[4] وقد تبين فيما تقدم أن بين كل مبصر من المبصرات وبين مركز البصر في حال الإبصار مخروطا متوهما رأسه مركز البصر وقاعدته سطح المبصر الذي يدركه البصر. غير أن هذا المخروط يشتمل على جميع السموت التي منها يدرك البصر ذلك المبصر، فإذا التقى سهما البصرين على نقطة من سطح المبصر الذي يلي البصرين فإن سطح المبصر تكون قاعدته مشتركة لمخروطي الشعاع المتشكلين بين مركزي البصرين وبين ذلك المبصر، ويكون وضع النقطة التي التقى عليها السهمان عند البصرين جميعا وضعا متشابها، لأنها تكون مقابلة لوسطي البصرين، والسهمان اللذان بينها وبين البصرين هما عمودان على سطحي البصرين وعلى وسطي سطحي البصرين. فأما بقية سطح المبصر فإن كل نقطة منه يكون بينها بين مركزي البصرين خطان وضعهما بالقياس إلى السهمين وضع متشابه في الجهة، أعني أن كل خطين متوهمان بين مركزي البصرين وبين نقطة من سطح المبصر الذي التقى عليه سهما البصرين يكونان جميعا مائلين عن السهمين إلى جهة واحدة بعينها، ونقطة الالتقاء هي على كل واحد من السهمين. فأما أبعاد هذه الخطوط عن السهمين فإن النقط القريبة جدا من نقطة الالتقاء يكون كل خطين يخرجان من مركزي البصرين إلى كل نقطة منها بعدهما عن السهمين بعدا متساويا بالقياس إلى الحس. وذلك أن السهمين الخارجين إلى نقطة الالقتاء يكونان متساويين وليس بينهما اختلاف محسوس إذا لم يكن المبصر قريبا جدا من البصر وكان بعده عن البصر من الأبعاد المعتدلة. وكذلك يكون حال كل نقطة قريبة جدا من نقطة الالتقاء، يكون كل خطين يخرجان من مركزي البصرين إلى كل نقطة منها ليس بين طولهما اختلاف متفاوت بالقياس إلى الحس، وربما كانا متساويين. أما إذا كان الخطان المائلان في السطح الذي فيه السهمان فإنهما يكونان مختلفين. وذلك أن الخط الذي يخرج من النقطة التي يلتقي عليهما السهمان إلى النقطة المائلة عنها يحيط مع السهمين بزاويتين مختلفتين، والسهمان متساويان، والخط الواصل بين النقطتين مشترك، فالخطان المائلان مختلفان. إلا أن هذا الاحتلاف ليس يؤثر في الحس إذا كانت النقطة المائلة قريبة من نقطة الالتقاء. وإن كان الخطان المائلان تحت السهمين أو فوقهما فقد يكونان متساويين، لأنه قد تكون الزاويتان اللتان يحيط بهما السهمان مع الخط الواصل بين النقطتين متساويتين إذا كانت النقطة تحت السهمين أو فوقهما. والأوضاع التي بين هذين الوضعين يكون الاختلاف الذي بين الخطين المائلين عليهما أقل من الاختلاف الذي بين الخطين الأولين المائلين، فلا يكون بين أطوالهما تفاوت يؤثر في الحس.
Page 345