Masabih Satica
المصابيح الساطعة الأنوار
Genres
ثم قال سبحانه: ((لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا (24))) يريد لا يجدون فيها فسحة ولا راحة تبرد عنهم كربهم، ولا تنفس عنهم ألمهم، ولا تكشف عنهم حرارتهم، ولم يرد هاهنا بقوله: ((بردا)) وقع البرد وحسه وإنما أراد بالبرد تهوين الأمر لأن العرب تقول: برد عني غمي كذا وكذا، وبرد عني ألم علتي كذا وكذا، يريدون هون عني وسهل علي، وفرج كربي كذا وكذا، لا أنها تريد بقولها أنه أصاب القائل لذلك بردا أبرد جلده، فهذا معنى ما ذكر الله سبحانه من البرد الذي لا يذوقه أهل جهنم يريد أمرا يسهل عليهم عذابهم ويفرج عنهم كربهم من أمر يطفي عنهم حر جهنم، وأمر يهون عليهم عظيم الألم.
والشراب الذي لا يذوقونه: فهو الشراب البارد الهنئ الطيب المريء فذكر الله سبحانه أنهم لا يذوقون من ذلك الصنف شيئا؛ لأنه صنف كرامة من الله لمن سقاه إياه ونعمه، وأن شرابهم هو الحميم الذي ذكر الله أنه يتجرعه ولا يكاد يسيغه، ألا تسمع كيف يقول تبارك وتعالى: ((إلا حميما وغساقا (25))) فالحميم: فهو الماء المحمى المسخن الذي قد منع الأيدي عن مسه لشدة حموه وحره، والغساق: فهو الذي قد غلى حتى رمى بحبه وبطائر نضجه من جوانب إنائه، فهو يتطاير من الإناء لشدة الغليان.
Page 342