إن وزارة للعائلة في مصر يمكن أن تشتغل بمائة شأن وشأن. وهي تحتاج إلى موظفين متمدنين من العلميين والسيكلوجيين والفلاسفة والقانونيين والاجتماعيين هدفهم جميعا: السعادة لأبناء مصر.
ولكن مركز المرأة في العائلة لا يزال دون مركز الرجل. فإن سيادة الرجل عليها، وإطلاق حريته في الطلاق وتعدد الزوجات، قد جعل مكانتها الاجتماعية منحطة كما جعل مركزها العائلي مزعزعا لا يستقر. وهذه الحقوق التي يستمتع بها الرجل استمتاعا مطلقا استبداديا يؤكد سيادته عليها إذ هو يشهر عليها سلاحا هي عزلاء منه.
واعتقادي أن انتصار المرأة في التعليم، ثم في الميادين الاقتصادية المختلفة، سيضطر الرجال في مصر إلى الاعتراف بالمساواة المطلقة في الحقوق العائلية. ولن تكون هذه المساواة بالطبع ممارسة المرأة لحق الطلاق أو تعدد الأزواج كما يمارسها الرجال؛ فإن هذا هراء. وإنما المساواة سوف تتحقق بحرمان الرجل هذين الحقين.
وعلى كل رجل نبيل الذهن، وعلى كل امرأة تنشد الحق والعدل، أن يسعيا لإلغاء هذين الحقين عند الرجال. ونعني الإلغاء من حيث الحرية المطلقة للطلاق أو التعدد، ورد هذين الحقين إلى هيئة القضاء وحده في محكمة تنتظم في دستور الدولة العام.
هؤلاء الأمهات
يكاد القارئ لفرويد يحس كأن البيت مكان لعذاب الطفل في السنوات الثلاث أو الأربع الأولى من عمره. وهو عذاب نفسي؛ إذ هو يحب أمه حبا جنسيا غامضا، وهو لذلك يحس كراهية لأبيه وخوفا منه. ثم تنشأ فيه المركبات المؤلفة من الحب للأم والكراهية للأب والإحساس بالخطأ لهذا الموقف، ثم الخزي والندم لهذا الإحساس.
وتحيا معه هذه المركبات، وتتخذ ألوانا أخرى وصيغا أخرى وتتكون منها حوافز ودوافع في مستقبل العمر قد تنتهي بالدمار الأخلاقي أو المرض النفسي في بعض الأحيان .
ونحس أيضا، ونحن نقرأ فرويد وغير فرويد، كأن الطفل كتلة من الأنانية التي لا يخالطها أدنى بر. وأنه، لهذه الأنانية، شقي بالعلاقات القائمة بينه وبين أبيه وأخوته من ناحية، وبين أمه التي يريد أن يستأثر بحبها ولا يطيق أن يشاركه في هذا الحب أحد من ناحية أخرى.
وليس شك أن بعضا من الأجزاء في هذه الصورة القاتمة صحيح. ولكن الذي لم يتنبه إليه فرويد أن الطفل في أنانيته وحيوانيته يتعلم من الحب الغامر الذي تضفيه عليه أمه حبا آخر يشبه الإيثار وينأى عن الأنانية والحيوانية.
ذلك أن حب الأم لطفلها إيثار. والطفل يستجيب إلى هذا الحب الإيثاري بحب إيثاري مثله، لا لأمه فقط، بل لإخوته ولجميع من يتصل بهم من الناس. بل هو ينشأ على هذا الحب الإيثاري ويعامل المجتمع به لأنه رأى قدوته قبل ذلك في أمه.
Unknown page