترد عليها جان بأن الذي سيعدم الآن هو فبيانو. وأمام تردد كل واحدة منهما أمام شخصية الذي سيعدم الآن، تسمع الطلقة الأولى ثم الثانية وأخيرا الثالثة تأكيدا على قطع الرأس، وهنا يدخل عليهما جلبرت، فتصرخ الملكة لأنها تأكدت بأن الذي أعدم هو حبيبها الخائن فبيانو. وتنتهي المسرحية.
وفي سبتمبر 1913 وجدنا الفرقة بالقاهرة، حيث مثلت مسرحية «شهداء الغرام» بتياترو كازينو حلوان، بعد أن انضمت إليها بديعة مصابني. وفي مارس 1914 قرأنا عن تمثيلها في بني مزار.
4
وفي أبريل 1916 حضرت الفرقة إلى القاهرة، وظلت بها فترة من الوقت استطاعت الصحف فيها متابعة نشاطها، وقد كانت جريدة «الأخبار» سباقة إلى الحديث عنها، حيث قالت في 5 / 4 / 1916 تحت عنوان «في عالم التمثيل جوق أحمد الشامي»:
الشيخ أحمد الشامي ممثل مشهور، يعرفه الأدباء الذين كانوا يترددون على تياترو إسكندر فرح بشارع عبد العزيز، ولحوادث لا داعي لذكرها انفرط عقد الجوق وانفرد الشيخ الشامي بجوقة ألفها وبرح القاهرة، وأخذ يتنقل في الريف فيلاقي الإقبال ويزدحم مرسحه بالأعيان. وقد عاد إلى العاصمة وسيمثل عن قريب رواية «أسرار القصور» لمؤلفها عباس علام
5
في مرسح برنتانيا. وقد حضرنا لمشاهدة البروفة، وأعجبنا من حسن الأسلوب والإلقاء. وحوادث الرواية مصرية صميمة عصرية، وكل جملة تنم على أنها من قلب كاتب مصري صميم، ولد وربي في وسط عائلة مصرية، فأدرك أسرارنا المنزلية.
ومسرحية «أسرار القصور» تدور أحداثها حول خلاف كبير بين الأب عبد الكريم العمدة الريفي وبين ابنه حليم دارس الحقوق في فرنسا، فالأب يريد أن يزوج ابنه من إحدى بنات الباشوات حتى يفتخر بهذا النسب أمام الناس، أما الابن فيريد أن يتزوج من ابنة عمه زينب، التي تربت على الفضيلة والشرف والحياة الريفية الأصيلة. ولكن رغبة الأب كانت الأقوى، وهكذا تزوج حليم من سامية ابنة الباشا. وعندما تأتي العروس لتعيش في الريف نجدها تتبرم من حياة الفلاحين، فيقوم العمدة بشراء قصر لها في القاهرة، وفي هذا القصر عاش حليم مع سامية وزينب.
وبدأت حياة القاهرة الصاخبة، وبدأت سامية تتبرج وتعيش حياة اللهو والاستهتار، فوقعت فريسة بين يدي عبد العزيز صديق زوجها، الذي راودها عن نفسها ونجح في ذلك حيث أقام معها علاقة آثمة. واستطاعت زينب أن تكتشف هذه العلاقة، فأخذت في تنبيه سامية بوجوب الحفاظ على شرفها وشرف زوجها، ولكن سامية كانت تضرب بنصائحها عرض الحائط. وفي يوم ذهبت سامية إلى منزل عشيقها عبد العزيز في موعد غرامي، ظنا منها أن زوجها سيغيب في سفره إلى الريف، علمت بهذا الموعد زينب، فتتبعتها حتى وصلت إلى منزل عبد العزيز. أما الزوج حليم فقد عاد مبكرا وعلم من الخدم أن سامية ذهبت إلى منزل صديقه، فجن جنونه وأخذ مسدسه وذهب إلى منزل هذا الصديق، واقتحمه فخرجت له زينب بعد أن أخفت سامية لتعترف له بأنها عشيقة عبد العزيز، حتى تنقذ ابن عمها وشرفه. وبعد عدة مواقف وأحداث كثيرة تظهر الحقيقة، فيقوم حليم بتطليق سامية ومن ثم يتزوج زينب، وتنتهي المسرحية.
الصفحة الأولى من مخطوطة مسرحية «أسرار القصور».
وقد مثلت فرقة أحمد الشامي هذه المسرحية أكثر من مرة بمسرح برنتانيا.
6
وفي أكتوبر 1916 مثلت الفرقة عدة مسرحيات في أسيوط وملوي.
7
وفي ديسمبر 1916، عادت الفرقة إلى العاصمة وانضمت إلى الفرق الأجنبية بكازينو دي باريس، حيث مثلت بعض الأوبريتات الفكاهية، ومنها «سعادته عامل زار» و«شملول عاوز يجوز».
8
ومثال لموضوعات هذه الأوبريتات نجد أوبريت «سعادته عامل زار» يحكي أن دلوع بك يحب فتاة اسمها أنيسة، وبسبب غيرة زوجته وملاحقتها له لا يستطيع أن يرى أنيسة أو أن ينفرد بها في مكان. وذات يوم ابتكر حيلة شيطانية كي يقابل هذه الحبيبة، وذلك عن طريق إيهام زوجته بأن جنية استطاعت أن تهيمن عليه وتأسره، ولا يستطيع الفكاك منها إلا عن طريق عمل زار، ونثر البخور والعطور كي تبتعد عنه. ويشترط على الجميع أن يجلس وحده في غرفة مع هذه الجنية التي ستأتي أثناء الزار. وبالفعل تأتي الجنية التي هي في الأصل عشيقته أنيسة، وتأتي متنكرة أثناء الزار، وتدخل مع دلوع بك على مرأى الجميع. وهكذا كلما أراد دلوع رؤية أنيسة يقوم بعمل الزار. وفطنت ابنة دلوع لهذه الخدعة، وكانت هي الأخرى تحب شابا ولا تستطيع أن تراه، فقامت بتنفيذ فكرة أبيها، فتشنجت وأغمي عليها، وقالت إن أحد الجان تلبس بها ولا تريد أن يزعجها أحد معه حتى ينصرف، وبالفعل يحضر الحبيب وينفرد بالابنة أمام الجميع.
وفي أبريل 1917 مثلت الفرقة بعض المسرحيات في بنها. وقام الناقد محمد طاهر المخزنجي بالكتابة عنها في جريدة «البصير»،
9
وهذه المسرحيات هي: «هملت»، «الممثل»، «أسرار القصور»، «أمينة هانم» أو «شقاء العائلات»، «سعادته عامل زار». وكانت من تمثيل: أحمد الشامي، وزوجته صوفيا أو روز الصافي، فؤاد أفندي، أحمد زكي. وهذه المسرحيات تتنوع بين المسرحيات القديمة، التي مثلتها الفرق الكبرى وبعض الجمعيات، وبين المسرحيات الجديدة الخاصة بفرقة أحمد الشامي، ومنها: «أمينة هانم» أو «شقاء العائلات»، و«سعادته عامل زار». ففي الأولى عالج الشامي قضية الطلاق بسبب تباين الثراء بين الزوجة والزوج، وكيف أن الزواج المبني على الأطماع مصيره الفشل. وفي المسرحية الثانية عالج الشامي الخرافات والخزعبلات الناتجة عن الاعتقادات الشعبية، وكيفية التخلص منها من خلال الزار الشعبي.
وفي مايو 1918 انتقلت الفرقة إلى العاصمة حيث مثلت على مسرح الشانزليزيه.
10
ومنذ يناير 1919 انتقلت الفرقة إلى مسرح برنتانيا حيث مثلت عدة مسرحيات، منها: «على كوبري قصر النيل»، «الهجرة» أو «مصر والسودان» تأليف مصطفى سامي، «أسرار الصقور»، «سعادته عامل زار». وظلت الفرقة تعيد هذه المسرحيات في فترات متقطعة على مسرح برنتانيا حتى ديسمبر 1919.
11
وفي أغلب شهور عام 1920 قامت الفرقة بإعادة تمثيل معظم مسرحياتها السابقة، بالإضافة إلى مسرحية «قنال السويس» الجديدة، وذلك على أكثر من مسرح بالعاصمة وبالإسكندرية. فمن مسارح العاصمة: دار التمثيل العربي، برنتانيا، مسرح جورج أبيض، الإجبسيانة، كازينو دي باري. ومن مسارح الإسكندرية: الكونكورديا، تياترو الأوبرا القديمة بشارع البورصة بالمينا الشرقية.
12
وفي هذا العام أيضا كانت الفرقة تجوب بعض الأقاليم، وتمثل مسرحيات ذات لون خاص، ابتكرها أحمد الشامي، حيث كانت تتحدث عن بعض أسرار الصناعات اليدوية، ومن ثم يعرضها الشامي في الأقاليم ليعلم أهلها أسرار هذه الصناعات. ومن ذلك مسرحية عن صناعة النسيج، ومثلها في المحلة الكبرى في مايو 1920، ومسرحية «سعادة الأمم» التي تتحدث عن تاريخ الزجاج وتركيبه وصناعته، وقد مثلها في عدد من الأقاليم في أغسطس 1920.
13
ومن يناير إلى أبريل 1921 استمرت الفرقة على نظام العام السابق نفسه دون تغيير يذكر، فقد أعادت تمثيل مسرحيات: «أسرار القصور»، «مصر والسودان»، «على كوبري قصر النيل»، «سعادته عامل زار». وذلك على مسارح الإجبسيانة وبرنتانيا بالعاصمة، وعلى مسرح الكونكورديا بالإسكندرية. كما قامت الفرقة بإحياء ليلتين تمثيليتين لصالح جمعية تعليم العامة للتعليم الليلي المجاني بالإسكندرية.
14
وفي يونية 1922 وجدنا فرقة أحمد الشامي تنتقل إلى منطقة روض الفرج، وتمثل على مسرح كازينو مونت كارلو مسرحية «دموع الشعب»، كما ألقى أفرادها منولوجات تشجيع لتجارة الوطني المشهور أحمد جلبي الحلواني.
15
ومنذ يونية 1922 وحتى مارس 1926 لم نستطع إيجاد أية أخبار عن فرقة أحمد الشامي، ولعلها كانت متوقفة لفترة طويلة، أو كانت تجوب بعض الأقاليم النائية. والدليل على ذلك أن مجلة «التياترو» المصورة في أكتوبر 1924 أشارت إلى أن فرقة أحمد الشامي تتكون في هذا التاريخ من الممثل مصطفى سامي، وهو أيضا مؤلف مسرحياتها، والممثلة زاهية إبراهيم. وهذا يعني أن الفرقة في ذلك الوقت كانت تعمل.
وفي مارس 1926 مثلت الفرقة بالعاصمة على مسرح دار التمثيل العربي عدة مسرحيات، منها: مسرحية «الهوانم»، ومسرحية اجتماعية جديدة اسمها «أنصاف».
16
ومسرحية «أنصاف» تدور أحداثها حول جمال ابن العمدة خميس، الذي يتزوج من الخياطة أنصاف، ويعيش معها في سعادة، إلا أن العمدة غير راض عن هذا الزواج، وكان يتمنى أن يزوج ابنه من نرجس شقيقة رتيبة زوجة كامل ابن عم خميس. ويحاول العمدة أن يعطي لأنصاف مبلغا من المال كي تترك ابنه، إلا أنها ترفض وتتمسك بجمال. وفي هذه الفترة كان يزور جمال صديقه صدقي، وفي إحدى المرات جلس صدقي مع أنصاف، وأخذ يتحدث معها عن شقيقته التي فقدها منذ الطفولة، ومع الحوار يتضح له أن أنصاف هي شقيقته المفقودة. وفي نفس الوقت تدبر رتيبة مكيدة استطاعت من خلالها أن تجعل جمال يشك في زوجته ويتهمها بالخيانة مع صديقه صدقي، ويطردها من البيت، ويمرض صدقي بسبب هذا الاتهام، ويأتي أحد الأطباء من أصدقاء والد صدقي ليمرضه، ويعلم منه قصة أنصاف شقيقته، فيساعده الطبيب ويذهب إلى جمال ويثبت له أن صدقي شقيق زوجته، ويعطيه المستندات الدالة على ذلك، فيفرح الجميع بهذا الخبر، ويجتمع شمل الأسرة مرة أخرى بعد أن ثبت للجميع أن أنصاف من عائلة مرموقة.
وفي أغسطس من العام نفسه اتخذت الفرقة مسرحا ثابتا لها، هو مسرح كازينو برادي بشارع الخليج بالظاهر. وعلى هذا المسرح مثلت الفرقة معظم مسرحياتها، وكان الموسيقي إسكندر شلفون مدير المعهد الموسيقي المصري بالظاهر يساعد أحمد الشامي في عروضه، وذلك بعزف القطع الموسيقية بين الفصول.
17
ومن أهم المسرحيات التي عرضت على مسرح كازينو برادي مسرحية «ابنة حارس الصيد» في أغسطس 1926، وكانت من تمثيل: أحمد الشامي، روز الصافي، رياض القصبجي، مصطفى شريف، أحمد شاهين، محمد أنيس حامد، عزيزة، إيلين، نفيسة. وقد كتب محمود طاهر العربي، ناقد مجلة «ألف صنف وصنف»، كلمة عن هؤلاء الممثلين، في 10 / 8 / 1926، قال فيها:
الشيخ أحمد الشامي: أستاذ فني قدير ومطرب محبوب. كان يشتغل لأول عهده في تياترو إسكندر فرح، وهو كثير التنقل بفرقته في الوجهين القبلي والبحري. مستقيم طيب القلب حسن الخلق، يؤدي الفرائض الدينية بعناية تامة ودقة. كفء في عمله لم يكتسب كفاءته بالأقدمية فقط، ولكن بالتفوق الغريزي والمقدرة الطبيعية. السيدة روز الصافي: الممثلة الأولى في هذه الفرقة، وهي مبدعة للغاية. وارى أن سيكون لها مستقبل زاهر في عالم التمثيل متى أتيح لنبوغها أن يظهر في المسارح الكبرى. وهي فوق ذلك متحشمة مستقيمة، حسنة السير ولها سمعة طيبة. رياض القصبجي: ممثل مجيد، قضى في التمثيل نحو ثماني سنوات، يحسن تمثيل الدرام عنه في الكوميدي، وقد اشتغل في كثير من الفرق وتدرب على إدارتها. مصطفى شريف: كان يمثل دور الكوميدي، ورغم حداثة عهده في التمثيل كان متقنا إلى حد ما. وأرجح أنه قد يتقن أدوار الدرام عن الكوميدي، وإن كنت لم أشاهده في شيء منها. أحمد شاهين: اشتغل بالتمثيل منذ اثني عشر عاما، قضى أكثرها في هذه الفرقة. محمد أنيس حامد: شاب لم يتجاوز العقد الثاني، وهو حديث العهد بالمسارح، ولكنه خفيف الروح في عمله. أما السيدات فلا بأس بهن كممثلات لم يدربن بعد على العمل، عدا السيدة عزيزة فإنها تحسن كل دور يسند إليها، وهي قديمة العهد بالتمثيل، اشتغلت في عدة فرق.
وفي مجلة «المسرح» بتاريخ 6 / 9 / 1926 كتب الناقد محمد عبد المجيد حلمي كلمة وافية عن الشيخ أحمد الشامي وفرقته - بعد أن نشر صورته وصورة ممثلته الأولى جميلة سالم، ومدير مسرحه وأحد ممثلي الفرقة رياض القصبجي - قال فيها: «كل المشتغلين بالتمثيل والمتتبعين للحركة المسرحية في مصر يعرفون الأستاذ الشيخ أحمد الشامي المطرب الممثل المعروف. على أنه مما يؤسف له، ومما يجعلنا نألم أشد الألم ، أن الشيخ أحمد الشامي رجل عاثر الحظ، ما يكاد ينهض حتى تدهمه الأقدار فيتدهور. هو من هذه الوجهة كالأستاذ جورج أبيض، فما يكاد يجمع شمله وينظم أمره ويبرز إلى ميدان العمل حتى تتدهور أحواله، فيعود صامتا ساكنا كما كان. لست أدري على تأكيد حقيقة هذا الفشل الذي يعتور هذه الفرق. فقد يعزى إلى سوء الإدارة، وقد ينسب إلى قلة المحصول المسرحي الذي تظهر به الفرقة أمام الجمهور. ولا تنس أن المالية هي أكبر عماد لنجاح الفرق وتقدمها. والأستاذ الشيخ أحمد الشامي ممثل لا أنكر أنني شاهدته وأنا صغير لأول مرة في رواية «أسرار القصور»، فأعجبت به وصفقت له طويلا. وظل في نظري مدة طويلة ممثلا عبقريا ومنشدا مسرحيا من الطبقة الأولى. ومضت مدة الآن لم أشاهده أو أسمعه فيها؛ لذلك لست أدري الآن ما مكانته المسرحية بالضبط. على أن الذي أعلمه أنه كون له فرقة تشتغل الآن في تياترو الظاهر، وأنه يعيد إخراج رواياته القديمة، وفي مقدمتها رواية «على كوبري قصر النيل». في نظري أنا، أرى هذه الفرق الصغيرة أحق بالتشجيع والمساعدة من الفرق الكبيرة التي تستطيع أن تنهض بنفسها، وأن تعمل وتنجح وتكسب بدون مساعدة مادية أو أدبية خارجية. أما هذه الفرق الصغيرة فهي التي تحتاج إلى المساعدة وإلى التعضيد لتنهض وتقوي مركزها، فقد تصبح بعد ذلك في يوم من الأيام ذات مكانة ونفع للفن، في بلد يحتاج إلى الإكثار من عدد الفرق التمثيلية حتى تقوى النهضة المسرحية.»
وفي عام 1927 عاد أحمد الشامي إلى التنقل بمسرحياته في أكثر من مسرح، حيث مثل في مايو ويونية عدة مسرحيات قديمة وجديدة، منها: «انتقام الزوجة»، «الهوانم»، «تسبا»، وذلك على مسرحي: دار التمثيل العربي والهمبرا بالإسكندرية.
18
وفي الشهور الأولى من عام 1929 وجدنا فرقة أحمد الشامي تعمل بالإسكندرية، حيث كانت تحيي الليالي التمثيلية لصالح بعض المدارس والجمعيات الخيرية، ومنها مسرحية «أنصاف» لصالح مدرسة زهرة الأطفال الخيرية الإسلامية بالإسكندرية، وكان مقررا لها يوم 10 يناير بتياترو البلفدير، ولكن هذا المسرح احترق قبل موعد التمثيل، فتم تأجيل الحفلة إلى يوم 7 فبراير بمسرح محمد علي بالإسكندرية. وأيضا مسرحية «على كوبري قصر النيل»، يوم 5 مارس، لصالح جمعية المواساة الخيرية الإسلامية لفقراء رمل الإسكندرية.
19
أما آخر خبر حصلنا عليه لتمثيل فرقة أحمد الشامي، فقد كان بتاريخ 3 / 2 / 1930، وفيه قالت جريدة «كوكب الشرق» تحت عنوان «حفلة خيرية»:
جاءنا من مدرسة زهرة الأطفال الخيرية الإسلامية بالإسكندرية، أنها ستقيم حفلتها السنوية لمساعدة القسم المجاني في دار المدرسة بشارع الأمير عبد المنعم رقم 34 في الساعة التاسعة والنصف، من مساء الخميس القادم. وستمثل فرقة الشيخ أحمد الشامي رواية «قنال السويس».
وفي الساعة السادسة من مساء يوم الثلاثاء، الموافق 12 / 11 / 1958، انتقل إلى رحمة الله الشيخ أحمد الشامي، ودفن في اليوم التالي بمقابر السيدة نفيسة. ذلك الرجل الذي ألف فرقة مسرحية من مجموعة مغمورة من الممثلين، أمثال: أحمد زكي، أحمد شاهين، إيلين، بديعة مصابني، جميلة سالم، روز الصافي أو صوفيا، رياض القصبجي، زاهية إبراهيم، عزيزة، فؤاد أفندي، محمد أنيس حامد، مصطفى سامي، مصطفى شريف، نفيسة.
فرقة الشيخ سيد درويش
كانت بداية الشيخ سيد درويش
1
في مجال المسرح عام 1909، عندما سافر مع فرقة أمين عطا الله إلى الشام، ولكن هذه الرحلة باءت بالفشل. ثم تكررت مرة أخرى عام 1912، فكان النجاح من نصيبها، ومن ثم عاد الشيخ من الشام وعمل بالغناء في مقاهي الإسكندرية. وبمرور الوقت زين له بعض الأصدقاء السفر إلى القاهرة، حث الشهرة وتقدير الفن. وبالفعل رحل الشيخ إلى القاهرة عام 1917.
وبعد فترة قصيرة تعرف الشيخ بالممثل عمر وصفي مدير الجوق الكوميدي المصري الراقي، وبدأ التعاون الفني بينهما عندما لحن سيد درويش مسرحية «الشيخ وبنات الكهربا»، تأليف فرح أنطون، ومثلتها فرقة عمر وصفي في تياترو منيرفا بكازينو الجلوب، خلف مخازن شكوريل بشارع بولاق. عام 1917. وفي العام التالي قام الشيخ سيد درويش بتلحين مسرحية «فيروزشاه» لفرقة جورج أبيض، ومسرحية «ولو» لفرقة الريحاني، كما ألقى بعض القطع الغنائية لجوق الأوبريت الشرقي بكازينو دي باري.
2
غلاف بروجرام مسرحية «فيروزشاه».
وفي عام 1919 قام سيد درويش بتلحين مسرحيات: «أش»، «قولوله»، «فلفل»، «رن»، لفرقة نجيب الريحاني.
3
وفي عام 1920 لحن مسرحيات «مرحب» لفرقة الماجستيك، و«كلها يومين» لفرقة منيرة المهدية، و«هدى» و«عبد الرحمن الناصر» لفرقة عكاشة،
4
كما لحن الشيخ سيد العديد من المسرحيات الأخرى لمعظم الفرق المسرحية.
5
سيد درويش.
وبعد احتكاك الشيخ سيد درويش بمعظم الفرق المسرحية كون فرقة خاصة به بالاشتراك مع عمر وصفي، أطلق عليها اسم «جوق سيد درويش»، وافتتح عملها بمسرحية «شهوزاد» أو «شهرزاد» يوم 7 / 6 / 1921 بمسرح برنتانيا. وكانت من تمصير عزيز عيد. ومن تمثيل: سيد درويش، عمر وصفي، حياة صبري، حسين رياض، مسيو ألبير، نظلي، مزراحي، حسن القصبجي، منسي فهمي، كلود ريكان، محمد المغربي، عبد العزيز أحمد، إلياس صوفان. وقد لاقت هذه المسرحية نجاحا كبيرا مما جعل الفرقة تعيد تمثيلها.
6
شكل 1: غلاف مخطوطة مسرحية «شهوزاد».
ومسرحية «شهوزاد» تدور أحداثها الكوميدية في مملكة التتر، حيث يعمل زعبلة المصري في خدمة جيش الملكة خاتون شهوزاد، برتبة جندي بزق هزق. وزعبلة يحب الفتاة الفقيرة حورية، ولكن رئيسه في العمل قرة آدم أوغلي يضايقه ويباعد بينه وبين حبيبته باستمرار. وفي يوم أرادت شهوزاد أن تتفقد أحوال جيشها، فوقع نظرها على الجندي زعبلة، فأحبته وقربته منها، وأنعمت عليه برتب كثيرة منها باش بزق هزق، وضابط سنجق، وباش سنجق، وباش سنجق دار، وأخيرا تقلد أعلى رتبة في الجيش وهي رتبة الميرشاه جششبار جاجانكير؛ أي قائد الجيوش. وبعد ذلك هجم الأعداء على مملكة التتر، فدافع عنها زعبلة وأحرز النصر، مما جعل رجال البلاط يحقدون عليه، وبالأخص الأمير قمع الدولة خطيب الملكة شهوزاد، والتي تسوفه دائما في أمر إتمام الزواج بعد أن أعجبت بزعبلة.
وبعد الانتصار تقيم شهوزاد حفلة كبيرة حاولت فيها إفهام زعبلة بأنها تحبه وتريد أن تتزوجه، ولكن زعبلة سارع بإخبارها عن موعد زفافه على حورية. هنا اتفقت شهوزاد مع رجال البلاط على قتل زعبلة لأنها ظنت أنه يحبها. وفي أثناء تدبير مؤامرة لقتله تعجب شهوزاد بالأمير مخمخ، وتنسى حبها لزعبلة، وتحاول إبدال زعبلة بمخمخ. وبعد عدة أحداث كوميدية تكتشف شهوزاد أن مخمخ متزوج وله أربعة أولاد ، فتنهار وتقرر الزواج بالأمير قمع الدولة، وتنتقم من زعبلة بتجريده من كل رتبه العسكرية، وتعيده إلى رتبته الأولى كجندي بزق هزق. وتنتهي المسرحية بأن قرر زعبلة العودة إلى بلاده كي يدافع عنها بدلا من دفاعه عن مملكة التتر.
وقد نشرت جريدة «مصر» عن هذه المسرحية كلمة في 16 / 6 / 1921 تحت عنوان «نهضة فن التمثيل»، جاء فيها:
إن النهضة التي أوجدتها الفرقة الجديدة، التي ألفها الأستاذ الشيخ سيد درويش، قد أظهرت فوائد التمثيل بواسطة الروايات الفكاهية الراقية، التي تجمع بين العظمة وجمال الموضوع، فضلا عما فيها من قطع الألحان الموسيقية البديعة، التي تأخذ بمجامع القلوب، بحسن إدارة الشيخ سيد درويش، الذي له المنزلة الأولى بين الملحنين. علاوة على جمال رواية «شهرزاد» وما صادفته من الإقبال، بالنسبة للروايات التي تعادلها موضوعا وألحانا وتمثيلا. وإقبال الجمهور يدل على تفوق هذا الجوق ويشجع الفاتحين القائمين بهذه النهضة التمثيلية الجميلة.
وبعد شهر من نجاح مسرحية «شهوزاد»، قامت الفرقة بتمثيل مسرحية «العشرة الطيبة» لمحمد تيمور، ومن أزجال بديع خيري، وتلحين سيد درويش، في يولية 1921. وقام بتمثيلها: سيد درويش، محمود رضا، حسين رياض، نظلي مزراحي، حياة صبري، إحسان كامل، عبد العزيز أحمد، محمد مختار، محمد علي هلال.
7
وبذلك انتهى أول موسم لهذه الفرقة التي أصبح اسمها في الموسم الثاني «جوق سيد درويش وعمر وصفي».
ومسرحية «العشرة الطيبة» تدور أحداثها في عصر المماليك، حيث نجد الفتاة نزهة الفقيرة اليتيمة، التي تحب الفلاح البسيط سيف الدين، الذي تنكر في زي فلاح كي يتأكد من حبها حيث إنه من الأمراء. أما الفلاحة ست الدار، فهي سيدة شرسة ثائرة تهوى سيف الدين بعنف وتطارده بحبها. ثم نجد حزنبل الكيميائي الذي يعمل عند المملوك حمص أخضر، صاحب معظم أراضي القرية، ويتقابل حزنبل مع صديقه القديم حسن عرنوس كاتم سر الوالي، الذي جاء يبحث عن ابنة الوالي، التي وضعت بعد ولادتها في قفة وألقيت في النيل. وقد دلته أبحاثه عن وجودها في هذه القرية، وبالفعل يكتشف أن نزهة الفلاحة هي الأميرة المفقودة، فيصحبها مع حبيبها سيف الدين إلى قصر الوالي.
أما حزنبل، فقد كان مشغولا بالبحث عن زوجة جديدة لسيده حمص أخضر، بعد أن أمره بقتل زوجاته الخمس السابقات. فيقوم حزنبل باقتراع فكاهي لاختيار الزوجة الجديدة، فتقع القرعة على ست الدار وتصبح زوجة المملوك حمص. وفي قصر الوالي نجد الوزراء يقدمون تقاريرهم إلى الوالي بصورة تهكمية. فمثلا وزير العدل يقول في تقريره إنه قرر حبس المتهمين قبل محاكمتهم، وأنه شطب لفظ محامي من جدول القضاء، وأنه أصدر قرارا بأن يكون القاضي أخرس أطرش مكسح أعمى. أما وزير الزراعة فقد أصدر قرارا بمنع زراعة القطن واستبداله بشجر أبو فروة، وري الأراضي بمياه البحر الأحمر بدلا من مياه النيل، وتحريم الصيد في الغيطان وتحليله في الشوارع والحارات. أما وزير الحربية فقد أصدر قرارا بإكثار الضباط وتقليل الجند، وأن الجيش لا يدافع عن الوطن، وأن تسريح الجيش يكون عند إعلان الحرب. أما وزير المعارف فقد أصدر قرارا بإلغاء علم الآداب واستبداله بعلم البولوتيكة، وأن تكون الدراسة إجبارية في سن الستين.
وبعد أحداث كوميدية كثيرة ذات دلالات سياسية، يقوم حزنبل بمحاولات لتحويل النحاس إلى ذهب، وعندما يفشل في صنع هذه المعجزة يستبدلها بمعجزة أخرى، وهي مخالفة أوامر سيده عندما أبقى على حياة زوجاته الخمس، واحتفظ بهن أحياء حتى يحين الوقت المناسب لظهورهن. وعلى الجانب الآخر نجد حسن عرنوس يخالف أوامر الوالي، ويبقي على حياة خمسة من الرجال أمره الوالي بإعدامهم، ومن ثم أخفاهم إلى أن يحين الوقت لظهورهم. وبذلك نجد أن الزوجات الخمس والرجال الخمسة هم المقصودون بالعشرة الطيبة، الذين خرجوا من مخبئهم ليفرضوا إرادتهم على الحكام، ويعلنوا أنهم لم يموتوا بل سيعيشون وينتصرون؛ لأنهم رمز للشعب المصري، وبهذه الثورة تنتهي المسرحية.
وفي 24 / 11 / 1921 بدأت الفرقة موسمها التمثيلي الثاني، حيث قدمت مسرحيتها الثالثة «البروكة» بدار التمثيل العربي. وهي من ترجمة محمود مراد، وتلحين سيد درويش. وقام بتمثيلها: سيد درويش، عمر وصفي، محمود رضا، عبد العزيز أحمد، محمد علي هلال، حياة صبري، نعمات ، حسن القصبجي، إلياس صوفان، حسين رياض. وقد هاجمها بشدة الناقد أندراوس حنا في جريدة الأهرام.
8
وفي أوائل ديسمبر 1921 قدمت الفرقة مسرحيتها الرابعة «العبرة» تأليف محمود مراد بدار التمثيل العربي أيضا.
9
وفي يوم 8 / 12 / 1921 بدار التمثيل العربي قدمت الفرقة مسرحيتها الخامسة «حلاق إشبيلية»، تعريب حامد الصعيدي. ومن تمثيل: عمر وصفي، محمود رضا، حسين رياض، عبد العزيز أحمد، نظلي مزراحي.
10
بعد ذلك استمرت الفرقة حتى يناير 1922 في إعادة عرض مسرحياتها الخاصة بها، مثل: «العشرة الطيبة»، «العبرة»، «البروكة».
11
هذا بالإضافة إلى إعادة لبعض المسرحيات الأخرى المأخوذة من الفرق الأخرى، مثل: «المحامي المزيف»، «البخيل»، «البدوية».
12
وهذه العروض هي آخر ما مثلته فرقة سيد درويش وعمر وصفي.
وفي يوم 15 / 9 / 1923 انتقل إلى رحمة الله الفنان الشيخ سيد درويش، ودفن في مقبرة بمدافن المنارة بالإسكندرية، كتب على شاهدها:
يا زائري لا تنسني
من دعوة لي صالحة
وارفع يديك إلى السما
واقرأ لروحي الفاتحة
وهكذا انفرط عقد فرقة سيد درويش المسرحية، التي كانت تضم من الفنانين: إحسان كامل، إلياس صوفان، حسن القصبجي، حسين رياض، حياة صبري، عبد العزيز أحمد، عمر وصفي، كلود ريكان، محمد المغربي، محمد علي هلال، محمد مختار، محمود رضا، مسيو ألبير، منسي فهمي، نظلي مزراحي، نعمات.
قبر الشيخ سيد درويش.
فرقة فكتوريا موسى
بدأت فكتوريا موسى التمثيل المسرحي كممثلة في فرقة أولاد عكاشة، في موسم 1912-1913، وبدأ نجمها يتألق في مسرحية «الأفريقية» التي مثلت - في فترة انضمام فرقتي عكاشة وجورج أبيض - بالأوبرا في أبريل 1913. ومنذ ذلك التاريخ وفكتوريا أصبحت الممثلة الأولى في فرقة عكاشة، خصوصا بعد زواجها من عبد الله عكاشة. وفي عام 1925 نالت الجائزة الثالثة للتمثيل الدرامي في مباراة التمثيل العربي. وفي عام 1926 نالت الجائزة الأولى للتمثيل الكوميدي في المباراة نفسها.
فكتوريا موسى.
وفي عام 1925 قال عنها جمال حافظ عوض، صاحب جريدة «كوكب الشرق»: «لست أبالغ إذا نعتها بسيدة ممثلات الشرق وأميرة الفن الصحيح، وأقدر ممثلة اعتلت خشبة المسرح العربي. تلك هي السيدة فكتوريا موسى الممثلة الأولى بفرقة حديقة الأزبكية وزوج الأستاذ عبد الله عكاشة، أحد مديري الفرقة المذكورة. تعشقت الفن وهي صغيرة، وضحت بشبابها ومستقبلها في سبيل الفن، وانضمت إلى ممثلات فرقة عكاشة وبدأت مواهبها الفنية تظهر رويدا رويدا، وسارت في طريق النجاح سيرا حثيثا، وعهد إليها القيام بالأدوار الأولى، فنجحت وكان نجاحها عظيما. وأزعم أن الكثيرين ممن يشاهدون التمثيل في مسرح حديقة الأزبكية، إنما يدفعهم إلى هنالك حبهم للاستمتاع بالفن الصحيح الذي تمتاز به السيدة فكتوريا.»
1
وقد مر بنا كيف انفصل عبد الله عكاشة وزوجته فكتوريا موسى من فرقة أولاد عكاشة. وعلى أثر هذا الانفصال كونت فكتوريا مع زوجها فرقة مسرحية خاصة بهما، أطلقت عليها «فرقة فكتوريا موسى». وإذا كنا اعتبرنا هذه الفرقة من الفرق المسرحية الغنائية، فهذا راجع إلى وجود عبد الله عكاشة فيها كمطرب أكثر من وجوده فيها كممثل، حيث كان يقوم في أكثر العروض بإلقاء بعض القصائد الغنائية بين الفصول أو بين المشاهد التمثيلية، حتى ولو لم يكن في هذه العروض دور تمثيلي له.
وقد بدأت فرقة فكتوريا موسى عملها مع بداية موسم 1926-1927.
2
وأول مسرحية لها كانت «زهرة الشاي»، بقلم محمد مسعود
3
وعباس علام، وأشعار فرنسيس شفتشي، وألحان كامل الخلعي. وقام بتمثيلها: فكتوريا موسى، عبد الله عكاشة، محمد بهجت، حسن فايق، عبد الوارث عسر، حنا وهبة، مصطفى كامل الفلكي، مصطفى سامي. وتم عرض هذه المسرحية يوم 11 / 11 / 1926، على مسرح كازينو البوسفور بميدان محطة باب الحديد.
4
محمد مسعود.
وزهرة الشاي هو اسم بطلة المسرحية، مثله مثل اسم أية امرأة. وهذه المسرحية تبحث في أخلاق الصينيين واليابانيين وعاداتهم، وتشرح ضعف وطنية الصينيين وكيدهم لبعضهم، مما أدى إلى هزيمتهم أمام اليابانيين، الذين اجتمعت كلمتهم وتوحدت مقاصدهم. وهذه المعاني جاءت من خلال دروس بالغة الوطنية والشمم وتضحية النفس في سبيل البلاد والشرف، هذا بالإضافة إلى تعرضها للديانة البوذية، وكيف أنها تضع الزوج في مقام المعبود عند الزوجة، كما أنها تعرضت لبعض الآفات الاجتماعية مثل الإدمان.
وهذه المسرحية لاقت نجاحا كبيرا، مما جعل الفرقة تتشجع وتعرض مسرحيتها الثانية «المرأة الكدابة» يوم 23 / 12 / 1926 بكازينو البوسفور، وهي من اقتباس عباس علام، وقد اقتبسها عن رواية
BABY MINE
تأليف الكاتبة الإنجليزية
MARGERITE MAYO .
5
وقام بتمثيلها: عبد الله عكاشة، فكتوريا موسى، محمد بهجت، عبد الوارث عسر، لبيبة فارس، منيرة أحمد، الراقصة لينا.
6
ومسرحية «المرأة الكدابة» تدور أحداثها حول زوج يتهم زوجته بالكذب واختلاق الأعذار الواهية، التي تطالعه بها كلما علم بخروجها من المنزل. ثم يزداد غضبه حينما يعلم من خادم الحلواني أن زوجته قد تناولت الحلوى مع صديق لها، بينما زوجته تقسم بكل جهدها أنها لم تذهب في هذا اليوم ولم تخرج من منزله. ثم نعرف أن من ذهبت معه هو ابن خالتها الذي يشارك زوجها في عمله الهندسي، ويشتد غضب الزوج من توهم خيانة زوجته، ويتوجه بحنقه وغضبه على صاحبها الجبان؛ لأنها عنده بريئة وعفيفة. ثم نجد هذا الجبان جالسا مع الزوج - والزوج بالطبع لا يعلم أن الجالس معه هو الجبان بذاته - يستعطفه ويسترضيه ويطلب منه الصفح عن هذا الجبان. وبعد محاولات مماثلة يسافر الزوج إلى السودان ويشترط أنه لن يعود حتى تجيئه امرأته بمولود. وتعمل زوجته الفكرة مع ابن خالتها على أن يحصل من أحد الملاجئ على طفل حديث الولادة ليرسل في طلب الزوج. ويحضر الزوج فعلا ويسر برؤية مولوده، ولكن الحيلة تنكشف في النهاية، ويقف الزوج على الحقيقة فتلقي عليه زوجته درسا في إنها غير كاذبة.
وبعد أسبوع واحد، وفي أواخر ديسمبر 1926، قامت الفرقة بعرض مسرحيتها الجديدة الثالثة «الفراشة»، تأليف هنري باتاي، تعريب أحمد محمد مندور وعبد الوارث عسر. وقام بتمثيلها: عبد الله عكاشة، فكتوريا موسى، عبد الوارث عسر، حنا وهبة، لبيبة فارس، فاضل، فريد أحمد، مصطفى سامي، الراقصة لينا.
7
والأوركستر برئاسة المايسترو دافيد سليم.
8
ومسرحية «الفراشة» تدور أحداثها حول فتاة أحبت نبيلا حبا شديدا، وتمت الخطبة بينهما، وفي يوم ما شعرت بأعراض مرضية فذهبت إلى المستشفى وعلمت بأنها مريضة بمرض السل، وفي مرحلة متأخرة يصعب فيها العلاج والشفاء. هنا قررت الفتاة التضحية بحبها في سبيل خطيبها، عندما أخبرته أنها خدعته بحبها، حيث إنها امرأة لعوب تعشق غيره. وأمام هذا يبتعد الخطيب عنها ويقرر الزواج من امرأة أخرى. ولكن الفتاة المسلولة التي أحبته بصدق شعرت بآلام الحب ولذاته وهي تقاوم الموت، ولم يبق من سني حياتها إلا ساعات معدودة، فنجدها تهب كل ثروتها لمن يطمئنها بأنها ستعيش سنة واحدة لتقترن بخطيبها الذي تعبده وتطلب مهلة في الحياة، ولكن الموت القاهر يوقف أنفاسها وسرير عرسها مكلل بباقات الورد، وهي تبتسم لمن حولها وتسألهم متى يحتفلون بزفافها.
أما المسرحية الجديدة الرابعة فكانت «طاقية الإخفاء»، وقد عرضتها الفرقة بالبوسفور ابتداء من 7 / 1 / 1927. والمسرحية من تأليف حسين سعودي، ومن تمثيل: فكتوريا موسى، عبد الله عكاشة، محمد بهجت، حسن فايق، مصطفى سامي، لبيبة فارس، زاهية سامي.
9
والمسرحية تدور حول عائلة مصرية - مكونة من السيد محمد أحد الأغنياء، وابنه فوزي، وابنته زينب، وخادمهم الحاج علي - ذهبت لقضاء فريضة الحج، فهجم عليهم قطاع طريق فاختطفوا فوزي وزينب وهرب الأب والخادم. فأما زينب فبيعت إلى أمير في بغداد، فسجنها في قصره بعد أن رفضت إشباع غريزته. وأما فوزي فقد أصبح من ندماء هذا الأمير. أما الخادم علي فقد احتمى في مغارة عن أعين اللصوص، فكانت مسكونة بالجن، فيحصل منهم على طاقية الإخفاء وحبل السلامة، وبهما استطاع بعد عدة مواقف أن ينقذ الأسرة ويعود بها إلى مصر.
وكانت مسرحية «الساحر» هي المسرحية الجديدة الخامسة في عمر الفرقة، وقد اقتبسها عباس علام وشفيق صبحي عن رواية
LA GRANDE EPOUVANTE
التي وضعها
ANDRE LORDE & H.BAUCHE . وعرضتها الفرقة بالبسفور ابتداء من 20 / 1 / 1927، وقام بتمثيلها: فكتوريا موسى، محمد بهجت، عبد الوارث عسر، حنا وهبة، حسين فهمي، منسي فهمي، حسن فايق. والمسرحية تدور حول فكرة أن للسحر حقيقة، وأن للتنويم المغناطيسي تأثيرا في حوادث الإنسان.
10
وبعد أسبوع واحد قدمت الفرقة مسرحيتها الجديدة السادسة، وهي «الحب بالعافية»، عربها سيد والي عن رواية «أدريين» الفرنسية، وقدمتها الفرقة ابتداء من 27 / 1 / 1927، وكانت من تمثيل: فكتوريا موسى، محمد بهجت، حسن فايق، عبد المجيد شكري، حمايات جمال، روجينا إسرائيل.
11
والمسرحية تدور حول بطلة المسرحية أدريين، زوجة المقاول العجوز، التي يعشقها شاب ويصارحها بغرامه فتصده لأنها عفيفة شريفة، ولكن الشاب يحتال على الأمر بأن ينتحل صفة خادم فيدخل بيتها، وتشاء المصادفة أن يطلع على خطابات تثبت أن زوجها على علاقة بامرأة أخرى، فيهدد الشاب الزوج بافتضاح أمره إلا إذا عينه سكرتيرا خاصا له، وبذلك يمكث في البيت أطول فترة ممكنة. وبالفعل يحدث هذا مما يجعل الزوجة تتبرم من إلحاح هذا الشاب، ويلاحظ الزوج أن الشاب أو السكرتير يتصرف بغرابة، فيبحث في الأمر حتى يكتشف الحقيقة بأن زوجته شريفة وأن هذا الشاب يحاول إيقاعها في حبائله الشيطانية، فيقوم الزوج أخيرا بقطع علاقته بالمرأة الأخرى، ويعترف لزوجته بالحقيقة ويطلب منها السماح، ويتفقا على طرد السكرتير.
وابتداء من 17 / 2 / 1927 قدمت فرقة فكتوريا موسى مسرحيتها الجديدة السابعة «كريم شيكولات»، تأليف برناردشو، وتمثيل: فكتوريا موسى، محمد بهجت، حسن فايق، عبد المجيد شكري، منسي فهمي، حنا وهبة، لبيبة فارس، حسين فهمي، منيرة أحمد، حمايات جمال، روجينا إسرائيل، فيوليت.
12
وقام بتعريبها شفيق صبحي،
13
والأصح أن مترجمها هو صلاح الدين كامل.
14
وتتلخص المسرحية في أن رينا ابنة الجنرال بيكوت - قائد الجيوش البلغارية - عندما كانت جالسة في حجرتها تقرأ دخل عليها جندي سويسري هارب من مطاردة الجنود، وكان شاحبا متعبا، فخبأته الفتاة في حجرتها، وأقنعت الجنود عندما دخلوا عليها بأنه لم يأت، فخرج الجنود، وعادت هي إلى الجندي فأطعمته الموجود لديها، وكان كريم شيكولات. وبعد أن أكل الجندي استراح على سريرها، وجلست الفتاة تتأمل فيه وهو نائم، فوقعت في غرامه، متجاهلة خطبتها لأحد الضباط. وأخبرت الفتاة أمها بالحقيقة، فساعدتها الأم على خروج هذا الجندي من المنزل متخفيا بعد أن ارتدى معطف الأب الجنرال. وبعد انتهاء الحرب قص الجندي ما حدث إلى أحد أصدقائه، فانتشر الأمر بين الجميع حتى وصل إلى والد الفتاة وخطيبها. وعندما عاد الأب الجنرال إلى المنزل سأل زوجته عن المعطف، فاضطربت وقبل أن تجيب يحضر الجندي كي يعيد المعطف، وهنا تحدث المواجهة بين الجميع، وبعد حوار طويل بين جميع الشخصيات تتزوج الفتاة من الجندي بعد أن يتضح أنه من الأعيان ومن كبار قادة الجيش السويسري، ويقوم الضابط خطيب الفتاة بالزواج من خادمتها التي تحبه حبا شديدا.
وتعتبر مسرحية «سخرية الحياة» آخر مسرحية جديدة قدمتها الفرقة في هذا الموسم، وقد بدأ عرضها في 17 / 3 / 1927، وهي من اقتباس صلاح الدين نديم وزكي لاشين، ومن تمثيل: فكتوريا موسى، منسي فهمي، عبد الوارث عسر، حنا وهبة، مصطفى كامل الفلكي، لبيبة فارس، منيرة أحمد، روجينا إسرائيل.
15
والمسرحية تدور حول هيام هانم زوجة عفت باشا، التي تعيش معه رغما عنها، حيث إنها تحب الدكتور جلال، وأكثر من مرة تطلب الزوجة الطلاق ولكن الزوج يرفض متلذذا بعذابها. وأمام هذا تسقط الزوجة في بئر الخيانة، وتعيش مع الدكتور حياة آثمة، كانت نتيجتها طفل ظن الباشا أنه ابنه. وبمرور السنوات يصاب الابن بالسل، وعندما يقرر الباشا إبعاد الابن عن جو البيت كي يشفى تمنعه الزوجة وتقر أمامه بالحقيقة، بأن هذا الطفل ليس ابنه. هنا يهجم الباشا على زوجته فيقتلها خنقا.
وإذا كانت فرقة فكتوريا موسى استطاعت في أول موسم لها أن تعرض ثماني مسرحيات جديدة، إلا أنها مثلت أيضا مسرحيات مأخوذة من عروض الفرق الأخرى، وبالأخص فرقة عكاشة. ومن هذه المسرحيات: «سهام» و«كوثر». والأولى مثلتها الفرقة ابتداء من 21 / 4 / 1927، وكانت من تمثيل: فكتوريا موسى، فكتوريا كوهين، فاطمة سري، عبد الوارث عسر، حنا وهبة، لبيبة فارس، محمد بهجت، عبد الله عكاشة، حسين فهمي.
16
أما الثانية فقد مثلتها الفرقة أيضا في أواخر أبريل 1927، وظلت تعيد عرضها مرارا حتى نهاية الموسم. وكانت بطولة: فكتوريا موسى، محمد بهجت، حنا وهبة، عبد الله عكاشة.
17
وبخلاف هاتين المسرحيتين وجدنا الفرقة تعرض مجموعة من المسرحيات، منها: «الطبيعة والزمن»، «غانية الأندلس»، «مغائر الجن».
18
وكلها من المسرحيات الشهيرة التراثية التي كانت تعرضها معظم الفرق المسرحية.
أما عروض الفرقة في الأقاليم لهذا الموسم، فقد تمثلت في عدة عروض من مسرحياتها الجديدة في الثلث الأول من شهر فبراير 1927، وذلك بمسرح البلفدير بالإسكندرية، ودمنهور، وبمسرح البلدية بطنطا، وبسينما عدن بالمنصورة.
19
وفي مارس 1927 قامت الفرقة بعرض مسرحيتي «المرأة الكدابة» و«الحب بالعافية» في المنصورة.
20
وفي أبريل قامت برحلة فنية أخرى إلى الأقاليم .
21
وفي يونية 1927 عرضت الفرقة مسرحيات عديدة بالإسكندرية، منها : «زهرة الشاي»، «عظة الملوك»، «سهام»، «الحب بالعافية» بمسرح الهمبرا.
22
وبعد انتهاء الموسم التمثيلي الأول لفرقة فكتوريا موسى انقطعت أخبارها الفنية، ولم نسمع بها طوال ما يقرب من العامين، وذلك بسبب انضمام فكتوريا موسى إلى فرقة رمسيس بعد أن حلت فرقتها. وبعد عامين انفصلت فكتوريا عن رمسيس وكونت فرقتها القديمة مرة أخرى، وأعادت تمثيل مسرحية «المرأة الكدابة» على مسرح رمسيس في فبراير 1929. وكانت بطولة فكتوريا وعبد الله عكاشة.
23
وفي أبريل من نفس العام مثلت الفرقة مسرحية «سهام» كإعانة لمدرسة الكمال الابتدائية بشبرا.
24
وفي أواخر ديسمبر من العام نفسه عرضت مسرحية «غانية الأندلس» على مسرح رمسيس.
25
وفي أواخر فبراير 1930 قامت الفرقة برحلة فنية إلى بغداد، فعرضت هناك عدة مسرحيات لصالح أحد المتعهدين.
26
وفي أواخر فبراير 1931 مثلت الفرقة مسرحية «المرأة الكدابة» على مسرح الماجستيك.
27
وفي منتصف يولية 1931 مثلت الفرقة مسرحية «المشكلة الكبرى» ببرنتانيا.
28
وفي أبريل 1933 مثلت مسرحيتي «زهرة الشاي» و«كوثر» على مسرح الأوبرا.
29
وفي مايو 1934 مثلت مسرحية «الشيخ متلوف» على مسرح الأوبرا أيضا.
30
وفي 14 / 9 / 1934 قالت مجلة «المصور»:
فكتوريا موسى هي النجم الذي لمع في فجر النهضة المسرحية، فكان ضياؤه يبهر الأنظار. وهي الكوكب الذي اعتلى خشبة المسرح، في وقت كان النبوغ فيه وقفا على اثنتين أو ثلاث من فتيات الجنس اللطيف. وهي الممثلة التي كانت تقوم بأدوار وجدانية قل أن تجاريها فيها من عداها من الممثلات. هذه هي فكتوريا موسى التي قلب الدهر لها ولزوجها عبد الله عكاشة ظهر المجن، فاعتكفا حينا من الوقت كانا يختلسان أثناءه فترات من الدهر الغادر، فيطالعان الناس أثناءها بشيء من رواياتهما القديمة، التي كان الجمهور يعجب بها ويقبل على مشاهدتها. على أن الحظ العاثر الذي وقف في سبيل الزوجين هذا الوقت الطويل كان يؤذنهما بوداع نرجو ألا تكون له رجعة. فقد تفضل القاضي الفاضل عمر عارف فأعطى للزوجين أربع روايات جديدة من مؤلفاته القيمة، هي: «الفجر» و«سوسن العبرانية» و«هو الحب» و«سانوجيت». والرواية الأخيرة مصرية فرعونية ، هذا فضلا عن رواية «هدى» التي سمح مؤلفها عمر لفكتوريا بحق تمثيلها، وهي الرواية التي وضع ألحانها المرحوم سيد درويش. وقد طلبت فكتوريا وعبد الله من وزارة المعارف أن تسمح لفرقتهما بالظهور على مسرح الأوبرا في الموسم القادم لتمثيل هذه الروايات الجديدة، مضافا إليها رواية «السلطان قلاوون»، وهي واحدة من آثار المرحوم عبد الحليم المصري المسرحية. ونقول بهذه المناسبة إن الفرقة ستمثل في يوم 20 سبتمبر الجاري رواية «المرأة الكدابة» على مسرح برنتانيا.
وفي أكتوبر 1934 مثلت الفرقة ببرنتانيا مسرحية «سهام»، بطولة: فكتوريا موسى، وعبد الله عكاشة، وعبد العزيز خليل، ومحمد يوسف، وعبد المجيد شكري، وماري كفوري. كما مثلت الفرقة في الشهر نفسه «المشكلة الكبرى» و«المرأة الكدابة» و«تليماك».
31
وفي فبراير 1935 مثلت الفرقة مسرحية «المرأة الكدابة» بالأوبرا، بناء على ترخيص وزارة المعارف، كما مثلت مسرحية «الزوبعة» ببرنتانيا في أواخر الشهر نفسه. وفي أبريل مثلت مسرحية «القضاء والقدر» بالأوبرا لصالح جمعية المواساة الإسلامية بالقاهرة.
32
وكانت هذه العروض هي آخر عروض مسرحية عرضت باسم فرقة فكتوريا موسى؛ حيث تكونت الفرقة القومية المصرية، فانضمت إليها فكتوريا موسى وزوجها عبد الله عكاشة، وقاما بتمثيل عدة عروض في أول موسم لهذه الفرقة، ومنها: «أهل الكهف»، «أندروماك»، «مجرم». وفي نهاية الموسم الأول للفرقة القومية استغنت إدارة الفرقة عن فكتوريا موسى لتتوقف نهائيا عن التمثيل المسرحي عام 1936.
33
أما عبد الله عكاشة، فقد عمل أمينا لمخازن الفرقة القومية حتى توفي عام 1941.
وهكذا كانت نهاية فرقة فكتوريا موسى، التي جمعت رموزا فنية منها: حسن فايق، حسين فهمي، حمايات جمال، حنا وهبة، دافيد سليم، روجينا إسرائيل، زاهية سامي، عبد العزيز خليل، عبد الله عكاشة، عبد المجيد شكري، عبد الوارث عسر، فاضل، فاطمة سري، فريد أحمد، فكتوريا كوهين، فيوليت، لبيبة فارس، لطيفة نظمي، لينا الراقصة، ماري كفوري، محمد بهجت، محمد يوسف، مصطفى سامي، مصطفى كامل الفلكي، منسي فهمي، منيرة أحمد.
فرق المسرح الغنائي المغمورة
صالة بديعة مصابني.
صالة رتيبة وأنصاف رشدي.
صالة ببا عز الدين.
صالات أخرى.
المسرح في الصالات
بعد انتهاء زمن الغناء الجميل للشيخ سلامة حجازي، تطلع فريق من جمهور المسرح إلى البديل، فلم يجد أمامه غير منيرة المهدية وإخوان عكاشة. ولكن غناءهما كان أقرب إلى طريقة الشيخ سلامة، وكأنه نوع ممسوخ من الأصالة القديمة دون تجديد أو ابتكار يواكب العصر. وبعد شيوع الأنواع الكوميدية من قبل الفرق الكبرى، أمثال: الريحاني وعلي الكسار، وغيرهما من الفرق الصغرى أمثال: فوزي منيب، ومحمد كمال المصري، ويوسف عز الدين ... إلخ هذه الفرق؛ لم يجد فريق من الجمهور المتطلع إلى الغناء الأنواع الكوميدية الخفيفة الممتزجة بالغناء.
وأخيرا وجد هذا الفريق بغيته في الصالات والكازينوهات، التي كانت تقدم جميع الأنواع والأشكال الترفيهية، ومنها التمثيل المسرحي القائم على الكوميديا والغناء، والإسكتشات المفعمة بالمنولوجات الخفيفة، والاستعراضات القائمة على الإبهار البصري والسمعي، الممتزجة بجميع الأنواع الراقصة عربيا وأجنبيا. وهكذا استطاعت الصالات والكازينوهات أن تجذب فريقا كبيرا من جمهور المسرح، خصوصا في أوقات أزمات المسارح والفرق الكبرى، وأيضا في أوقات الحروب، وبالأخص الحرب العالمية الثانية. هذا بالإضافة إلى أن أسعار دخول هذه الأماكن أقل بكثير من أسعار دخول المسارح.
ومن الجدير بالذكر أن المسرحيات والإسكتشات التي كانت تقدم في هذه الصالات والكازينوهات لا يستغرق عرضها أكثر من ساعة، وأقل من ذلك في أحيان كثيرة، وأن أغلب موضوعاتها كانت اجتماعية كوميدية خفيفة، وفي أحيان كثيرة كانت خيالية لا تمت للواقع بصلة، وهذا هو النوع المطلوب لرواد هذه الأماكن، الذين ينشدون التغييب عن واقعهم، فلا يريدون إيقاظ العقول بقدر إمتاع النفوس والشهوات. وفي بعض الأحيان نجد أغلب الموضوعات المقدمة في هذه الأماكن هي موضوعات مأخوذة بتصريف من المسرحات الطويلة التي كانت تمثل من قبل الفرق الكبرى، ومن ذلك موضوعات صالة ببا عز الدين التي كانت مأخوذة من مسرحيات نجيب الريحاني.
وعلى الرغم من شيوع هذه الصالات والكازينوهات فترة طويلة من الزمن، إلا أن ظهورها لاقى هجوما مضادا منذ البداية. فقد كافح عبد الحميد سعيد، رئيس جمعية الشبان المسلمين في مصر عام 1928، ظهور هذه الصالات،
1
وبالأخص ما تقدمه من رقص خليع لا يتناسب مع عاداتنا الشرقية ومعتقداتنا الدينية. ولكن محاولته هذه لم تكلل بالنجاح؛ لأن تيار هذه الصالات بمساعدة جنود الاحتلال، وبعض الجاليات الأجنبية، كان أقوى بكثير من إمكانيات الجمعية.
أما المحاولة الثانية، فكانت عام 1933، عندما لاحظت لجنة الرقابة المسرحية بوزارة الداخلية أن هذه الصالات تقدم بعض المسرحيات دون أن تأخذ تصريحا من الرقابة على تمثيلها، أسوة بالمسرحيات الطويلة للفرق المسرحية؛ لذلك خصصت الداخلية بعض الموظفين لمراقبة ما يحدث في هذه الصالات، وتقديم التقارير لما يخل بالآداب فيها.
2
ولكن هذه المحاولة وغيرها لم تستطع أن تقف أمام تيار هذه الصالات الجارف، الذي كان يبتلع كل محاولة لإيقافه، وذلك بمساندة الأعيان والأثرياء والشخصيات السياسية والثقافية التي كانت من رواد هذه الأماكن. واستطاعت هذه الصالات أن تؤثر سلبا على بعض الفرق المسرحية الكبرى، التي كانت متزامنة في العمل معها. بل واستطاعت أن تجذب من هذه الفرق رموزها وأعمدتها الفنية كما سنرى. وإحقاقا للحق فكانت لهذه الصالات والكازينوهات إيجابية خاصة، تمثلت في ظهور بعض النوابغ في التمثيل والغناء، ما كان يظن المرء منا أن بدايتها أو نهايته الفنية كانت في هذه الأماكن!
صالة بديعة مصابني
ولدت بديعة مصابني في دمشق سنة 1894، ولما بلغت الخامسة من عمرها هاجرت مع أهلها إلى الأرجنتين، وتعلمت هناك القراءة والكتابة واللغة الإسبانية، ولما بلغت أشدها عادت إلى مصر لتعيش مع خال والدتها، الذي كان يسكن بجوار مسرح حديقة الأزبكية حيث يعمل جورج أبيض، فتعرفت عليه بديعة عن طريق فؤاد سليم، وبدأت عملها الفني مع جورج أبيض لمدة ثلاثة أشهر بدون أجر. ثم التحقت بفرقة الشيخ أحمد الشامي في عام 1913 بمرتب شهري قدره 6 جنيهات، وقامت بتمثيل مسرحيات: «عواطف البنين»، «الابن الخارق للطبيعة»، «عائدة». ثم انتقلت بعد ذلك للعمل بفرقة جامعة الفنون الجميلة عام 1917، حيث شاركت في بطولة مسرحيتي: «الشريط الأحمر»، «إبليس في الجنة». وفي عام 1919 انتقلت إلى تياترو الشانزليزيه حيث كانت تلقي بعض الأغاني، بجانب تمثيل محمد كمال المصري «شرفنطح».
1
بدأ نجم بديعة مصابني يتألق في الساحة المسرحية عام 1922، عندما انضمت إلى فرقة نجيب الريحاني، وكان يطلق عليها في ذلك الوقت لقب «عروس المراسح السورية». وزاد من تألقها في التمثيل المسرحي زواجها من الريحاني في سبتمبر 1924، حيث قامت ببطولة أغلب مسرحيات الفرقة، ومنها: «الحلاق الفيلسوف»، «ريا وسكينة»، «أفوتك ليه»، «دقة المعلم»، «البرنسيس»، «الليالي الملاح»، «الفلوس»، «مجلس الأنس»، «لو كنت ملك»، «كشكش في الجيش»، «الشاطر حسن».
2
وفي عام 1925 تكونت فرقة جديدة قوامها: أمين صدقي ونجيب الريحاني وبديعة مصابني وفتحية أحمد، وقدمت عدة مسرحيات تألقت فيها بديعة مصابني، ومن أهمها: «قنصل الوز»، «مراتي في الجهادية»، «حلاق بغداد»، «الأمير»، «أيام العز».
3
وفي عام 1926 انفصلت بديعة عن زوجها نجيب الريحاني - ولم ترزق بأولاد منه، ولكنها تبنت فتاة اسمها جوليت - وقررت تأليف فرقة غنائية تقدم من خلالها الطقاطيق والمنولوجات الغنائية، فكان هذا القرار بداية إنشاء صالة بديعة مصابني.
بديعة مصابني.
بدأت بديعة العمل في موسم 1926-1927 بصالتها التي كانت تقع في شارع عماد الدين، بين مسرحي الماجستيك وسميراميس، وتم افتتاحها في 4 / 11 / 1926، بغناء ورقص من بديعة، بالإضافة إلى غناء جميل عزت. وفي الأسبوع التالي أضافت إلى برنامجها مسرحية «لهيب الحب». وبمرور الوقت انضمت إلى الصالة فاطمة سري وكريمة ديمتري كمطربتين، بجانب الموسيقيين: إبراهيم العريان، زكي عزت، محمد هارون.
4
وفي موسم 1927-1928 بدأت بديعة تخصص بعض الحفلات للسيدات فقط، وذلك كل يوم ثلاثاء من كل أسبوع. كما أضافت إلى الصالة المطربات ماري وفتحية أحمد وسمحة البغدادي ومفيدة أحمد، والمطرب محمد عبد الوهاب، والراقصات ليلى وشفيقة وليلى مراد وأفرانز هانم. وكانت صالتها تبتكر في الرقص، فتطلق أسماء رقصات أصبحت مألوفة في هذا الوقت، مثل: رقصة البدو، ورقصة الغزال، ورقصة الطاووس، ورقصة الرياضي، ورقصة الريفية، ورقصة الشارلستون. وفي صيف هذا الموسم افتتحت بديعة صالتها بالسلسلة في الإسكندرية، وأضافت إليها مقهى شعبيا وحديقة مفتوحة ليلا ونهارا.
5
بعد هذا الموسم تركت بديعة صالتها واتجهت إلى المسرح مرة أخرى، حيث انضمت إلى فرقة نجيب الريحاني، وقامت ببطولة مسرحياتها طوال موسم 1928-1929، ومثلت فيه مسرحيات: «ياسمينة»، «أنا وأنت»، «علشان بوسة»، «علشان سواد عينيها»، «آه من النسوان»، «مصر سنة 1929».
6
وفي الموسم التالي تركت بديعة فرقة نجيب الريحاني وعادت إلى صالتها، وأضافت إليها عدة مطربات وراقصات، أمثال: بثينة، نادرة، خيرية، ببا. كما وقع اختيارها على جزء من كازينو الكوبري الأعمى أو الكوبري الإنجليزي بالجيزة - الذي كانت تشغله منيرة المهدية، وكان يسمى كازينو الفنتازيو، وهو حاليا فندق شيراتون القاهرة - ففاوضت أصحابه على إيجاره، وبالفعل تم الاتفاق ليكون مقرا صيفيا جديدا لصالة بديعة بدلا من مقرها بالإسكندرية. وقد استغرق تجهيز هذا المكان وقتا طويلا، حتى تم افتتاحه في أول يونيو 1931.
7
وظلت بديعة تدير هذا المكان صيفا باسم كازينو بديعة، وتدير أيضا صالتها بشارع عماد الدين شتاء.
وفي موسم 1931-1932 بدأت بديعة تدخل تجديدات على برنامجها الفني، تمثلت في عرض مسرحيات قصيرة من تأليف أمين صدقي، وتمثيل محمد كمال المصري «شرفنطح»، ومنها: «من فات قديمه»، «أولاد الرعاع»، «اللص الشريف». هذا بالإضافة إلى إلقاء منولوجات من سيد سليمان، بالإضافة إلى برنامج الغناء والرقص. كما أضافت بديعة إلى صالتها الراقصات: ميمي مارتنس، بهية أمير، ماري هند، امتثال، نادية، نينا.
8
نموذج من إعلانات صالة بديعة مصابني.
وفي صيف 1933 أضافت بديعة إلى برنامجها فرقة ناندي الاستعراضية، كما حرصت على وجود التمثيل المسرحي من خلال التنوع في التأليف. ومن عروضها المسرحية في هذا الصيف: مسرحية «مانتش قدي»، تأليف عبد النبي محمد، وتمثيل كيكي وحسين إبراهيم. ومسرحية «سلامات»، تأليف محمود فهمي إبراهيم. هذا بالإضافة إلى غناء نادرة، ورقص نينا وماري.
9
خطاب بديعة مصابني إلى مدير قلم المطبوعات بالداخلية بخصوص مسرحية «سلامات».
وإذا أخذنا مسرحية «سلامات»
10
كنموذج مسرحي لما تقدمه بديعة، سنلاحظ أنها تختار مسرحيات ذات فصل واحد، وموضوعاتها مأخوذة من مواقف الحياة العائلية، المشبعة بالضحك وكوميديا الموقف. فمثلا هذه المسرحية تدور حول الصحفي مبروك وزوجته وهيبة سليطة اللسان، التي تصرف ماهيته على شراء أوراق اليانصيب، دون أن يعلم الزوج بهذا الأمر، وهذا التصرف جعل الديون تتكاثر عليه. وفي يوم ما بعد أربعة أشهر حضر الجزار والبقال وصاحب البيت يطالبون بأموالهم المتأخرة، وعندما يكتشف الزوج إسراف زوجته يلقي بنفسه من الشباك دون أن يصاب، فتستغل الزوجة هذا الحادث وتعلن عن وفاة زوجها، فيتنازل الدائنون عن ديونهم، ويتجمع الجيران فيساهمون في جمع الأموال لدفن مبروك أفندي. وهنا يظهر مبروك ويجمع الأموال ويدفع ديونه، وتنتهي المسرحية.
ومن سمات هذا اللون المسرحي تشابك الأحداث وتعقدها. فإذا نظرنا إلى الأحداث السابقة، وأضفنا إليها حضور حماة مبروك التي لا تقل في سلاطة اللسان عن ابنتها؛ سنكتشف مدى تعقد الأمور في هذه المسرحية. هذا بالإضافة إلى اعتماد هذا اللون المسرحي على إلقاء الكلمات النابية، فمثلا تبدأ المسرحية بظهور الزوجة «وهيبة»، وهي تحدث نفسها قائلة: «هو حد زي؟ ... لا والنبي ... الناس يتجوزوا بني آدمين وأنا اللي بختي مال ... ده جوز ده؟! ... ده جوز جزمة! ... دايما زي الشريك المخالف، أقوله شرق يقولي غرب ... احترت يا أخواتي ... طول بالك علي يا مبروك الكلب ... بس تيجي نينة وأنا أطفحك الكوتة ... إن ما مشيتك على العجين ماتلخبطوش.»
وإذا نظرنا إلى مخطوطة مسرحية «يا كتاكيتها»،
11
تأليف محمود فهمي إبراهيم أيضا، التي مثلتها بديعة في يونية 1933،
12
سنجد أنها تدور حول أرملة طردت ابنها من أجل أن تتزوج بشاب صغير. وبمرور الوقت يعيش الابن في بحبوحة ويزوره أحد الأصدقاء من أجل الاستدانة، وبعد مواقف كوميدية يتضح أن هذا الصديق ما هو إلا زوج الأرملة، جاء يستدين بعد أن بدد ثروة زوجته. وفي هذا الموقف يحضر المحامي ليبلغ الابن بأن القضية تم الحكم فيها اليوم، وحكمت المحكمة بحبسه ثلاثة أشهر، بسبب تعديه على ضابط بوليس بالضرب. وهنا يستغل الابن أزمة الصديق ويقايضه بأن ينتحل اسمه ويقضي المدة بدلا منه مقابل إعطائه المال المطلوب.
ومن الملاحظ أن بديعة مصابني في هذا الوقت اهتمت باللون المسرحي أكثر من اهتمامها بالطرب والرقص. فبعد أن كانت إعلانات صالتها تكتظ بأسماء المطربات والراقصات، أصبحت شبه قاصرة على إعلانات المسرحيات فقط، مع وجود طرب لنادرة ورقص لببا. ومن هذه المسرحيات: «أوعى تتكلم»، «خير إن شاء الله»، «بختك رزقك»، «السرايا الصفرا». ووصل اهتمام بديعة بالمسرحيات أن اجتذبت أقلام مشاهير كتاب المسرح في تلك الفترة، فنجد في بروجرامها مسرحيات: «البريمو»، «أما ورطة»، «عريس الغفلة» لبديع خيري، ومسرحيات «اسم الله عليه»، «عصبة الأمم الشرقية»، «والله بركة» لأمين صدقي، ومسرحية «البريد المستعجل» لمحمود التوني.
13
خطاب بديعة إلى مدير قلم المطبوعات بخصوص مسرحية «البريمو».
خطاب بديعة مصابني إلى وزارة الداخلية بخصوص مسرحية «والله بركة».
وإذا نظرنا إلى مسرحية «البريمو» لبديع خيري، وهي ذات ثلاث عشرة صفحة، لا نستطيع أن نخرج منها بموضوع محدد! فهي عبارة عن مواقف وكلمات ونكات مضحكة. وكفى أن نعلم أن أسماء الشخصيات هي: شعليلة، كرع، نجفة، حركوش، رمانة، زلط، حلاوة، وأن أحمد السيد مفتش الداخلية قال في تقريره عن المسرحية: «فصل مضحك لا مغزى له، مضحك بنكاته ومواقفه وأشخاصه، وليس فيه ما يتنافى مع الآداب العامة ولا الأمن العام.»
أما مسرحية «والله بركة»
14
لأمين صدقي، فتدور أحداثها حول زوجين متحابين يزورهما بعض الأصدقاء والأقارب، وتأتي إليهما عدة رسائل، فتحدث مواقف كوميدية عديدة؛ لأن أغلب هذه الخطابات غرامية كانت متبادلة بين أصدقائهما وبعض الخدم، مما يجعل الزوجين يشكان في بعضهما البعض. وبعد عدة مواقف متشابكة ومعقدة تظهر الحقيقة، وتعود السعادة إلى الزوجين مرة أخرى.
بعد ذلك واصلت بديعة اهتمامها المسرحي طوال هذا الموسم، فعرضت مسرحيات كثيرة، منها: «عامللي فالح»، «وليم كركورة»، «أبوس رجلك»، «كتب كتاب الهنا»، «جوز الاثنين»، «جوازة بالمحضر». هذا بالإضافة إلى مسرحيات: «دايما ورايا» لحسين رشدي، «المسامح كريم» لبديع خيري، «قلنا كده» لمحمود صادق سيف، «إكسبريس طنطا» لأحمد جمال الدين، «لوكاندة الكبيبة»، «بسلامته راسي» لبشارة واكيم.
كما اشتمل بروجرام بديعة أيضا على ألوان مسرحية أخرى مثل الاستعراضات: ومنها: «جزيرة الكنز»، «الأنتيكخانة»، «ليلة البحر»، «ليلة في الجنة»، «عيادة تحضير الأرواح»، «مصيف الفقراء»، «حمام الهنا»، «فرقة المطافئ»، «أزهار الربيع»، «باللو في جهنم»، «غني يا كروان»، وأخيرا «بنات العرب» لأمين صدقي. وبعض الإسكتشات، مثل: «حركة المرور»، «ملك الخيال»، «مصيف الفقراء»، «حمام الهنا»، «فرقة المطافي». وأخيرا أوبريت «ابن الفيل وابن سوريا». كما أضافت بديعة إلى برنامجها بعض العروض الراقصة، خصوصا بعد أن ضمت إلى فرقتها الراقصة بدوية محمد علي النيداني كريم، التي اشتهرت فيما بعد باسم «تحية كاريوكا».
15
ومع بداية موسم 1934-1935 سافرت بديعة إلى اليونان والنمسا لانتقاء بعض العناصر الفنية النسائية كتجديد في البروجرام، الذي افتتح لهذا الموسم يوم 24 نوفمبر 1934، برواية «أحم أحم». وبعد أسبوع واحد أضافت بديعة استعراض «مهرجان توت عنخ آمون»، وإسكتش «جزيرة تونجا». وكان البروجرام بطولة بديعة وفتحية محمود وسيد سليمان مع الراقصة أوزيتا مونتجرو.
16
ومن المعروف أن بديعة كانت تغير برنامجها أسبوعيا، وكانت توجه اهتماما خاصا للمسرحيات، التي كانت تقدم على شكل استعراض، ومنها استعراض «شهيرات النساء»، الذي قدم في 17 / 12 / 1934، وكان من تمثيل: محمد عبد المطلب، حكمت فهمي، فتحية محمود، لطيفة نظمي، سارة، كريمة. وبهذا الأسلوب أعادت بديعة مسرحياتها السابقة، بالإضافة إلى استعراضات: «عرايس النيل»، «بلاد الثلج»، «رأس السنة»، «الباحثين عن الذهب»، «ليالي بغداد» لأبي السعود الإبياري، و«العجل أبيس». وإسكتشين: هما: «الأستوديو»، «المتحف». كما أضافت إلى فرقتها الراقصة حورية محمد.
17
وفي فبراير 1935 سافرت بديعة بفرقتها في رحلة فنية إلى طرابلس وتونس والجزائر ومراكش. وكانت الفرقة متكونة من: نادرة، أحمد شريف، فريد غصن، أحمد الحفناوي، أحمد غانم، فهمي أمان، فريد الأطرش. وبعد نجاح كبير في بلاد المغرب العربي عادت الفرقة لتبدأ موسمها الصيفي بكازينو بديعة بإدارة أنطوان عيسى،
18
فأعادت منذ أوائل يولية 1935 بعض عروضها السابقة، كما أضافت مسرحيات جديدة، منها: «حمد الله على السلامة»، «رقصة الزيبق»، «السيكورتاه»، «إيه الحكاية»، «دار بديعة»، «بتنجان الفن»، و«حرامي بالأجرة» لأبي السعود الإبياري. هذا بالإضافة إلى استعراضات: «الجمال الحب الحرب»، «البلاج المودرن»، «الزفة»، وأخيرا «متحف الشمع» لأبي السعود الإبياري. واختتمت الفرقة هذا الموسم بمسرحية «الدنيا بتلف» تأليف أبي السعود الإبياري أيضا، وإخراج موريس قصيري، وتلحين فريد غصن ومحمود شريف.
19
فريد غصن.
أنطوان عيسى.
بعد ذلك توقفت ملكة الاستعراض المسرحي بديعة مصابني فترة قصيرة عن إدارة صالتها؛ بسبب انشغالها ببعض الأفلام السينمائية، ومنها فيلم «ابن الشعب»، ومن ثم عادت إلى الصالة والكازينو مرة أخرى في مارس 1936، حيث قدمت في هذا الموسم تحت إدارة أحمد بيه مسرحيات : «أوعى تتكلم»، «غليوم وكليوباترا»، «ليلة الدخلة»، «السفيرة عزيزة »، «باريس ينتخب آلهة الجمال»، «سكرة يني»، «عش الغرام»، و«قلنا كده» لعبد النبي محمد، و«حجوج ومجوج» لمحمود التوني. كما قدمت إسكتشات: «سنارة الجنية»، «الطب الحديث»، «رعاة البقر»، «البلبل»، «العقل زينة»، «رومبة العشاق»، «بحر الغزال»، «الجندي المجهول»، و«الفلاحات المودرن» لأمين صدقي، و«فاميليا محترمة» و«آخر زمن» و«بيجامة البيه» لأبي السعود الإبياري، و«كف التمساح» لأحمد جمال الدين. وأغلب هذه العروض من تلحين عزت الجاهلي.
20
أبو السعود الإبياري.
ومنذ أغسطس 1936 بدأت بديعة تهتم بعروضها المسرحية، حيث أدخلت الأزجال والتلحينات المتنوعة، وخصصت لهما أشهر الكتاب والموسيقيين. وبدأ هذا الاهتمام في مسرحية «الشيطان شاطر»، تأليف محمود التوني، وأزجال محمود فهمي إبراهيم، وتلحين فريد غصن وعزت الجاهلي، ومن تمثيل: إبراهيم حمودة، تحية كاريوكا، سارة، كريمة أحمد. وكذلك كان الاهتمام بمسرحية «الجوز الأمريكاني»، تأليف أبي السعود الإبياري، تلحين فريد غصن. هذا بالإضافة إلى استعراضي «معرض الدجالين» و«سلطة مزيكة».
21
وإذا نظرنا إلى بعض موضوعات مسرحيات بديعة في هذا الموسم، سنجد مسرحية «آخر زمن»
22
لأبي السعود الإبياري، تدور حول حتحوت بك الذي يتحدث مع زوجته عن المخترعات الحديثة ومنها التليفزيون، الذي يديره أمامها فيعرض برنامج كازينو بديعة مصابني، الذي يعرض مسرحية «أوتيل أكلان هاوس»، حيث يدخل أحد الشوام وزوجته الفندق وينزلان في الغرفة رقم 4، ثم يخرج الزوج بناء على إلحاح زوجته لشراء قبعة لها. ويكون صاحب الفندق قد أمر الخادم بتنظيف أرقام الغرف النحاسية، ولكن الخادم بعد التنظيف يعيد الأرقام في غير أماكنها الصحيحة. ويدخل شرطي باحثا عن لص في الغرفة رقم 3، فيجد مجنونا وتحدث عدة مواقف يهرب الشرطي على أثرها. ثم يحضر ممثل وممثلة ويدخلان إحدى الغرف ويقومان بالتمثيل، فيحضر الزوج الشامي ويقف عند باب غرفتهما لأن رقمها 4 وهذا رقم زوجته، فيسمع حوارا غراميا تمثيليا، فيظن أن زوجته تخونه، فيذهب ويحضر الشرطي، وبعد عدة مواقف تظهر حقيقة اختلاط أرقام الغرف للجميع.
أما مسرحية «بيجامة البيه» لأبي السعود الإبياري أيضا، فتدور حول الزوج زنهار بك ، الذي كان مسافرا، وفي يوم عودته أعلنت الخادمة عن إجازتها، وأن زوجها حنطور سيحل محلها في خدمة المنزل. وقبل حضور الزوج تخرج الزوجة شكرية هانم كي توصي الخياطة بإحضار بيجامة جديدة للبك، وتأخذ معها حنطور الخادم الذي يسبقها في العودة إلى المنزل حاملا الأغراض المنزلية. وأثناء غياب كل من في البيت يحضر لص للسرقة، ويباغته الزوج الذي حضر قبل موعده، فيهرب اللص. وهنا يرتاب الزوج في الأمر. ثم تحضر الخياطة وتسلم الزوج البيجامة، فيجدها صغيرة جدا، فيزداد شكه أكثر. ثم يجد خطابا وعندما يقرؤه يجده خطابا غراميا، فيتأكد من خيانة زوجته. وهنا يطرق الباب ويدخل الخادم، فيظنه الزوج عشيق زوجته، فيهدده ويدخل إحدى الغرف لإحضار السكين، وهنا يغلق الخادم باب الغرفة، ويستنجد بالجيران، فيحدث هرج ومرج، وتحضر الزوجة ويتضح الأمر للجميع بأن الخياطة أخطأت في المقاس، وأن الخطاب الغرامي تركته الخادمة لزوجها حنطور.
أما مسرحية «حجوج ومجوج» لمحمود التوني، فتدور حول أمير يعود إلى بلاده «تنجانيقا»، بعد رحلة سفر في بعض الأقطار البعيدة، ويخبر وزيره عن علمين مهمين، قرأ عنهما في هذه الأقطار، وهما علم الكذب وعلم النصب، وهما من العلوم غير الموجودة في بلاده؛ لذلك يأمر وزيره بأن يحضر أستاذين في هذين العلمين ليعلما الشعب أصولهما. وفي هذا الوقت يتم القبض على وطواط وأبي فصادة بتهمة الكذب والنصب، وفي أثناء التحقيق معهما من قبل الوزير يفهمانه بأنهما أستاذان في الكذب والنصب، فيستعين بهما الوزير في تعليم الشعب هذين العلمين بناء على أوامر الأمير. وبعد عدة مواقف كوميدية يتضح للأمير أن هذين العلمين ما هما إلا علمان خسيسان لا يجب على الشعب تعلمهما.
إعلان مسرحية «دنيا تجنن».
وأخيرا نجد مسرحية «كف التمساح» لأحمد جمال الدين، تدور حول رجل أعمال تسوء حالته المادية، فيقرر زواج ابنته سميرة من أحد الأغنياء، بينما سميرة تحب شابا فقيرا اسمه حسني؛ لذلك يدبر حسني حيلة بأن يتفق مع أحد الدجالين على إيهام والد سميرة بأن كف التمساح يلبي له طلباته. وبالفعل يحضر الدجال وينفذ الأمر ، ويخبر والد سميرة بأن كف التمساح يلبي له ثلاثة طلبات، بشرط أن يأتي مع كل طلب خبر محزن. وبعد مواقف كوميدية كثيرة بسبب الطلبات والأخبار المحزنة يأتي أحد موظفي البنوك ليخبر والد سميرة بأنه كسب مبلغا كبيرا قيمة سند باسمه كان ضائعا. وتنتهي المسرحية بزواج حسني من سميرة وابتعاد والدها عن الخرافات.
هذه بعض النماذج من موضوعات المسرحيات التي كانت تقدمها فرقة بديعة مصابني في هذا الموسم، الذي انتهى في أواخر سبتمبر 1936، ومن ثم سافرت الفرقة في أكتوبر إلى أقاليم الوجه القبلي، مثل: بني سويف، المنيا، ملوي، أسيوط، سوهاج.
23
ومع بداية موسم 1936-1937 استأجرت بديعة مصابني مسرح برنتانيا لتعمل عليه بجانب صالتها بشارع عماد الدين. وتم افتتاح الموسم ببرنتانيا في الخامس من نوفمبر 1936 بمسرحية «دنيا تجنن»، تأليف أبي السعود الإبياري، وتلحين فريد غصن ومحمود الشريف، ومن تمثيل: بديعة مصابني، فتحية شريف، محمد كمال المصري «شرفنطح»، محمود التوني، ألفريد حداد، عبد الفتاح القصري، حسين إبراهيم. وظلت الفرقة تعرض هذه المسرحية لمدة أسبوعين.
24
ومسرحية «دنيا تجنن»
25
تدور حول أحد المرضى النفسيين، الذي يخرج بعد عشرين سنة من مستشفى المجاذيب، فيستقبله أحد الأصدقاء ويسير معه في رحلة استكشافية لما تم من تغيرات وتطورات في البلد طوال سنوات غيابه في المستشفى. وفي أثناء هذه الرحلة تحدث مواقف كوميدية كثيرة، تختلف فيها مشاعر المريض بين الرضا والخوف أمام التغيرات الكثيرة التي حدثت أثناء غيابه.
أما المسرحية الثانية التي قدمتها الفرقة ببرنتانيا فكانت «وراك وراك»، تأليف محمد مصطفى، تلحين فريد غصن ومحمود الشريف، وقامت بالاستعراض فيها بجانب أعضاء الفرقة فرقتا بريماس وجوني.
26
وكانت هذه المسرحية آخر مسرحية تقدمها الفرقة على مسرح برنتانيا، حيث قررت بديعة توجيه اهتمامها إلى صالتها بشارع عماد الدين؛ لذلك أجرت برنتانيا إلى بعض الفرق المسرحية الأخرى.
27
وفي صالة بديعة أعادت الفرقة في شتاء هذا الموسم مجموعة كبيرة من المسرحيات والإسكتشات والاستعراضات السابقة، كما أضافت إليها مجموعة جديدة من المسرحيات، منها: «صندوق العجائب»، «أصحاب الفيلا»، «هي وهو»، «تحفة»، «بتحب مين»، «عروسة بالمزاد»، «حنطور أفندي »، «الجبة المسحورة»، «حانوتي الأنس». كما قدمت استعراضات جديدة هي: «ليالي رمضان»، «ملك الجان»، «الشعراء»، «شباك التذاكر»، «السينما». كما قدمت إسكتشين جديدين هما: «البخت»، و«المولاوية».
28
وكمثال للموضوعات التي قدمتها الفرقة في هذا الموسم نجد مسرحية «صندوق العجائب» تدور أحداثها حول ساحر هندي اخترع صندوقا عجيبا يطلع الناس على مستقبلهم. وأول من تعرض لهذا الصندوق شاب وخطيبته طلبا من الساحر رؤيتهما في المستقبل، فخرج من الصندوق رجل كهل وامرأة عجوز في هيئة شحاذين، وهنا يغضب الشاب وخطيبته ويتركان الساحر. ثم يحضر للساحر رجل شامي وزوجته، وتطلب الزوجة من الساحر أن يريها مفاجأة زوجها في عيد ميلادها المقبل، فتخرج من الصندوق امرأة جميلة تنادي الزوج بيا حبيبي، وتذكره بموعده معها الذي يوافق يوم عيد ميلاد زوجته، فيهرب الزوج وتجري وراءه الزوجة. وأخيرا تحضر للساحر فتاة رياضية، رفضت خطابا كثيرين لعدم ميلها إليهم، وتطلب من الساحر أن يريها الخطيب المجهول الذي ستوافق عليه في المستقبل، فيخرج من الصندوق كلب؛ فتغضب الفتاة من الساحر وتتهمه بالنصب، وتنتهي المسرحية.
الصفحة الأولى من مسرحية «صندوق العجائب» المنسوخة.
أنهت بديعة موسمها الشتوي قبل موعده بفترة كبيرة، حيث قررت السفر إلى العراق وسوريا ولبنان طوال أشهر فبراير ومارس وأبريل، ومن ثم تعود لتبدأ موسمها الصيفي بالكازينو. ولكن هذه الرحلة لم تتم، وكانت بديعة قد وكلت عنها رسميا في إدارة الأمور أنطوان عيسى، الذي استغل هذا التوكيل فباع صالتها بشارع عماد الدين إلى ببا عز الدين بأبخس الأثمان؛ لذلك اضطرت بديعة أن تستغل هذه الفترة في العمل السينمائي والراحة أيضا كي يأتي موسم الصيف. وفي هذه الفترة مثلت بديعة في فيلم «الحل الأخير» مع سليمان نجيب وأمينة شكيب وسراج منير وراقية إبراهيم وعباس فارس وعبد الوارث عسر وحسن البارودي وروحية خالد. وكان الفيلم من إخراج عبد الفتاح حسن، وعرض يوم 19 / 4 / 1937 بسينما رويال.
29
عادت بديعة بعد هذا الانقطاع إلى كازينو الكوبري الإنجليزي، وافتتحت موسمها الصيفي في أول مايو 1937 بمسرحية «نينتي خالتي»، تلحين عزت الجاهلي، واستعراض «الحي الصيني»، تلحين فريد غصن ، وإسكتش «العلمو نورن». وهذه الأعمال كلها من تأليف أبي السعود الإبياري، وتمثيل بديعة مصابني وبشارة واكيم، بجانب الراقصات: تحية كاريوكا، ليلى الشقراء، تيتي.
30
وبعد نجاح الافتتاح أنهت بديعة هذا الموسم بمجموعة كبيرة من المسرحيات، منها: «فرع طنطا»، «بابا»، «المقرمش»، «الأستاذ حمص»، «على الطريقة الأمريكانية»، «ليلة مدهشة»، «السكرتير الخاص» لأبي السعود الإبياري، و«عربات النوم» لأمين صدقي. كما قدمت استعراضات: «غانيات الشرق» لزكي إبراهيم، «معرض باريس»، «العصر الحديث» لأمين صدقي، «نجوم الليل» لمحمود التوني، «زفة إبليس»، «بأقولك» لأحمد فريد، «عيد الجلوس»، «الدفاع الوطني»، «ليالي الملوك» لأبي السعود الإبياري. وإسكتشات: «مدرسة ليلية»، «جهاز ست الدار»، «بلاج الكوبري الأعمى» لأبي السعود الإبياري. وقام بتلحين هذه الأعمال فريد غصن وعزت الجاهلي. كما قام بتمثيلها: بديعة مصابني، بشارة واكيم، فيوليت صيداوي، إيزابيل ديمتري، حسين إبراهيم، عبد الحليم القلعاوي، ألفريد حداد، محمود التوني، أحمد عبد الله، حكمت فهمي، رفقي.
31
ومع بداية موسم 1937-1938 سافرت بديعة مع فرقتها في رحلة فنية إلى السودان، فعرضت أعمالها الفنية في الخرطوم وأم درمان والعطبرة. وتكونت فرقتها في هذه الرحلة من: ليلى الشقراء، حكمت فهمي، ماري جورج، تحية كاريوكا، ببا إبراهيم، بشارة واكيم، محمود التوني، حبيب الحاج.
32
بعد عودة الفرقة أطلقت بديعة اسم «مسرح الهمبرا» على صالتها بشارع عماد الدين، وعلى هذا المسرح قدمت في شتاء هذا الموسم مسرحيات: «الرفق بالأسماك»، «الكوكب العالمي»، «ليلة غرام» لأبي السعود الإبياري، واستعراضات: «أفراح الشعب» للإبياري، و«لوعتي» لمحمود فهمي إبراهيم، وإسكتش «الكرسي الكهربائي» لأبي السعود الإبياري، ومنولوج «بدول بدول» لزكي إبراهيم، و«البوسة» لأمين صدقي. وهذه الأعمال من إخراج بشارة واكيم، وتلحين عزت الجاهلي وفريد غصن، ومن تمثيل: عبد الحليم القلعاوي، محمود التوني، حكمت فهمي، مرجريت صغير، سارة، أحمد عبد الله، حسين المليجي، نعمات المليجي، إسماعيل ياسين، ليلى الشقراء.
33
أما في صيف هذا الموسم فقدمت بديعة بكازينو الكوبري الإنجليزي، تحت إدارة أنطوان عيسى، مسرحيات: «يا أنا يا هو»، «الدور الثالث»، «شاي بالصودا»، «الحب التلاميذي»، «سكر وعربدة» لأبي السعود الإبياري، بالإضافة إلى مسرحيات: «جوابات غرامية»، «شارع اللطافة»، «ممنوع البصبصة». وقدمت أيضا استعراضات: «كتالوج الرقص » لأمين صدقي، و«غانيات البلاج»، «أقابلك فين» لبيرم التونسي، و«الحب في الليل» لأمين حسني، بالإضافة إلى استعراضات: «ملكات الجمال»، «الكيمونو»، «حياة الأرتست»، «الغازات الخانقة»، «ليالي طرابلس». وقدمت أيضا إسكتشات: «بنات مردين» لبيرم التونسي، «نقابة النعنشة»، «ب25 قرش». وأخيرا قدمت منولوجي: «النور الأحمر» لأبي السعود الإبياري، و«تخاصمني بزفة» لمحمود التوني. وهذه الأعمال من تلحين فريد غصن وعزت الجاهلي، وحسن سلامة.
34
وإذا نظرنا إلى أحد موضوعات الإسكتشات التي قدمت في هذا الموسم، سنجد إسكتش «ب 25 قرش» تظهر فيه الفتيات مقنعات ويبعن في المزاد، والثمن الأساسي هو 25 قرشا لكل عروسة. وتتولى بديعة مهمة الدلالة فتعرض الفتيات وتقوم بعملية المزاد. وبعد أن عرضت بضع فتيات، جاءت بالممثل حسين إبراهيم وهو مقنع ويلبس ملابس الفتيات، وعرضته في المزاد. ولكن الجمهور تنبه على الفور إلى هذا الغش، فبدلا من أن يرتفع المزاد انخفض الإقبال عليه. وخشيت بديعة الاستمرار في هذه المناقصة لئلا تضطر أخيرا إلى دفع شيء من عندها، فأرسلت نظرة استنجاد إلى الممثل فهمي أمان، الذي كان مندسا بين الجمهور فصعد بالمزاد، وبينما هو يقول علي بسبعة وعشرين كشف حسين إبراهيم عن وجهه، وإذا بفهمي أمان يصيح «علي الطلاق ما أخدها»، ولكنه أرغم على أخذها بالقوة.
وفي شتاء موسم 1938-1939 استطاعت بديعة مصابني أن تستأجر مسرح الماجستيك بشارع عماد الدين، وأن تحوله إلى صالة متنوعة، أطلقت عليه اسم «كازينو وكباريه بديعة»، حيث يعمل الكازينو من بداية الليل حتى منتصف، ثم يبدأ الكباريه عمله من منتصف الليل حتى الصباح. وعلى هذا المسرح قدمت فرقة بديعة مسرحيات: «بشرة خير» و«جراح الحب» لأبي السعود الإبياري، واستعراض «صحوة كليوباترا»، من تمثيل: بديعة مصابني، فتحية محمود، تحية كاريوكا.
35
ومسرحية «بشرة خير» تدور حول سندس الرجل الغني الذي يحب جاريته لؤلؤة التي تبادله الحب أيضا، وبمرور الوقت يتعرض سندس إلى الإفلاس مما يضطر إلى بيع لؤلؤة، فتقع من نصيب الأمير برمب. وعندما يشتد شوق سندس للؤلؤة يحتال على الأمير ليعمل عنده ، فيستخدمه الأمير رئيسا لحراسه. ويحاول سندس بكل الطرق أن ينفرد بلؤلؤة ولكن دون جدوى. فيحاول إقناع الأمير أن الأعداء على وشك الهجوم على الإمارة، ولا بد من خروجه لملاقاتهم، ويصدق الأمير هذا الأمر، ويخرج ولكنه يعود بعد يوم واحد ليكتشف الحقيقة، فيأمر بحبس سندس ولؤلؤة، وفي النهاية يفرج عنهما ويعتق لؤلؤة لتتزوج من سندس.
وفي صيف هذا الموسم قدمت فرقة بديعة بكازينو الكوبري الإنجليزي مسرحيتي: «نبيه جدا»، و«عريس بروشتة» لأبي السعود الإبياري، واستعراضي: «السيرك العالمي»، و«باريس في مصر» لأبي السعود الإبياري أيضا. وهذه الأعمال من تلحين عزت الجاهلي، وتمثيل: بديعة مصابني، بشارة واكيم، عفيفة إسكندر، فتحية شريف، زينات صدقي.
36
صورة من عرض مسرحية «الشاطر اللي يضحك في الآخر».
وفي شتاء موسم 1939-1940 قدمت الفرقة بكازينو وكباريه بديعة بمسرح الماجستيك، مسرحيات: «99 مقلب»، «ليلة في الكرار»، «فلوس بتجري»، «ما تخافش من الستات»، «جنان أصلي» لأبي السعود الإبياري، و«خط النار» لمحمود التوني، و«الشاطر اللي يضحك في الآخر» لمصطفى السيد. واستعراض «في الهوا سوا» لعبد الحليم موسى. وإسكتشي: «60 دقيقة فرفشة»، و«كشكول الطرب» لأمين صدقي. وهذه الأعمال من إخراج بشارة واكيم، وتلحين فريد غصن وأحمد شريف، ومن تمثيل: إسماعيل ياسين، إيرانيان نجاة، إيمي زنكوزي، ببا إبراهيم، بديعة صادق، تيتي، حكمت فهمي، أناميرا، خيرية صدقي، ربابة طلعت، رجاء توفيق، رجاء عبد الحميد، زوزو شمس الدين، زينات صدقي، سنية شوقي، صفية حلمي، عبد الحليم القلعاوي، فتحية شريف، مادلين ويكيلي، نجوى، هجران هانم، هيلي هاريس.
37
وفي مارس 1940 عرضت سينما كوزمو فيلم «فتاة متمردة»، وقد اشتركت في تمثيله بديعة مصابني، وهو من إنتاج آسيا ومن إخراج أحمد جلال، ومن تمثيل: ماري كويني، محسن سرحان، عباس فارس، أنور وجدي، ثريا فخري، يوسف صالح.
إعلان فيلم «فتاة متمردة».
وفي صيف هذا الموسم قدمت الفرقة بكازينو بديعة الصيفي مسرحيات: «سكان محترمين»، «كباريه جهنمي»، «بطيخة حاتتجوز» لأبي السعود الإبياري، و«الصيت ولا الغنى» لأحمد شكري، وإسكتش «أبطال بالعافية» لأبي السعود الإبياري. واستعراض «30 ألف جنيه» لأبي السعود الإبياري أيضا. وهذه الأعمال من إخراج بشارة واكيم، وتلحين أحمد شريف وفريد غصن، ومن تمثيل ورقص: بديعة مصابني، رجاء توفيق، خيرية صدقي، فهمي أمان، عبد الحليم القلعاوي، محمود التوني، بشارة واكيم، صفية حلمي، عقيلة محمد، زينات صدقي، فتحية شريف، روحية فوزي، بديعة صادق، إسماعيل ياسين.
38
وموضوع مسرحية «سكان محترمين»، يدور حول صاحب فندق يريد أن يبيعه بسبب الكساد وقلة الزبائن، فيعرضه على أحد المشترين، موهما إياه بأنه يكتظ دائما بالزبائن، ومن أجل إقناعه بذلك يقوم بتأجير بعض الممثلين للقيام بأدوار نزلاء بالفندق، حتى إذا شعر المشتري بكثرة الزبائن يطمئن ويشتري الفندق بثمن مرتفع.
وإذا كنا فيما سبق تتبعنا بشيء من التفصيل مسيرة بديعة مصابني، فإننا سنتوقف عند بعض الإشارات في مواسمها التالية، ومنها بدايتها في موسم 1940-1941، حيث بدأت بديعة عملها شتاء في كازينو الأوبرا بميدان إبراهيم باشا، وافتتحته يوم 9 / 11 / 1940 باستعراض موسيقي غنائي بعنوان «آخر مودة» تأليف أبي السعود الإبياري، وتلحين فريد غصن وأحمد شريف، ومن إخراج بشارة واكيم، وبطولة تحية كاريوكا.
39
وفي 29 / 9 / 1943، قامت فرقة بديعة بكازينو الأوبرا بتقديم استعراضين من تأليف أبي السعود الإبياري؛ الأول: «الهوانم ضد الرجالة» من تلحين فريد غصن، والثاني: «بعت لي تسلم» من تلحين أحمد شريف وغناء زينب عبده.
40
وفي عام 1944 أنتجت بديعة فيلما سينمائيا، هو «ملكة المسارح»، وأنفقت عليه مبلغا كبيرا تسبب في إضعافها ماديا. وفي الاحتفال برأس السنة لعام 1945 قدمت بديعة بكازينو أوبرا استعراض «بابا نويل»، من تأليف محمود فهمي إبراهيم، ومن تلحين فريد غصن.
إعلانان لعروض بديعة مصابني في كازينو الأوبرا.
وفي عام 1946 قدمت الفرقة بكازينو الأوبرا مسرحية «ليلة في الغابة»، واستعراضات: «بساط الريح»، «الكرنفال»، «القناع الخفي»، و«عقبال الحبايب» لمحمود فهمي إبراهيم، وتلحين أحمد شريف، بطولة ثريا حلمي.
41
وفي ديسمبر 1946 عرضت سينما الكورسال فيلم «أم السعد»، تأليف وإخراج أحمد جلال، ومن تمثيل: بديعة مصابني، ماري كوينة، محمد سليمان، بشارة واكيم، وداد حمدي.
وفي عام 1947 قدمت فرقة بديعة بمسرح كازينو الأوبرا أيضا استعراضات: «قصر الحور»، «ليلة في الأرجنتين»، «عصافير الجنة» من تأليف أبي السعود الإبياري، ومن إخراج أدوار فارس، وتلحين علي فراج، بطولة: بديعة مصابني ، إسماعيل ياسين، كيتي، زينب عبده، ثريا حلمي، ببا إبراهيم.
42
وفي أواخر 1948 عرضت سينما الكورسال فيلم «أحب الرقص»، بطولة: بديعة مصابني، ببا عز الدين، تحية كاريوكا، سامية جمال.
استمرت بديعة في عملها بعد ذلك بصورة متقطعة، حتى توقفت تماما واعتزلت الفن عام 1951، بعد أن باعت كازينو الأوبرا إلى ببا عز الدين بمبلغ عشرين ألف جنيه، وبعد أن حققت ثروة كبيرة، جمعتها من تردد قوات الحلفاء على صالتها أثناء الحرب العالمية الثانية. واستطاعت بديعة أن تخرج بهذه الثروة من مصر دون أن تدفع الضرائب المستحقة عليها، ومنعت من دخول مصر. وظلت بديعة في لبنان، حيث أقامت مزرعة واستراحة في منطقة شتورة، حتى ماتت في إحدى المستشفيات اللبنانية عام 1974.
مزرعة واستراحة بديعة مصابني في لبنان.
وبذلك انتهى دور بديعة مصابني الفني، ذلك الدور الذي جمع نخبة من الممثلين والملحنين والمطربين والمطربات والموسيقيين والراقصات والإداريين، ومنهم: إبراهيم العريان، إبراهيم حمودة، أبو العلا علي، أحمد الحفناوي، أحمد بيه، أحمد شريف، أحمد عبد الله، أحمد غانم، إسماعيل ياسين، أسمهان، أفرانز هانم، امتثال فوزي، أليس فاي، أناميرا، أنصاف منير أحمد، أوزيتا مونتجرو، إيرانيان نجاة، إيزا، إيزابيل ديمتري، إيمي زنكوزي، امتثال، ببا إبراهيم، ببا عز الدين، بثينة، بديعة صادق، بشارة واكيم، بهية أمير، تحية كاريوكا، توحيدة، تيتي، ثريا حلمي، جمالات حسن، جميل عزت، حبيب الحاج، حسن سلامة، حسين إبراهيم، حسين المليجي، حكمت فهمي، حكمت كامل، حورية محمد، خيرية صدقي، دولت حسن، ربابة طلعت، رجاء توفيق، رجاء عبد الحميد، رفقي، رمزية علي، روحية فوزي، زكي عزت، زوزو شمس الدين، زوزو محمد، زينات صدقي، زينب عبده، سارة، سامية جمال، سعاد مكاوي، سمحة البغدادي، سميرة أمين، سنية شوقي، سيد سليمان، سيد الصفتي، شفيقة، صالح عبد الحي، صفية حلمي، عبد الحليم القلعاوي، عبد الفتاح القصري، عزت الجاهلي، عفيفة إسكندر، عقيلة محمد، عيوشة نبيل، فاطمة سري، فتحية أحمد، فتحية رشدي، فتحية شريف، فتحية فؤاد، فتحية محمود، فريد الأطرش، ألفريد حداد، فريد غصن، فهمي أمان ، فيروز، فيوليت صيداوي، قدرية حلمي، كارم محمود، كريمة أحمد ، كريمة ديمتري، كهرمان، كيكي، لطيفة نظمي، ليلى الشقراء، ليلى مراد، مادلين ويكيلي، ماري جبران، ماري جورج، ماري هند، محمد الجندي، محمد سليمان، محمد عبد المطلب، محمد عبد الوهاب، محمد كمال المصري، محمد هارون، محمود التوني، محمود شريف، مرجريت صغير، مفيدة أحمد، ملكة جاجاتي، موريس قصيري، ميدي، ميمي مارتنس، نادرة، نادية، نجوى، نعمات سامي، نعمات المليجي، نعيمة عاكف، نينا، هاجر حمدي، هجران هانم، هدى شمس الدين، هيدي، هيلي هاريس.
صالة رتيبة وأنصاف رشدي
بدأت أنصاف رشدي عملها الفني عام 1921 كممثلة مع شقيقتها فاطمة رشدي في كازينو دي باريس، عندما اشتركت في تمثيل مسرحية «السعد وعد» للشيخ محمد يونس القاضي. وظلت أنصاف بهذا الكازينو فترة من الوقت، ثم احتجبت خمس سنوات، ومن ثم عادت مرة أخرى مع شقيقتها رتيبة رشدي ضمن ممثلات فرقة علي الكسار بمسرح الماجستيك عام 1926، حيث اشتركت في تمثيل مسرحية «الكرنفال». وبعد فترة قصيرة انضمت إلى فرقة أمين صدقي بمسرح سميراميس بشارع عماد الدين، طمعا في الراتب الكبير، واشتركت في تمثيل عدة مسرحيات، منها «الكونت زقزوق» و«مملكة العجائب.»
1
وبعد ذلك تركت أمين صدقي وقررت افتتاح صالة باسمها.
أما شقيقتها رتيبة رشدي، فقد عملت في بادئ الأمر وبصورة مؤقتة بفرقة نجيب الريحاني، ثم بفرقة عبد الرحمن رشدي. وفي عام 1924 انضمت إلى فرقة علي الكسار وأمين صدقي، ولاقت نجاحا مقبولا. وعندما انفصل أمين صدقي عن شريكه الكسار عام 1925 فضلت رتيبة البقاء مع الكسار، حتى أصبحت بريمادونة مسرحه، وقامت ببطولة مسرحيات: «الطمبورة»، «الخالة الأمريكانية»، «28 يوم»، «أنوار»، «آخر مودة»، «ناظر الزراعة»، «عثمان حيخش دنيا»، «نادي السمر»، «ألف ليلة»، «الكرنفال»، «الأستاذ»، «الوارث»، «السفور»، «الأميرة الهندية»، «ابن فرعون»، «زهرة الربيع»، «الحساب»، «بدر البدور»، «نصيحة على الهامش»، «حلم ولا علم»، «الشيخ عثمان». وفي يناير 1929 انضمت رتيبة إلى فرقة شقيقتها فاطمة رشدي، ومثلت معها مسرحيات: «الدكتور»، «تيودورا»، «الحب»، «يوليوس قيصر». وفي ديسمبر 1929 انضمت إلى شقيقتها أنصاف لتعمل معها في صالتها.
2
وهذه الصالة افتتحتها أنصاف رشدي في ديسمبر 1927 بشارع عماد الدين، وأطلقت عليها «صالة أنصاف رشدي»، وهي في الأصل صالة البيجو بلاس الخاصة بمنيرة المهدية، وخصصت أنصاف هذه الصالة لتقديم الطرب والرقص والموسيقى. واشتمل البروجرام على غناء أنصاف رشدي ووجيدة وروحية في بادئ الأمر، ثم انضمت إلى الصالة حكمت الإسكندرانية وفوزية صبري ولويزا ونعيمة، وعزيزة رشدي شقيقة أنصاف.
3
وفي ديسمبر 1929 انضمت رتيبة رشدي إلى شقيقتها أنصاف كشريكة لها، وافتتحا سويا صالة جديدة بشارع فؤاد الأول، أطلق عليها «صالة رتيبة وأنصاف رشدي». وظلت هذه الصالة تعمل لمدة ستة أشهر، حتى أصدرت حكمدارية بوليس مصر الأمر بإغلاقها في أبريل 1930 بسبب كثرة المشاغبات والمشاحنات بين زبائنها، مما أخل بالأمن العام. وبعد أكثر من عام، وفي يونية 1931، قامت أنصاف رشدي بافتتاح كازينو المهدي الذي كان يخص ماري منصور، وأطلقت عليه «صالة أنصاف رشدي» تحايلا على أمر الحكمدارية، الذي نص على إغلاق «صالة رتيبة وأنصاف.»
4
رتيبة وأنصاف رشدي.
وفي صيف 1932 عادت الشقيقتان مرة أخرى، وافتتحا صالة في الجيزة باسمهما مرة أخرى، أطلق عليها «صالة رتيبة وأنصاف رشدي»، وهي في الأصل مسرح الفنتازيو الذي تركه نجيب الريحاني مؤخرا بسبب الأزمة الاقتصادية. وبدأت هذه الصالة العمل تحت إدارة رتيبة وأنصاف في موسم 1932-1933 وبصورة مستمرة. وفي هذا الموسم قدمت الصالة المسرحيات القصيرة على غرار ما كانت تقدمه بديعة مصابني في صالتها. ومن هذه المسرحيات: «رئيس التحرير» لسعد الدين شريف. و«جوز الهند»، «شفت بعيني»، «عشق الغلابة»، «أولاد الأمراء»، «الكشافة المصرية»، «عريس الهنا» لمحمد الدبس، و«بنت المزين» لأنصاف رشدي. وهذه المسرحيات من تلحين محمد الدبس، وتمثيل وغناء: فاطمة الشنتورية، حسين إبراهيم، محمود عقل، عزيزة حسن، ماري، سعاد، حياة، لطيفة، زينب السودانية، محمد العربي، محمد سلامة، سيد فوزي، محمود القلعاوي، عباس الدالي.
5
وموضوع مسرحية «رئيس التحرير» لسعد الدين الشريف، كنموذج للموضوعات التي كانت تقدمها الصالة، يدور حول رئيس تحرير إحدى الصحف أثناء حواره مع إحدى المحررات حول كيفية تلفيق الأخبار لكتابة صفحات الجريدة في حالة عدم وجود أخبار مثيرة، ومن هذه التلفيقات أخبار كاذبة حول ظهور عين ماء في الصين إذا نظر الإنسان فيها يرى ما يدور على سطح القمر، وأن امرأة أنجبت طفلا بقدم واحدة، وأن باريس احترقت، وأن زوجة أكلت ذراع زوجها ... إلخ. كما أن المسرحية تظهر مدى قيام رئيس التحرير بابتزاز الفنانين، من أجل قيامهم بالإعلان في جريدته، وذلك عن طريق تهديد يوسف وهبي بنشر تحقيق حول سرقته لبعض المسرحيات، وتهديد المطربة أم كلثوم بالكتابة ضدها ... إلخ هذه الأمور.
وفي موسم 1934-1935 افتتحت الشقيقتان رتيبة وأنصاف كازينو بشارع الألفي، بدلا من صالتهما بالجيزة، أطلق عليه «كازينو رتيبة وأنصاف رشدي»، وفيه تم تقديم مسرحيات: «صبحية مباركة»، «الدنيا بخير»، «عين الحسود»، «اللي ما يشتري يتفرج» لمحمود الناصح، و«مستشار الغرام» لحسني الحسيني، و«شيء يجنن» لمحمود عبد المجيد. وإسكتشات: «صحتك بالدنيا»، «مدينة العجائب»، «سوق بغداد»، «تمثال الجمال»، «المسحراتي»، و«أما مرستان»، و«تعداد العذاب» لحسني الحسيني.
6
وفي 28 / 12 / 1934 قال الناقد الفني لمجلة «المصور» عن مسرحيات هذه الصالة: «يسرنا ما تبديه هذه الصالة من نشاط في إخراج القطعة التمثيلية، ولكن نلاحظ أن هناك أعمالا معينة في عمل البروفات، فالنقص يبدو واضحا في كل حركات الأرتيست؛ في الرقص والتمثيل على السواء، مع أن قليلا من العناية أثناء البروفات يقضي على هذه العيوب الشائنة، ويزيل كل نقص نعتقد أنه كان باديا للجمهور قبل النقاد. كما أن ملابس الراقصات سواء كانت على المسرح أو في الصالة تحتاج إلى عناية أشد؛ لأن نظام الصالة الآن على درجة كبيرة من الوجاهة وحسن الذوق.»
وإذا نظرنا إلى موضوعات المسرحيات أو الإسكتشات المقدمة في هذا الموسم، سنجد مسرحية «الدنيا بخير» تدور حول النزاع بين بقدونس وحماته التي تضربه باستمرار، فيترك المنزل ويذهب إلى المقهى فيتعرف على رجل سوري يعمل بشركة حبوب، ويخبره بأن لديه بعض الحبوب السامة كي يقتل بها حماته، فيفرح بقدونس لهذه الفكرة. وتدخل عليهما قارئة البخت وتقول لبقدونس بأن حماته تنغص عليه عيشته، وتؤكد له أنها ستموت. وهنا يطلب بقدونس من السوري بعض الحبوب السامة، ويذهب إلى المنزل ويقدمها لحماته على أنها حبوب صحية لتقوية الجسم من الأمراض، وتأخذها الحماة بالفعل، ولكنها تشعر بشفائها من آلام البطن التي كانت تعاني منها. وأمام هذه المفاجأة تعود المشكلة مرة أخرى، ويذهب بقدونس إلى الرجل السوري، ويحكي له ما حدث فيخبره السوري بأن هذه الحبوب صحية بالفعل، ولكنه قال عنها بأنها تتخلص من الحماوات من باب الدعاية فقط. وعندما يعود بقدونس إلى المنزل يجد حماته قد ماتت بالفعل، ولا يعلم السبب، ولكنه يفرح لأن المشاكل قد انتهت بموتها.
غلاف مسرحية «عين الحسود».
أما مسرحية «عين الحسود»، تأليف محمود الناصح، فتدور حول حورية التي تزوجت من رجل شديد الغيرة، دون رغبة أهلها على هذا الزواج. وفي يوم ما تزورها أختها، فتتركها حورية وحدها في المنزل من أجل شراء بعض الأغراض المنزلية قبل أن يحضر زوجها من العمل. وفي هذا الوقت يطرق الباب أحد السكارى، متوهما أنه يطرق باب اللوكاندة المجاورة للمنزل، وعندما تفتح له الأخت الباب تظنه زوج أختها؛ لأنه دخل مباشرة إلى غرفة النوم. وهنا يحضر زوج أختها الحقيقي، وعندما يرى هذا السكير ويسأل عن هويته، تخبره الأخت بأنه شقيقها خوفا من غيرته. وأخيرا تحضر الزوجة وتدور معركة تنتهي باكتشاف الحقيقة.
الصفحة الأولى من مسرحية «اللي ما يشتري يتفرج».
أما مسرحية «اللي ما يشتري يتفرج» لمحمود الناصح أيضا فتدور حول شقيقين توأمين؛ أحدهما طبيب أمراض عصبية، والآخر جزار. وكل شقيق تزوج دون أن يخبر شقيقه الآخر. وفي يوم ما زار الجزار وزوجته شقيقه في العيادة أثناء قيام الطبيب بعمله، وأثناء وجود زوجته في العيادة أيضا. وبسبب التشابه التام بين الشقيقين تدور عدة مواقف كوميدية بين الزوجتين عندما ترى زوجة الجزار شقيقه في ملابس الطبيب، فتظن أنه جن، وكذلك الأمر بالنسبة لزوجة الطبيب عندما ترى شقيقه في ملابس الجزارة فتظن أن زوجها جن أيضا. وبعد عدة مواقف مضحكة تظهر الحقيقة للجميع.
ويدور موضوع إسكتش «أما مرستان» لحسني الحسيني حول تاجر في خان الخليلي يدعى أحمد، له صديق اسمه دسوقي، زاره يوما ما، وأثناء حوارهما تدخل فتاة محتالة ، فتختار عقدا أثريا ثمينا، وأثناء تفحصها للعقد كانت تتبادل نظرات الإعجاب مع دسوقي، ثم أظهرت للتاجر أحمد أن الثمن غير مكتمل معها، وتقترح عليه أن يرسل معها دسوقي إلى عيادة زوجها الطبيب النفساني كي ترسل معه الباقي. ويوافق الجميع على ذلك، وتذهب الفتاة مع دسوقي إلى العيادة وتتركه خارج غرفة الكشف، وتدخل للطبيب وتخبره أن ابن عمها في الخارج، وهو مريض ويتوهم أنها زوجة طبيب ويطالبها بثمن عقد أثري، وتطلب من الطبيب علاجه، وتتوسل إليه أن تهرب من ابن عمها عن طريق الباب الآخر للغرفة كي لا يعتدي عليها. وبالفعل تهرب الفتاة ويدخل دسوقي ويطلب من الطبيب ثمن العقد، فيتأكد للطبيب صدق كلام الفتاة، فيأمر باحتجاز دسوقي مع المجانين، وبعد عدة مواقف كوميدية تظهر الحقيقة ويتم الإفراج عن دسوقي.
وفي موسم 1935-1936 قدمت الشقيقتان بالكازينو تحت إدارة مدير المسرح إبراهيم رمزي،
7
مسرحيات: «كنت فين إمبارح»، «الأستاذ سامي»، «فرخة بكشك»، «الشيطان شاطر»، «آدي دقني»، «ابن حظ»، «طب العريس»، «طابور الغرام»، «مؤلف بالعافية»، «عفريت النسوان»، «جوز الهانم»، «شيء بالعقل»، «ماكنش ينعز»، «ماعلش يا زهر»، «اطلع يا نمس»، «قلبي عندك»، «خليك لطيف»، «إديني عقلك»، «ابقى سلم»، «الأستاذ عيوشة»، «حمارتك العارجة». هذا بالإضافة إلى مجموعة كبيرة من الإسكتشات، منها: «صبي المكوجي»، «المسحراتي»، «علي يا علي»، «صاحب بالين»، «التدبير المنزلي»، «دروس خصوصية»، «العزاب»، «عربية الكلاب»، «مفتاح الخزنة»، «مجنون سكينة»، «أشعة إكس»، «حرس العفاف»، «شرابة الخرج»، «بنات الباشا»، «فرح آخر مودة»، «أودة الفراخ». وأغلب هذه الأعمال كانت من تأليف أحمد زكي السيد، عبد الفتاح حامد السيد، وليم باسيلي، عبد الفتاح عزو، عباس الدالي، ومن تلحين حسن سلامة ومحمود الشريف. وبجانب ذلك قدم الكازينو منولوجات ليحيى اللبابيدي، كان يلقيها يوسف حسني. أما ممثلو هذه الأعمال فهم: عبد الفتاح القصري، عباس الدالي، محمد إدريس، محمد سلامة، ممدوح النمر، حسين إبراهيم، امتثال فوزي، زوزو لبيب، كريمة أحمد.
8
ومسرحية «حرس العفاف» لعبد الفتاح حامد السيد تدور حول أحد الأمراء، الذي يخشى على عفاف ابنتيه؛ حيث إنهما في سن خطرة؛ لذلك عين عليهما مجموعة من الحرس النسائي، أطلق عليها «حرس العفاف ». وفي أثناء غياب الأمير في إحدى المعارك يتلصص على القصر أميران يقعان في حب الأميرتين، ولكي يحتالا على حرس العفاف جعلا بعض قوادهما من الشباب يقومون بمغازلة الحرس وشغلهن عن حراسة الأميرتين، وبذلك استطاع الأميران مقابلة الأميرتين يوميا. وفي إحدى الليالي يحضر الأمير الأكبر ويفاجئ الجميع وهم في وضع العشق والغرام، وبعد عدة مواقف مضحكة يوافق الأمير الأكبر على زواج ابنتيه من الأميرين.
أحد إعلانات كازينو رتيبة وأنصاف رشدي.
أما إسكتش «اطلع يا نمس» لوليم باسيلي، فيدور حول الأميرة دلال ابنة والي بغداد، التي تحب أحد رعاياها من الأعراب، ولكن والدها الوالي يخطبها إلى شلضم أغا وزيره دون رغبة منها. وفي أحد الأيام يفاجئ الوالي ابنته وهي في أحضان حبيبها، فيقبض عليه ويأمر بإعدامه في الصباح، ولكن الأميرة بمساعدة إحدى جارياتها تتمكن من فك قيد الحبيب، ومساعدته على الهرب على أن تلحق به فيما بعد. وبعد عدة أيام تهرب الأميرة من القصر ومعها بعض أعوانها، وتفاجأ بأن حبيبها وقع أسيرا في يد إحدى القبائل البدوية، وبمساعدة أعوان الأميرة يتم تحرير الحبيب، وينتهي الإسكتش بزواج الأميرة دلال من حبيبها جميل.
وفي موسم 1936-1937 قدمت رتيبة وأنصاف رشدي بالكازينو مسرحيات: «ابن الداية»، «أما نباهة»، «المعلم روميو»، و«بعد ما شاب» لعبد العزيز أحمد، واستعراض: «مصر والسودان»، وإسكتشات: «مملكة الشياطين»، «غرام أم أحمد»، «مكسوف مني»، «أصلها غلطة»، «توبة من دي النوبة» لطلعت شريف. وهذه الأعمال كانت تمثيل وغناء: نزهة العراقية، يوسف حسني، زوزو لبيب، فتحية شريف، بمساعدة فرقتي روتوري دوسيشتر وتريو أنجليش.
9
وإسكتش «توبة من دي النوبة» لطلعت الشريف يدور حول إبراهيم صاحب أحد الفنادق المتواضعة والمشبوهة، والذي يغازل خادمات وموظفات الفندق، فمن شاءت أن تحتفظ بوظيفتها فعليها الرضوخ لمغازلة إبراهيم. وفي أحد الأيام يأتي زعيط ومعه إحدى النساء ليبيت ليلة في الفندق، ونفهم من الأحداث أن هذه السيدة زوجة صديقه معيط، التي شاءت الظروف أن يحضر هو أيضا إلى نفس الفندق في ذات الليلة ومعه خطيبة زعيط. وفي الفندق تحدث عدة مواقف كوميدية بسبب هذه العلاقات الشاذة وينتهي الإسكتش بتوبة الجميع وعودتهم إلى الصواب.
وإسكتش «أصلها غلطة» لطلعت شريف أيضا يدور حول عم يحضر من القرية ليزور ابن أخيه، ليبارك له زواجه الميمون، فيفاجأ به يقبل الخادمة. وبعد عدة مواقف يتضح للعم أن هذه الخادمة ما هي إلا زوجته في الحقيقة، ولكنها ارتدت ملابس الخادمة بسبب قيام الخادمة الحقيقية بإجازة. وفي اليوم التالي يشاهد العم أحد الخدم يقبل إحدى السيدات، فيظن العم أنها زوجة ابن أخيه، ويتضح بعد ذلك أن الخادمة ارتدت ملابس سيدتها أثناء غيابها ... وهكذا ينتهي الإسكتش بمعرفة هذه الحقائق.
أما إسكتش «مملكة الشياطين» لوليم باسيلي، فيدور حول هبوط طائرة مدنية اضطراريا بجميع ركابها في إحدى الجزر التي تسكنها الشياطين. ويصمم أهل الجزيرة من الشياطين على الانتقام من الآدميين لأنهم من الأعداء. ويشاء القدر أن يمرض وزير مملكة الشياطين، ويتطوع طبيب كان من ركاب الطائرة لمعالجته، وينجح بالفعل في شفائه، وينال هو وجميع الركاب حريتهم ويعودون إلى وطنهم.
وفي موسم 1937-1938 قدمت رتيبة وأنصاف رشدي بالكازينو مسرحيات: «ليلتك نادية»، «ننوس عينه»، «صحتك بالدنيا»، «قسمة ونصيب»، «إذاعة نص الليل»، «ما فيش لزوم» لعبد العزيز أحمد، و«راحت السكرة»، «الدنيا شبكة» لزكي إبراهيم، و«الحال من بعضه» لأمين عادل وطلعت حسن. و«الحل الأخير» لعبد الرحمن البيه وعبد الفتاح حسني، و«كليوباترا ومارك أنطوان»، «عاصفة في مسمط» لزكي إبراهيم وعبد الرحمن البيه. و«العريس اليافاوي» لأمين صدقي، «لزقة أمريكاني» لأبي السعود الإبياري. كما تم تقديم استعراضات: «أفراح الليالي»، «يا طير الحمام» لعبد العزيز أحمد، و«اللي حب ولا طلشي»، «مطرح ما ترسي» لزكي إبراهيم. هذا بالإضافة إلى إسكتشات: «كلية الأنس»، «كاريه دام»، «الباحثات عن»، «نضارة المستقبل». وهذه الأعمال من تلحين عزت الجاهلي وإبراهيم علي، ومن تمثيل وغناء: حسين المليجي، نعمات المليجي، حسين إبراهيم، فهمي أمان، محمد إدريس، علي حسن، عبد العزيز أحمد.
10
ومسرحية «إذاعة نص الليل» لعبد العزيز أحمد تدور حول الجزار قرقر، الذي يخطب فتاة جميلة اسمها سميرة، وبمرور الوقت يتم القبض على قرقر في جريمة قتل ويسجن. وبعد فترة تتعرف سميرة على حنكش الذي يقوم بخطبتها دون أن يعلم قرقر بالأمر. وبعد شهر يهرب قرقر من السجن بمساعدة صديقه، ويذهب إلى سميرة التي كانت مع خطيبها حنكش، وعندما ترى قرقر يطرق الباب تقوم بإخفاء حنكش خلف الراديو. ومن الحوار بين سميرة وقرقر يعلم حنكش بأن قرقر هارب من السجن، فيقوم بإغلاق الراديو ويقلد صوت المذيع، ويعلن أن البوليس يطارد قرقر في كل مكان، وعندما يحاول قرقر الهرب يأتي البوليس ويقبض عليه.
أما مسرحية «لزقة أمريكاني» لأبي السعود الإبياري، فتدور حول توأمين ملتصقين أحدهما ليمون والآخر زيتون، وبسبب هذا الالتصاق تحدث مفاجآت كثيرة، فمثلا إذا مرض ليمون لا بد أن يشاركه زيتون في هذا المرض، وإذا حاول زيتون أن يغازل خطيبته كان ليمون يتسمع لهذه المغازلة. وفي يوم ما توفي زيتون، وعندما يحضر الحانوتي ويشاهد هذا الالتصاق يصر على دفن التوأمين معا، ولكن يمنعه الشاويش الذي جاء للقبض على ليمون، وتحدث مواقف كوميدية عديدة حول أحقية الحانوتي في المتوفى لدفنه، وأحقية الشاويش في الحي للقبض عليه.
وفي موسم 1938-1939 حولت الشقيقتان رتيبة وأنصاف الكازينو إلى كازينو وكباريه. وفيه تم تقديم مسرحيات: «ابن الداية»، «الدنيا شبكة»، «فاميليا حربية». وإسكتشات: «عفاريت مودرن»، «اللي حب ولا طلش»، «طوخ أوتيل». وهذه الأعمال من تمثيل وغناء: يوسف حسني، إيفا، حسين المليجي، نعمات المليجي، حسين إبراهيم.
11
ويعتبر هذا الموسم هو آخر موسم استطعنا أن نتتبعه لنشاط رتيبة وأنصاف رشدي الفني، ذلك النشاط الذي شارك فيه أكثر الفنانين، ومنهم: إبراهيم رمزي، امتثال فوزي، حسين إبراهيم، حسين المليجي، حكمت الإسكندرانية، حياة، روحية، زوزو لبيب، زينب السودانية، سعاد، سيد فوزي، عباس الدالي، عبد العزيز أحمد، عبد الفتاح القصري، عزيزة حسن، عزيزة رشدي، علي حسن، فاطمة الشنتورية، فتحية شريف، فهمي أمان، فوزية صبري، كريمة أحمد، لطيفة، لويزا، ماري، محمد إدريس، محمد العربي، محمد سلامة، محمود القلعاوي، محمود عقل، ممدوح النمر، نزهة العراقية، نعمات المليجي، نعيمة ، وجيدة، يوسف حسني.
صالة ببا عز الدين
بدأت ببا عز الدين - واسمها الحقيقي فاطمة عز الدين - العمل الفني في بيروت عام 1923، عندما هربت من زوجها وانضمت كراقصة إلى فرقة أمين عطا الله، الذي أطلق عليها اسم «ببا». ولكن زوجها أخذ يطاردها وأخيرا طلقها، فجاءت إلى مصر، وانضمت إلى فرقة يوسف عز الدين بروض الفرج عام 1924، ثم تركته وانضمت إلى مسرح الفنتازيو. وفي إحدى الليالي زارت بديعة مصابني هذا المسرح وشاهدت رقص ببا، ومن ثم ضمتها إلى صالتها.
1
ببا عز الدين.
وفي صيف عام 1934 انفصلت ببا عن صالة بديعة مصابني، وكونت فرقة باسمها عملت في كازينو مونت كارلو بالشاطبي بالإسكندرية، فقدمت المسرحيات والمنولوجات والرقص الشرقي، بمساعدة: فتحية أحمد، فتحية محمود، حسين إبراهيم، محمد إدريس. ومن هذه المسرحيات: «إشمعنى»، «متحف الفن»، «كاريوكا» لأمين صدقي. و«خد بالك»، «غلطة»، «الهوسة الأصلي» لصالح سعودي. و«يا كتاكيتها»، «بكرة نشوف»، «قشطة» لعبد النبي محمد. وإسكتشات: «ليلة حظ»، «بلاد نمنم»، «يا سخطة»، و«الحمامات»، «ليالي شهرزاد»، «ألوان الحب» لأبي السعود الإبياري. و«التنويم المغناطيسي» لمحمد مصطفى، و«المؤتمر التجاري» لعبد النبي محمد، و«نهضة مصر» لمحمد إسماعيل، و«واق الواق» لحسن كامل، و«آخر زمن»، «على البلاج»، «النعيم» لأمين صدقي. وهذه الأعمال من تلحين: عزت الجاهلي، إبراهيم فوزي، أحمد صبرة، أحمد شريف.
2
وفي موسم 1934-1935 افتتحت ببا كازينو ألف ليلة بمحطة الرمل بالإسكندرية في 7 / 11 / 1934، وفيه قدمت مسرحيات: «كل فولة»، «الناس مقامات»، «كنج كونج»، «عيب يا تيزة»، «وش وقفا» لعبد النبي محمد، و«عرسان للإيجار» لأبي السعود الإبياري، و«أنشودة الورد» لبيرم التونسي، و«برج الوفاق»، «البركة في اللمة»، «معرض الأزواج»، «يومين في البندر»، «في الحفظ والصون»، «مبروك» لمحمود صادق سيف. و«معرض الغوازي» لأمين صدقي. و«أزمة عمال»، «إيد على إيد»، «بحر الغزال» لحسن كامل. وإسكتشات: «ارمي بياضك» لعبد النبي محمد. و«الأفلام المصرية» لأبي السعود الإبياري. و«اللي في الحلة»، «الدكتورة» لمحمد مصطفى. وهذه الأعمال من تلحين: إبراهيم فوزي، عزت الجاهلي، أحمد صبرة. ومن تمثيل وغناء : ببا، رجاء عبده، فتحية محمود، عبد النبي محمد، حسين إبراهيم، موسى حلمي، زوزو لبيب، بيونشتا، جينا، مفيدة أحمد، ديوريلس.
3
وفي موسم 1935-1936 انتقلت ببا بفرقته لتعمل بصالة بديعة مصابني في شارع عماد الدين، وفي هذا الموسم قدمت الفرقة مسرحيات: «يوليوس قيصر»، «ملاية السرير»، «حلبسو»، «ليلة»، «بنتي نينتي»، «اغسل وشك»، «حانوتي الأنس»، «غلطتي»، «حادي بادي»، «ماتحمرقش»، «المعلم»، «ليلة دخلتي»، «بوابة السعد»، «نم نم». كما قدمت إسكتشات: «أرتيست زمان»، «معرض الكوارع»، «فرفش وانجلي»، «كنوز سليمان»، «ألف صنف»، «مصر»، «عرسان للبيع»، «الأحلام والسكلانس»، «مصارع الثيران»، «بنات الشركس»، «وادي الملوك»، «مشكلة الزواج»، «النيل»، «أصحاب العقول»، «مدرسة الزواج»، «التواليت»، «أغاخان»، «آخر رجل في العالم»، «البركان»، «اللي في الدست»، «نصف الدنيا»، «مصر سنة 1936».
4
أما موسم 1936-1937 فقد تأخر عمل فرقة ببا فيه كثيرا بسبب قيام ببا ببطولة فيلم سينمائي هو «كله إلا كده»، تأليف الشيخ محمد يونس القاضي. وقد عرض هذا الفيلم في سينما حديقة الأزبكية الشتوية في ديسمبر 1936، وكان من تمثيل: محمد كمال المصري، عبد الحميد زكي، سيد مصطفى، سرينا إبراهيم، فتحية فؤاد. وبعد نجاح الفيلم سافرت فرقة ببا في رحلة فنية إلى طرابلس وتونس والجزائر ومراكش، وعادت منها في أوائل مارس 1936.
5
وبعد عودة الفرقة من رحلتها واصلت عملها بكازينو بديعة مصابني بشارع عماد الدين، فقدمت مسرحيتي «عشرة مليون» لأبي السعود الإبياري، و«أنا عصبي» لعبد الحليم القلعاوي. كما قدمت استعراضات: «ترولي رقص»، «أعياد الأمم»، «الوجه المستعار» لأبي السعود الإبياري. وهذه الأعمال من تلحين فريد غصن، ومن تمثيل وغناء: ببا، عبد النبي محمد، حسين إبراهيم، ألفريد حداد، عبد الحليم القلعاوي، محمود التوني، سيد فوزي، ليلى الشقراء، جمالات حسن، خيرية صدقي، سعاد عبده، روز عازوري، تيتي، صفية حلمي، كيكي المسيري، رجاء رستم، ميمي صيداوي، ليلى عاصم، حسين المليجي، نعمات المليجي.
6
وفي صيف هذا الموسم انتقلت فرقة ببا إلى كازينو مونت كارلو بالشاطبي بالإسكندرية، تحت إدارة عبد العزيز محجوب، حيث قدمت ابتداء من 13 مايو 1937 مسرحيات: «الدنيا بخير»، «الملافظ سعد»، «جوز هالة»، «فالح» لعبد النبي محمد، و«ماعلش يوليوس قيصر » لأبي السعود الإبياري، و«التلفزيون» لمحمد إسماعيل. و«ليلة الدخلة» لأمين النابكي وعبد النبي محمد. وإسكتشات: «عرايس الربيع»، «معرض باريس»، و«حول الأرض»، «نعيما» لعبد النبي محمد، و«عفاريت موديل 1937»، «رحمة ونور»، «اختلاط الجنسين»، «ذوي العاهات» لأمين صدقي، و«محضر خير» لمحمد مصطفى، و«عقبالكم» لمحمود حسني، و«التعداد» لمحمد إسماعيل. وهذه الأعمال من تلحين سيد مصطفى ومحمود الشريف، ومن تمثيل وغناء: ببا عز الدين، عبد النبي محمد، محمد عبد المطلب، حسين المليجي، نعمات المليجي، محمد إدريس، عايدة، فيفي، كريمة أحمد، سارة.
7
وفي أكتوبر 1937 افتتحت ببا موسم 1937-1938 بكازينو بديعة مصابني بشارع عماد الدين تحت إدارة أنطوان عيسى، وفيه قدمت مسرحيات: «يا بلاش»، «اصطلحنا»، «الغيرة مرة»، «فتح عينك»، و«جرس الخطر» لأمين صدقي، و«أبو زيد»، «عرسان للبيع» للإبياري، و«القصر المسحور»، «جه يكحلها» لمحمد مصطفى، و«مين فيهم» لعبد الفتاح عزو، و«مدرسة الرقص» لإميل عصاعيصو، و«يا ضنايا»، «جراند أوتيل» لمحمد إسماعيل. وإسكتشات: «الزهور»، «بروفة جنرال»، «غرام ألف صنف»، «درس نحوي»، و«من رضي بقليله عاش» لجميل أمين، و«هوايين» لمحمود الشريف، و«الأمير زاريو» لمحمد إسماعيل. واستعراضات: «المواصلات»، «حمام الهنا»، و«آمنت بالله»، «وحوي يا وحوي» لمحمد مصطفى. وهذه الأعمال من تلحين: سيد مصطفى، فريد غصن، محمود الشريف، عزت الجاهلي. ومن تمثيل وغناء: فتحية محمود، سيد سليمان، صفية حلمي، سميرة أمين، ببا عز الدين، عبد النبي محمد، موسى حلمي، عفيفة إسكندر، أنصاف محمد، سيد بهنسي، لونا، أليس، هجران هانم.
8
وإذا نظرنا إلى بعض موضوعات الأعمال المسرحية التي كانت تقدمها فرقة ببا عز الدين؛ سنجد مسرحية «القصر المسحور» لمحمد مصطفى تدور حول سجين هارب اسمه رزق اختفى في قصر مهجور، حيث يلتقي برجل آخر هارب من حماته التي حولت حياته إلى جحيم لا يطاق. وبعد فترة من اختفائهما في هذا القصر يظهر لهما في الظلام حارس القصر وهو من الجان، ومن خلال الحوار يعرض عليهما الحارس بعض فتيات حسان، فيوافقان على ذلك، ثم يقوم الحارس ببعض الحركات السحرية، وفي لحظات تظهر نسوة عجائز، فيوقعن الرعب في قلب الهاربين . وبعد مواقف كوميدية كثيرة تتبدل النسوة العجائز بفتيات صغيرات، وتنتهي المسرحية.
أما مسرحية «جرس الخطر» لأمين صدقي، فتدور حول يوسف أفندي ناظر محطة قطار غزة، وكانت له ابنة جميلة تدعى بلانش، وكان قد خطبها رستم أفندي، ولكن والدها رفض أن يزوجها له. وفي يوم ما ترك يوسف المحطة وذهب لقضاء عمل شخصي له؛ لأن القطار القادم في ذلك الوقت لا يقف في محطة غزة. ويشاء القدر أن أحد المسافرين على هذا القطار كان لا يحمل تذكرة، وأراد أن ينزل في محطة غزة، فدق جرس القطار مما جعل السائق يقف بالقطار في المحطة، وتشاء الظروف أن مفتش السكك الحديدية كان من ركاب هذا القطار، فنزل في المحطة يبحث عن ناظرها كي يعاقبه على هذا الإهمال. وعندما يذهب إلى مكتب الناظر يرى بلانش فيعجب بها، وعندما يأتي الناظر يطلب المفتش منه يد ابنته بلانش بدلا من أن يوقع العقاب عليه. وتنتهي المسرحية بذلك.
تصريح وزارة الداخلية بتمثيل مسرحية «جرس الخطر».
أما مسرحية «مدرس الرقص» لإميل عصايصو، فتدور حول عزمي بك الذي يدير مدرسة للرقص وللألعاب الرياضية بمساعدة ابنته انشراح وابنة أخيه مكارم. وانشراح تحب فؤاد الموظف عند أبيها، كما أن مكارم تحب أيضا كامل أحمد الموظفين البسطاء. وبعد فترة يتقدم برعي للزواج من انشراح، وهو رجل كبير في السن، فيوافق عزمي، ولكن ابنته ترفض. وفي يوم ما يصل لكامل خطاب من أبيه يخبره بأنه كتب له ثروة كبيرة، فيتبرع كامل بجزء منها إلى فؤاد، وبذلك يوافق عزمي على زواج ابنته وابنة أخيه من كامل وفؤاد.
أما مسرحية «يا بلاش»، فتدور حول زوجة تخون زوجها، وفي يوم اللقاء مع العشيق تجعل خادمتها تعمل على السطح كي تنفرد بالعشيق في المنزل، وتجعل الباب مفتوحا كي يحضر العشيق. وفي هذا الوقت يحضر لص ويدخل إلى غرفة النوم، وأثناء سرقته لساعة ثمينة كانت موجودة في الدولاب يحضر العشيق فيختفي اللص في الدولاب. وبعد فترة قصيرة يحضر الزوج ، فتقوم الزوجة بإخفاء العشيق في الدولاب أيضا. وفي الدولاب يتفق اللص مع العشيق على الهرب بالساعة مقابل عدم إبلاغ الزوج بعلاقته مع زوجته. وعندما يترك الزوجان الغرفة يهرب اللص من على سطح المنزل، ولكن الخادمة تفلح في الإمساك به، وعندما يحضر البوليس يظهر العشيق ويتضح الأمر للزوج فيطلق زوجته.
وإذا نظرنا إلى موضوعات الإسكتشات التي قدمت في هذا الموسم؛ نجد إسكتش «من رضي بقليله عاش» لجميل أمين يدور حول كثرة المشاحنات الزوجية بين خميس وزوجته، بسبب كثرة طلباتها وعدم قيامه بشراء ما تتمناه. وفي يوم يحضر الزوج ويخبر الزوجة بأنه اشترى ورقة يانصيب ويأمل في أن تكسب الجائزة الأولى. وأخذ الزوجان يحلمان بهذا المكسب، وماذا يفعلان بهذا المال، فقال الزوج أنه سيتزوج بهذا المال فتاة جميلة فقامت الزوجة على الفور بتمزيق ورقة اليانصيب كي تحرم الزوج من أحلامه.
وفي صيف هذا الموسم انتقلت ببا بفرقتها كالعادة إلى كازينو مونت كارلو بالشاطبي، تحت إدارة جميل جمعة، ابتداء من 1 / 6 / 1938، وفيه قدمت مسرحيات: «إكسبريس»، «الفلوس»، «مش شغلك»، «فرمل»، «يحيا الحظ»، «فتح عينك»، «غانيات نهر دجلة». وإسكتشات: «بتنجان فيلم»، «الكونجا»، «إذ»، «الأبرازريو»، «أذواق الحب»، «تمثيل زمان». واستعراضات: «سوق الفاكهة»، «زفة العرب»، «يا جنايني»، «صالون الجمال»، «آخر مودات». وهذه الأعمال من تلحين سيد مصطفى، فريد غصن، أحمد صبرة. ومن تمثيل وغناء ورقص: ببا عز الدين، عبد النبي محمد، نزهة العراقية، بدرية العراقية، بدرية أحمد، عفيفة إسكندر.
9
صورة من استعراض «زفة العرب».
وفي موسم 1938-1939 ضمت ببا إلى فرقتها المطربة فتحية أحمد، وعملتا معا في كازينو بديعة بشارع عماد الدين في الشتاء، وقدمت الفرقة مسرحيات: «المعلم خميس»، «بيجي بيجي بك»، «الحاج بلاتشي»، «مصوراتي الأنس»، و«الدكتور» للنجدي. وإسكتشي: «150 جنيه»، «حفلة مدرسية». واستعراضات: «ناح الحمام»، «غنو غنو»، «آخر رجل في العالم»، «عديني يا ريس»، «النجوم»، «ليه كده»، و«الزار»، «روب الليل» لمحمد مصطفى، و«الزفاف» للبدري، و«يا جميل» للهواري. وبعض هذه الأعمال كانت من تأليف أنور وجدي، وأغلبها من تلحين: سيد مصطفى، أحمد صبرة، علي العريس، يوسف بدروس. ومن تمثيل وغناء ورقص: ببا عز الدين، فتحية أحمد، فتحية شريف، عفيفة إسكندر، أنصاف محمد، نزهة العراقية، سيد سليمان، إسماعيل ياسين، ليلى حلمي، أمين عطا الله، ثريا حلمي، فكتوريا مسلم، محمد عبد المطلب، علي العريس، نادية العريس.
10
نموذجان من إعلانات ببا عز الدين.
وفي موسم 1939-1940 قدمت فرقة ببا عز الدين في صالتها بشارع عماد الدين شتاء وبكازينو محطة الرمل بالإسكندرية صيفا، مسرحيات: «كعبور أفندي»، «جمرك القنطرة»، «حرامي الأرستقراط»، «تدبير منزلي»، و«الدنيا حظوظ» لأبي الخير، و«محطة العواطلية»، «عندك» لأمين صدقي، و«قلم الطرود»، «دقن الباشا»، «أما ورطة» لمحمد إسماعيل وجميل جمعة. وإسكتشات: «دار الكتب»، «تمثيل في الهواء الطلق»، و«أرباب الفن» لأمين صدقي، و«فلاحة من أكسفورد»، «التسعيرة» لمحمد إسماعيل. واستعراضات: «ملكة الزهور»، «غرام الأمير»، «اضحك للدنيا»، «بلابل إسبانيا»، «مقالب إبليس»، «درس في التاريخ»، «الحب العسكري»، «فتاة الأندلس»، و«غاب الحبيب»، «النمر المقدس»، لمحمد إسماعيل وجميل جمعة، و«أفتكرك» لحسن توفيق.
وهذه الأعمال من إخراج عزيز عيد، ومن تلحين: عزت الجاهلي، سيد مصطفى، أحمد صبرة. ومن تمثيل ورقص وغناء: أسعد مصطفى، أمينة محمد، أنصاف محمد، ببا عز الدين، تحية كاريوكا، ثرية حلمي، جمالات حسن، حامد مرسي، حسين المليجي، حكمت فهمي، خيرية صدقي، زينب السودانية، سميحة حسن، سميرة أمين، سنية شوقي، سيد سليمان، سيد فوزي، سيد مصطفى، عايدة، عبد العزيز أحمد، عبد النبي محمد، عزيز عيد، عقيلة راتب، فتحية فؤاد، فتحية محمود، فيفي، كيكي عمار، محمد التابعي، محمد السباعي، محمد عبد المطلب، ميمي صيداوي، نادية العريس، هجران، هلدا.
11
وظلت ببا عز الدين تواصل عملها الفني، حتى استطاعت أن تشتري كازينو الأوبرا تحت إدارة جاك، الذي كانت تملكه بديعة مصابني ثم ببا عز الدين، وقدمت عليه عروضا مسرحية وغنائية كثيرة كانت من تأليف أبي السعود الإبياري، مثل مسرحية «يختي عليه» التي قدمت في 16 / 10 / 1950، من تلحين عزت الجاهلي، ومن تمثيل وغناء: ببا عز الدين، ثريا حلمي، حورية حسن، أحمد عبد الله، سيد فوزي، عبد النبي محمد، فهمي أمان، شوشو، نادية سلامة ، زيزي سعيد، أحمد عبد الحليم، ليز، لين.
وفي 5 / 2 / 1951 لقيت ببا عز الدين مصرعها في حادث سيارة أثناء عودتها من مدينة طوخ، بعد أن اشترت عزبة خاصة بها. وهكذا انتهت حياة هذه الفنانة التي كونت فرقة تمثيلية غنائية ضمت عددا من المشاهير، أمثال: أبو العلا علي، أحمد عبد الحليم، أحمد عبد الله، أسعد مصطفى، إسماعيل ياسين، أليس، أمين عطا الله، أمينة محمد، أنصاف محمد، أنطوان عيسى، بدرية أحمد، بدرية العراقية، بيونشتا، تحية كاريوكا، تيتي، ثريا حلمي، جمالات حسن، جميل جمعة، جينا، حامد مرسي، حسين إبراهيم، حسين المليجي، حكمت فهمي، حورية حسن، خيرية صدقي، ديوريلس، رجاء رستم، رجاء عبده، روز عازوري، زوزو لبيب، زيزي سعيد، زينب السودانية، سارة، سعاد عبده، سميحة حسن، سميرة أمين، سنية شوقي، سيد بهنسي، سيد سليمان، سيد فوزي، سيد مصطفى، شوشو، صفية حلمي، عايدة، عبد الحليم القلعاوي، عبد العزيز أحمد، عبد النبي محمد، عزيز عيد، عفيفة إسكندر، عقيلة راتب، علي العريس، فتحية أحمد، فتحية الشريف، فتحية فؤاد، فتحية محمود، ألفريد حداد، فكتوريا مسلم، فهمي أمان، فيفي، كريمة أحمد، كيكي المسيري، كيكي عمار، لونا، ليز، ليلى الشقراء، ليلى حلمي، ليلى عاصم، لين، محمد إدريس، محمد التابعي، محمد السباعي، محمد عبد المطلب، محمود التوني، مفيدة أحمد، موسى حلمي، ميمي صيداوي، نادية العريس، نادية سلامة، نزهة العراقية، نعمات المليجي، هجران هانم، هلدا.
صالات أخرى
إذا كنا فيما سبق قد أسهبنا بعض الشيء في الحديث عن صالات بديعة ورتيبة وأنصاف وببا، فهذا راجع إلى أن هذه الصالات من أهم الصالات الفنية التي استمرت فترات طويلة تقدم العروض المسرحية، بخلاف الصالات الأخرى التي كانت مخصصة للغناء والرقص فقط، مثل: صالة فاطمة قدري، وصالة نعيمة المصرية، وصالة سعاد محاسن بالبيجو بالاس.
سعاد محاسن وأحد إعلانات صالاتها.
كما كانت توجد بعض الصالات تتشابه إلى حد كبير مع صالات بديعة ورتيبة وأنصاف وببا، ولكن لم يكتب لها الاستمرار؛ حيث كانت تقدم بعض المواسم المتقطعة. وسنتوقف عند محطات معينة من تاريخ هذه الصالات.
صالة ماري منصور
ولدت ماري منصور في مدينة المنصورة عام 1899، وهي من الممثلات القلائل التي تتحدث أكثر من لغة؛ منها الفرنسية والإيطالية واليونانية. وقد تزوجت ماري ثم طلقت بعد أن رزقت بموريس وعايدة. وبدايتها الفنية كانت في مسرح رمسيس عام 1924، حيث قامت بتمثيل أغلب مسرحيات يوسف وهبي، ومنها: «النائب هالير»، «راسبوتين»، «متى نتزوج»، «الذبائح»، «القاتل»، «كاترين دي مدسيس». وفي أواخر عام 1926 انضمت ماري إلى فرقة نجيب الريحاني، ومثلت مسرحيات: «الجنة»، «الشرك»، «حبوب عنتر»، «اللصوص». وفي مايو 1927 انضمت إلى الفرقة المستقلة، ومثلت في مسرحية «غلطة حصان» وفي أواخر عام 1927 عادت مرة أخرى إلى فرقة رمسيس، وشاركت في تمثيل مسرحيات: «ملك الحديد»، «الفريسة»، «دكتور جيكل ومستر هايد»، «الجريمة».
1
تركت ماري منصور التمثيل المسرحي، وافتتحت قبل عام 1930 بشارع عماد الدين صالة للغناء والرقص والتمثيل، أطلقت عليها «صالة ماري منصور» وفي صيف 1931 انتقلت بفرقتها للعمل بصالة أوزويتا بالإسكندرية.
2
ويعتبر أهم موسم لماري منصور هو موسم 1934-1935، حيث افتتحت فيه كازينو البسفور بميدان محطة باب الحديد، وكانت تقوم بإدارته مع امتثال فوزي.
وفي هذا الكازينو قدمت فرقتها مسرحيات: «خمسة وخميسة»، «أستاذ البيانو»، «إسبتالية المجاذيب»، «الحبصبطول»، «الحدق يفهم»، «حاجة تفلق»، «الجهل نور»، «آدي العينة»، «أولاد العز»، «اللي ما يشتري يتفرج»، «التأمين على الحياة»، و«قلبي عندك» لصالح سعودي، و«500 فدان» لأمين صدقي، و«سمكري الحظ» لمحمد البيه. كما قدمت ماري منصور إسكتشات: «شارع الكورنيش»، «متحف الشمع»، «زفة عروسة الفلاحين»، «الإسعاف»، «دين مصر»، «يا ننا نامي»، «مدام كنج كنج»، «رومية آخر ساعة»، «عشاق القمر»، «البوكس»، «فيضان النيل»، «الحب الإسبانيولي»، «يا ولاد الإيه»، «مملكة الشياطين»، «المتنزهات العمومية»، «اللي يلعب بالنار»، «مكتب كل شيء»، و«على البلاج» لأمين صدقي، و«بدر البدور»، «الحبيب المهاجر»، «عشاق القمر» لصالح سعودي، و«متحف الشمع» لمحمود الناصح. وأخيرا قدمت استعراضين، هما: «مدرسة النكت»، «هيق هيق». وهذه الأعمال من تمثيل وغناء: ماري منصور، امتثال فوزي، عبد اللطيف جمجوم، عبد العزيز أحمد، أحمد عبد الله، محمود عقل، حكمت فهمي، حورية، زيزي، جينا، كوثر، حكمت كامل، أديل، فيتا، برفيكيتو، كيرا.
3
صالة المطربة ملك
بدأت المطربة ملك - واسمها الحقيقي زينب محمد الجندي - كمغنية، ثم تألقت في الغناء مع تختها الموسيقي في عام 1925 عندما كانت تغني الطقاطيق والأدوار بين فصول مسرحيات فرقة عكاشة، وبالأخص مسرحية «الميت الحي» وفي ديسمبر 1925، اشتركت بالغناء في مسرحيات فرقة الجزايرلي وفوزي منيب بمسرح البسفور. وفي سبتمبر 1926 انضمت كمطربة وممثلة في فرقة أمين صدقي، حيث قامت ببطولة عدة مسرحيات على مسرح سميراميس بشارع عماد الدين، ومنها: «الكونت زقزوق»، «مملكة العجائب»، «عصافير الجنة». وبعد ذلك انفصلت عن الفرقة بسبب تأخر أمين صدقي في دفع راتبها، ومن ثم عادت إلى تختها لتغني الطقاطيق بكازينو البوسفور، وتحيي حفلات الجمعيات الخيرية، ومنها جمعية المواساة الإسلامية، وكان يطلق عليها في ذلك الوقت «مطربة العواطف».
4
اتجهت المطربة ملك بعد ذلك إلى تكوين فرقة خاصة بها للغناء والتمثيل المسرحي، وكانت تقدم أعمالها على مسرح البوسفور عام 1930، وظلت فيه مدة طويلة، حتى تركته وبدأت تعرض على مسرح برنتانيا عام 1940، حيث قدمت مسرحيات: «الطابور الأول»، «طرزان يجد أم أحمد»، «مايسة»، «مدام بترفلاي»، والعملان الأخيران لبيرم التونسي، ومن إخراج فؤاد الجزايلي، ومن تمثيل حسين صدقي. كما قامت ملك في هذه الفترة ببطولة فيلم «العودة إلى الريف» من إخراج أحمد كامل مرسي.
وبعد ذلك استأجرت ملك لفرقتها قطعة أرض كانت مملوكة للأميرة شويكار، وأقامت عليها مسرحا أطلقت عليه «مسرح أوبرا ملك»، وهو يقع في شارع خليج الخور المتفرع من شارع عماد الدين، وافتتحته يوم 10 / 1 / 1941 بأوبريت «عروس النيل»، تأليف محمود تيمور، ومن إخراج زكي طليمات، ومن تمثيل: صلاح نظمي، عبد البديع العربي، كامل أنور. وعلى هذا المسرح قدمت فرقتها العديد من المسرحيات، ومن أشهرها مسرحية «بنت بغداد»، تأليف بيرم التونسي، هذا بالإضافة إلى مسرحيات: «أميرة ومملوك»، «سعدى»، «سفينة الغجر»، «طباخة بريمو»، «درية»، «روميو وجوليت»، «حاوي إفرنجي»، «جواهر»، «الحب الأول»، «عشاق بالجملة»، «ليالي شهرزاد»، «حلويات»، «زينة»، «بلبل»، «بنت السلطان».
وهذه الأعمال كانت من تأليف: محمود تيمور، صالح جودت، بيرم التونسي، عبد الحميد كامل، السيد زيادة، عبد العليم خطاب. وكانت من تلحين ملك نفسها، ومن إخراج فؤاد الجزايرلي، زكي طليمات، حسن حلمي ، ومن تمثيل: محسن سرحان، السيد بدير، عبد المنعم إسماعيل. وظلت ملك تعمل في المجال الفني حتى توقفت نهائيا عام 1952، بعد حريق القاهرة الذي دمر مسرحها تدميرا كاملا.
5
وكان من المقرر أن تمثل عليه مسرحيتها الجديدة «أفديه».
صالة فتحية أحمد
ولدت مطربة القطرين فتحية أحمد سري عام 1908، بحي الأنفوشي بالإسكندرية. وبدأت التألق الفني وهي في سن العاشرة من عمرها، حيث كان يتسابق مديرو الفرق المسرحية للاتفاق معها على الغناء بين الفصول، وخصوصا الفرق المسرحية الشامية.
الاحتفال العظيم بعيد شم النسيم.
أما تألقها الغنائي المسرحي، فقد وصل ذروته في عام 1918، عندما التحقت بفرقة نجيب الريحاني بتياترو الإجبسيانة، حيث اشتركت بالغناء في مسرحيات: «حمار وحلاوة»، «ولو»، «أم أحمد». وفي نفس العام اشتركت أيضا بالغناء في مسرحيات نادي التمثيل العصري، ومنها: «السقا»، «إلا بلاش»، «جه يكحلها»، «الضحية». وفي عام 1919 انضمت إلى فرقة أمين عطا الله وكاميل شامبير بتياترو الماجستيك، حيث اشتركت في غناء مسرحية «نعيما». وفي عام 1920 انضمت إلى فرقة أمين صدقي وعلي الكسار، واشتركت في غناء وتمثيل مسرحية «راحت عليك» وفي عام 1921 قامت بأدوار البطولة في مسرحيات فرقة منيرة المهدية، بدلا من منيرة التي تركت الفرقة بسبب مشاكلها مع زوجها محمود جبر. ومن هذه المسرحيات: «كلام في سرك»، «أدنا»، «التالتة تابتة»، «الكابورال سيمون». وفي عام 1925 انضمت فتحية إلى فرقة أمين صدقي ونجيب الريحاني، حيث قامت ببطولة مسرحيات: «قنصل الوز»، «مراتي في الجهادية»، «بنت الشبندر». وفي عام 1926 اشتركت بالغناء في مسرحية «ليلة كليوباترا» لفرقة عكاشة. وفي عام 1927 مثلت دور كليوباترا في مسرحية «كليوباترا ومارك أنطوان» لفرقة منيرة المهدية، كما شاركت بتختها الموسيقي في الغناء بين فصول مسرحية «الإمبراطور» لفرقة فاطمة رشدي.
6
صورتان لفتحية أحمد.
وكان هذا العمل هو آخر عهد لها بالتمثيل والغناء المسرحي في هذه الفترة، حيث اتجهت بعد ذلك إلى العمل الغنائي في الكازينوهات والصالات، وذلك في أواخر عام 1927، ومنها كازينو البوسفور، وصالة بديعة مصابني.
7
وفي عام 1933، وبعد احتجاب طويل عن الفن كونت فتحية أحمد فرقة مسرحية استعراضية، وافتتحت بها صالة مكشوفة بالكوبري الإنجليزي، أطلقت عليها «حديقة فتحية»، وفيها عرضت مسرحيات: «أشكرك»، «أنا المصري»، «النكتة البريئة» لمحمد إسماعيل. هذا بالإضافة إلى استعراض «افتتاح كوبري الخديو إسماعيل» وهذه الأعمال كان من تلحين إبراهيم فوزي، وبطولة فتحية أحمد.
8
وفي عام 1934 تركت فتحية حديقتها وعادت مرة أخرى إلى الغناء في صالات ومسارح الآخرين، مثل: صالة ببا، ومسرح رمسيس؛ حيث اشتركت بالغناء في مسرحيات: «صندوق الدنيا»، «أولاد الفقراء»، «الفاجعة» ... لفرقة يوسف وهبي. وظلت فتحية أحمد بعد ذلك تعمل في مجال الغناء والتمثيل المسرحي والسينمائي فترة كبيرة، وكان من أهم أفلامها «حنان»، وقامت ببطولته مع بشارة واكيم وتحية كاريوكا، ومن إخراج كمال سليم. وعندما بلغت فتحية أحمد سن الخمسين اعتزلت العمل فترة طويلة حتى ماتت في 5 / 12 / 1975.
9
صالة حياة صبري
تتلمذت المطربة حياة صبري،
10
على يد المرحوم الشيخ سيد درويش، الذي تزوجها فيما بعد. وقد بدأ تألقها الغنائي عام 1924 عندما عملت بفرقة أمين عطا الله. وفي عام 1925 انضمت إلى فرقة الجزايرلي بكازينو البوسفور، وفي العام نفسه انضمت إلى فرقة فوزي منيب بكازينو مونت كارلو بروض الفرج. وفي عام 1928 عملت بصالة الأوبرا بالإسكندرية. وفي عام 1932 كونت حياة صبري مع عبد اللطيف جمجوم فرقة مسرحية عملت بكازينو ليلاس بروض الفرق، ومثلت مسرحيات قليلة، منها مسرحية «أنا وأنت»، تأليف نجيب الريحاني وبديع خيري، ولكن هذه الفرقة لم تستمر طويلا.
11
وفي عام 1935 كونت حياة صبري فرقة مسرحية غنائية خاصة بها، عملت على مسرح كازينو البسفور، حيث قدمت الكثير من الإسكتشات والأغاني للشيخ محمد يونس القاضي، ومنها إسكتش «فاتنة الأندلس»، تلحين عبده قطر نصر، وإسكتش «عاشق الطبيعة» لنعيم مصطفى، تلحين جمال حمدي.
12
وفي عام 1939 وجدنا حياة صبري ضمن فرقة علي الكسار التي تعمل نهارا بكازينو سان استفانو بروض الفرج، وليلا في كازينو وكباريه الماجستيك. وفي عام 1940 وجدناها كونت فرقة مسرحية غنائية بالفيوم، حيث كانت تعرض أعمالها بصالة تودري، ومنها مسرحية «علشان سواد عينها»، بطولة: يحيى المصري، حياة صبري، أفكار كامل، محمد يوسف، كامل محمود . وظلت حياة صبري على قيد الحياة حتى عام 1956، حيث كانت عضوة في نقابة المهن التمثيلية، وتحمل عضوية رقم «314».
13
صالة حورية محمد
بدأت حورية محمد عملها الفني في صالة بديعة مصابني عام 1935، وفي عام 1936 كونت فرقة مسرحية خاصة بها، عرضت أعمالها على مسرح كازينو مونت كارلو وكازينو ألف ليلة بمحطة الرمل بالإسكندرية، ومن هذه الأعمال مسرحيات: «عين الحسود»، «بشاير الأنس»، «أصحاب العقول»، «كذبة أبريل»، «مانجة وفراولة»، «جوز بماهية»، «جزيرة الورد»، «دقة المعلم»، و«الأستاذ بعرور» لوليم باسيلي. هذا بالإضافة إلى إسكتشات: «بيانو الأنس»، «لعنة الفراعنة»، «الكروان»، «الدنيا حر»، «آمال مصر»، «جزيرة الذهب»، «مصر بعد المعاهدة»، «بلاد نم نم»، «رقصة المتوحشين»، «مجد الفراعنة». وهذه الأعمال كانت بطولة حورية محمد ورياض القصبجي.
14
تصريح وزارة الداخلية بتمثيل مسرحية «عين الحسود».
وابتداء من عام 1943 اتجهت حورية محمد إلى الاشتراك بالرقص في الأفلام السينمائية، ومنها فيلم «بحبح في بغداد»، بطولة فوزي الجزايرلي ومحمد الكحلاوي، الذي عرض بسينما مصر بشارع فاروق. كما شاركت أيضا عام 1945 في فيلم «القرش الأبيض»، بطولة: فوزي الجزايرلي، ليلى فوزي، عباس فارس، محمود إسماعيل، ثريا حلمي، إسماعيل ياسين. وهذا الفيلم كان من إخراج إبراهيم عمارة، وعرض بسينما رويال بالقاهرة. وظلت حورية محمد على قيد الحياة حتى عام 1956، حيث كانت عضوة في نقابة المهن التمثيلية وتحمل عضوية رقم «305».
15
حورية محمد.
وإذا تطرقنا للموضوعات التي قدمتها فرقة حورية محمد، سواء بالنسبة للمسرحيات أو الإسكتشات، سنجد موضوع «بشائر السعد» يدور حول أميرة هندية أتت برجل اسمه «سمسم» إلى قصر الحكم. وكان هذا الرجل يشبه والدها بصورة كبيرة، وهذا هو سبب استضافتها له. وعندما تحاول إخبار والدها الحاكم بهذه المفاجأة تجده متغيبا، حيث سافر إلى إحدى البلاد المجاورة كي يقيم معاهدة مع حاكمها. وفي فترة غياب الحاكم الحقيقي تحدث عدة مفاجآت في القصر والدولة بسبب التشابه الكبير بين سمسم والحاكم.
ويدور موضوع «بيانو الأنس» لمحمود ناصح حول فلفل أفندي، الذي يحرم على أخته حورية إعطاء دروس البيانو لغير الجنس اللطيف. وفي يوم يحضر عمدة من الأرياف لأخذ درس في البيانو، وفي هذا الوقت يحضر فلفل منفعلا ، فتضطر حورية لإخفاء العمدة خلف البيانو، ويخبرها فلفل بأنه عاكس إحدى السيدات في الطريق العام، فاستغاثت بالشرطي الذي يطارده الآن، وهنا يطرق الشرطي باب الشقة بقوة، فيضطر فلفل للهرب من سطح المنزل، وعندما يقتحم الشرطي المنزل يجد العمدة، فيظنه الرجل المطلوب، وعندما يقبض عليه يخرج العمدة بطاقة توصية من أحد الباشوات، فيضطر الشرطي لإطلاق سراحه.
ويدور موضوع «الأستاذ بعرور» لوليم باسيلي حول سهام ابنة محروق بك، الذي يحاول أن يزوجها من رجل غني فيتقدم له مجموعة من الخطاب، فيقع اختياره على الأستاذ بعرور لأنه ثري جدا، رغم أن أصدقاءه يصفونه بالأبله. وبعد الزواج يشاهد بعرور زوجته في حالة انفراد بشاب في بيت الزوجية، وعندما يسألها عنه تقول أنه ابن عمها، وهو في الحقيقة عشيقها «لطيف». وبعد عدة مواقف مماثلة تنهرها أم بعرور، وتعاتبها على هذه التصرفات المشينة، وبدلا من أن نجد الزوج يثور لكرامته وشرفه ويقف بجانبه أمه، نجده يعاتب الأم ويلتمس الأعذار لزوجته، ويحاول إرضاءها كي تمكث في البيت ولا تتركه.
أما موضوع «دقة المعلم» لمصطفى إبراهيم، فيدور حول كوكا التي تتزوج حديثا من المعلم رحرح الجزار، وتأتي زوزو صديقة الزوجة لتبارك الزواج، فتعلم من صديقتها أن زوجها من الأغنياء، فتفكر الصديقة في مكيدة تستطيع من خلالها أن تجعل رحرح يطلق زوجته ويتزوجها هي. وتتمثل هذه المكيدة في أن وضعت بذور الشك في نفس الزوج تجاه زوجته، وقامت بنفس الشيء بالنسبة للزوجة. وبعد عدة مواقف كوميدية تنكشف المكيدة للجميع، فيعود الزوجان لعش الزوجية مرة أخرى بعد أن وقع الطلاق بينهما.
صالة فتحية محمود
بدأت فتحية محمود - واسمها الحقيقي رقية محمود سليمان - عملها الفني كممثلة وراقصة عام 1934، عندما انضمت إلى فرقة ببا عز الدين بكازينو مونت كارلو بالشاطبي بالإسكندرية، حيث شاركت في تمثيل الكثير من مسرحيات وإسكتشات واستعراضات الفرقة، ومنها: «إشمعنى»، «غلطة»، «متحف الفن»، «ألوان الحب»، «قشطة»، «واق الواق»، «يا كتاكيتها»، «على البلاج»، «الناس مقامات»، «كنج كونج»، «أزمة عمال». وفي نفس العام انضمت فتحية أيضا إلى صالة بديعة مصابني، حيث شاركت في عروض: «كتب كتاب الهنا»، «شهيرات النساء»، «عرايس النيل»، «جوز الاثنين»، «المتحف».
16
وفي عام 1936 كونت فتحية محمود فرقة خاصة باسمها، عملت بكازينو البسفور، تحت إدارة جميل جمعة، حيث عرضت مسرحيات: «هنونا يا حبايب»، «الفقر حشمة»، «الريال جري»، و«يا واخد ندك» لأمين صدقي. وإسكتشات: «مراية الحب»، «الزار»، و«بشاير الهنا» لأمين صدقي، و«رأس السنة لابن الليل». واستعراضي: «يا واحشني»، و«خدامات موديل 1937» لأمين صدقي. وهذه الأعمال من تلحين محمود الشريف، ومن تمثيل: فتحية محمود، حسن سلامة، إبراهيم حمودة، أحمد فريد، علي كامل.
17
وفي عام 1937 حلت فتحية فرقتها وانضمت إلى فرقة ببا عز الدين مرة أخرى، وشاركت في تمثيل عروضها التمثيلية، ومنها: «القصر المسحور»، «آمنت بالله»، «مدرسة الرقص»، «وحوي يا وحي»، «جه يكحلها»، «يا ضنايا»، «جراند أوتيل»، «أبو زيد»، «عرسان للبيع»، «اصطلحنا»، «درس نحوي»، «المواصلات».
18
وفي عام 1938 كونت فتحية محمود فرقة مسرحية بالاشتراك مع فوزي منيب، كانت تعمل بكازينو نرفانا بالإسكندرية، حيث قدمت مسرحية «سكرة ليلة إمبارح»، وإسكتش «حلويتنا». وقدمت أيضا مسرحية «دقة المعلم» اقتباس كامل عبد السلام.
19
تقرير الرقابة عن مسرحية «دقة المعلم» لفرقة فوزي منيب وفتحية محمود.
تصريح وزارة الداخلية بتمثيل مسرحية «دقة المعلم» لفرقة فوزي منيب وفتحية محمود.
وفي عام 1939 انضمت فتحية محمود مرة أخرى إلى كازينو وكباريه بديعة مصابني بشارع عماد الدين، حيث اشتركت في الموسم الشتوي فقط، أما في الصيف فقد افتتحت كازينو كوت دازور بالإسكندرية تحت إدارة عبد النبي محمد، ومثلت بفرقتها مسرحيات: «بنسيون للإيجار»، «خليك معايا»، و«عايدة» لمحمد إسماعيل. وإسكتشات: «الحب الإسبانيولي»، «نادي الفنون»، «محصل الدايرة». واستعراضات: «الجهاد»، «الجواز»، «الحب الصيفي». وهذه الأعمال من تلحين محمود الشريف، ومن تمثيل: فتحية محمود، عبد النبي محمد، عقيلة راتب، يوسف حسني، حسين المليجي، نعمات المليجي، حسين إبراهيم.
20
وفي عام 1939 أيضا شاركت فتحية محمود فرقة فاطمة رشدي في العديد من الأعمال المسرحية، التي كانت تعرض بكازينو مونت كارلو، ومنها مسرحيتا «الشايب» و«المعلم حنفي»، وإسكتشي «السندباد القبلي» و«عزرائيل في أجازة». وفي أواخر عام 1939 انضمت فتحية للمرة الثالثة إلى فرقة ببا عز الدين، وشاركت في تمثيل مسرحيتي «دقن الباشا»، و«عندك»، وفي استعراض «درس في التاريخ». وفي عام 1943 انضمت إلى فرقة علي الكسار التي كانت تعمل بكازينو سان استفانو بروض الفرج.
21
وفي أواخر حياتها الفنية كونت فتحية محمود فرقة مسرحية استعراضية، عملت بها في أوبرج الترف خلف سينما ستوديو مصر، حيث قدمت أعمالا فنية من تأليف إبراهيم كامل رفعت. وكان من أعضاء فرقتها: سيد إسماعيل، عادل مأمون، نادية فهمي، ناهد أحمد، الراقصة كيتي، أمينة السيد، شوشو سليم، نادية إبراهيم، سعاد أحمد، عزيزة علي، فوزية سليمان، ملكة حمدي، نعيمة حسن، فكرية علي، ميمي محمد، كريمة محمود، عزيزة غنيم. أوركستر محمد فياض، تخت يعقوب طاطيوس، مدرب الرقص كلاكادكس، مدير المسرح عرابي سالم. وفي عام 1956 انضمت فتحية محمود إلى نقابة المهن التمثيلية، وكانت تحمل عضوية رقم 411.
22
ولفظت أنفاسها الأخيرة في مايو 1983.
ملحق
استئناف محاكمة مسرح يعقوب صنوع
أشرت في موضع سابق من هذا الكتاب، إلى أن الشيخ سلامة حجازي يعتبر صاحب أول فرقة مسرحية مصرية كبرى عام 1905؛ حيث إن جميع الفرق المسرحية الكبرى التي وجدت في مصر قبل هذا العام أصحابها من الشوام، أمثال: سليم خليل النقاش، يوسف الخياط، سليمان القرداحي، سليمان الحداد، القباني، إسكندر فرح ... ولعل هذه الحقيقة تتناقض مع ما هو معروف من أن يعقوب صنوع كمصري هو رائد المسرح العربي في مصر!
ويعقوب صنوع يعتبر أسطورة من أساطير التاريخ العربي الحديث، بما كتب عنه من الكتب والرسائل الجامعية، ومئات الدراسات والمقالات. وكل هذه الكتابات تؤكد على أقوال أصبحت من الثوابت التاريخية والحقائق الراسخة في أذهان الجميع. ومنها أن يعقوب صنوع كان مدرسا للغات في مدرسة المهندسخانة، وكان قادة الثورة العرابية من تلاميذه في هذه المدرسة، بما فيهم أحمد عرابي نفسه. كما أن يعقوب صنوع هو رائد المسرح العربي في مصر، وأنه كون فرقتين مسرحيتين، وكتب اثنتين وثلاثين مسرحية، وأقام أكثر من مائتي عرض مسرحي حي أمام الجمهور بمسرحه بالأزبكية، واستمر هذا النشاط المسرحي منذ عام 1870 إلى عام 1872، حتى أغلق الخديو إسماعيل هذا المسرح.
بعد ذلك كون يعقوب صنوع جمعيتين أدبيتين، الأولى «محفل التقدم» والأخرى «جمعية محبي العلم»، وكان من مريديه الأفغاني ومحمد عبده، ولكن الخديو أغلق هاتين الجمعيتين أيضا. بعد ذلك أصدر صنوع صحيفته «أبو نظارة زرقا» عام 1878، وأصدر منها أعدادا قليلة في مصر، فأمر الخديو بمصادرتها، ونفى يعقوب صنوع إلى فرنسا!
وهذه المعلومات - رغم عدم صحتها ... وعدم وجود أي دليل عليها - توارثتها الأجيال، في العالم العربي منذ بداية نشرها على يد الفيكونت فيليب دي طرازي عام 1913 في كتابه «تاريخ الصحافة العربية» وهذه المعلومات ... ضخمها د. إبراهيم عبده في كتابه «أبو نظارة إمام الصحافة الفكاهية المصورة وزعيم المسرح في مصر» عام 1953، ثم فسرها وشرحها د. أنور لوقا في دراسته «مسرح يعقوب صنوع» في مجلة «المجلة» مارس 1961. وأخيرا رسخها وأصلها د. محمد يوسف نجم في عقول القراء من خلال كتاباته عن صنوع! وهذه الكتابات في مجملها تعتبر الأساس الذي أدخل يعقوب صنوع في تاريخ الثقافة العربية بصفة عامة. وفي تاريخ الثقافة المصرية بصفة خاصة!
وبالرغم من ذلك أخرجت كتابي «محاكمة مسرح يعقوب صنوع» - الذي صدر عام 2001 عن الهيئة المصرية العامة للكتاب - وفندت فيه هذه الأكاذيب الراسخة، وذلك من منطلق سؤال بسيط يقول: هل يستطيع أي إنسان أن يكتب عن تاريخ صنوع في مصر، دون الاعتماد على أقوال صنوع في مذكراته وصحفه؟ وأيضا دون الاعتماد على كتابات أصدقائه؟ وسيتعجب القارئ عندما أقول له: إنني حتى الآن لم أجد هذا الإنسان!
ففي كتاب المحاكمة رجعت إلى عصر صنوع في دورياته ووثائقه ومذكرات معاصريه وأقوال مؤرخيه ... فلم أجد سطرا واحدا يشير إلى أنه عمل مدرسا بالمهندسخانة، أو أنه رائد للمسرح، أو أن له فرقة مسرحية، أو أن له عرضا مسرحيا واحدا تم أمام الجمهور، ولم أجد أية إشارة لعلاقة بينه وبين الشيخين الأفغاني ومحمد عبده أثناء وجود صنوع في مصر، ولم أجد دليلا واحدا على جمعيتي صنوع، ولم أجد خبرا واحدا عن مصادرة صحيفته، وأخيرا لم أجد معلومة واحدة تفيد أن نفي من مصر إلى فرنسا!
وسيتعجب القارئ أكثر عندما أقول له إنني وجدت مقالات وإشارات وأدلة ووثائق، أثبت من خلالها أن يعقوب صنوع كان تلميذا بالمهندسخانة، وأن سليم خليل النقاش هو رائد المسرح العربي في مصر، وأن الشيخين الأفغاني ومحمد عبده انهالا على صنوع بأقذع الألفاظ والشتائم لمجرد أنه ذكر أنهما على علاقة به في مصر، وأن جمعيتيه الأدبيتين من أوهامه، وأن مصادرة الجريدة من أكاذيبه، وأنه سافر إلى فرنسا بمحض إرادته ولم ينف إليها. هذه هي قضيتي مع صنوع، ومع كل من كتب عن صنوع، وساهم بقصد أو بغير قصد في ترسيخ هذه الأوهام والأكاذيب في عقول الباحثين.
ومنذ صدور كتاب «محاكمة مسرح يعقوب صنوع» - بل ومن قبل صدوره - بدأت المعارك الأدبية تتفجر حول فكرته بين مؤيد ورافض. فمن المؤيدين كانت الكاتبة سناء فتح الله، التي كتبت 11 مقالة في جريدة «الأخبار» وفي عمودها الشهير «الساعة 9» كل يوم إثنين، ابتداء من 24 / 7 / 2000 حتى 19 / 2 / 2001. ومن ثم أثار الناقد المسرحي عرفة محمد، المشرف على صفحة المسرح بجريدة «الأهرام المسائي» قضية الكتاب، وفتح صفحته لتلقي الآراء المختلفة ابتداء من 26 / 2 / 2001 حتى 9 / 4 / 2001. فكتب كمؤيد للفكرة المبدع أبو العلا السلاموني، والأديب أحمد حسين الطماوي، والباحث أيمن عبد الهادي، كما كتب كرافض للفكرة د. محمد يوسف نجم، د. وفاء كمالو، عبد الغني داود.
بعد ذلك، انتقلت القضية إلى دولة الكويت، فكتب كمؤيد لفكرة الكتاب الناقد علاء الجابر، وأيضا د. نادر القنة عدة مقالات في جريدة «الوطن» الكويتية بتاريخ 5 / 4 / 2001. ثم عادت القضية إلى مصر، فكتب الناقد نبيل فرج كمؤيد للفكرة مقالة في مجلة «المحيط الثقافي» ديسمبر 2001. وأخيرا كتب المستشار رابح لطفي جمعة كمؤيد للفكرة أيضا مقالة في جريدة «أخبار الأدب» بتاريخ 17 / 3 / 2002.
وكان من الصعب أن تترك جريدة «أخبار الأدب» هذه القضية دون أن تتدخل فيها، وبالفعل أثارت القضية عندما نشرت مقالة طويلة للدكتور محمد يوسف نجم في 25 / 3 / 2001 هاجم فيها نتائجي عن مسرح صنوع. فقمت بكتابة رد عليه فندت فيه جميع أقواله، نشرته الجريدة في 8 / 4 / 2001. وبعد مرور أكثر من شهرين كتب د. نجم مقالة ثانية نشرتها الجريدة يوم 10 / 6 / 2001، فقمت بكتابة رد عليه.
وهذا الرد - للأسف الشديد - تسلمته جريدة أخبار الأدب - بعد نشر مقال د. نجم الثاني بعشرة أيام - ولم تنشره لعدة أسابيع متواصلة! وعندما اتصلت بالأستاذ جمال الغيطاني يوم 16 / 7 / 2001 لأستوضح منه الأمر قال لي إن الرد طويل، ولا بد من اختصاره إلى النصف خوفا من استمرار الردود بينك وبين د. نجم في موضوع شديد التخصص، لا يهم القاعدة العريضة من قراء الجريدة «أخبار الأدب»!
ودار بيني وبين الغيطاني نقاش طويل حول هذه النقطة، ولكنه أصر على اختصار الموضوع إلى النصف! وبالفعل أرسلت إليه في اليوم التالي مقالة أخرى مختصرة إلى النصف. ولعلني أخطأت عندما تنازلت عن نصف حقي في الرد؛ لأن من يتنازل عن النصف لا بد أن يتنازل عن الكل! وهذا ما حدث؛ حيث إن جريدة «أخبار الأدب» لم تنشر المقالة مطلقا، لا كاملة ولا مختصرة، حتى وقتنا هذا!
لذلك، أردت في هذا الملحق أن أنشر هذه المقالات التي دارت بيني وبين د. نجم حول مسرح يعقوب صنوع، بما فيها مقالتي الأخيرة الكاملة التي لم تنشر، والموجود أصلها لدى إدارة جريدة «أخبار الأدب» كي تتحقق، وكي يتحقق د. نجم من أنني لم أزد عليها حرفا واحدا. وأتمنى من د. نجم - أو من غيره - أن يقرأ هذا الرد، الذي لم ينشر في جريدة «أخبار الأدب»؛ لعله يستطيع أن يستأنف «محاكمة مسرح يعقوب صنوع»!
بعيدا عن أخطاء التاريخ ... من رائد المسرح المصري؟ يعقوب صنوع ... المحتال ... الموهوم
... والمفترى عليه!
مسامرة مع الدكتور سيد علي إسماعيل في كتاب «تاريخ المسرح في العالم العربي: القرن التاسع عشر، الكويت 1998»
1
سعدت في زيارة أخيرة للقاهرة، وبترتيب من الصديقة العزيزة الكاتب المتألقة الأستاذة سناء فتح الله، بلقاء الأستاذ الدكتور سيد علي إسماعيل. وقد تفضل بإهدائي عددا من كتبه المفيدة في تاريخ المسرح العربي. وقد رأيت بعد قراءة اثنين منها أن أبدي بعض الملاحظ التي عثرت بها فيها، خدمة لتاريخ المسرح العربي الذي خصصته بفترة طويلة من عمري العملي، وللأستاذ المؤلف لعل فيها ما يحقق له بعض الفائدة في المعلومات أو في المنهج، راجيا أن يعتبرها إسهاما متواضعا من زميل يرجو له الخير والتوفيق في المهمة التي نذر لها قلمه. وسأبدأ هذه الملاحظ بالتعليق على أمور بعينها قبل أن أصل إلى إثبات الحقيقة التي أسعى إلى الكشف عنها للأستاذ المؤلف ولسائر المعنيين بدراسة تاريخ المسرح العربي. (1) الريادة المسرحية
حاول الأستاذ الباحث في حماسة منقطعة النظير أن يثبت أن محمد عثمان جلال كان صاحب الريادة المسرحية في مصر، وذلك لترجمته بعض ليبرتات (جمع ليبرتو) الأوبرا، ثم لنشره ترجمة ممصرة لجزء من مسرحية «الطبيب رغم أنفه» لموليير في مجلة «روضة المدارس»، السنة الثانية، عدد 3، 5 / 5 / 1871، زعم أنه نص مجهول، وأؤكد للزميل الكريم أن النص موجود لدي منذ سنة 1965، بعد أن وفقت إلى اقتناء نسخة كاملة من «روضة المدارس» عثرت بها على سور الأزبكية طيب الذكر. وكنت أعده للنشر في الطبعة الثانية من المسرحيات التي مصرها حين يتاح لي من الوقت ما يمكنني من ذلك؛ إذ كنت مشغولا بالتحقيق والتأليف لعدد آخر من الكتب، وكنت أفضل تقديم الجديد على إعادة القديم.
أما كلمة الريادة المسرحية فخطأ في التعبير؛ لأن الريادة المسرحية تعني التمثيل على المسرح لنص مؤلف أو مقتبس أو معرب أو ممصر، سواء كان للممثل نفسه أو لغيره. والأصح أن نقول إن محمد عثمان جلال كان رائد تمصير المسرحيات، ولم يكن له بذلك دور فعال في مسيرة المسرح العربي في مصر؛ إذ إن أول مسرحية كاملة من المسرحيات التي مصرها كانت «مدرسة النساء» التي مثلها القرداحي بإيعاز من الخديو سنة 1895؛ أي بعد خمس سنوات من نشرها، ولم يكتب لها النجاح. ثم مثل جورج أبيض المسرحيات المولييرية الأربع في سنة 1912 لأيام معدودة، ومثل أولاد عكاشة على مسرح الأزبكية «الثقلاء» سنة 1922. والمسرحية التي لاقت نجاحا أكثر من غيرها هي «الشيخ متلوف» التي أخرجها زكي طليمات للمسرح القومي في موسم 1963-1964 ودخلت منذ ذلك الوقت في ريبرتوار الفرقة.
وهكذا، وحرصا على التدقيق في تاريخ المسرح، وعدم إثارة الباحثين والقراء بالعنوانات الضخمة، علينا أن نكون حريصين على تحديد معنى الريادة، ونسبتها إلى أصحابها الحقيقيين. (2) أحمد خيري باشا
عجبت أشد العجب لوقوع الباحث الكريم في شرك الاستهواء الذي قد يقود إلى الخطأ بغية إثبات فكرة تعلق بها، دون أن يتتبع الوقائع ويتحرى الأخبار والمعلومات بدقة العالم المتمكن من علمه. وقد جاء ذكر أحمد خيري باشا حين نوه يعقوب صنوع بجهوده في دعم نشاطه المسرحي منذ 1870، وفي الوساطة بينه وبين الخديو إسماعيل. فالدكتور سيد علي إسماعيل ينفي نفيا قاطعا أن يكون خيري باشا من أمناء الخديو بدليل سجله الوظيفي في قلم الوزارات، ويقول اعتمادا على هذا السجل إنه تقلد الوظائف التالية (ابتداء من عام 1853): موظف بديوان كتخداي، مترجم بقلم تركي، أيكنجي قلم تركي، كاتب تركي تفتيش قبلي، موظف بمجلس الأحكام، رئيس قلم تركي، ناظر المعارف العمومية 1882، رئيس ديوان الخديو 1884 (انظر كتاب الدكتور ص184)، والوظيفتان الأخيرتان كانتا في عهد الخديو توفيق.
فماذا سيكون موقفه إذا قلنا له إن هذا السجل - إذا كان قد قرأه بدقة وحياد - فيه ثغرات وأخطاء في التواريخ، ودليلنا على ذلك مصدران، اعتمد على الأول منهما الدكتور في كتابه، وذكره في كشاف مراجعه هما «عصر إسماعيل» ج2، و«الثورة العرابية والاحتلال الإنجليزي» لعبد الرحمن الرافعي، وإليك ما عثرنا بما فيهما من أخبار أحمد خيري باشا. (2-1) «عصر إسماعيل» ج2
ص84-85: حضر افتتاح مجلس شورى النواب في دورته في 25 نوفمبر 1866، في معية الخديو إسماعيل وأركان دولته، بصفته كاتب الخديو (أي سكرتيره)، وكان يحمل لقب «بك». ص98: حضر افتتاح دور الانعقاد الثاني للمجلس في 16 مارس 1868 في معية الخديو إسماعيل وأركان دولته، بصفته مهردار الخديو (حامل الأختام)، (وكان يشغل هذه الوظيفة في الدورة الأولى رياض باشا رئيس وزراء مصر فيما بعد)، وكان يحمل لقب «بك». ص112: حضر الدورة الأولى للهيئة النيابية الثانية في أول فبراير 1870 في معية الخديو وأركان حكومته، بصفته مهردار الخديو، وكان يحمل لقب «بك». ص115: حضر الدورة الثانية للهيئة النيابية الثانية في 10 يونية 1871 في معية الخديو وأركان حكومته، بصفته مهردار الخديو وأصبح يحمل لقب «باشا». ص118: حضر الدورة الثالثة للهيئة النيابية الثانية في 26 يناير 1873 في معية الخديو وأركان حكومته، وكان ما يزال يتولى الوظيفة نفسها ويحمل لقب «باشا». وهذه الوظائف جميعا كانت في الفترة التي كان فيها يعقوب صنوع في مصر. (2-2) الثورة العرابية والاحتلال الإنجليزي
ص22: ذهب في معية الخديو توفيق بصفته رئيس الديوان الخديوي، ومعهما رياض باشا رئيس الوزراء للقاء الضباط العرابيين حين تظاهروا أمام سراي عابدين يوم 9 سبتمبر 1880. ص176: حضر افتتاح مجلس النواب في 26 ديسمبر 1881 في معية الخديو توفيق بصفته المهردار ورئيس الديوان الخديوي. ص450: عين في وزارة شريف باشا في 20 أغسطس 1882 وزيرا للداخلية. وهذه الوظائف كانت في عهد الخديو توفيق.
فأيهما نصدق في هذه التناقضات، المؤرخ الكبير عبد الرحمن الرافعي أو سجل قلم الوزارات التي استند إليها الدكتور سيد إسماعيل. والمعلومات التي أتى بها وما فيهما من أخطاء في التواريخ. ألا يمكن أن يكون هذا السجل لأحمد خيري آخر، علما بأننا إذا تصفحنا دليل الهاتف في مصر الآن سنجد العشرات بل المئات ممن اسمه أحمد خيري.
2 (2-3) ما صدر من صحيفة «أبو نظارة زرقاء» في مصر
من دواعي اعتزازي بمكتبتي الخاصة أنها تحتوي في كثير من الأحيان على ما لا تحتويه المكتبات العامة والخاصة الأخرى، وخاصة ما يخدم بحوثي في اختصاصي الأول، وهو تاريخ المسرح العربي. فقد استطعت أن أجمع مقتنياتي من صحف «أبو نظارة» التي أصدرها في باريس 1878-1910، وأن أنشرها كاملة في بيروت في عشرة مجلدات سنة 1974، كما استطعت أن أجمع اثنى عشر عددا من أعداد صحيفة أبو نظارة التي صدرت في مصر قبل سفره إلى باريس، وعدد ما صدر منهما خمسة عشر عددا. وقد حاولت أن أكملها لكي أنشرها فلم أوفق، ورجعت إلى سجل مقتنيات جميع المكتبات البريطانية التي تحتوي على صحف ومجلات عربية فلم أجد لها أثرا.
3
وقد تفضل صديقي العزيز العالم الناقد الدكتور صبري حافظ فراجع ما تقتنيه مكتبة المتحف البريطاني ومكتبة كلية الدراسات الشرقية والأفريقية في جامعة لندن التي يعمل فيها الدكتور، ومكتبة مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة أكسفورد؛ فلم يعثر على عدد واحد من أعداد السنة الأولى من المجلة التي صدرت في مصر سنة 1295ه / 1878. وقد أمكنتني هذه الأعداد الاثنا عشر من أن أنقض الكثير مما جاء في كتاب الدكتور سيد علي إسماعيل خاصا بيعقوب صنوع، على النحو التالي. (أ) صنوع مؤلفا: اللعبات التياترية
يقول الدكتور سيد علي إسماعيل في كتابه ص159، ما يلي بالنص: «أقحم صنوع اسمه في تاريخ المسرح المصري، ونصب نفسه رائدا له؛ بسبب ما نشره من مسرحيات قصيرة أطلق عليها «اللعبات التياترية»، التي بدأ في نشرها بعد سفره إلى فرنسا بفترة قصيرة، وهذه اللعبات كانت تأتيه من مصر إما بصورتها المنشورة في صحفه أو بعد قيامه بإعدادها. وبعد نشره لمجموعة من هذه اللعبات توهم أنه من كتاب المسرح المصري، أو أنه أول من كتب هذا اللون المسرحي، فنصب نفسه رائدا للمسرح المصري بأكمله. وهذا الوهم كان مقصودا من قبل صنوع؛ لأنه إذا أوهم أهل فرنسا بأنه رائد للمسرح المصري سيعطي لنفسه مكانة مرموقة هو في أشد الحاجة إليها ليبني على هذه المكانة دورا ونشاطا له في فرنسا.» (ص159).
ولا ينتهي عجبي هنا أيضا، فكيف أباح المؤلف لنفسه أن يصدر هذا الحكم الجائر على صنوع، قبل أن تتوافر لديه جميع الأدلة. فهو فيما يبدو لم يطلع على ما نشر من السنة الأولى لصحف «أبو نظارة» في مصر، ولو كان اطلع عليها لما تورط في هذا الخطأ الفادح، وفيما بناه عليه من استنتاجات جائرة.
أصدر صنوع صحيفته في مصر في شهر ربيع الأول 1295 / فبراير 1878؛ أي قبل أن يرحل الخديو إسماعيل عن مصر. وإذا استعرضنا الأعداد التي لدي منها (12 من أصل 15)، وجدنا أنها جميعا تقوم على المحاورات، وتتخللها لعب تياترية، وهذا يعني أن صنوع عرف منذ البداية أن موهبته الكتابية الأولى لا تتجلى إلا في أسلوب الحوار، والمشاهد المسرحية، ولعلها أول وآخر صحيفة صدرت في اللغة العربية بهذا الأسلوب. وإليك بعض الأمثلة:
محتويات العدد الثالث يوم الأحد 11 ربيع ثاني 1295:
محاورة بين أبي نظارة وبين أستاذه الفاضل أنكساغورس (ص1-2). محاورة بين السيد رضوان العنكبوتي التاجر الظريف والسنيور فلاسي أحد محضرين التريبونال (ص2-3). محاورة بين أبي الشكر أفندي والمستر بول وكيل بنك أبي السباع وشركاه (3-4).
محتويات العدد الرابع يوم الأربعاء 14 ربيع ثاني 1295:
محاورة بين أبي خليل وأبي نظارة (ص1-2). القرداتي، لعبة تياترية تاريخية في أيام الغز سنة 1204، (ويعني بالغز المماليك، ولكنه في الحقيقة يعني أيام الخديوي إسماعيل)، وهي من منظرين (ص2-4). محاورة بين الصدفجي وأبو نظارة (ص4).
محتويات العدد الخامس: يوم الأربعاء 21 ربيع الثاني 1895:
محاورة بين أبي خليل وأبي نظارة (ص1-3). «حكم قراقوش» لعبة تياترية حصلت في قبلي في أيام الغز سنة 1201، وهي من منظرين (ص3-4)، (تركنا أسماء الشهور الهجرية كما وردت في الصحيفة ولم نصححها).
محتويات العدد السابع يوم الخميس غاية ربيع ثاني 1295:
محاورة بين أبي الشكر وأبي العينين وخلاط وأبي نظارة على قهوة عمر أغا بالأزبكية (ص1-3). نادرة بين جندي مسافر مع مراكبي لجهة قبلي وتعطل في البحر لعدم مساعدة الريح وفرغت منه الزوادة (وهي محاورة ضمن المحاورة السابقة) (ص2). محاورة بين أبي نظارة والخواجا لقو بن أنطانيوس الدمشقي (وهي محاورة ضمن المحاورة الأولى) (ص3). محاورة بين أبي نظارة وملف جرنالات تحت باطه وسيد أحمد البوليس في شارع الموسكي (وهي محاورة ضمن المحاورة الأولى) (ص1-3).
محتويات العدد الثامن يوم الأحد 3 جماد أول 1295:
محاورة بين أبي نظارة والخواجا يوسف رملة الإسكندراني على قهوة البورصة (ص1-3). «بالوظة أغا وعدالته» لعبة تياترية حصلت في أيام الغز سنة 1205 في قراقول الجامع الأحمر، وهي في ثلاثة مناظر (ص3-4).
محتويات العدد التاسع يوم الثلاث 5 جماد أول 1295:
محاورة بين أبي خليل وأبي نظارة (ص1-3). محاورة وردت للجريدة من أفندي ظريف يسلم فمه (ص3-4). الصدفجي وأبو نظارة (محاورة) ص4.
محتويات العدد العاشر يوم الخميس 7 جماد أول 1295:
محاورة بين أبي نظارة ويوسف رملة في قهوة الكولوني (ص1-3). محاورة بين أبي خليل وأبي نظارة بقلم أحد الإخوان (ص3). محاورة بين الملك والوزير (ص3-4). محاورة بين أبي نظارة وبين بعض أصدقائه الذين ذكروا في المحاورات السابقة (ص4).
محتويات العدد الحادي عشر يوم الجمعة 8 جماد أول 1295:
محاورة بين أبي خليل وأبي نظارة (ص1). شيخ الحارة الظالم محاورة بين الحدق والمجدع (ص1-3). نادرة حصلت أيام الغز سنة 1200 في قراقول المتولي: قرقوش أفندي المعاون وخاسر أغا القواص ومحمد المعدم بقلب شاب ظريف يحفظه ربنا وهي في منظرين (ص3-4).
محتويات العدد الثاني عشر يوم الأحد 10 جماد أول 1295:
محاورة بين أبي خليل وأبي نظارة (ص1)، وهي مقدمة للنادرة التالية. نادرة حصلت في مديرية من المديريات أيام الغز سنة 1204 بين كاشر أو علي السنجق وباب الفقر القواص وأبو الغلب الفلاح (ص1-3). محاورة بين أبي معشر البلخي وأبي داطيس الهندي (رسالة وردت للصحيفة من أحد فضلاء الإسكندرية) (ص3-4).
محتويات العدد الثالث عشر يوم الأربعاء 14 جماد أول 1295:
محاورة بين أبو نظارة وأبو خليل (ص1-3). لعبة تياترية في الكبانية المشتملة على أبو نظارة واسمه دوار (ص3-4).
محتويات العدد الرابع عشر يوم الجمعة 15 جماد أول 1295:
محاورة بين زليخة وخديجة وصلوحة جيران في حارة شق العرسة بقلم الحدق أبو نظارة حمرا (ص1-2). حوارية زجلية بين اثنين من الأدباتية هما حنيجل والمشقلب في هجاء عزيز أوغلو السنجق في أيام الغز سنة 1203 (ص2-3). «الدخاخني» لعبة تياترية في أيام الغز سنة 1206 كاتبها أبو نظارة صفرا حفظه الله، في ثلاثة مناظر (ص3-4).
محتويات العدد الخامس عشر يوم السبت 16 جماد أول 1295:
محاورة بين أبو العينين وأبو الشكر (ص1). محاورة بين إنسان وهرة - يعني قطة - بقلم أحد فضلاء الإسكندرية (ص1-4). محاورة بين أبو نظارة والحمار (ص4). محاورة بين (...) وأبو نظارة (ص4).
وهكذا يتبين أننا عثرنا في هذه المجموعة الناقصة من صحيفة «أبو نظارة زرقا» الإصدار المصري على عدد من اللعب التياترية، وهذا ينقض ما أكده مؤلف الكتاب موضوع التعليق، من أنه بدأ في نشر هذه اللعب في صحيفته التي أصدرها في باريس.
4
مسرحيات بالعامية المصرية
لحظنا مما عرضناه من محتويات الأعداد الاثني عشر من صحيفة «أبو نظارة زرقا» التي في حوزتنا أن صنوع اعتمد اعتمادا كليا على الحوار في إيصال أفكاره وفكاهاته إلى القراء، سواء في محاوراته أو في لعبه التياترية. وتذكر المراجع أنه ألف اثنين وثلاثين نصا تمثيليا، وصلنا منها النصوص الستة التي نشرناها عن مخطوطته (بيروت 1963)، وهي «بورصة مصر»، «العليل»، «أبو ريدة وكعب الخير»، «الصداقة»، «الأميرة الإسكندرانية»، «الدرتين»، ومعها مسرحية «موليير مصر وما يقاسيه» التي نشرناها عن نسخة مطبوعة في المطبعة الأدبية في بيروت سنة 1912. وثمة نصوص أخرى ذكرتها المراجع (انظر كتابنا: «المسرحية في الأدب العربي الحديث»)، منها «غندور مصر»، «غزوة رأس تور»، «زوجة الأب»، «زبيدة»، «راس وشيخ البلد والقواص»، «الوطن والحرية»، «آنسة على الموضة»، «السلاسل المحطمة».
مسرحيات باللغة الأجنبية
تذكر المراجع أن له ثلاث مسرحيات باللغة الإيطالية، كانت أصول بعضها مكتوبة بالعامية المصرية. وهي: فاطمة (ثلاثة فصول)
Fatima
ذكر صنوع أنه مثلها على مسرحه بين سنتي 1869 و1870، وقد ترجمت إلى الفرنسية (عبده 204).
L’Aristocratica Allesandrina
وهي مقتبسة عن مسرحيته «الأميرة الإسكندرانية»، وقد نشرها صديقه جول باربييه صاحب جريدة «الأزبكية» المسرحية سنة 1875. «الزوج الخائن»
IllMarito Intedele
كوميديا من فصل واحد ألفها باللغة الإيطالية وأهداها إلى الكونتيس دي كفنهولر، وقد نشرها جول باربييه صاحب جريدة «الأزبكية» سنة 1876 (عبده 214). (ب) مسرح يعقوب صنوع
يتحدى الدكتور سيد علي إسماعيل جميع المصادر والمراجع المعاصرة لصنوع في مرحلته المصرية، والأخرى المعاصرة لمرحلته الباريسية، وينكر أي نشاط مسرحي لصنوع في مصر، وهو ما أجمعت المراجع على أنه كان من سنة 1870 حتى سنة 1872. وينسب الريادة المسرحية في مصر إلى محمد عثمان جلال؛ لأنه مصر قطعة صغيرة من مسرحية «الطبيب رغما عنه» لموليير ونشرها في مجلة «روضة المدارس» سنة 1870. والدكتور يعلم أن العملية المسرحية والريادة فيها لا تتوقف على نص مجتزأ ممصر عن مسرحية فرنسية، بل تعني العملية التمثيلية بأركانها الثلاثة: النص الكامل الصالح للتمثيل، والعرض المسرحي بما يرافقه من إخراج وديكور وتمثيل، والجمهور الذي يشاهد هذا العرض.
ولكي أثبت للأستاذ الدكتور أن صنوع قام بنشاط مسرحي في مصر استمر موسمين، أكتفي بإيراد الشواهد الثابتة من المراجع المعاصرة له في مصر، متجنبا ما قاله صنوع عن مسرحه وهو في باريس، وإن كان فيه قسط كبير من الحقيقة؛ لأنني أعلم بعد أن درست صنوع دراسة طويلة أحاطت بمسرحياته وبصحفه التي أصدرها في باريس، والتي عانيت الكثير حتى جمعتها ونشرتها كاملة في بيروت، أنه كان في كثير من الأحيان مبالغا نفاجا (نفاج بالفصحى تقابل نتاش بالعامية المصرية )، وقد أشرت إلى ذلك في مقدمتي لما نشرته من مسرحياته.
صحيفة «أبو نظارة زرقا» الإصدار المصري
وأبدأ بالسنة الأولى من صحيفة «أبو نظارة زرقا»، التي أصدرها في مصر ابتداء من 21 ربيع الأول سنة 1295 / 26 مارس 1878. ففي أسفل الصفحة الأخيرة من كل عدد كان يقول: «محرر هذه الجريدة المفيدة مستر جيمس سنوا مدرس ألسن شرقية وغربية ومؤسس التياترات العربية.» فهل كان يجرؤ على هذا الادعاء العريض وهو يعيش في مصر، محاطا بالأعداء والكارهين، لو أنه لم يكن حقا مؤسس التياترات العربية فيها.
وفي العدد الخامس من هذه الصحيفة (21 ربيع الثاني 1295)، ولدي نسخة أصلية منه كما ذكرت سالفا، وفي محاورة بينه وبين أبو خليل محاوره الدائم في الجريدة، يرد على لسان أبي خليل: «أبو خليل: عفارم عليك يابو نضارة، وإحنا يا أولاد البلد فاهمين الأمر ده، ومحبتك بتزيد يومي في قلوبنا وبنطلب لك التوفيق، إنما يا أسفاه رايح ينوبك إيه من التعب ده كله؟ أديك ألفت لك بالإفرنجي مدح في مصر وترجمت أفخر قصائد العرب لإشهار علم الآداب الشرقي في الغرب وحسن أخلاقهم وحرية ديانتهم وما أشبه، وأسست لنا تياترو عربي وصنفت لك مقدار ثلاثين كوميدية من قريحتك نثر وأشعار، وصرفت فيها دم قلبك، وعلمت أبناء الوطن التشخيص بكل مهارة في التياترو ... يا ترى كسبت إيه من ده بس؟ ربيت لك أعداء وضديات.»
وهذا النص الذي ورد في صحيفته وهو في مصر سنة 1878 واضح الدلالة ولا حاجة بنا إلى التعليق عليه، ولو كان كاذبا أو مدعيا لتناولته الصحف العربية التي كانت تصدر في مصر آنذاك ك «الوقائع المصرية»، وكانت صحيفة رسمية وأدبية في آن ، و«الأهرام» التي صدرت سنة 1876، و«حديقة الأخبار» و«مصر» اللتين صدرتا سنة 1877، والتجارة التي صدرت سنة 1878، وهي فيما أعلم لم تغمز جانبه ولم تمسه بنقد أو تجريح أو تكذيب.
صحف عربية معاصرة
اهتمت صحيفتان كانتا معاصرتين لنشاط صنوع التمثيلي بأخبار مسرحه هما «وادي النيل» التي أصدرها في مصر العالم المترجم عبد الله أبو السعود سنة 1866، وجريدة «الجوائب» التي أصدرها في الأستانة علامة القرن التاسع عشر أحمد فارس الشدياق سنة 1861. وقد ذكر الدكتور سيد علي إسماعيل صحيفة «وادي النيل»، السنوات 1869 و1870 و1871 بين مراجعه (الكتاب ص402)، كما ذكر «الجوائب» 1868 و1869 أيضا (ص402).
وقد اطلعت على نسخة دار الكتب من «وادي النيل»، وهي تضم أعدادا من السنوات 1868 و1869 و1870، ولم أجد فيها أخبارا عن صنوع، وإن وجدت فيها أخبارا مفيدة عن التمثيل الأجنبي ودور الملاهي والملاعب والسيرك؛ ولذا سأكتفي بما ورد في «الجوائب»، مما كان يزودها به مكاتبها في القاهرة، ومما كانت تنقله عن «وادي النيل». وسأورد أخبار «الجوائب» بنصها، لما تحتويه من معلومات فنية تثبت ريادة صنوع المسرحية، وتعطي فكرة عن نشاطه المسرحي في موسمه الثاني. وإليك هذه الأخبار:
وقد سرنا ما بلغنا من أخبارها (أخبار مصر المحروسة) أنه أنشئ فيها تياترو تنشد فيه الألعاب العربية. وللطفه قد حضر فيه الليلة الأولى نحو ألف نفس، ثم أنه وإن كان قد أرسل إلى مصر عدة روايات من جهات مختلفة خصوصا من بيروت، إلا أنه انتخب له رواية يقال لها «القواس» ألفها أحد الإنكليز. (الجوائب س11 /ع535، 16 أغوسط 1871 من مكاتبها في مصر.)
قد ذكرنا سابقا أنه أنشئ بمصر تياترو تجرى فيه الألعاب والروايات العربية، وهذا تفصيل محاسنه على ما ذكر في «وادي النيل»: «نجاح التياترات العربية بالديار المصرية في هذه الحقبة العصرية»: في ليلة الخميس الماضي 9 جمادى الأولى صار اللعب بالثلاث قطع التياترية العربية التي صار لعبها بتياترو القنسر داخل حديقة الأزبكية، وذلك بسراي قصر النيل العامرة أمام الحضرة الخديوية، وكان على جميع الحاضرين علامات السرور لسريان ذوق تلك الألعاب الأدبية بالديار المصرية، وظهور نجاح تلك المادة التمدنية.
وقد ابتدئ بهذه القطع الوجيزة باللغة العربية الدارجة لقصد تسهيل التمرين على الشبان المتشبثين بإجراء تلك الألعاب، وحيث ظهر عليهم علامات النجاح في هذه القطع الصغيرة السهلة تأليف الخواجة جمس أحد أعضاء جمعية تأسيس التياترات العربية بمصر، وهو جار التمرين على قطعتين أدبيتين عربيتين أخريين أهم من ذلك من قبيل ما هو جار بالبلاد الأوروبية المتقدمة في هذا الفن إحداهما اسمها «البخيل » على أنموذج الكوميدية الفرنساوية المسماة بهذا الاسم، تأليف موليير الشاعر الفرنساوي الشهير، والأخرى تسمى ب «الجواهرجي» عربية الأصل، من تأليف بعض الشبان المصريين، وغيرهما من التأليفات الأدبية العربية الجديدة، وذلك تحت إدارة جمعية تأسيس التياترات العربية المذكورة، ولعلهما تحظيان بالتشريف بالإجراء بين يدي الحضرة الخديوية العلية تشجيعا لهذه الجمعية المستجدة في هذه الأيام الأخيرة بالديار المصرية تحت حمى سعادة الباشا ناظر المالية، حتى يتم نجاح هذه المادة البهية وتكون من جملة المواد التمدنية التي ظهرت في عصر الحضرة الخديوية الإسماعيلية، أعزها الله. (الجوائب س11 /ع 537 / 27 أغوسط 1871.) «تعليق»: تياترو القنسر
Theatre de concert
أنشيء في الأزبكية حوالي 1870 ناظر المالية كان آنذاك إسماعيل صديق باشا المفتش، وكان راعيا لجمعية تأسيس التياترات.
5
أما الملاهي الإفرنجية، أعني التياطرات، فقد قرب أوان قفلها؛ فلذا شرع في تهيئة التياطرو العربي الكائن بالأزبكية وقد أعطي إنعام من حضرة الخديو المعظم لرجل من الإنكليز اسمه مستر جيمس ليتولى ترتيبه وتنظيمه، فيقال إنه ألف حكايات مضحكة ترجمت إلى العربية وأن افتتاح هذا المحل يكون في أول صفر القابل. ولا شك أن أول كل شيء صعب، لكن المأمول أن التياطرو العربي يصل كغيره من الأمور إلى درجة الإتقان. وكان مكاتب «الجنان» المتنقل قد طلب من الحكومة إنشاء تياطرو على أن يجلب إليه راقصين وراقصات يلعبون فيه فلم تأذن له. فيا لها من خيبة شملته وصاحب «الجنان»، مع أن صاحب «الجنان» أقام نفسه مقام واعظ ونذير، فالظاهر أن وعظ الناس بواسطة الراقصات من جملة مخترعاته. ولولا ذكر التياطرات لما تصديت لفضح مأمورية مكاتبه المتنقل. («الجوائب»: س12 / ع578 / 27 مارس 1872.) «تعليق»: جيمس هو جيمس صنوا (يعقوب صنوع)، أول سفر يوافق 11 أبريل 1872
الصحف الصادرة بمصر باللغات الأجنبية
كان في مصر في عصر الخديو إسماعيل صحف أجنبية عدة، بعضها باللغة الفرنسية، مثل صحيفة «ليجبت»
L’egypte
وصحيفة «النيل»
Le Nil
وأهمها «لبروغريه إجبسيان»
Le progres Egyptien
وكثير غيرها (انظر: نجيب أبو الليل: «الصحافة الفرنسية في مصر»، القاهرة 1957). وقد ذكرت جريدة «وادي النيل» في العدد الأول من سنتها الثالثة، 23 أبريل 1869 أسماء تسع صحف أجنبية كانت تصدر في مصر في ذلك التاريخ أكثرها بالفرنسية وأقلها بالإيطالية. وكان حريا بالمؤلف ما دام يحاول أن ينقض حقيقة شائعة ومسلم بها بين الباحثين، أن يراجع هذه الصحف، ولا شك أنه علم بها من كتاب الدكتور نجيب أبو الليل ومن جريدة «وادي النيل»، إذ أدرجهما في كشاف المراجع التي استعان بها في كتابه. ولا نزعم أننا رجعنا إلى جميع هذه الصحف، ولكننا تلقطنا من بعض هذه الصحف: وخاصة «الأزبكية» و«النيل» من خلال بعض المراجع، بعض الأخبار التي نشرت فيها، والتي تتصل بنشاط صنوع المسرحي. وهي على قلتها ذات قيمة خاصة؛ لأنها كانت معاصرة لصنوع، لا كتلك الصحف التي كتبت عنه بعد مغادرته مصر. وهو معذور إذا كان قد تجنبها؛ لأنه لا يستطيع القراءة في الفرنسية والإيطالية، غير معذور عن عمد إذا كان قد تجنبها عن عمد؛ لأنها تنقض دعواه في ريادة محمد عثمان جلال المسرحية، وتؤكد وجود نشاط مسرحي كثيف لصنوع في مصر في أوائل السبعينيات، وذلك يقوض نظريته التي تحمس لها وقدمها للقراء باعتبارها حقيقة لا ريب فيها من أساسها.
أما بعد؛ أرجو أن أكون بهذا البحث السريع قد أقنعت الزميل الكريم بأن صنوع كان رائدا في الكتابة للمسرح، وبأنه ألف فرقة مثلت موسمين قبل أن يتوقف عن هذا النشاط. أما لماذا توقف، ولماذا غادر مصر مختارا أو منفيا سنة 1878، بعد أن أصدر خمسة عشر عددا من صحيفته «أبو نظارة زرقا»، فلدي اجتهاد خاص في هاتين القضيتين، أرجو أن يكون مقنعا، ولكن لن أبوح به الآن خشية أن يستباح كما استبيح أخوه له من قبل.
د. محمد يوسف نجم
أستاذ شرف الأدب العربي
الجامعة الأميركية، بيروت
تعقيبا على محمد يوسف نجم
د. سيد علي إسماعيل: صنوع كتب لنفسه تاريخا مزعوما ليسطو على ريادة المسرح المصري
1
في البداية أتوجه بالشكر إلى جريدة «أخبار الأدب» الغراء التي نشرت في الأسبوع الماضي مقالة للدكتور محمد يوسف نجم تحت ثلاثة عناوين؛ الأول: «بعيدا عن أخطاء التاريخ ... من رائد المسرح المصري؟»، والثاني: «يعقوب صنوع ... المحتال ... الموهوم ... والمفترى عليه!»، والثالث: «مسامرة مع الدكتور سيد علي إسماعيل في كتاب: «تاريخ المسرح في العالم العربي في القرن التاسع عشر»، الكويت 1998». ومن ثم أتوجه بشكري العميق إلى الأستاذة الفاضلة المتألقة «سناء فتح الله»، التي أثارت هذه القضية في عمودها «الساعة 9»، طوال ثلاثة أشهر. وأخيرا أتوجه بشكري إلى الدكتور محمد يوسف نجم، الذي صرح في جريدة «الأخبار» بتاريخ 4 / 1 / 2001 قائلا: «إنه سيعيد كتابة تاريخ المسرح المصري وسيراعي حذف الدور الزائف الذي صنعه يعقوب صنوع وابنته وأصدقاؤه افتراء على المسرح المصري.»
وهذا التصريح كان نتيجة طبيعية لما نشرته سناء فتح الله من مقالات عن كتاب «محاكمة مسرح يعقوب صنوع» قبل نشره. وبناء على هذا التصريح قابلت د. نجم، وأوضحت له أن حديثي عن مسرح صنوع منشور في دراسة من «50 صفحة»، بعنوان «يعقوب صنوع والحقيقة الغائبة»، ضمن كتابي «تاريخ المسرح في العالم العربي في القرن التاسع عشر» وطلبت منه قراءة هذه الدراسة، وإرجاء إرسال رده عليها؛ لأنني طورتها، وذلك بإضافة أدلة ووثائق جديدة، فأصبحت كتابا في «370 صفحة»، صدر عن هيئة الكتاب منذ أسابيع قليلة. كما طالبته أيضا الأستاذة سناء فتح الله إرجاء إرسال الرد عندما أبلغها بأنه كتب ردا على الدراسة الأولى.
ولكن بكل أسف تعجل الأستاذ الكبير، فكتب رده المنشور في الأسبوع الماضي بناء على الدراسة الأولى، ذلك الرد الذي اشتمل على عدة نقاط لم تسفر للأسف الشديد عن حسم قاطع للقضية، ولم تقدم القول اللامع على قيام صنوع بنشاط مسرحي في مصر، وجعلت ريادة صنوع للمسرح المصري أكذوبة مختلقة، لا أساس لها إلا في خيال صنوع نفسه ومن عاونه، سواء بقصد أو بغير قصد. وإلى الدكتور محمد يوسف نجم - وإلى قراء «أخبار الأدب» - أقدم ردي على ما نشر في الأسبوع الماضي.
الريادة المسرحية
إن حديثك - تحت هذا العنوان - عما أثرته أنا بخصوص ريادة محمد عثمان جلال كان غريبا، خصوصا نتيجتك التي قلت فيها: «الأصح أن نقول إن محمد عثمان جلال كان رائد تمصير المسرحيات»، فأقول لك إنك لم تقرأ دراستي بصورة دقيقة، ولكنك تسرعت واندفعت؛ لأنني استنتجت في نهاية هذا الأمر هذه العبارة: «إن عثمان جلال من الرواد الأوائل في الكتابة المسرحية المصرية.» فهل هناك فارق بين النتيجتين؟! علما بأن نتيجتي جاءت بصورة موضوعية. فأنت تؤكد على ريادة عثمان جلال بصورة قاطعة قائلا «كان رائدا»، أما أنا فقلت: «من الرواد» ولم أقطع بالريادة المطلقة؛ لأنني أعلم - كما أنت تعلم - أننا نناقش ريادة صنوع التي أصبحت في مهب الريح الآن!
أما إصرارك على أنك تحتفظ بنسخة من مسرحية «الفخ المنصوب للحكيم المغصوب» الناقصة لمحمد عثمان جلال، وتنوي نشرها فيما بعد، فلا معنى له! لأنني سبقتك وسبقت الآخرين بنشرها. ومن غير المعقول مثلا أن أسألك وأستأذنك أنت أو غيرك قبل أن أنشر نصا لم يسبقني فيه أحد! وبالرغم من ذلك أجدك تقول: «حاول الأستاذ الباحث، في حماسة منقطعة النظير، أن يثبت أن محمد عثمان جلال كان صاحب الريادة المسرحية في مصر، وذلك ... لنشره ترجمة ممصرة لجزء من مسرحية ... زعم أنه نص مجهول.» وأقول لك أنا لا أزعم، بل أؤكد وأصر على أن النص الناقص من مسرحية «الفخ المنصوب ...» هو نص مجهول بالفعل، وأنا أول من نشره في العالم العربي عام 1998، بعد أن نشرته مجلة «روضة المدارس المصرية» عام 1871! فإذا كنت ترى غير ذلك، فلماذا لم تأت بالدليل لتثبت زعمي!
وأنا أرى أن قولك السابق جاء نتيجة طبيعية لانفعال انتابك؛ لأنك أخبرتني في مقابلتنا الوحيدة أنك كنت تنوي إعادة نشر مسرحيات محمد عثمان جلال، التي نشرتها في الستينيات، بعد إضافة نص مسرحية «الفخ المنصوب» ولكن نشري لهذا النص أوقف لك هذا المشروع! فيا سيدي لم يصبح الآن نشر النصوص والمخطوطات المسرحية حكرا على شخص واحد بعينه! وأقول لك أيضا: ألم تلحظ يا سيدي أنك في هذا الأمر أبعدتنا وأبعدت القراء عن صلب القضية، فلم تأت بقول واحد على ريادة صنوع للمسرح العربي في مصر، وهو قضية نقاشنا؟!
أحمد خيري باشا
حديثك في هذا الموضوع جاء بصورة غير متوقعة من باحث قدير ... فكيف يا سيدي تطالبني بأن أستقي المعلومات من كتابين للرافعي نشرا عام 1932، وأفضل ما فيهما من معلومات على سجلات ووثائق ومستندات ومخطوطات حية في زمنها، مستقاة من دار الوثائق القومية، ودار المحفوظات العمومية بالقلعة؟! وأنا ألتمس لك العذر؛ لأنك أبلغتني في مقابلتنا أنك لم تقترب طيلة حياتك من هذين المصدرين التاريخيين، رغم أنك من مؤرخي الأدب! فإذا كنت اطلعت على هذه الوثائق، لكان لك موقف آخر من بعض كتاباتك التاريخية! والأغرب من ذلك، أنك تختتم هذا الجزء بقولك: «فأيهما نصدق في هذه التناقضات، المؤرخ الكبير عبد الرحمن الرافعي، أو سجل قلم الوزارات الذي استند إليه الدكتور سيد إسماعيل والمعلومات التي أتى بها وما فيها من أخطاء في التواريخ؟» ... وأنا أعلم أن هذا القول جاء منك بصورة عفوية لم تقصده بالطبع؛ لأنك أحد محققي المخطوطات.
ومن جهتي أقول لك يجب أن تصدق معلومات الوثائق وما فيها من تواريخ صحيحة، عن معلومات وتواريخ الكتب الخاطئة، خصوصا وأنك ارتكبت في دراستك عن صنوع أخطاء تاريخية أصبحت مسلمات وأساسيات يعتمد عليها الكثيرون الآن، وقد أثبتها لك في دراستي. ومنها أنك جئت في دراستك عن صنوع بإشارتين صريحتين عن نشاط صنوع في مصر؛ الأولى: من جريدة «السترداي ريفيو» عام 1876 أثناء وجود صنوع في مصر، وأثبت لك أن تاريخ الجريدة كان عام 1879 أثناء وجود صنوع في باريس، وأن كاتبها أحد أصدقاء صنوع، وأن هذه الإشارة لم تطلع أنت على أصلها، بل نقلتها من كتاب د. إبراهيم عبده دون الإشارة إليه!
والثانية: كانت من جريدة «الأزبكية»، وقلت أنت إنها من عام 1873، وأثبت لك أنها إشارة مقحمة لا أصل لها؛ لأنها ذكرت اسم «أبو نضارة»، وهو اسم اشتهر به صنوع بسبب جريدته. وهنا تساءلت كيف نقبل إشارة من جريدة في عام 1873 تذكر اسم «أبو نضارة»، ذلك الاسم الذي اشتهر به صنوع منذ عام 1878 عندما أصدر جريدته «أبو نظارة». علما بأن كاتبه جول باربييه صديق صنوع! وهذه الأقوال الخاطئة ينقلها الباحثون منذ عام 1956 وحتى الآن دون أن يتحقق منها أحد، لا لشيء إلا لأن قائلها هو المؤرخ الكبير الدكتور نجم!
وربما أردت أنت إيهام القراء بوقوعي في خطأ الخلط في الأسماء، عندما قلت: «ألا يمكن أن يكون هذا السجل لأحمد خيري آخر؟»، وهنا أقول لك لا يوجد في هذا الوقت غير شخصين فقط اسمهما أحمد خيري، وكل منهما يحمل لقب «باشا»؛ الأول: «أحمد خيري باشا 1824-1886» رئيس الديوان الخديوي، والثاني: الحاج «أحمد خيري باشا 1852-1924» مدير الأوقاف. وبالطبع الأول هو المقصود وملفه محفوظ حتى الآن بدار المحفوظات العمومية بالقلعة تحت رقم 14104 محفظة رقم 472. فإذا وجدت سيدي غير هذين الشخصية أحدا اسمه أحمد خيري ويحمل الباشوية في هذا الزمن فأرجو أن تعرفني وتعرف القراء به.
وفي نهاية هذا الأمر أتوجه إليك بهذا السؤال: إذا كنت ممن لا يؤمنون بالوثائق والسجلات الرسمية في زمنها، وتؤمن بكل ما كتبه المؤرخ الكبير الرافعي في كتابه «عصر إسماعيل»، ألم تلحظ يا سيدي أن الرافعي في هذا الكتاب كتب عن صنوع كصحفي فقط ولم يكتب عنه كمسرحي؟! علما بأن الرافعي، وفي الكتاب نفسه، تحدث عن بداية المسرح العربي في مصر ونسب ريادتها إلى السوريين! وقد أثرت هذا الأمر في دراستي، ولكنك أهملته ... لماذا؟! وأقول لك وللمرة الثانية: ألم تلحظ يا سيدي أنك حتى الآن تراوغ، ولم تأت بقول قاطع على ريادة صنوع للمسرح المصري، موضوع النقاش؟!
صنوع مؤلفا
تحت هذا العنوان أتيت بعناوين كثيرة لمحاورات صنوع في صحفه، ومن ثم تتساءل يا دكتور، قائلا عني: «كيف أباح المؤلف لنفسه أن يصدر هذا الحكم الجائر على صنوع، قبل أن تتوافر لديه جميع الأدلة؟ فهو فيما يبدو لم يطلع على ما نشر من السنة الأولى لصحف أبو نظارة في مصر، ولو كان اطلع عليها لما تورط في هذا الخطأ الفادح، وفيما بناه عليه من استنتاجات جائرة.» وهنا أقول لك، إذا كنت تحتفظ «12» عددا من أعداد صحف صنوع المصرية، وباقي لك «3» أعداد، فإن جميع الأعداد في حوزتي، وفي حوزة آخرين أيضا، ولكنها غير أصلية؛ لأنها منقولة في كراسة جاءتنا من خلال د. إبراهيم عبده، ومن جهتي شككت في أقوالها؛ لأنها غير أصلية.
أما إذا كنت تحتفظ بالأصول، فلا يفوتك أنها صحف صنوع، المشهور بالأكاذيب والمبالغات! وأقواله لا يعتد بها، ويجب أن تؤخذ بحرص شديد. ولا يفوتك أيضا أنك ممن شككوا في صحة أقواله وأفعاله منذ الستينات! هذا بالإضافة إلى أن محاورات صنوع لي فيها أقوال وعندي عنها وثائق كثيرة تثبت وجهة نظري، موجودة في الكتاب الكامل «محاكمة مسرح يعقوب صنوع»، فأنصحك بقراءته أولا قبل أن تتهمني بالتقصير، خصوصا وأنني أرسلت لك نسخة منه منذ أسبوعين.
وبخصوص هذه المحاورات أطرح عليك هذا السؤال: هل هذه المحاورات تعتبرها كتابات مسرحية مكتملة العناصر الفنية؟! ألم تكن مجرد محاورات بين شخصين، أو بين عدة أشخاص؟! أكل حوار بين شخصين يعتبر في نظرك من النصوص المسرحية؟! فإذا نظرت إلى صحف القرن التاسع عشر ستجد معظمها يقوم على مثل هذه المحاورات! أنعتبر أصحاب هذه المحاورات من كتاب المسرح؟ وإذا فرضنا جدلا أن محاورات صنوع في صحفه هي كتابات مسرحية، أتستطيع أن تثبت أنها مثلت بالفعل؟! نحن نناقش العملية المسرحية المكتملة، الذي زعم صنوع بأنه أتاها كاملة، من حيث إنه المؤلف والممثل والمخرج وصاحب فرقة مسرحية عرضت مئات العروض؟! فهل تعتبر هذه المحاورات هي العملية المسرحية المكتملة التي تكتب شهادة ميلاد ريادة صنوع للمسرح المصري؟!
صحيفة «أبو نظارة زرقا»، الإصدار المصري
تحت هذا العنوان وجدتك أيضا - وللمرة الثانية - تأتي بأقوال صنوع نفسه من صحفه. وهنا أتوقف لأقول: إن دراستي مبنية على الابتعاد عن أقوال صنوع عن نفسه وعن مسرحه الوهمي، وبمعنى آخر إن يعقوب صنوع استطاع أن يكتب لنفسه تاريخا فنيا مزعوما، ومن ثم تلقف هذا التاريخ بعض المحدثين - وأنت منهم - فأثبتوه في كتب ودراسات ورسائل علمية كثيرة. وإذا حاول أي باحث أن يتحقق من هذه المزاعم، فما عليه إلا أن يبحث في التاريخ المعاصر لهذه المزاعم كي يتحقق بأنها أوهام اختلقها صنوع وأعوانه. ومن هذا المنطلق كان يجب عليك، وأنت الباحث القدير، أن تبتعد عن أقوال صنوع، التي خدعتك من قبل ، وخدعت جميع من كتبوا عنه.
وربما حاولت أن تبتعد عن هذه الأقوال، ولكنك لم تستطع. فقد قلت لي في ردك: «ولكي أثبت للأستاذ الدكتور أن صنوع قام بنشاط مسرحي في مصر استمر موسمين، أكتفي بإيراد الشواهد الثابتة من المراجع المعاصرة له في مصر، متجنبا ما قاله صنوع عن مسرحه وهو في باريس»، وبعد ذلك تأتي بأقوال صنوع من صحفه عن مسرحه! فأين يا سيدي «المراجع المعاصرة لصنوع»؟! فأنت لم تأت إلا بصحف صنوع وبأقواله ... وهل هناك فرق بين صنوع في مصر وبينه في فرنسا؟ وهل هناك فرق بين صحف صنوع في مصر وبينها في فرنسا؟ ولماذا تعتمد فقط على أقوال صنوع، المشكوك في صحتها أصلا؟! وبالرغم من وقوعك في هذا الخطأ المنهجي إلا أنني سأتقبله بصدر رحب وسأرد عليك فيما أثرته.
أولا:
تفخر بأنك أول من نشر ست مخطوطات لمسرحيات صنوع عام 1963. ورغم هذا الفخر فقد أثبت لك في دراستي بالأدلة القاطعة على أنها مخطوطات لا صلة لها بصنوع. فهذه المخطوطات التي تحتفظ بها ابنة صنوع «لولي»، والتي جاءتك منها، لا تحمل أية إشارة تدل على أنها لصنوع، فلا اسم صنوع عليها، ولا تاريخ كتابتها، ولا تاريخ تمثيلها، حتى خطها فهو لإنسان آخر غير صنوع! ومن الغريب أنك لم تناقش هذا الأمر في ردك، ولم تفند أدلتي لأنك واثق من صحتها! أما مسرحيات صنوع التي جاءت في المراجع الحديثة، وبخاصة كتاب د. إبراهيم عبده الذي اعتمدت عليه أنت، فهي مسرحيات معظمها كتبت أثناء وجود صنوع في باريس. وهنا أتوقف لأبين لك وللآخرين نقطة مهمة. أنا لا أناقش نشاط صنوع المسرحي في حياته كلها، بل أناقش فقط نشاطه المسرحي المزعوم في مصر، فإذا أتيت أنت أو غيرك بأدلة على أن صنوع له نشاط مسرحي في فرنسا، فلن أهتم بها. المهم الأدلة على نشاطه في مصر.
ثانيا:
تقول لي وبصورة تعليمية: «بأن العملية المسرحية ... الريادة فيها لا تتوقف على نص مجتزأ ممصر عن مسرحية فرنسية، بل تعني العملية التمثيلية بأركانها الثلاثة: النص الكامل الصالح للتمثيل، والعرض المسرحي بما يرافقه من إخراج وديكور وتمثيل، والجمهور الذي يشاهد هذا العرض»، فهذا الأمر أعلمه جيدا، ولم أنسبه إلى محمد عثمان جلال كما أردت إيهام القراء بذلك، ولكنني أثبت الريادة المسرحية تبعا لهذا المفهوم لسليم خليل النقاش، وأتيت بأدلة ووثائق كثيرة عليها، قمت أنت بتجاهلها في ردك ... لماذا؟!
لماذا تجاهلت قول جريدة «الفرايد» عام 1894 عندما قال: «أول من أدخل التشخيص في مصر الشوام»؟
ولماذا تجاهلت قول الكاتب المسرحي محمود واصف عام 1895 عندما قال: «لا يخفى أن فن التشخيص بلغتنا العربية لم يدخل إلى بلادنا المصرية إلا منذ عهد قريب على يد طيب الذكر سليم أفندي النقاش»؟
ولماذا تجاهلت قول جرجي زيدان عام 1896 عندما قال: «لم يدخل فن التمثيل العربي إلى هذه الديار إلا في أواخر حكم الخديو إسماعيل، وأول من مثل رواية تشخيصية فيها المرحومان سليم النقاش وأديب إسحاق»؟
ولماذا تجاهلت قول جريدة «الأخبار» عام 1912 عندما قالت: «الحق أولى بالإثبات من إسداء الشكر للسوريين الذين خدموا فن التمثيل ... وهيهات أن ننسى الأديبين الكبيرين المرحومين سليم النقاش وأديب إسحاق، اللذين أخرجا فن التمثيل إلى عالم الوجود في مصر»؟
ولماذا تجاهلت قول جورج طنوس عام 1917، عندما قال: «ظهر التمثيل العربي في هذه الديار، وكانت نشأته الأولى في الإسكندرية على أيدي الأديبين الشهيرين إسحاق والنقاش»؟
ولماذا تجاهلت قول محمد تيمور عام 1919، عندما قال: «أتانا التمثيل عن طريق سوريا، وأول من جاءنا به قوم من فضلاء السوريين أمثال النقاش وأديب إسحاق والخياط، وفدوا إلى مصر لينشروا فيها بذور ذلك الفن الجديد، ولقد نجحوا في بناء أساس ذلك الفن نجاحا كبيرا ... وأنشئوا بأيديهم فن التمثيل في مصر بعد أن كنا لا نعلم من أمره شيئا كبيرا، هذه هي نتيجة مسعاهم، ونحن مدينون لهم بهذه النتيجة»؟
ولماذا تجاهلت قول خليل مطران عام 1920 عندما قال: «المرحوم سليم النقاش أول من أنشأ فرقة للتمثيل بمصر باتفاق بينه وبين الحكومة»؟
ولماذا تجاهلت قول أحمد شفيق باشا، وهو من معاصري صنوع، عندما قال في مذكراته: «بدأت تفد على مصر بعض الفرق السورية، فكان ذلك منشأ المسرح العربي الأهلي، وأول هذه الفرقة هي فرقة سليم النقاش»؟
ولماذا تجاهلت قول قسطندي رزق عام 1936، عندما قال: «أما ما كان من أمر التمثيل العربي، فكانت حجر زاوية بنائه فرقتا التمثيل لسليم النقاش ويوسف خياط»؟
ولماذا تجاهلت قول جريدة «الأهرام» في عددها التذكاري عام 1950، عندما قالت: «أما التمثيل العربي في مصر، فقد حمل لواءه إخواننا السوريين وعلى رأسهم سليم نقاش»؟
ولماذا تجاهلت قول عبد الرحمن صدقي عام 1951، عندما قال عن الخديو إسماعيل: «كان على يديه مطلع التمثيل العربي ... حين وفدت فرقة للتمثيل العربي من لبنان قوامها سليم النقاش وأديب إسحاق ويوسف خياط»؟
ثالثا:
تقول إن يعقوب صنوع عام 1878 وهو في مصر كان يكتب في نهاية صحيفته: «محرر هذه الجريدة المفيدة مستر جيمس سنوا مدرس ألسن شرقية وغربية ومؤسس التياترات العربية.» ثم تتساءل: «هل كان يجرؤ على هذا الادعاء العريض وهو يعيش في مصر، محاطا بالأعداء والكارهين، لو أنه لم يكن حقا مؤسس التياترات العربية فيها؟!» ... أقول لك: نعم، كان صنوع يجرؤ على ذلك، وصحفه مكتظة بمثل هذه الادعاءات؛ لأن جريدته أصلا كانت قائمة على الادعاءات والأكاذيب والنكات المبتذلة والأسلوب العامي الرخيص، بدليل وجود عبارات جنسية رخيصة وشتائم لا يستطيع قلمي كتابة حروفها ... وأنت تعلم ذلك ... فجريدة صنوع كانت تتشابه مع جرائد أخرى مثل «حمارة منيتي» و«اللجام» و«الصاعقة» و«العفريت» و«المقرعة» و«الكرباج» و«الشيطان». فهل تريد يا أستاذي الفاضل أن يتحرك قلم أديب أو ناقد قدير للرد على مثل هذه الخزعبلات؟! علما بأنك تستند على قول واه منقول من صحف صنوع ... ألم تجد في «مراجعك» غير أقوال صنوع «فقط» كي تستند عليها، وتقول بريادته المزعومة للمسرح منها؟!
رابعا:
وبنفس الأسلوب تهرع إلى أقوال صنوع مرة أخرى، وتأتي بإشارة من صحفه جاءت في سياق حوار هزلي عن نشاطه المسرحي المزعوم في مصر، وتقول بعدها: «وهذا النص - الذي ورد في صحيفته وهو في مصر سنة 1878 - واضح الدلالة ولا حاجة بنا إلى التعليق عليه. ولو كان كاذبا أو مدعيا لتناولته الصحف العربية التي كانت تصدر في مصر آنذاك ك «الوقائع المصرية» و«الأهرام» و«حديقة الأخبار» و«مصر» و«التجارة» التي صدرت سنة 1878، وهي فيما أعلم لم تغمز جانبه ولم تمسه بنقد أو تجريح أو تكذيب.» والغريب أن تتحمس جدا لجريدة «التجارة» نافيا عنها أي قول تكون قد أصدرته ضد يعقوب صنوع! وهنا أرد عليك قائلا ... لقد توهمت يا أستاذي ... فالشيخان محمد عبده وجمال الدين الأفغاني - الذي أوهمنا صنوع بأنهما من أصدقائه ... بل ومن تلاميذه - تضامنا معه فكتبا مقالة في جريدة «التجارة» - التي تحمست أنت لها - عام 1879، جاء فيها الآتي:
جرنال «أبي نظارة»، ذاك الجرنال الهزأة الذي لم يدع قبيحة من القبائح إلا احتواها، ولا رذيلة من الرذائل إلا أحصاها. أتى من العبارات ما لا يستطيع السوقة وأدنياء الناس أن يأتوا به.
2
ومن الغريب أن هذا القول مثبوت في الدراسة، فلماذا تجاهلته ولم تثبته أو تناقشه في ردك؟! علما بأنك إذا قرأت كتاب «محاكمة مسرح يعقوب صنوع»، ستجد تفسيرا منطقيا بالأدلة والوثائق يظهر أن يعقوب صنوع أوهمنا بأنه كان على علاقة حميمة مع الشيخين، وهي علاقة لا أساس لها! وكفى أن أقول إن جميع الكتب التي كتبت عن الشيخين، لا تتضمن إشارة واحدة عن صنوع! أما إذا نظر القارئ إلى الكتب التي كتبت عن صنوع، فسيجد صفحات كثيرة تشير إلى علاقة الشيخين بصنوع! وأقول للدكتور نجم وللمرة الثالثة: ألم تلحظ يا سيدي أنك في هذه الأمور كلها لم تأت بقول صريح على ريادة صنوع للمسرح العربي في مصر؟ وهو الموضوع الرئيس لنقاشنا، إلا من خلال أقوال صنوع في صحفه عن نفسه ... أيعقل هذا؟! أمن المعقول أن مسرح صنوع كان مقاما «فقط» في خيال صنوع وحده، ولم يلحظه أي معاصر له؟!
صحف عربية معاصرة
تحت هذا العنوان أتيت بثلاثة أخبار من جريدة «الجوائب» التي صدرت في الأستانة (إسطنبول)، الأولى والثانية عام 1871، والثالثة عام 1872. وقلت إن هذه الأخبار تحتوي على «معلومات مفيدة تثبت ريادة صنوع المسرحية، وتعطي فكرة عن نشاطه المسرحي في موسمه الثاني.»
الخبر الأول:
قالت جريدة «الجوائب» في 16 / 8 / 1871: «وقد سرنا ما بلغنا من أخبارها (أخبار مصر المحروسة) أنه أنشئ فيها تياترو تنشد فيه الألعاب العربية. وللطفه قد حضر فيه الليلة الأولى نحو ألف نفس، ثم إنه وإن كان قد أرسل إلى مصر عدة روايات من جهات مختلفة من بيروت، إلا أنه انتخب له رواية يقال لها «القواس» ألفها أحد الإنكليز.»
هذا هو الخبر الأول، ولا أجد فيه أي معنى لما نحن بصدده! إلا إذا كنت يا سيدي تلمح بأن مسرحية «القواس» هي مسرحية «راستور وشيخ البلد والقواص» التي ذكرت عند د. إبراهيم عبده على أنها لصنوع ... كيف هذا؟! ألم تلحظ يا أستاذي أنك نقلت خبرا عن مسرحية ذات كلمة واحدة من أجل تشابهها بكلمة في اسم مسرحية مكون من أربع كلمات؟! هذا بالإضافة إلى أن مؤلف الإشارة «إنكليزي» الجنسية، كما ورد في الخبر، فأين هنا يعقوب صنوع «مصري» الجنسية؟! هذا بالإضافة إلى أن الخبر جاء بعد تمثيل المسرحية الأولى بأيام قليلة، علما بأن تاريخ الخبر عام 1871؛ أي - كما قلت أنت - في الموسم الثاني لمسرح صنوع! فهل صنوع مثل في موسمه؟
3
الخبر الثاني:
قالت جريدة «الجوائب» في 27 / 8 / 1871: «قد ذكرنا سابقا أنه أنشئ بمصر تياترو تجرى فيه الألعاب والروايات العربية، وهذا تفصيل محاسنه: ... في ليلة الخميس ... صار اللعب بالثلاث قطع التياترية العربية التي صار لعبها بتياترو القنسر داخل حديقة الأزبكية، وذلك بسراي قصر النيل العامرة أمام الحضرة الخديوية ... وقد ابتدئ بهذه القطع ... السهلة، تأليف «الخواجة جمس» ... وهو جار التمرين على قطعتين أدبيتين عربيتين أخريين ... إحداهما اسمها «البخيل» ... تأليف موليير، والأخرى تسمى «الجواهرجي» من تأليف بعض الشبان المصريين.»
ومن الملاحظ أن هذا الخبر هو استكمال للخبر الأول، رغم ما فيه من لبس، أراد من ورائه د. نجم أن يقنعنا بأنه يخص مسرح صنوع. وهنا أقول: إذا كان صنوع ذكر في صحفه ومذكراته أنه مثل أمام الخديو إسماعيل، وهذا القول يتشابه مع الخبر المذكور، فإن هذا الأمر لم يكن غريبا في هذا الزمن؛ لأن الخديو كان يشاهد معظم العروض الفنية التي كانت تقام في الأوبرا والكوميدي الفرنسي، والسيرك، وحديقة الأزبكية، منذ عام 1867 وحتى قبيل عزله. وهذا الوضع كان يسير عليه الخديو توفيق وعباس. وقد أتيت بأدلة كثيرة على ذلك في الفصول الأولى من كتابي «تاريخ المسرح في مصر في القرن التاسع عشر».
ثم ألم يلحظ د. نجم أن اسم «صنوع» أو «يعقوب صنوع» أو «جمس سنوا» لم يذكر في هذا الخبر، وهل صنوع كان يطلق عليه «الخواجة جمس»؟! فهذا الخواجة هو الرجل «الإنكليزي» الموجود في الخبر الأول. ثم ألم يلحظ د. نجم أن الخبر يؤكد أن الخواجة جمس يعد روايتي «البخيل» و«الجواهرجي». علما بأن «البخيل» أول من ترجمها ومثلها في العالم العربي مارون النقاش عام 1848. وهذا يفسر ما جاء في الخبر الأول بأن هناك روايات عربية تأتي إلى مصر من الشام. هذا بالإضافة إلى أن صنوع - وكذلك من كتب عنه - لم يذكر رواية باسم «الجواهرجي» مثلها أو ألفها أو اشترك فيها! وهذا يعني أن هذا الخبر يتحدث عن عروض متفرقة لبعض المهتمين بالمسرح من الإنجليز والشوام، ولا علاقة له بصنوع.
الخبر الثالث:
قالت جريدة «الجوائب» في 27 / 3 / 1872: «شرع في تهيئة التياطرو العربي الكائن بالأزبكية، وقد أعطي إنعام من حضرة الخديو المعظم لرجل من الإنكليز اسمه مستر جيمس ليتولى ترتيبه وتنظيمه، فيقال أنه ألف حكايات مضحكة ترجمت إلى العربية، وأن افتتاح هذا المحل يكون في أول صفر القابل.»
ولا أعلم ما هي علاقة هذا الخبر بموضوعنا، فهذا الخبر يخص أيضا رجلا «إنكليزيا» اسمه «مستر جيمس»! ولعلك اعتبرته يعقوب صنوع، على اعتبار أن صنوع كان مشهورا باسم «جيمس سنوا»، فأين اسم «سنوا» الذي هو «صنوع» في هذا الخبر؟! وعلى كل حال، فإن ذكر اسم «جيمس» فقط لا يدل مطلقا على أنه «صنوع»، فهناك ألف جيمس وجيمس ... فأي جيمس تقصد؟! وهذا الأمر ربما أقلقك بعض الشيء، فحسمت أمرك بأن كتبت بيدك تعليقا في آخر الخبر، قلت فيه: (تعليق : جيمس هو جيمس صنوا (يعقوب صنوع))! فلماذا كتبت هذا التعليق بيدك؟! أتريد إيهام القارئ بأنه تعليق الجريدة مثلا؟ أم أردت أن تثبت أن «مستر جيمس الإنكليزي» هو «جيمس صنوا المصري»؟!
ألم تلحظ يا سيدي أن الخبر كان في مارس 1872، ويفيد بأن التياترو سوف يفتتح فيما بعد! ألم يقل صنوع - وأيضا من كتب عنه وأنت منهم - أن مسرح صنوع أغلق عام 1872؟! فكيف يكون تاريخ غلق مسرح صنوع المزعوم هو نفس تاريخ افتتاح مسرح مستر جيمس الإنكليزي كما جاء في هذا الخبر؟! وهل صنوع أثناء نشاطه المسرحي المزعوم كان يكتبه مسرحياته بالإنجليزية ثم يترجمها إلى العربية؟! يا سيدي، أنت تنقل الأخبار دون تمحيص أو تدقيق، وتحاول أن تلوي عنق الحقائق.
وإذا كنت أيها المؤرخ المسرحي تستند على هذه الأخبار لإثبات نشاط مسرحي لصنوع، فلماذا لم تثبتها في دراستك عن صنوع طالما أنت مؤمن بها؟! فإن دراستك عن صنوع خلت تماما من هذه الأخبار، رغم أنك أخبرتني في مقابلتنا أن دراستك عن صنوع طبعت أكثر من «13» طبعة منذ عام 1956 وحتى الآن. هذا بالإضافة إلى أنك لم تستشهد بأي معلومة من معلوماتك السابقة المنشورة عن صنوع! وهذا التصرف من قبلك لا تفسير له إلا أنك غير مقتنع بوجود مسرح صنوع المزعوم.
والدليل على ذلك أنك عندما درست نشاط «سليم النقاش» - الرائد الحقيقي للمسرح العربي في مصر - قلت، وكتبت بيدك، هذه العبارة عام 1964: «إن دراسة أوليات المسرح المصري لا بد من أن تتجه إلى فرقة سليم النقاش وأثرها، بعد أن تمر بمسرح يعقوب صنوع ، الذي يبدو أنه مضى دون أن يعقب أثرا، لا في تقاليده ولا في مسرحياته، لأسباب قد يكون منها أنه غرس في غير أوانه، أو أنه كان مسرحا خاصا يؤمه الأمراء والأعيان وعلية القوم، أو أن مسرحياته كانت منبتة الصلة بالبيئة التي وضعت لها.» وأقول: ألم تلحظ يا سيدي أنك فيما سبق أجهدت نفسك كثيرا ونبشت في أوراق مكتبتك الفريدة، فأخرجت منها أخبارا لا تنقذ صنوع ولا من كتبوا عنه، ولا ترد له الريادة المفقودة!
الصحف الصادرة بمصر باللغات الأجنبية
يقول العالم الجليل د. نجم: «كان في مصر في عصر الخديو إسماعيل صحف أجنبية عدة ... وكان حريا بالمؤلف ما دام يحاول أن ينقض حقيقة شائعة ومسلم بها بين الباحثين أن يرجع إلى هذه الصحف ... لأنها كانت معاصرة لصنوع ... وهو معذور إذا كان قد تجنبها لأنه لا يستطيع القراءة في الفرنسية والإيطالية ... لأنها تنقض دعواه وتؤكد وجود نشاط مسرحي كثيف لصنوع» ... وهنا أقول له: صدقت يا أستاذي، فأنا لا أستطيع قراءة الفرنسية والإيطالية، بالرغم من وجود مترجمين مصريين أكفاء، إلا أنني لم أتجنب شيئا موجودا ... فإذا كنت أنت واثقا من وجود «أصول» هذه الصحف الأجنبية التي تحدثت عن صنوع كمسرحي في مصر وبصورة مكثفة، فلماذا لم تأت بها وأنت ضليع في اللغات الأجنبية؟! ولماذا لم تأت بعدد واحد منها ليكون لك بمنزلة القول الصريح الذي تفتقده؟!
ومن الغريب أن العالم الجليل د. نجم يقول أيضا عن هذه الصحف: الذي يعيب علي عدم الرجوع إليها، في أصولها: «ولا نزعم أننا رجعنا إلى جميع هذه الصحف: ولكنا تلقطنا من بعض هذه الصحف ... من خلال بعض المراجع، بعض الأخبار التي نشرت فيها، والتي تتصل بنشاط صنوع المسرحي.» وهنا أقول له: لماذا تطالبني بأن أفعل ما عجزت أنت عن فعله. فقد قمت أنت بنقل بعض الأخبار من هذه الصحف: نقلا عن مراجع أخرى، ولم تنقل من أصول الصحف. والأعجب أنك لم تنقل بدقة وحياد، فقد نقلت التواريخ بصورة خاطئة، ونقلت عن مراجع لم تشر إليها، ونقلت أخبارا متناقضة لم تقم بتفنيدها! وعندما أوضحت لك هذه الأمور في مقابلتنا قلت لي إنها أخطاء مطبعية! علما بأن هذه الأخطاء المطبعية استمر وجودها في طبعات دراساتك ال «13»، وكأنك تصر على وجودها، لماذا؟! وأقول: ألم تلحظ يا سيدي أنك في هذا الأمر لم تأت بقول واحد، ولو عن طريق الترجمة، يثبت ريادة صنوع للمسرح المصري، موضوع النقاش؟!
ولا يسعني في هذا المقام إلا أن أذكر رأيي في دراستك عن صنوع، المنشورة في كتابك «المسرحية في الأدب العربي الحديث»، ذلك الرأي الذي جاء في نهاية نقدي لدراستك في كتابي «محاكمة مسرح يعقوب صنوع»، ص217: وفيه قلت: «ومن الغريب حقا أن د. محمد يوسف نجم، رغم أهمية دراسته، إلا أنه لم يستطع الحصول على أية إشارة حقيقية في أي مرجع لم يكن صنوع مصدره الوحيد، كي يثبت من خلالها قيام صنوع بنشاط مسرحي في مصر! فكل ما ذكره د. نجم ما هو إلا نقول من آخرين كتبوا عن صنوع، وتربطهم به علاقات! فمصادر الدكتور في دراسته عن صنوع كانت: كتاب د. إبراهيم عبده «أبو نظارة إمام الصحافة ...»، وكتاب طرازي، وكتاب بول دوبنيير، ومقال «السترداي ريفيو»، ودراسة جانيت تاجر المعتمدة على مقال جاك شيلي! وبمعنى آخر، إن جميع مصادر دراسة د. نجم عن مسرح صنوع، هي كتابات كتبت من خلال صنوع نفسه!»
4
وأخيرا أقول لأستاذي الجليل العالم المؤرخ د. محمد يوسف نجم - بما لديه من مكتبة فريدة وخبرة علمية وقدرة تأريخية - إنك لم تأت بقول واحد صريح يرقى إلى منزلة الدليل القاطع المانع لإثبات نشاط صنوع المسرحي في مصر. فأين أدلتك المقنعة؟! ... فردك كان عاطلا من الأقوال اللامعة والحجج السديدة! وكان ردا على دراسة أولية من «50 صفحة»، فماذا سيكون ردك على كتاب كامل من «371 صفحة»؟! أرجو ألا تصمت أمامه.
فأنت يا سيدي لا تتحمس لإثبات ريادة صنوع للمسرح المصري، من أجل إبراز الحقيقة التاريخية بقدر حماسك لأعمالك المنشورة عنه، والتي ستتأثر سلبا بما طرحته في كتابي «محاكمة مسرح يعقوب صنوع»، فمن المؤكد أنك تخشى على مطبوعاتك، التي أصبحت ركائز أساسية لدراسة صنوع من قبل جميع الباحثين، ومنها كتابك «المسرحية في الأدب العربي الحديث»، وكتابك «المسرح العربي: دراسات ونصوص - يعقوب صنوع»، ومجلداتك العشرة عن صحف صنوع، وأخيرا مشروعك المستقبلي في نشر صحف صنوع المصرية! فهذه المطبوعات سيقرؤها الباحثون فيما بعد بحذر شديد؛ لأنها تخص صنوع المشبوه ... المخادع ... الكاذب! فكم من دراسة حديثة نحت ما قبلها من دراسات كان يعتقد في صحتها!
5
د. سيد علي إسماعيل
رئيس قسم الدراسات الأدبية
كلية دار العلوم، جامعة المنيا
المستر جمس يعود إلى الأضواء ويجدد القصف المتبادل
يوسف نجم ردا على سيد إسماعيل: أحذرك من التورط في الملفات الوظيفية
1
حالت ظروف سفري إلى الكويت لحضور المهرجان المسرحي الخامس
2
دون إنجاز هذه المقالة التي أرد فيها على ما نشره الزميل الكريم في عدد «أخبار الأدب» رقم 404 بتاريخ 8 من أبريل 2001، فأرجو المعذرة على هذا التأخر.
تفضل الزميل الدكتور سيد علي إسماعيل ورد على مقالي الذي نشر في مجلة «أخبار الأدب»، وها أنا ذا أقتطع بعضا من وقتي لأرد عليه؛ لعل هذا الرد يقنعه بخطأ ما ادعاه في كتابيه «تاريخ المسرح في مصر في القرن التاسع عشر» و«محاكمة يعقوب صنوع».
في مقدمة الرد يذكر الدكتور أنني صرحت لجريدة «الأخبار» بتاريخ 4 / 1 / 2001 قائلا: إنني سأعيد كتابة تاريخ المسرح المصري، وسأراعي حذف الدور الزائف الذي صنعه يعقوب صنوع وابنته وأصدقاؤه افتراء على المسرح المصري. أقول: أولا: إنني لم أصرح لجريدة «الأخبار» في ذلك التاريخ أو في غيره، وليس من عادتي إعطاء التصريحات للصحف.
3
كل ما حدث أنني اتصلت هاتفيا بالصديقة القديمة الأستاذة سناء فتح الله إثر قراءتي ما كتبته، متحمسة أشد التحمس عن موضوع مسرح صنوع، معتمدة على كشوف الدكتور سيد علي إسماعيل، وكانت تعاني من أزمة صحية حادة، وكل ما قلته لها حول هذا الموضع إنني أتعجب لهذا الزعم (وظنت أنني أنسب الزعم إلى صنوع)، وعندما يصدر كتاب الدكتور سيد سأقرؤه، وإذا اقتنعت بما توصل إليه من نتائج سأصحح معلوماتي حين أعيد كتابة تاريخ المسرح المصري من 1870 حتى 1952 الذي سيصدر في أربعة أجزاء. ولا أظن أن الزميلة الصديقة حرفت كلامي فجعلته تصريحا مني حول هذا الموضوع، بل أميل إلى حسن الظن لما أعرفه من صدقها وأمانتها، وأقول إن ما قلته للزميلة في الهاتف التقطته أذنها متقطعا أو مشوشا بسبب حالتها الصحية. وطلبت من الأستاذة سناء أن تتصل بالدكتور ليلتقيني في المكان والزمان اللذين نتفق عليهما. وقد حدث هذا بالفعل، وجاءني يحمل - مشكورا - عددا من كتبه هدية لي. وكان اللقاء وديا، طلبت فيه منه أن يتقدم بأطروحته، وبعد أن تأملت مليا فيما قال وصححت له بعض المعلومات التي استند إليها فيما زعمه، حذرته من التورط في نقض حقيقة أجمع رأي الباحثين عليها، إلا إذا كان لديه أضعاف ما أدلى به إلى من استنتاجات أرى أنها لا تقوم على أساس متين. وحين قال لي إن العدد الخامس الأصلي من جريدة «أبو نظارة زرقا» في سنة صدورها الأولى في مصر سيكون شاهدا مهما في هذا الموضوع، قلت له إن العدد عندي في مجموعة ناقصة من الصحيفة تضم اثنى عشر عددا من أصل خمسة عشر عددا. وهو عدد صدر كغيره من الأعداد الخمسة عشر أثناء وجود صنوع أو المستر جمس والخديو إسماعيل في مصر، ولا أظن أنه كان من الجرأة بحيث يتورط في الزعم والادعاء. (وقد أرسلت صورة عن ذاك العدد مرفوقة بمسامرتي الأولى إلى مجلة «أخبار الأدب» ولا شك أن الصديق رئيس التحرير ما زال يحتفظ بها، وسأرسلها ثانية مع هذه المسامرة.)
أحمد خيري باشا: أعجب أشد العجب لاستخفافك بكتب الأستاذ الكبير عبد الرحمن الرافعي، الذي أعتبره من أعظم مؤرخي مصر الحديثة إن لم يكن أعظمهم، مفضلا الاعتماد على «الملف الوظيفي» لقيتك التي تعتز بها، أفلا يكون هذا الملف لأحمد خيري آخر؟ ألا يمكن أن يكون له ملف آخر نقل إلى ملفات السراي بعد أن التحق بالعمل في المعية الخديوية؟ وأنا، رفقا بزميل عالم، أحذرك من التورط في الاعتماد على الملفات الوظيفية في بحوثك العلمية، وأرجوك لفائدتي أن تبحث لي عن الملف الوظيفي لتوفيق الحكيم، وتتأكد من سنة مولده، فهو يزعم أنه ولد سنة 1898، وقد احتفل المجلس الأعلى للثقافة قبل ثلاث سنوات بمرور مائة عام على مولده، وشاركت في ذلك الحفل وألقيت بحثا أثبت فيه بما لا يدع مجالا للشك أنه ولد سنة 1902. أرجوك أن تراجع ملفه، فقد تتيح لك تلك المراجعة فرصة أخرى للتعريض بي والهزء بي تلميحا أو تصريحا.
في الشهور التي كنت أعد فيها رسالتي عن المسرح، كنت أذهب يوميا إلى القلعة، حيث توجد مجموعة الدوريات التي تقتنيها دار الكتب. وكنت أرى الوثائق والملفات الوظيفية، مصدر اعتزازك وفخرك، ملقاة في الممرات. ولو لم تمنعني تربيتي وأخلاقي وضميري العلمي لاقتنيت ما شئت منها بأبخس الأثمان.
وما لنا نخوض في الوثائق والملفات والوظيفية وكتب الرافعي، وأمامنا شاهد لا يكذب، إلا إذا اتخذت قرارا بتكذيبه، تذكر في مراجع كتابيك أنك رجعت إلى كتاب «مذكراتي في نصف قرن» لأحمد شفيق باشا. فهل رجعت إليه حقا؟ وإن كنت قد رجعت إليه وقرأته، فهل قرأت كل صفحة فيه، أو إنك اكتفيت بالرجوع إلى الفهرس، فلما لم تجد فيه ضالتك نحيته جانبا.
في الصفحة 42 من الطبعة التي في مكتبتي (مطبعة مصر، 1934) أورد المؤلف نادرة أحب أن أشركك وأشرك القراء فيها، أوردها أثناء حديثه عن عصر إسماعيل بالنص التالي: «وفي مقدمة الأدباء الشيخ علي أبو النصر والشيخ علي الليثي (ولم نعثر على صورتيهما). وكان الشيخ علي الليثي - فوق أنه شاعر - سمير (هكذا في الأصل) مليح النكتة، من ذلك أن أحمد خيري باشا مهردار إسماعيل (حامل الختم)، أراد أن يداعب شاعري القصر، فأمر أن تلصق ورقة على باب الغرفة الخاصة بهما في عابدين وبها الآية القرآنية:
إنما نطعمكم لوجه الله ، فلما رآها الشيخ علي فطن للدعابة وعرف مصدرها، ونظم هذين البيتين من الزجل:
كان لي طحونة جوا الدار
تدور وتطحن ليل نهار
دورت فيها الطور عصى
ودورت فيها المهر دار
وكتبها في ورقة ألصقها بباب خيري باشا، وكان ذلك ردا ظريفا استملحه الخديو وظل يردده مع ندمائه.» هل ضحكت لهذه النادرة؟ لا أظن لأنها ستكلفك عناء البحث عن «الملف الوظيفي» لأحمد شفيق باشا لتثبت أنه كان كذوبا.
وقد ذكر أحمد شفيق باشا أحمد خيري باشا في الصفحة التالية من كتابه هذا ص43، فيمن ذكرهم من أدباء العصر، وقال إنه تلقى العلوم العربية في الأزهر، ونبغ فيها، وفي اللغة التركية، وهو من أصل شركسي.
ولمزيد من التأكيد أرجو أن تسمح لك أشغالك العديدة بقراءة ديوان الشيخ علي أبو النصر، الذي ورد اسمه في النادرة، فقد وردت فيه (ص64) قصيدة توجت بما يلي: «وكتب - رحمه الله - إلى سعادة أحمد باشا خيري مهردار الحضرة الخديوية ليستأذن له في التوجه إلى الصعيد.» وقد مدحه في موضعين آخرين من الديوان في ص213 و231.
ولكن ما لنا ولكل هذا، ألم يكن حريا بك وأنت المولع بالوثائق والملفات أن تعود إلى محاضر مجلس شورى النواب في دورته الأولى التي بدأت في 25 نوفمبر 1866، وفي دورته الثانية التي بدأت في 16 مارس 1868. وإلى محاضر جلسة الهيئة النيابية الثانية في دورتها الأولى التي عقدت في أول فبراير 1870، وفي دورتها الثالثة الثانية عقدت في 10 يونيو 1870، وفي دورتها التي عقدت في 26 يناير 1873، حيث صحب أحمد خيري باشا الخديوي بوصفه كاتبا له، ثم حاملا للأختام، ثم مهردارا، أنعم عليه بلقب باشا، لعلك تجد في هذه الوثائق ما تفقأ به عين الحسود.
هل آمنوا أو لم يدخل الإيمان قلوبهم؟ وعلى ذكر أحمد شفيق باشا، أراك تستشهد به وتلومني لأني تجاهلت قوله في مذكراته وهو من معاصري صنوع: «بدأت تفد على مصر بعض الفرق السورية، فكان ذلك منشأ المسرح الأهلي، وأولى هذه الفرق هي فرقة سليم النقاش.»
أولا يا زميلي الكريم، كان عمر أحمد شفيق باشا في الفترة التي زاول فيها صنوع نشاطه المسرحي 10-12 سنة، فقد ولد في 18 مايو 1860، ونحن نؤرخ نشاط صنوع المسرحي بسنتي 1870-1872، وشفيق باشا كتب في هذا الكتاب مذكراته، وكاتب المذكرات عادة يكتب ما عرفه وما خبره، لا ما انتقل إليه بالسماع، فضلا عن ذلك فإن قوله الذي اقتبسته لا ينفي ولا يثبت وجود نشاط تمثيلي آخر هو نشاط صنوع والشيخ محمد عبد الفتاح على وجه القطع واليقين، وهذا ما سيتبين لك بعد قليل.
أما جريدة ال «ستردي ريفيو»، التي تمسكت بها حجة دامغة في يدك، واتهمتني بأنني لم أطلع عليها إلا بالواسطة، واتخذت دليلا على ذلك أنني أرخت المقالة التي ورد فيها ذكر صنوع، وكان عنوانها
AN ARABIC PUNCH
بسنة 1876 بدلا من 1879. يا لهذا الدليل الساطع! ألم تعلم يا أخي أن كتبنا العربية مليئة بالأخطاء المطبعية؟ (انظر الهمسة التي اختتمت بها ردي هذا)، وأن رقم 6 باللغات الأجنبية وأنت تعرف عددا منها دون شك، هو معكوس رقم 9. ومع ذلك فسألحق بهذا الرد بعض فقراتها، لتراها رأي العين، لعلها توحي إليك بأن تؤلف كتابا مستقلا (انظر فقرتين من المقالة في الملاحق).
أما لومك الذي وجهته إلي والذي بدأته بعبارتك: «لماذا تجاهلت ... ابتداء من مجلة «الفرائد» 1894 حتى عبد الرحمن صدقي 1951.» يا زميلي العزيز، لو لم أتجاهل كل هذا الغثاء الذي بني أكثره على الوهم والتذكر والرواية والشفوية؛ لما كنت أول مؤرخ موضوعي علمي منهجي للمسرح العربي، ولما أتيح للكثيرين - ولا أسمي - أن يعيشوا وتنتفخ أوداجهم على فتات ما كتبت. أما لماذا لم أثبت هذه الأخبار التي حصلت عليها بعد طبع كتابي 16 مرة، لا 13 مرة كما قلت، فذلك لأن الكتاب أعيد طبعه كما هو بالتصوير ولا أغير فيه ابتداء من الطبعة الثانية سوى المقدمة. إذ كنت معنيا بجمع معلومات لا نجدها في الصحف ولا في أقوال الباحثين الهواة، أهمها البحث عن الأصول التي اقتبست أو مصرت أو عربت أو ترجمت عنها المسرحيات التي قدمت على المسرح العربي، وقد وفقت حتى الآن إلى جمع معظمها ابتداء من 1870 حتى 1935.
وتقول لا فض فوك: «... ولا أعلم ما هي علاقة هذا الخبر بموضوعنا؟ فهذا الخبر يخص أيضا رجلا إنكليزيا اسمه مستر جمس، ولعلك اعتبرته يعقوب صنوع على اعتبار أن صنوع كان مشهورا باسم جمس سنوا، فأين اسم «سنوا» الذي هو صنوع في هذا الخبر؟»
وأقول : اقرأ العدد الخامس الذي تجده في ملاحق هذا الرد - أو الأحرى هذا البحث - ثم اقرأ جميع أعداد صحيفة «أبو نظارة زرقا» التي أصدرها في مصر وفي باريس، تجده يخاطب أو يشير إلى نفسه باسم: مستر جمس، مسيو جيمس، سنيور جمس. أما كونه يوصف بأنه إنجليزي، وذلك لأنه كان حماية إنجليزية، وكان المقيمون الذين يعودون إلى أصول غير مصرية أو عثمانية، يلجئون إلى القنصليات الأجنبية للانتساب إلى بلادها والحصول على حمايتها التي تتيح لهم التمتع بالكثير من الامتيازات، ومن أهمها التقاضي أمام المحاكم المختلطة. على كل هذا موضوع لا علاقة لك به؛ لأن اختصاصك هو إعادة كتاب تاريخ المسرح العربي بمنظور جديد خاص بك ومن ابتداعك.
المهندسخانة: ينفي المؤلف في معرض تكذيبه لصنوع، أنه كان مدرسا في المهندسخانة، ودليله على ذلك أن سعيد باشا (1854-1863) ألغى ديوان المدارس.
ونقول له: إن الخديو إسماعيل أعاد تنظيم ديوان المعارف وأنشأ مدرسة المهندسخانة (الري والعمارة) في سنة 1866 في العباسية (انظر: «عصر إسماعيل» للرافعي، ج1، ص197). وقد كان صنوع، فيما نعلم، مقربا من إسماعيل ورجال عهده حتى سنة 1878، عندما حدثت الفرقة بينهما. أفلا يجوز أن نفترض أن الخديو أو أحد رجال عهده النافذين، عينه مدرسا للغات التي كان يجيد عددا منها، بدوام كامل أو ببعض الدوام في المهندسخانة لفترة ما بين 1866 و1878؟ هذا جائز ومقبول طبعا، لولا أنه لا يملك ملفا وظيفيا (حجة الحجج) يستطيع المؤلف المحقق أن يركن إليه في التثبت من ذلك؛ ولذا فمن الأسهل عليه أن يتهمه بالكذب، جريا على عادته في تكذيبه وتكذيب سواه.
أما علاقة صنوع بالأفغاني وعبده وهجومهما عليه وعلى صحيفته في جريدة «التجارة»، فقد شرح صنوع ظروف هذا الهجوم وملابساته في صحيفته عدد 24 يونيو عام 1879 وبين أنه كان بضغط وتدبير من إسماعيل ورجاله قبل أسابيع من تنازله عن العرش ومغادرته مصر في 30 يونيو 1879. ولو كان بينهما خصومة حقيقة لما مدحه صنوع عندما حضر إلى باريس في 19 يناير 1883، ولما كتب جمال الدين مقالة وتحية لصنوع وصحيفته نشرت في 1 فبراير 1883. ولو رجعت إلى أعداد «العروة الوثقى» الثمانية عشر التي أصدرها الأفغاني وتلميذه محمد عبده في باريس من 13 مارس حتى 17 أكتوبر 1884 لما وجدت بها مساسا أو غضا من شأن صنوع وصحيفته، لا تصريحا ولا تلميحا (وأنت تؤثر التلميح عادة).
محمد عبد الفتاح: الفاقرة أو قاصمة الظهر: الفاقرة، لغة: الداهية الكاسرة للفقار، وهي بمعنى قاصمة الظهر، وقد تعمدت التكرار لأنه يفيد أحيانا. أدرجت يا زميلي الكريم «الوقائع المصرية» في ثبت مراجعك في كتابك الأول، ولم تذكرها في كتابك «المحاكمة»، وحددت السنوات التي رجعت إليها وهي 1869، 1871، 1877، 1878، فلماذا لم ترجع إلى سنة 1872، وهي سنة زعم الزاعم، وهو أنا، أن مسرح صنوع كان ناشطا فيها. لا تقل لي إنها مفقودة في مجموعة دار الكتب؛ لأنني رجعت إليها فيها، وثمة نسخ منها في مكتبة مجلس الشعب ومكتبة جامعة القاهرة ومكتبة جامعة عين شمس، جامعتك ربما فعلت ذلك سهوا أو تعجلا، أو - وبعض الظن إثم - تجنبت ذكرها عامدا متعمدا.
في الصفحة الثانية من العدد 455، الصادر في 29 صفر 1289 الموافق 30 برمودة 1588 و7 مايه (أي مايو) الإفرنجي 1872، الإعلان التالي: «صورة إعلان وارد: قد ارتقت الأنام في التمدن في زمن سعادة الخديو المعظم حتى بلغت ما لا يبلغه غيرها من الأمم السابقة. ومن جملة التمدن وجود التياترات خصوصا التياترو العربي الجاري مجراه في حديقة الأزبكية (أقول: تياترو صنوع أو سنوا أو مستر جمس). ولما كانت جميع الناس مجدين في تحصيل التمدن شرعنا في طبع لعبة (أقول: الاسم الذي استعمله صنوع للمسرحية)، ونشرها على جميع المحبين للوطن لزيادة التمدن، ويكون أخذ النسخ من محل محمد أفندي عبد الفتاح الكائن بالموسكي بحارة الإفرنك، بجوار الخواجة كمواره التاجر، وثمن النسخة الواحدة فرنك واحد، واللعبة التي صار طبعها حينئذ تسمى «ليلة»، وأن الحضور لأخذ النسخة سيكون من ابتداء الساعة واحدة لغاية الساعة 5 من النهار.»
أظن، وبعض الظن إثم كما أسلفت، أن عينك وقعت على هذا الإعلان، وأنت على منصة القضاء تحت قوس العدالة، تمثل الادعاء في محاكمة المدعى عليه المدعي الكذاب يعقوب بن روفائيل صنوع المعروف بجمس سنوا، فرأيت أنها في مصلحة المتهم فكتمتها، والله - سبحانه وتعالى - يقول في كتابه العزيز:
ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه . فما هي حكاية محمد عبد الفتاح هذا؟
ذكرت في كتابي «المسرحية في الأدب العربي»، ص90 من جميع الطبعات نقلا عن كتاب
EGYPTE SATIRIQUE
لبول دي بنيير، الذي أعدت طباعته في بيروت في دار صادر سنة 1972 (لأتكسب بكتب صنوع ومجلاته وما كتب عنه؛ ولذا أدافع عنه حتى تروج هذه الكتب والمجلات كما يقول زميلي الرفيع التهذيب في ختام مقاله الذي نحن بصدده) أن شيخا أزهريا اسمه محمد عبد الفتاح تأثر بحركة صنوع، وألف مسرحية اسمها «ليلى». وأورد الأستاذ المهذب الدكتور إبراهيم عبده، شيخ مؤرخي الصحافة المصرية هذا الخبر في كتابه «أبو نظارة»، ص32، نقلا عن حديث لصنوع عن مسرحه. ومنذ ذلك الوقت والشيخ محمد عبد الفتاح يؤرقني، فتشت عنه في فهارس دور الكتب فوجدت له كتبا في الدين والأدب، ولم أجد لمسرحيته تلك ذكرا حتى قرأت الإعلان الذي نشر في «الوقائع المصرية» وأوردناه بنصه سابقا، أثناء مراجعتي للجزء الأول من كتابي ذي الأجزاء الأربعة. وقد وفقني الله بعد جهد جهيد، وبمساعدة من صديق كريم، إلى العثور على نسخة من تلك المسرحية، لن أخوض في التفاصيل الآن خشية أن تصبح مشاعا لباحثي هذه الأيام الذين هم في التأليف وإصدار الكتب أسرع من أم خارجة في نكاحها (وهذا مثل عربي مهذب).
فماذا قال المؤلف الكريم صاحب كتاب «محاكمة مسرح يعقوب صنوع» ردا على مزاعم يعقوب صنوع وبول دي بنيير الخاصة بالشيخ محمد عبد الفتاح؟ يقول تعليقا على ما أورده الدكتور إبراهيم عبده: «... ولكن ما يهمنا من هذه الطرائف ما قاله الدكتور، إن يعقوب صنوع قال وهو يحدثنا عن متاعبه أنه عرض رواية «ليلى» لأول مرة على مسرحه التياترو الوطني، وهي مأساة كتبها له صديقه الشيخ محمد عبد الفتاح، وحضرها الوزراء وكثير من العلماء والشعراء. وأهمية هذا القول (هكذا يقول الدكتور الأستاذ سيد علي إسماعيل) تتمثل في أن هناك مؤلفا مسرحيا اسمه «الشيخ محمد عبد الفتاح» ألف لصنوع مسرحية «ليلى»! فهل في تاريخ المسرح المصري منذ عام 1869 وحتى عام 1872 مسرحية باسم «ليلى»، مؤلفها شيخ يدعى «محمد عبد الفتاح»؟ للوصول إلى حقيقة هذا الأمر كان لا بد من البحث أولا في تاريخ المؤلفات، والمؤلفين، وثانيا البحث في صحف صنوع. وبالبحث في التاريخ (أقول: يا للباحث المدقق المتتبع!) وجدنا أن أول عمل فني باسم «ليلى» كان فيلما مصريا بدأ تصويره عام 1927. والعمل الفني الثاني تحت اسم «ليلى» كان للمازني عام 1953 كما هو معروف. أما البحث عن اسم «محمد عبد الفتاح» كمؤلف أو كاتب في هذه الفترة فلم نجد غير شخص واحد توفي في أواسط القرن التاسع عشر؛ أي وصنوع عمره عشر سنوات! ثم ...» إلخ («المحاكمة» 155-156).
أبدأ تعليقي على الفقرة الأخيرة من هذا الاقتباس وأسأل الباحث المدقق: هل اطلعت حقا على كتب تاريخ المؤلفات والمؤلفين، كما تقول؟ أم إنك اكتفيت بكتاب جاك تاجر «حركة الترجمة بمصر خلال القرن التاسع عشر»؟ ومن قال لك إن الشيخ الأزهري كان مترجما حتى تبحث عنه في كتاب عن حركة الترجمة خلال القرن التاسع عشر؟ هل اطلعت على «معجم المطبوعات العربية والمعربة» ليوسف إليان سركيس؟ وهو أهمها وقد ذكر (في العمود رقم 1677) الشيخ محمد عبد الفتاح، وذكر كتابه «تحفة الألباب في مجالس الأحباب»، مصر 1305، المطبعة الميمنية (1310ه/1892م)، 52 صفحة، وقد أهداه إلى صديقة جمس سنوا. وهل رجعت إلى فهارس دار الكتب المصرية، وقد عثرت فيها على كتابه «تحفة أولي الألباب في مجالس الأحباب»، فضلا عن كتابين آخرين له يؤكدان ميوله الروائية هما «نجاح السيد غندور وخيابة أسطى طرطور والصنعة حكمت»، وهي كما وصفت في الفهرس حكاية فكاهية تجارية قضائية اجتماعية، طبع حجر، القاهرة. والثاني هو «السبك واللهج»، وصف في الفهرس بأنه «قصة أدبية تاريخية تتضمن سيرة السيد حزنبل وبنت عمه زلكوته وما جرى في سياحته»، وهي مرتبة على أربعة وأربعين سبكا وعلى ست وعشرين لهجة، طبع حجر، القاهرة (1293ه/1876م) 164 صفحة. ثم لماذا لم تبحث في مرجع المراجع وهو كتاب «تاريخ الأدب العربي» للمستشرق كارل بروكلمان، وهو يذكر له في الملحق الثاني، ص736 من الطبعة الألمانية ثلاثة كتب، منها لعبته التياترية التي سنفاجئك بها الآن (فأرجوك أن تتماسك).
وقد ذكر له عمر رضا كحالة في «معجم المؤلفين» 10 : 180 كتابه «تحفة الألباب ...» نقلا عن فهارس الدار وعن «إيضاح المكنون في الذيل على كشف الظنون» 243 : 1 للبغدادي، وذكر أنه درس في المدارس الأوروبية بمصر. ولا أشك في أنك سمعت بهذه المراجع بوصفك رئيس قسم الدراسات الأدبية بدار العلوم في جامعة المنيا. فلماذا تجنبتها واكتفيت بكتاب جاك تاجر الذي لا يجدي فتيلا في هذا الموضوع. وتزعم كذلك أنك قرأت صحف صنوع التي أصدرها في باريس 1879-1910. ألم تقع عينك - أو وقعت وأغمضتها - على إسهامات محمد عبد الفتاح فيها وإشادة صنوع به واعتزازه بصداقته، ربما لمست ذلك لمس العين، ولكن أقنعت نفسك أنها كلها من اختراع صنوع؛ لأنك قررت أن تتهمه بالكذب والخداع. وللتذكير، أو التنبيه، أرجوك أن تراجع الأعداد التالية من صحفه: (1)
عدد 25 / 3 / 1892: قصيدة لمحمد عبد الفتاح في مدح السلطان عبد الحميد. (2)
عدد 5 / 8 / 1893: قصيدة لمحمد أفندي عبد الفتاح صاحب التعريف والتأليف المشهور اسمه على كل لسان البرق في الغرب والشرق بمناسبة زيارة السلطان عباس حلمي إلى باريس. (3)
عدد 5 / 11 / 1893: مقال بعنوان «السعد الحميدي» لمحمد أفندي عبد الفتاح، خادم العلم الشريف بالأزهر. (4)
عدد 3 / 11 / 1894: مقالة وقصيدة لمحمد عبد الفتاح مدرس اللغة العربية بباريس. (5)
عدد 5 / 6 / 1899: قصيدة لمحمد أفندي عبد الفتاح في مدح المسيو لويه رئيس الجمهورية الفرنساوية، قدمها صنوع بقوله: «وها قصيدة منها تفضل علينا بها الصاحب الصديق والخل الشقيق، من له علينا المآثر غير مرة، والكرة بعد الكرة في مثل هذه المعاني، وله الباع الطويل بتنقيح تلك المباني، من تعدد أقواله في جرائدنا كالمصباح، محمد أفندي عبد الفتاح، لا زالت محبتنا معه طويلة الأمد، وخلتنا ممتدة إلى الأبد.» (6)
عدد 15 / 9 / 1899: نبذة له في مدح صديقه السيد سليمان بن ناصر. (7)
مارس 1902: مقطوعة له في مدح البرنس محمد عبد القادر موقعة هكذا: محمد عبد الفتاح الأزهري. (8)
السنة التاسعة والعشرون: أهدى صنوع أعداد صحيفته لسنة 1905 إليه قائلا: قال أبو نظارة: قد أهديت هذه الأعداد إلى صديقي الوفي الفاضل محمد أفندي عبد الفتاح، وأتحفها بهذه المقالة.
وأرجوك أن تبحث في الملفات الوظيفية ودار الوثائق، مصدراك الأثيران، لعلك تجد له كتبا أخرى لم أعثر بها في مصادري، أو معلومات عنه تضيف إلى ما لدي من معلومات.
كل هذا يتضاءل أمام الإعلان الذي نشرته «الوقائع المصرية» التي تزعم أنك اطلعت عليها - وقد أوردناه سابقا - وأما ما سميته «الفاقرة أو قاصمة الظهر» وهو نص مسرحيته التي في حوزتي، وسأقتبس منها بعض ما جاء في مقدمتها وخاتمتها.
العنوان: «نزهة الأدب في شجاعة العرب» المبهجة للأعين الزكية في حديقة الأزبكية، تأليف محمد عبد الفتاح المصري، أحد تلامذة الأزهر.
من المقدمة (ص2): «وبعد»؛ لما أبصرت جواهر التمدن قد انتظمت في سلك المعالي، وتعاقبها الدر الثمين منثورا على بساط الليالي، وبرزت أهل المعارف في ميدان التصانيف. جال (ص3) جواد فكرهم الصافي في حومة التصانيف، خصوصا صديقنا جمس المعتبر، الذي صنف من أعظم هذا الفن ما يزيد على اثنى عشر. وقد كانت الناس قبله على عدم وجوده في قلق، حتى إنه أظهر همته العالية، وشرع في أعماله، فجاء كما الفلق، وبعد اطلاعي على تلك التصانيف حنيت شوقا اقتفاء طريق آثاره المنيف، وكونت تلك المكينة من تصوراته، ثم عرضتها عليه وعلى من له إلمام بمفرداته وتركيباته، فقر بها نظرهم، ومال نحو ما احتوت عليه قلبهم، فرأيت أن أهديها إلى من هو فوق أعلى الرتب سام، ولأبناء الوطن في كل الأمور مراع ومحام، فلم أر أعظم من ذي الرونق الباهر، صاحب السياسة والفضل الزاهر (ص4) من على جسم الزمان أمير، ولروحه صديق، الوزير الأعظم إسماعيل باشا الصديق، أبهج الله بالتحف أيامه، وأسر بالسرور سيره وهيامه، وأسرنا بحياته البهية، وأعظم السرور عندي قبولها مني بيده السخية؛ لأن افتتاح هذا الفن لما كان بمساعدته، قارن الطالع الأشهر، واختتام هذه النسخة لما كانت لأجله فاح مسكيه فوق عبير الروض الأزهر، والله المستعان وعليه التكلان.
هذه مقدمة كاشفة، نستخلص منها المعلومات التالية: (1)
علاقة المؤلف بصنوع (جمس) كانت علاقة صداقة، يشد من أزرها اهتمامها بالمسرح. (2)
صنوع (جمس) كان رائد هذا الفن في مصر، وقد ألف حتى تاريخ صدور رواية الشيخ محمد عبد الفتاح اثنتي عشرة مسرحية (لعبة). (3)
أهدى المؤلف مسرحيته إلى إسماعيل باشا صديق (إسماعيل باشا المفتش)؛ لأنه كان راعيا لجمعية التياترات العربية التي كان يرأسها صنوع.
نعود إلى المسرحية (ص5) «أسماء أشخاص اللعب» الأمير زيدان، ليلة بنته، الأمير عمران، الشاطر حسن، «سعدة دادة ليلى»، علي من فرسان قبيلة الأمير عمران. (المنظر الأول) (صيوان الأمير زيدان) (ليلى ثم سعدا):
الفجر أهو لاح قوموا يا تجار النوم
عجب تناموا وعيني لم تذوق النوم
نزلت بحر المحبة ما أحسبوشي عوم
غرفت قاتلت جميع الناس تستاهل
عشق الجمالات غندرة اليوم وغير اليوم (اقتباس من الخاتمة)، ص47:
وبحمد من بظريف نعمائه تتم الصالحات، قد استكمل نظم عقد درر هذه المقالات، في سلك تكون من بدائع الحكم البهية، في ظل أيام شملتها شمائل التمدن الزهية، من لطيف نور الخديو المعظم، أسر الله جميع الأنام بحياته وعزه المفخم، وعفا على أمة الإجابة ما جنته من تحف وصفى (لم أفهم معناه)، ما دامت السموات والأرض والمروة والصفا. ومما قد أظهر من محاسن هذه النزهة السامية، طبعها في هذه الأيام النامية. على ذمة مؤلفها في هذا العصر محمد عبد الفتاح المصري بالمطبعة التي قد تزينت بطبع معظم اللغات والفنون، وصارت مركز الأيام تلاحظها العيون. وسميت تأصلا بالتليانية، واشتهرت قديما بالكاستلية، نسبة للخواجة جاكموا كاستلي لا زالت على مدار الأزمان عامرة، وذلك في غرة صفر سنة 1289. انتهى. (1)
أقول: نلاحظ على أسلوب الشيخ شيئا من الركاكة، وهذا ناتج عن خلط بين العامية والفصحى، والألفاظ الدخيلة الدائرة على الألسن آنذاك، محاولا أن يأتي بحوار معبر عن مستوى الشخصيات، وقد قسم مسرحه إلى مناظر - لا فصول - على طريقة صديقه ومعلمه صنوع في لعبه التياترية ومسرحياته التي نشرناها. (2)
المطبعة الكاستلية الهي كانت تطبع صحيفة «أبو نظارة زرقا» في السنة التي صدرت فيها في مصر. (3)
غرة صفر 1289ه / 10 أبريل 1872.
وأنا أعد الآن هذه اللعبة التياترية أو المسرحية للنشر لتقرأها كاملة وتقر عينا.
خاتمة
وفي الختام أشكر للزميل د. سيد علي إسماعيل تفضله بإصدار هذا الكتاب، الذي لولاه ولولا كتابه السابق لما أتيح لي أن أضع الأمور في نصابها، وأن أصحح الوهم الذي كاد البعض أن يظنه حقيقة، وأن أمحو الشك باليقين، مدفوعا بحرصي الأكاديمي متقيدا بمنهج البحث العلمي السليم، فقد غدا الكثير من البحوث التي تصدر في أيامنا هذه، وخاصة عن الجامعيين بلا علم وبلا منهج، ولا أدري من يتحمل هذا الوزر.
كما أشكر الزميل الكريم على تفضله بإهدائي في 5 / 1 / 2001 ستة من كتبه ذات القيمة، قدمها بإهداءات أخجلتني حقا، وهي: «إلى العالم العلامة في مجال المسرح العربي أ. د. محمد يوسف نجم، مع تحياتي، إلى من تتلمذت على يده دون أن أراه، إلى من تمنيت أن أراه، إلى العالم الفذ صاحب الدراسات القيمة العظيمة، التي حفرت اسمه بحروف من النور في مجال المسرح العربي، إلى من دفعتني كتاباته إلى التخصص في مجال التراث المسرحي، إلى مؤرخ المسرح العربي الأول.»
فما عدا مما بدا، ولم انقلب الثناء ذما وهجاء وتجريحا، صريحا ومبطنا، في رده مقالي الذي نشرته في «أخبار الأدب»؟ وعملا بما نشئت عليه، وبما لقنته من شيوخي الكبار، لا يسعني إلا أن أسامحه وأغفر له زلاته، وأسأل الله له الهداية.
همسة أخيرة في أذن زميلي الكريم: ثمة أخطاء نحوية ولغوية ولحن وركاكة في التعبير في كتابيك اللذين قرأتهما، لعلها جميعا مما جنته يد الطابع في المطبعة، وكثيرا ما جنى علينا أصحاب المطابع؛ إذ لا يمكن أن أفترض بأي حال من الأحوال أن أستاذا كبيرا يحمل الدكتوراه في اللغة العربية وآدابها من جامعة عريقة، ويرأس قسم الدراسات الأدبية بكلية دار العلوم بجامعة المنيا، يمكن أن يرتكب مثل هذه الأخطاء، فإذا احتجت إلى قائمة بها لتستدركها في الطبعات التالية، فالرجاء توجيه رسالة إلي على عنواني في الجامعة الأمريكية، بيروت، لأرسلها لك مع الشكر راجيا أن يكون هذا الرد خاتمة هذا الجدل الذي لم يكن بالتي هي أحسن كما علمنا ديننا الحنيف.
د. محمد يوسف نجم
أستاذ شرف الأدب العربي
الجامعة الأميركية، بيروت
إلى د. يوسف نجم: هل كان صنوع يعيش في كوكب آخر؟!1
لم أكن أعلم أن تعقيب د. محمد يوسف نجم - المنشور في جريدة «أخبار الأدب»، عدد 413 - سيكون بهذا الانفعال الشخصي، المغلف بالأقوال العامية، الخالية من أية معلومات مفيدة عن مسرح يعقوب صنوع ... قضيتنا الأساسية! فقد كشف الأستاذ الكبير نفسه عندما بحث ونقب ونبش التاريخ المسرحي كي يجد معلومة واحدة صريحة تنقذ موقفه المحرج دون جدوى! وهذا التصرف منه أكبر دليل على أنه يتعرف على مسرح صنوع لأول مرة! تلك المعرفة، التي كان من الواجب عليه، أن يعلمها منذ نصف قرن مضى، عندما كتب عن مسرح صنوع في رسالته للدكتوراه عام 1954! وكأنه كان ينتظر من يلفت نظره لهذا الأمر عام 2001.
وسعيا للوصول إلى الحقيقة أقول: إنني بنيت كتابي «محاكمة مسرح يعقوب صنوع» الذي صدر عن هيئة الكتاب منذ شهرين - على أساس هذا السؤال البسيط: «هل يستطيع أي إنسان أن يكتب عن مسرح صنوع، وأن يثبت أن نشاطه المسرحي في مصر كان في أعوام 1870-1872، وأنه كون فرقتين مسرحيتين، وكتب 32 مسرحية، وعرض مئات العروض، دون أن يعتمد على صحف ومذكرات صنوع؟» ... لعل القارئ سيتعجب من بساطة السؤال! ولكن عندما يحاول أن يجيب عليه سيندهش من صعوبة الإجابة التي لم تظهر حتى الآن، رغم مرور 131 سنة على افتراض وجودها! وكان الجميع يظنون أن الفارس الهمام د. محمد يوسف نجم يستطيع ذلك، ولكنه للأسف تهرب من اقتحام صلب الموضوع، وتطرق إلى موضوعات جانبية وناقشها ودلل عليها بأسلوب المبتدئين! والآن أبدأ تعقيبي على «جميع» نقاط د. نجم التي جاءت في رده. (1)
يقلل د. نجم من قيمة الوثائق الرسمية الأصلية بالقلعة، قائلا: «أحذرك من التورط في الاعتماد على الملفات الوظيفية في بحوثك العلمية، وأرجوك لفائدتي أن تبحث لي عن الملف الوظيفي لتوفيق الحكيم وتتأكد من سنة مولده، فهو يزعم أنه ولد سنة 1898 ... (ولكنني) ألقيت بحثا أثبت فيه بما لا يدع مجالا للشك أنه ولد سنة 1902. أرجوك أن تراجع ملفه، فقد تتيح لك تلك المراجعة فرصة أخرى للتعريض بي والهزء مني!»
ولكي ألبي رجاء أستاذي، سأجعل ورقة واحدة من ملف الحكيم، تقوم بهذه المهمة، قائلة له: إذا كنت ألقيت بحثا لإثبات سنة ميلاد الحكيم، أضيف لك اليوم والشهر، وبعض المعلومات الأخرى دون اجتهاد أو بحث؛ لأنني وثيقة رسمية أصلية عديمة القيمة: فحسين توفيق الحكيم مولود في 11 / 10 / 1902 من واقع شهادة ميلاده، ويسكن في 19 شارع عدلي باشا، وبدأ كموظف في 29 / 12 / 1929، وقد ترك وظيفته بناء على طلبه في 30 / 5 / 1943 عندما كان مدير قسم الإرشاد الاجتماعي، ومن ثم تقاضى معاشا قدره 15 جنيها شهريا. (2)
اجتهد د. نجم وأثبت أن آخر منصب تقلده أحمد خيري باشا كان «مهردارا» عام 1873. أما أنا فأثبت - من خلال الملف الوظيفي للباشا - أن آخر منصب تقلده كان «رئيس الديوان الخديوي»؛ لذلك يتهمني د. نجم بأنني أتيت بملف لخيري باشا آخر، ويختتم اتهامه قائلا: «ألم يكن حريا وأنت المولع بالوثائق والملفات أن تعود (إليها) لعلك تجد في هذه الوثائق ما تفقأ به عين الحسود؟» ... ومرة أخرى سأترك هذه المهمة لورقة واحدة - عديمة القيمة أيضا - بعنوان «تعريف باسم سعادة أحمد خيري باشا»، مكتوبة بخط يده في 9 / 1 / 1884، وموقعة منه باسمه ووظيفته هكذا: «رئيس ديوان خديوي أحمد خيري»، ومحفوظة في ملفه، جاء فيها بالنص: «عمره من سنة 1245. جنسيت: جركسي الأصل. ابتدا استخدامنا كان بديوان كتخداي من 10 جمادى 1270 وبعدها نقلنا مترجم بقلم تركي محافظة مصر من 20 رجب 1271، وفي شهر طوبة 856 تقلدنا بوظيفة أيكنجي قلم تركي، ورفتنا من المحافظة لغاية 8 أبيب 856 نقلا على تفتيش قبلي، مدة خدامتنا بوظيفة كاتب تركي تفتيش قبلي من ابتدا 9 أبيب 856، مدة خدامتنا بمجلس الأحكام من 3 هاتور 857، مدة خدامتنا بالمعية السنية من بئونة 857، وتقلدنا رياسة قلم تركي ومن ابتدا 24 أمشير 579، وفي أثناء ذلك تقلدنا وظيفة المهردارية من ابتدا سبتمبر 1876، مدة إقامتنا بديوان المعارف العمومية من 28 / 8 / 1882، مدة إقامتنا بنظارة الداخلية من 23 / 5 / 1883، ثم من 12 / 1 / 1884 لحقنا بالمعية السنية.»
والوثيقة تتنازل عن حقها في فقء عين الحسود، وتقول للدكتور نجم: كان من المفروض أن تترك مسألة إثبات وظيفة خيري باشا، وتبحث لنا عن علاقته بصنوع؟! فقد ذكر صنوع أن خيري باشا قام بتقديم مسرحيته الأولى للخديو، وحصل على الإذن بتمثيلها، وأن خيري باشا بعد غلق جمعيتي صنوع توسط له عند الخديو وقبلت الوساطة، وأن خيري باشا عرض على صنوع رشوة من قبل الخديو ليشي بأسماء من يمده بالمعلومات المنشورة في صحفه! فهل استطعت أن تأتي بدليل واحد يثبت رواية واحدة من هذه الروايات؟! (3)
قال د. نجم إن أحمد شفيق باشا في مذكراته قال : «بدأت تفد على مصر بعض الفرق السورية، فكان ذلك منشأ المسرح العربي الأهلي، وأولى هذه الفرق هي فرقة سليم النقاش» ... وإذا عاد القارئ لمقال د. نجم سيلاحظ أن كلمة «العربي» غير موجودة رغم وجودها في الأصل، وفي المحاكمة، وفي ردي الأول! وهذه الكلمة تؤكد أن شفيق باشا يريد أن يقول إن فرقة سليم النقاش كانت بداية نشأة المسرح العربي في مصر، التي تمت على يد سليم النقاش الفنان العربي ... ولم تتم على يد رجل إنجليزي يدعى «جمس»! وربما سقطت كلمة «العربي» - رغم أهميتها الخطيرة في النص - سهوا من أستاذي! لأنه كأستاذ جامعي يعرف جيدا أنه إذا أراد أن يحذف كلمة ما - حتى ولو كانت ضده - أن يضع مكانها ثلاث نقاط! (4)
أشكر د. نجم لأنه - ولأول مرة - يعترف في العلن بأن تاريخ جريدة «الستردي ريفيو» جاء خطأ مطبعيا في كتابه! وبناء على ذلك فليسمح لي أن أتوجه إلى كل من يعيش على فتات ما كتب، قائلا لهم: قوموا الآن بتصحيح ما كتبه د. نجم في كتابه «المسرحية في الأدب العربي الحديث»، ص79، وذلك بوضع عام 1879 بدلا من عام 1876! حيث إن التاريخ الخطأ «1876» المطبوع في هذا الكتاب كان يشير على أن هناك مقالة تتحدث عن مسرح صنوع أثناء وجوده في مصر! أما التاريخ الصحيح «1879» فيثبت أن كاتب هذه المقالة أحد أصدقاء صنوع، ناقلا ما فيها من صحفه أثناء وجود صنوع في فرنسا! وليسمح لي أيضا د. نجم بأن أتوجه بنفس النداء إلى دار النشر التي طبعت هذا الكتاب «16» مرة طوال نصف قرن أن تراعي هذا التصحيح في الطبعة ال «17»! كما أنتظر منك يا أستاذي اعترافا آخر، حتى ولو بالإشارة، بخصوص جريدة «الأزبكية» في كتابك السابق (ص90) التي تحدثت عن مسرح صنوع أيضا، وذكرت اسمه «أبو نظارة» عام 1873، علما بأن هذا الاسم أطلق على صنوع عام 1878 عندما أصدر جريدته «أبو نظارة»! وأرجو ألا تقول إن الجريدة «مكشوف عنها الحجاب»! (5)
جاء في رد د. نجم على سؤال طرحته عليه أقول فيه بالمعنى: لماذا تجاهلت الأقوال التي استندت عليها في كتابي «المحاكمة» من عام 1870-1953، والتي تؤكد ريادة سليم النقاش للمسرح العربي في مصر، دون الإشارة إلى مسرح صنوع؟ فأجاب بتواضع العالم: «يا زميلي العزيز، لو لم أتجاهل كل هذا الغثاء (أي الكلام الفاسد) الذي بني أكثره على الوهم والتذكر والرواية الشفوية؛ لما كنت أول مؤرخ موضوعي علمي منهجي للمسرح العربي، ولما أتيح للكثيرين - ولا أسمي - أن يعيشوا وتنتفخ أوداجهم على فتات ما كتبت»!
وليعلم القارئ أن من أصحاب هذه الكتابات الفاسدة «الغثة»: سليم البستاني، علي فهمي، رفاعة الطهطاوي، أديب إسحاق، جرجي زيدان، بطرس شلفون، محمد تيمور، خليل مطران، د. محمد صبري السربوني، د. طه حسين، د. أحمد ضيف، أحمد أمين، علي الجارم، عبد العزيز البشري، أحمد السكندري، عبد الرحمن الرافعي، أحمد شفيق باشا، قسطندي رزق، محمد لطفي جمعة، د. عبد اللطيف حمزة، عبد الرحمن صدقي، د. محمد غنيمي هلال ... وهكذا يكون التواضع وإلا فلا! (6)
د. نجم يحاول أن يثبت أن صنوع كان مدرسا في المهندسخانة، أما أنا فأثبت في المحاكمة (ص165-169) أنه كان تلميذا بها! ولكن أستاذنا غير مقتنع! لذلك أقول له: باعتبارك دائم التمسك بأقوال صنوع، فأرجو أن تقرأ صحيفة «أبو نظارة» في 26 / 5 / 1899 عندما قال صنوع بنفسه: «دخلت في مبادئ أمري مدرسة المهندسخانة المشهورة، واقتبست من معلميها الفنون والآداب على أجمل صورة ... وعمري خمسة عشر.»
اعتراف صنوع بخط يده كما جاء في صحيفته.
أرجو أن يكون اعتراف صنوع بأنه كان «تلميذا» في المهندسخانة أقنعك الآن! كما أرجو أيضا ألا تلجأ إلى «الظن والتخمين»؛ لأنه من عيوب المنهج العلمي عندما يستخدم في حسم القضايا! وأنت كأستاذ كبير، ما كان يجب عليك أن تقول: «إن الخديو إسماعيل أعاد تنظيم ديوان المعارف وأنشأ مدرسة المهندسخانة في سنة 1866 في العباسية ... أفلا يجوز أن نفترض أن الخديو أو أحد رجال عهده النافذين عينه مدرسا للغات ... في المهندسخانة؟» ... لا تعليق! (7)
لعل القارئ لاحظ أن د. نجم لا يأتي بأدلة على ما يقول إلا من خلال أقوال صنوع! علما بأنني بح صوتي من كثرة التنبيه بعدم الاعتماد على أقوال صنوع المشكوك فيها! وبالرغم من ذلك يقول د. نجم: «أما علاقة صنوع بالأفغاني وهجومهما عليه وعلى صحيفته في جريدة «التجارة»، فقد شرح صنوع ظروف هذا الهجوم وملابساته في صحيفته ... وبين أنه كان بضغط وتدبير من إسماعيل ورجاله»!
وهنا أقول له: كيف يا سيدي تريد منا أن نكذب مقالا منشورا في صحيفة رسمية محترمة، كتبها الشيخان الأفغاني ومحمد عبده، ونصدق ونفضل عليها مقالا كاذبا مضحكا كتبه صنوع ونشره في جريدته الهزأة؟! فهل من المعقول أن عظمة إسماعيل باشا الخديو، بالاشتراك مع رجاله، ضغطوا على الشيخين الأفغاني ومحمد عبده، من أجل ذم صنوع الذي يعيش في فرنسا بمقال صحفي منشور في مصر؟!
أما اهتمامك بمقال الأفغاني المنشور في صحف صنوع، كدليل على علاقتهما، فأقول لك: يا سيدي، لقد أراد صنوع أن يلحق الأفغاني بعار يلازمه للأبد، وهو أنه كان على علاقة به! وإليك الدليل، في العدد رقم 15 من صحيفة صنوع المصرية، في 11 / 5 / 1878، تجد محاورة عنوانها: «محاورة بين إنسان وهرة بقلم أحد فضلاء الإسكندرية»! وإذا نظرت إلى العدد الصادر بباريس رقم 10 في 21 / 10 / 1889 ستجد نفس المحاورة، ولكن بعنوان آخر هو: «المخاطبة بين الإنسان والهرة لأستاذنا الجليل فيلسوف الأفغان»! هل فهمت مقصدي ... أم لا؟! وربما يجول في خاطرك الآن هذا السؤال: ولماذا لا نقول إن الكاتب الأول هو الثاني، طالما الأول مجهول الاسم وكنى نفسه بأحد فضلاء الإسكندرية؟ والإجابة تأتي من خلال هذا السؤال الذي يفرض نفسه: أكان اسم الأفغاني في عام 1878 في مصر أقل شأنا من أن يكتب صراحة داخل صحيفة صنوع؟!
محاورة عام 1878 في مصر.
محاورة عام 1889 في باريس.
جمس الإنجليزي
ذكر المنقب المدقق د. نجم في مقاله الأول ثلاثة أخبار منقولة من جريدة «الجوائب» (التي تصدر في الأستانة لا في مصر)، تتحدث عن رجل مسرحي إنجليزي يدعى «جمس»، كما جاءت في النص المنقول! فقمت بتوضيح عدم علاقة «جمس الإنجليزي» بيعقوب صنوع المصري الذي اشتهر باسم «جمس سنوا»؛ لذلك طالبت أستاذي بالبحث عن نص منشور في مصر به اسم «جمس سنوا» صراحة في فترة 1870-1872! ولكنه للأسف الشديد لم ينجح في إيجاده! وبدلا من الاعتراف بذلك وجدته يحاول إثبات أن صنوع لم يكن يكتب اسمه «جمس سنوا»، بل كان يكتبه «جمس» فقط، قائلا: «اقرأ جميع أعداد صحيفة «أبو نظارة زرقا» التي أصدرها في مصر وفي باريس، تجده يخاطب أو يشير إلى نفسه باسم: مستر جمس، مسيو جمس، سنيور جمس»!
وهنا أقول لأستاذي: إليك هذه النماذج اليسيرة من صحف «جمس سنوا»!
يقول صنوع في صحيفته بتاريخ 22 / 8 / 1878: «رحلة أبي نظارة الولي من مصر القاهرة لباريز الفاخرة بقلم جمس سانووا»، وفي 21 / 3 / 1879، يقول: «صحيفة أسبوعية ... إلخ، مديرها ومحررها الأستاذ جمس سانووا المصري»، وفي عام 1905 توجد مقالة بجريدته عنوانها «الشيخ ج سنوا أبو نظارة وعيده الخمسيني»!
هذه بعض أقوال صنوع عن اسمه ... هل اقتنعت؟! أتريد نموذجا آخر ... إليك صورة بطاقة تعريف صنوع (الكارت)، وهو في باريس، المنشورة في كتاب «المحاكمة» ص129.
ألم تلحظ اسم صنوع المكتوب؟! فقد كتب اسمه هكذا «الشيخ ج سانوا أبو نظارة»! أتريد أن تعرف بماذا كان الناس يخاطبونه ... كانوا يخاطبونه باسم «جمس سنوا»! وإليك الدليل:
عندما أصدر صنوع جريدته المصرية، نشرت له جريدة «الأهرام» في أبريل 1878 خبرا تحت عنوان «جمس سانووا وجريدته»، جاء فيه: «جريدة فكاهات ومضحكات، تظهر بمصر في كل أسبوع مرة، ومديرها ومحررها جمس سانووا.» وعندما مدحه الشاعر فتح الله خياط عام 1905 قال:
واستبشري بسنى يوبيل شاعرنا «سنوا» الذي به عزت دولة الأدب
أكرم بمملكة بالعلم عامرة
حازت بسنوا الفتى ما عز من أرب
ومن الغريب أن د. نجم عندما فشل في ربط العلاقة الاسمية بين «جمس» الإنجليزي وبين «جمس سنوا»، وجدته يحاول إيجاد هذا الربط في علاقة أخرى مستحيلة، عندما حاول أن يثبت أن «جمس الإنجليزي» هو يعقوب صنوع الإنجليزي، ويفسر هذا بقوله عن صنوع: «أما كونه يوصف بأنه إنجليزي، وذلك لأنه كان حماية إنجليزية، وكان المقيمون الذين يعودون إلى أصول غير مصرية أو عثمانية يلجئون إلى القنصليات الأجنبية للانتساب إلى بلادها والحصول على حمايتها ... إلخ.»
وهنا أرد على أستاذي المتيم بأقوال صنوع، قائلا له: ألم تقرأ صحيفة صنوع، عدد 15، في 1 / 7 / 1879، عندما قال فيها: «أنا مصري ابن مصري، وده لي أعظم افتخار؛ لأن نكران الأصل عندي أقبح عار. فإذا والدي المرحوم شقي وتحصل على حماية فدا من شوفه الظلم الحاصل على الرعاية، فله - تعالى - الحمد إني رعية إيطالياني.»
اعتراف صنوع بخط يده بأنه حماية إيطالية.
وهذا اعتراف من صنوع يثبت أنه «مصري ابن مصري» يتمتع بحماية «إيطالية»! فكيف تحاول أن توهمنا بأن أصوله غير مصرية، وأنه حماية «إنجليزية» ... فمن أين لك هذا؟! أو ترى أن هذا التبرير يجعل لك مخرجا؟ ولو افترضت جدلا أن صنوع كان حماية إنجليزية، مكذبا أقواله، مصدقا أقوالك ... أسألك: لماذا لم ينف صنوع أو يسافر إلى إنجلترا حاميته؟ ولماذا سافر أو نفي إلى فرنسا ألد أعداء إنجلترا في ذلك الوقت؟! ولماذا استمر أكثر من عشرين سنة يوجه الشتائم والسباب في صحفه إلى إنجلترا «حاميته»؟!
يا أستاذي الجليل ... أنت تبتعد عن الطريق المستقيم، وتخلط الأوراق؛ لأنك تتحدث عن شخصية إنجليزية مسرحية تدعى «جمس»، كانت موجودة ضمن من عملوا في المسارح المصرية من الأجانب! ألم تعلم أن ملعب البهلوان بالأزبكية كان يديره «رانسي» عام 1869، وكان يقدم عروضا مسرحية، وبخاصة البانتوميم؟ وأن ملعب السيرك بالأزبكية أيضا كان يديره المسيو «دافيد جيليوم» عام 1871، وكان يقدم عروضا مسرحية شعبية؟ حتى مسرح حديقة الأزبكية كان يديره «أنريكو سانتيني» عام 1873؟ وقد استمر الأجانب يديرون المسارح والقاعات - سواء أكانت تقدم العروض العربية أم الأجنبية - طوال القرن التاسع عشر، وحتى ثلاثينيات القرن العشرين! ومن أمثلة المسارح: زيزينيا، لوكسمبرج، البوليتياما، السكاتنج رنج، روستي، لونابرك، الهمبرا، الكورسال، الأبي دي روز، دي باري، الماجستيك. ومن أمثلة القاعات: أستوراري، كولنيانو، سانتي بالأزبكية.
أرجو أن تكون قد اقتنعت بأن كلمة «جيمس» فقط لا تعني أن المقصود هو «يعقوب صنوع» أو «جمس سنوا»! وإلا سأقول لك: هل بلغ يعقوب صنوع إبان نشأته الفنية الشهرة الداوية والصيت المستطير، إلى درجة أنه يعرف بين الناس في مصر باسم واحد فقط وهو «جمس» على نحو ما نعرف من المشاهير الحقيقيين، أصحاب المجد، باسم واحد، مثل قولنا: البحتري، الجاحظ، المتنبي، الطهطاوي، شوقي، العقاد، الحكيم ... إلخ؟!
وهل تخطى صيت «جمس» مصر، ووصل إلى جميع الممالك العثمانية، وبالأخص الأستانة، حتى يذكره مراسل جريدة «الجوائب» باسم «جمس» فقط، على اعتبار أنه «صنوع»! وإذا كان قد بلغ صنوع هذا المجد، وكان فعلا رائد المسرح المصري، فلماذا تلهث وراء الصحف وتنبش بين طيات الكتب لتقتبس كلمة من هنا وكلمة من هناك لتثبت بها هذه الريادة، دون أن تعثر على شيء له قيمة حقيقية ينهي الجدل القائم بيننا؟!
ألا فاعلم أيها الباحث الكبير أن الرائد الحقيقي في أي مجال من المجالات لا يحتاج إلى كد في البحث عن أدلة ريادته! لأنه يكون قد ملأ الدنيا وشغل الناس، والصحف لا تمل من الحديث عنه، والناس لا يملون من ذكره! أما أنا فقد بحثت عن أخبار الرائد المسرحي المزعوم في ميادين وشوارع وحارات وأزقة التاريخ، ولم أقف عليه! فماذا يكون الأمر لو أن «جمس سنوا» كان ممثلا عاديا؟! فهل كنت أضرب الودع لأستدل عليه؟!
الفاقرة ... بين التلفيق والتدقيق!
قال صنوع - وكذلك كل من كتب عنه، وبالأخص د. نجم - إن شيخا أزهريا اسمه محمد عبد الفتاح تأثر بحركة صنوع، وألف مسرحية اسمها «ليلى» ... وتأكد د. نجم بأنه أنهى المعركة، وأخرسني للأبد بفاقرته التي تمثلت في إعلان منشور، ونص مسرحية تصور أنهما لمسرحية «ليلى»، مع أسماء بعض الآثار الأدبية الخاصة بالشيخ محمد عبد الفتاح!
ولكن لثقتي باهتمام د. نجم بالتلفيق، أكثر من اهتمامه بالتدقيق بحثت الأمر، فاتضح لي أن د. نجم خلط بين مسرحيتين لا علاقة لهما بيعقوب صنوع، بل إن مؤلف إحداهما ذكر في مقدمتها اسم «جمس» الإنجليزي لا «جمس سنوا» المصري! كما أنه خلط أيضا بين ثلاثة أسماء لثلاثة رجال، اسم كل منهم «محمد عبد الفتاح»! وقام عامدا متعمدا بإخفاء حقائق ومعلومات علمية للتضليل! وأخيرا تعمد التدخل «بقلمه» في النصوص المنقولة من أجل ضياع الحقيقة! ومن هذا: (1)
حصول د. نجم على إعلان مسرحي، في جريدة «الوقائع المصرية» عام 1872، واتهمني بأنني رأيته وأغفلته! وسأتجاوز عن هذا، وأقول له: ماذا في الإعلان من معلومات تخص صنوع أو مسرحه؟! فالإعلان يتحدث عن بيع مسرحية مطبوعة! ونص الإعلان يقول:
قد ارتقت الأنام في التمدن في زمن سعادة الخديو المعظم حتى بلغت ما لا يبلغه غيرها من الأمم السابقة، ومن جملة التمدن وجود التياترات خصوصا التياترو العربي الجاري مجراه في حديقة الأزبكية. ولما كانت جميع الناس مجدين في تحصيل التمدن شرعنا في طبع لعبة ونشرها على جميع المحبين للوطن لزيادة التمدن، ويكون أخذ النسخ من محل محمد أفندي عبد الفتاح الكائن بالموسكي بحارة الإفرنج بجوار الخواجة كموراه التاجر، وثمن النسخة الواحدة فرنك واحد، واللعبة التي صار طبعها حينئذ تسمى «ليلة» ... إلخ.
ويؤخذ من هذا الإعلان:
أولا:
أن محمد عبد الفتاح، مجرد صاحب محل وبائع كتب، ولا صلة له بالتأليف المسرحي.
ثانيا:
لم يرد في الإعلان أي ذكر لصنوع.
ثالثا:
الإعلان نشر من أجل ترويج نسخ مسرحية «ليلة»، ولم ينص على أنها مثلت أو ستمثل. ولكن د. نجم أراد تأويل نص الإعلان بأكثر مما يحتمل! حيث أراد أن يكون الشيخ محمد عبد الفتاح هو مؤلف مسرحية «ليلى»، والواقع أن محمد عبد الفتاح صاحب محل بالموسكي لبيع نسخ مسرحية «ليلة» المطبوعة! ولعدم منطقية هذا التأويل، أقحم د. نجم نفسه في النص ، فكتب بيده بعد كلمتي «حديقة الأزبكية»، هذه العبارة «أقول: تياترو صنوع أو سنوا أو مستر جمس»! وظن أستاذي أنه بذلك أقنعني وأقنع القراء أن الإعلان يخص مسرح صنوع المزعوم!
ومن الغريب أنه كرر هذا التدخل مرة أخرى عندما كتب بعد كلمة «لعبة»، هذه العبارة: «أقول: الاسم الذي استعمله صنوع للمسرحية»! وذلك ليوهم القارئ بأن صنوع صاحب مصطلح «لعبة» أي «مسرحية»! ولكن إذا قرأ الجزء الخاص بالأزبكية في كتابي «تاريخ المسرح في مصر في القرن ال 19»، سيجد أن أبا السعود أفندي ذكر في مجلة «وادي النيل» كلمة «لعبة» بمعنى «مسرحية» أكثر من ثلاثين مرة، في الفترة من 1869-1871؛ أي قبل إعلانه المكتشف! (2)
اهتم د. نجم بمحمد عبد الفتاح اهتماما كبيرا جدا ... ويا ليته ما اهتم! فقد غمز ولمز وعاب على أنني لم أهتم اهتمامه الدءوب، في البحث في المعاجم والفهارس، عن محمد عبد الفتاح، مثلما فعل! وعندما رجعت إلى ما استند إليه وجدته يخفي معلومات أساسية، وهذه هي الأدلة!
يقول د. نجم بعد اطلاعه على «معجم المطبوعات العربية والمعربة»، إن المعجم ذكر الشيخ محمد عبد الفتاح، وذكر كتابه «تحفة الألباب في مجالس الأحباب» عام 1892، وقد أهداه إلى صديقه جمس سنوا! فالعالم الجليل د. نجم أضاف عبارة: «وقد أهداه إلى صديقه جمس سنوا»، رغم عدم وجودها في المعجم مطلقا! علما بأننا منذ البداية نبحث عن نص منشور في الفترة 1870 به كلمة «سنوا»، فما بالنا وأن د. نجم يحصل على الدليل الدامع وهو اسم «جمس سنوا»؟!
وإليك أيها القارئ المفاجأة التي أخفاها د. نجم! لقد كتب بالفعل الشيخ محمد عبد الفتاح كتابه «تحفة أولي الألباب ...»، وذكر في مقدمته صديقه جمس سنوا، قائلا: «أما بعد، فيقول الراجي من الله الفلاح، محمد عبد الفتاح، المعلم بمدارس الأوروباوية، غفر له الباري ولوالديه كل خطية، لما طلب مني صديقي يقينا وظنا، ورفيقي صنعة وفنا، الخوجة جمس سانو النجيب صاحب المعارف والعلوم خوجة فريد السيادة ... رسالة مختصرة مفيدة بالصواب في ظريف المخاطبات ودقيق الآداب لما أنه شاهد التلامذة لمطالعة أوجز الكتب يألفون ... إلخ.»
والسؤال الآن: لماذا أخفى د. نجم هذا الدليل القوي؟! الإجابة: أن الشيخ محمد عبد الفتاح صاحب هذا الكتاب، هو مدرس اللغة العربية بالمدارس الفرنسية، صديق المدرس (الخوجة) جمس سانو، الذي يعمل معه في مدارس فرنسا! وأنه صاحب الإسهامات المكتوبة في صحف صنوع بباريس، وقد أثبتها في «المحاكمة» ص156-159، وأثبت أن صداقتهما بدأت في فرنسا فقط! والأهم من ذلك أن الكتاب كتب وطبع عام 1892، أثناء وجود صنوع في فرنسا، وهو كتاب لتعليم الطلاب، ولا علاقة له بمسرح صنوع المزعوم في مصر!
وإصرار د. نجم لتجاهل هذه المقدمة راجع أيضا إلى أنه يعلم علم اليقين أن هذا الشيخ يختلف تماما عن محمد عبد الفتاح، صاحب مسرحية «نزهة الأدب»، صديق «جمس» الإنجليزي! ويختلف أيضا عن محمد عبد الفتاح الكتبي، صاحب محل الموسكي! فهل اقتنع القارئ بما فعله د. نجم عندما خلط بين ثلاثة أشخاص، كل منهم يسمى «محمد عبد الفتاح»! أرجو ذلك، وإلا فإليك دليل آخر:
نقل د. نجم معلومات عن محمد عبد الفتاح من «معجم المؤلفين» لعمر رضا كحالة، ومنها أنه مدرس، وصاحب كتاب «تحفة أولي الألباب»، ولكن هناك معلومة مهمة ذكرها المعجم وأخفاها عنا كالعادة د. نجم، وهي تاريخ وفاة محمد عبد الفتاح عام 1888! وهذا التاريخ أكبر دليل يعصف بأقوال نجم من أساسها! فكيف يموت محمد عبد الفتاح في مصر عام 1888، ثم بقدرة قادر يعود إلى الحياة ويعمل مدرسا مع صنوع في فرنسا، ويؤلف كتاب «تحفة أولي الألباب» عام 1892؟! والسر في ذلك أن كحالة أخطأ عندما أتى بكتاب الشيخ محمد المدرس، صديق صنوع في فرنسا، ووضع تاريخا للوفاة لا يخصه، ولكنه يخص محمد عبد الفتاح المصري، طالب الأزهر، صاحب مسرحية «نزهة الأدب»، صديق جمس الإنجليزي! (3) «بين طالب مصر، وشيخ فرنسا»: هناك فرق واضح، كان من المفروض على الممحص المدقق د. نجم أن يعرفه؛ ليميز بين التلميذ صديق جمس الإنجليزي في مصر، وبين الأستاذ صديق جمس سنوا في فرنسا! فصاحب مسرحية «نزهة الأدب»، صديق جمس الإنجليزي يعرف باسم «محمد عبد الفتاح المصري»، وهو طالب بالأزهر! أما صاحب كتاب «تحفة أولي الألباب»، صديق جمس سنوا، فيعرف باسم «الشيخ محمد عبد الفتاح»، وهو مدرس لغة عربية بمدارس فرنسا! وعملا برجاء أستاذي كي أضيف إلى معلوماته أذكر له وصفا مختصرا لكتابين هو في أشد الشوق لرؤيتهما.
الأول:
كتاب مطبوع عام 1876 بالحجر، 164 صفحة، كتب على غلافه: «كتاب السبك واللهج المتضمن لسيرة السيد حزنبل وابنة عمه زلكوتة، وما جرى له في سياحته، للفقير إلى مولاه محمد عبد الفتاح المصري، غفر له المولى ولوالديه ولجميع أمة الإجابة، آمين.» وقال المؤلف في ختام الكتاب: «... حتى أتاهم هادم اللذات ومفرق الجماعات، فسبحان من لا يزول ملكه، ولا يعزل سلطانه، العزيز الذي لا يذل من استعز به، ولا يخيب من دعاه، ولم أسم هذا الكتاب بهذا الاسم إلا قصدا باشتياق كل من سمع اسمه أن يطلع على ما في باطنه ... إلخ.»
غلاف الكتاب الأول.
الثاني:
كتاب مطبوع عام 1880 بالحجر، 36 صفحة، كتب على غلافه: «نجاح السيد غندور وخيابة الأسطى طرطور والصنعة حكمت، للفاضل الأديب محمد عبد الفتاح المصري، عفا الله عنه، آمين.» - لاحظ اختلاف العنوان عند د. نجم - قال المؤلف في بدايته: «كان في غابر الأزمان وسالف الدهر والأحيان شاب من ذوي الحسب والنسب يدعى غندور ... إلخ.»
غلاف الكتاب الثاني.
والشاهد هنا أن صاحب هذين الكتابين هو «محمد عبد الفتاح المصري» - لاحظ كلمة المصري جيدا - وهو أيضا صاحب مسرحية «نزهة الأدب»، التي جاء على غلافها المنشور في رد د. نجم أن اسم صاحبها «محمد عبد الفتاح المصري»، وهو صديق المسرحي «جمس» الإنجليزي!
وأقصد من الاقتباسات السابقة أمرين: الأول أن يلاحظ القارئ أسلوب المؤلف؛ لأنه نفس أسلوب مقدمة وخاتمة مسرحية «نزهة الأدب»، كما جاء في رد د. نجم، والذي وصفه بالركاكة الناتجة عن خلط العامية بالفصحى ... إلخ! أما إذا عاد القارئ إلى الأسلوب الفصيح الراقي في مقدمة كتاب «تحفة أولي الألباب»؛ سيتضح له اختلاف المؤلفين! أما الأمر الآخر، فرجاء للدكتور نجم بأن يتريث قبل نشر أي نص لمحمد عبد الفتاح قبل أن يتأكد هل هو للمصري صديق جمس الإنجليزي، أم هو للشيخ صديق صنوع في فرنسا!
ماذا بقي من أدلة أستاذي الجليل؟ ... للأسف لا شيء! حتى قاصمة الظهر (الفاقرة)، ذهبت أدراج الرياح! فقد حاول بكل وسيلة ممكنة أن يثبت أن الطالب الأزهري محمد عبد الفتاح المصري، صاحب مسرحية «نزهة الأدب»، صديق المسرحي «جمس» الإنجليزي، هو الأستاذ الشيخ محمد عبد الفتاح، مؤلف مسرحية «ليلى»، كما ذكر صنوع في كلماته المقدسة!
ومن طرائف هذه المحاولات أنه وضع بقلمه كلمة «صنوع» ملاصقة لكلمة «جمس» رغم عدم وجود كلمة «صنوع» في النصوص الثابتة التي اعتمد عليها د. نجم! ومن الطرائف أيضا أن مؤلف مسرحية «نزهة الأدب» قال في مقدمتها: «صديقنا جمس المعتبر الذي صنف من أعظم هذا الفن ما يزيد على اثني عشر.» ولعل أستاذنا لا يقر بمصطلحات المجمع اللغوي، عندما عرف كلمة «صنف الكتاب» أي ألفه ورتبه! لأنه أراد أن تعني «مثله وأخرجه على خشبة المسرح، وعرضه على الجمهور»!
لذلك أقول له: التصنيف غير التمثيل، ونحن نبحث عن رائد مسرحي، كتب ومثل وأخرج وعرض على الجمهور ... إلخ، أي قام بالعملية المسرحية في مجملها! ولكني ألتمس له العذر؛ لأنه كان يجهل أن المقدمة تتحدث عن كاتب مسرحي إنجليزي، يدعى «جمس»! وطالما أنه إنجليزي ... لماذا نهتم به؟! ولماذا لم نهتم بغيره من الأجانب ممن كانوا يعملون بالمسرح في مصر، منذ عام 1869، أمثال: رانسي، دافيد جيليوم، أنريكو سانتيني، بند، جوت باياس، أنطون روزاتي، كونيانو ساباتينو ... إلخ.
وآخر طرائف أستاذي قوله عن مطبعة المسرحية: «المطبعة الكاستلية هي التي كانت تطبع صحيفة «أبو نظارة زرقا» في السنة التي صدرت في مصر»! ولا أعلم أين الدليل على مسرح صنوع، عندما نعلم أن مطبعة قامت بطبع مسرحية محمد عبد الفتاح عام 1872، وبعد ذلك بست سنوات طبعت صحيفة صنوع عام 1878!
الخاتمة
وأخيرا أحدد لأستاذي أسلوب الرد العلمي، وذلك بالتماس الإجابة عن هذه الأسئلة، بعيدا عن أقوال صنوع في صحفه ومذكراته: (1)
بدأ صنوع نشاطه المسرحي عام 1870، أتستطيع أن تثبت ذلك بمقالة واحدة صريحة، أو بإعلان واحد صريح، يحمل اسمه المعروف، باعتباره رائد المسرح المصري؟ وأرجو ألا تقول: إن ريادة صنوع للمسرح كانت سرية! (2)
كون صنوع - كما قيل - فرقتين مسرحيتين، من شباب تتراوح أعمارهم بين السادسة عشر والعشرين، ومن بينهم فتاتان ... أتستطيع أن تجد خبرا واحدا عن هاتين الفرقتين؟ وهل تستطيع أن تخبرنا باسم ممثل واحد منهم؟ وهل تستطيع أن تتبع مصير أي فرد من أفراد الفرقتين بعد غلق المسرح وسفر صنوع؟ وأرجو ألا تقول: إنهم قاموا بانتحار جماعي حزنا على صنوع ومسرحه! (3)
قال صنوع: إن مسرحية «الضرتين» عرضها أكثر من «53» مرة في أربعة أشهر فقط! فكم عدد عروض مسرحياته ال «32»؟ وهل تستطيع أن تجد إعلانا واحدا، أو مقالة واحدة، مادحة أو قادحة، لأي عرض من مئات عروضه؟ وأرجو ألا تقول: إن عروض صنوع المسرحية كانت تتم تحت الأرض! (4)
أنت قمت بنشر سبع مسرحيات مخطوطة عام 1963 نسبتها لصنوع، أتستطيع أن تثبت نسبتها إليه؟ وأرجو ألا تقول: إنها كانت مكتوبة بالحبر السري! (5)
أغلق الخديو إسماعيل مسرح صنوع عام 1872، أتستطيع إثبات هذا الأمر السامي الصادر من الخديو بغلق مسرح يؤمه الجمهور؟ وأرجو ألا تقول: إن الغلق كان بالنية؛ لوجود أزمة في الشمع الأحمر!
د. سيد علي إسماعيل
رئيس قسم الدراسات الأدبية
كلية دار العلوم، جامعة المنيا
المصادر والمراجع
إبراهيم حداد، «مأساة ابن تميم» أو «الخليفة الظافر»، مخطوطة.
إبراهيم رمزي، «بنت الإخشيد»، مخطوطة.
أبو السعود الإبياري، «آخر زمن»، مخطوطة.
أبو السعود الإبياري، «بيجامة البيه»، مخطوطة.
أبو السعود الإبياري، «دنيا تجنن»، مخطوطة.
أحمد أبو خليل القباني، «الأمير محمود نجل شاه العجم»، المطبعة العمومية بمصر، 1900.
أحمد جمال الدين، «كف التمساح»، مخطوطة.
إسماعيل عاصم، «صدق الإخاء»، مطبعة الشعب، 1905.
إسماعيل عاصم، «هناء المحبين»، مخطوطة.
إلياس صيداوي، «السر المكتوم في الظالم والمظلوم»، مطبعة التوفيق، 1895.
إلياس فياض، «عواطف البنين» أو «الشهيدة»، مطبعة جرجي غرزوزي، 1909.
أمين صدقي، «الأميرة نورة»، مخطوطة.
أمين صدقي، «جرس الخطر»، مخطوطة.
أمين صدقي، «والله بركة»، مخطوطة.
بديع خيري، «البريمو»، مخطوطة.
بشارة كنعان، «عظة الملوك» أو «الطبيعة والزمن»، مخطوطة .
بشارة كنعان، «عظة الملوك» أو «الطبيعة والزمن»، مطبعة التمدن، 1321هجرية.
توفيق كنعان، «مطامع النساء» أو «كاترين هوار»، مطبعة النيل، د. ت.
جليل البنداري، «راقصات مصر»، كتاب اليوم، عدد 7، 1951.
جورج طنوس، «الشيخ سلامة حجازي وما قيل في تأبينه»، مكتبة المؤيد، 1917.
جورج طنوس، «غرائب الأسرار»، مخطوطة.
حامد الصعيدي، «طيف الخيال»، مخطوطة.
حسن ثابت، «أورلنده ملكة بولونيا»، مخطوطة.
خليل كامل، «ضحية الغواية» أو «شارلوت»، مكتبة التوفيق، د.ت.
خليل كامل، «مظالم الآباء»، مخطوطة. «الدليل المصري لسنة 1917»، مطبعة الشركة الشرقية لنشر الإعلانات بالقاهرة.
د. رمسيس عوض، «توفيق الحكيم الذي لا نعرفه»، دار الشعب، 1973.
زاكي مابرو، «السجين الأخرس»، مخطوطة.
زاكي مابرو، «تسبا» أو «شهيدة الوفاء»، مطبعة جرجي غرزوزي بالإسكندرية، 1906.
زاكي مابرو، «شهداء الوطنية»، مطبعة جرجي غرزوزي بالإسكندرية، 1909.
سعد الدين الشريف، «رئيس التحرير»، مخطوطة.
سليم خليل النقاش، «عائدة»، المطبعة السورية، ط1، 1875.
سليم ميخائيل فرنيني، «العفو القاتل»، مخطوطة.
سمير عوض، «مسرح حديقة الأزبكية»، منشورات المركز القومي للمسرح، 1983.
صلاح الدين كامل، «عباس علام الكاتب المصري»، الدار القومية للطباعة، 1967.
طانيوس عبده، «اللص الشريف»، مطبعة البصير بالإسكندرية، 1901.
عباس حافظ، «شاترتون» أو «شقاء الشاعر» مخطوطة.
عباس علام، «أسرار القصور»، مخطوطة.
عباس علام، «آه يا حرامي»، مخطوطة.
عباس علام، «عبد الرحمن الناصر»، مطبعة الاعتماد، 1933.
عباس علام، «كوثر»، مخطوطة.
عباس علام، «مصارع الشهوات» أو «الشريط الأحمر»، مخطوطة.
عباس علام، «ملاك وشيطان»، مخطوطة.
عبد الحق حامد، «فتح الأندلس»، مطبعة أبي الهول، 1912.
عبد الحليم دلاور المصري، «سارقة الأطفال»، مخطوطة.
عبد سعيد لطفي، «صاحبة الملايين»، مخطوطة.
عزيز عيد، «شهوزاد»، مخطوطة.
د. فؤاد رشيد، «تاريخ المسرح العربي»، كتب للجميع، عدد 149، فبراير 1960.
فرح أنطون، «ابن الشعب»، مطبعة النجاح، د.ت.
فرح أنطون، «البرج الهائل»، المطبعة العثمانية بالإسكندرية، 1899.
فرح أنطون، «السلطان صلاح الدين ومملكة أورشليم»، مجلة «السيدات والرجال»، 1923.
فرقة بديعة مصابني، «صندوق العجائب»، مخطوطة.
فرقة عكاشة، «اللؤلؤة»، مخطوطة.
كامل عبد السلام، «دقة المعلم»، مخطوطة.
ليون جورج خياط، «ماري تيودور ملكة إنجلترا»، مخطوطة.
مارون النقاش، «أبو الحسن المغفل»، مطبعة جرجي غرزوزي بالإسكندرية، 1909.
محمد المغربي، «مغائر الجن»، مطبعة الصدق، د.ت .
محمد تيمور، «الهاوية»، أو «أنا الجاني»، مخطوطة.
محمد تيمور، «حياتنا التمثيلية»، الجزء الثاني، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1973.
محمد شكري، «مجموعة التياترو والسينما، السجل المصري للمسرح والسينما»، الجزء الأول، مطبعة عطايا، 1945.
د. محمد فاضل، «الشيخ سلامة حجازي»، مطبعة الأمة بدمنهور، 1932.
محمد كامل الخلعي، «كتاب الموسيقى الشرقي»، مطبعة التقدم، 1904.
محمد لبيب، «الميت الحي»، مطبعة الإصلاح، 1911.
محمد يونس القاضي، «الدنيا وما فيها»، مخطوطة.
محمد يونس القاضي، «المظلومة»، مخطوطة.
محمد يونس القاضي، «حاجب الظرف»، مخطوطة.
محمد يونس القاضي، «حماتي»، مخطوطة.
محمد يونس القاضي، «كلها يومين»، مخطوطة.
محمد يونس القاضي وسليم نخلة، «كليوباترا ومارك أنطوان»، مخطوطة.
محمود أحمد الحفني، «سيد درويش»، سلسلة أعلام العرب، عدد 7، يولية 1962.
محمود التوني، «حجوج ومجوج»، مخطوطة.
محمود الناصح، «الدنيا بخير»، مخطوطة.
محمود الناصح، «اللي ما يشتري يتفرج»، مخطوطة.
محمود الناصح، «عين الحسود»، مخطوطة.
محمود تيمور، «طلائع المسرح العربي»، مكتبة الآداب، د.ت.
محمود فهمي إبراهيم، «جوز الست»، مخطوطة.
محمود فهمي إبراهيم، «مبروك أفندي المرحوم»، مخطوطة.
محمود واصف، «محاسن الصدف»، مطبوعة، د.ت.
محمود واصف، «هارون الرشيد مع قوت القلوب وخليفة الصياد»، المطبعة العمومية، 1318 هجرية.
مصطفى ممتاز، «المنافقين»، مخطوطة.
مصطفى ممتاز وحسين توفيق الحكيم، «خاتم سليمان»، مخطوطة.
المنصف شرف الدين، «تاريخ المسرح التونسي»، الجزء الأول، مطبعة شركة العمل للنشر والصحافة، تونس 1972.
نجيب الحداد، «إيفيجنيا» أو «الرجاء بعد اليأس»، مخطوطة.
نجيب الحداد، «السيد» أو «غرام وانتقام»، مطبعة التوفيق، د. ت.
نجيب الحداد، «ثارات العرب»، مخطوطة.
نجيب الحداد، «حمدان»، مطبعة التمدن، د.ت.
نجيب الحداد، «شهداء الغرام» أو «روميو وجوليت»، مخطوطة.
نجيب الحداد، «صلاح الدين الأيوبي»، مطبعة المعارف، ط2، 1902.
وزارة الإرشاد القومي: «نقابة المهن التمثيلية، القانون رقم 142 لسنة 1955 وقرار اللائحة الداخلية لنقابة المهن التمثيلية 1956»، دار النيل للطباعة.
يوسف حبيش، «الأفريقية»، مخطوطة.
الدوريات «أبو قردان»، «أبو نضارة»، «أخبار الأدب»، «الإخلاص»، «الأدب والتمثيل»، «الأفكار»، «ألف صنف وصنف»، «الأهالي»، «الأهرام»، «الاتحاد»، «الاستقلال»، «البصير»، «البلاغ المصري»، «البلاغ»، «التمثيل»، «التياترو» المصورة، «الجمهورية»، «الراديو والبعكوكة»، «روز اليوسف»، «روضة البلابل»، «السياسة»، «الشرق»، «الشعب»، «الصباح»، «الصرخة»، «الفنون»، «الكتلة»، «الكمال»، «كوكب الشرق »، «اللطائف» المصورة، «المؤيد»، «المحروسة»، «المسارح»، «مسامرات الجيب»، «المسرح»، «مصر»، «المصور»، «المطرقة»، «المقطم»، «الممثل»، «المنبر»، «الناقد»، «وادي النيل»، «الوطن».
Unknown page