Marah Labid
مراح لبيد لكشف معنى القرآن المجيد
Investigator
محمد أمين الصناوي
Publisher
دار الكتب العلمية - بيروت
Edition Number
الأولى - 1417 هـ
Genres
بعض الشرائع والأحكام إنما هو لتفاوت طبقات الأمم في الأحوال التي عليها يدور فلك التكليف فكلفهما الله بما يليق بشأنهم لكن الله يشهد بما أنزل إليك بتخفيف النون ورفع الجلالة وبالبناء للفاعل أي لكن الله يشهد لك بحقية ما أنزل إليك من القرآن الناطق بنبوتك.
روي أنه لما نزل قوله تعالى: إنا أوحينا إليك قال اليهود: نحن لا نشهد لك بذلك، فنزل لكن الله يشهد. والمعنى أن اليهود وإن شهدوا بأن القرآن لم ينزل عليك يا محمد من السماء لكن الله يشهد بأنه أنزل عليك، وشهادة الله إنما عرفت بسبب أنه أنزل عليه صلى الله عليه وسلم هذا القرآن البالغ في الفصاحة في اللفظ والشرف في المعنى إلى حيث عجز الأولون والآخرون عن معارضته، فكان ذلك معجزا وإظهار المعجزة شهادة بكون المدعي بالرسالة صادقا، ولما كانت شهادته تعالى عرفت بواسطة إنزال القرآن فقال: لكن الله يشهد بما أنزل إليك أي يشهد لك بالنبوة بواسطة هذا القرآن الذي أنزله إليك أنزله بعلمه بأنه في غاية الحسن ونهاية الكمال وهذا مثل ما يقال في الرجل المشهور بكمال الفضل والعلم إذا صنف كتابا واستقصى في تحريره أنه إنما صنف هذا بكمال علمه وفضله. أي إنه اتخذ جملة علومه آلة ووسيلة إلى تصنيف هذا الكتاب، فيدل ذلك القول على وصف ذلك التصنيف بغاية الجودة ونهاية الحسن فكذا هاهنا والملائكة يشهدون بصدقة وإنما تعرف شهادة الملائكة له صلى الله عليه وسلم بذلك لأن ظهور المعجز على يده صلى الله عليه وسلم يدل على أنه تعالى شهد له بالنبوة وإذا شهد الله له بذلك فقد شهدت الملائكة بذلك بلا شك، لأنه ثبت في القرآن إنهم لا يسبقونه تعالى بالقول. والمعنى يا محمد إن كذبك هؤلاء اليهود فلا تبال بهم فإن الله تعالى وهو إله العالمين يصدقك في ذلك وملائكة السموات السبع والعرش والكرسي يصدقونك في ذلك ومن صدقه الله والملائكة أجمعون لم يلتفت إلى تكذيب أخس الناس وكفى بالله شهيدا (166) على صحة نبوتك وإن لم يشهد غيره إن الذين كفروا بما أنزل الله وشهد به وصدوا عن سبيل الله أي دين الإسلام من أراد سلوكه وهم اليهود حيث قالوا: ما نعرف صفة محمد في كتابنا وقالوا: لو كان رسولا لأتى بكتابه دفعة واحدة من السماء. وقالوا:
إن الله ذكر في التوراة أن شريعة موسى لا تنسخ إلى يوم القيامة، وقالوا: إن الأنبياء لا يكونون إلا من ولد هارون وداود قد ضلوا ضلالا بعيدا (167) عن الحق والصواب لأن أشد الناس ضلالا من كان ضالا ويعتقد في نفسه أنه محق، ثم يتوسل بذلك الضلال إلى اكتساب المال والجاه، ثم يبذل غاية ما في طاقته في إلقاء غيره في مثل ذلك الضلال إن الذين كفروا وظلموا محمدا بكتمان ذكر بعثته وعوامهم بإلقاء الشبهات في قلوبهم وماتوا على الشرك لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقا (168) إلى الجنة يوم القيامة إلا طريق جهنم خالدين فيها أبدا وكان ذلك أي جعلهم خالدين في جهنم على الله يسيرا (169) أي لا يتعذر عليه شيء فكان إيصال الألم إليهم شيئا بعد شيء إلى غير النهاية يسيرا عليه وإن كان متعذرا على غيره يا أيها الناس قد جاءكم الرسول
Page 243