233

Marah Labid

مراح لبيد لكشف معنى القرآن المجيد

Investigator

محمد أمين الصناوي

Publisher

دار الكتب العلمية - بيروت

Edition Number

الأولى - 1417 هـ

Genres

Tafsīr

المنعم آمن به، ثم شكر شكرا مفصلا فكان ذلك الشكر المجمل مقدما على الإيمان وكان الله شاكرا أي مثيبا على الشكر عليما (147) أي بجميع الجزئيات فلا يقع الغلط له تعالى ألبتة فيوصل الثواب إلى الشاكر والعقاب إلى المعرض لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم أي لا يحب الله تعالى أن يجهر أحد بالسوء كائنا من القول إلا جهر من ظلم فهو غير مسخوط عنده تعالى وذلك بأن يقول: سرق فلان مالي أو غصبني، أو سبني، أو قذفني ويدعو عليه دعاء جائزا بأن يكون بقدر ظلمه فلا يدعو عليه بخراب دياره لأجل أخذ ماله منه ولا يسب والده وإن كان هو فعل كذلك ولا يدعو عليه لأجل ذلك بالهلاك بل يقول: اللهم خلص حقي منه أو اللهم جازه أو كافئه ولا يجوز أن يدعو عليه بسوء الخاتمة أو الفتنة في الدين فالدعاء بغير قدر ما ظلم به حرام كالدعاء بمستحيل عادة أو عقلا ومثل المظلوم ما إذا أريد اجتماع على شخص فيجب على من علم عيوبه به بذل النصيحة له، وإن لم يستشره لأن الدين النصيحة فيذكر له ما يندفع به فإن زاد حرم الزائد فالله تعالى لا يحب إظهار القبائح إلا

في حق من عظم ضرره وكثر مكره فعند ذلك يجوز إظهار فضائحه ولهذا

قال صلى الله عليه وسلم: «اذكروا الفاسد بما فيه كي تحذره الناس»

. وقرأ الضحاك وزيد بن أسلم وسعيد بن جبير إلا من ظلم بالبناء للفاعل. والمعنى لكن من ظلم فاتركوه. وقال الفراء والزجاج: لكن من ظلم نفسه فإنه يجهر بالسوء من القول ويفعل ما لا يحبه الله تعالى هذا إن جعل الاستثناء كلاما منقطعا عما قبله أما إن جعل متصلا فيكون التقدير إلا من ظلم فإنه يجوز الجهر بالسوء من القول معه وكان الله سميعا لقول الظالم أو المظلوم ولفعلهما عليما (148) لفعل الظالم والمظلوم ولقولهما فليتق الله ولا يقل إلا الحق ولا يقذف بسوء لمستور فإنه يصير عاصيا لله بذلك وهو تعالى سميع لما يقوله عليم بما يضمره إن تبدوا خيرا أو تخفوه في إيصال النفع إلى الخلق أو تعفوا عن سوء كأن تدفعوا الضرر عنهم فإن الله كان عفوا عن المذنبين مع قدرته على الانتقام فعليكم أن تقتدوا بسنة الله تعالى كما قاله الحسن قديرا (149) أي فهو أقدر على عفو ذنوبك منك على عفو ذنوب من ظلمك كما قاله الكلبي. وقيل: المعنى إن الله كان عفوا لمن عفا وهو المظلوم قديرا على إيصال الثواب إليه وعقوبة الظالم. وقوله تعالى:

فإن الله الآية تعليل لجواب الشرط المقدر والتقدير فذلك أولى لكم من تركه لأن الله إلخ.

اعلم أن مواضع الخيرات على كثرتها محصورة في أمرين صدق مع الحق وخلق مع الخلق، فالذي يتعلق بالخلق محصور في قسمين: إيصال نفع إليهم وهو المشار إليه بقوله تعالى: إن تبدوا خيرا أو تخفوه. ودفع ضرر عنهم وهو المشار إليه بقوله تعالى: أو تعفوا عن سوء فدخل في هذين القسمين جميع أنواع الخير وأعمال البر إن الذين يكفرون بالله ورسله كاليهود فإنهم آمنوا بموسى والتوراة وعزير، وكفروا بعيسى والإنجيل ومحمد والقرآن. وكالنصارى فإنهم آمنوا بعيسى والإنجيل وكفروا بمحمد والقرآن ويريدون أن

Page 238