Marāqī al-ʿIzza wa-Muqawwimāt al-Saʿāda
مراقي العزة ومقومات السعادة
Publisher
دار ابن الجوزي للنشر والتوزيع
Edition Number
الأولى
Publication Year
١٤٤٣ هـ - ٢٠٢١ م
Publisher Location
الدمام - السعودية
Genres
فذهب أكثر العلم إلى أن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى قبلها: ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا﴾ [الآية: ٢٣٤].
وذهب بعض أهل العلم إلى أن الآيتين محكمتان، فالآية الأولى في وجوب التربص أربعة وعشرًا على وجه التحتيم على المرأة، والآية الثانية وصية لأهل الميت أن يبقوا زوجة ميتهم حولًا كاملًا؛ جبرًا لخاطرها، وبرًّا بميتهم، وهذا هو الراجح؛ لأنه إذا استقام عمل الآية على هذا المعنى فلا مُوجب للقول بنسخها بالآية التي قبلها (^١).
٤ قوله تعالى: ﴿وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ﴾ [البقرة: ٢٨٤].
جاء في بعض الآثار أن هذه الآية نُسخت بقوله تعالى بعدها: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ﴾ [البقرة: ٢٨٦].
والصحيح أن الآيتين محكَمتان، وأن الآية الثانية لم تنسخ الآية الأولى، وإنما نسخت وأزالت ما وقع في نفوس بعض الصحابة من فهمهم أن في الآية الأولى التكليف بما لا يطاق، والمعاقبة على ما في أنفسهم، وهذا لم تدل عليه الآية، وإنما دلت فقط على المحاسبة على ذلك دون المعاقبة؛ ولهذا لا تنافيَ بينها وبين الآية الثانية يُوجِب القولَ بالنسخ.
قال ابن تيميَّة (^٢): «وكذلك ينسخ الله ما وقع في نفوس من فهم المعنى، وإن كانت الآية لم تدل عليه، لكنه مُحتمل، وهذه الآية من هذا الباب، فإن قوله: ﴿وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ﴾ الآيةَ، إنما يدل على أن الله يحاسب على ما في النفوس، لا على أنه يعاقب على كل ما في النفوس» (^٣).
٥ قوله تعالى في سورة النساء: ﴿وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا (١٥) وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا﴾ [الآيتين: ١٥ - ١٦].
ذهب أكثر أهل العلم- بل حكى بعضهم الإجماعَ- على نسخ هاتين الآيتين بالحدود، مع اختلافهم بالناسخ لهما.
_________
(^١) انظر المصدر السابق ٢/ ٨٩.
(^٢) انظر: «مجموع الفتاوى» ١٤/ ١٠١.
(^٣) انظر: «الناسخ والمنسوخ» بتحقيقنا ٢/ ١٢٤.
1 / 22