Manhaj Fi Fikr Carabi Mucasir
المنهج في الفكر العربي المعاصر: من فوضى التأسيس إلى الانتظام المنهجي
Genres
وبالمنهج التفكيكي الذي يخلصنا من الأوهام التي ارتبطت بهذا التاريخ ، ونستطيع أن نصل إلى ما حدث بالفعل منذ بدء التجربة التأسيسية للخلافة وإعادة كتابة التاريخ وفق المنهجيات الجديدة للحداثة، لهذا «ينبغي أن نفكك الأرثوذكسية المغلقة من الداخل، ولن يتم ذلك إلا ببحث تاريخي محرر يمكن له وحده أن يوصلنا إلى أبواب العلمنة في الإسلام.»
50
وإعادة كتابة التاريخ ينبغي أن تبدأ عنده بإعادة كتابة قصة تشكل النص القرآني من خلال دراسة نقدية؛ أي نقد القصة الرسمية للتشكيل التي رسخها التراث (الوحي) المنقول نقدا جذريا كما حدث في قراءة الروايات المتعلقة بالإنجيل والتوراة.
وما لم يجر تفكيك هذه الأنظمة اللاهوتية التيولوجيا «المسلمة، والمسيحية، واليهودية» المغلقة فلا أعتقد - يقول الكاتب - أن هناك حلا حاسما، بل ستبقى هذه الأنظمة وتظل تمارس أنواعا من الاستبعاد والنفي المتبادل، ما لم نتمكن ونتدرب على المنهجيات التاريخية الحديثة لتفكيك بنياتها «التي صممت وعاشت طيلة قرون وقرون بصفتها التعبير الأعلى والنهائي عن الحقيقة الواحدة المطلقة.»
51
فهو يراهن على الانفتاح المنهجي، وعلى كل السلالات المفاهيمية التي أنتجها الغرب، وعلى القلق الإبستيمولوجي (المعرفي) ويعتبره السلاح الأقوى في المضي نحو هذا التدشين المعرفي في العقل الإسلامي، أما الارتهان إلى الماضي ومصطلحاته فهو ضرب من الحمق الفكري والغباء المنهجي.
ويعاتب زملاءه من المفكرين العرب على سوء تشغيلهم لهذه المنهجيات، يقول: «انظروا كيف يطبق المنهج الماركسي والمنهجي البنيوي ومنهج علم النفس على الثقافة العربية والآداب العربية، النتائج خطيرة ومخيبة للآمال في معظم الأحيان»؛
52
لأنها لم تمارس النقد الجذري لأصول هذه الثقافة. هكذا يدعو أركون إلى تزييف الوعي، وتفكيك أنظمة التفكير العربي الإسلامي، دون أن يعيد التفكير في البناء وفق معطياتها الذاتية، وهذه واحدة من العيوب الأساسية في هذا المشروع لأنه يفكك دون أن يركب، بل أكاد أجزم أن التركيب لم يكن في الاعتبار وغير مفكر فيه عنده.
لتعزيز التوجه إلى العلمنة، يتابع أركون الحفر في ذاكرة الأمة التاريخية وتجاربها الحديثة، مستشهدا بتجربتين تاريخيتين: لبنان وتركيا، ويشيد بالتجربة التركية وبجرأتها في افتتاح وتدشين مسار جديد داخل العالم الإسلامي، وطرح مسألة العلمنة بشكل قوي، وفي الوقت نفسه ينتقدها لأنها لم تصل إلى عمق المجتمع؛ أي العلمنة الفكرية المعرفية والوجدانية. وبالفعل كانت المقدمات الحضارية والعقائدية للمجتمع التركي رغم مظاهر الانحلال عائقا معرفيا وتاريخيا في امتداد مشروع العلمنة، وما تعيشه تركيا اليوم يعبر عن هذا العمق الحضاري لشعبها.
Unknown page