لقبول النفس الناطقة ، فحينئذ يوجد النفس. فهذا ما قال هذا الفاضل فيه.
أقول : وقال الشيخ في الفصل الثالث من المقالة من علم النفس في الشفاء : فالنفس التي لكل حيوان هي جامعة اسطقسات بدنه ومؤلفها ومركبها على نحو يحصل معه أن يكون بدنا لها ، وهي حافظة لهذا البدن على النظام الذي ينبغي. (1)
فقول الشيخ في الشفاء والإشارات ، يخالف ما ذهب إليه الفاضل الشارح هاهنا وما نقله عن الشيخ في رسالته.
وأيضا إن كانت نفس الام مدبرة للمزاج فكيف فوضت التدبير بعد مدة إلى الناطقة ، وإنما يجري أمثال هذا بين فاعلين غير طبيعيين يفعلان بإرادات متجددة ، وإن كانت القوة المصورة مدبرة ، والمصورة من القوى الخادمة للنفس التي تكون بمنزلة آلات لها ، فكيف حدثت المصورة قبل حدوث النفس التي هي مخدومتها ، وكيف فعلت بذاتها ، فإن الآلة ليس من شأنها أن تفعل من غير مستعمل إياها ، وما يقتضيه القواعد الحكمية التي أفادها الشيخ وغيره ، هو أن النفس الأبوين تجمع بالقوة الجاذبة أجزاء غذائية ، ثم تجعلها أخلاطا ، وتفرز منها بالقوة المولدة مادة المني ، وتجعلها مستعدة لقبول قوة من شأنها إعداد المادة لصيرورتها إنسانا ، فتصير بتلك القوة منيا ، وتلك القوة تكون صورة حافظة لمزاج المني ، كالصور المعدنية ، ثم إن المني يتزايد كمالا في الرحم بحسب استعدادات يكتسبها هناك إلى أن يصير مستعدا لقبول نفس أكمل يصدر عنها مع حفظ المادة الأفعال النباتية ، فتجذب الغذاء وتضيفها إلى تلك المادة فتنميها ويتكامل المادة بتربيتها إياها فتصير تلك الصورة مصدرا مع ما كان يصدر عنها لهذه الأفاعيل ، وهكذا إلى أن تصير مستعدة لقبول نفس أكمل يصدر عنها مع جميع ما تقدم الأفعال الحيوانية أيضا فيصدر عنها تلك الأفعال أيضا ، فيتم البدن ويتكامل إلى أن يصير مستعدا لقبول نفس ناطقة يصدر عنها مع جميع ما تقدم النطق ، وتبقى مدبرة في البدن إلى أن يحل الأجل.
وقد شبهوا تلك القوى في أحوالها من مبدأ حدوثها إلى استكمالها نفسا مجردة بحرارة تحدث في فحم من نار مشتعلة تجاوره ثم تشتد ، فإن الفحم بتلك الحرارة يستعد لأن يتجمر ، وبالتجمر يستعد لأن يشتعل نارا شبيهة بالنار المجاورة ، فمبدأ الحرارة الحادثة في الفحم ، كتلك الصورة الحافظة ، واشتدادها كمبدإ الأفعال النباتية ، وتجمرها كمبدإ
Page 159