[12] وأيضا فإنا نقول إن البصر إذا أدرك مبصرا من المبصرات وتحققت صورته عند الحاس فإن صورة ذلك المبصر تبقى في النفس وتكون متشكلة في التخيل، وإذا تكرر إدراك البصر للمبصر كانت صورته أثبت في النفس من صورة المبصر الذي لم يدركه البصر إلا مرة واحدة أو لم يكثر إدراك البصر له، وإن البصر إذا أدرك شخصا من الأشخاص ثم أدرك أشخاصا أخر من نوع ذلك الشخص وتكرر إدراكه لأشخاص ذلك النوع واستمر ذلك دائما تقررت صورة ذلك النوع في النفس وحصلت في النفس صورة كلية متشكلة في التخيل لذلك النوع. والذي يدل على أن صور المبصرات تبقى في النفس وفي التخيل هو أن الإنسان إذا تذكر إنسانا يعرفه وقد شاهده من قبل ذلك واجتمع معه وتحقق صورته وكان ذاكرا للوقت الذي شاهد فيه ذلك الإنسان والموضع الذي اجتمع معه فيه ذكرا صحيحا، فإنه يتخيل في الحال شخص ذلك الإنسان وتخطيط وجهه وهيئته ونصبته التي كان عليها في ذلك الوقت، ويتخيل الموضع الذي شاهده فيه، وربما تخيل في الحال مبصرات أخر قد كانت حاضرة في الموضع الذي شاهد فيه ذلك الإنسان. فتخيله صورة ذلك الإنسان عند تذ كره وصورة الموضع الذي شاهده فيه والحال التي كان عليها مع غيبة ذلك الإنسان وغيبة ذلك الموضع دليل ظاهر على أن صورة ذلك الإنسان وصورة ذلك الموضع حاصلة في نفسه وباقية في تخيله. وكذلك إذا تذ كر الإنسان بلدا قد شاهده ثم غاب عنه، فإنه يتنخيل صورة ذلك البلد وصورة المواضع التي كان فيها من ذلك البلد وصور الأشخاص الذين عرفهم في ذلك البلد، إذا كان ذاكرا لجميع ذلك مع غيبة ذلك البلد وغيبة ما شاهده فيه. وكذلك ما شاهده الإنسان من المبصرات إذا تذ كرها وكان ذاكرا لمشاهدته لها ذكرا صحيحا فإنه يتخيل صورها علي ما شاهدها عليه في وقت مشاهدتها. فتخيل الإنسان لصور المبصرات التي قد شاهدها من قبل وهي غائبة عنه في حال تذ كرها دليل ظاهر على أن صور المبصرات التي قد أدركها البصر تحصل في النفس وتتشكل في التخيل.
Page 323