343

Marāḥ Labīd li-kashf maʿnā al-Qurʾān al-majīd

مراح لبيد لكشف معنى القرآن المجيد

Editor

محمد أمين الصناوي

Publisher

دار الكتب العلمية - بيروت

Edition

الأولى - 1417 هـ

Genres

Tafsīr

الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم

والصحيح أن الرسل إنما كانت من الإنس خاصة وقد قام الإجماع على أن النبي صلى الله عليه وسلم مرسل للإنس والجن. والمراد برسل الجن هم الذين سمعوا القرآن من النبي صلى الله عليه وسلم ثم ولوا إلى قومهم منذرين. فالمراد بالرسل ما يعم رسل الرسل، فالله تعالى إنما بكت الكفار بهذه الآية لأنه تعالى أزال العذر وأزاح العلة بسبب أنه أرسل الرسل إلى الكل مبشرين ومنذرين، فإذا وصلت البشارة والنذارة إلى الكل بهذا الطريق فقد حصل ما هو المقصود من إزاحة العذر وإزالة العلة يقصون عليكم آياتي أي يتلونها عليكم مع التوضيح وينذرونكم لقاء يومكم هذا

أي ويخوفونكم لقاء عذابي في يومكم هذا وهو يوم الحشر الذي عاينوا فيه ما أعد لهم من أفانين العقوبات الهائلة قالوا

عند ذلك التوبيخ الشديد شهدنا على أنفسنا أن الرسل أتونا قد بلغوا الرسالة وأنذرونا عذاب يومنا هذا وإنما وقعوا في ذلك الكفر بسبب أنهم غرتهم الحياة الدنيا أي اغتروا من الدنيا بما في الزهرة والنعيم وشهدوا في الآخرة على أنفسهم أنهم كانوا في الدنيا كافرين (130) فيهم وإن بالغوا في عداوة الأنبياء والطعن في شرائعهم ومعجزاتهم أقروا على أنفسهم بالكفر في عاقبة أمرهم

ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم وأهلها غافلون (131) أي شهادتهم على أنفسهم بالكفر ثابت لانتفاء كون ربك مهلك القرى بسبب ظلم فعلوه قبل أن ينبهوا على بطلانه برسول وكتاب. أو المعنى إرسال الرسل ثابت لأن الشأن لم يكن ربك مهلك أهل القرى ملتبسين بظلم وهم غافلون عن تبليغ الرسل وعن أمرهم ونهيهم ولكل درجات مما عملوا أي ولكل عامل من الجن والإنس مراتب من أعمالهم صالحة كانت أو سيئة وما ربك بغافل عما يعملون (132) أي فلا يترك شيئا مما يستحق كل عامل من الفريقين من الجزاء فيجزي كلا بما يليق به من ثواب أو عقاب.

وقرأ ابن عامر وحده «تعملون» على الخطاب وربك الغني ذو الرحمة أي إن تخصيص الله المطيعين بالثواب والمذنبين بالعذاب ليس لأجل أنه تعالى محتاج إلى طاعة المطيعين أو ناقص بمعصية المذنبين فإنه تعالى غني لذاته عن جميع العالمين ومع كونه تعالى غنيا فإن رحمته عامة كاملة. ومن رحمته تعالى على الخلق ترتيب الثواب على الطاعة والعقاب على المعصية. ومن رحمته تعالى إرسال الرسل وعدم استئصالهم بالهلاك بذنوبهم في وقت واحد إن يشأ يذهبكم أيها العصاة ويستخلف من بعدكم ما يشاء أي ويوجد من بعد إذهابكم خلقا آخر مخالفا للجن والإنس فتخصيص الرحمة بهؤلاء ليس لأجل أنه لا يمكنه إظهار رحمته إلا بخلق هؤلاء كما أنشأكم من ذرية قوم آخرين (133) أي وينشئ الله إنشاء كائنا كإنشائكم من نسل قوم آخرين لم يكونوا على مثل صفتكم في العصيان. أي فكما أن الله تعالى قادر على تصوير هذه الأجسام بهذه الصورة الخاصة كذلك قادر على تصويرهم بصورة مخالفة لها إن ما توعدون من مجيء الساعة لآت أي لواقع لا بد لأنهم كانوا ينكرون القيامة

Page 348