بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده , والصلاة والسلام على من لا نبي بعده , وآله وصحبه , وبعد :
فإن الله سبحانه قد بعث نبيه بالهدى والنور , فنصح وبلغ , وبين وأرشد , حتى أتاه اليقين , وقد ترك أمته على المحجة البيضاء , ليلها كنهارها , لا يزيغ عنها إلا هالك , وعلى ذلك مضى أصحابه , والتابعون لهم بإحسان .
ثم ظهر لضعف الإيمان , والأخذ عن علوم السابقين , واعتماد العقل , واطراح النقل طوائف متعددة , تكلمت في الاعتقاد , بما قدمته عقولها وما تخيلته تصوراتها , فأولوا نصوص الكتاب والسنة بما يوافق مذاهبهم , وردوا أخبار المصطفى ؛ لتقوى طرقهم .
فقيض الله لهذا الدين من ينفي عنه انتحال المبطلين , وتحريف الغالين وتعرض الطاعنين .
ثم لم يزل هذا الصراع بين فسطاط السنة وأهلها , وفسطاط البدعة ومتبعيها :
تحقيقا لخبر الصادق المصدوق : ( أن لا تزال طائفة على الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم , ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله تعالى ) (¬1) .
وفي خضم هذا الصراع . حرص أهل العلم الكبار , وأهل التبرير من غيرهم (¬2) , على تدوين عقائدهم , لئلا يرموا بما لا يعتقدونه , أو يتهموا بما لا يدينون به , ولكي يكون سبيلا يسلكه من تتلمذ على أيديهم , أو اقتفى سبيلهم , أو كان من تابعيهم .
ومن هنا برزت هذه الأجزاء الصغيرة المعروفة بالمعتقدات (¬3) .
Page 2
ومن بين المعتقدات التي اشتهرت بين أهل العلم , المنظومة الدالية لأبي الخطاب , محفوظ بن أحمد الكلوذاني رحمه الله والتي ستراها محققة مضبوطة , لعظم نفعها , ولما لها من مميزات , والله الموفق .
كتبه
Page 3
هانئ بن عبدالله بن محمد بن جبير ترجمة الناظم (¬1) رحمه الله :
نسبه ولقبه وكنيته :
هو : أبو الخطاب محفوظ بن أحمد بن الحسن بن أحمد الكلوذاني , نسبة إلى كلوذا , وهي من نواحي بغداد , ويلقب بنجم الهدى .
ولادته :
ولد في الثامن من شوال سنة اثنتين وثلاثين وأربع مئة للهجرة .
طلبه للعلم وشيوخه :
أخذ رحمه الله عن جملة من الشيوخ , وكتب بخطه كثيرا من مسموعاته .
فمن شيوخه في الحديث : الجوهري , والعشاري , وأبو علي الجازري , والمباركي , وأبو الفضل بن الكوفي , وأبو الحسين بن المهتدي .
وأما في الفقه : فقد أخذ عن القاضي أبي يعلى , ولازمه , وانتفع به , وتخرج على يديه , مما برع في المذهب والخلاف .
وأخذ أيضا عن أبي عبدالله الوني , الفقه والفرائض , وبرع فيهما .
وصار رحمه الله إمام عصره , وفريد وقته , في الفقه والأصول , ودرس , وقصده الطلبة .
Page 4
تلاميذه ومصنفاته :
روى عنه : محمد بن ناصر الحافظ , وأبو المعمر الأنصاري , وأبو طالب بن خضير , وغيرهم .
وأخذ عنه الفقه : عبدالوهاب بن حمزة , وأبو بكر الدينوري , والشيخ عبدالقادر الجيلي الزاهد .
وصنف الكثير من الكتب الحسان , في الفقه , والفرائض , والأصول , والخلاف منها :
1. الهداية في الفقه .
2. الانتصار في المسائل الكبار , ورؤوس المسائل , في الخلاف .
3. التهذيب في الفرائض .
4. والتمهيد في الأصول .
مكانته العلمية , وثناء العلماء عليه :
قال السلفي : أبو الخطاب من أئمة أصحاب أحمد .
وقال أبو بكر بن النقور : كان الكيا الهراسي إذا رأى الشيخ أبا الخطاب مقبلا قال :
" قد جاء الفقه " .
وقال الذهبي في " العبر " عنه : " كان إماما , علامة , ورعا , صالحا , وافر العقل , غزير العلم , حسن المحاضرة , جيد النظم " .
فقد كان بالجملة أحد أعلام المذهب , ومجتهديه ؛ له من التحقيق , والتدقيق الحسن في مسائل الفقه وأصوله , شيء كثير جدا , وله مسائل ينفرد بها عن سائر الأصحاب , وقد ذكر ابن رجب في ذيله على الطبقات جملة منها .
وفاته :
توفي رحمه الله في جمادى الآخرة سنة عشرة وخمس مئة , وفي تحديد الوقت اختلاف , فقيل في آخر يوم الأربعاء الثالث والعشرين , وقيل سحر يوم الخميس .
واتفقوا على أنه دفن يوم الجمعة .
Page 5
قال ابن رجب رحمه الله : قرأت بخط أبي العباس بن تيمية في تعاليقه القديمة : رئي الإمام أبو الخطاب في المنام فقيل له : ما فعل الله بك ؟ فأنشد :
أتيت ربي بمثل هذا ... فقال ذا المذهب الرشيد
محفوظ نم في الجنان حتى ... ينقلك السائق الشهيد
رحم الله أبا الخطاب , وغفر له , وأسكنه فسيح جناته .
Page 6