Maraqi Jinan
مراقي الجنان بالسخاء وقضاء حوائج الإخوان
Genres
قال: أوليس قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((ليس للمؤمن أن يذل نفسه))؟ فنزل، ففتح الباب، ثم طلع الغرفة، فأطفأ السراج، ثم التجأ إلى زاوية من زوايا الغرفة. قال: فجعلت أجول أنا وهارون في البيت بأيدينا، فسبقت كف هارون كفي إليه، فسمعته وهو يقول: أوه من كف ما ألينها إن نجت من عذاب الله تعالى!.
قال: فعلمت أنه سيكلمه بكلام نقي من قلب تقي.
قال: خذ لما جئناك له.
فقال: يا أمير المؤمنين، لما ولى عمر بن عبد العزيز الخلافة دعا سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم، ومحمد بن كعب القرظي، ورجاء بن حيوة الكندي، فقال: ((ويحكم! إني قد ابتليت بهذا البلاء، فأشيروا علي))، فعد الخلافة بلية وعددتها نعمة أنت وأصحابك.
فقال سالم بن عبد الله: يا أمير المؤمنين، إذا أردت النجاة غدا من عذاب الله عز وجل فصم الدنيا، وليكن إفطارك منها الموت!.
وقال محمد بن كعب القرظي: يا أمير المؤمنين، إن أردت النجاة غدا من عذاب الله عز وجل فليكن كبير المسلمين عندك أبا، وأوسطهم عندك أخا، وأصغرهم عندك ولدا. فأكرم أباك، ووقر أخاك، وتحنن على ولدك.
وقال له رجاء بن حيوة: يا أمير المؤمنين، إذا أردت النجاة غدا من عذاب الله عز وجل فأحب للمسلمين ما تحب لنفسك، واكره لهم ما تكره لنفسك، ثم مت إذا شئت. وإني لأقول لك هذا وإني لأخاف عليك أشد الخوف من يوم تزل فيه الأقدام.
فهل معك مثل هذا -رحمك الله- أو من يأمرك بمثل هذا؟.
فبكى هارون حتى غشي عليه. فقلت له: ارفق بأمير المؤمنين رحمك الله!.
قال: يا ابن أم الربيع، تقتله أنت وأصحابك وأرفق به أنا!.
Page 118