الوجه الثاني في الجواب
أن يقال: توقف الحادث على حادث قبله إلى غير غاية يستلزم (حوادث لا أول لها)، وحدوث حوادث في الأزل.
فلا يخلو هذا: إما أن يكون ممكنا، وإما أن يكون ممتنعا.
فإن كان ممتنعا: امتنع أن تحدث الحركة في الأزل / (¬1)، ووجب حدوث كل متحرك عن عدم سابق. وهو المطلوب. وهو يبطل قول الفلاسفة بقدم العالم.
وإذا بطل هذا؛ كان قولهم: حدوثه بعد أن لم يحدثه مفتقر إلى سبب حادث، وذلك الحادث مفتقر إلى حادث، ويلزم التسلسل مقدمة باطلة؛ لأنها لو كانت حقا: للزم الجمع بين النقيضين؛ لأنا نتكلم على تقدير امتناع (حوادث لا أول لها).
وعلى هذا التقدير: فإن الحوادث من الحركات وغيرها مسبوقة بعدم.
وقد علم بالاضطرار: أن الحادث لا يحدث بنفسه. فوجب إسناد الحوادث إلى فاعل قديم أحدثها بعد أن لم تكن، من غير سبب حادث أصلا.
وهذا أحد قولي القائلين بحدوث العالم من أهل الملل وغيرهم: كالمعتزلة والكلابية والنجارية والضرارية وأمثالهم من الطوائف، ومن وافقهم من أهل الفقه والتصوف والحديث وغيرهم.
وبالجملة: فالجمع بين قولنا: إن الحوادث لا بد لها من أول، وقولنا: كل حادث متوقف على حادث قبله: جمع بين النقيضين؛ فإن هذا الثاني يستلزم تسلسلها، والأول منع تسلسلها.
Page 138