220

Kitab al-Manazir

كتاب المناظر

Genres

[147] والذي يدل دليلا ظاهرا على أن إدراك عظم المبصر يكون بقياس العظم إلى بعد المبصر هو أن البصر إذا أدرك مبصرين مختلفي البعد أحدهما أقرب إلى البصر من الآخر، وكانا جميعا يوتران زاوية واحدة بعينها عند مركز البصر، أعني أن تكون الشعاعات التي تمر بأطراف الأول منها تنتهي إلى أطراف الثاني، وكان الأول لا يستر جميع الثاني من جميع جهاته، بل كان بعض الثاني يظهر من وراء الأول، وكان البصر يدرك بعد كل واحد منهما إدراكا متيقنا، فإن المبصر الأبعد يدركه البصر أبدا أعظم من المبصر الأقرب. وكلما كان المبصر الأبعد أكثر بعدا وكان البصر يتيقن مقدار بعده، فإنه يدرك مقداره أكثر عظما. ومثال ذلك أن الإنسان إذا نظر إلى جدار فسيح الأقطار وكان بعده من البصر بعدا معتدلا وكان البصر يتيقن بعد ذلك الجدار ويتيقن مقداره ويتيقن مقدار عرضه، ثم رفع يده وقابل بها أحد بصريه حتى تصير متوسطة بين بصره وبين ذلك الجدار وغمض البصر الآخر ونظر في هذه الحال إلى ذلك الجدار، فإنه يجد يده قد سترت قطعة عظيمة القدر من ذلك الجدار ويدرك مقدار يده في تلك الحال ويدرك أن المقدار الذي استتر بيده من الجدار أعظم بكثير من مقدار يده. وخطوط الشعاع التي تنتهي إلى محيط يده وإلى محيط المستتر من الجدار في تلك الحال هي خطوط واحدة بأعيانها، والزاوية التي تحيط بها تلك الخطوط هي زاوية واحدة بعينها، والعرض الذي بين تلك الخطوط هو واحد بعينه. والبصر يدرك سموت خطوط الشعاع ويدرك الزاوية التي تحيط بها خطوط الشعاع. فهو يدرك في تلك الحال أن الزاوية التي توترها يده والجدار المستتر بيده هي زاوية واحدة بعينها، وهو يدرك في تلك الحال أن الجدار المستتر بيده هو أعظم كثيرا من يده. وإذا كان ذلك كذلك فإن القوة المميزة في تلك الحال تدرك أن المبصرين المختلفي البعد اللذين يوتران زاوية واحدة يكون الأبعد منهما أعظم قدرا.

[148] ثم إذا ميل الناظر بصره في تلك الحال، ونظر إلى جدار آخر هو أبعد من ذلك الجدار وقابل بصره بيده، فإنه يجد مقدار المستتر من الجدار الثاني أعظم من مقدار ما استتر من الجدار الأول. وإذا نظر في تلك الحال إلى السماء فإنه يجد يده قد سترت نصف ما يظهر من السماء أو قطعة عظيمة منها. ولا يشك الناظر في أن يده ليس لها قدر محسوس بالقياس إلى ما استترمن السماء. فيتبين من هذا الاعتبار أن البصر إنما يدرك مقدار عظم المبصر < من قياس عظم المبصر > بمقدار بعده مع القياس بالزاوية، لا من القياس بالزاوية فقط. ولو كان إدراك مقدار العظم بحسب الزاوية فقط لكان المبصران المختلفا البعد اللذان يوتران زاوية واحدة بعينها عند مركز البصر يريان متساويين. وليس يدرك البصر المبصرين اللذين بهذه الصفة قط متساويين إذا كان يدرك بعديهما ويتيقن مقداري بعدهما. فمقدار عظم المبصر إنما يدرك بالتمييز من تخيل القوة المميزة للمخروط الذي يحيط بالمبصر ومن تخيلها لمقدار زاوية المخروط مع تخيلها لمقدار طول المخروط ومن قياس قاعدة المخروط بمقدار زاويته ومقدار طوله معا. وهذا هو كيفية إدراك العظم.

Page 280