وقال أيضا: لم لم نعذب أحدا في عهود الوفد؟ المسألة أنه يوجد نوعان من الحكومة، حكومة يجيء بها الشعب فهي تعطي الفرد حقه من الاحترام الإنساني، ولو على حساب الدولة، وحكومة تجيء بها الدولة فهي تعطي الدولة حقها من التقديس ولو على حساب الفرد.
وقال أيضا: لم نعذب أحدا بالمعنى الذي تظنه، كنا نصب العذاب كما تملأ أنت الاستمارة 50 ع.ح، أو كما تكتب تقريرا بناء على طلب الوزير، عمل ليس إلا، له مقاييسه من الإتقان، وتقديره في حساب الواجبات العامة، وإذا وجد بيننا من يغالي في عمله أو ينفذه بلذة خفية أو ظاهرة، فكما يوجد أحيانا في أوساطكم من يفرط في العمل ليداري نقصا أو تعاسة ملحة.
وفي أثناء الحديث ثبتت عيناه على صورة قائمة على منضدة فنظر إليها مليا ثم تساءل: أليس هذا هو الدكتور إبراهيم عقل؟
فقلت بدهشة: بلى، بين بعض الزملاء القدامى، وبعض الأساتذة، أكنت تعرف الدكتور عقل؟ - كلا، ولكن ظروفا معينة جعلتني أتابع ما كان ينشر له من صور في الصحف. - أي ظروف يا ترى؟!
تفكر طويلا ثم قال: لعلك تذكر وفاة ابنيه؟ - أجل، هلكا فيمن هلك من ضحايا وباء الكوليرا.
فضحك قائلا: يبدو - والله أعلم - أن الكوليرا لم تكن هي الجانية.
فهتفت بذهول: ماذا تقول؟! - رئيسي رحمه الله همس لي يوما في مجلس صداقة حميمة بأنهما قتلا! - قتلا؟! - اضبط أعصابك، ذاك تاريخ مضى وانقضى. - ولكن كيف قتلا؟ ومن الذي قتلهما؟! - لا شيء مؤكد، صدقني لا شيء مؤكد، حتى رئيسي نفسه لم يكن لديه أكثر من همس، تسلل إليه خبر عن غرام امرأة هامة وشخص من رجال الملك وجريمة قتل في بيت خلوي بالطريق الصحراوي. - أعطني مزيدا من المعلومات. - لا مزيد عندي، ولا شيء مؤكد، صدقني لا شيء مؤكد.
وأصر على موقفه فلم أجد مبررا لتكذيبه، وقد أفضيت بما بلغني منه إلى أستاذي الدكتور ماهر عبد الكريم؛ فأبدى من الدهشة ما لم يعلنه وجهه الهادئ من قبل، وقال لي: لا أصدق أن المرحوم إبراهيم عقل كان يخفي عني سرا. - لعل صلة الأمر بالسراي ألزمته بالصمت.
فهز رأسه وهو في شك وحيرة ، وقررت تناسي الموضوع من أساسه، أما أحمد قدري فقد اختفى من حياتي مرة أخرى، وكنت ألمحه أحيانا في مقهى فنكس وسط نفر من كهول الخواجات، وفي أوائل عام 1970 رأيته - من بعيد - سائرا في ميدان طلعت حرب، وثبت لي من تهدل شدقيه أنه خلع أسنانه، ولكن صحته بدت خيرا مما توقعت.
أماني محمد
Unknown page