المقدمة فى تعريف التفسير وانواعه
بسم الله الرّحمن الرّحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسّلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن اتبع هديه إلى يوم الدين، وبعد:
فلقد حظى القرآن الكريم وهو الكتاب الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد- حظى بالتفاف أعلام الأمة الاسلامية حوله لفهم نصوصه المطهرة والعمل بما تتضمنه من أحكام عديدة فيها صلاح الحال والمآل لهذه الأمة الكبيرة.
ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ.
(سورة الأنعام الآية ٣٨) ولقد تنوعت المصادر التى استقى منها المفسرون مناهجهم لفهم كتاب الله لمحاولة التعرف على فهم دقائقه وإبرازها فى صورة لائقة لتكون فى متناول الإنسان المسلم الذى يحب كتاب الله تلاوة وفهما والعمل بما يحويه هذا الكتاب من خيرى الدنيا والآخرة، ولقد اعتمد المفسرون على مصادر عديدة تحددت منها مناهجهم وتعددت بتعدد تلك المصادر.
وكان أهم تلك المصادر:
١ - ما أثر عن رسول الله ﷺ فى بيان معنى المجمل من القرآن وإيضاح المعنى القرآنى وتقريبه.
فعن ابن عباس قال: سأل رجل رسول الله ﷺ:
1 / 5
قال: أرأيت قول الله:
كَما أَنْزَلْنا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ.
(سورة الحجر الآية ٩٠) قال: اليهود والنصارى.
قال: الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ! ما عضين؟
قال: «آمنوا ببعض وكفروا ببعض».
وقد فسر رسول الله ﷺ الآية الكريمة:
هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ.
(سورة الرحمن الآية ٦٠) بقوله: هل جزاء من أنعمت عليه بالتوحيد إلا الجنة.
ويروى أن أبا بكر قام فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: يا أيها الناس إنكم تقرءون هذه الآية:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ. (سورة المائدة الآية ١٠٥) وإنا سمعنا رسول الله ﷺ يقول: إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقابه. وأبو بكر رضى الله عنه يقول: يا رسول الله كيف الصلاح بعد هذه الآية؟
لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ، مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا. يُجْزَ بِهِ. (سورة النساء الآية ١٢٣) فكل سوء عملنا يجزينا به؟
فقال رسول الله ﷺ:
1 / 6
غفر الله لك يا أبا بكر، ألست تمرض؟ ألست تنصب؟ ألست تحزن، ألست تصيبك اللأواء؟
- قال: بلى.
- قال: فهو ما تجزون به.
ولقد عرف هذا النوع الذى برز فى تفسير بعض المفسرين بالتفسير بالمأثور، ومن أهم مصادره التى يعتمد عليها (الدر المنثور فى التفسير بالمأثور) للإمام جلال الدين السيوطى- حيث اعتمد على ما أثر عن رسول الله ﷺ، وصحابته الأجلاء فى تقرير المعانى لكثير من آيات القرآن الكريم ومن أبرزهم ابن عباس رضى الله عنهما الذى حظى بصحبة رسول الله ﷺ خادما ومتعلما مع حظوته بدعاء الرسول ﷺ فكان فقيه الأمة وحبرها الذى لا يجارى علما وفقها فى الدين ومعرفة بالتأويل.
ولقد كان القرآن الكريم، ولا يزال محورا للثقافة الإسلامية منذ أن تألفت أمة بقيادة رسول الله ﷺ. جمعها على التوحيد لله ﷾ وخلافته فى الأرض، فرأى المسلمون فى آيات القرآن الكريم حثا على النظر والتأمل فيه وتدبر آياته:
كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ، وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ. (سورة ص الآية ٢٩) أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ. (سورة محمد الآية ٢٤) ومن ثم نشأ- زيادة على التفسير بالمأثور-: (التفسير بالرأى) القائم على التدبر والفهم لكتاب الله ﷾ والاستعانة فى ذلك بالعلوم الخادمة لهذا الغرض الجليل وهى كثيرة تعددت وتنوعت فمنها علوم العربية نحوها وصرفها وبلاغتها وما روى عن رسول الله ﷺ قولا وعملا وغير ذلك من العلوم الكثيرة.
1 / 7
واختلفت أنظار المفسرين وطرقهم ومناهجهم فى التفسير تبعا لاختلاف مشاربهم، فمنهم من غلبت عليه النزعة الفكرية العقائدية فتوسع توسعا كبيرا فى شرح الآيات
المتصلة بهذه المعانى، ومنهم من غلبت عليه النزعة الفقهية الشرعية فتوسع توسعا كبيرا فى هذه النواحى وهكذا من توسع فى القصص والأخبار ومن توسع فى الأخلاق والتصوف والمواعظ وآيات الله فى الأنفس والآفاق وغير ذلك.
كذلك كان من المفسرين من أطال ومنهم من أوجز واختصر ومنهم من توسط بين هذا وذاك.
ولقد ترك هؤلاء وهؤلاء ثروة علمية ضخمة. أبانت عن جهود أمة .. خدمت كتاب ربها وعنيت به عناية فائقة ... لا يسبقها فى ذلك أمة .. حفظا وضبطا وشرحا واستنباطا لمسائل الشريعة الغراء لتكون الأمة الإسلامية كما أراد الله لها خير أمة أخرجت للناس، تأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر وتؤمن إيمانا حقيقيا بالله ﷾.
ولم تقف الحركة الفكرية عند المسلمين يوما بالنسبة لكتاب الله سبحانه بخاصة فى هذا العصر الحديث الذى امتاز بالتقارب بين الأجناس، وتكاثرت وسائل الاتصال فيه بين الأمم والشعوب وانتعشت فيه وسائل العمران البشرى على وجه العموم، وما زالت هذه المناهج فى تفسير القرآن إلى الآن على ما كانت عليه فى السابق من تفسير بالمأثور، وتفسير بالرأى، وتفسير جامع بين المأثور والرأى، وما زال القرآن هو الكوكب الدرى الذى يضيء الطريق للساكنين، وينشر ضياءه فى الخافقين، أما ما أضافه العلماء فى العصر الحاضر إلى ذلك، فهو ما يتصل بما أشار إليه القرآن الكريم من أفكار علمية، وحقائق كشف عنها التقدم فى عصرنا الحاضر، ويسرف بعض الناس فى ذلك فيحملون القرآن ما لا يحتمل أو يخرجون باللفظ عن معناه الذى يتطلبه السياق.
وعلى كل حال فهى- إن حسنت النية- محاولات فيها اجتهاد يسير فى إطار الآية القرآنية الكريمة:
1 / 8
سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ (سورة فصلت الآية رقم ٥٣) وسنعرض فى أحاديثنا التالية لجهود العلماء فى كشف أسراره وتوضيح معانيه، وتوجيه الأبصار إلى النور الذى يحتويه.
ولا يسعنا فى ختام هذه المقدمة إلا التوجه بالشكر لفضيلة الامام الأكبر دكتور عبد الحليم محمود شيخ الأزهر حيث كان لى عظيم الشرف أن يكتب فى مناهج المفسرين عن:
١ - الإمام سفيان الثورى وتفسيره
٢ - الإمام القشيرى وتفسيره.
٣ - الإمام ابو الحسن الشاذلى وتفسيره
٤ - الإمام ابو العباس المرسى وتفسيره فله عظيم الشكر وجزيل الامتنان
دكتور: منيع عبد الحليم محمود
مدرس التفسير وعلوم القرآن كلية أصول الدين- جامعة الأزهر
1 / 9