Manār al-Qārī sharḥ Mukhtaṣar Ṣaḥīḥ al-Bukhārī
منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري
Publisher
مكتبة دار البيان،دمشق - الجمهورية العربية السورية،مكتبة المؤيد
Publisher Location
الطائف - المملكة العربية السعودية
Genres
أعلَاهُ فاقْتَلَعَ رَأسَهُ بيده، فقالَ مُوسَى: أقَتَلْتَ نفْسًا زكِيَّةً بغَيْر نَفْسٍ؟ قال: ألم اقُل لَكَ إنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا - قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ وَهَذَا أوكَدُ - فانْطَلَقَا حتَّى إذَا اتيَا أهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أهْلَهَا فأبَوْا أنْ
ــ
وعاقبته (١) إغراق السفينة بمن فيها. (قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرًا) أي قال الخضر لموسى مذكِّرًا له بما قاله له سابقًا: ألم أقل لك إنك لا تقدر على مصاحبتي لأنك لا تطيق السكوت على ما تراه مني من أمور غريبة (قال لا تؤاخذني بما نسيت) أي فاعتذر موسى للعبد الصالح وقال له: لا تلمني على سؤالي هذا، فإنما سألتك ناسيًا وغافلًا عن الوعد الذي قطعته لك على نفسي، ولا حرج على الناسي فيما يصدر عنه وقال في الآية التي في سورة الكهف (ولا ترهقني من أمري عُسْرًا) أي ولا تشدد علي أثناء مصاحبتي لك بكثرة اللوم والمعاتبة " فانطلقا فإذا بغلام يلعب مع الغلمان " أي فسارا في طريقهما فإذا بهما يجدان صبيًا صغيرًا لم يبلغ الحلم بعد " فأخذ الخضر برأسه من أعلاه " أي فأمسك الخضر برأس ذلك الصبي " فاقتلع رأسه " أي فانتزع رأسه من جسده " فقال موسى: (أقتلت نفسًا زكيَة بغير نفس) " أي فلم يطق موسى صبرًا على ما رأى، ووجه إلى الخضر إنكارًا شديدًا على فعلته هذه، وقال له: كيف تقتل نفسًا بريئة لم تقتل أحدًا مع أنها لو قتلت لم تستوجب القتل، لأنها لا تزال صغيرة لم تبلغ الحلم، " وهنا أعاد الخضر على موسى ما سبق أن قاله له بصيغة أقوى وآكد حيث قال له: (ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرًا) فأتى بضمير المخاطب المسبوق بلام الجر لزيادة التأكيد (فانطلقا حتى إذا أتيا أهل القرية) وهي قرية
(١) فإن اللام في قوله " لتغرق أهلها " ليست للتعْليل لأن الخضر عندما خرق السفينة لم يقصِدْ قطعًا أن يكون فعله هذا سببًا في إغراقها وإهلاك ركابها، ولم يكن موسى يعتقد ذلك، وإنما اللام هنا للعاقبة، لأن موسى أراد أن يقول للخضر إن عاقبة فعلك هذا، والنتيجة الحتمية له هي غراق السفينة.
1 / 222