161

غير اعتبار انضمام صورة إليها لا يمكن أن يكون شرطا لتعلق النفس بها ، إذ الشرط كما عرفت يجب أن يكون أمرا وجوديا أي أمرا موجودا في حد ذاته يتوقف عليه وجود مشروطه ، والمادة البدنية كالهيولى الاولى ليست كذلك ، إذ وجودها إنما هو بصورتها ، فبقي أن يكون الشرط هو مادة البدن مع صورة خاصة ومزاج خاص وتركيب خاص ، أي مجموع المادة والصورة ، بحيث أن يكون مناسبا لمشروطه ويتوقف وجوده عليه.

ولا يخفى أنه لا يمكن أن يكون شيء من المراتب البدنية شرطا له ، أما ما قبل المرتبة النطفية ، كمرتبة الأجزاء الغذائية والأجزاء الخلطية ، فظاهر ، لأنه ليس في تلك المرتبة حدوث نفس ولا تعلقها بالبدن أصلا ، بل إنما ذلك في المرتبة المنوية كما هو المقرر عندهم. مع أن تلك المرتبة متغيرة جدا والشرط يجب أن يكون مجتمعا مع وجود مشروطه ، بحيث ينتفي وجود مشروطه بانتفائه والحال أن المشروط أي تعلق النفس بالبدن باق مع انتفاء تلك المرتبة ، سواء فرضنا حدوث النفس في المرتبة التي قبل المرتبة المنوية أو في المرتبة المنوية أو فيما بعدها.

وكذلك لا يمكن أن يكون شيء من المراتب التي بعد المرتبة المنوية ، كمرتبة العلقة والمضغة والعظم واللحم شرطا لذلك ، لأن المقرر عندهم ، أن تعلق النفس بالبدن ، إنما هو عند المرتبة النطفية ، وهي مع ذلك باقية بعينها في تلك المرتبة وفيما بعدها من المراتب ، إلى أوان حلول الأجل ، وواحدة بالذات مختلفة باعتبار الكمالات.

ومن المعلوم أيضا أن تلك المراتب متغيرة زائلة بصورها وهيآتها ، وكل مرتبة سابقة منها تنعدم بعد حصول المرتبة اللاحقة إلى أن يكمل البدن. وقد مر أيضا أن الشرط يجب أن يجامع مشروطه في الوجود ، فكيف يمكن أن يكون ما سوى المرتبة الأخيرة من المراتب لتغيرها شرطا لذلك ، أي لتعلق النفس بالبدن الذي هو باق بعينه في جميع تلك المراتب ، فبقي أن يكون المرتبة الأخيرة التي هي مرتبة كمال البدن شرطا له ، وهو أيضا لا يمكن أن يكون شرطا ، لأن حدوث النفس وكذا تعلقها بالبدن ، إنما هما قبل تلك المرتبة البتة ، والشرط لا يمكن أن يكون متأخرا في الوجود عن وجود مشروطه.

نعم لو أمكن أن يكون الشرط لشيء ما أمرا كليا منحصرا في أفراد محصورة ويكون الشرط بالحقيقة لذلك الشيء هو ذلك الأمر الكلي أي أفراده من حيث كونها أفرادا له ،

Page 210