101

Manhaj Fi Fikr Carabi Mucasir

المنهج في الفكر العربي المعاصر: من فوضى التأسيس إلى الانتظام المنهجي

Genres

إن الاتجاهات النقدية التي ظهرت في الغرب واستطاعت أن تؤسس لإبستيمولوجيا معاصرة هي اتجاهات دينية، فالثورة التي شهدتها العلوم الإنسانية والتي دشنها كثير من الفلاسفة الرافضين للوحدة المنهجية بين العلوم الطبيعية والإنسانية، إنما منطلقها الاعتقاد الديني الذي يرى صعوبة المماثلة بين الظاهرة المادية الصرفة، والظاهرة الإنسانية المعقدة في تركيبها النفسي والاجتماعي. وتمس قضايا هذا المبحث قضية المفاهيم والمرجعية في مشروع أركون. (3-1) على مستوى المفاهيم

إن القارئ لمشروع أركون يقف عند شبكة من المفاهيم السائبة السيالة التي يستعملها في كثير من الأحيان، ليس لبناء نسق معرفي متكامل الأركان، إنما كل مسعاه التشكيك في الأصول، والمرجعيات المرتبطة بالذات، والاتجاه نحو المرجعيات المغايرة؛ لهذا يقع «المشروع الأركوني في فخ المشاريع اليتوبية التي تعتقد بأنها أقدر من غيرها على تحرير العقول من أسر الفكر المنغلق، وبأنها تملك الحقيقة التي بها يتم فعل التحرير والتجاوز. فمشروعه في المحصلة لا يعدو أن يكون وهما من أوهام الحداثة التي فضح المشروع التفكيكي زيفها وبطلان دعواها.»

144

بل «أضحى جليا (...) أن الخطاب الأركوني مسكون بهاجس التحرير والتبشير؛ الأمر الذي جعله يتناقض مع ما يروم تحقيقه، وكأني به يعيد ما حاول «مارتن لوثر» فعله، في محاولة لتجديد العقل اللاهوتي الغربي، فهو إن نهج العلمية في نقد العقل المعياري فإنه لم يبرح أرض هذا العقل، أي العقل الدوغمائي؛ لأن العقل النقدي يرفض النعوت والتسمية والنمذجة، وهو ما يفتقر إليه خطاب أركون».

145

إن «المتأمل في آليات المنهج الأركوني يجد أنه يتبنى التفكيك استراتيجية لنقد هذا العقل، والتفكيك - كما هو معروف - مشروع نقدي جاء لتصحيح مسار الحداثة وإعادة الاعتبار لخطاب الاختلاف وثقافة المغايرة،

146

وذلك بتقويض كل الخطابات المركزية التي تدعي امتلاك الحقيقة، والحفر فيما سكت عنه بفعل الحضور؛ أي إبراز اللامعقول واللامفكر فيه.»

147

فالعدة المنهجية التي راهن عليها أركون في قراءة العقل العربي الإسلامي والحفر في تراثه هي منهجية نسبية احتمالية في مفاهيمها وسياقاتها وبراهينها، إذ ليست كل منهجية مستحدثة علمية استدلالية برهانية.

Unknown page