Manhaj Fi Fikr Carabi Mucasir
المنهج في الفكر العربي المعاصر: من فوضى التأسيس إلى الانتظام المنهجي
Genres
55
ويطلب من الباحث أن يتجرد من ذاكرته التاريخية. مما يجعل هذه الموضوعية المتلقية موضوعية منزوعة الجذور لا انتماء لها. لكن هذا النموذج التفسيري مني بإخفاقات؛ لأن «الافتراضات التي استند إليها الفكر الموضوعي تنبع من العقلانية المادية لعصر التنوير، وقد ثبت أنها افتراضات إما خاطئة أو بسيطة إلى درجة كبيرة، ولذا فمقدرتها التفسيرية ضعيفة»،
56
رغم ذلك يؤكد المسيري أن لهذا النموذج فعاليته في مجاله (عالم الظواهر الطبيعية)، لكنه يفقدها ويصبح أداة اختزال حين يطبق على الظواهر الإنسانية، كما عرف استقطابا حادا بين العلماء في الغرب انتهى إلى أزمة المنهج في الفكر الغربي، وواكبته احتجاجات وانتقادات منذ عصر النهضة، ومراجعات للأسس المنهجية التي أفرزتها العقلانية المادية الغربية الأنوارية في مجالات شملت كل ميادين المعرفة (النقد الأدبي - اللغة - الفلسفة - التاريخ - العلوم الطبيعية والإنسانية].
ويطالبنا المسيري بإعادة تعريف الغرب «وفقا لما يطرحه والنتائج التي يحصدها من هذا الطرح، وعدم الاكتفاء بتعريفه وفقا لما يفرضه هو من تحيزاته، ثم الوقوف والتحرك في الحاضر صوب مستقبل تسوده قيم الإنسانية المشتركة وليس الفردوس الأرضي المزعوم.»
57
من شأن هذه القدرة في إعادة التعريف وإنشاء خرائط إدراكية بديلة أن تعيد ترتيب العلاقة بين الغرب والأمة على المستوى المعرفي والحضاري، ونخرج من دائرة الموضوعية المتلقية السلبية الكسولة - بتعبير المسيري - التي سقطنا فيها أثناء بناء مشاريعنا الفكرية واختياراتنا المنهجية. هذا السقوط منعنا من رصد الجوانب السلبية في هذا النموذج، فعملية النقل السلبية التي مارسها رواد النهضة على تعدد توجهاتهم ومرجعياتهم تحولت - في رأي المسيري - إلى آلة فوتوغرافية أسكتت ذاكرة الأمة وقتلت مقدراتها وقدرتها على الإبداع والخلق.
فالخريطة الإدراكية للنخبة العربية، مع ما تعانيه من فقر - على مستوى المرجعيات - أدت إلى تصور أن نهضة الغرب هي نهضة الأمة على أساس هذا التماثل غير الطبيعي، فحين تتبنى أمة من الأمم النماذج الإدراكية لمجتمعات أخرى يتوقف عندها الإبداع والحلم (ولعل الجابري يشترك مع المسيري في المقدمات والملاحظات نفسها، مع اختلاف على مستوى الرؤية والمنهج)، فوقعت في التبعية الإدراكية،
58
أي إن الآخر هو الذي يصوغ المقولات والنماذج التحليلية والتفسيرية، واستبطانها بوعي أو بدون وعي ويعتبر «إمبريالية المقولات» تعبيرا عن هذه التبعية الإدراكية للغرب. يقول: «وأعتقد أنه يتحكم في رؤيتنا للعالم مخزوننا الإدراكي المشبع بالهزيمة. لقد قامت المقولات التحليلية الغربية بغزونا منذ نهاية القرن التاسع عشر وأصبحنا ننظر إلى أنفسنا من خلال المقولات الغربية.»
Unknown page