وفيما بعد ظهيرة يوم الرابع عشر من يونيو، هبت ريح من ناحية الشمال، وأخذت السفينة تهتز كما لو كان كل ما فيها من ألواح خشبية سوف تتفكك بعضها من بعض. شعر الناس بالغثيان وفاضت الدلاء التي كانوا يتقيئون فيها، وأخذت محتوياتها تتسرب وتنتشر في كل مكان على سطح السفينة. وصدر أمر لجميع الركاب بأن يتركوا سطح السفينة، غير أن الكثير منهم سقط عند سور السفينة، ولم يعبأ إن كان سيغمره الماء أم لا. ومع ذلك، لم يصب أي من أفراد عائلتي بالغثيان، وها هي الريح قد هدأت، والشمس قد أشرقت، ونهض الذين لم يكونوا يعبئون إن كانوا سيموتون في القذارة أم لا منذ فترة قليلة، وأخذوا يجرجرون أنفسهم حتى يغتسلوا؛ حيث كان البحارة يسكبون دلاء المياه في جميع الأرجاء على سطح السفينة. وكانت النساء مشغولات في غسل الملابس المتسخة وشطفها وعصرها. لقد كانت هذه أسوأ وأسرع معاناة أراها في حياتي كلها ...
وقفت فتاة صغيرة عمرها عشرة أعوام أو اثنا عشر عاما تشاهد والتر وهو يكتب. وكانت ترتدي ثوبا رائعا وقلنسوة، وكان لها شعر مجعد لونه بني فاتح، غير أن وجهها لم يكن جميلا كالوجه الصغير الجميل.
قالت: «هل أنت أحد نزلاء الكبائن؟»
رد والتر: «لا، لست كذلك.» «أعرف أنك لست منهم؛ إذ لا توجد سوى أربع كبائن، الأولى لأبي ولي، والثانية لقبطان السفينة، والثالثة لأمه، وهي لا تخرج من غرفتها أبدا، والرابعة لسيدتين. لا يجوز لك الجلوس في هذا الجزء من سطح السفينة إلا إذا كنت أحد نزلاء الكبائن.»
رد والتر دون أن يهم بترك المكان قائلا: «حسنا، لم أكن أعرف ذلك.» «لقد رأيتك من قبل وأنت تكتب في دفترك.» «لم أرك.» «لا، كنت تكتب؛ ولذلك لم تلحظ وجودي.»
قال والتر: «حسنا. لقد انتهيت من الكتابة الآن على أي حال.»
قالت دون أن تبالي بشيء، كما لو كان الأمر مسألة اختيار وأنها قد تغير رأيها: «أنا لم أخبر أحدا عنك». •••
في نفس ذلك اليوم - لكن بعد ساعة، أو ما يقرب من ذلك - خرجت صيحة عالية من ناحية الميناء تقول إن هذا هو آخر جزء من اسكتلندا ستمر عليه السفينة، وبعدها ستختفي اسكتلندا عن الأنظار. صعد كل من والتر وأندرو إلى السطح حتى يلقيا النظرة الأخيرة على البلد، وهكذا فعلت ماري وجيمس الابن الذي كانت تحمله على خصرها، وغيرهم كثيرون. لم يذهب جيمس الأب، ولا أجنيس لأنها كانت تأبى التحرك من مكانها إلى أي مكان آخر، لا لسبب آخر سوى العناد. حث أولاد جيمس أباهم على الذهاب، لكنه قال: «الأمر لا يعني أي شيء بالنسبة إلي. لقد ألقيت آخر نظرة على إتريك، وهو ما يعني أنني قد ألقيت بالفعل آخر نظرة على اسكتلندا.»
وتبين أن صيحة الوداع هذه قد أطلقت قبل موعدها؛ إذ ظلت تظهر في الأفق حافة رمادية من الأرض، وذلك لعدة ساعات. كان كثيرون يتعبون من كثرة النظر إليها؛ فهي ليست سوى قطعة من الأرض، كأي أرض أخرى، لكن البعض لم يغادروا سور السفينة حتى تلاشى آخر جزء منها، مع بزوغ الفجر.
قال جيمس الأب مخاطبا أجنيس: «يجب أن تذهبي إلى هناك كي تودعي وطنك وأبيك وأمك؛ لأنك لن تري أيا منهم مرة أخرى. وما زال ينتظرك ما هو أسوأ. نعم، هذا صحيح، ما زال أمامك لعنة حواء (آلام الولادة).» قال ذلك وهو يتلذذ كتلذذ الوعاظ، غير أن أجنيس قالت في نفسها إنه حقير، ولم تكن لديها طاقة حتى كي تعبس في وجهه. «حقير. أنت ووطنك.» •••
Unknown page