وإن كان لكونه تعالى حكيما لا يلبس على المكلفين فهو اعتراف بالمقصود.
لا يقال : إنه تعالى كلف بالإيمان من علم منه عدمه وهو قبيح ، لأنه إن كان لا لغرض فهو عبث قبيح ، وإن كان لغرض عائد إليه فهو محال ، وإن كان الى المكلف وكان ضررا فهو قبيح ، وإن كان نفعا فهو معلوم العدم فلا يحصل من التكليف الا الضرر ، وإن كان الى غيره فهو قبيح ، لأن نفع الغير بتكليف هذا قبيح.
لأنا نقول : النفع عائد الى المكلف وهو تعريضه للثواب ، ومعنى ذلك أن يجعله بحيث يتمكن من الوصول الى النفع وهذا الغرض قد حصل.
** مسألة
فالله تعالى لا يريد القبائح ويريد الطاعة ، ولأن له داعيا الى الطاعات من حيث إنه حكيم فله داع الى الحسن والطاعات حسنة وله صارف عن (1) المعاصي لحكمته أيضا ، ولأنه تعالى أمر بالطاعة ونهى عن المعصية وهما يستلزمان إرادة الطاعة وكراهة المعصية.
وقول الأشعرية : الأمر يدل على الطلب لا على الإرادة ، سخيف.
أما أولا ، فلعدم العلم بالزائد (2) على الإرادة في حقه تعالى.
وأما ثانيا ، فلأن الطلب لا يعقل مع مغايرته للإرادة انفكاكه عنها ، ولأن مريد القبيح ناقص ، تعالى الله عنه ، ولأن السمع قد دل على ذلك.
وأما الأشاعرة فقد جوزوا على الله تعالى إرادة القبائح وكراهة الطاعة من العاصي وحب المعصية منه تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ، وقد ألزمهم المعتزلة كون الكافر مطيعا بكفره من حيث إنه فعل ما أراد الله منه ، ولأنه حكيم فكيف يأمر بالإيمان للكافر ، والأمر بعث عليه وتقريب منه مع أنه يكرهه.
واحتجت الأشاعرة على مذهبهم بأنه تعالى فاعل لكل موجود على
Page 376