Manhaj Fi Fikr Carabi Mucasir
المنهج في الفكر العربي المعاصر: من فوضى التأسيس إلى الانتظام المنهجي
Genres
هكذا تكلم الرجل. فهل فعلا استطاع الجابري أن يحقق هذا الانسجام بين أدواته التفسيرية وموضوعه «نقد العقل العربي» بمضلعاته الأربعة: «تكوين العقل»، «بنية العقل»، «العقل السياسي»، «العقل الأخلاقي»؟ ولإشكالات الفكر العربي المعاصر؟ وأن يحررها من أبعادها الأيديولوجية وإحالاتها الفلسفية؟ وأن يحقق بهذا العمل الضخم ما كان العرب يحلمون به؛ مشروع النهضة والتقدم والحداثة السياسية؟ فهذا الانتظام، والتجاوز المنهجي، والتبيئة المفاهيمية التي اشتغل عليها الجابري وأخذت منه وقتا من شأنها - كما يقول - أن تجعل من دراسة التراث وقضايا الفكر العربي المعاصر؛ دراسة نقدية عقلانية متجاوزا «الثقافة الشعبية، والخرافات، والأساطير» إلى الانخراط في نقد العقل بأدوات مأخوذة من الفكر العالمي الإنساني، ومحاولة غرسها في الحقل التداولي الفلسفي العربي.
وقد كان هذا الهاجس المنهجي مهيمنا على نفس الكتابة عنده، وما يؤكد هذا المنحى ما نجده في مقدمات مشروعه التي استغرقت صفحات؛ لهذا فقد «عانق إطار التحليل الإبستيمولوجي معانقة لصيقة ظلت تصادفنا بصماتها واصطلاحاتها على طول الأجزاء المكونة لمشروع «نقد العقل العربي»، فبالقدر الذي يثيرها في مقدمة «تكوين العقل العربي» يرسخها في خلاصته»،
62
أثناء مقارنة أجراها بين خطاب الكندي وخطاب الفارابي، وهو ما يثبته بقوله: «وإذا نحن نظرنا إلى خطاب الكندي وخطاب الفارابي من زاوية الأساس الإبستيمولوجي، أو النظام المعرفي الذي يؤسسهما وجدناهما خطابا واحدا؛ خطابا جديدا على الثقافة العربية الإسلامية يسجل لحظة جديدة في تاريخ تكون العقل العربي ...»
63
فالتأكيد على هذا الاختيار في التحليل أدى به إلى ارتشاف حاجياته المنهجية - كما ذكرنا آنفا - من حقول معرفية إنسانية تناسب موضوعه، فحينما يحتفل باللغة العربية معتبرا إياها مرجعا لقراءة فكرية كان لزاما عليه طرق باب علماء السيميائيات.
64
ويعبر عن هذا المنحى المنهجي فيقول: «وإذا أخذنا بالأطروحة العامة المقبولة (...) لدى علماء السيميائيات والإثنولوجية اللسانية، والقائلة: إن منظومة لغوية ما (الشيء الذي يعني ليس فقط مفرداتها بل أيضا نحوها وتراكيبها) تؤثر في طريقة رؤية أهلها للعالم وفي كيفية مفصلتهم له، وبالتالي في طريقة تفكيرهم؛ أمكن القول إن الكلمة التي يرجع بها إلى معناها اللغوي إنما يطلب مدلولها كما كان يتحدد داخل المنظومة اللغوية التي تنتمي إليها (...) وهذا ميسور جدا وبدرجة كبيرة في اللغة العربية الفصحى.»
65
فهذا الشاهد يظهر بدرجة كبيرة مدى ارتباط مقومات المنهج النقدي عند الجابري بأطروحات التفكير اللساني والإثنولوجية
Unknown page