Marah Labid
مراح لبيد لكشف معنى القرآن المجيد
Investigator
محمد أمين الصناوي
Publisher
دار الكتب العلمية - بيروت
Edition Number
الأولى - 1417 هـ
Genres
الفاروق»
«1» ، وعلى هذا القول الطاغوت هو كعب بن الأشرف سمي بذلك لشبهه بالشيطان في فرط طغيانه
وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله أي أقبلوا إلى القرآن الذي فيه الحكم وإلى الرسول الذي تجب طاعته ليحكم بينكم رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا (61) أي أبصرت المنافقين يعرضون عنك إلى غيرك إعراضا بالكلية فكيف إذا أصابتهم مصيبة أي كيف يكون حالهم وقت إصابة المصيبة إياهم بقتل عمر صاحبهم بظهور نفاقهم بما قدمت أيديهم أي بسبب ما عملوا من التحاكم إلى الطاغوت والإعراض عن حكمك ثم جاؤك يحلفون بالله إن أردنا إلا إحسانا وتوفيقا (62) أي ثم جاءك أهل المنافق مطالبين عمر بدمه وقد أهدره الله ويحلفون بالله كذبا للاعتذار، فقالوا: ما أراد صاحبنا المقتول التحاكم إلى عمر إلا أن يصلح ويجعل الاتفاق بينه وبين خصمه ويأمر كل واحد من الخصمين بتقريب مراده من مراد صاحبه حتى يحصل بينهما الموافقة، وأنت يا رسول الله لا تحكم إلا بالحق المر ولا يقدر أحد على رفع الصوت عندك أولئك أي المنافقون الذين يعلم الله ما في قلوبهم من النفاق والغيظ والعداوة فأعرض عنهم أي لا تقبل منهم ذلك العذر ولا تظهر لهم أنك عالم بكنه ما في بواطنهم، فإن من هتك ستر عدوه فربما يجرئه ذلك على أن لا يبالي بإظهار العداوة فيزداد الشر، وإذا تركه على حاله بقي في وجل فيقل الشر. وعظهم أي ازجرهم عن النفاق والكيد والحسد والكذب وخوفهم بعذاب الآخرة وقل لهم في أنفسهم أي خاليا بهم ليس معهم غيرهم لأن النصيحة على الملأ تقريع في السر محض المنفعة قولا بليغا (63) أي مؤثرا وهو التخويف بعقاب الدنيا بأن يقول لهم: إن ما في قلوبكم من النفاق والكيد معلوم عند الله ولا فرق بينكم وبين سائر الكفار، وإنما رفع الله السيف عنكم لأنكم أظهرتم الإيمان فإن واظبتم على هذه الأفعال القبيحة ظهر لكل الناس بقاؤكم على الكفر وحينئذ يلزمكم السيف. وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله أي وما أرسلنا من رسول إلا ليؤمر الناس بطاعته بتوفيقنا وإعانتنا فطاعته طاعة الله ومعصيته معصية الله تعالى وهذه الآية دالة على أنه لا رسول إلا ومعه شريعة ليكون مطاعا في تلك الشريعة ومتبوعا فيها ودالة على أن الأنبياء معصومون عن المعاصي والذنوب، ودالة على أنه لا يوجد شيء من الخير والشر والكفر والإيمان، والطاعة والعصيان إلا بإرادة الله تعالى ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم بترك طاعتك جاؤك وبالغوا في التضرع إليك لينصبوك شفيعا لهم فاستغفروا الله أي أظهروا الندم على ما فعلوه وتابوا عنه واستغفر لهم الرسول بأن يسأل الله أن يغفر الذنوب لهم عند توبتهم لوجدوا الله توابا أي
Page 206