فلما قرأ يزيد الكتاب أنشأ يقول (1):
جاء البريد بقرطاس يخب به
فأوجس القلب من قرطاسه فزعا
وسار إلى دمشق ، فوصلها بعد ثلاثة أيام من دفن معاوية (2)، وخرج الضحاك في جماعة لاستقباله ، فلما وافاهم يزيد جاء به الضحاك أولا إلى قبر أبيه ، فصلى عند القبر.
ثم دخل البلد ورقى المنبر ، وقال : أيها الناس ، كان معاوية عبدا من عبيد الله ، أنعم الله عليه ثم قبضه إليه. وهو خير من بعده ودون من قبله. ولا أزكيه على الله عز وجل ؛ فإنه أعلم به ، إن عفا عنه فبرحمته ، وإن عاقبه فبذنبه. وقد وليت الأمر من بعده ، ولست آسى على طلب ، ولا أعتذر من تفريط ، وإذا أراد الله شيئا كان . ولقد كان معاوية يغزو بكم في البحر ، وإني لست حاملا أحدا من المسلمين في البحر. وكان يشتيكم بأرض الروم ، ولست مشتيا أحدا بأرض الروم. وكان يخرج عطاءكم أثلاثا ، وأنا أجمعه كله لكم (3).
فلم يقدم أحد على تعزيته حتى دخل عليه عبد الله بن همام السلولي ، فقال : يا أمير المؤمنين ، آجرك الله على الرزية ، وبارك لك في العطية ، وأعانك على الرعية ، فقد رزئت عظيما واعطيت جسيما ، فاشكر الله على ما اعطيت ، واصبر على ما رزئت. فقد فقدت خليفة الله واعطيت خلافة الله ، ففارقت جليلا ووهبت جزيلا ، إذ قضى
Page 127