سحرا يقود زمانه ويسوس
هذا فواد من حديد بارد
أبدا وذاك السحر مغناطيس
فهنا ترى في البيت الأخير حقيقة كل ألفاظها طبيعية محضا وأدبية معنى؛ لأن المراد هو عصاوة الميل المعبر عنها بفواد من حديد، والاستعطاف المعبر عنه بسحر من مغناطيس أي حسن البيان، والوجه في هذه الحقيقة هو الشبه الحاصل بين الحديد والقساوة وبين المغناطيس وحسن البيان، على أنه كما أن المغناطيس يجذب الحديد هكذا حسن البيان في التكلم يجذب الخواطر القاسية.
كلام على ما تقدم
إنه لما كانت الحقايق الأدبية مشيدة على التصورات والأوهام، أو على الصواب والاستحسان، أو على الحوادث الاجتماعية والمبادي العرفية، كان جوقها خاضعا لأحكام العقل عليها، وتصرف الزمان بها؛ ولذلك كان أغلبها يتقلب حسب تقلب أهواء البشر، ويتغير حسب تغير الظروف، وينتقل تبعا لتنقل الأزمنة والأجيال. وهكذا فإننا نرى كثيرا من الحقايق الأدبية التي كانت تعتبر قديما كحقايق صحيحة راهنة صارت تعتبر اليوم كخرافات وأراجيف. وكذلك يوجد من هذه الحقايق ما يختلف اعتباره بين البشر اختلاف أجناسهم ونواميسهم وأذواقهم، ومن هذه الحقايق ما يختلف مقامه اختلاف عقول الأفراد بأحكامها، فما يراه الإفرنج صحيحا يراه العرب عليلا، وما يراه الفرس صادقا يراه الغول باطلا، وما يحكم عليه زيد بكونه صوابا يحكم عليه عمرو بكونه خطأ. وهكذا فإننا نرى عددا وافرا من هذه الحقايق الأدبية قد صار سببا لكثير من الحروب بين البشر والفتن والقلاقل والبلابل والاضطهادات حتى ولكثير من الانقلابات والدثار والدمار.
وطالما نرى بين أصحاب الحقايق الطبيعية وأصحاب الحقايق الأدبية نزاعا وقراعا لا يفتران، على أن كلا من الفريقين يكافح ويقارع الآخر بأسلحة حقايقه ليستظهرها ويستنصرها، فهذا يهجم بقوات الطبيعة والهيولى، وذاك يهجم بقوى العقل والصواب، هذا ينقض بأجنحة المشاهدة والمعاينة، وذاك ينقض بأجنحة الاستقراء والاستنتاج. وخاصة حزب الحقايق العدمية، فإن إيقاد نيرانهم ضد حزب الحقايق الوجودية لا يفتر شراره، ولا يخبو أواره، ولا يزالون ساعين في تدمير معاهد الحقايق الوجودية وتهبيط كل مشاداتها لإيجاد المعدوم وإعدام الموجود، وحسبنا شهادة كل التواريخ على ذلك.
بيان
أنا على ما أنا من الخلق
باق على مذهبي وفي طرقي
Unknown page