288

العدم قد يقيد بكونه مسبوقا بالوجود ، أو الممتنع قد يقيد عدمه بكونه مسبوقا بالوجود ، فلا يقتضي ذات الممتنع لذاته هذا العدم المقيد بهذا القيد. بل لا يمكن اتصافه به لكونه منافيا للامتناع الذاتي ، ولا يلزم من ذلك الانقلاب من الامتناع الذاتي إلى الوجوب الذاتي ، بناء على أن اقتضاءه للعدم مطلقا غير مقيد بقيد ينافيه باق بحاله. وكذلك إذا قيد الوجود بكونه ناشئا عن ذات الموصوف به ، أو قيد الممكن بكون وجوده ناشئا عن ذاته ، لم يمكن اتصاف ذات الممكن لذاته به ، لكونه منافيا للإمكان الذاتي الذي معناه عدم اقتضاء الوجود والعدم لذاته ، ولم يصر الممكن لذاته بذلك ممتنعا لذاته ، إذ نسبته إلى الوجود المطلق والعدم المطلق أي غير مقيد بالقيد المنافي باق بحاله ، (1) لم يتغير بعد ، وكذلك الوجود إذا قيد بالوجود القديم الأزلي المستمر في جميع أجزاء الأزل وفي جميع أوقاته المفروضة أو قيد الممكن بكون وجوده وجودا كذلك ، لم يمكن اتصاف ذات الممكن به لكونه منافيا للإمكان الذاتي ولو بعد النظر في الدليل ، حيث إنهم أقاموا الدليل على حدوث العالم بجملته حدوثا زمانيا أو دهريا ، ولم يصر الممكن لذاته بذلك ممتنعا لذاته ، إذ نسبته إلى الوجود المطلق غير مقيد بقيد ينافيه أي الوجود في الجملة وفي بعض أجزاء الأزل باق بحاله (2) لم يتغير بعد. والممتنع بذاته هو الذي لا يقبل الوجود بوجه من الوجوه وهذا الممكن ليس كذلك. ولأجل كون هذين الوجودين أي الوجود الازلي والوجود في الجملة مختلفين عندهم في جواز اتصاف ذات الممكن بالثاني دون الأول ، قالوا : إن أزلية الإمكان غير إمكان الأزلية وغير مستلزمة له كما بينه الشارح ، ونقل عن بعضهم إيرادا عليه ودفعه ، وإن كان الأظهر في دفع ذلك الإيراد ما ذكره المحشي الشيرازي بقوله :

أزلية الإمكان تقتضي أن يكون الوجود المطلق أي في الجملة جائزا للممكن في جميع أوقات الأزل ، على أن يكون الأوقات ظرفا للجواز والإمكان ، وذلك لا يستلزم كون الوجود في جميع تلك الأوقات ممكنا. على أن يكون الأوقات ظرفا للوجود.

وإنما كان أظهر في الدفع ، لأنه لا يسلم قول ذلك البعض بدلا أيضا كما سلمه الشارح ، فتفطن. وهذا الذي ذكرنا إنما هو بيان ما ذكره الشارح في التمهيد ، ومنه يظهر الجواب عن

Page 337