149

Mashāhīr aʿlām al-Muslimīn

مشاهير أعلام المسلمين

العلامة ابن القيم

ترجمة الإمام ابن القيم -رحمه الله-

نسبه ونسبته:

هو الفقيه، المفتي، الإمام الرباني شيخ الإسلام الثاني أبو عبد الله شمس الدين محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد الزرعي ثم الدمشقي الشهير ب"ابن قيم الجوزية" لا غيره خلافا للكوثري الذي نبزه ب"ابن زفيل" .

ولادته:

ولد -رحمه الله- في السابع من شهر صفر الخير سنة (691ه).

أسرته ونشأته وطلبه للعلم:

نشأ ابن قيم الجوزية في جو علمي في كنف والده الشيخ الصالح قيم الجوزية، وأخذ عنه الفرائض، وذكرت كتب التراجم بعض أفراد أسرته كابن أخيه أبي الفداء عماد الدين إسماعيل بن زين الدين عبد الرحمن الذي اقتنى أكثر مكتبة عمه، وأبناؤه عبد الله وإبراهيم، وكلهم معروف بالعلم وطلبه.

وعرف عن ابن قيم الجوزية -رحمه الله - الرغبة الصادقة الجامحة في طلب العلم، والجلد والتفاني في البحث منذ نعومة أظفاره؛ فقد سمع من الشهاب العابر المتوفى سنة (697ه) فقال -رحمه الله- : "وسمعت عليه عدة أجزاء، ولم يتفق لي قراءة هذا العلم عليه؛ لصغر السن ، واخترام المنية له -رحمه الله- " وبهذا يكون قد بدأ الطلب لسبع سنين مضت من عمره.

رحلاته:

قدم ابن قيم الجوزية -رحمه الله- القاهرة غير مرة ، وناظر ، وذاكر.

وقد أشار إلى ذلك المقريزي فقال : "وقدم القاهرة غير مرة" .

قال: "وذاكرت مرة بعض رؤساء الطب بمصر" .

وقال: "وقد جرت لي مناظرة بمصر مع أكبر من يشير إليه اليهود بالعلم والرياسة"

وزار بيت المقدس، وأعطى فيها دروسا.

قال: "ومثله لي قلته في القدس" .

وكان -رحمه الله- كثير الحج والمجاورة كما ذكر في بعض كتبه . قال ابن رجب: وحج مرات كثيرة، وجاور بمكة، وكان أهل مكة يذكرون عنه من شدة العبادة وكثرة الطواف أمرا يتعجب منه" .

مكتبته:

كان ابن قيم الجوزية -رحمه الله- مغرما بجمع الكتب، وهذا دليل الرغبة الصادقة للعلم بحثا وتصنيفا، وقراءة وإقراء يظهر ذلك في غزارة المادة العلمية في مؤلفاته، والقدرة العجيبة على حشد الأدلة.

وقد وصف تلاميذه -رحمهم الله- مكتبته فأجادوا:

قال ابن رجب: "وكان شديد المحبة للعلم وكتابته ومطالعته وتصنيفه، واقتناء الكتب، واقتنى من الكتب ما لم يحصل لغيره" .

وقال ابن كثير -رحمه الله-: "واقتنى من الكتب ما لم لا يتهيأ لغيره تحصيل عشره من كتب السلف والخلف" .

قلت: ومع هذا كله يقول بتواضع جم: "بحسب بضاعتنا المزجاة من الكتب" .

ورحم الله شيخه شيخ الإسلام ابن تيمية القائل: "فمن نور الله قلبه هداه ما يبلغه من ذلك، ومن أعماه لم تزده كثرة الكتب إلا حيرة وضلالة" .

مشاهير شيوخه:

تلقى ابن قيم الجوزية -رحمه الله- العلم على كثير من المشايخ ، ومنهم:

1- قيم الجوزية والده -رحمه الله-.

2- شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- لازمه ، وتفقه به، وقرأ عليه كثيرا من الكتب ، وبدأت ملازمته له سنة (712ه) حتى توفي شيخ الإسلام سجينا في قلعة دمشق (728ه).

3- المزي -رحمه الله- .

تلاميذه :

1- ابن رجب الحنبلي ، صرح بأنه شيخه، ثم قال: "ولازمت مجالسه قبل موته أزيد من سنة ، وسمعت عليه قصيدته النونية الطويلة في السنة ، وأشياء من تصانيفه وغيرها" .

2- ابن كثير -رحمه الله- قال : "وكنت من أصحب الناس له وأحب الناس إليه"

3- الذهبي -رحمه الله- ترجم لابن القيم الجوزية في "المعجم المختص" بشيوخه

4- ابن عبد الهادي -رحمه الله- ؛ كما قال ابن رجب: "وكان الفضلاء يعظمونه ويتتلمذون له كابن عبد الهادي وغيره" .

5- الفيروزآبادي صاحب "القاموس المحيط" ، كما قال الشوكاني: "ثم ارتحل إلى دمشق فدخلها سنة (755ه) فسمع من التقي السبكي وجماعة زيادة عن مائة كابن القيم" .

علاقته بشيخه ابن تيمية ومنهجه :

بدأت ملازمة ابن قيم الجوزية لشيخ الإسلام ابن تيمية عند قدومه إلى دمشق سنة (712ه) ، واستمرت إلى وفاة الشيخ سنة (728ه) ، وبهذا تكون مدة مرافقة ابن قيم الجوزية لشيخه ستة عشر عاما بقي طيلتها قريبا منه يتلقى عنه علما جما ، وقرأ عليه فنونا كثيرة.

قال الصفدي: "قرأ عليه قطعة من "المحرر" لجده المجد، وقرأ عليه من "المحصول" ، ومن كتاب "الأحكام" للسيف الآمدي، وقرأ عليه قطعة من "الأربعين" و"المحصل" وقرأ عليه كثيرا من تصانيفه" .

وبدأت هذه الملازمة بتوبة ابن قيم الجوزية على يدي شيخه ابن تيمية ؛ كما أشار إلى ذلك بقوله

يا قوم والله العظيم نصيحة ... ... من مشفق وأخ لكم معوان

جربت هذا كله ووقعت في ... ... تلك الشباك وكنت ذا طيران

حتى أتاح لي الإله بفضله ... ... من ليس تجزيه يدي ولساني

فتى أتى من أرض حران فيا ... ... أهلا بمن قد جاء من حران

وكان لهذه الملازمة أثر بالغ في نفس ابن قيم الجوزية ؛ فشارك شيخه في الذب عن المنهج السلفي، وحمل رايته من بعده ، وتحرر من كل تبعية لغير كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- بفهم السلف الصالح.

قال الشوكاني : "وليس له على غير الدليل معول في الغالب، وقد يميل نادرا إلى المذهب الذي نشأ عليه، ولكنه لا يتجاسر على الدفع في وجوه الأدلة بالمحامل الباردة ؛ كما يفعله غيره من المتمذهبين، بل لا بد له من مستند في ذلك ، وغالب أبحاثه الإنصاف والميل مع الدليل حيث مال، وعدم التعويل على القيل والقال، وإذا استوعب الكلام في بحث وطول ذيوله أتى بما لم يأت به غيره، وساق ما ينشرح له صدور الراغبين في أخذ مذاهبهم عن الدليل، وأظنها سرت إليه بركة ملازمته لشيخه ابن تيمية في السراء والضراء والقيام معه في محنه، ومواساته بنفسه، وطول تردده إليه.

وبالجملة فهو أحد من قام بنشر السنة، وجعلها بينه وبين الآراء المحدثة أعظم جنة ، فرحمه الله وجزاه عن المسلمين خيرا .

ومع هذا كله فلم يكن ابن قيم الجوزية -رحمه الله- نسخة من شيخه ابن تيمية، بل كان متفننا في علوم شتى -باتفاق المتقدمين والمتأخرين- تدل على علو كعبه، ورسوخه في العلم.

وكيف يكون ابن قيم الجوزية مرددا لصدى صوت شيخه ابن تيمية -رحمه الله- وهو ينكر التقليد ويحاربه بكل ما أتي من حول وقوة؟!

ثناء العلماء عليه:

قال ابن كثير -رحمه الله- : "سمع الحديث ، واشتغل بالعلم ، وبرع في علوم متعددة ، ولا سيما علم التفسير والحديث الأصلين ، ولما عاد الشيخ تقي الدين ابن تيمية من الديار المصرية في سنة ثنتي عشرة وسبعمائة لازمه إلى أن مات الشيخ، فأخذ عنه علما جما ، مع ما سلف له من الاشتغال؛ فصار فريدا في بابه في فنون كثيرة، مع كثرة الطلب ليلا ونهارا، وكثرة الابتهال ، وكان حسن القراءة والخلق ، وكثير التودد لا يحسد أحدا ولا يؤذيه ، ولا يستغيبه ولا يحقد على أحد ، وكنت أصحب الناس له ، وأحب الناس إليه ، ولا أعرف في هذا العالم في زماننا أكثر عبادة منه، وكانت له طريقة في الصلاة يطيلها جدا ، ويمد ركوعه وسجوده ويلومه كثير من أصحابه في بعض الأحيان ، فلا يرجع ولا ينزع عن ذلك -رحمه الله- ، وله من التصانيف الكبار والصغار شيء كثير ، وكتب بخطه الحسن شيئا كثيرا ، واقتنى من الكتب ما لا يتهيأ لغيره تحصيل عشره من كتب السلف والخلف.

وبالجملة كان قليل النظير في مجموعه وأموره وأحواله ، والغالب عليه الخير والأخلاق الصالحة ، سامحه الله ورحمه" .

قال ابن رجب -رحمه الله- : "وتفقه في المذهب ، وبرع وأفتى ، ولازم الشيخ تقي الدين وأخذ عنه ، وتفنن في علوم الإسلام ، وكان عارفا بالتفسير لا يجارى فيه ، وبأصول الدين ، وإليه فيهما المنتهى ، والحديث معانيه وفقهه ، ودقائق الاستنباط منه ، لا يلحق في ذلك ، وبالفقه وأصوله وبالعربية ، وله فيها اليد الطولى ، وتعلم الكلام والنحو وغير ذلك ، وكان عالما بعلم السلوك ، وكلام أهل التصوف وإشاراتهم ودقائقهم ، له في كل فن من هذه الفنون اليد الطولى.

وكان -رحمه الله- ذا عبادة وتهجد ، وطول صلاة إلى الغاية القصوى ، وتأله ولهج بالذكر ، وشغف بالمحبة ، والإنابة والاستغفار ، والافتقار إلى الله والانكسار له ، والاطراح بين يديه على عتبة عبوديته ، لم أشاهد مثله في ذلك ، ولا رأيت أوسع منه علما ، ولا أعرف بمعاني القرآن والسنة وحقائق الإيمان منه، وليس هو المعصوم، ولكن لم أر في معناه مثله " .

وقال ابن ناصر الدين الدمشقي -رحمه الله- : "وكان ذا فنون في العلوم ، وخاصة التفسير والأصول في المنطوق والمفهوم" .

وقال السيوطي -رحمه الله- : "قد صنف ، وناظر ، واجتهد ، وصار من الأئمة الكبار في التفسير والحديث ، والفروع ، والأصلين ، والعربية" .

مؤلفاته :

ضرب ابن قيم الجوزية بحظ وافر في علوم شتى يظهر هذا الأمر جليا لمن استقصى كتبه التي كانت للمتقين إماما، وأفاد منها الموافق والمخالف.

قال ابن حجر -رحمه الله- ، "ولو لم يكن للشيخ تقي الدين من المناقب إلا تلميذه الشهير الشيخ شمس الدين ابن قيم الجوزية صاحب التصانيف النافعة السائرة التي انتفع بها الموافق والمخالف لكان غاية في الدلالة على عظم منزلته" .

وإليك أشهرها مرتبة على حروف المعجم:

1- اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطلة والجهمية.

2- أحكام أهل الذمة.

3- إعلام الموقعين عن رب العالمين.

4- إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان.

5- بدائع الفوائد.

6- تحفة المودود في أحكام المولود.

7- تهذيب مختصر سنن أبي داود.

8- الجواب الكافي، وهو المسمى "الداء والدواء".

9- جلاء الأفهام في الصلاة والسلام على محمد -صلى الله عليه وسلم- خير الأنام.

10- حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح.

11- حكم تارك الصلاة.

12- "الرسالة التبوكية "وهو الذي بين يديك.

13- روضة المحبين ونزهة المشتاقين.

14- الروح.

15- زاد المعاد في هدي خير العباد.

16- شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل.

17- الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة.

18- طريق الهجرتين وباب السعادتين.

19- الطرق الحكمية في السياسة الشرعية.

20- عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين، وقد انتهيت من تحقيقه بحمد الله وفضله على نسختين خطيتين.

21- الفروسية.

22- الفوائد.

23- الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية ، وهي "القصيدة النونية".

24- الكلام على مسألة السماع.

25- مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين.

26- مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية أهل العلم والإرادة.

27- المنار المنيف في الصحيح والضعيف.

28- هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى.

29- الوابل الصيب في الكلم الطيب.

محنة وثبات :

حبس مع شيخه ابن تيمية في المرة الأخيرة في القلعة منفردا عنه بعد أن أهين وطيف به على جمل مضروبا بالدرة سنة (726ه) ، ولم يفرج عنه إلا بعد موت شيخه سنة (728ه) .

وحبس مرة لإنكاره شد الرحال إلى قبر الخليل.

قال ابن رجب -رحمه الله- : "وقد امتحن وأوذي مرات" .

وفاته :

توفي -رحمه الله- ليلة الخميس ثالث عشرين من رجب الفرد سنة (751ه) ، ودفن بدمشق بمقبرة الباب الصغير -رحمه الله- وأسكنه الفردوس الأعلى ، وجمعنا وإياه في عليين مع النبيين ، والصديقين ، والشهداء ، والصالحين ، وحسن أولئك رفيقا.

مصادر ترجمته:

1- "أبجد العلوم" ، صديق حسن خان ، (3 / 138).

2- "البداية والنهاية" ، ابن كثير ، (14 / 234).

3- "البدر الطالع" ، الشوكاني ، (2 / 143).

4- "بغية الوعاة" ، للسيوطي ، (1 / 62).

5- "التاج المكلل" ، صديق حسن خان ، (ص416).

6- "الدرر الكامنة" ، ابن حجر ، (4 / 21-23).

7- "ذيل طبقات الحنابلة" ، ابن رجب ، (2 / 447).

8- "ذيل العبر في خبر من عبر" ، (5 / 282).

9- "الرد الوافر" ابن ناصر الدين الدمشقي (ص68).

10- "شذرات الذهب" ، ابن العماد ، (6 / 168).

11- "طبقات المفسرين" ، للداوودي ، (2 / 93).

12- "الفتح المبين في طبقات الأصوليين" ، المراغي ، (2 / 76).

وقد صنفت كتب مفردة مثل:

1- "ابن قيم الجوزية" ، محمد مسلم الغنيمي.

2- "ابن قيم الجوزية حياته وآثاره" ، بكر بن عبد الله أبو زيد.

3- "ابن قيم الجوزية وموقفه من التفكير الإسلامي" ، عوض الله حجازي.

4- "ابن القيم وآثاره العلمية" ، أحمد ماهر البقري.

5- "ابن القيم اللغوي" ، أحمد ماهر البقري.

6- "ابن قيم الجوزية عصره ومنهجه" ، عبد العظيم عبد السلام.

http://www.taimiah.org/Targem.aspx?id=9

Page 149