Masala Sharqiyya
المسألة الشرقية ومؤتمر باريس
Genres
ونظرا لأن سياسة النمسا في هذا الموضوع كانت مرتبطة بسياستها في إيطاليا، فبول الذي كان يعرف الكثير عن ماضي نابليون الثالث في إيطاليا، وعطفه عليها، كان يخشى دائما نوايا الحكومة الفرنسية بالنسبة لإيطاليا، فهو لذلك لا يشدد في الضغط على الروس، ولم يكن الإنجليز يريدون التقيد كثيرا بسياسة بول، ولكن الفرنسيين الذين وقع عليهم العبء الأكبر في حرب القرم؛ جعلوا استمرارهم في الحرب مشروطا بالحلف النمسوي، وبذا عقد بول معاهدة تحالف مع إنجلترا وفرنسا، بها - إذا لم يتم الصلح أواخر ذلك العام - تتناقش الدول الثلاث فيما يجب عمله للوصول إلى هدفهم. كان هذا في 2 ديسمبر، وفي 29 ديسمبر أعلن الروس قبولهم للنقط الأربع، وطرب نابليون للحلف النمسوي. لقد كان الفرنسيون مستعدين لتثبيت الوضع الراهن في إيطاليا إلى حين؛ حرصا على صداقة النمسا وتأييدها.
ومن هنا حثت إنجلترا وفرنسا سردينيا على إرسال قواتها للقرم؛ حتى لا تستخدم هذه القوة ضد النمسا في إيطاليا، وقبل الوزير السرديني كافور
Cavour
فكرة الاشتراك مع الحلفاء، بالرغم من رفض زملائه في الوزارة لها، فهو يحرص على صداقة الدول الغربية، ولو أدى هذا إلى التعاون مع النمسا عدوة إيطاليا، ولكن زملاءه رفضوا الاشتراك، ولم يجدد الحلفاء طلبهم إلا في نوفمبر، وكان كافور يرمي إلى إسماع صوت إيطاليا في مؤتمر الصلح، فأراد وضع شروط، منها: عقد اتفاق سري بين فرنسا وسردينيا، ولكن الحلفاء رأوا إلا اشتراك سردينيا دون قيد ولا شرط من جانبها، وأمضيت اتفاقية حربية في يناير 1855.
وكان هذا انتصارا واضحا لسياسة بول، ومع هذا إذا كانت إنجلترا وفرنسا في الاتفاقية السابقة الذكر لم تتعهدا بتأييد مطالب إيطاليا، فهما لم تتعهدا بخذلانها، ولم يحارب كافور إلى جانب النمسا؛ لأنه كان يعتقد اعتقادا تاما أنها لن تدخل الحرب.
وأما بروسيا فقد أعلنت موقف الحياد، فالمسألة الشرقية لا تهمها كثيرا، ولكن حيادها كان مهما لروسيا؛ إذ استطاع القيصر أن يطمئن من ناحية حدوده الغربية. وتبع السياسة البروسية في الحياد كل ألمانيا؛ إذ إن ألمانيا كانت مستعدة للدفاع عن النمسا كدولة جرمانية لا كدولة بلقانية.
والواقع أن الدولتين إنجلترا وفرنسا لم تلقيا بالا كبيرا لموقف بروسيا، فكل ما كان يهم الدولتين هو موقف الحكومة النمسوية، وكانت الدولتان تظنان أن الحلف النمسوي سيرغم النمسا على دخول الحرب إلى جانبهما. على أي حال جعلت معاهدة الحلف المفاوضة على أساس نقطة 3، وأصر الإنجليز من ناحيتهم على تدمير سباستبول، وتحديد أسطول روسيا في البحر الأسود إلى أربع سفن، ولكن الفرنسيين ذكروا أن النمسا لن تقبل ذلك، فالحلفاء لم يأخذوا سباستبول بعد، وفي حالة أخذ سباستبول لا محل لتدميرها.
وأخيرا اتفق الحلفاء مع النمسا على تفسير نقطة 3 بأن يوضع حد لتفوق روسيا في البحر الأسود، وكان الحلفاء يودون عدم قبول روسيا لذلك التفسير، فتضطر النمسا إلى دخول الحرب في صف الحلفاء، وقبل مندوب روسيا جورتشاكوف التفسير الأخير، واضطر الحلفاء إلى قبول عقد مؤتمر في فينا.
ولكن موقف الفرنسيين سرعان ما تغير، فأصبحوا يرون الاستمرار في الحرب لا عقد الصلح، فنابليون كان يرى أن كرامة فرنسا تستلزم عدم الدخول في صلح إلا بعد أخذ سباستبول، فلقد كان في أشد الحاجة إلى نصر خارجي ، وأصر على الذهاب إلى القرم بنفسه، ولكن أنصاره كانوا يخشون سقوط الإمبراطورية أثناء غيابه، وخاصة إذا انهزم في الحرب أمام الروس.
وفي 30 يناير سقطت وزارة أبردين لفشلها في تسيير دفة الحرب، وكون بالمرستون وزارة في 6 فبراير، وكان بالمرستون مصمما على الاستمرار في الحرب وقهر الروسيا.
Unknown page