Mara Fi Jahiliyya

Habib Zayyat d. 1373 AH
21

Mara Fi Jahiliyya

المرأة في الجاهلية

Genres

وأتبع ذلك بأبيات في مثل هذا المعنى وصف فيها الشوق وحرقة البعد، ثم وقف فجأة فقال:

لي ابن عم على ما كان من خلق

مختلفان فأقليه ويقليني

فجمع في قصيدة واحدة بين صفة الحب وصفة البغض، وما أبطأت مثل هذه العادة أن تملكت من كل الخواطر، حتى صار النسيب وهو وصف المرأة وذكر الأشواق؛ واجبا لا بد منه في مطلع كل قصيدة، ولا سيما قصائد المدح، كما يشاهد في المنقول من شعر العرب؛ ولذلك لما أنكر الحسن بن زيد على ابن المولى ذكره النساء في شعره وتشبيبه بهن وقال له: من ليلى هذه التي تصفها في شعرك؟ قال له ابن المولى: ما هي إلا قوسي هذه، سميتها ليلى لأذكرها في شعري؛ لأن الشعر لا يحسن إلا بالتشبيب. ووقع لابن المولى هذا مثل هذه القصة مع عبد الملك بن مروان لما قال له: أخبرني عن ليلى التي تقول فيها:

وأبكى فلا ليلى بكت من صبابة

إلي ولا ليلى لذي الود تبذل

والله لئن كانت حرة لأزوجنك إياها، ولئن كانت أمة لأبتاعنها لك بما بلغت. فقال: كلا يا أمير المؤمنين، ما كنت لأذكر حرمة حر ولا أمته، ما ليلى إلا قوسي هذه سميتها ليلى لأشبب بها. فقال له عبد الملك: ذلك أظرف لك. وزاد المتأخرون تمسكا بهذه العادة حتى أصبح كل شاعر عندهم مضطرا أن يتعشق ويصف النساء في مقدمة شعره ولو لم يكن متيما بهن، وقد أنكر ذلك عليهم المتنبئ:

إذا كان مدح فالنسيب المقدم

أكل فصيح قال شعرا متيم

وعلى كل فإن لم يكن بد من النسيب والتغزل في الشعر، فكل ذي حظ من الأدب يؤثر معي طريقة العرب الأقدمين في التشبيب بالنساء والشكوى من بعادهن والتشوق لقربهن على هذه الطريقة القذرة، التي ولع بها المولدون من التغزل بالغلمان وذكر أوقات الاجتماع بهم، وما يرتكب في خلالها من ضروب المحرمات وأصناف الفسق، مما أخذوه - ولا بد - عمن خالطهم بعد الجاهلية من الأعاجم، ولينظر أي فرق بين نسيب العرب وبين تغزل المولدين، فإن شعر الأولين كان في الغالب عفيفا، إذا أنشدته العذراء في خدرها لم تستحي له، بخلاف الثاني مما يرجع الفضل فيه إلى تأثير المرأة على أفئدة العرب وحفظها لآدابهم.

Unknown page