112

Manhaj Fi Fikr Carabi Mucasir

المنهج في الفكر العربي المعاصر: من فوضى التأسيس إلى الانتظام المنهجي

Genres

186

إن ما كتبه محمد أركون عن الفكر والمعرفة والمنهج في الثقافة العربية المعاصرة لم يحرر العقل العربي في الاتجاه الذي خطط له، بل انعكس ذلك سلبا على هذا العقل حين أسس لردة فعل سلبية تجاه ما بذله من الجهد، في الوقت الذي كان ينبغي أن ينتج أكثر لو وعى بنية هذا العقل الثابتة والمتغيرة، ومقاصده وخصوصية مناهجه، إلا أن الاختيار الأيديولوجي-المعرفي لأركون حرمه من الامتداد في ثقافة الأمة، كما حرم اتجاهات أخرى ذات المنحى التفكيكي السلبي. (أ) في الحاجة إلى تحرير المنهجية المعرفية المعاصرة من الرؤية الغربية العلمانية

لقد بات من الأولويات المعرفية في فكرنا المعاصر أن تحرير مجموع الأمة إنما ينطلق من قدرتها على تحرير ذاتها من الرؤية الغربية للمعرفة، انسجاما مع ما أثبتناه في الصفحات السابقة أثناء الحديث عن إنجاز مرحلة جديدة في علاقتنا مع ما استحدثه الآخر من مناهج في قراءة واقعه ونصوص ثقافته.

التحرير الذي يحرر الأمة والإنسانية من شيطنة الحداثة، ومن غلوها المادي، ومن غطرسة العولمة ومكائدها.

التحرير الذي يجد مخرجه في معانقة المعرفة التوحيدية الكونية المؤمنة بالطبيعة الفطرية للإنسان، ومن ثم فإن اجتراح أفق معرفي جديد يمر عبر الآليات النقدية المنهجية لهذه المعرفة العلمانية التي أريد لها أن تكون هي الأساس في التوجيه، والوسيط المعرفي في قراءة مسارنا الحضاري العام، من خلال «زاويتين اثنتين: زاوية تلتزم مبدأ المسافة معها ومع منجزاتها الحضارية، وزاوية تفكر في شق طرائق أخرى لا تتعارض مع القداسة، ولا تركن إلى العلمنة، وتعيد بناء مفهوم جديد للعقل والعقلانية، يتنزل العقل بمقتضى هذا البناء في مكانه الحقيقي وتعطى تبعا لهذا دلالات أخرى لمفهوم رؤية العالم، وقيمة المعرفة والحقيقة، وجميع المفاهيم المتشعبة عنها.»

187

متجاوزين من خلال هذا المنظور المفهوم البسيط للعلمانية إلى معالجة المفهوم المركب، أو ما سماه المسيري بالعلمانية الشاملة التي اعتبرها «أيديولوجية كاسحة، لا يوجد فيها مجال للإنسان أو القيم (...) وهي فصل القيم والغايات الدينية والأخلاقية والإنسانية عن الدولة، وعن مرجعيتها النهائية، وعن حياة الإنسان العامة والخاصة، وتطبيق القانون الطبيعي المادي على كل مناحي الحياة، وتصفية أي ثنائية، بحيث يتم تسوية كل الظواهر الإنسانية بالظواهر الطبيعية، فتنزع القداسة تماما عن العالم، ويتحول إلى مادة استعمالية، يمكن إدراكها بالحواس الخمس، كما يمكن لمن عنده القوة الكافية لهزيمة الآخرين أن يوظفها لصالحه. ونتيجة لهذا يظهر العلم والتكنولوجيا المنفصلان عن القيمة والغاية»،

188

بذلك سقط ملف القيم من برنامج الحداثة العلمانية.

لا شك أن تحرير المعرفة من هذه الألغام الكاسحة الحالقة سبيل إلى إعادة المعنى للحياة وما ينتجه الإنسان من خلال الاستناد إلى قيم الوحي الثابتة؛ لأن «المعرفة التي يتم الآن نشرها في العالم بصورة منهجية منظمة ليست بالضرورة معرفة حقيقية وصحيحة، ولكنها مصطبغة بخصائص ثقافة الغرب وحضارته، ومشربة بروحها، ومكيفة وفق غاياتها، وإذن فهذه العناصر هي التي يجب تشخيصها وفرزها، ثم فصلها وعزلها عن هيكل المعرفة ومادتها بحيث تميز المعرفة مما أشرب بتلك العناصر.»

Unknown page