Mashahid Mamalik

Idwar Ilyas d. 1341 AH
80

Mashahid Mamalik

مشاهد الممالك

Genres

ويكثر الضباب في لندن حتى إنهم يضطرون إلى إنارة الطرق والمخازن بالأنوار الكهربائية وغيرها في وسط النهر أحيانا، وجوها قاتم في أكثر أيام السنة حتى إن المرء لا يرى أمامه إلا مسافة قريبة، ومنازلها معروفة بالسواد من الخارج بسبب هذا القتام المولد عن كثرة مداخنها، والمقادير الكبرى التي تحرق فيها من الفحم كل يوم، ففيها أكثر من 600 ألف منزل ونحو 15 ألف معمل، ويتطاير منها الدخان في كل آن.

ومن أهم مشاهد لندن موانيها الكبرى على ضفاف نهر التمز، إذا زارها المرء رأى العجب وتحقق أن تجارة الإنكليز تصل كل صقع بعيد، وأن مملكتهم لا تغيب الشمس عنها وسمع من الضجة وشهد من الجد في العمل وكثرة السفن والعمال والأبضعة ما يحير العقول ويبهر الأنظار، فإن طول المينا أربعة أميال يدخل كل عام ما يزيد عن سبعة وعشرين ألف سفينة محمولها ستة عشر مليونا ونصف طونولاتة، وتبلغ قيمة صادرات هذه المملكة حوالي 550 مليون جنيه حسب إحصاء سنة 1908، ويمكن لثلاثمائة سفينة بصنادلها أن ترسو في هذا الميناء العظيم، وهناك الأرصفة التابعة للمينا أهمها رصيف كاترينا صرف عليه ثلاثة ملايين جنيه، مساحته نحو مائة فدان، ورصيف التجارة يشغل 350 فدانا ورصيف الهند يشغل، أيضا 350 فدانا ورصيف فكتوريا 500 فدان، ويدخل إلى هذه الأرصفة أربعون قطارا من قطارات السكة الحديدية في كل يوم، وهناك مخازن للبضائع أهمها محل مساحته 30 فدانا للبهائم يضم ثلاثمائة وخمسين ألف رأس من البقر والضأن، والذي يتأمل تلك العربات التي لا تحصى ذاهبة آيبة لنقل البضائع وهاتيك الألوف من العمال تشتغل بلا انقطاع؛ يعلم أنه في مقر الحركة الكبرى ومركز تجارة الأرض بلا خلاف.

ضواحي لندن

إن ضواحي لندن كثيرة العدد متنوعة المناظر يسهل الوصول إليها من كل جهات المدينة، ولما كان وصف هذه الضواحي التي جعلها أواسط الإنكليز وأكابرهم محل إقامتهم لا يختلف كثيرا عن وصف ضواحي العواصم الأخرى، فقد رأيت أن أكتفي منها بما يجيء:

حديقة ريجنت:

هي أكبر حدائق لندن، تبلغ مساحتها 472 فدانا من الأرض، وفيها قسم للحيوانات على شكل حديقة الجيزة من ضواحي مصر، ولكن معرض الحيوانات في حديقة ريجنت هذه من أكبر معارض الحيوان في ديار الغربيين، فيه أكثر من 2500 حيوان، وقد يزيد عددها أو يقل حسب الأحوال، كما أن عدد المتفرجين عليها يختلف باختلاف الأوقات، وأكثر ما يكون توارد المتفرجين إلى هذه الحديقة في ساعات العصر حين تخرج هذه الوحوش من مكامنها، وتشم رائحة اللحم فتأتي حركات تروق للناظرين. ولصغار الإنكليز ولع بهذه الحديقة، فهم ينتابونها ألوفا مؤلفة، وتلذ لهم فيها مشاهدة القردة على أنواعها وتأمل حركاتها وأمورها، وربما قضى الزائر ساعات متواليات في هذه الحديقة يدور من مشهد إلى مشهد، ويتأمل غرائب المخلوقات المتعددة حتى إذا شعر بملال أو تعب جلس إلى أحد المقاعد المنثورة في جوانب الحديقة بين شهي الأغراس وبهي الأزهار أو انتاب قهوة يسمع فيها شجي الألحان، وإذا جاع أو عطش فلديه مطعم فيه من كل فاكهة زوجان، ومن الأطعمة ما يشاء من الأطباق والألوان.

وفي هذه الحديقة أقسام أخرى بعضها لأنواع الطير، وقد لا تقل الطيور المختلفة في أقفاصها عن 1500 طير، جمعوها من سحيق الأصقاع ونائي القارات، فمنظرها غاية المتفرجين، وفيها أيضا قسم للزحافات، مثل الحيات وسواها جاءوا بها من الهند وأميركا وجاوة وإفريقيا، وهي داخل بيوت من الزجاج لبعضها شكل يخيف القلوب، ولكن هذه المخلوقات على الجملة تشرح الصدور بمنظرها وحركاتها، وتعد حديقة ريجنت من أحسن مثابات لندن وأنفعها في جميع الأوقات.

قصر البلور:

هو بناء من الزجاج والحديد شادته شركة إنكليزية في قسم سدنم من ضواحي لندن سنة 1854 برأي المرحوم البرنس ألبرت والد ملك إنكلترا الحالي؛ ليكون معرضا عموميا لمصنوعات الأمم جمعاء، وقد نقلت باريس وغيرها هذا الفكر عن لندن فأقامت المعارض العمومية المشهورة، وما زالت ترجع إليها من حين إلى حين، أنفقوا على هذا البناء يوم إنشائه مليوني جنيه، وجعلوا له فناء طوله 1608 أقدام، وفيه محل للموسيقى بلا سقف يمكن أن يقعد فيه 4000 نفس، وقاعة عظيمة واسعة تضم نحو 20 ألفا، وحدائق ومناظر تعد من حسنات العاصمة الإنكليزية، فالناس يقصدون هذا القصر وحديقته ويكثر عديدهم في الأعياد والآحاد حين تزداد المشاهد ومشوقات النفس إلى الحضور، وتطلق في الليل ألعاب نارية مختلفة الرسوم والألوان، فتلذ الفرجة لجمهور المتفرجين. وأما حديقة هذا القصر التي ذكرناها فلا تقل مساحتها عن 200 فدان، فيها كل ما يفتن الأبصار من الأعشاب والأزهار وبرك الماء وممهد الطرق وبقية الحسنات المعهودة في مثل هذا المتنزه الكبير. وفي هذا القصر تماثيل بديعة منقولة عن صنعة القدماء، ومعرض لبعض الآثار والأسلحة القديمة، وأسواق صغرى تباع بها النفائس من أحسن معامل الإنكليز.

رتشمند:

Unknown page