خلف بابور أربعة أولاد أكبرهم كاماران حاكم بابل وقندهار، أما ثانيهم همايون فقد أوصى والده بأن يكون إمبراطورا للفتوح المغولية في الهند العليا وسهول الجنج، وقد واجه همايون متاعب كثيرة منها اضطراره إلى النزول لأخيه الأكبر عن البنجاب يتولى حكمها، فخسرت الإمبراطورية بهذا رجالا وأموالا. ولم تكن البنجال قد فتحت. وكان بهادار شاه الأفغاني ملك جوجيرات وملوا معاديا لهمايون وكذلك إخوته والبرتغاليون أصحاب السيادة في الساحل الغربي، غير أنه مع هذا كله كان همايون موفقا في بداية عهده، فقد طرد محمد لودي من جونيور، وانتهى عهد أسرة اللودي كأسرة حاكمة، وهزم بهادار شاه في موقعة ماندسور في 1535 واحتل همايون ماندو عاصمة ملوا، وكذلك تمم الاستيلاء على حصن شامبانار العظيم بتسلقه، فضمت جوجيرات إلى الإمبراطورية المغولية.
غير أن أحداثا عظيمة أضعفت همايون جيشا وإمبراطورية؛ من هذا ثورة أصغر إخوته «عسكري» عليه وتجمع قوة بهادار، وهجوم جيش مشير خان سار الحاكم الأفغاني في بيهار، وبعد أن استطاع همايون غزو البنغال في 1538 واسترداد إقليم جور من شيرخان، واجه فتنة أثارها ميزار هيندال أحد إخوة همايون مناديا بنفسه إمبراطورا.
وقد قمع كامران حركته. وقد اضطر همايون أن يعقد الصلح مع شيرخان على أن يكون لشير البنغال وبيهار مقابل دفعه الجزية إلى همايون الذي هوجم في يونيه 1539 في شوزا فهرب إلى أجرا، وهنا نادى شيرخان بنفسه إمبراطورا متحالفا مع جوجيرات وملوا. وقد هزم همايون في محاولته الأخيرة لاسترداد ما فقد في مايو 1540 على مقربة من كانوج، وقد لبث همايون 15 سنة بعدئذ ثم هرب من السند إلى ميروار ومن هذه إلى إيران إلى أن استقر في أفغانستان. وقد دامت إمبراطورية شيرشاه من 1545 إلى 1554 مخضعا البنجاب مسيطرا على البنغال معينا الغازي فازيلات حاكما عليها بدلا من خسرخان الذي فشل في إعلان استقلاله. وغزا شير ملوا في 1542 وقد مات في 12 مايو عام 1543. وقد كان جنديا قديرا وسياسيا مصلحا ومدبرا منظما، وجعل المملكة 47 وحدة وبدأ مسح جميع الأرض وتنظيم الطرق على طول ألفي ميل من البنغال إلى الأندوس مقيما استراحة عند كل ميل ونصف، حافرا آبارا للشرب متتابعة ومنظما خطوطا من أشجار الفاكهة ومحاطا للبريد الحكومي المنقول على ظهور الجياد ولخدمة التجار وغيرهم، وكذلك الحال في الطريق بين أجزاء العاصمة وماندا. كذلك بنى شير شاه عددا من المساجد ونظم العملة جاعلا الروبية 178 حبة، وقد بقيت على هذا بعد عهده إلى أن أصبحت 180 حبة في العهد البريطاني ضابطا الأمن مصلحا نظام القضاء. (راجع الجزء الأول ص399 من كتاب «أكبر نامه» تأليف أبي الفضل، وص103 من كتاب صنع الهند، وفريشنا ص125 الجزء الثاني»).
هذا وبينما ينعي أبو الفضل المؤرخ المعاصر لشير شاه عليه لؤم الطمع والطغيان، فإن المؤرخ فريشنا يقول: إن والد شير كان رجلا عاديا دمث الخلق، ترك ابنه فريد الذي صار اسمه شير شاه بعدئذ، يربي نفسه متثقفا في التاريخ والشعر حافظا شعر سعدى محبا للفقراء، وكان حكيما وحاكما عادلا صافحا عن أعدائه عاطفا عليهم.
وقد خلفه ابنه الثاني أسلوم «أو سليم» شاه، الذي كان ضعيفا لا يوثق به، ولما مات في 1590 خلفه ابنه فيروز وكان صغيرا قتله ابن عمه «مبارز خان» بعد ثلاثة أيام من ولايته العرش، ثم خلفه عليه باسم «محمد عادل شاه» وكان أميا متلافا شأن أشراف أفغانستان اتخذ الهندوسي هيمو وزيرا له. ولما فسدت أداة الحكم عمت الفوضى، مما كان من أثره أن فر عادل ووزيره إلى شونار، وخلفه سكندر شاه حفيد شير شاه بعد حرب داخلية، وهنا استطاع همايون أن يسترد إمبراطوريته الضائعة بمساعدة بيرم خان «التركماني». فجاء همايون من منفاه عند الراجا أو ماركوت. وفي فبراير 1542 ولدت زوجة همايون الملكة حميدة يانو ابنها أكبر، وفي 1544 قدم شاه إيران إلى الإمبراطور المنفي جيشا لغزو أفغانستان التي كان على عرشها قمران الخائن المغتصب، فاحتل همايون قندهار وكابل التي التقى فيها بزوجته حميدة وابنه الذي كان أخذه أخوه قمرون، وقد نفى همايون أخويه قمرون وعسكري إلى مكة بعد أن فقأ عيني الأول.
وفي 1554 دخل همايون الهند مستوليا على سيرهند ولاهور والبنجاب هازما جيش أمير خان وتتر خان. وفي 18 يونيه 1555 قضى على الجيش الأفغاني في ماكشيواري ودخل دلهي إمبراطورا عليها وكان معينا ابنه أكبر حاكما اسميا على البنجاب وبيرم مستشارا له، ثم تابع القتال مع سكندر، على أن همايون مات في يناير عام 1556 في الواحدة والخمسين على أثر سقوطه على درج سلم قصر شير مندل، ويقال إن نعيه قد أخفي بضعة أيام قبل إعلانه، ويبدو أن هذا الإخفاء قد حدث عند وفاة بابور.
الملك العظيم «أكبر»
نادى بيرم خان بأن أكبر الذي كان في الرابعة عشرة وثلاثة شهور في كالامور في الحملة ضد سكندر، إمبراطورا في دلهي منذ 14 أو15 فبراير 1556. وقد واجه الإمبراطور الجديد مشكلات ومتاعب جمة، فقد كان سكندر في البنجاب يتوثب لاسترداد عرشه، وكذلك كان محمد عادل شاه في شونار مع وزيره الهندوسي هيمو، كما كان نائب الإمبراطور في الأفغانستان أخوه الصغير حكيم ميرزا يتأهب للانقضاض عليه.
وقد وسع هيمو أن يستولي على أجرا ثم على دلهي التي كان تاردي بيك خان متراخيا في الدفاع عنها، ولما اغتر هيمو بظفره طمح إلى الاستقلال بأن ينادى به كمهراجا فيكراماديتيا ومعه 200 ألف جندي مقابل عشرين ألفا مع أكبر. غير أنه في 5 نوفمبر 1556 انطلق سهم من المغوليين أصاب هيمو في عينيه فترنح ساقطا فاقد الوعي بعض الوقت، وقبض عليه ثم قتل وتفرق جيشه هلعا، ودخل أكبر دلهي واستولى على أسلاب العدو، ثم على مانكوت في البنجاب في يوليو 1557 بعد حصارها ستة أشهر وفر سكندر إلى البنجال ومات بعد سنتين، أما إبراهيم سور فقد لجأ إلى راجاجا جاناث، وأما عادل فقد قتل في البنغال.
منح أكبر وصيه ووزيره الفارسي الشيعي وقائده ومستشاره الأول «بيرم خان»، لقب «خان الخانات»؛ أي شريف الأشراف، وهو لقب يجعل مرتبته تالية لمرتبة الأمراء الصميميين، ثم اقترن بابنة أخت الإمبراطور سليمة بنت سلطان بجام الذي كان أقوى رجل في المملكة وجعل القصر الملكي في أجرا. ولئن كان بيرم قد وفق في مهمته الإدارية كمدير لشئون المملكة فإنه لم يوفق في مهمته كمرب للإمبراطور القاصر فزادت الإمبراطورية سعة بين عامي 1558 و1560 عدا الإخفاق في مكافحة راجبوتية رانثاميهور. أما احتلال جوليور فقد قوي مركز الإمبراطورية في الهند وكذلك تم الاستيلاء على أجمير وضم إقليم جونيور؛ أي أن إمبراطورية جابور قد تمت استعادتها. غير أن أكبر قد آثر الألعاب الرياضية وترويض الوحوش والرماية والبولو على التعليم وعلى تعلم الأحرف الهجائية. غير أنه كان يحسن الاستماع إلى ما يلقى عليه وتستوعبه ذاكرته، معني بالشعر والفن والميكانيكا خاصة شعر الصوفيين وحفظ كثيرا من شعر حافظ وجلال الدين الرومي. هذا إلى وقوف على تاريخ الإسلام وآداب الهندوسية والجينزية والزواسترامانية وامتزاج بالروح الهندية. وقد بلغ من حرصه على دراسة الأديان أنه دعا بعثات جيزويتية تبشيرية لهذا الغرض، مما أثار سخط المسلمين وكاد يؤدي إلى اغتيال حياته.
Unknown page