ثم هي لهذا الموقف السيكولوجي؛ أي لقصرها عنايتها على الزوج والبيت، تنسى القيم الاجتماعية الإيثارية ولا تعود تبالي غير القيم الأنانية أي البيت والزوج. بل حتى حين تجد من زوجها اتجاهات اجتماعية مثل خدمة الوطن، أو العناية بالمذاهب والمبادئ، أو التضحية بشيء من مصلحته الخاصة لأجل الخير العام، حين تجد ذلك منه، تكفه؛ إذ لا قيمة لكل هذه الأشياء إزاء ارتباطه بها وحدها. فهي تجره إلى الأرض إذا أحست منه أية رغبة في الارتفاع إلى السماء.
أليس هو عائلها ومكسبها وموئلها؟
إنها لا تعرف غيره ترسي عليه قواعدها في الحياة، فهي تستمسك به، وتتبرج له، وتعد نفسها كل يوم لأن تكون أنثى أكثر من أن تكون إنسانا.
ولكن ليس هذا شأن الفتاة التي احترفت حرفة واستقلت وعاشت منها؛ فإنها تفكر في الزواج كما يفكر فيه الرجل باعتبار أنه شركة شريفة يراد منها سعادة الزوجين، وليس باعتبار أنه وسيلة للعيش من كد الزوج وتعبه؛ إذ هي تستطيع أن تكد وتتعب مثله وتعيش.
ولذلك أيضا تعد الفتاة التي عملت وكسبت من عملها قبل الزواج، تعد خير الزوجات عندما تتزوج، ليس فقط لأنها لا ترصد كل وقتها لزيادة محاسنها التي تغري بها زوجها حتى لا يلتفت إلى غيرها، وإنما لأن اختباراتها السابقة في عملها الحر، أو خدمتها الحكومية، تجعلها تفهم المجتمع الذي تعيش فيه وتحملها على ألا تقصر نشاطها على البيت إذ هي لا تنسى هذا المجتمع بجميع مسئولياته ومسراته. ثم هي، لأنها تفهم هذا المجتمع وتفهم قيمة العمل ومسئولياته، تعرف مسئوليات زوجها وتفطن لمتاعبه وهمومه.
إنها تعرف معنى المواعيد التي لا تكاد زوجة لم تعمل من قبل تعرف معناها. وهي تفطن لقيمة السلوك في المعاملة، وقيمة الزي اللائق، وقيمة الدراسة، وقيمة الجريدة في التنوير السياسي والاجتماعي، وقيمة الكتاب في الحياة الفلسفية.
وصحيح أن الزوج لا يجد فيها ذلك التواضع، أو التخاضع، الذي يجده من الزوجة التي لم تحترف حرفة ولم تكسب قرشا. ولكن الحياة الزوجية السليمة في نظر الرجل السليم هي حياة التكافؤ والزمالة وليست حياة السيادة والكبرياء. ولست أنكر أن هناك شبانا يخشون الزواج من فتاة جامعية متعلمة، ومرجع هذا إلى أنهم يجدون فيها أو بالأحرى في تعليمها مهانة لكرامتهم؛ إذ قد تمتاز هي على الزوج بثقافة أو علم أو فن، أو هم يخشونها لأنها تعرف كثيرا وهم يؤثرون السذاجة على المعرفة.
وهم ينسون أولا أن من مصلحة البيت، إذا كان الزوج جاهلا أو منخفض المستوى في التعليم، أن تكون الزوجة متعلمة؛ لأن زوجا جاهلا مع زوجة متعلمة خير من زوجين جاهلين. وينسون ثانيا أن هذه السذاجة المنشودة لا تزيد على أن تكون جهلا سوف ينعكس أثره السيئ في إدارة البيت وتربية الأبناء.
والآن أحب أن أنتقد.
ذلك أن المكتب الذي زرته في مصلحة الشهر العقاري كان يحوي الموظفات دون الموظفين. ولست أشك أن منع الاختلاط بين الجنسين قد قصد هنا، فكأننا قد سلمنا بالانتفاع بخدمة المرأة ولكن مع الاحتفاظ بالفصل بين الجنسين.
Unknown page