269

Risālat al-shirk wa-maẓāhiruh

رسالة الشرك ومظاهره

Editor

أبي عبد الرحمن محمود

Publisher

دار الراية للنشر والتوزيع

Edition Number

الأولى ١٤٢٢هـ

Publication Year

٢٠٠١م

Genres

والاستشهاد لذلك بالحكايات عنهم واستيعابها ممل معجز؛ فلنقتصر على حكاية واحدة.
الحكاية العاشورية:
ففي سنة سبع وأربعين قتل شيخنا محمد الميلي ﵀، فأتيت من الأغواط، وجاء للتعزية الشيخ عاشور صاحب " منار الأشراف " وملقب نفسه: كليب الهامل، والهامل قرية بالحضنة قرب أبي سعادة، بها زاوية كانت تمده بالمال، فحضرت مجلسه، ولم أشعره بحضوري؛ إذ كان قد اجتمع عليه العمى والصمم، وذلك لئلا يحترز في حديثه أو نقع في حديث غير مناسب للمقام.
سمعت في ذلك المجلس بأذني كليب الهامل يحكي مناقضًا لدعوة الإِصلاح التي اشتهرت يومئذ: أن شيخًا من شيوخ الطرق الصوفية كان مع مريديه في سفينة، فهاج بهم البحر، وعلت أمواجه، فلجؤوا جميعًا إلى الله يسألون الفرج والسلامة، وكان الشيخ منفردًا في غرفة يدعو، فلم تنفرج الأزمة، وعادته أن لا يبطأ عليه بالإِجابة، فوقع في روعه أنه أتي من قبل أتباعه، لا لنقص فيه يوجب هذا الإِعراض عنه، فخرج على أتباعه مغضبًا، يقول: ماذا صنعتم في هذه الشدة؟ فقالوا: دعونا الله مخلصين له الدين بلسان المضطرين (إشارة لقوله تعالى: ﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ﴾ [النمل: ٦٢])، فنكر عليهم اللجوء إلى الله مباشرة، ووبخهم عليه، وعرفهم أن ذلك هو الحائل دون استجابة دعائه، وأنذرهم عاقبة استمرارهم على التوجه إلى ربهم، وأنه الغرق، وعلمهم أن واجبهم هو التوجه إليه وسؤاله، ثم هو وحده يتوجّه إلى الله، فتابوا من دعاء الموحدين، وامتثلوا تعليم الشيخ المخالف لتعليم رب العالمين، وعاد الشيخ إلى غرفته يدعو متوسطًا بين الله ومريديه، فانكشفت الغمة، وسلمت السفينة، وحمد الشيخ ثقته بنفسه وفقهه سر البطء عن استجابة دعائه

1 / 286