وظل آل بورغونيا حاكمين في بلاد البورتوغال من سنة 1139 مسيحية إلى 1385، وكانوا في تلك المدة أكبر أعداء العرب، حاربوهم في عدة مواقع مشهورة وردوا غاراتهم المتوالية، ثم أضافوا إلى مملكتهم شرقا وغربا حتى أوصلوها إلى حدود البورتوغال، وتقدمت تقدما عظيما ولا سيما في المتاجر والأسفار البعيدة، ولم يقم بين أمم أوروبا بعد أمة صغيرة مثل الأمة البورتوغالية، لها فضل على العالم المتمدن بما فعل رجالها من السفر إلى أبعد الأقطار واكتشاف الممالك العظيمة والمجاهل العديدة في أفريقيا وآسيا والبحر المحيط؛ فإن الأوروبيين كانوا يعتقدون أن المنطقة الحارة من أفريقيا لا يسكنها البشر من بعد الدرجة 39 شمالا، فلما نهض البورتوغاليون في أيام الملك يوحنا في بدء القرن الخامس عشر، دارت سفنهم في البحار تحت قيادة الأمير هنري ابن الملك المذكور؛ فاكتشفت شطوط أفريقيا الشرقية وجزيرة مديرا التي يصدر منها الخمر المعروف باسمها، وهي كثيرة الشهرة، وكان البرنس هنري هذا أول من زرع الكرم القبرسي فيها وعمرها بقومه البورتوغاليين، وتلا هذا الأمير كثار من أهل الإقدام ودخلوا بلاد جينيا المشهورة بتبرها والعاج، وتجاوزوا حدود الأولين، حتى قام المستكشف المشهور فاسكو دي جاما سنة 1497 ووصل بسفائنه رأس الرجاء الصالح، وهو الذي أطلق عليه هذا الاسم، ثم دار من حوله وزار بعض شطوط أفريقيا الشرقية وخليج فارس، وسار من هنالك إلى بلاد الهند فوصل مدينة كلكتا، فكان هو أول أوروبي رأى تلك الديار، ولما عاد إلى بلاده ومعه من الهند وأفريقيا وشطوط العرب والعجم دلائل الغنى والحاصلات الثمينة، اندفع البورتوغاليون إلى الاكتشاف والاستعمار اندفاعا لا مثيل له، وملكوا قسم ملابار من بلاد الهند، وجعلوا مدينة جوا قاعدة أملاكهم الهندية، ثم توسعوا في ذلك فملكوا جزيرة سيلان وبعض سيام وملقا وتقدموا إلى الصين، وكان أهل أوروبا لا يعرفون عنها شيئا إلى ذلك الحين لولا حكاية رجل من أهل البندقية اسمه ماركو بولو، وصل في أسفاره إليها وروى عنها بعض الغرائب، فأسس البورتوغاليون مستعمرة في ماكاو ببلاد الصين، ومنها وصلوا اليابان، وكانوا أول أمة أوروبية خالطت هذه البلاد الشرقية العظيمة ونقلت منها وإليها المتاجر، ونالت الامتيازات التي جمعت من ورائها مالا كثيرا.
ذلك زمان العز ما رأت بلاد البورتوغال مثله؛ فإنها بعد أن تمتعت به وكانت تعد أولى الدول الأوروبية زاحمها الهولانديون وكسروا شوكتها بتغلبهم على سفنها في البحر واغتصاب الكثير من أملاكها، ثم تقدم عليها ملوك إسبانيا وضموها إلى مملكتهم فضاع مجد هذه الأمة من بعد ذلك العز، وظلت البورتوغال خاضعة لملوك إسبانيا إلى سنة 1640 حين قام أمير براغانسا وأعاد الاستقلال للبلاد وصار ملكا عليها ومؤسس دولة براغانسا المشهورة، وكان له وزير عاقل اسمه بومبال ساعده على إنماء ثروة البلاد وإرجاع أملاكها القديمة، فأعيدت برازيل في أميركا الجنوبية والمستعمرات الأفريقية إلى حوزة البورتوغال في أيامه.
مانويل ملك البورتوغال.
وتوالى الملوك من آل براغانسا بعد ذلك فلم يحدث ما يستحق الذكر في أيامهم حتى أوائل هذا القرن حين قام نابوليون الكبير، واشترط على البلاد أن تجافي إنكلترا وتمتنع عن قبول البضائع من التجار الإنكليز، وكان ذلك بعض سياسته في قهر إنكلترا وإخضاعها فأبى ملك البورتوغال أن يجيب هذه المطالب؛ ولذلك أرسل عليه نابوليون جيشا جرارا تحت قيادة المارشال جونو لم يقو على رده؛ فاضطر إلى الفرار مع عائلته ونجا إلى بلاد برازيل، وهي يومئذ من أملاك البورتوغال، ولكن الجيش الفرنسوي لم يملك هذه البلاد طويلا، فإن إنكلترا أرسلت وراءه جيشا تحت قيادة ولنتون القائد المشهور انتصر على الفرنسويين وطردهم من البلاد وألف جيشا وطنيا ضباطه إنكليز، حتى إذا جاءت سنة 1821 عاد الملك يوحنا واستلم مهام الملك في بلاده على حين كثرت متاعبها والقلاقل، وانتهزت بلاد برازيل هذه الفرصة فنادت بالاستقلال، وأقامت الأمير بدرو ابن الملك يوحنا المذكور إمبراطورا عليها، وظلت على ذلك إلى عهد قريب حين صارت جمهورية مثل كل دول أميركا الشمالية والجنوبية، وعند وفاة الملك يوحنا استدعي ابنه إمبراطور البرازيل للملك على البورتوغال؛ فآثر البقاء في مملكته الجديدة، ونصب ابنته الدونا ماريا ملكة، ومن ذلك الحين كثرت القلاقل في المملكة ووقفت حركة الأعمال، ولكن المستعمرات التي بقيت في حوزتها لم تضع منها وهي باقية لها إلى الآن، بعضها في الهند - وهو لا يذكر - والبعض في أفريقيا الجنوبية عند أملاك الإنكليز.
ولما مات الملك بدرو الخامس سنة 1861 كانت المملكة قد عادت إلى حالها الأول من حيث الهدوء وانتظام الأعمال وعقدت محالفة مع إنكلترا جعلت النفوذ الإنكليزي في لسبون وتوابعها فوق كل نفوذ وخلف بدرو ابنه لويس الأول في السنة المذكورة، وكان رجلا حازما عاقلا كثير الميل إلى الخير والإصلاح فوطد أركان دولته، وعرض عليه تاج إسبانيا فرفضه؛ لما يعلم من تقلب الإسبانيين وكثرة الثورات في بلادهم. ومات الملك لويس سنة 1889، فخلفه ابنه كارلوس الأول اقترن بكريمة الكونت دي باري وارث ملوك فرنسا القدماء، وهي الملكة إملي المشهورة بالمحاسن والفضائل فرزق الملك منها ولدين، أصغرهما هو الملك مانويل الحالي والكبير قتل مع أبيه في حادثة لسبون الشهيرة، وتفصيلها كما سيجيء: كان الملك والملكة وولداهما راجعين من نزهة في يوم 2 فبراير من سنة 1908، فلما بلغت بهما العربة ميدانا يعرف باسم ساحة التجارة، تقدم أحد الواقفين وجعل يعدو وراء العربة الملوكية ويطلق الرصاص عليها، فأصاب الملك برصاصتين أودت إحداهما به في الحال، وعند ذلك هبت الملكة إملي وصاحت صيحة عظيمة ورمت القاتل بباقة من الزهر كانت في يدها، ووقفت أمام أولادها؛ لأن الرجل كان مصرا على قتلهم جميعا لولا أن بادره أحد الجنود بضربة من سيفه قضت عليه في الحال، وعند ذلك تقدم رجل آخر وتبع العربة برصاصه وساعده في ذلك كثيرون من الذين كانوا واقفين هنالك بالمرصاد لهذه الغاية؛ فأصيب ولي العهد أيضا برصاصات قاتلة، وأصيب أخوه الأصغر بجراح غير خطرة، ولولا تكاثر الحراس لقتلت عائلة الملك كارلوس عن آخرها، ثم نقل الجرحى في الحال إلى الترسانة وهي أقرب موضع يمكن التداوي به من مكان الحادثة، ولكن الملك مات قبل وصوله وولي العهد بقي نحو ساعتين في حالة النزع ثم مات أيضا، والملكة بين الاثنين في حالة من الحزن تفتت الأكباد ويعسر وصفها على الكاتبين، وعقد في الغد مجلس النظار فنودي بالملك مانويل بعد أعمال إدارية وحكمة لولاها لانقلبت الحكومة وضاع الملك من آل براغانسا؛ لأن حزب الجمهورية قوي في بلاد البورتوغال، وكان لحادثة لسبون هذه تأثير شديد جدا في سائر الأقطار، وكان حزن الملوك والكبراء وعامة الناس على كارلوس وابنه بالغا وعطفهم على الملك الحالي ووالدته عظيما إلى النهاية، وكان سن الملك مانويل يوم ورث أباه 19 سنة، وهو يعد بالغا سن الرشد في قانون البورتوغال.
لسبون
هي عاصمة البورتوغال، واسمها عند العرب لشبونة، جئتها من بلاد فرنسا على ما علمت في فصل تقدم، هذا وكان سفري في باخرة كبيرة من بواخر الأتلانتيك تمر على شطوط البورتوغال وتذهب منها إلى عكره، وهي أسكلة السنغال، وإلى جهات أميركا مثل المكسيك والبرازيل وغيرها، وكان في الباخرة ركاب كثيرون، أهمهم سفير دولة فرنسا في لسبون عائدا إلى مركزه. ووصلنا في اليوم التالي خليج بسكي المشهور بأمواجه واضطراب مياهه، وهو شديد الخطر على السفن والبواخر غرقت فيه السفن مرارا، ولكنه كان يوم وصولنا على ما يرام من الهدوء والسكينة، وقد ملأت جوانبه سفن شتى، هذه ذاهبة وهذه آيبة ما بين جوانب أوروبا وآسيا وأميركا وأفريقيا، فهو يقرب في ذلك من ترعة السويس التي لا تخلو من باخرة أو عدة بواخر تمر منها في كل حين. ولما جاء اليوم الثالث على سفرنا أطلت باخرتنا على جبال البورتوغال، وما زلنا نتقدم حتى صارت عاصمة البلاد على مرأى منا ودخلنا جونا من البحر ما بين سلسلتي جبال ظللنا نسير فيه ثلاث ساعات حتى انتهينا إلى المدينة، فذكرنا ذلك بمنظر البوسفور وضفافه.
والذي يصل لسبون من ناحية البحر يظنها لأول وهلة من المدائن الشرقية؛ لأن أكثر ما فيها من البناء مطلي باللون الأبيض في ظاهره على ما نرى في بلاد الشرق، وهي متوالية الارتفاع من سطح البحر إلى تلك الجبال المجاورة لها، فكأنما أرضها طبقات شيدت فيها المنازل بعضها فوق بعض، وهي في هذا تشبه مدينة بيروت بعض الشبه، والمدينة واقعة على نهر تاجوس أو التاج كما سماه العرب، يبلغ سكانها أربعمائة ألف نفس وتعرف في كتب العرب باسم لشبونة، وهي قديمة العهد وصل إليها تجار صيدا وصور في أسفارهم الغربية، وأطلقوا عليها اسم أليس أو بواي الخليج اللطيف، وحرف الاسم بعد هذا فصار لسبون كما ترى، وتاريخها مرتبط بتاريخ البلاد العام الذي تقدم ذكره، فهي رأت أحسن أيام العز في القرن الخامس عشر والسادس عشر، ولكنها تهدمت مرارا بفعل الزلازل ولم تزل آثار الزلزال العظيم في سنة 1755 باقية فيها، ولم يقل عدد القتلى عن أربعين ألفا في تلك المصيبة.
وقد تم هذا والناس في الكنائس في يوم عيد، هذا غير الذين كانوا في الأديرة والسجون والمستشفيات وغيرها من المواضع العمومية، حيث احتشد الناس ونكبوا ألوفا، وكان من زيادة البلوى أن بعض الفارين من الزلزال لجئوا إلى شاطئ البحر فثارت موجة شديدة علوها 40 قدما، وتقدمت على هؤلاء المساكين فأغرقت منهم عددا كبيرا، ثم إن الحرائق توالت بعد تلك الزلزلة على المدينة، فدمرت كثيرا مما سلم وعممت البلوى فرأت لسبون في تلك المدة هولا لم تره من قبل، وهم إلى الآن يذكرون هذه المصائب وما كان من اجتهاد الملك ووزيره بومبال في تخفيف المصاب والتعويض على الأهالي عن بعض ما فقدوا، وكان الملك يومئذ في الضواحي مع وزيره المذكور فلما بلغه الأمر استشار الوزير في ماذا يفعل، فقال له بومبال أن يا مولاي لندفن الموتى أولا ثم نعيد بناء المدينة. بعد وصولي بيوم واحد أخذت رجلا من القوم يدلني إلى ما فيها وسرت في أول الأمر إلى ميدان التجارة أقيم فيه تمثال الملك يوسف الأول، وهو مستدير الشكل يشرف من أحد جوانبه على البحر، وقد أقيمت في الجوانب الأخرى منه أهم الأبنية والمصالح الأميرية في هذه العاصمة، مثل الوزارات والبريد والبورصة والجمرك والتلغراف وإدارة بواخر الهند والمحاكم وغير هذا، وكلها أبنية ليست على شيء خاص من الفخامة والجمال، ولكنها ليست حقيرة، فهي لا تستحق الإطالة في الوصف لا سيما وأن داخلها جعل على نسق غيرها من الإدارات الأوروبية، وقد تقدم لنا وصفها عند الكتابة عن الممالك الأخرى، ويتفرع من هذا الميدان شارعان هما أهم ما في المدينة من الشوارع، أولهما إلى اليمين اسمه شارع أوجستا سمي باسم إحدى ملكات البورتوغال، وفي أوله قبة نصر نصب من فوقها تمثال الوزير بومبال الذي مر ذكره، وثانيهما شارع الذهب، ويلاصق هذين الشارعين ميدان يعرف باسم بدرو الرابع أحد ملوك البلاد، فيه تمثال هذا الملك، ومن حوله المخازن في أعلاها دور للسكن وفي آخر هذا الميدان الفندق الذي نزلت فيه ومنه يبتدئ ميدان أفنيدا، وهو أجمل فسحات لسبون برمتها وأوسعها مجالا، فيه من غرس وشجر شيء يستحق الذكر والإعجاب، والناس ينتابونه للتنزه في طرقاته المبلطة بالأسمنت، وجوانبه المزينة بالزهر والخضرة، وقد يجتمعون هنالك في بعض الأحيان فترى نخبة أهل الطبقة الوسطى والعليا في هذا الميدان، وقد نظمت طرق هذا الميدان للناس والعربات تنظيما لطيفا، وأقيم في طرفه نصب تذكارا لاستقلال البورتوغال وانفصالها عن إسبانيا في سنة 1640. وقد وجد هذا الميدان ما بين جبلين، أحدهما إلى يمينه والثاني إلى يساره ومنظره يزيد بذلك رونقا وجمالا، والناس يصعدون تلك الجبال من هذا الميدان، إما في الترامواي البخاري بأجرة قليلة أو في آلات رافعة (أسنسور) تحاكي التي يستعملونها للصعود والنزول، وهي كثيرة هنالك وأجرة استعمالها قليلة لا تذكر، فلما رأيت القوم يفعلون ذلك ارتقيت الجبل الأيسر في الترامواي البخاري، ورأيت في أعلاه حديقة عمومية جميلة عني القوم بغرس ما فيها وتنسيقه، واستجلبوا لها غريب الزهر والنبات من أقاصي برازيل والهند ومنظرها يستحق الذكر، وهنالك أشجار من النخل عظيمة الساق لم أر في القطر المصري على شاكلتها في الغلظ، ولكن النخل الذي يزيد عنها في الطول هنا كثير وأشجار برازيلية لا ورق لها، وكلها أغصان دقيقة تتدلى وتشتبك بعضها ببعض، وقد كونوا من بعض الأغصان خيمة يجلس تحتها المتفرجون ومنظرها جميل، هذا أهم ما في الجبل الأيسر لما فرغت من مشاهدته هبطت الوادي إلى ذلك الميدان، ثم ارتقيت القمة اليمنى في الترامواي البخاري أيضا، وأشرفت منها على قرى عديدة ومزارع كثيرة وبعض الضياع والعمائر والمروج زرعت زرعا جميلا، ومنظرها من أحسن ما يراه السائح في هذه العاصمة.
ومن أهم ما يذكر في هذه المدينة قصور الملك وأفراد عائلته الكريمة، قصدت منها قصر نسسدادس الذي يقيم فيه الملك، وهو في طرف المدينة بني على رابية منفصلة عن غيرها تحكي في ذلك تلال الآستانة، دخلت غرفه الواسعة وتأملت زمانا في رياشها الفاخر وبنائها المتقن، وقليل نظيرها في هذه البلاد، هذا غير أن فيها بعض التحف التي جمعها ملوك البورتوغال السابقون، منها 46 عربة كانت تقل هؤلاء الأقيال في الأزمان الغابرة وأكثرها مذهبة كثيرة للزخرف متقنة الصنع، ومن هذا القبيل قصر أوجودا وقصر بيليم، وهما من المنازل الفخيمة لا يسمح لنا المقام بالتطويل في وصفهما، ولكن الذي يستحق الذكر من هذا القبيل ويقصده كل قادم إلى بلاد البورتوغال جهة من الضواحي تعرف باسم «سنترا» لها شهرة في أوروبا كبيرة، وهي واقعة في جبال صخرية صوانية بديعة الجمال حتى إنهم يسمونها سويسرا البورتوغالية؛ لفرط حسنها الذي يحكي حسن الجبال السويسرية، سرت إلى هذه الجهة في قطار الحديد والمسافة من العاصمة إليها 28 كيلومترا، وقد بني قصر الملك وغيره من القصور في وسط تلك الجبال البهية فإذا أراد أحد الناس الوصول إليها تحتم عليه المسير في عسير المسالك بين المشاهد الطبيعية التي يؤثر منظرها في النفوس ولا سيما أنك ترى وأنت تتقدم صعدا في تلك المسالك من كل جهة منظرا يختلف عن الذي قبله ويلذ لك المسير، وقد كان هذا الذي فعلته مع غيري، وكنا في عربة كبيرة أوصلتنا إلى باب القصر الملوكي، فلما نزلنا منها علمنا أن جلالة الملك مقيم وقتئذ في القصر، فالدخول إليه غير مباح، والقصر بني على أطلال قصر عربي قديم، فدخلنا الحديقة وهي في رأس جبل ولمنظرها بهجة خاصة؛ لأنها باقية على الحالة الطبيعية، وفيها الصخور المتناثرة المتراكمة والدروب والمسالك قضينا نحو ساعتين ما بين صعود ونزول في جوانبها، ورأينا هنالك نبعا من الماء الحديدي باردا وتمثالا للمستكشف فاسكو دي غاما - الذي مر ذكره في الخلاصة التاريخية - وسبيلا عربيا يتدفق منه الماء الزلال لم يزل على حاله من أيام الدولة العربية، وبأعلاه كتابات عربية محت بعضها الأيام ، وقرأت البعض الآخر وهو: «هذا السبيل المبارك على اسم حضرة السلطان عمر والأراضي التي وجدها.» والذي يدور في جوانب البورتوغال وإسبانيا يرى من هذه الآثار العربية شيئا كثيرا. ولسوف ترى في الفصل القادم شيئا عن بلاد إسبانيا هذه؛ فإني برحت البورتوغال قاصدا ربوعها بعد أن أقمت هنا أياما ورأيت أهم ما يستحق الذكر من مشاهدها، وسكة الحديد التي توصل من لسبون إلى إسبانيا تبتدئ من جبل، فمحطتها يصعد إليها بالآلات الرافعة أو بسلم كثير الدرجات، وأما المسافة بين العاصمتين فلا تقل عن 24 ساعة في القطار وبينهما 62 محطة ترى الكلام عن بعضها في الفصل القادم.
Unknown page