[157] والمبصرات التي على وجه الأرض منها ما أبعادها معتدلة ومقادير الأجزاء من الأرض المتوسطة بينها وبين البصر مقادير معتدلة، ومنها ما أبعادها متفاوتة وخارجة عن حد الاعتدال، ومقادير الأرض المتوسطة بينها وبين البصر متفاوتة العظم. ومقادير أجزاء الأرض يدركها البصر على الوجه الذي بيناه. فما كان منها قريبا ومعتدل المقدار فالبصر يدرك مقاديرها ويتحقق مقاديرها على الوجه الذي بيناه، وما كان منها متفاوتا في التباعد فليس يتحقق البصرمقداره ولا يقدر على تحققه. وذلك أن البصر إذا اعتبر المسافات وتأملها فإنما يدرك مقاديرها ما دام يحس بيزيادة طول الشعاع وما دام يحس بالزوايا التي توترها الأجزاء الصغار من أجزاء المسافة عند حركة السهم على المسافة، وهو يتحقق مقدار المسافة ما دام يحس بالزيادة اليسيرة في طول الشعاع وبالزيادة اليسيرة في الزاوية التي توترها المسافة. وإذا تفاوت البعد لم يحس بالزيادة اليسيرة في طول الشعاع ولم يحس بحركة الشعاع على الجزء الصغير من المسافة الذي بعده متفاوت ولم يحس بالزاوية التي يوترها الجزء الصغير من البعد المتفاوت، فلا يتحقق طول الشعاع اللي ينتهي إلى طرف المساف ولايتحقق مقدارالزاوية التي توترها تلك المسافة. وإذا لم يتحقق طول الشعاع الذي ينتهي إلى طرف المسافة ولم يتحقق مقدار الزاوية التي توترها| المسافة لم يتحقق مقدار المسافة.
[158] وأيضا فإنه إذا تفاوت البعد فإن الأجزاء الصغار من المسافة التي في آخر المسافة ليس يدركها البصر ولا تتميز للبصر لأن المقدار الصغير إذا كان على بعد متفاوت خفي عن البصر. فإذا تحرك سهم الشعاع على المسافة البعيدة المتفاوتة، فهو إذا انتهى إلى البعد المتفاوت فإنه يقطع الجزء الصغيرمن المسافة ولا يحس الحاس بحركته، لأن الجزء الصغير ليس يفعل عند مركز البصر من البعد المتفاوت زاوية محسوسة، فيصير سهم الشعاع إذا تحرك علي المسافة البعيدة وأحس البصر بأنه قد قطع جزءا من المسافة فإن مقدار ذلك الجزء الذي قطعه ليس هو المقدار الذي أدركه الحس بل هو أعظم مما أدركه الحس، وكلما زاد بعد المسافة كانت الأجزاء التي تخفى عند آخر المسافة وتخفى حركة الشعاع عليها أعظم. فالأبعاد المتفاوتة التي على وجه الأرض ليس يتحقق البصر مقاديرها لأنه ليس يتحقق مقدار طول الشعاع الذي ينتهي إلى آخرها ولا مقدار الزاوية التي توترها تلك المسافة.
Page 286