بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله على ما منح من الهداية، ووهب من الدلالة، وصلواته على من ابتعثه رحمة للأنام، ومصباحا للظلام، وغيثا للعباد. وعلى أخيه أمير المؤمنين، وسيد المسلمين، وآلهما الغر الكرام، عليهم أفضل الصلاة والسلام ما هطل غمام ووكف (1) ركام (2).
أما بعد: فيقول إلى عفو ربه الغني حيدر علي بن مهزيار محمد ابن الحسن الشرواني عفى الله عنهما:
هذا مختصر يحتوي على شئ من الاخبار المروية في فضائل أهل البيت صلوات الله عليهم ومناقبهم، ومثالب أعدائهم ومطاعنهم، مما روته العامة ومحدثوهم ومفسروهم، ممن يعتمدون عليه ويثقون به، ملتزما أن لا أذكر إلا ما عثرت عليه في الكتاب الذي أسند الرواية إليه وشاهدته أنا فيه من غير تغيير للعبارة، إلا أن انبه على التغيير والاختصار إن دعا إلى ذلك داع.
Page 25
من ذلك أنهم عن آخرهم يخصون النبي صلى الله عليه وآله بالصلاة من غير ذكر لآله صلى الله عليهم، حتى في نفس الخبر المتفق عليه بينهم في كيفية الصلاة عليه، المتضمن للزوم ذكر آله معه صلى الله عليه وآله (1).
وكذلك إذا ذكروا واحدا من أعداء أهل البيت صلوات الله عليهم ذكروه بالترضية والثناء، ولالتزامي عدم تغيير ألفاظهم أنقلها بعينها، إلا في ذكر الال في الصلاة وإسقاط الترضية.
ثم اني في الأكثر إلى الموضع الذي أخذت الحديث منه من الكتاب إذا كان في ذاك الكتاب مذكورا في غير موضعه لمناسبة.
وهو مرتب على مقدمة وأبواب:
* * *
Page 26
مقدمة: قال ابن أبي الحديد في الجزء الحادي عشر من شرح نهج البلاغة: وروى أبو الحسن علي بن محمد بن سيف المدائني في كتاب الاحداث قال: كتب معاوية نسخة واحدة إلى عماله بعد عام الجماعة: أن برئت الذمة ممن روى شيئا من فضل أبي تراب وأهل بيته.
فقامت الخطباء في كل كورة (1) وعلى كل منبر يلعنون عليا ويبرؤون منه، ويقعون فيه وفي أهل بيته، وكان أشد الناس بلاء حينئذ أهل الكوفة، لكثرة من بها من شيعة علي (ع)، فاستعمل عليهم زياد بن سمية، وضم إليه البصرة، فكان يتتبع الشيعة وهو بهم عارف، وأخافهم، وقطع الأيدي والأرجل، وسمل العيون، وصلبهم على جذوع النخل، وطردهم عن العراق، فلم يبق بها معروف منهم.
وكتب معاوية إلى عماله في جميع الآفاق: أن لا يجيزوا لاحد من شيعة علي وأهل بيته شهادة.
وكتب إليهم: أن انظروا من قبلكم من شيعة عثمان ومحبيه وأهل ولايته، والذين يروون فضائله ومناقبه، فأدنوا مجالسهم وقربوهم وأكرموهم، واكتبوا إلي بكل ما يروي كل رجل منهم واسمه واسم أبيه وعشيرته.
ففعلوا ذلك حتى أكثروا في فضائل عثمان ومناقبه، لما كان يبعثه إليهم معاوية (من) (2) الصلات والكساء والحباء والقطائع، ويفيضه في العرب منهم والموالي، فكثر ذلك في كل مصر، وتنافسوا في المنازل والدنيا، فليس يجئ أحد مردود من الناس عاملا من عمال معاوية فيروي في عثمان فضيلة أو منقبة إلا كتب اسمه وقربه وشفعه، فلبثوا بذلك حينا.
Page 27
ثم كتب إلى عماله: أن الحديث في عثمان قد كثر وفشا في كل مصر وفي كل وجه وناحية، فإذا جاءكم كتابي هذا فادعوا الناس إلى الرواية في فضائل الصحابة والخلفاء الأوليين، ولا تتركوا خبرا يرويه أحد من المسلمين في أبي تراب إلا وآتوني بمناقص له في الصحابة (مفتعلة) (1)، فإن هذا أحب إلي، وأقر لعيني، وأدحض لحجة أبي تراب وشيعته، وأشد عليهم (2) من مناقب عثمان وفضله.
فقرئت كتبه على الناس، فرويت أخبار كثيرة في مناقب الصحابة مفتعلة لا حقيقة لها، وجد الناس في رواية ما يجري هذا المجرى، حتى أشادوا بذلك على المنابر.
وألقي إلى معلمي الكتاتيب، فعلموا صبيانهم وغلمانهم من ذلك الكثير الواسع حتى رووه وتعلموه كما يتعلمون القرآن، وحتى علموه بناتهم ونساءهم وخدمهم وحشمهم، فلبثوا بذلك ما شاء الله.
ثم كتب إلى عماله نسخة واحدة إلى جميع البلدان: انظروا من قامت عليه البينة أنه يحب عليا وأهل بيته فامحوه من الديون، وأسقطوا عطاءه ورزقه.
وشفع ذلك بنسخة أخرى: من اتهمتموه بموالاة هؤلاء القوم فنكلوا به، وأهدموا داره.
فلم يكن البلاء أشد ولا أكثر منه بالعراق ولا سيما بالكوفة ، حتى أن الرجل من شيعة علي (ع) ليأتيه من يثق به فيدخل بيته فيلقي إليه سره، ويخاف من خادمه ومملوكه ولا يحدثه حتى يأخذ عليه الايمان الغليظة ليكتمن عليه.
فظهر حديث كثير موضوع وبهتان منتشر، ومضى على ذلك الفقهاء
Page 28
والقضاة والولاة.
وكان أعظم الناس في ذلك بلية القراء المراؤون، والمستضعفون الذين يظهرون الخشوع والنسك، فيفتعلون الأحاديث ليحظوا بذلك عند ولاتهم ويقربوا مجالسهم، ويصيبوا به الأموال والضياع والمنازل، حتى انتقلت تلك الأخبار والأحاديث إلى أيدي الديانين الذين لا يستحلون الكذب، فقبلوها ورووها وهم يظنون أنها حق، ولو علموا أنها باطلة لما رووها ولا تدينوا بها.
فلم يزل الامر كذلك حتى مات الحسن بن علي عليه السلام، فازداد البلاء والفتنة، فلم يبق أحد من هذا القبيل إلا وهو خائف على دمه، أو طريد في الأرض.
ثم تفاقم الامر بعد مقتل الحسين (ع)، وولي عبد الملك بن مروان فاشتد على الشيعة، وولى عليهم الحجاج بن يوسف، فتقرب إليه أهل النسك والصلاح والدين ببغض علي، وموالاة أعدائه، وموالاة من يدعي قوم من الناس انهم أيضا أعداؤه، فأكثروا في الرواية في فضلهم وسوابقهم ومناقبهم، وأكثروا من الغض من علي (ع) والطعن فيه والشنآن له، حتى أن إنسانا وقف للحجاج - ويقال أنه جد الأصمعي عبد الملك بن قريب - فصاح به: أيها الأمير ان أهلي عقوني فسموني عليا، وأني فقير بائس، وأنا إلى صلة الأمير محتاج. فتضاحك له الحجاج وقال: للطف ما توسلت به قد وليتك موضع كذا.
وقد روى ابن عرفة المعروف بنفطويه - وهو من أكابر المحدثين وأعلامهم - في تاريخه ما يناسب هذا الخبر، وقال: إن أكثر الأحاديث الموضوعة في فضائل الصحابة افتعلت في أيام بني أمية تقربا إليهم بما يظنون أنهم يرغمون به أنوف بني هاشم. انتهى كلام ابن أبي الحديد (1).
Page 29
الباب الأول في ذكر فضائل سيد المسلمين وأمير المؤمنين علي ابن أبي طالب صلوات الله عليه وآله وفيه فصول:
Page 31
الفصل الأول في خلق أمير المؤمنين صلوات الله عليه وصفته قال أبو يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر النمري في كتاب الاستيعاب: وأحسن ما رأيت في صفته: انه كان ربعة من الرجال إلى القصر، هو أدعج العينين، حسن الوجه كأنه القمر ليلة البدر، حسنا، ضخم البطن، عريض المنكبين، شثن الكفين أغيد، كأن عنقه إبريق فضة، أصلع ليس في رأسه شعر إلا من خلفه، كبير اللحية، لمنكبه مشاش كمشاش السبع الضاري، لا يتبين عضده من ساعده قد أدمجت ادماجا. إذا مشى تكفأ، وإذا أمسك بذراع رجل أمسك بنفسه فلم يستطيع أن يتنفس. وهو إلى السمن، ما هو شديد الساعد واليد، إذا مشى للحرب هرول. ثبت الجنان، قوي شجاع، منصور على من لاقاه (1). انتهى.
وقال ابن الأثير في الكامل بعد أن ذكر صفته صلوات الله عليه: وكان من أحسن الناس وجها، لا يغير شيبه، كثير التبسم (2).
وقال الزمخشري في كتابه ربيع الأبرار:
ابن عباس في علي بن أبي طالب: كان والله يشبه القمر الباهر، والأسد الخادر، والفرات الزاخر، والربيع الباكر. فأشبه من القمر ضوءه وبهاءه، ومن الأسد شجاعته ومضاءه، ومن الفرات جوده وسخاءه، ومن الربيع خصبه وحياءه (3) انتهى.
Page 32
قال ابن الأثير في النهاية: في حديث ابن عباس: ما رأيت أحسن من شرصة علي: الشرصة بفتح الراء: الجلحة وهي انحسار الشعر عن جانبي مقدم الرأس. هكذا قال الهروي، وقال الزمخشري: هو بكسر الشين وسكون الراء (1). انتهى.
وقال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: قال نصر: وكان علي رجلا ربعة، أدعج العينين، كأن وجهه القمر ليلة البدر، حسنا، ضخم البطن، عريض المسربة، شثن الكفين، ضخم الكسور، كأن عنقه إبريق فضة، أصلع، من خلفه شعر خفيف، لمنكبه مشاش كمشاش الأسد الضاري، إذا مشى تكفأ ومار به جسده، ولظهره سنام كسنام الثور، لا يبين عضده من ساعده قد أدمجت ادماجا، لم يمسك بذراع رجل قط إلا أمسك بنفسه فلم يستطع أن يتنفس، ولونه إلى السمرة، هو أذلف الانف، إذا مشى إلى الحرب هرول، قد أيده الله تعالى في حروبه بالنصر والظفر (2). انتهى.
قال في الكامل: وكان من أحسن الناس وجها، لا يغير شيبه، كثير التبسم (3). انتهى.
قال في جامع الأصول في كتاب النون عند ذكره صفة النبي صلى الله عليه وآله: رجل ربعة معتدل القامة بين الطول والقصر.
ثم قال: والدعج في العين شدة سوادها (4).
وفي النهاية: قيل الدعج شدة سواد العين في شدة بياضها (5).
وفي كتاب الصحاح للجوهري: مع سعتها (6).
Page 33
وفيه: المسربة بضم الراء: الشعر المستدق الذي يأخذ من الصدر إلى السرة قال الهذلي:
الان لما ابيض مسربتي * وعضضت من نابي علم جذم (1) وقال في جامع الأصول في صفة النبي صلى الله عليه وآله: الشثن:
الغليظ، وهو مدح في الرجل، لأنه أشد لقبضتهم (2).
وفي النهاية: أي يميلان إلى الغلظ والقصر (3).
وقال في القاموس: والكسر ويكسر: الجزء من العضو، أو العضو الوافر (4). انتهى.
والإبريق واحد الأباريق: معرب آب ري، ذكره في الصحاح والقاموس (5) والإبريق أيضا السيف الشديد البريق. ذكره الجوهري (6)، وهو المراد هنا.
وفي هذا الباب من جامع الأصول: جليل المشاش: عظيم رؤوس العظام كالركبتين والمرفقين والمنكبين، ونحو ذلك. والمشاش جمع مشاشة.
وفيه أيضا: التكفؤ: التمايل في المشي إلى قدام، كما تتكفأ السفينة في جريها، والأصل الهمز، فترك (7) انتهى.
والذلف: ارتفاع طرف الأنف مع صغر أرنبته، ذكره في النهاية (8).
وبالجملة صفاته عليه السلام مواطئة لصفات النبي صلى الله عليه وآله، وهي كما ترى مذكورة له صلى الله عليه وآله.
Page 34
وكان عليه السلام غليظ القصرة، روي له في كتاب روضة الأحباب رجزا:
أنا الذي سمتني أمي حيدرة * ضرغام آجام وليث قسورة (1) عبل الذراعين (2) غليظ القصرة (3) وذكر ابن أبي الحديد عن الجاحظ أنه ذكر وصف أبناء الملوك وأنشد لبعضهم فيهم:
وصلع الرؤوس عظام البطون * جفاة المحز غلاظ القصر أما قوله: جفاة المحز، فعلى سنن قول الاخر:
ليس براعي إبل ولا غنم * ولا بحزاز على ظهر وضم يعني أنهم أبناء الملوك لا حذق لهم بنحر الإبل والغنم (4).
والقصرة: العنق، وأصل الرقبة (5).
* * *
Page 35
الفصل الثاني في اسلامه صلوات الله عليه، واسلام أبيه وأمه عليهما السلام اعلم أنه صلوات الله عليه عند الشيعة وعلى أصولها لم يشرك طرفة عين فيحدث الاسلام، بل كان تابعا لله وللنبي صلى الله عليه وآله في جميع الأفعال والأقوال، مؤيدا بروح القدس، معصوما، مسددا كما نقوله في النبي صلى الله عليه وآله قبل البعثة، وبلغ على ذلك، ولم يخالفه قبل البعثة ولا بعدها ولم يفارقه. وعقدنا هذا الفصل ليظهر اعتناء القوم في جحد مناقبه عليه السلام وتحاملهم عليه وشدة اهتمامهم في اخفاء مناقبه.
قال ابن الأثير في جامع الأصول في الركن الثالث في الخواتم في أول الباب الثالث منه، في ذكر الطبقة الأولى: قال الحاكم أبو عبد الله النيسابوري: لا أعلم خلافا بين أصحاب التواريخ أن علي بن أبي طالب أولهم اسلاما، وإنما اختلفوا في بلوغه وهل كان لما أسلم بالغا أو صبيا.
انتهى.
وقال في كتاب الفاء في الفرع الثاني. عند ذكر فضائل أمير المؤمنين صلوات الله عليه: أنس بن مالك قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وآله يوم الاثنين وصلى علي يوم الثلاثاء.
ابن عباس قال: أول من صلى علي.
زيد بن أرقم قال: أول من أسلم علي (1). انتهى.
وذكر أبو محمد البغوي في كتابه تفسير القرآن: عن جابر إن عليا عليه وآله السلام أولهم اسلاما (2).
Page 36
وقال ابن الأثير في الكامل: اختلف العلماء في أول من أسلم، مع الاتفاق على أن أول خلق الله اسلاما، فقال قوم: أول ذكر آمن علي.
روي عن علي: " أنا عبد الله وأخو رسول الله، وأنا الصديق الأكبر، لا يقولها بعدي إلا كاذب مفتر، صليت مع رسول الله صلى الله عليه وآله قبل الناس سبع سنين ".
وقال ابن عباس: أول من صلى علي.
وقال جابر بن عبد الله: بعث النبي صلى الله عليه وآله يوم الاثنين، وصلى علي يوم الثلاثاء.
وقال زيد بن أرقم: أول من صلى مع رسول الله صلى الله عليه وآله علي.
وقال عفيف الكندي: كنت امرء تاجرا فقدمت مكة أيام الحج، فأتيت العباس، فبينا نحن عنده إذ خرج رجل فقام تجاه الكعبة يصلي، ثم خرجت امرأة فقامت تصلي معه، ثم خرج غلام فقام يصلي معه. فقلت: يا عباس ما هذا الدين؟!
فقال: هذا محمد بن عبد الله ابن أخي يزعم أن الله أرسله، وأن كنوز قيصر وكسرى تفتح عليه، وهذه امرأته خديجة آمنت به، وهذا الغلام علي ابن أخي أبي طالب آمن به. وأيم الله ما أعلم على ظهر الأرض على هذا الدين غير هؤلاء الثلاثة.
قال عفيف: ليتني كنت رابعا.
وقال محمد بن المنذر، وربيعة بن أبي عبد الرحمن، وأبو حازم المدني، والكلبي: أول من أسلم علي.
قال الكلبي: كان عمره تسع سنين، وقيل: إحدى عشرة سنة.
وكان من نعم الله عليه أن قريشا أصابتهم أزمة شديدة، وكان أبو طالب ذا عيال كثيرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله للعباس: " يا عم إن أبا طالب كثير العيال، فانطلق بنا نخفف عن عياله ". فانطلقا إليه وأعلماه ما
Page 37
أراد، فقال أبو طالب: اتركا لي عقيلا واصنعا ما شئتما. فأخذ رسول الله صلى الله عليه وآله عليا، وأخذ العباس جعفرا، فلم يزل عند النبي صلى الله عليه وآله حتى أرسله فاتبعه.
وكان النبي صلى الله عليه وآله إذا أراد الصلاة انطلق هو وعلي إلى بعض شعاب مكة فيصليان ويعودان، فعثر عليهما أبو طالب فقال: يا ابن أخي ما هذا الدين؟ فقال: " دين الله وملائكته ورسله، ودين أبينا إبراهيم عليه السلام، بعثني الله به إلى العباد، وأنت أحق من دعوته إلى الهدى، وأحق من أجابني ".
قال: لا أستطيع أن أفارق ديني ودين آبائي، ولكن والله لا تخلص قريش إليك بشئ تكرهه ما حييت.
ولم يزل جعفر عند العباس حتى أسلم واستغنى عنه.
قال: وقال أبو طالب لعلي: ما هذا الدين الذي أنت عليه؟ قال: " يا أبة آمنت بالله ورسوله، وصليت معه ".
فقال: أما لا يدعو إلا الخير فالزمه. انتهى كلام ابن الأثير (1).
أقول: قال ابن الأثير في النهاية: الأزمة: السنة المجدبة، ثم قال: ومنه حديث مجاهد: إن قريشا أصابتهم أزمة شديدة وكان أبو طالب ذا عيال (3).
انتهى.
وقول أبي طالب رضي الله عنه: لا أستطيع أن أفارق ديني ودين آبائي، إلى آخر كلامه، المعنى فيه: انك تدعوني إلى أمر وتخبرني أنه دين أبينا إبراهيم عليه السلام، وانني أحق من دعوته وأحق من أجاب، وأنت تعلم انني
Page 38
قبل كنت به عالما، وأخبرت به في مقام بعد مقام، وأعلمت الناس بأنك ستقوم هذا المقام، وأنت على الحق، فكيف مع هذا كله أفارقك ولا اتبعك، وفي مفارقتك مفارقة دين آبائي الكرام رسل الله، والذي يليق أن تدعوني إليه أن أنصرك وأبذل دونك نفسي وولدي، كما شهد به قوله لعلي عليه الصلاة والسلام في آخر كلامه وسائر أقواله وخطبه ولعلنا نذكر منه ما يشفي الصدور، ويزيل الريب بمشيئة الله وعونه.
وذكر الرواية الأخيرة ابن أبي الحديد عن الطبري في تأريخه عن مجاهد من قوله: وقد كان النبي صلى الله عليه وآله إذا أراد الصلاة، إلى قوله: فألزمه، لكن بتغيير يسير في العبارة (1).
وقال أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر في كتاب الاستيعاب: وروي عن سلمان، وأبي ذر، والمقداد، وخباب، وجابر، وأبي سعيد الخدري، وزيد بن أرقم: أن علي بن أبي طالب أول من أسلم، وفضله هؤلاء على غيره.
وقال ابن إسحاق: أول من آمن بالله وبرسوله محمد من الرجال علي بن أبي طالب، وهو قول ابن شهاب إلا أنه قال: من الرجال بعد خديجة، وهو قول الجميع في خديجة.
حدثنا أحمد بن محمد، قال: حدثنا أحمد بن الفضل، قال: حدثنا محمد بن جرير، قال: حدثنا علي بن عبد الله الدهقان، قال: حدثنا مفضل بن صالح، عن سماك بن حرب، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: لعلي أربع خصال ليست لاحد غيره: هو أول عربي وعجمي صلى مع رسول الله صلى الله عليه وآله، وهو كان لواؤه معه في كل زحف، وهو الذي صبر معه يوم فر عنه غيره، وهو الذي غسله وأدخله قبره.
Page 39
ثم قال: وروي عن سلمان الفارسي أنه قال: أول هذه الأمة ورودا على نبيها الحوض أولها اسلاما علي بن أبي طالب.
وقد روى هذا الحديث مرفوعا عن سلمان الفارسي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: أول هذه الأمة ورودا على الحوض أولها اسلاما علي بن أبي طالب. ورفعه أولى، لان مثله لا يدرك بالرأي.
حدثنا أحمد بن قاسم، حدثنا قاسم بن أصبغ، حدثنا القاسم بن أبي أسامة، حدثنا يحيى بن هاشم، حدثنا سفيان الثوري، عن سلمة بن كهيل، عن أبي صادق، عن خنيس بن المعتمر، عن عليم الكندي، عن سلمان الفارسي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: " أولكم ورودا على الحوض أولكم اسلاما علي بن أبي طالب ".
وروى أبو داود الطيالسي، قال: حدثنا أبو عوانة، عن أبي بلج، عن عمرو بن ميمون، عن ابن عباس: ان رسول الله صلى الله عليه وآله قال لعلي:
" أنت ولي كل مؤمن بعدي ".
وبه عن ابن عباس قال: أول من صلى مع النبي صلى الله عليه وآله بعد خديجة علي بن أبي طالب.
حدثنا عبد الوارث بن سفيان، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا أحمد بن زهير بن حرث، قال: حدثنا الحسن بن حماد، قال: حدثنا أبو عوانة، عن أبي بلج، عن عمرو بن ميمون، عن ابن عباس قال: كان علي أول من آمن من الناس بعد خديجة.
هذا اسناد لا مطعن فيه لاحد، لصحته وثقة نقلته.
ثم قال: وقال ابن شهاب، وعبد الله بن محمد بن عقيل، وقتادة وابن إسحاق: أول من أسلم من الرجال علي.
ثم قال: وروي في ذلك عن أبي رافع مثل ذلك.
ثم قال: قال الحسن الحلواني: وحدثنا عبد الرزاق قال: حدثنا معمر بن
Page 40
قتادة عن الحصين قال: أسلم علي وهو ابن خمس عشرة سنة.
حدثنا خلف بن قاسم بن سهل، قال: حدثنا أبو الحسن علي بن محمد ابن إسماعيل الطوسي، قال: حدثنا أبو العباس محمد بن إسحاق بن إبراهيم السراج، قال: حدثنا محمد بن مسعود، قال: حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة، عن الحسن قال: أسلم علي وهو ابن خمس عشرة أو ست عشره سنة.
قال ابن وضاح: ما رأيت أحدا قط أعلم بالحديث من محمد بن مسعود، ولا أعلم بالرأي من سحنون.
وقال ابن إسحاق: أول ذكر آمن بالله ورسوله علي بن أبي طالب وهو ابن عشرة سنين، قيل: أسلم وهو ابن ثلاث عشرة سنة، وقيل: ابن اثنتي عشرة سنة، وقيل: ابن خمس عشرة سنة، وقيل: ابن ستة عشر سنة، وقيل: ابن عشرة، وقيل: ابن ثمان.
وذكر عمر بن شبة، عن المدائني، عن أبي جعدية، عن نافع، عن ابن عمر قال: أسلم علي وهو ابن ثلاث عشرة.
ثم قال: وذكر عبد الرزاق، عن معمر في جامعه، عن قتادة، عن الحسن وغيره قالوا: أول من أسلم بعد خديجة علي بن أبي طالب وهو ابن خمس عشرة سنة أو ست عشرة سنة.
ومعمر عن عثمان الجزري، عن ابن عباس قال: أول من أسلم علي.
وذكر أبو زيد عمر بن شبة، قال: حدثنا شريح بن النعمان، وحدثنا الفرات بن السائب، عن ميمون بن مهران، عن ابن عمر قال: أسلم علي بن أبي طالب وهو ابن ثلاث عشرة سنة، وتوفي وهو ابن ثلاث وستين.
قال أبو عمر: وهذا أصح ما قيل من وجهين جيدين.
وروى ابن فضيل عن الأجلح، عن سلمة بن كهيل، عن حبة بن جرير قال: سمعت عليا يقول: " أنا أول من صلى مع رسول الله صلى الله عليه وآله ".
Page 41
وقال سالم بن أبي الجعد: قلت لابن الحنفية: أبو بكر كان أولهم اسلاما؟ قال: لا.
وروى مسلم الملائي، عن أنس بن مالك قال: استنبئ النبي صلى الله عليه وآله يوم الاثنين، وصلى علي يوم الثلاثاء.
وقال زيد بن أرقم أول من آمن بعد رسول الله صلى الله عليه وآله علي بن أبي طالب.
وروى حديث زيد بن أرقم من وجوه ذكرها النسائي وأسد الغابة بن موسى وغيرهما، منها ما حدثنا عبد الوارث، حدثنا قاسم، حدثنا أحمد بن زهير، حدثنا علي بن الجعد، حدثنا شعبة قال: أخبرنا عمر بن مرة، قال: سمعت أبا حمزة الأنصاري قال: سمعت زيد بن أرقم يقول: أول من صلى مع رسول الله صلى الله عليه وآله علي بن أبي طالب.
وحدثنا عبد الوارث، حدثنا قاسم، قال: حدثنا أحمد بن زهير بن حرث، حدثنا أبي، حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد، حدثنا أبي، عن ابن إسحاق قال: حدثنا يحيى بن الأشعث، عن إسماعيل بن اياس بن عفيف الكندي، عن أبيه، عن جده، قال:
كنت امرء تاجرا فقدمت الحج، فأتيت العباس بن عبد المطلب لابتاع منه بعض التجارة، وكان امرء تاجرا، فوالله اني لعنده بمنى إذ خرج رجل من خباء قريب منه، فنظر إلى الشمس رآها قد زالت قام يصلي، ثم خرجت امرأة من ذلك الخباء الذي خرج منه ذلك الرجل فقامت تصلي، ثم خرج غلام قد راهق الحلم من ذلك الخباء فقام معه يصلي، فقلت للعباس:
من هذا يا عباس؟.
قال: هذا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، ابن أخي.
فقلت: من هذه المرأة؟ قال: هذه امرأته خديجة بن خويلد.
قلت: من هذا الفتى؟ قال: علي بن أبي طالب ابن عمه.
Page 42
قلت: ما هذا الذي يصنع؟
قال: يصلي وهو يزعم أنه نبي، ولم يتبعه على أمره أحد إلا امرأته وابن عمه هذا الغلام، وهو يزعم أنه ستفتح عليه كنوز كسرى وقيصر.
وكان عفيف يقول وقد أسلم وحسن اسلامه: لو كان الله رزقني الاسلام يومئذ فأكون ثانيا مع علي.
وقد ذكرنا هذا الحديث من طرق في باب عفيف الكندي من هذا الكتاب، والحمد لله.
وقال علي: " صليت مع رسول الله صلى الله عليه وآله كذا وكذا، لا يصلي معه غيري إلا خديجة ". انتهى كلام صاحب الاستيعاب (1).
وقال الزمخشري في الكشاف: عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال " سباق الأمم ثلاثة لم يكفروا بالله طرفة عين: علي بن أبي طالب، وصاحب يس، ومؤمن آل فرعون " (2). انتهى.
وحديث مفاخرة العباس مع أمير المؤمنين صلوات الله عليه، التي نذكرها بعد هذا الفصل في الآيات النازلة فيه صلوات الله عليه، صريح في هذا المطلب، وكذا حديث الدار، وسنذكرهما بمشيئة الله تعالى وعونه.
وقال ابن الأثير في كتاب النهاية: قيل لعلي: ألا تتزوج ابنة رسول الله صلى الله عليه وآله؟! فقال: " ما لي صفراء ولا بيضاء، ولست بمأبور في ديني فيوري بها رسول الله صلى الله عليه وآله عني، انني لأول من أسلم " (4). انتهى.
Page 43
وقال ابن البر في كتاب الاستيعاب عند ذكره مناقب أمير المؤمنين صلوات الله عليه وآله: وقال " زوجت سيدا في الدنيا والآخرة، وانه لأول أصحابي اسلاما، وأكثرهم علما، وأعظمهم حلما "، ثم ذكر تمام الخبر، وخبرين آخرين في فضله عليه وآله الصلاة، وقال: وهي كلها آثار ثابتة (1) انتهى.
وقال عبد الحميد بن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة عند كلامه في اجلاب قريش على رسول الله صلى الله عليه وآله، فنذكر منه ما ذكره محمد ابن إسحاق بن يسار في كتاب السيرة والمغازي، فلانه كتاب معتمد عند أصحاب الحديث والمؤرخين، ومصنفه شيخ الناس كلهم، قال محمد ابن إسحاق: لم يسبق عليا إلى الايمان بالله ورسالة محمد عليه السلام أحد من الناس، اللهم إلا أن تكون خديجة زوج رسول الله صلى الله عليه وآله.
قال: وقد كان صلى الله عليه وآله يخرج ومعه علي مستخفيا من الناس، فيصليان الصلوات في بعض شعاب مكة، فإذا أمسيا رجعا، فمكثنا بذلك ما شاء الله أن يمكثا لا ثالث لهما (2). انتهى.
وقال في موضعين آخرين: وقال عثمان لعلي في كلام دار بينهما: أبو بكر وعمر خير منك، فقال: " كذبت أنا خير منك ومنهما، عبدت الله قبلهما وعبدته بعدهما (3) انتهى.
ومن كلامه صلوات الله عليه ذكره ابن أبي الحديد في الشرح: عن نصر: " ولا سواء من صلى قبل كل ذكر، لم يسبقني بصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وآله أحد " (4) انتهى.
Page 44
وقال في موضع آخر من الشرح: وذهب أكثر أهل الحديث إلى أنه عليه السلام أول الناس اتباعا لرسول الله صلى الله عليه وآله وايمانا به، ولم يخالف في ذلك إلا الأقلون، وقد قال هو عليه السلام: " أنا الصديق الأكبر، وأنا الفاروق الأول، أسلمت قبل إسلام الناس، وصليت قبل صلواتهم ".
ومن وقف على كتب أصحاب الحديث تحقق ذلك وعلمه واضحا، وإليه ذهب الواقدي، وابن جرير الطبري، وهو القول الذي رجحه ونصره صاحب كتاب الاستيعاب (1). انتهى.
قال ابن حجر في الصواعق المحرقة: الحديث التاسع والعشرين: أخرج الديلمي عن عائشة، والطبراني وابن مردويه عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وآله قال: " السبق ثلاثة: فالسابق إلى موسى يوشع بن نون، والسابق إلى عيسى صاحب يس، والسابق إلى محمد علي بن أبي طالب " (2). انتهى.
قال في روضة الأحباب عند ذكر بكاء فاطمة صلوات الله عليه لما قام رسول الله صلى الله عليه وآله ليخرج من عندها ليلة الزفاف، من جملة حديث طويل: پيغمبر صلى الله عليه وآله فرمود: أي دخترك من، چه جيز تو را در گرية من آورد، بتحقيق كه تو را بزنى بكسى داده أم كه اسلام وى از همه بيشتر، وخلق وى از همه بهتر، وعرفان وى بخداوند تعالى از همه زياد است (3).
وذكر ابن حجر في كتاب الصواعق المحرقة: عن ابن عباس، وأنس، وزيد بن أرقم، وسلمان رضي الله عنه، وجماعة: أن عليا صلوات الله عليه أول من أسلم قال: ونقل بعضهم الاجماع عليه.
Page 45