[173] والتفرق قد يكون بين جسمين منفصلين، وقد يكون بين جسمين غيرمنفصلين وهو أن يكون الجسمان متصلين ببعض أجزائهما منفصلين ببعضهما، كالأنامل وأعضاء الحيوان وكثير من الجدران وكأغصان الشجر. وعلى كلى الحالين فالبصر إنما يدرك التفرق على الوجوه التي بيناها كان الجسمان المتفرقان منفصلين بالكلية أو كانا متصلين ببعض أجزائهما مفترقين ببعضهما. وقد يدرك تفرق الأجسام بالمعرفة وبتقدم العلم، ولكن ليس ذلك الإدراك بإحساس البصر.
[174] وتفرق الأجسام منه ما هو فسيح وفيه سعة ومنه ما هو ضيق ويسير. فالتفرق الفسيح ليس يخفى عن البصر في أكثر الأحوال ولا يشتبه على البصر لظهور الجسم المسامت للتفرق وإحساس البصر به وبأنه غير كل واحد من الجسمين المتفرقين، أو إدراك الضوء والفضاء المضي ء المسامت للتفرق. فأما التفرق اليسير والغضون الضيقة فإنما يدركها البصر من البعد الذي ليس يخفى منه الجسم المساوي مقداره لمقدار سعة التفرق. فأما إذا كان التفرق بين الجسمين ضيقا خفيا، وكان بعد الجسمين عن البصر بعدا قد تخفى من مثله الأجسام التي مقاديرها كمقدار سعة التفرق، فليس يدرك البصر تفرقها وإن كان بعد الجسمين عن البصر من الأبعاد المعتدلة وكان البصر يدرك الجسمين إدراكا صحيحا. لأن البعد المعتدل إنما هو البعد الذي ليس يخفى منه مقدار محسوس النسبة إلى مقدار جملة البعد، والإدراك الصحيح هو الذي ليس بينه وبين حقيقة المبصر تفاوت محسوس النسبة إلى جملة البصر. والتفرق قد تكون سعته بمقدار ليس له نسبة محسوس إلى بعد المبصر ولا له قدر حسوس عند كل واحد من الجسمين المتفرقين، لأن التفرق ربما كان مقدار ما تستره شعرة أو قريبا من ذلك، وليس تخرجه هذه الحال من أن يكون تفرقا، فالأبعاد التي منها يدرك البصر التفرق تكون بحسب مقدار سعة التفرق. فالتفرق بين المبصرات يدركه البصر على الصفات التي بيناها.
<إدراك الاتصال>
[175] فأما الاتصال فإن البصر يدركه من عدم التفرق. فإذا لم يحس البصر في الجسم بشيء من التفرق أدركه متصلا. وإن كان في الجسم تفرق خفي ولم يدركه البصر، فإن البصر يدرك ذلك الجسم متصلا، وإن كان فيه تفرق. فالاتصال إنما يدركه البصر من عدم التفرق.
Page 297