بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي قد نورا ... محدثا بنور سيد الورى أ، ب ، ج/2

وخصنا بصحة الإسناد ... إلى نبينا العظيم الهادي

صلى عليه الله ما الحديث من الصحاح زانه التحديث

وآله وصحبه العدول والتابعين حافظي النقول

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه. وبعد ، فهذه تعليقات متواضعة على منظومة الشيخ عبد الله بن فودي رحمه الله تعالى في علم المصطلح. وقد كتبتها لنفسي ولمن شاء الله أن ينتفع بها من طلبة العلم. وحذوت فيها حذو محدث العصر العلامة أحمد شاكر في شرحه لألفية الإمام جلال الدين السيوطي رحمهما الله مع توسع لم يرد في شرحه . أسأل الله أن يتقبله ويجعله خالصا لوجهه إنه نعم المولى ونعم النصير.

يراد بالإسناد الطريق الموصل إلى المتن. فالحديث إنما يروى عن طريق سلسلة من الرواة الذين سمع بعضهم من بعض إلى الصحابي الذي سمعه من النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وقد اهتم به علماء المسلمين في القرن الأول وما بعده حتى قال محمد بن سيرين (ت 110ه): "الإسناد من الدين، ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء".

...وقال شعبة بن الحجاج (ت 160ه): "كل حديث ليس فيه حدثنا وحدثنا فهو مثل الرجل بالفلاة معه البعير ليس له خطام". فكما أن ذلك الرجل لا يستطيع توجيه بعيره فكذلك لا يستطيع المحدث نقد الحديث وضبطه ومعرفة صحيحه من سقيمه إلا بالإسناد.

Page 23

وأشار الناظم رحمه الله إلى أن الرواية عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالإسناد الصحيح المتصل مما اختصت به هذه الأمة دون سائر الأمم من اليهود والنصارى وغيرهم. فهم لا يقفون على أخبار أنبيائهم إلا بالطرق المعضلة والمنقطعة والمرسلة وبرواية الكذابين والمتروكين والمجهولين كما ذكر ذلك أبو محمد بن حزم الأندلسي (ت456ه). فسبحان من حفظ لهذه الأمة دينها كتابا وسنة (والله متم نوره ولو كره الكافرون) [الصف : 8].

وبعد فاعلم الحديث أفضل بعد القران كل علم يصل

لربنا لأنه كلام رسوله دام له السلام

وعلمه المخصوص بالدرايه يبين المخصوص بالروايه

ينقسم علم الحديث إلى قسمين:

أ- علم الحديث رواية : وهو الذي يشتمل على ضبط الحديث ونقله وروايته وتحرير ألفاظه. ومن كتب هذا النوع الصحيحان والسنن الأربعة وكذلك المسانيد والمعاجم والأجزاء الحديثية.

ب - علم الحديث دراية : وهو العلم الذي يعرف به حقيقة الرواية وشروطها وأنواعها وأحكامها وحال الرواة وشروطهم وأصناف المرويات وفقهها. وهذا النوع يخدم سابقه وهو معنى قوله "وعلمه المخصوص بالدراية يبين المخصوص بالرواية" وللتعريف به صنفت هذه المنظومة كما سيأتي.

لذا أردت فيه* نظما يحوي علومه مصباح كل راوي

* أي في علم الحديث دراية

مسهلا مخترع الترتيب يجود بالمثال للتقريب أ،ج/3

10 معتذرا من قول ناقديه بوهم او جهل يكون فيه

بضعف همة50 مع الشواغل وقلة العلم وقلب غافل

مع هرج يموج في البلاد* وفتنة الجوع مع الجراد

Page 24

لولا امتنان الله ماذا يرتجي مثلي ولكني إليه ألتجي هو الحليم الواسع العطاء فمنه أرجو أحسن الجزاء

* هذا كان في عام 1212ه كما ذكره رحمه الله في آخر المنظومة . وكتب في الحاشية ما نصه : (وهذا الشهر في النظم أصالة إلا أني نسيته حين الكتب).

مقدمة:

وحده قواعد معرفة أحوال مروي وراو فاعرفه51

موضوعه شيئان متن وسند غايته تمييز مقبول ورد

والمتن الحديث في تحقيقه والسند الإخبار عن طريقه أ/4

والخبر الحديث ما إلى النبي ... أضيف أو لتابع أو صاحبي ج/4

أو الحديث للنبي والخبر ... لغيره وعم هذين الأثر ب/3

...حد علم المصطلح يعني تعريفه وهو معرفة القواعد التي يتوصل بها إلى معرفة حال الراوي والمروي . وهذا تعريف الحافظ في النكت.52 وموضوع هذا العلم : المتن والإسناد. فأما المتن فهو نص الحديث المروي. والإسناد هو سلسلة الرواة التي عن طريقها يتم الإخبار بالحديث.

واختلفت أقوال العلماء في تعريف الحديث والخبر والأثر:

فالحديث: هو ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم من قول أو فعل أو تقرير أو صفة. والخبر: مرادف له أي أن معناهما واحد.

...وقيل: الخبر ما أضيف إلى غير النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

...وقيل : الخبر أعم من الحديث بمعنى أنه يشمل ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وما أضيف إلى غيره.

والأثر: يطلق على الحديث أيضا فيرادفه . وقيل: هو ما أضيف إلى الصحابة والتابعين من الأقوال والأفعال.

والمسند الراوي الحديث بالسند وفوقه محدث له مدد

علم الرجال والمتون حائزا ... إسنادها وللصحيح مائزا

وفوقه الحافظ من قد انتقا كألف ألف والشيوخ حققا

هذه مراتب علماء الحديث.

Page 25

فأولهم : المسند بكسر النون. وهو الذي يروي الحديث بإسناده.

يليه-وهو الثاني-: المحدث. (له مدد) أي زيادة على ما عند المسند.

وحد المحدث عند الناظم هو: من حاز علم الرجال جرحا وتعديلا وحفظ متون الأحاديث وعرف صحيح أسانيدها من سقيمها.

ويليه في علو الرتبة-وهو الثالث-: الحافظ. وهو الذي توسع حتى حفظ جملة مستكثرة من الحديث وحفظ الرجال طبقة طبقة بحيث يكون ما يعرف من أحوالهم وتراجمهم وبلدانهم أكثر مما لا يعرف. ومثل له الناظم بمن حفظ ألف ألف حديث كأحمد ابن حنبل ويحيى بن معين فقد روي عن كل واحد منهما أنه يحفظ ألف ألف حديث. والمقصود: الطرق والأسانيد، وإلا فإن متون الأحاديث لا تصل إلى هذا العدد.

والرابع : الحاكم. ولم يذكره الناظم. وهو الذي أحاط علما بجل الأحاديث المروية متنا وإسنادا وجرحا وتعديلا وتأريخا.

واضعه : لرامهرمزا نمي53 مع حاكم يلي أبو نعيم

ثم الخطيب مرجع الرجال من بعده عليه كالعيال

قال الحافظ ابن حجر في كتابه نزهة النظر54 : فمن أول من صنف في ذلك القاضي أبو محمد الرامهرمزي (ت 360ه) في كتابه ((المحدث الفاصل)) لكنه لم يستوعب. والحاكم أبو عبد الله النيسابوي (ت 405ه) لكنه لم يهذب ولم يرتب. وتلاه أبو نعيم الأصبهاني (ت 320ه) فعمل على كتابه مستخرجا وأبقى أشياء للمتعقب، ثم جاء بعدهم الخطيب أبو بكر البغدادي (ت 463ه) فصنف في قوانين الرواية كتابا سماه ((الكفاية)) وفي آدابها كتابا سماه ((الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع)) وقل فن من فنون الحديث إلا وصنف فيه كتابا مفردا فكان كما قال الحافظ أبو بكر ابن نقطة (ت 529ه): كل من أنصف علم أن المحدثين بعد الخطيب عيال على كتبه.

Page 26

حتى تناهى لابن الصلاح ... فلاح55 في يديه كالصباح والنووي56 والزركشي العراقي ... على مراقيه الجميع راقي أ،ج/5

...ابن الصلاح هو الحافظ تقي الدين أبو عمرو عثمان بن الصلاح عبد الرحمن الشهرزوري (ت 643ه) له كتاب معرفة أنواع علم الحديث.

...قال الحافظ في نزهة النظر57 : اعتنى ابن الصلاح بتصانيف الخطيب المفرقة فجمع شتات مقاصدها وضم إليها من غيرها نخب فوائدها فاجتمع في كتابه ما تفرق في غيره فلهذا عكف الناس عليه وساروا بسيره فلا يحصى كم ناظم له ومختصر ومستدرك عليه ومعارض له ومقتصر له ومنتصر اه.

...ثم جاء بعده من ذكرهم الناظم وهم:

1- أبو زكريا يحيى بن شرف النووي (ت 676ه) : فصنف مختصرا لمقدمة ابن الصلاح سماه "الإرشاد" ثم اختصر هذا المختصر في كتاب "التقريب والتيسير لسنن البشير النذير". وهو الذي شرحه السيوطي في تدريب الراوي.

2- بدر الدين محمد بن عبد الله بن بهادر الزركشي (ت794ه). صنف كتاب النكت على كتاب ابن الصلاح وله أيضا كتاب في تخريج أحاديث شرح الرافعي لوجيز الغزالي المسمى بالشرح الكبير في فقه الشافعية.

3- أبو الفضل زين الدين عبد الرحمن بن الحسين العراقي (ت 806ه). وله في علوم الحديث عدة كتب . فهو صاحب الألفية المشهورة "نظم الدرر في علم الأثر" وشرحها فتح المغيث، وهو غير شرح السخاوي الذي هو على الألفية نفسها. وله أيضا شرح التبصرة والتذكرة على الألفية كذلك. ومن أشهر كتبه كتاب التقييد والإيضاح لما أبهم وأطلق من مقدمة ابن الصلاح.

أنواع علم الحديث:

أنواعه زادت على تسعين ... ثم الحديث عند الأكثرين

Page 27