248

قال عبد الله بن عمار بن يغوث : ما رأيت مكثورا قط ، قد قتل ولده وأهل بيته وصحبه ، أربط جأشا منه ولا أمضى جنانا ولا أجرأ مقدما ، ولقد كان الرجال تنكشف بين يديه إذا شد فيها ولم يثبت له أحد (1).

فصاح عمر بن سعد بالجمع : هذا ابن الأنزع البطين ، هذا ابن قتال العرب ، احملوا عليه من كل جانب. فأتته أربعة آلاف نبلة (2)، وحال الرجال بينه وبين رحله ، فصاح بهم : «يا شيعة آل أبي سفيان ، إن لم يكن لكم دين وكنتم ولا تخافون المعاد ، فكونوا أحرارا في دنياكم ، وارجعوا إلى أحسابكم إن كنتم عربا ، كما تزعمون».

فناداه شمر : ما تقول يابن فاطمة ؟ قال : «أنا الذي اقاتلكم ، والنساء ليس عليهن جناح ، فامنعوا عتاتكم عن التعرض لحرمي ما دمت حيا».

قال اقصدوني بنفسي واتركوا حرمي

قد حان حيني وقد لاحت لوائحه

فقال الشمر : لك ذلك.

وقصده القوم واشتد القتال وقد اشتد به العطش (3)، فحمل من نحو الفرات على عمرو بن الحجاج ، وكان في أربعة آلاف ، فكشفهم عن الماء وأقحم الفرس الماء فلما هم الفرس ليشرب قال الحسين (ع): «أنت عطشان وأنا عطشان ، فلا أشرب حتى تشرب». فرفع الفرس رأسه كأنه فهم الكلام ، ولما مد الحسين (ع) يده ليشرب ناداه رجل : أتلتذ بالماء وقد هتكت حرمك؟! فرمى الماء ولم يشرب ، وقصد الخيمة (4).

أقول : إني لا أضمن صحة هذا الحديث المتضمن ؛ لامتناع الفرس من الشرب ، ولرمي الحسين (ع) الماء من يده لمجرد قول الأعداء ، وهو العالم بأنه مكيدة ، لكن خصائص هذا اليوم المختصة بسيد الشهداء ومن معه على أن يقضوا عطاشى خارجة عما نعرفه ، ولا سبيل لنا إلا التسليم بعد أن كان الإمام (عليه السلام) حكيما في أفعاله وأقواله لا

Page 275