129

Marah Labid

مراح لبيد لكشف معنى القرآن المجيد

Investigator

محمد أمين الصناوي

Publisher

دار الكتب العلمية - بيروت

Edition Number

الأولى - 1417 هـ

الإنكار قل إن الفضل بالرسالة والنبوة والإسلام وقبلة إبراهيم بيد الله فإنه مالك له يؤتيه من يشاء أي يعطيه محمدا وأصحابه والله تعالى حكى عن اليهود أمرين:

أحدهما: أنهم آمنوا وجه النهار وكفروا آخره ليصير ذلك شبهة للمسلمين في صحة الإسلام، فأجاب الله عن ذلك بقوله: قل إن الهدى هدى الله أي أن مع كمال هداية الله وقوة بيانه لا يكون لهذه الشبهة الركيكة قوة ولا أثر.

وثانيهما: أنهم استنكروا أن يؤتى أحد مثل ما أوتوا من الكتاب والحكم والنبوة فأجاب الله عن ذلك بقوله: قل إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله واسع أي كامل القدرة فيقدر أن يتفضل على أي عبد شاء بأي تفضل شاء عليم (73) أي كامل العلم فلا يكون شيء من أفعاله إلا على وجه الحكمة والصواب يختص برحمته التي بلغت في الشرف وعلو المرتبة إلى أن تكون أعلى وأجل من أن تقاس من النبوة والرسالة والدين من يشاء محمدا وأصحابه والله ذو الفضل العظيم (74) فلا نهاية لمراتب إعزاز الله وإكرامه لعباده ومن أهل الكتاب أي اليهود من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك بغير تعب كعبد الله بن سلام وأصحابه ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك بل يستحله إلا ما دمت عليه قائما أي مطالبا مخاصما ككعب بن الأشرف وأصحابه.

قال ابن عباس: أودع رجل قرشي عبد الله بن سلام ألفا ومائتي أوقية من ذهب فأداه إليه.

وأودع قرشي آخر فنحاص بن عازوراء فخانه، فنزلت هذه الآية.

تنبيه: معنى الباء إلصاق الأمانة كما، أن معنى على في قولك أمنته على كذا، استعلاء الأمانة، فمن ائتمن على شيء فقد صار ذلك الشيء في معنى الملتصق به، وصار المودع كالمستعلي على تلك الأمانة. ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل أي ذلك الاستحلال والخيانة مستحق بسبب أنهم يقولون: ليس علينا فيما أصبنا من أموال العرب سبيل. أي قدرة على المطالبة والإلزام فإنهم قالوا: نحن أبناء الله وأحباؤه والخلق لنا عبيد، فلا سبيل لأحد علينا إذا أكلنا أموال عبيدنا. أو المعنى ليس علينا في أخذ أموال العرب سبيل أي إثم فإنهم قالوا: أموال العرب حلال لنا لأنهم ليسوا على ديننا ولا حرمة لهم في كتابنا وكانوا يستحلون ظلم من خالفهم في دينهم. ويقولون

على الله الكذب وهم يعلمون

(75) أي إنهم قالوا: إن جواز الخيانة مع المخالف مذكور في التوراة وكانوا كاذبين في ذلك وعالمين بكونهم كاذبين فيه ومن كان كذلك كانت خيانته أعظم وجرمه أفحش بلى على اليهود في العرب سبيل وهذا رد على اليهود ولكن من أوفى بعهده فيما بينه وبين الله أو بينه وبين الناس واتقى عن نقض العهد بالخيانة وترك الأمانة فإن الله يحب المتقين (76) . وهذه الآية دالة على تعظيم أمر الوفاء بالعهد وذلك لأن

Page 134